الهيئات الاستشارية العامة في قطاع الوظيفة العمومية بالمغرب:
إكراهات الاشتغال وآليات التفعيل
سمير صمري
طالب باحث في سلك الدكتوراه
جامعة محمد الخامس –الرباط-
اقترن التحديث الإداري بضرورة اللجوء للاستشارة، وأصبحت الهيئات الاستشارية العامة في قطاع الوظيفة العمومية من مقتضيات وجود الإدارة الحديثة، إذ تختص بالحوار والتشاور في القضايا التي تستهدف تحديث نظام الوظيفة العمومية من جهة، والعمل على النهوض بأوضاع الموظفين من جهة أخرى. ذلك، لأجل تكريس أسمى صور تطبيق النظام الديمقراطي، وجعل الإدارة قبل كل شيء مستكملة لبناء الصرح المؤسساتي لدولة الحق والقانون والمؤسسات.
وحيث إن العمل بمبدأ التشاور كضمان لانخراط ومساهمة كافة الفرقاء في تدعيم الإصلاح الإداري، جاء تبعا لاهتمام النظام القانوني المغربي بفكرة الهيئات الاستشارية، وعمله على الأخذ بها، ثم تكريسها في جميع الأنشطة التي تقوم بها الإدارة، شأنه بذلك كباقي النظم الحديثة. وحيث من جهة ثانية أحدث المشرع المغربي هيئات استشارية متعددة وفي مجالات مختلفة وفي عدة قطاعات حكومية أساسية كالتخطيط والماء والبيئة تم تدشين انطلاق أشغال هيئة استشارية خاصة بقطاع الوظيفة العمومية، مؤطرة بمجموعة من النصوص المحددة الإطار القانوني الجديد للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية وكذا اللجان إدارية متساوية الأعضاء؛ هذه النصوص منها ما هو تشريعي ومنها ما هو تنظيمي، إضافة إلى القرارات التطبيقية ومختلف الوثائق المتعلقة به[1].
فمنذ السنوات الأولى التي تلت استقلال المغرب، ظل عمل المجلس الأعلى للوظيفة العمومية متوقفا وموجودا بالاسم فقط حتى تم تفعيله سنة 2002، بحيث تم تكوين المجلس وتنظيمه وتسييره بواسطة مرسوم 2.01.3059، ولازال المجلس حاليا في ولايته الثالثة وأصبح له دور فعال في قطاع الوظيفة العمومية والموظفين، أما اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء، فقد تشكلت وتم تفعيل دورها مباشر بعد صدور مرسوم رقم2.59.200. ، وكانت من أولى المؤسسات الاستشارية على الإطلاق ، وهذا ما يعطيها قيمة مضافة داخل الإدارة المغربية[2].
ورغم أن طبيعة رأي الهيئات الاستشارية في قطاع الوظيفة العمومية استشاري، إلا أنها رافدا من روافد تشكيل مجلس المستشارين ومجالس الجهات والمجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد بالنسبة لممثلي الموظفين الرسميين، إذ يحق لهم المشاركة في هذه الانتخابات ترشيحا وتصويتا[3].
ومن خلال هذا المنطلق، كان تفعيل المؤسسات وأسلوب المشاركة والاستشارة في خضم اهتمامات الحكومات المتعاقبة منذ سنة 1998، والتي أدت إلى إخراج مؤسسة المجلس الأعلى للوظيفة العمومية إلى الوجود، وكذلك مجموعة من التعديلات على القانون المنظم للجان الإدارية المتساوية الأعضاء، إلا أنها لم ترقى إلى التطلعات المتوقعة، ولم تسمو إلى الأهداف الرامية إلى تأهيل وتطوير القدرات التدبيرية للإدارة المغربية وتدبير الموارد البشرية والمساهمة في تطوير وضعيات الموظفين والحفاظ على حقوقهم وتأهيلهم للرفع من قدراتهم المعرفية لتقديم خدمة عمومية جيدة تستجيب لحاجيات المرتفقين، و تحقيق إدارة المرتفق.
وغني عن البيان، أن الاختلال في موازين العلاقة بين الإدارة والموظف، مع ما يترتب عن هذا الاختلال من هدر حقوق لهذا الأخير، استوجب تدخل المشرع لإعادة التوازن الطبيعي لهذه العلاقة، مع حفظ مصالح كلا الطرفين، ووضع حدود معقولة لسلطان هيمنة الإدارة في علاقات الموظف بالإدارة، وإشراكه في هذه المنظومة، يستلزم وضع إطار قانوني خاص لهذه الشراكة. لذلك، سن المشرع قواعد قانونية تحكم سير العلاقات بين الموظف والإدارة لتتسم بنوع من الشراكة والتشاور. ولقد كان لهذا التشاور الأثر البالغ على تطوير المنظومة القانونية داخل الإدارة المغربية، وتطور الإطار التشريعي لهذه العلاقة. مما يفتح المجال للتساؤل عن مآل هذه الهيئات في ظل التحولات الإستراتيجية للدولة، وكذا الأدوار الجديدة للأشخاص المعنوية العامة، والأكثر من ذلك بالجواب عن سؤال جوهري حول الإكراهات والعراقيل التي أغفلها المشرع المغربي عند معرض تنظيمه للهيئات الاستشارية العامة في قطاع الوظيفة العمومية ؟ وماهي آليات تفعيل عملها وآفاق النهوض بها ؟
يتحقق البحث في الموضوع عبر مدخلين أساسين، ذلك من خلال عرض الإكراهات والعراقيل التي تواجه سير عمل هذه الهيئات من خلال واقع ممارستها لاختصاصاتها (l)، فضلا عن إبراز آفاق النهوض بدورها وكيفية تأهيل وتفعيل عملها من خلال الآليات والوسائل الواجب استعمالها (ll).
(l): واقع عمل الهيئات الاستشارية العامة في قطاع الوظيفة العمومية
يمثل المجلس الأعلى للوظيفة العمومية أحد الهيئات الاستشارية ببلادنا والتي تنظم بنصوص متنوعة المصدر[4]، حيث يجد سنده القانوني في الفصل العاشر من النظام الأساسي للعام للوظيفة العمومية[5] ، وتحدد كيفية تطبيقه طبقا للمرسوم الملكي [6] .
إن قانون رقم 75.99[7] أوجد مادة فريدة من نوعها وسعت اختصاصات المجلس وأصبحت أكثر ملائمة مع التطورات التي عرفها مجال الوظيفة العمومية في الآونة الأخيرة:
– النظر في مشاريع القوانين المتعلقة بتغيير أو تتميم النظام الأساسي للوظيفة العمومية؛
– الإدلاء برأيه في مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة للموظفين الخاضعين للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية؛
– استشارة المجلس في توجهات السياسة الحكومية في مجال التكوين المستمر؛
– اقتراح جميع التدابير التي من شانها تطوير منظومة تدبير الموارد البشرية
وعكس باقي الهيئات الاستشارية بالمغرب، تعتبر مؤسسة اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء من أولى المؤسسات الاستشارية التي تم تفعيلها بعد الاستقلال، من خلال صدور المرسوم رقم 2.59.0200 بتاريخ 5 ماي 1995، والذي نص على إحداث لجان ثنائية على صعيد كل إدارة عمومية تحت اسم “اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء” بتركيبتها المندرجة بشكل متساو من ممثلي الإدارة وممثلي الموظفين، بهدف تمكين الموظفين من وسيلة للدفاع عن حقوقهم والحفاظ على الضمانات التي خولها المثسرع لفائدتهم، والعمل في نفس الوقت على إشراكهم في تدبير وضعيتهم الإدارية.
هذه اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء تعد فضاءات لتدارس أوضاع الموظفين أكثر منها آلية للتفاوض بشأن عدد من القضايا التي تهم الحياة المهنية والاجتماعية لهم، ذلك أن عملها ينحصر حاليا في المشاركة أو المساهمة إلى جانب الإدارة في إصدار قرارات تهم الوضعية الإدارية للموظفين. وهذا ما يكسب مهامها صفة “مهام وظيفية” عكس المنظمات المهنية والنقابية[8] التي تعتبر بدورها هيئات تمثيلية للموظفين والعمال، غير أنها لا توجد في جميع الإدارات.
و بالرجوع إلى مقتضيات المرسوم رقم 2.59.0200 الصادر في 5 ماي1959 المتعلق باللجان الإدارية متساوية الأعضاء والمراسيم التنظيمية، فإن اللجان الإدارية تمارس مهامها ضمن نطاق تم ترسيمه من طرف المشرع من خلال مقتضيات الفصل25 من المرسوم السالف الذكر، حيث تختص بالإضافة إلى المشاركة في تدبير الحياة الإدارية للموظفين، إلى ضمان عدم تعسف الإدارة في اتخاذ قرارات جائرة تمس بالحقوق الأساسية المخولة لهم وحماية الضمانات .
حيث تختص اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء الجهوية المحدثة على صعيد العمالات والأقاليم أو الجهات أو الإدارة المركزية، وباستثناء الترقي في الدرجة تستشار جميع المسائل المتعلقة بوضعيات الموظفين المنصوص عليها في الفصلين 25 و28 من المرسوم رقم 2.59.0200 والفصول 33 و63 و65 إلى 75 و81 و85 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية وهي:
الترسيم، الترقي في الرتبة، العقوبات التأديبية، الاستيداع، العزل انعدام الكفاءة المهنية، رد الاعتبار، طلبات الاستقالة المرفوضة من طرف الإدارة، إعفاء الموظفين الذين لم يتقدموا بطلب إعادة إدماجهم في التاريخ المحدد بعد استفادتهم من وضعية الاستيداع.
أما بالنسبة لاختصاصات اللجان الإدارية متساوية الأعضاء المركزية فهو اختصاص وطني بالنسبة للإدارات التي لها مصالح خارجية، وخول لها البت في ملفات الترقي[9] في الدرجة أو الإطار على الصعيد الوطني بالنسبة لموظفي إدارة معينة[10]، كما نص على ذلك .
ومن خلال عملية التشخيص لاختصاصات اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء، وتحديد مجالها وطريقة تركيبها من خلال النصوص القانونية والتنظيمية المنظمة لها، يتبين أن تدخل هذه اللجان ضروري وإجباري لمجموعة من القرارات المهمة التي تتعلق الحياة الإدارية للموقف الرسمي الصادرة عن الإدارة، وأن أي تجاوز لهذه الاستشارة يجعل من هذه القرارات معرضة للرفض من طرف المراقبة المالية من جهة، وقابلة للإلغاء من طرف القاضي الإداري بسبب الشطط في استعمال السلطة من جهة أخرى.
كما تلعب اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء دورا حيويا ومؤثرا في المجال التأديبي من خلال المهام التي أوكلت إليها، بحيث أنه بالرغم من التنصيص على استشارية رأيها، إلا أنه من خلال الواقع العملي، فإن دورها يكاد يكون تقريريا بالرغم من ضغط الإدارة أحيانا على ممثلي الموظفين للأخذ بموقفها.
اعتبر الاجتهاد القضائي المغربي قد اعتبر أن اقتراحات المجلس التأديبي لا تعتبر قرارات تنفيذية، وإنما أعمال تحضيرية لإصدار قرار نهائي من قبل السلطة المختصة، وبالتالي فهي غير قابلة للطعن أمام القضاء.
وبعد الخطوة الجريئة والرغبة الأكيدة في تفعيل المجلس الأعلى للوظيفة العمومية ،بإعادة النظر في مقتضياته بتغيير وتتميم الفصل العاشر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بتوسيع اختصاصاته ومراجعة تركيبته وكيفية اختيار أعضائه ، وصدور المرسوم المحدد لتطبيق مقتضيات الفصل العاشر، جاء قرار وزير الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري الذي أعطى انطلاقة المجلس وخروجه إلى الواقع لأداء الدور المنوط به ، وذلك بتحديد تاريخ إجراء انتخاب ممثلي الموظفين بالمجلس الأعلى للوظيفة العمومية، وبالتالي تفعيل آلياته.
وكذلك نفس الأمر بالنسبة للجان الإدارية المتساوية الأعضاء التي كانت دائما صرحا بجانب الموظفين والوظيفة العمومية، لكن هذا الواقع قد يكون أكثر مرارة عندما نجد أن الهيئات الاستشارية في قطاع الوظيفة العمومية يكون دورها استشاريا وليس إلزاميا وكذلك اختصاصاتها محدودة .
إن الإدارة تستغل اختصاصاتها في مجال إحداث الهيئات الاستشارية من أجل التحكم بشكل واسع في سيرورة الحوار والتشاور، فلا تحدث هذه الهيئات إلا عند إحساسها بحاجة لتقليص الأخطاء والشكوك عن نشاطها.
كذلك نجد أن الهيئات المحدثة تتمتع باختصاصات جد محدودة باعتبارها مؤسسات وظائف متخصصة في مجال محدد، وكذلك لكون الإدارة تتحكم في النشاط الاستشاري ، ذلك أن ممارسة هذه الهيئات الاستشارية لاختصاصاتها يتطلب تدخلا آخر للإدارة التي تحتفظ لنفسها بحق اتخاذ المبادرة للاجتماع سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق رئيس الهيئة المعنية، والذي يعتبر في حد ذاته سلطة إدارية في أغلب الأحيان، الشيء الذي يمنحها صوتا ترجيحيا في حالة تعادل الأصوات، علاوة على ذلك الإدارة لا يمكنها أن تصدر آراء واقتراحات إلا بناءا على طلب الإدارة. وبالتالي يبقى رأيها تعبيرا فقط عن موقفها ونظرتها إلى الأمور المعروضة عليها.
الفقرة الأولى: قصور القواعد المؤطرة للهيئات الاستشارية العامة في قطاع الوظيفة العمومية
بالرغم من صدور القوانين المنظمة للهيئات الاستشارية في قطاع الوظيفة العمومية منذ فجر الاستقلال و اعتبارها طرفا فاعلا بالإدارة من خلال مساهمتها في تطوير مفهوم وظيفة الموارد البشرية وتطوير القدرات التدبيرية للإدارة المغربية وتحقيق إدارة المرتفق ، وبالرغم من صدور عدة تعديلات سواء على القوانين المنظمة للجان الإدارية المتساوية الأعضاء وكذا إخراج المجلس الأعلى للوظيفة العمومية إلى الوجود ، فإنه لا زال عمل هذه الهيئات يعرف إكراهات وعراقيل لا حدود لها ، وخصوصا أن هذه التعديلات أدت إلى الإخلال بالانسجام العام بين بنود النص ، والذي أثر بشكل كبير على عمل .
أولا : الإشكاليات الجوهرية المرتبطة بالنصوص المنظمة للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية
عرف المغرب مرحلة حبلى من التناقضات والتراكمات التي خلفها المستعمر، وكان من الضروري وضع مخطط لسد وملء الفراغ الناتج عن مغادرة الفرنسيين بصورة جماعية للإدارة ووضع أسس لهذه الأخيرة، إذ صدر القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، واعتبر المجلس الأعلى للوظيفة العمومية مكسبا للإدارة المغربية وبالتحديد للوظيفة العمومية والموظف العمومي، وتوالت الإصلاحات والتعديلات الإدارية ، لكن الإدارة ظلت بين مطرقة السلطة الحكومية وسندان مرحلة سياسية امتدت لسنوات والصراع مع رهانات الفاعلين والسياسيين والاجتماعيين، والمشرع نفسه كان تحت رحمة هذه الهيمنة، ويظهر هذا من خلال فقرات الفصل العاشر، التي تعبر بكل وضوح عن قوة السلطة العمومية، وأخذها بزمام الأمور حتى من خلال وضع نص مؤسسة تضطلع بمهمة الاستشارة والحوار،من خلال الإشارة في البداية إلى دور المجلس المتمثل في الاستشارة عند الحاجة إليه، ليتغير دوره مع التعديل الأخير المتعلق بقانون رقم 75.99[11] ليصبح اختصاصه النظر في جميع القضايا ذات الطابع العام المتعلقة بالوظيفة العمومية المعروضة عليه من طرف الحكومة.
لازالت الأصوات تتعالى للمطالبة باجتماع المجلس الأعلى للوظيفة العمومية، فمنذ خروج المجلس إلى الوجود ومرور إحدى عشر سنة (11) لم يتم تفعيل عمل المجلس بشكل دوري ولم تمر سوى ثلاثة اجتماعات، رغم أن القانون يحدد اجتماع المجلس من خلال الجمع العام مرة كل سنة مع امكانية عقد جمع استثنائي[12] .
ونجد أيضا أن أعضاء المجلس الأعلى للوظيفة العمومية ليست لهم الكفاءة المطلوبة، فالديمقراطية شيء مرغوب فيه، لكن اعتمادها أحيانا بدون قواعد محددة قد يؤدي إلى غياب آليات لتفعيل الديمقراطية داخل مثل هذه المؤسسات والتي يتطلب العمل بها على التوفر على رصيد مهم من المعرفة القانونية والإدارية.
إن طغيان الطابع السياسي على التسيير الإداري والذي نقصد به التدخل المستمر للسلطة السياسية في النشاط الإداري [13]، يؤثر في تكوين المجلس الأعلى للوظيفة العمومية ، فالسلطة السياسية تتدخل في تعيين ممثلي الإدارة ، وكذلك حتى ممثلي الموظفين المنتخبون يأتون من بين المنتخبين باللجان الإدارية بالتالي تدخل النقابات في الترشيح مما يفاقم الوضع من استقلالية المجلس .
ثانيا : الصعوبات المتعلقة بالنظام الخاص باللجان الإدارية المتساوية الأعضاء:
عرف المرسوم 2.59.200 الآنف الذكر منذ صدوره ستة تعديلات كان آخرها 2003، وتعتبر تغييرات سنة 1997[14] أهم التعديلات والتي أتت بتركيب اللجان وطرق ونمط الانتخابات، وقد أدى هذا التعديل إلى جعل مجموعة من القواعد التي نص عليها الفصل 21 شبه معطلة، مما ترتب عنه اللجوء إلى استثناءات الفصل 28، بسبب الصعوبات في عمل هذه اللجان هذا من جهة، ومن جهة أخرى تم تفعيل جهوية اللجان الإدارية ابتداء من سنة 1997 دون أن تتأهل مصالح الموارد البشرية بالإدارات العمومية لهذا الإصلا ، مما أدى في النهاية إلى إفراغ هذا الإصلاح من جوهره الأساسي ، ذلك أن غياب إدارة جهوية حقيقية للموارد البشرية، نتج عنه ظهور مشاكل جديدة كانت إدارتنا في غنى عنها ، مما ترتب عنه إختلالات في تسوية وضعيات العديد من الموظفين، انطلاقا من الترقية في الرتبة إلى المجال التأديبي بالخصوص[15].
بالإضافة إلى ذلك فالحركية الانتقالية للموظفين بين المصالح وخصوصا الخارجية منها، يؤثر بشكل سلبي على سير أعمال اللجان الإدارية بسبب تعذر ضمان حضور ممثلي الموظفين في أشغال اللجان[16]، كما تبين أن مشكل التكوين قد طغى كثيرا على أعمال هذه اللجان ، ففي غياب تأطير ، لا من الإدارة أو الهيئات النقابية أثر بشكل سلبي على دورها، كما عدم إلمام كل طرف بالدور المنوط به داخل هذه اللجان أثر على القرارات الصادرة عنها وجعل أحيانا الإدارة المركزية للوزارات تبدل مجهودات إضافية لمعالجة المشاكل الناتجة عن هذه الإختلالات كانت بالأمس القريب لا تعرفها إلا نادرا[17].
وكذلك نجد أن المصالح الخارجية للوزارات تعاني بشكل كبير من ضعف التأطير بها مما ترتب عنه تعيين ممثلين للإدارة بهذه اللجان يفتقدون إلى الكفاءة والمعرفة القانونية والإدارية التي تمكنهم من دراسة الملفات المعروضة عليهم بكل فعالية وكفاءة ، ومن خلال عمل هذه اللجان ، لوحظ عدم إلمامها بالمساطر الإدارية التي تدخل ضمن مجالات اختصاصاتها ، لا من طرف ممثلي الإدارة ولا من طرف ممثلي الموظفين بل حتى المكلفين بالموارد البشرية بالمصالح الخارجية ولا سيما في مجال الـتأديب.
ورغم أهمية الإصلاحات التي سعى المشرع المغربي من خلالها إلى تفعيل جهوية في تدبير الموارد البشرية فإنه قد تم تغييب هذا المعطى من خلال الفصل 2 من مرسوم 1959 [18] ، حيث تم ربط تكوين لجان جهوية بالاختصاص الترابي للمصالح اللاممركزة، وسمح بإمكانية إحداث لجنة مختصة إزاء مجموعة من الأطر دون اشتراط رابط معين بينها (أعوان عموميين ومهندسين)، وهذا راجع إلى أن بعض القطاعات الإدارية لا تغطي جميع التراب الوطني أو بسبب قلة موظفيها بالمصالح الخارجية، مما يطرح بإلحاح مشكلا للعديد من الإدارات العمومية ألا وهو مشكل هندسة اللجان الإدارية .
كما أن هذه الجهوية، أدت إلى تجميد تمثيلية بعض الموظفين ولا سيما حالة إحداث لجان تتألف من عدة أطر متباينة في سلالمها ، وهذا من نتائج تعديل الفصل الرابع (4) من مرسوم اللجان [19] والذي لم ينص على مبدأ المساواة في تمثيلية الدرجات داخل إطار معين، وهذا المعطى لا يعمل به عند تقديم الترشيحات، ذلك أن قد يحصل أن يتم شل درجات بكاملها ولا نجد لها تمثيلا بهذه اللجان، وأحيانا أعوانا بسلالم دنيا يمثلون أطر عليا. ونفس الشيء بالنسبة للفصل 13 من نفس المرسوم بعد تعديله طرح عدة إشكاليات وتعقيدات بحيث لم يشترط فيه لصحة لائحة معينة تغطية مجمع الدرجات مكونة لإطار معين وركز فقط على تساوي عدد المرشحين مع عدد الممثلين الرسميين والنواب فترتب عن هذا الإجراء أن تصبح اللجان في حالات عديدة مشلولة في حركيتها، ولاسيما إذا ترشح فقط أعضاء من درجات دنيا مما يستلزم اللجوء إلى استثناءات الفصل 28 من المرسوم 2.59.200 السالف الذكر.
ولقد امتد الاختلال بدوره إلى تمثيلية الموظفين داخل اللجان بحيث لم تأخذ بعين الإعتبار المعطى المتعلق بأعداد موظفي كل وزارة، عند تحديد ممثلي الموظفين باللجان المركزية ، فمثلا بقطاع التربية الوطنية التي تشغل أزيد من 300 ألف موظف ن فإن عدد ممثلي الموظفين الرسميين باللجان المركزية التي لها اختصاص البت في الترقية في الدرجة هو 64 ممثلا، مقابل وزارة تحديث القطاعات العامة بأقل من 300 موظف ممثلة ب16 ممثل باللجان المركزية بحكم أنها ليست لها مصالح خارجية[20] .
وبالمقارنة مع مدونة الشغل، فالأمر مختلف تماما، فإذا كان عدد ممثلي الموظفين بالنسبة ل 100 موظف بلجنة معينة يخول 4 ممثلين رسميين، نجد في المقابل القطاع الخاص أن كل 100 مستخدم يخول 9 مندوبين للأجراء، مما يطرح أكثر من علامة استفهام[21]، وكذلك مدونة الشغل سهلت مأمورية ومهام ممثلي المستخدمين حين خصص أماكن لمندوبي العمال للقيام بمهامهم ، وهذا العنصر مغيب ومنعدم تماما في ممثلي الموظفين باللجان الإدارية.
وكذلك حددت مدونة الشغل مفهوم النقابة الأكثر تمثيلية بالقطاع الخاص من خلال المادة 435، وذلك بناء على عدد المقاعد المحصل عليها من الانتخابات ، في حين انعدام مثل هذه القواعد في قطاع الوظيفة العمومية ، وأمام هذا الفراغ القانوني ، فإن قواعد قانون الشغل [22]، هي التي تؤطر عمل النقابات المهنية بقطاع الوظيفة العمومية.
إضافة إلى هذه الفجوات، هناك إشكاليات جوهرية لابد من التذكير بها ويتعلق الأمر بمشكل صياغة النص في حد ذاته، فهناك مشكل الترجمة من الفرنسية إلى العربية، حيث تختلف المفاهيم كلما قراناها بإحدى اللغتين، مع العلم أن النص الأصلي موضوع بالفرنسية.
وكذلك مشكل التقادم بالنسبة للفصول المتضمنة لمرسوم 1959، فهناك مصطلحات ومفاهيم تم تجاوزها بكثير وأصبحت تؤثر على العملية برمتها، وكذا مشكل عدم انسجام نصوص هذا المرسوم، بسبب عدم تطابق العديد من فصوله، كما هو الحال بالنسبة للفصلين 11 و12 وخصوصا فيما يتعلق بشرط آجال تعليق اللوائح.
وتبقى أهم العوائق التي تصيب دور هذه المؤسسة هو أن التصويت يكون برفع الأيدي وليس بالاقتراع السري مما يكرس سلطة الإدارة وجبروتها، وكذلك لا يجوز للموظف أن يبدي في حالة موظف أعلى منه درجة خصوصا في حالتي الترقي والتأديب.
الفقرة الثانية : عدم إلزامية آراء الهيئات الاستشارية وهيمنة الإدارة على سير الأجهزة
إذا كان إحداث الهيئات الاستشارية في مجال الوظيفة العمومية قد جاء من أجل التوفيق بين واجب الامتثال للأوامر الرئاسية وضرورة إشراك الموظف في صنع القرارات الإدارية،
فإن هذه الهيئات لازال دورها يعرف قصورا ملحوظا ، يرجع بالأساس على عدم التزام الإدارة بالأخذ بالاقتراحات والتوصيات الصادرة عنها، ويعزى هذا الأمر إلى عدم إلزامية آراء وتوصيات الهيئات الاستشارية، إلى جانب هيمنة الإدارة على سير الأجهزة وهنا يطرح التساؤل هل الإدارة لازالت تنفرد بسلطة القرار؟ وهل الهيئات الاستشارية أعادت النظر في المكانة المحورية للسلطة الإدارة لصالح التوازن بين الإدارة والموظف؟[23]
أولا : عدم إلزامية اقتراحات وآراء الهيئات الاستشارية
إن تحليل اختصاصات المجلس الأعلى للوظيفة العمومية واللجان الإدارية المتساوية الأعضاء ،يبين محدودية وتواضع تأثير الاستشارة على مسلسل اتخاذ قرارات الوظيفة العمومية، وهكذا فإن السلطة الحكومية تستشير المجلس الأعلى للوظيفة العمومية في كل المسائل المتعلقة بالموظفين والوظيفة العمومية غير أن الواقع هو أن هذا الاختصاص يبقى مرتبطا بإرادة السلطة الحكومية التي يعود إليها حق اختيار وطرح المواضيع للاستشارة [24].
فرغم أن المجلس الأعلى للوظيفة العمومية يضم من حيث تكوينه عددا متساويا من ممثلي الإدارة و ممثلي الموظفين ، وهذا ما يجعله إطارا ملائما للحوار والتشاور، فإن عدم إلزامية نتائجه بالنسبة للحكومة من الناحية القانونية باعتبار دوره يكتسي طابعا استشاريا يجعل مجال تدخله خاضعا لإرادتها[25].
وبخصوص اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء ، فرغم إلزامية استشارتها في مختلف عمليات تسيير الموظفين، مما يبرز أهمية الدور المنوط بها فيما يتعلق بدعم الضمانات الأساسية المخولة للموظفين أمام أي تعسف محتمل من الإدارة ، فإن تدخلها يقتصر على القضايا الفردية التي تمس بشكل مباشر وخطير الوضعية الإدارية للموظف، بينما لم يتم ضم القضايا الأخرى ذات الطبيعة الفردية (مثل رفض منح الرخص أو الإذن بالتغيب لأجل الدراسة أو لأمور شخصية …) إلى قائمة اختصاصات هذه اللجان إضافة إلى استبعاد تدخلها في المسائل العامة المتعلقة بالوظيفة العمومية، كتنظيم المصالح أو تحديد طرق العمل…[26]
إن المجلس الأعلى للوظيفة العمومية واللجان الإدارية المتساوية الأعضاء كهيئة استشارية، فإن استشارته لا تغدو سوى مجرد إمكانية استشارته إذا دعت الضرورة إلى ذلك فالمشرع المغربي حينما يحدث جهازا استشاريا فإنه نادرا ما يجعل من الاستشارة ضرورة إلزامية ، بل يكتفي بالإشارة إلى المسطرة المتبعة أو الجهاز الاستشاري ، تاركا السلطة الإدارية الحرية في اللجوء إليها[27]، ويستنتج من ظهير 24 فبراير 1958 والفص 11 من المرسوم الملكي ، أن المجلس الأعلى واللجان الإدارية تستشار عند الحاجة ولم يتم ورود أي صيغة تدل على إمكانية إلزامية الاستشارة .
ثانيا: هيمنة الإدارة على سير الأجهزة
إذا كان تأسيس الهيئات الاستشارية بجانب الإدارة يؤكد الرغبة في تحسين وضعية الموظفين والوظيفة العمومية ، فإن هذه الرغبة ليست حقيقية ما دام حق إحياء أو إماتة هذه الأجهزة بيد الإدارة [28]، كما هو الشأن بالنسبة للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية لم يتم تفعيل عمله إلا بعد مرور 44 سنة من صدور ظهير تنظيمه.
وبالفعل فإن تحليل مضمون مختلف النصوص المتعلقة بالمجلس الأعلى للوظيفة العمومية واللجان الإدارية المتساوية الأعضاء يؤكد الدور المركزي الذي تلعبه الإدارة في تسييرها بل حتى في وجودها ، ولها سلطة حلها إذا حدثت صعوبة في تسييرها ،
علاوة على ذلك فإن غياب نظام داخلي خاص باللجان الإدارية المتساوية الأعضاء ، وتحمل وظيفة الكتابة من طرف ممثل الإدارة قد لا يكون عضوا في اللجنة ، والدعوة للاجتماع وحصر جدول الأعمال من طرف الإدارة ، وتتميع هذه الأخيرة في شخص رئيس اللجنة بحق الصوت المرجح ، هي كلها مؤشرات تعبر عن الهيمنة الواسعة للإدارة على اللجان الإدارية[29].
ونفس الأمر ينطبق على المجلس الأعلى للوظيفة العمومية حيث نص مرسوم 2.01.3059 في بابه الثاني على تنظيم وتسيير المجلس والذي أعطى لرئيس المجلس الأحقية في الدعوة لانعقاد الجمع العام أو اللجان الفرعية الثنائية، وكذلك تحديد عدد هذه اللجان وتعيين رؤساءها وعدد أعضائها، ومجال اختصاصها[30]، وكذلك تمتيع رئيس المجلس بصوت الأرجحية في حالة التعادل في الأصوات، إلى جانب تحمل مصالح وزارة الوظيفة العمومية وتحديث القطاعات كتابة المجلس .
كما أن تعيين ممثلي الإدارة الرسميين والنواب في حظيرة اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء يتم من بين الموظفين العاملين في الإدارة المعنية بالأمر أو المنتمين إلى سلك أعلى والمعهود إليهم بإجراء مراقبة على هذه الإدارة ويكون ضمنهم بالأخص الموظف المعين من طرف الوزير ليتولى رئاسة اللجنة…[31]. وبذلك فإن تعيين ممثلي الإدارة من رتب عليا يحافظ على النفوذ الرئاسي داخل اللجان الإدارية وهو ما يؤدي إلى هيمنة الإدارة على سير هذه اللجان.
ولم يقف نزوع الإدارة نحو الهيمنة عند هذا الحد ، بل إن إعادة النظر في مبدأ تساوي أعضاء اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء الذي تم إقراره بموجب الفصل 11 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية بواسطة الفصل الأول من مرسوم 5 ماي 1959 ، والذي سمح بصحة مداولات اللجنة الإدارية بنصاب ثلاثة أرباع الأعضاء أو الاكتفاء بنصف الأعضاء بعد استدعاء جديد [32].
و كذلك نفس الأمر بالنسبة للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية من خلال المادة 12 من مرسوم 25 مارس 2002، حيث تصح مداولات الجمع العام بحضور ثلثي الأعضاء أو مهما كان عدد الأعضاء في استدعاء ثان.
مما ينتج عنه في كلتا الحالتين عدم تساوي الأعضاء وما ينتج عن ذلك من ترجيح كفة الإدارة وتهديد مصالح الموظفين في حالة غياب ممثليهم لسبب من الأسباب.
غير أنه إذا كانت الإدارة تتجاهل أحيانا الأهمية التي يكتسيها تساوي الأعضاء في المسطرة التأديبية ، فإن المجلس الأعلى ذكرها في إحدى قراراته بهذه الأهمية ، حيث صرح بأن ” تكوين اللجنة لا يستجيب لقاعدة تساوي الأعضاء التي أقرها المشرع لضمان حقوق الموظفين ، وبالتالي فإن القرار المتخذ إثر هذه المداولة ،يعد مجردا من أي أثر قانوني ” [33].
(ll): آليات تفعيل عمل الهيئات الاستشارية في قطاع الوظيفة العمومية وسبل النهوض بدورها
إن تمكين المؤسسات الاستشارية من الوسائل والآليات الكفيلة بجعلها تساهم في تطوير وتحديث قطاع الوظيفة العمومية وتأهيل الموظفين تعتبر مرتكزات أساسية لتفعيل عمل هذه الهيئات والنهوض بدورها ويتجلى هذا الأمر بتوسيع اختصاصاتها لتشمل مجالات جديدة وتساهم في رسم السياسة العامة للإدارة العمومية أو الجماعة المحلية في مجال تدبير الموارد البشرية مع الأخذ بعين الاعتبار البعد الجغرافي لتنظيم الإدارات وتبني مقتضيات جديدة وقواعد قانونية وتنظيمية في مجال الاجتماعات والانتخابات.
الفقرة الأولى: تأهيل الهيئات الاستشارية العامة في قطاع الوظيفة العمومية
خول المشرع المغربي للهيئات الاستشارية العامة في قطاع الوظيفة العمومية عدة حقوق وضمانات أثناء مزاولتهم لمهامهم التمثلية، بالرغم من عدم التنصيص عليها صراحة ضمن النصوص القانونية المنظمة لعمل هذه الهيئات، وذلك لحمايتهم من كل ما من شأنه أن يؤثر على موقفهم الحيادي أو يعرضهم للمساومة.
حيث يتمتع أعضائها بكامل الحرية في إبداء آرائهم أثناء المداولات والمتمثلة في الدفاع عن الحقوق والمكتسبات المخولة للموظفين.
وتبعا لذلك، فإن عمل هذه الهيئات يتميز بعدة ضمانات، أهمها لا يمكن خلال مدة انتداب هذه الهيئات إنهاء مهام أعضائها المنتخبين إلا حسب مسطرة طويلة ومعقدة؛ كما أنه لا يمكن إجراء متابعات تأديبية أو اتخاذ إجراءات تعسفية في حق الأعضاء عن الآراء التي يبدونها أثناء المداولات؛ ويجب أن يتمتع قرار ممثلي الموظفين في مواجهة الإدارة باستقلالية، إضافة إلى أنه من حق ممثلي الموظفين في الاطلاع على جميع الوثائق التي تهم مجال عملهم؛ وحقه في حضور أعمال الجموع العامة واللجن من خلال منحهم رخص استثنائية بالتغيب وتعويضا عن التنقل والإقامة في حال سفرهم إلى مدن أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن أعضاء المجلس الأعلى للوظيفة العمومية وأعضاء اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء لا يتقاضون أي تعويض عن المهام التي يقومون بها..
كل هذه الضمانات تسعى إلى تحقيق الاستقلالية لدى هذه الهيئات و تأهيلها وذاك من خلال تمكين هاتان المؤسستان من الوسائل والآليات الكفيلة بجعلها فضاء يسمح بمناقشة وطرح التصورات الحديثة والعملية للنهوض بالإدارة وبالإطلاع على المشاكل اليومية للتسيير الإداري وذلك عن طريق إشراك جميع الفاعلين المعنيين.
ويقتضي تحقيق هذا الغرض أولا مراجعة الاحتكار والهيمنة اللذان تتمتع بهما الإدارة في حظيرة هاته الهيئات وثانيا الأخذ بالآراء الاستشارية.
أولا : ضرورة استقلالية الهيئات العامة الاستشارية في الوظيفة العمومة
تعتبر استقلالية الهيئات الاستشارية العامة في قطاع الوظيفة العمومية عنصرا أساسيا لا غنى عنه لتوفير فضاء للحوار الحقيقي والتشاور الجاد في كل القضايا المتعلقة بالوظيفة العمومية والموظف العمومي، ذلك أن موضوعية ومصداقية أعمالها رهينة بهذه الاستقلالية، ورهينة بإزالة الاحتكار المفروض من طرف الإدارة سواء في سلطة إحداث هذه الهيئات، من خلال مراجعة نظام المجلس الأعلى للوظيفة العمومية على قاعدة التمثيلية[34]، وإعطاء الصلاحية للمركزيات النقابية لتعيين ممثليها وتغييرهم عند الاقتضاء والمشاركة المتساوية في لجان العمل وتفعيل مبدأ الاستشارة، وكذلك مراجعة منظومة اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء على قاعدة توسيع مجال صلاحياتها وتدخلاتها وتناسبية تمثيليتها، بالإضافة إلى إيجاد صيغة جديدة وبديلة لتعيين الرئيس من الإدارة وترجيح صوته في حالة التساوي والتعادل في الأصوات، كما ينبغي فصل هذه الهيئات عن كل التأثيرات التي قد تمارسها الإدارة في حق الأعضاء.
كما يجب الترشيح للهيئات الاستشارية باسم الهيئات النقابية وذلك سيرا على ما هو جاري به العمل لدى العديد من الدول الديمقراطية ولا سيما فرنسا ،
إلى جانب ضرورة الحد من هيمنة الإدارة، ولممارسة الهيئات الاستشارية لاختصاصاتها، لابد من جعل التنظيم والتسيير من اختصاص الهيئات نفسها، وذلك بحق اتخاذ المبادرة للاجتماع سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق رئيس الهيئة المعنية، والزيادة من وتيرة الاجتماعات والجموع العامة (المجلس الأعلى للوظيفة) والالتزام بما هو مسطر قانونا [35].
كذلك يجب اختيار ممثلي الموظفين ونوابهم وممثلي الإدارة ونوابهم بناء على معايير التخصص والكفاءة وتمكينهم من التسهيلات الأساسية لمباشرة أعمالهم وصلاحياتهم من خلال تأهيلهم وتمكينهم من المؤهلات والإمكانيات والموارد الضرورية والوسائل التكنولوجية الحديثة لتطوير المردودية والإنتاجية، حيث أن الهيئة الناخبة لممثلي الموظفين هي الهيئة التي يتم انتخاب منها من يمثل المأجورين بمجلس المستشارين والمجالس الجهوية والمجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد.
إضافة إلى ضرورة إحداث دورات تدريبية لصالحهم تهدف إلى، تحسين مستوى أداءهم والرفع من كفاءتهم القانونية وتكوينهم وتنمية معرفتهم بالمجال القانوني والإداري وتحقيق علاقة ايجابية بين مختلف الشرائح المكونة للهيئات الاستشارية، تتسم بالتناغم والانسجام داخل منظومة الحوار والتشاور.
وأخيرا إن تقليص السلطة التقديرية للإدارة رهين بتوسيع تدخل السلطة التشريعية ذات الأولوية والأحقية من أجل تطوير وتعديل المقتضيات والقوانين المنظمة للهيئات الاستشارية، وذلك بهدف الارتقاء وتطوير منظومة الإدارة المغربية، وكذلك حماية حقوق الموظف العمومي وتحقيق التوازن بين مصالح الإدارة ومصالح الموظف في إطار الوظيفة التشاركية والحوار الهادف.
ثانيا : إلزامية الأخذ بالمقترحات والتوصيات
لقد ألزم المشرع المغربي السلطات العمومية في تدبيرها للمرافق العمومية باستشارة الهيئات الاستشارية العامة كل في اختصاصها ، وهذا الإجراء جوهري وملزم يترتب عن عدم مراعاته بطلان القرارات المتخذة على إثره وعدم شرعيتها يمكن اللجوء إلى القضاء لإلغائها، لكن يبقى دور المجلس الأعلى للوظيفة العمومية واللجان الإدارية المتساوية الأعضاء استشاري وليس تقريري .
لذا ينبغي الأخذ بالآراء الاستشارية، وإلزام الإدارة بأخذها بعين الاعتبار، وإلا ما الجدوى من هذه الاستشارة المفرغة من محتواها ؟ فالأخذ بالإقترحات والاستشارة يساعد في ضخ دماء جديدة وتحقيق التنمية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية كذلك ، فالإدارة تتفاعل مع البيئة الخارجية ،بحيث تؤثر فيها وتتأثر بها ، مما يفرض ضرورة تجديد بناء الإدارة.
وإلزامية الأخذ بالآراء من شأنه تقوية وتعزيز آلية الحوار الهادف والفعال ، بحيث يبعث الحماس ويشحذ العزيمة لدى المعنيين بالأمر لتحمل وتحديد مسؤولياتهم، وجعل حد للامبالاة والروتين[36].
فالإلزامية للاستشارة من شأنه أن يؤدي إلى الجدية والمصداقية – على اعتبار أن الهيئات الاستشارية في قطاع الوظيفة العمومية تمثل كل الأطراف المعنية إلى جانب الإدارة – التي تعتبر إحدى الوسائل الهامة لتسيير الشؤون العامة للبلاد ، وبالتالي بعث الحركية والحيوية لتحقيق دعائم دولة المؤسسات والحق والقانون.
وهنا يجب الإشارة إلى الدور الرائد الذي يلعبه المجلس الأعلى الفرنسي فيما يخص الاستشارة، فرغم أن دورها كذلك يبقى مجرد تقديم الاستشارة والرأي إلا أنها ساهمت في تحسين تدبير الوظيفة العمومية، رغم وجود مجلس الدولة الذي له طابع استشاري إلزامي في القضايا الوظيفة العمومية[37].
الفقرة الثانية: توسيع اختصاصات الهيئات الاستشارية العامة في قطاع الوظيفة العمومية
لا يمكن النهوض بمجال الوظيفة العمومية الذي هو بحاجة إلى إصلاح جاد وبوتيرة أسرع، إلا بتأهيل المجلس الأعلى للوظيفة العمومية وكذلك اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء وذلك باتخاذ و تطوير مجموعة من الآليات التي تساهم في مناقشة واقتراح الحلول والقضايا المطروحة أمام هذه الهيئات في إطار تشاور وحوار وتوافق بناء .
ويتأتى على المشرع المغربي أن يوسع من اختصاصات الهيئات الاستشارية العامة في قطاع الوظيفة العمومية، حتى تواكب التحول والتطور الذي يعرفه مجال الوظيفة العمومية، وبالتالي تحديث الإدارة.
ويجب الإسراع بهذا التحديث لأربعة دوافع، أولها الترتيب الزمني من حيث الهياكل الإدارية التي يستوجب تأقلمها مع حاجيات المواطنين، ثانيا، أخلاقي، إذ من اللازم حماية الإدارة من نفسها ومن محيطها ومن السلطة العمومية،وهذا يتطلب شجاعة سياسية، الثالث استراتيجي، يتمثل في أن تكون الإدارة أكثر دقة وأقل تكلفة، خلاقة غنية وقادرة على مجاراة التحولات بشتى الميادين، والدافع الأخير يستوجب أن تواكب إدارتنا التحول الجهوي والعالمي[38]،
فنجاح الإدارة وأداء خدماتها بكل تفاني و إخلاص يتوقف على مدى تطبيق مجموعة من التدابير والضوابط التي يفرضها الواقع المعيش والإصلاح الإداري[39].
وتتجلى هذه المساهمة في ضبط المحاور الكبرى لسياسة الحكومة في مجال الوظيفة العمومية من خلال تحديد سياسة التكوين المستمر للموظفين وتحسين مستواهم، ودراسة وضعية التشغيـل في الوظيفـة العمومية على المستويين الكمي والنوعي، إلى جانب ذلك السهر على احترام قواعد أخلاقيات الوظيفة العمومية، واقتراح كل تدبير من شأنه ترقية ثقافة المرفق العام.
أولا: رفع وتيرة مساهمة الهيئات الاستشارية في بلورة التوجهات العامة للوظيفة العمومية في مجال التكوين المستمر
يتطلب تحقيق التطور في مجال الوظيفة العمومية واحتياجات الإدارة حتى تحقق المردودية المتوخاة منها، والرفع من كفاءة الموظف، من خلال مساهمة الهيئات الاستشارية من خلال ممثلي الموظفين في إبداء رأيهم حول السياسة المتبعة في مجال التكوين المستمر من طرف الحكومة والوسائل الكفيلة بذلك ، ولا يتأتى ذلك سوى باعتماد التكوين كأساس داخل الإدارة المغربية، مع تطوير الأساليب القانونية المتعلقة به.
وسعيا إلى تجاوز السلبيات التي عرفها مجال التكوين المستمر، فقد أخذت وزارة تحديث القطاعات العامة على عاتقها إعادة تنظيم هذا المجال الحيوي وإعطائه مزيدا من الفعالية والاهتمام اللازمين بوضع تصور جديد للتكوين المستمر، حيث تم إصدار المرسوم رقم 2.05.1366 بتاريخ 2 دجنبر 2005 المتعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفي وأعوان الدولة .
وتتلخص المحاور الأساسية للمرسوم في وضع إستراتيجية شمولية للتكوين المستمر تهدف إلى تحقيق التنسيق بين القطاعات الإدارية في هذا الميدان وإلى وضع تصميم مديري التكوين المستمر، توجيه الإدارات العمومية إلى إعداد مخططاتها القطاعية للتكوين المستمر تضمن تحديد الأولويات المتعلقة بتحديث القطاع وتأهيل الموارد البشرية ورصد الوسائل اللازمة لتنفيذ دورات وبرامج التكوين المستمر، مع تدعيم تنسيق هذا الأخير بين القطاعات الإدارية من خلال إحداث لجنة تنسيق التكوين المستمر لدى الوزارة المكلفة بتحديث القطاعات العامة تتألف من المسؤولين عن المصالح المشرفة على تأهيل الموارد البشرية، وفي الأخير حث الإدارات العمومية على تطوير جودة برامج التكوين والأخذ بنتائج البحث العلمي في هذا المجال وتكوين رصيد معرفي قابل للإستثمار في تنمية وتحديث القطاع.
1. اعتماد التكوين كمرجعية أساسية داخل الإدارة المغربية
إن التكوين أصبح من الأساسيات والضروريات داخل الإدارة المغربية ، فهو نشاط مستمر يهدف إلى تنمية المعلومات لدى الموظفين وقد عمل منذ دجنبر 2009 على تفعيل استراتيجية شاملة في مجال التكوين المستمر تهدف إلى تعزيز تنسيق التكوين المستمر، ووضع التوجهات العامة في هذا المجال، وكذلك إعداد مخطط توجيهي يعتبر مرجعية أساسية يتم على أساسه وضع مخططات قطاعية للتكوين المستمر.
إضاافة إلى العمل على تعبئة الموارد البشرية والمالية المتاحة وإشراك جميع مؤسسات التكوين والتعليم العمومية وكذا القطاع الخاص في تخطيط وتنفيذ برامج التكوين المستمر، وتعزيز إطار الشراكة والتعاون في هذا المجال، مع تقييم نتائج البرامج المنجزة والتأكيد على ضرورة تطوير جودة التكوين المستمر والأخذ بنتائج البحث العلمي في هذا المجال،و أخيرا تكوين رصيد معرفي قابل للاستثمار في تنمية وتحديث القطاعات العامة.
وترتبط إستراتيجية التكوين المستمر بصورة مباشرة بانجاز الدلائل المرجعية للوظائف والكفاءات ، حيث كان من الضروري مسايرة عملية انجاز هذه الدلائل ووثيرتها، لتمكين الوزارات من تحديد حاجياتها الفعلية من الكفاءات وتحديد حاجيات الموظفين من التكوين وبالتالي وضع المخططات القطاعية المبنية على معطيات دقيقة، وإرساء قواعد ومبادئ تتعلق بخلق تكامل بين الترقية والتكوين المستمر والتعيين في مناصب المسؤولية وذلك بهدف تمكين الموظف المتميز من شغل مناصب تتلاءم مع مؤهلاته الجديدة التي اكتسبها عن طريق التكوين المستمر.
2. ملاءمة التكوين المستمر لتطور المحيط
يجب أن يتوافق القانون المنظم للتكوين المستمر مع التطور الذي تعرفه الإدارة، لأن الإدارة تعرف حركة دائمة ومسترسلة.و في هذا الصدد يجب تحقيق مجموعة من الأهداف ، كتزويد الموظفين في مختلف مستويات التركيبة الهرمية بالمعارف والمعلومات اللازمة لتحسين مستوى الأداء، وتنمية مهارات وقدرات الموظفين وتمكينهم من استغلال الطاقات والقدرات المكتسبة، وكذلك تقويم سلوكات الموظفين وتطوير اتجاهاتهم ، وحثهم على الأهمية التي تكتسيها سرعة إنجاز الأعمال بالوسائل الحديثة.[40]
كما ينص المرسوم على التحفيز ، لأنه الدافع والمحرك لتأدية الموظف مهامه بكل إتقان وحماس وبالتالي الأداء الفعال والمكثف[41]، كما أنه يجب وضع مخطط طويل أو قصير الأمد لسياسة التكوين المستمر داخل كل إدارة ، حسب احتياجاتها واختصاصاتها والخدمات المقدمة للمرتفقين، وفي الأخير تخصيص اعتمادات مالية سنوية لبرامج التكوين، واعتبارها استثمارا في العنصر البشري نظرا لما سيتحقق من نتائج إيجابية على كل من الموظف والإدارة.
فإذا كانت هذه الهيئات الاستشارية العامة ستبدي رأيها حول التوجهات السياسية الحكومية في مجال التكوين ، فمن اللازم أن تكون استشارتها وإبداء رأيها مواكب لتوجهات هذه السياسة ، وأن يتم الأخذ برأيها .
ويمكن إجمالا تحديد استراتيجية التكوين المستمر من خلال توصيات المجلس الأعلى للوظيفة العمومية[42]:
- ربط التكوين بباقي آليات التدبير التوقعي للموارد البشرية
حيث تقتضي ضرورة ربط التكوين المستمر بالمسار المهني للموظف؛ و التوفيق في الحركية بين إستقرار الموظف وحاجيات الإدارة؛ مع ربط التكوين المستمر بالتحفيز (الترقية)؛
- الاستفادة من التجارب الناجحة
يجب تقييم تجارب بعض القطاعات الوزارية المتوفرة على تجربة مهمة في مجال التكوين المستمر والاستفادة منها في إغناء المخططات القطاعية؛ وكذلك ضرورة إعادة النظر في منظومة تنقيط وتقييم أداء الموظفين لتتماشى مع التصور العام للتكوين المستمر.
- إبراز آليات التكوين المستمر:
يقتضي إعتماد التأطير الرئاسي كرافعة للتكوين المستمر؛ وتحديد المسؤولية التكوينية والتأطيرية للمسؤول المباشر عن الموظف وإدراج معايير خاصة بها في مجال تقييمه؛ مع إعطاء الأهمية للتكوين الذاتي كآلية من آليات التكوين المستمر، الى جانب ذلك فتح بوابات وإستغلال الوسائل الحديثة لتوفير التكوين عن بعد للموظف.
- جهوية التكوين المستمر
وذلك بالحرص على جهوية للتكوين المستمر وبلورة برامج تكوينية تستجيب لحاجيات مختلف القطاعات في المجالين الأفقي والعمودي واستعمال الإمكانات المتاحة على المستوى الجهوي، في إطار تعاضدي، إما بإحداث أو استغلال المراكز المتواجدة في الجهة؛ مع دراسة إمكانية تكوين المكونين الذين يشرفون على التكوين المستمر في المجالات الأفقية.
- تنظيم ندوات وطنية حول التكوين المستمر
شدد المتدخلون على ضرورة تنظيم ندوات وطنية حول التكوين المستمر على اعتبار أنها تشكل فضاء لمناقشة التكوين من جميع جوانبه على أن يتم اعتماد توصياتها لتقييم وإغناء استراتيجية التكوين المستمر، وذلك بصفة دورية؛ وكذلك استحضار دور الجامعات والمؤسسات المختصة التابعة لها في التكوين المستمر إما عن طريق إحداث مسالك جامعية تستجيب لحاجيات التكوين المستمر أو عن طريق شراكة بين هذه المؤسسات والقطاعات العامة، إلى جانب ذلك يجب وضع معايير وآليات تقييم التكوين المستمر لتتبع المخططات القطاعية للتكوين المستمر.
ثانيا : الارتقاء بعمل الهيئات الاستشارية في تدبير وتطوير منظومة الموارد البشرية
يعتبر العنصر البشري ثروة لا غنى عنها، ومحرك الإدارة وعمودها الفقري، وتوسيع اختصاصات الهيئات الاستشارية العامة في قطاع الوظيفة العمومية أصبح إلزاميا بالاعتماد على هذا العنصر البشري من خلال تطوير منظومة الموارد البشرية.
فالتحول والتطور المستمر الذي يعرفه العالم في شتى المجالات ، يفرض الاهتمام بالموارد البشرية أكثر من السابق، والنهوض بها، من أجل إيجاد صيغ جديدة للتعامل مع هذه المنظومة ، وما اقتراح الهيئات الاستشارية إلا أحد الأدوات لتحقيق ذلك في إطار يكفل الأساسية المخولة للموظفين.
1. اعادة النظر في تأهيل الموارد البشرية وتطوير أساليب تدبيرها
انصب الاهتمام بالموارد البشرية من خلال الإصلاح الإداري ، لما تحققه في التنمية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية ، حيث رغم اتخاذ التدابير للنهوض بمنظومة الموارد البشرية، إلا أنها لازالت متعثرة في مجموعة من المشاكل تحول دون الأداء الإداري الفعال المتمثل في عدم انسجام بعض مقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، مع التطورات التي عرفتها الإدارة وغياب سياسة توقعية للموارد البشرية ، مما نتج عنه إشكالية في منظومة التوظيف، وفي تعدد الأنظمة الأساسية الخاصة، وهيكلة الأطر ومنظومة الترقي وتقييم أداء الموظفين ، إضافة إلى سوء توزيع الموظفين سواء إداريا أو جغرافيا[43].
- التوظيف
التوظيف المباشر لم يعد يواكب التطور الحاصل في سوق الشغل سواء على المستوى الكمي أو الكيفي، بحيث أصبح من الضرورة تصنيف الوظائف وتوصيفها على مستوى الوظيفة العمومية، فعملية التوظيف بناء على الشهادات أو المباريات يحتاج إلى مراجعة، من أجل مد الإدارة العمومية بالعناصر المتمكنة والمؤهلة القادرة على مواجهة التحدي، والرفع من قيمة نوعية الإدارة العمومية في إصلاح شمولي.
- الانتقاء
عملية بمقتضاها يتم انتقاء العناصر المتوفرة على المؤهلات المطلوبة من خلال عمليتين، تحليل المناصب أو وظائف العمل، وثانيها اختيار الوسائل التقنية لتحديد المميزات الانسانية الضرورية لاتمام العمل المطلوب، فهذه العملية لا تساعد على انتفاء المرشحين المؤهلين للقيام بأنشطة محددة مسبقا، وإنما التوظيف بناء على تخصصات تحددها الجامعات والمعاهد وهو من أهم المشاكل المطروحة حاليا في مجال تدبير الموارد البشرية[44] .
- إشكالية منظومة الترقي
أمنية كل موظف الترقي من مرتبة إلى أخرى، وذلك لتحسين وضعيته الإدارية والمادية ، إلا أن هذا العنصر تعتريه بعض النقائص وتوجه له انتقادات أهمها ارتباط الترقي في الدرجة بالحصيص المالي (الكوطا)، كما يتسم هذا النظام بعدم التجانس بين النسب المعمول بها بين مختلف الأطر والهيئات واختلاف قاعدة الحساب، والاعتماد على مقاييس ذاتية وعلى الأقدمية، مع غياب منهجية لضبط وعرفة مواطن الضعف والقصور لدى الموظفين، وغياب آلية تسمح بقياس المردودية، لذا يجب الأخذ بمعايير وميكانيزمات محددة تؤثر في نسق الترقي.
- عدم عدالة منظومة الأجور
يغلب نظام التعويضات على الراتب الأساسي إذ يتجاوز أحيانا 70%، والذي يناقض كونها أداة لتشجيع الإنتاجية و المردودية، بالإضافة إلى الاختلالات في شبكة الأرقام الاستدلالية، وقصور هذه الأخيرة في وضعها الراهن على تغطية كل الحياة الإدارية[45]، لهذ يقتضي الأمر إعادة هيكلة منظومة الأجور بطريقة تسمح باسترجاع المرتب الأساسي لمكانته المتفوقة، وسيمكن هذا الإصلاح من اعتماد مقاربة أكثر شمولية لمراجعة الأجور والمرتكزة على الزيادة في الراتب الأساسي بالنسبة لمجموع موظفي وأعوان الدولة؛ وكذلك تمديد شبكة الأرقام الاستدلالية لتوسيع آفاق تطور المسار المهني للموظفين في السلالم التي ينتمون إليها، وبالتالي تقليص الضغط على نظام الترقي في السلم أو الدرجة؛ إلى جانب توحيد الفوارق في النقط بين رتبة و أخرى.
إضافة الى ذلك يجب تقييم الأثر الناتج عن توسيع شبكة الأرقام الاستدلالية على نظام الترقي في السلم أو الدرجة؛ ومراجعة التقطيع الترابي للمناطق لأجل تحديد معايير موضوعية لمنح التعويض عن الإقامة، مع ضمان حق الموظفين في أجرة قائمة على مبدأ الإنصاف (أجور متساوية عن مهام مماثلة داخل الإدارة). ويجب أن يتم تحديد الأجرة على أساس مستوى الكفاءة وطبيعة المسؤوليات وتعقد التوظيف، والمجهود المبذول من قبل الموظف، وذلك بالارتكاز على الإطار المرجعي للوظائف والكفاءات؛
- الحركية وإعادة انتشار الموظفين
تعتبر الحركية وإعادة الانتشار أداة طبيعية لتدبير الموارد البشرية معمولا بها بالنسبة للإدارة والموظف، يتعين القيام بها مع الأخذ بعين الاعتبار البعد الترابي والبعد المشترك بين القطاعات، لأجل تصحيح الاختلالات والفوارق الموجودة سواء فيما يخص الكفاءات والأعداد.
وترمي الحركية وإعادة الانتشار إلى تحقيق مجموعة من الأهداف تتمثل في توسيع الآفاق المهنية للموظفين،وإغناء تجاربهم وتمكينهم من تحمل المسؤولية والرفع من كفاءتهم؛ وإذكاء دينامية داخل الإدارة من خلال ضخ دائم لدماء جديدة؛ مع ضرورة تقوية الشعور بالانتماء إلى الإدارة، بغض النظر عن الانتماء لهذا القطاع أو ذاك، وبالتالي تقوية روح المرفق العمومي؛ إلى جانب ذلك تسعى الى تبادل الخبرات ونقل الكفاءات من إدارة إلى أخرى والرفع من المستوى العام لكفاءات الإدارة؛ وعقلنة استعمال الموارد البشرية من خلال التحكم في الأعداد وتحقيق التوازن في توزيع الموظفين وبالتالي القضاء على ظاهرة التضخم والخصاص.
2. اعتماد سياسة تدبير الموارد البشرية
إن اعتماد سياسة تدبير الموارد البشرية تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية، أولها تتمثل في مد البنيات الإدارية بالموارد البشرية حسب حاجاتها، سواء فيما يخص الكفاءات أو الأعداد، حتى تتمكن من إنجاز مهامها والاستجابة لمختلف متطلبات المواطنين والفاعلين ومجموع الشركاء؛ وكذلك التوفر على إطار عام لتدبير الموارد البشرية يمكن بالتحكم في الكلفة والأعداد، وفي ذات الوقت الاستجابة للحاجيات ذات الأولوية للدولة والتلاؤم مع مهامها الجديدة؛ وأخيرا عرض مسارات مهنية مثمنة بالنسبة للأطر والأعوان.
وعيا من المشرع بأهمية تدبير الموارد البشرية، أوكل إلى الهيئات الاستشارية العامة اقتراح جميع التدابير التي من شأنها تطوير منظومة الموارد البشرية، وبالتالي تنسجم مع الحاجيات الحقيقية للإدارات العمومية، واقتراح الإجراءات والتدابير التي تكفل منظومة منسجمة، تحقق تنسيق وكذا توحيد الجهود في مجال تأهيل الموارد البشرية، مع اعتماد طرق ووسائل جديدة إلى جانب الحلول المقترحة من الحكومة.
ولا يمكن أن تتحقق سياسة ناجعة في مجال تدبير الموارد البشرية إلا من خلال مجموعة من المقترحات، تتمثل في[46] :
- إعطاء الاستقلالية المقننة للإدارات غير الممركزة في تدبير الموارد البشرية، انسجاما مع ورش الجهوية المتقدمة. هذه النقطة تستلزم الاختيار السليم والمدروس طبقا لمعايير الجودة العالمية وبواسطة تقنيات علوم التسيير الحديثة، للأشخاص المناسبين لأخذ مسؤولية تدبير شؤون الأطر والموظفين؛
- الإقحام الفعلي في تدبير الإدارة العمومية لطرق التدبير المقاولاتي الحديث، كتطوير أسلوب الإدارة، مسؤولية المسيرين وتحسين العلاقات مع المسيرين. فعلى الإدارة العمومية كذلك، البحث عن الرفع من مستوى إرضاء الفاعلين، وذلك من أجل تقوية تحفيزهم وتقوية إحساسهم بالانتماء للإدارة؛
- توضيح وتدوين مهام وأهداف المصالح، تقوية إدماج الموظفين وتحديد النقط المرجعية التي انطلاقا منها أو من خلالها يتم تطبيق مراقبة التسيير الناجع؛
- اختيار التدبير الإستراتيجي للموارد البشرية بالاعتماد على التسيير التحسبي للكفايات وسياسة التكوين وكذا تطبيق التسيير الشخصي للحياة المهنية.
[1] – –الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 04 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية
– القانون رقم 75.99 المغير والمتمم للظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 04 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية والصادر الأمر بتنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم 341-00-1 المؤرخ في 29 من رمضان 1421 ( 26 ديسمبر 2000)؛
– المرسوم رقم 3059 – 01-2 الصادر في 10 محرم 1422 (25 مارس 2002) بتحديد كيفية تطبيق مقتضيات الفصل العاشر من الظهير الشريف رقم 008-58-1 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958 ) بمثابة النظام الأساسي العـام للوظيفة العموميــة؛
– المرسوم رقم 2.59.0200 الصادر في 5 ماي 1959 الخاص بتطبيق مقتضيات الفصل 11 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية
– مرسوم رقم 2.77.738 بتارخ 13 شوال 1397الموافق 27 شتنبر 1977 بمثابة النظام الاساسي لموظفي الجماعات
– المرسوم رقم 2.09.54 بتاريخ فاتح أبريل 2009 بشأن أحكام متفرقة بتمثيل موظفي الدولة والجماعات ومستخدمي المؤسسات العامة.
– قرار للوزير الأول رقم 02-11-3 الصادر في 23 صفر 1423 (07 ماي 2002 بتحديد كيفية تنظيم انتخاب ممثلي الموظفين بالمجلس الأعلى للوظيفة العمومية كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القرار رقم 04-24-3 الصادر في 6 ربيع الثاني 1425 (26 مايو 2004)؛
– القانون الداخلي للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية كما تم تعديله؛
– قرار لوزير الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري بشأن اللجان الفرعية الثنائية المتساوية الأعضاء بالمجلس الأعلى للوظيفة العمومية.
– المنشور رقم 3 بتاريخ 3 أبريل 2009 المتعلق بأهم الإجراءات والتدابير الواجب اتخاذها واحترامها في العمليات الانتخابية؛
[2]– بدأ العمل لهذه اللجان سنة 1959.
[3]– محمد والضحى ، اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء بين النص التنظيمي والممارسة ،الطبعة الأولى 2009مطبعة ووراقة تمارة ، ص 11
[4]– هدى الحدادي، المجلس الأعلى للوظيفة العمومية المغربي بين الواقع والممارسة رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام 2001-2002
[5]– ظهير شريف 1.58.008 بتاريخ 8 شعبان 1377 (24 فبراير1958) بشأن النظام الأساسي للوظيفة العمومية والمعدل والمتمم بظهير 1.00.341 الصادر بتاريخ 29 رمضان 1421 الموافق 26دجنبر 2000 المنشور بالجريدة الرسمية 4866 ب 23 شوال 1421 الموافق 18 يناير 2001
[6]– المرسوم الملكي قم 355-67 بتاريخ 30 جمادى الثانية 1387 الموافق 5 شتنبر 1967 . الجريدة الرسمية العدد2863 بتاريخ 13 شتنبر 1967
[7]– القانون رقم 75.99 المغير والمتمم للظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 04 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية والصادر الأمر بتنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم 341-00-1 المؤرخ في 29 من رمضان 1421 ( 26 ديسمبر 2000)؛
[8] – ظهير شريف رقم 1.57.119 بتاريخ 24 يوليوز 1957 بشأن النقابات المهنية، ج.ر بتاريخ غشت 1958 ص 1937.
[9] – الفصول 33 و34 و35 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، والفصلين 29 و32 مكرر من المرسوم 1.59.0200
[10] – الفصل32 المكرر من المرسوم رقم 2.59.0200 السالف الذكر.
[11] – القانون رقم 75.99 يغير ويتمم الفصل 10 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بمقتضى الظهير رقم 1.00.341 في 29 رمضان 1421 الموافق 26 دجنبر 2000 الجريدة الرسمية عند 4866 بتاريخ 23 شوال 1421 الموافق 18 يناير 2001
[12] – المادة السابعة من مرسوم 2.01.3059
[13] -Mohamed Harakat, l’audit dans le secteur public au Maroc ,éditeur Babel, 1994, p.73
[14] – الجريدة الرسمية العدد 4506 بتاريخ 7 غشت 1997
[15] – محمد والضحى ،اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء بين النص التنظيمي والممارسة ، الطبعة الأولى 2009،مطبعة وراقة تمارة ص17
[16] – في حالة انتقال موظف من منطقة إلى منطقة بعيدة عنها بناء على طلبه أو لضرورة المصلحة.
[17] – محمد والضحى، نفس المرجع، ص17
[18]– مرسوم رقم 2.97.437 بتاريخ فاتح ربيع الأول 1418 الموافق 6 غشت 1997 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4506 بتاريخ 7 غشت 1997
[19]– نفس المرجع السابق
[20]– محمد والضحى، المرجع السابق، ص 19
[21]– نفس المرجع السابق ص 19
[22]– مدونة الشغل، ج ر عدد 5167 بتاريخ 8 دجنبر 2003
[23] – سميرة الوحيد،الوظيفة الاستشارية في اتخاذ القرارات الإدارية ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة كلية الحقوق أكدال الرباط 2002، ص115
[24] – Salah Jemily, la participation du personnel de l’état dans le processus de décision administrative, Revue des affaires administratives, n°2, année 1, décembre 1983, p.286
[25] – سميرة الوحيد، نفس المرجع السابق ص116
[26] – عزيز إدريس، إشكالية الشفافية داخل الإدارة العمومية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا كلية الحقوق أكدال الرباط 1997
[27] – Zineddine Nourreddine : » la consultation administrative au Maroc » mémoire de cycle supérieur de E.N.A.P Rabat.p10
[28] – مصطفى سلمي، مساهمة المواطن والموظف في العمل الاداري من منظور العلم الاداري، دبلوم الدراسات العليا في القانون العام كلية الحقوق أكدال الرباط 1996 ، ص131.
[29]– Salah Jemily, op .cit p. 283
[30] – المادة التاسعة من الباب الثاني لمرسوم 2.01.3059 المحدد لكيفية تطبيق مقتضيات الفصل العاشر من ظهير 1.58.008
[31] – الفصل 8 من مرسوم 8 ماي 1959
[32] – سميرة الوحيد، المرجع السابق ص119
[33] – قرار رقم 195 الصادر عن المجلس الأعلى في 22 يونيو 1973 في قضية عبد المجيد المراكشي ضد وزير المالية.
[34] – التمثيلية تأخذ نمطية تحقيق المصالح الشخصية داخل الإدارة والتشكيلة داخل الهيئات الاستشارية يغلب عليها الطابع السياسي.
[35] – المادة السابعة من مرسوم 2.01.3059 التي تحدد اجتماع المجلس الأعلى للوظيفة العمومية مرة واحدة في السنة مع إمكانية عقد جمع استثنائي عند الضرورة
[36] – عبد القادر باينة في مقال له بعنوان ” البحث عن متغيب حي ميت المجلس الأعلى للوظيفة العمومية” الاتحاد الاشتراكي عدد 1909 بتاريخ 27 شتنبر 1988 ص6
[37] – Alain Planet ; « la fonction public’ traité général »librairie de la cour de cassation ; paris 1991, p 211
[38]– Ali Sedraji : « la mise à niveau de l’administration face à la mondialisation » imprimerie ElMaarif al Jadida, Rabat 1999 ; p 134
[39] – د.مولاي إدريس الحلابي الكتاني :” تأملات بشأن تحديث الإدارة المغربية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 20 – 21 يوليوز – دجنبر 1997 ص, 61
[40] – مرسوم رقم 1366- 05- 2 صادر في 29 من شوال 1426 (2 ديسمبر 2005) يتعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفي وأعوان الدولة
ج ر ع 5386 بتاريخ 11 ذو الحجة 1426 (12 يناير 2006) ص 174
[41] – عبد الحق عقلة ، مدخل لدراسة القانون الادراي وعلم الإدارة ، الجزء الأول المبادئ الأساسية لدراسة القانون الإداري وعلم الإدارة ص 78
[42] – تقرير اللجنة المكلفة بدراسة مشروع إستراتيجية التكوين المستمر ،الجمع العام للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية دورة نونبر 2008
[43] – هدى الحدادي مرجع سابق ص 102
[44] – نشرة وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح ، العدد الرابع يوليوز 2000 تدبير الموارد البشرية ص 6
[45] – تقرير حول تشخيص الوضع الحالي للإدارة، قدمته وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري في إطار المناظرة الوطنية الأولى حول الإصلاح الإداري، تحت شعار ” الإدارة المغربية وتديات 2010، يومي 7- 8 2002 بالرباط.
[46] – رشيد الدغري إشكالية تدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية المغربية، دراسات وتقارير تاريخ الاطلاع 23 دجنبر 2009.
http://www.almoussafir.info/spip.php?article129