النيابة العامة و إشكالية الحماية القضائية للأحداث:
سؤال الضمانات وخصوصية المسطرة
الدكتور عبد الحميد المليحي
باحث في العلوم الجنائية
كلية الحقوق-طنجة
مقدمة:
لا ريب أن أهم مقومات تحقيق عدالة الأحداث، في ظل قانون المسطرة الجنائية، هو الحرص على تقوية الضمانات التي تصون حرية الحدث من التجاوزات دون أن يكون في ذلك إضرار بحقوق المجتمع. وإذا كان الأصل أن للمجني عليه تحريك الدعوى العمومية، فإن المشرع المغربي في مجال جنوح الأحداث قصر هذه الصلاحية على النيابة العامة وحدها، وقد أورد المشرع حدودا على حرية تحريك هذه الدعوى من شأنها حماية الحدث الجانح.
وهكذا تقوم النيابة العامة بدور أساسي في سير العدالة الجنائية للأحداث نظرا لمهامها المتعددة، فبالإضافة إلى كونها تنفرد بصلاحية إقامة الدعوى العمومية في قضايا الأحداث دون المتضرر من الجريمة، فتقرر بعد إحالة المحضر عليها إما تحريك المتابعة أو حفظ القضية ، فإنها تضطلع كذلك بدور إيجابي واجتماعي هام يتمثل في إشرافها على إبرام الصلح بين أطراف الدعوى في بعض الحالات، مع إمكانيتها التماس إيقاف سير إجراءات الدعوى العمومية كلما سمح لها القانون بذلك.
ولذا فإن أوجه هذه الحماية تتجلى أساسا في خصوصية المسطرة في حق الأحداث الجانحين على مستوى مرحلة البحث التمهيدي من خلال ضرورة الاحتفاظ بالحدث الجانح في مكان مخصص للأحداث، مع الالتزام باتخاذ كافة التدابير اللازمة لتفادي إيذائه، مع حقه في إشعار أوليائه وحقه في الدفاع.
وعلى هذه الأساس الإجرائي للنيابة العامة، وما أنيط لها من الصلاحيات لحماية الحدث الجانح، فقد أخذنا في دراستنا لهذا المبحث التطرق إلى زيارة النيابة العامة لأماكن الاحتفاظ بالحدث (المبحث الأول) ثم سنتناول مساءلة النيابة العامة للشرطة القضائية المكلفة بالأحداث أثناء الإخلال بواجباتهم (المبحث الثاني) مع دراسة بطلان إجراء التحقيق مع الحدث (المبحث الثالث).
المبحث الأول: زيارة النيابة العامة لأماكن الاحتفاظ بالحدث الجانح
تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي استعمل مصطلح “الاحتفاظ بالحدث” إذ اقتبسه عن المشرع الفرنسي[1]، وهذا يعني أن الحدث لا يمكن وضعه تحت الحراسة النظرية، وإنما يحتفظ به في مكان مخصص للأحداث لمدة لا يمكن أن تتجاوز المدة المحددة للحراسة النظرية، ونتحفظ هنا على مدة الاحتفاظ بالحدث إذ نعتبرها طويلة خاصة إذا تعلق الأمر بحرية تمس أمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو بجريمة إرهابية[2]، وهذا المظهر من الحماية التشريعية للحدث يعتبر تدبيرا وقائيا، هدف المشرع من ورائه الحد من الآثار النفسية التي قد تلحق الضرر بالحدث، إذا ما بقي بمخفر الشرطة أو الدرك الملكي؛ ذلك أن قضاء مدة التدبير بمؤسسة سجنية أو إصلاحية هو أهون من قضاء فترة الاحتفاظ داخل هذه الأماكن لعدم توفرها على أبسط التجهيزات الخاصة بالإيواء.
كما أن المشرع المغربي تبنى إجراء آخر يمكن الاستعاضة به عن الاحتفاظ بالحدث خلال مرحلة البحث التمهيدي، ويتعلق الأمر بإمكانية إخضاعه لنظام الحراسة المؤقتة المنصوص عليها في المادة 471 ق م ج على ألا تتجاوز مدة التدبير المأمور به 15 يوما.
وعموما يمكن القول أننا سوف نركز في هذا المطلب على دراسة إشكالية زيارة النيابة العامة لأماكن الاحتفاظ بالحدث (المطلب الأول)، ثم في حالة إخلال شرطة الأحداث بواجباتهم كيف تتم إجراء مساءلتها من طرف النيابة العامة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الشرعية الإجرائية للنيابة العامة
لقد أقر المشرع المغربي لوكيل الملك حق مراقبة الضابطة القضائية عند اتخاذها لإجراءات الاحتفاظ بالحدث من أجل السهر على احترام تلك الإجراءات الضامنة لحقوق الحدث.
الفقرة الأولى: زيارة وكيل الملك لأماكن الاحتفاظ بالحدث
لم يقتصر الأمر عند حد أخذ الضابطة القضائية الإذن من النيابة العامة عند إقدامها على الاحتفاظ بالحدث أو تمديد مدته، بل ما تتطلبه ظروف الحدث الجانح الطبيعية والصحية والنفسانية التي تستوجب الاحتفاظ به في أماكن مخصصة للأحداث ورعايته وعدم إيذائه، جعلت المشرع المغربي يقر لوكيل الملك حق مراقبة الضابطة القضائية عند اتخاذها إجراء الاحتفاظ بالحدث والسهر على احترام إجراءاته ومباشرته في الأماكن المعدة لذلك[3]، مرة على الأقل في الأسبوع، على عكس المشرع الفرنسي الذي حدد الزيارة في مرة واحدة في السنة بدل مرة واحدة على الأقل في كل ثلاثة أشهر[4]، وفي هذه الحالة فقد ذهب المشرع المغربي بصورة إيجابية وكان موقفه صائبا لهذه المدة بعكس المشرع الفرنسي؛ لأن تحديد هذه المدة في مرة واحدة في السنة والتي يبين الواقع العملي بأنها لا تطبق، غير كافية لمعرفة الظروف التي تعيشها هذه الفئة، وطبيعة المعاملة التي يتعرض إليها، ومن ثم كان المطلوب من وكيل الملك، هو الزيارة المتواتر لهذه المخافر حتى يكون على بينة بكل ما يجري ما يجري بداخلها، كما أن من شأن هذه الرقابة أن تجعل الضابطة القضائية على حذر في كل ما يقدمون عليه، وتعمل على صدهم عند إقدامهم على أي فعل قد يسيء للحدث[5].
وهذا هو ما حتم على المشرع المغربي إقرار مبدأ المراقبة من طرف وكيل الملك للضابطة القضائية عند اتخاذها لإجراء الاحتفاظ بالحدث والسهر على احترام إجراءاته ومباشرته في الأماكن المعدة لذالك مرة على الأقل في الأسبوع، وهو مقتضى هام على أساس أنه يمنح لوكيل الملك شخصيا أن يعاين بنفسه ويقف على الأماكن التي يحتفظ فيها بالحدث لمعرفة الظروف المادية المحيطة به، وإن كان يعاب على المشرع عدم تحديد الوسائل المادية التي يجب توافرها في الأماكن مما يفرض عليه ضرورة التأكد من توافر هده الأماكن على الحد الأدنى مما تتطلبه مستلزمات العيش وطبعة المعاملة التي يتعرض لها الحدث لمعرفة هل هناك تعذيب أو إساءة معاملة، بل أكثر من ذالك عن رغبة المشرع في حماية الحدث من تعسف الضابطة القضائية جعلته يقر لوكيل الملك حماية بعدية للحدث إذ لا تقف مراقبته لحالته الصحية عند زيارته لمخافر الشرطة بل حتى عند مثوله أمامه لاستنطاقه، بحيث إذ ظهرت عليه أثار ذلك يجب عليه أن يحيله على طبيب لإجراء الفحص لضرورة القيام باستنطاقه.
وعموما فان وكيل الملك أو أحد نوابه حين وقوفه عند زيارته لمخافر الشرطة القضائية على بعض الاخلالات المرتكبة من طرف ضباط الشرطة القضائية، يلزم بإخبار الوكيل العام للملك بالأمر وذلك حتى يتسنى له ترتيب الأثر القانوني المناسب عليه.
الفقرة الثانية: مراقبة النيابة العامة للسجلات والمحاضر
تنحصر السجلات الممسوكة من طرف الضابطة القضائية في سجل الوضع تحت الحراسة النظرية وسجل الاحتفاظ بالأحداث، وترقم صفحاته ويذيل بتوقيع ممثل النيابة العامة، تقيد فيه هوية الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية أو الاحتفاظ به وسبب ذلك وكذلك ساعة بدايتها، وساعة انتهائها ومدة الاستنطاق وأوقات الراحة والحالة البدنية والصحية للشخص المعتقل والتغذية المقدمة له، ويوقع هذا الأخير وضابط الشرطة القضائية في السجل المذكور بمجرد انتهاء مدة الحراسة النظرية أو الاحتفاظ، وإذا كان الشخص غير قادر على التوقيع أو إبصام أو رفض القيام به يشار إلى ذلك في السجل، ويجب أن يعرض هذا السجل على ممثل النيابة العامة للإطلاع عليه ومراقبته والتأشير عليه مرة في كل شهر على الأقل[6].
ورغم كل هذه المجهودات العملية، إلا أن هذه الإجراءات تبقى قاصرة عن تحقيق حماية أفضل للحدث، لان السجلات تعرف عدة تجاوزات قانونية، ترجع أسبابها للإهمال ولتقصير من طرف وكيل الملك، حيث في غالبية الأمر ما تكون تلك المراقبة سطحية تقتصر على معرفة هل تلك البيانات التي نص عليها المشرع مضمنة بالسجل أم لا، دون التأكد ما ادا كانت تلك المقتضيات قد ثم احترامها فعلا من طرف الضابطة القضائية، وما أدل على ذالك إجراء الإشعار، إذ غالبا ما تتم الإشارة في المحضر إلى تعذر الإشعار أو صعوبته بسبب عدم العثور على محل سكنى الحدث من طرف السلطة المحلية، أو عن الشرطة القضائية، وقد تجده في الأحداث لم يتم إشعار أولياؤهم بوضعيتهم أثناء الاعتقال تشكل الإناث من بينهم نسبة 18.33في المائة.[7]
كما تخضع المحاضر المنجزة في قضايا الأحداث من طرف الضابطة القضائية إلى مراقبة النيابة العامة للتأكد من توافر الشكليات المتطلبة قانونا خاصة ما يتعلق بصفة محررها، ومكان عمله، وتاريخ وساعة إنجاز الإجراء، وساعة تحرير المحضر إذا كانت تخالف ساعة إنجاز الإجراء وهوية الشخص المستمع إليه ورقم بطاقة تعريفه عند الاقتضاء وتصريحاته بالأجوبة التي يرد بها عن أسئلة ضابط الشرطة القضائية اللهم إذا التزم الصمت، ومدى إشعاره بالحقوق والضمانات المكفولة له قانونا والتي تطرقت إليها سلفا، وهل تمت تلاوة المحضر على الحدث ونائبه القانوني إن كان حاضرا، مع توقيع هذا الأخير وضابط الشرطة القضائية إن كان يحسن الكتابة أو التوقيع أو يشار إلى عدم استطاعته أو رفضه التوقيع، كما تراقب النيابة العامة بيان الحراسة النظرية أو الاحتفاظ بالحدث الجانح المضمن بآخر محضر.
من خلال كل ما سبق، يتبين أن الضمانات التي قررها المشرع المغربي للحدث الجانح بمناسبة تسجيله بسجل الاحتفاظ وإنجاز محضر في الموضوع لها قدر هام من الأهمية، لكونها تضمن حقوقه، وتحميه من تعسف ضابط الشرطة القضائية، إلا أنها تبقى محدودة نظرا لعدم التنصيص صراحة على الجزاء المقرر في حالة الإخلال بتلك الضمانات، لذا وجب إقرار بطلان كل إجراء معيب وما ترتب عنه من إجراءات صراحة كما نصت على ذلك المادة 63 من ق م ج في حالة الإخلال بالإجراءات الواجب إتباعها في التفتيش.[8]
المطلب الثاني: مساءلة النيابة العامة للشرطة القضائية المكلفة بالأحداث أثناء الإخلال بواجباتهم
إن إخلال ضباط الشرطة القضائية بواجباتهم سواء كانوا مكلفين بقضايا الراشدين أو الأحداث الراجعة إلى هذه الصفة أو انحراف فيها تعرضهم للمسؤولية التأديبية (الفقرة الأولى) والجنائية (الفقرة الثانية) حسب نوع وطبيعة المخالفة المرتكبة، ومن هنا فالنيابة العامة، وهي الممثلة للمجتمع، هي التي تطالب بإجراءات تمنع وقوع هذه الاختلالات في مسطرة سير العمل الإجرائي حفظا للحدث الموضوع تحت إشراف شرطة الأحداث وبمعية مراقبة النيابة العامة لهذه الأعمال.
الفقرة الأولى: المسؤولية التأديبية لضباط الشرطة القضائية من طرف النيابة العامة
تقوم المسؤولية التأديبية لضابط الشرطة القضائية بتوفير نوعين من المخالفات: الإهمال والتقصير في أعمال البحث أو تنفيذ تعليمات النيابة العامة، ثم التجاوز أو التعسف في استعمال السلطة بمناسبة إجراء البحث[9].
وقد خول المشرع المغربي للوكيل العام للملك ،إحالة كل إخلال ينسب لضابط الشرطة القضائية أثناء قيامه بمهامه إلى الغرفة الجنحية للأحداث لدى محكمة الاستئناف المنصوص عليها في المادة 488 من ق م ج م[10]، ولا تختلف كثيرا عن الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف، خاصة أن الفقرة الأخيرة من المادة 488 من ق م ج م، تحيل على المقتضيات المنصوص عليها في المواد من 231 إلى 250 من ق م ج. أما الخطأ التأديبي فهو ليس محددا بنصوص قانونية كما هو الشأن في الأخطاء الجنائية المحددة حصرا. كما لا يخضع لقاعدة “لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص“ بل هو خروج ومخالفة لواجب الموظف، ويترك للنيابة العامة تقييم أداء ضباط الشرطة القضائية وتنقيطهم حتى يتمكن رؤساؤهم الإداريون من التعرف على مؤهلاتهم ومجهوداتهم في المجال القانوني[11] من جهة، وتحديد نوعية الأفعال التي تعتبر خطأ أو جريمة أو جريمة تأديبية، وأن تختار لها الجزاء المناسب من بين تلك التي نص عليها القانون صراحة والعقوبات التأديبية كالإنذار والتوبيخ من جهة أخرى.
-هنا يجب على الإدارة فيما يخص جميع العقوبات وقبل تقريرها إن تمكن الموظف من الدفاع عن نقسه مما هو منسوب إليه من أخطاء وهفوات، وحق الدفاع هنا يعتبر من المبادئ العامة للقانون، وإذا كانت الأعمال المنسوبة إلى الموظف تشكل في آن واحد خطأ تأديبيا وجريمة جنائية، يعاقب عليها القانون الجنائي وحسب الاجتهاد القضائي المغربي هناك استقلال بين الخطأ التأديبي، وعلى هذا فإن الحكم بالبراءة في الدعوى الجنائية، لا يؤدي حتما إلى تبرئة ذمة المتابع تأديبيا على نفس الأفعال فإذا حكم بالبراءة على موظف تطبيقا للقاعدة السابقة، فان البراءة لا تمنع من إدانته تأديبيا على نفس الفعل إذا ما أمكن اعتباره خطأ تأديبيا فالأدلة في الميدان الجنائي ليست هي نفسها في الميدان التأديبي، هذا نظرا لأهمية العقوبة وخطورتها على الموظف.
ومن المعروف أن المسؤولية التأديبية تترتب عن كل إخلال بواجبات الوظيفة، وبما يتطلبه القانون من التجرد وحسن المقصد في الأداء، والمسؤولية التأديبية لضباط الشرطة القضائية في نطاق مهمتهم هذه يلحقهم على الخصوص نوعان من المخالفات المهنية:
–النوع الأول: منها ما يرجع إلى إهمال أو التقصير في القيام بأعمال البحث التمهيدي، أو تنفيذ الأوامر المتعلقة بالأعمال الصادرة من السلطة المختصة وعلى الخصوص النيابة العامة المكلفة بتسيير أعمال البحث التمهيدي والإشراف عليها[12].
–النوع الثاني: يرجع إلى الشطط في السلطة أو التعسف فيها بمناسبة قيام ضابط الشرطة القضائية بإجراءات البحث التمهيدي[13]، فكل إجراء يمس بحريات الأفراد أو حقوقهم لم ينص عليه القانون أو نص عليه، ولكنه لم يتخذ للغاية النبيلة التي توخاها المشرع، تترتب عنه مسؤولية ضابط الشرطة القضائية باعتباره شططا في السلطة أو تعسفا فيها، كالتعسف في الوضع تحت الحراسة أو في إجراءات التفتيش أو سوء المعاملة.
وبعد كل ما سبق، تكون الغرفة قناعتها من خلال المناقشات التي تمت أمامها، وتصدر في حق ضابط الشرطة القضائية[14]، إحدى العقوبات التالية:
-توجيه ملاحظات إلى الضابط
-التوقيف المؤقت عن ممارسة مهام الشرطة القضائية لمدة لا تتجاوز سنة واحدة
-التجريد النهائي من مهام الشرطة القضائية
الفقرة الثانية: المسؤولية الجنائية لضباط الشرطة القضائية
تقوم المسؤولية الجنائية لضباط الشرطة القضائية عن كل تصرف منصوص على عقوبته في التشريع الجنائي، ارتكبوه خلال قيامهم بمهام الشرطة القضائية كالاعتقال التحكمي (الفصل 225 من ق ج)[15]، وانتهاك حرمة المنزل[16] واستعمال العنف ضد الأشخاص[17]، والتزوير في المحاضر[18]، وإفشاء أسرار بمناسبة البحث[19]. فرجال الشرطة القضائية قبل كل شيء أشخاص عاديون يتعين عليهم احترام كل القوانين الجاري بها العمل تحت طائلة قيام مسؤوليتهم الجنائية، وبالإضافة إلى كل هذا ولكونهم أشخاصا يفرض عليهم الواجب إعطاء المثال الأعلى في الحياد والموضوعية والأمانة، على اعتبار أنهم يشكلون أحد الأجهزة الأساسية المساهمة في تحقيق العدالة الجنائية، من خلال الأبحاث التي يقومون بها من جهة، وبالنظر للقوة التي تتمتع بها المحاضر المنجزة من طرفهم من جهة أخرى.
ومن صور المخالفات الجنائية التي يمكن أن تقع من ضابط الشرطة القضائية أثناء مزاولة أعمال البحث التمهيدي، استعمال العنف ضد المشتبه فيه، سواء أكان راشدا أم حدثا، لحمله على الاعتراف والمنصوص عليه في الفصل 231 من القانون الجنائي[20]، وفي هذه الحالة تقوم الغرفة الجنحية للأحداث بإحالة الملف على الوكيل العام للملك ليقوم عند الاقتضاء بتحريك المتابعة الجنائية ضده حسب المادة 33 من ق م ج م، وليس من اختصاص الغرفة الجنحية للأحداث مساءلة ضابط الشرطة القضائية جنائيا، وإنما هناك مسطرة خاصة منصوص عليها في المواد من 264 إلى 268 من قانون المسطرة الجنائية[21].
ولما كان أفراد الشرطة القضائية ينتمون إلى سلطة غير قضائية فمن الصعب مراقبة تصرفاتهم وضبطها، الشيء الذي دفع البعض إلى اعتبار إسناد البحث التمهيدي للشرطة القضائية عملا خطيرا وغير قضائي ولا تحترم فيه كرامة الإنسان، خاصة أن التشريعات الحديثة التي منحت للشرطة القضائية مهمة القيام بأعمال البحث التمهيدي، لم تفعل ذلك عبثا، ولكن بعد أن أدخلت عدة إصلاحات تقنية وفنية وأغدقت المال الكثير على البحث العملي في ميدان الإجرام ومعاملة المجرمين ولم تمنح الضمانات للمشتبه فيهم إلا بعد تسحلها بما فيه الكفاية من الوسائل العلمية للبحث عن الجرائم والتثبت من وقوعها دون إزعاج المواطنين، وخولت للنيابة العامة سلطة مطلقة في تأديب عناصر هذه الفئة من الموظفين[22].
المطلب الثالث: آليات ضبط الجزاء الإجرائي لحماية حقوق الحدث المتهم
تخضع جميع الإجراءات المسطرية لتنظيم القانون ورقابة القضاء، بحيث لا يعتبر الإجراء صحيحا إلا إذا جاء مطابقا لأحكام القانون، لأنه من الخطورة بمكان أن تمارس الهيئات القضائية عملها بدون ضابط ولا رادع.
وإذا كان الهدف الأساسي من البحث والتحقيق هو البحث عن أدلة الإثبات غير أن السعي وراء هذه الغاية لا ينبغي أن يكون على حساب حقوق وضمانات الأفراد، فالبحث عن الدليل يجب أن يكون في إطار احترام حقوق الحدث التي كفلتها له المواثيق الدولية ومنها الحدث المتهم في الصمت.
إلا أن الضمانات القانونية تبقى بدون أية قيمة ما لم يكن هناك جزاء على مخالفتها لذلك حرص المشرع على إحاطة الضمانات بمجموعة من الجزاءات تضمن لها لذلك لابد من الوقوف على بطلان إجراءات البحث والتحقيق مع الحدث(الفقرة الأولى). ويترتب على بطلان إجراءات جمع الأدلة بطلان الدليل المستمد منها(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: بطلان إجراءات البحث مع الحدث
يشكل المحضر الذي يحرره ضابط الشرطة القضائية ضمانة من الضمانات القانونية لحماية الحدث خلال مرحلة البحث التمهيدي.
ويمكن تعريف المحضر بأنه “الوسيلة القانونية لإثبات التحريات التي قام بها ضابط الشرطة القضائية خلال البحث التمهيدي وقد تتعلق تلك التحريات بتلقي الشكايات والوشايات أو بالمعاينات أو بمختلف العمليات التي أنجزت من طرف ضباط الشرطة القضائية كالاستماع إلى المشتبه فيهم أو الشهود والانتقال إلى عين المكان والتفتيش والحجز وما إلى ذلك”.
واعتبارا لأهمية المحضر فقد حدد المشرع الإجرائي المغربي شكلياته بشكل دقيق في المادة 24 من ق م ج م[23].
ولصحة محضر ضابطة القضائية ينبغي أن يتوفر المحضر على مجموعة من الشروط سواء من ناحية الشكل أو من ناحية المضمون[24]. وهو ما أكدت عليه المادة 289 من ق م ج م والتي نصت على أنه “لا يعتد بالمحاضر والتقارير التي يحررها ضابط وأعوان الشرطة والموظفون والأعوان المكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية، إلا إذا كانت صحيحة في الشكل وضمن فيها محررها وهو يمارس مهام وظيفته ما عاينه أو تلقاه شخصيا في مجال اختصاصه[25].
ومن الشروط الشكلية لصحة المحضر توقيع المتهم، وقد ثار خلاف حول شكلية الإمضاء هل هي أساسية يترتب عن تخلفها بطلان المحضر أم أنها ثانوية لا يترتب عن تخلفها البطلان؟
لقد ذهب المجلس الأعلى في عدة قرارات إلى أن توقيع المتهم غير ضروري لصحة المحضر، منها القرار الصادر في 5 فبراير 1962 والذي جاء فيه “إن المحضر المستوفي لما يشترطه القانون يقوم حجة لا يمكن دحضها إلا بقيام الدليل على مخالفتها للواقع بواسطة حجة تماثلها في قوة الإثبات… ولا تعتبر توقيعات المتهمين ضرورية لصحة المحضر، فضلا عن أن يلحقه عيب في الإدعاء بأن تلك التوقيعات حصل عليها عن طريق الإكراه”[26]، وفي قرار آخر صادر بتاريخ 128/7/1973 ذهب المجلس الأعلى إلى أنه “لا يشترط لصحة المحضر من الناحية الشكلية والمعتمد عليه في الإثبات، أن يكون ممضي عليه من طرف المتهم وإنما كل ما يتطلبه في هذا الصدد هو أن يضمن فيه محرره وهو يزاول مهام وظيفته ما عاينه شخصيا في شأن الأمور الراجعة إلى اختصاصه”[27]. ونحن هنا نقول بخلاف ما ذهب إليه المجلس الأعلى كما فيه خرق للشروط الضامنة القانونية التي تحمي الأضناء في ضرورة احترام شكليات المحضر، وهنا نعتقد أنه ليس من المنطقي أن يصرح الحدث بوقائع عن طواعية واختيار ثم يمتنع عن التوقيع، ورفض الضنين التوقيع بالمحضر لا يكون إلا إذا لاحظ الضنين أنه لم يصرح بما حرره ضابط الشرطة القضائية، نظرا لتصريحات إضافية ثم زرعها بين طيات المحضر، أو أن هذه التصريحات المصرح بها من طرف الضنين، انتزعت منه تحت وطأة التعذيب، وهنا نأخذ بالرأي الذي يقوم ببطلان محضر الضابطة القضائية عند عدم احترام شكلية التوقيع واعتبار المحضر الغير الموقع عليه كأن لم يكن.
أما من حيث المضمون فيجب على ضابط أو عون الشرطة القضائية أن ينقل المعلومات التي شاهدها أو سمعها بإخلاص ولا يجب بأي حال من الأحوال أن يقيما أو يبدي رأيها فيها[28].
وهو ما ذهب إليه قرار المجلس الأعلى بتاريخ 7 يوليوز 1990 والذي جاء فيه “إن القوة الثبوتية للمحاضر المقالة في شأن الجنح والمخالفات من لدن ض ش ق وجنود الدرك والموظفين الموكول لهم ذلك قانونا لا يعمل فيها إلى ما شاهده أو شمعه أو قام به محررو تلك المحاضر بأنفسهم، وليس على ما فرنسا بالإضافة إلى تطبيق القواعد العامة على الأحداث في تحرير المحاضر من طرف الشرطة القضائية، استحدث المشرع الفرنسي تقنية حديثة تلزم الضبطية القضائية بسماع الحدث الموضوع تحت الحراسة –المحتفظ به- في محضر مع استعمال التسجيل السمعي البصري[29]. والهدف من التسجيل السمعي البصري هو التأكد من التطابق بين تصريحات الحدث وما ورد في المحضر، وفي حالة إغفال التسجيل بسبب سهو المحقق أو عدم صلاحية الأجهزة، أو إغفال الصوت أو الصورة يعرض إجراء السماع للبطلان حسب المادة 177 من ق م ج ف[30]. وحبذا لو سار المشرع المغربي في الاتجاه الذي سار فيه قانون الأحداث الفرنسي ونص على إلزامية التسجيل السمعي البصري لسماع الأحداث الموضوعين تحت الحراسة النظرية.
الفقرة الثانية: بطلان إجراءات التحقيق مع الحدث
إن رغبة المشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة في ضمان احترام الضمانات الأساسية المقررة لفائدة الحدث كمتهم خلال محطة التحقيق الإعدادي نص على بطلان إجراءات التحقيق، وتتنوع حالات البطلان بين حالات قانونية مرتبطة بخرق ضمانات أساسية نص عليها القانون على سبيل الحصر في المادة 210 من ق م ج م، وتسمى بحالات البطلان القانونية، وحالات أخرى مرتبطة بخرق حقوق الدفاع منصوص عليها في المادة 212 من ق م ج م وتسمى بحالات البطلان الجوهري، وهي الحالات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي[31].
ومن الضمانات الأساسية التي يترتب على خرقها بطلان إجراءات التحقيق بنص القانون عدم قيام قاضي التحقيق المكلف بالأحداث بإشعار الحدث خلال الاستنطاق الأولي بحقه في عدم الإدلاء بأي تصريح المنصوص عليه في المادة 134 من ق م ج م[32]، وعلى عكس ذلك استبعد المشرع اللبناني عدم قيام قاضي التحقيق بتنبيه المتهم إلى حقه في السكوت من نطاق البطلان وأقر بصحته[33].
ولا شك أن بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي كجزاء على عدم احترام نصوص قانون المسطرة الجنائية يشكل ضمانة ذات فعالية قصوى في فرض تطبيق نصوص القانون بكيفية سليمة واحترام حقوق وضمانات الحدث بكيفية جدية أثناء عملية التحقيق[34]. ويترتب على بطلان إجراءات جمع الأدلة والاستنطاق بطلان الدليل المستمدة منها.
حيث تقوم نظرية الإثبات في الميدان الجنائي على معادلة جوهرية، سياسة قرينة البراءة من جهة، وحرية الإثبات من جهة أخرى[35]، الأمر الذي يطرح إشكالية تحقيق توازن بين حقوق المجتمع وجهات البحث والتحقيق والملاحقة التي تتمتع بسلطات واسعة في البحث عن وسائل الإثبات، وما يفترضه ذلك من مخاطر تجاوز الحدود التي رسمها القانون لتحصيل أدلة الإثبات من ناحية، وبين حقوق الحدث المتهم الطرف الضعيف في المعادلة والمستفيد من قرينة البراءة،ولقد مرت نظرية الإثبات في الميدان الجنائي بمراحل عديدة، فانتقلت من مرحلة الإثبات المقيد اعتلى فيها الاعتراف عرش وسائل الإثبات كائنة ما كانت طريقة الحصول عليه. حيث كان إجبار المتهم راشدا أو حدثا على الكلام والاعتراف أمر جائز قانونيا، فالمتهم الذي لا يريد أن يتكلم يجبر على الإجابة ولو عن طريق التعذيب، إذ كان كل مايهم القضاة هو الحصول على الاعترافات لإصدار أحكامهم وفي القرن الثامن عشر تعرض التعذيب كوسيلة من وسائل الحصول على اعتراف المتهم إلى هجوم حادا من قبل كبار الفلاسفة والمفكرين[36] وحدث رد فعل تجاه تجاوزات الماضي مما أفضى إلى ظهور نظام الإثبات الحر والاقتناع الوجداني للقاضي حيث ظهر مبدأ الاعتراف الاختياري والإرادي وثم وضع قنوات إجرائية محددة للحصول على اعتراف المتهم والاعتراف هو إقرار المتهم على نفسه بارتكاب الجريمة المسندة إليه.
والاعتراف نوعان إما اعتراف قضائي وإما اعتراف غير قضائي، فالاعتراف القضائي هو الاعتراف الصادر عن المتهم أمام قاضي التحقيق أو النيابة العامة أو أمام المحكمة، أما الاعتراف غير القضائي فهو الاعتراف الصادر من المتهم أمام ضباط الشرطة القضائية وهو اعتراف يشوبه الارتياب والشك حول ظروف وكيفية صدوره، ويشترط لصحة الاعتراف كدليل من أدلة الإثبات مجموعة من الشروط يهمنا منها شرطان أساسيان: صدور الاعتراف عن شخص يتمتع بالأهلية الإجرائية ثم صدور الاعتراف عن المتهم طوعا وبمحض إرادته.
ولكون الاعتراف عملا إجرائيا يجب أن يصدر عن متهم متمتع بالأهلية الإجرائية والإدراك والتمييز، والأهلية الإجرائية هي قدرة شخص على فهم ماهية الإجراء وتقدير آثاره وما يترتب عليه من نتائج، والأصل أن كل من تتوافر لديه الأهلية الجنائية تتوافر لديه الأهلية الإجرائية، ولاكتمال الأهلية الإجرائية لدى المتهم المعترف يجب أن يكون ويعتقد أن الاعتراف الصادر عن الحدث المتهم وتحت وطأة الإكراه والعنف هو اعتراف باطل ولا يمكن الاطمئنان إليه لبناء حكم الإدانة.
وقد أخذ المشرع المغربي بمبدأ حرية الإثبات في المادة 286 من ق م ج م[37]، وخول للقاضي سلطات واسعة في تقدير وسائل الإثبات وتكوين اقتناعه، كما نصت المادة 293 من ق م ج م على أن الاعتراف يخضع كغيره من وسائل الإثبات للسلطة التقديرية لقضاة، وقد أصدر المجلس الأعلى عدة قرارات تؤكد حرية الإثبات في الميدان الجنائي على خضوع الاعتراف للسلطة التقديرية لمحكمة الأحداث منها القرار الصادر بتاريخ 24 يوليوز 1971 والذي جاء فيه “حيث أنه إذ كان حقيقة أن المحضر الذي له قوة الإثبات هو المحضر الذي يشهد ما عاينه محرره، وأنه يعتبر حجة إلى أن يطعن فيه بالزور، لا أن فحوى الاعتراف المضمن في اي محضر غنما يخضع لتقدير محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية التي لا تخضع في هذا الشأن لرقابة المجلس الأعلى، وهكذا يكون قضاة الموضوع عندما صرحوا بأن اعتراف الضنين كان تحت الإكراه قد استعملوا سلطتهم التقديرية في هذا الشأن“[38]، وفي قرار آخر صادر بتاريخ 25/12/1963 والذي جاء فيه “إذا تضمن محضر الشرطة اعتراف المتهم فإن لقضاة الموضوع سلطة كاملة ليقدروا قيمة ذلك الاعتراف، حسب الظروف التي أحاطت به، وإذا انتهى لهم التقدير إلى الحكم ببراءة المتهم، لا يكون عملهم هذا خرقا لمحاضر الشرطة من جهة، ما داموا لم ينقلوا ما جاء به من اعتراف، وعندما استعملوا سلطتهم لتقدير قيمته“[39].
وشريعة الإثبات الجنائي تستلزم عدم قبول أي دليل كان البحث عنه أو الحصول عليه قد تم بطريق غير مشروع، فحرية الإثبات لا تعني أن يتم البحث عن الدليل أو الحصول عليه بأية طريقة كائنة ما كانت ولو على حساب الحقوق والضمانات التي أقرها القانون للحدث، بل عملية البحث عن الأدلة مقيدة باحترام حقوق الدفاع من جهة، ومقتضيات الحفاظ على كرامة الحدث من جهة ثانية، وقيم العدالة وأخلاقياتها من جهة ثالثة[40].
وهذا لا يمكن أن يتأتي إلا كلن البحث عن الدليل قد ثم في إطار إجراءات مشروعة، ومن ثم فإن الطرق الغير المشروعة، كاستخدام التعذيب أو الإكراه يترتب عليها حتما عدم مشروعية الدليل المستمد فيها، ولا يعتد به في الإثبات الجنائي، وقد استقر القضاء الأمريكي على أن استعمال الاعتراف الغير السليم في الإثبات، يخالف الحق الوارد في التعديل الخامس بعدم تجريم النفس أو الذات وقررت المحكمة العليا أن الاستخدام لقائلي الاعتراف الصادر عن إكراه يؤدي إلى إنكار قاعدة سلامة الإجراءات القانونية[41].
ورغم أن المشرع استبعد الاعتراف المنتزع بالعنف والإكراه من قائمة وسائل الإثبات، إلا ان الملاحظ أن القضاء المغربي ما زال يعتمد على الاعتراف كسيد الأدلة، بل الأكثر من ذالك غالبا ما لا يكلف القاضي نفسه عناء البحث في الاعتراف الصادر عن الحدث وظروف وكيفية صدوره وشروطه، ويقتصر على الاعتراف الوارد بمحاضر الضابطة القضائية.
وهنا نعتقد أن القضاء بإمكانه أن يلعب دورا كبيرا في حماية الشرعية فالمشرع حرم التعذيب وأخذ بمبدأ حرية الإثبات واحتكم إلى ضمير القاضي وسلطته التقديرية وما على القضاء إلا أن يستعمل الصلاحيات التي خولها له القانون في إقرار بطلان الاعتراف الصادر عن الأحداث والنتائج عن العنف والإكراه، خاصة أن النص القانوني لا ينقصه وكل ما يلزم هو شيء من الجرأة والشجاعة .
المبحث الثاني: أهمية النيابة العامة وانفرادها في تحريك الدعوى العمومية
في حق الحدث الجانح
حماية لشخصية الحدث، وإبعاده عن أي متابعة إلا في حدود خاصة، أجمعت التشريعات على عدم السماح لإقامة الدعوى العمومية في حق الأحداث إلا لسلطة الاتهام[42].
وهذا ما تطلبته المادة 463 من قانون المسطرة الجنائية المغربي، تمارس الدعوى العمومية عند إجراء المتابعة في الجنح والمخالفات التي يرتكبها الأحداث وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المنتصب في دائرتها قاضي الأحداث المختص، ويمارس الوكيل العام للملك في الجنايات المرتبطة بها.. ولا يمكن إقامة الدعوى العمومية في حق الحدث من قبل الطرف المدني“.
وتعتبر هذه القاعدة حمائية للحدث بحيث منح المشرع صلاحية تحريك الدعوى العمومية للنيابة، مؤمنا بالدور الإيجابي لهذا الجهاز في حماية المصلحة العامة ومصلحة الحدث من جهة أخرى.
وعلى هذا المنوال، تتميز إجراءات محاكمة الأحداث الجانحين وفق التشريعات الجنائية الحديثة بابتعادها عن الشكليات والإجراءات التي تحيط بمحاكمة البالغين، وتتولى النيابة العامة خلال هذه المرحلة السهر على سير الدعوى العمومية وإحضار المتهم وتحمل عبء إثبات الفعال المنسوبة إلى الحدث الجانح باعتبارها جهة اتهام من جهة، ومن جهة ثانية كونها طرفا أصليا في جميع القضايا الزجرية المتعلقة بالأحداث كما يمكننا التماس إيقاف سير إجراءات الدعوى العمومية متى توفرت شروط ذلك، وانطلاقا من هذا المبحث سوف نتناول بالتحليل دورالنيابة العامة وأهميتها في تحريك الدعوى في حق الحدث الجانح )المطلب الأول( ثم التطرق لمدى إمكانية إثارة الدعوى في حق الحدث ناقص الأهلية (المطلب الثاني) ثم سنخصص (المطلب الثالث) لدراسة آليات النيابة العامة المسطرية الخاصة بإجراء الصلح وتنفيذ مسطرة حفظ الملف.
المطلب الأول: النيابة العامة وتحريك الدعوى العمومية في حق الحدث الجانح
بمجرد انتهاء ضابط الشرطة القضائية من إجراءات البحث التمهيدي المتعلق بالحدث الجانح، يحرر محضرا بذلك ويوجهه مباشرة إلى الوكيل العام للملك أو وكيل الملك، مرفقا بجميع الوثائق والمستندات، بعد ذلك تتولى النيابة العامة إقامة الدعوى العمومية ومراقبتها، وهي تمارس ذلك الحق دون غيرها (الفقرة الأولى) باعتباره الجهة المختصة بإقامة الدعوى العمومية، وفي هذا الإطار أعطى المشرع المغربي صلاحيات واسعة للنيابة العامة تتلاءم مع السياسة الجنائية الخاصة بالأحداث وتراعي المصلحة الفضلى للحدث، ويظهر جليا ذلك في انفراد النيابة العامة وحدها ودون غيرها بتحريك الدعوى العمومية في قضايا الأحداث، كما تقدم بدائل جديدة للدعوى العمومية سواء قبل إقامتها أو حتى أثناء سريانها تجلت في الخيار الذي يطرح أمامها بين تفعيل مبدأ العدالة التصالحية من خلال المادة 463 من ق م ج التي تحيل على المادة 41 من نفس القانون. كما أنه بالرغم من السلطات الواسعة التي تمارسها النيابة العامة والتي أعطاها المشرع المغربي لها منذ بدء التحقيق إلى توقيع الحكم الصادر في حق الحدث فإنها لها بعض الجوانب التي يمكن أن تجعل لها حدودا في قضايا الأحداث خاصة عندما تقوم بتحريك الدعوى العمومية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: قرار النيابة العامة متابعة الحدث الجانح
استثناءا من القواعد العامة الخاصة بمتابعة الرشداء، لا يمكن متابعة الحدث بمقتضى شكاية مباشرة من المتضرر أو متابعة من طرف الإدارات العمومية التي لها الحق في متابعة الجرائم التي يخول لها القانون الحق في متابعة مرتكبيها، ففي كل الأحوال وسواء كانت القضية جنائية أو جنحة أو مخالفة يجب أن تمر عبر جهاز النيابة العامة (وكيل الملك أو وكيل العام للملك )كل في نطاق اختصاصه وذلك طبقا لمقتضيات المادة 463من ق م ج[43]، التي تقضي على أن وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المنتصب في دائرتها قاضي الأحداث المختص يمارس الدعوى العمومية عند إجراء متابعة في الجنح والمخالفات التي يرتكبها الأحداث، كما يمارسها الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المنتصب في دائرتها المستشار المكلف بالأحداث المختص عند إجراء متابعة في الجنايات والجنح المرتبطة بها، وبالرغم من أن المشرع المغربي يمنح إمكانية تحريك الدعوى العمومية لبعض الإدارات كإدارة المياه والغابات وإدارة الجمارك فإنها ملزمة بتقديم شكايتها للنيابة العامة كلما تعلق الامر بالأحداث، ولا يمكن إقامة الدعوى العمومية في حق حدث من قبل الطرف المدني وهو ما أكده الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس حيث تقدمت إدارة المياه والغابات بشكاية للنيابة العامة في حق الحدث …..حين ضبط الحدث يقطع أغصان الغابة، وحيث إن المحاضر المنجزة لها قوة ثبوتية ما لم يطعن فيها بالزور وحيث يتعين التصريح بثبوت الفعل في حق الحدث وأداء والده غلى إدارة المياه والغابات غرامة مالية وتعويض مدني .
ارتباطا بهذه الغايات وبالقبعة الحمائية التي ألبسها المشرع لقاضي الأحداث جعل المشرع كذالك من النيابة العامة راعيا ورقيبا على تحقيق مصلحة الطفل الفضلى فيكون دورها إجابيا، ويكون لها حضور فاعل في هذا الصدد خلافا لما هو عليه الحال في الواقع العملي، ببعض المحاكم حيث يصبح تداول ملفات الأحداث أمرا عرضيا بين قضاة النيابة العامة دون قصر الأمر على النائب المكلف بقضايا الأحداث، كما ينص على دالك القانون مما يسبب في مجال مرتبط بين النائب وبين ملف الحدث.
ولاشك أن المشرع حين ارتأى وضع صلاحية إقامة الدعوى العمومية بيد النيابة العامة وحدها في حق الحدث، فلأن ذلك أمر له عدة اعتبارات لأن السماح بهذه الإمكانية لغير هذا الجهاز سيفتح الباب على مصراعيه لطرق باب الاتهام العام من طرف كل شخص، يرى أن انحراف الحدث أصاب مصلحة من مصالحه المحمية قانونا حتى وإن كان الطلب غير مؤسس، مع ما يعنيه ذلك من تضخم عدد الدعاوى
الكيدية التي تؤدي إلى التشهير والنيل من سمعة الحدث وشخصيته[44].
وفي هذا الصدد، نصت الفقرة الأولى من المادة 461 من ق م ج على أن النيابة العامة تحيل الحدث الذي يرتكب جريمة إلى قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث، بينما الفقرة الثانية منها تضيف أنه إذا وجد مع الحدث مساهمون أو مشاركون راشدون وجب فصل قضيتهم عن القضية المتعلقة بالحدث الجانح، وتكون النيابة العامة ملفا خاصا بهذا الأخير وتحيله على قاضي الأحداث.
الفقرة الثانية: مدى إلزامية إحالة الحدث من طرف النيابة العامة على قاضي التحقيق
فبرجوعنا إلى الفقرة الأولى من المادة 461 من ق م ج، يوحي ذلك بإلزامية إحالة الحدث مع الملف على قاضي الأحداث، إلا أن الفقرة الثانية من نفس المادة تفيد أن ما يحال على قاضي الأحداث هو الملف وليس الحدث، وهذا التناقض مرده هو عدم استعمال عبارات ومصطلحات دقيقة من طرف المشرع، بحيث يلاحظ أنه يستعمل عبارة (إحالة الحدث على قضاء الأحداث)، ومرة أخرى يستعمل عبارة (إحالة ملف الحدث على قضاء الأحداث)[45].
فالنيابة العامة حينما تتخذ إجراء ما في حق الحدث أثناء فترة البحث التمهيدي، فإذا كانت أمرت بالاحتفاظ بالحدث مثلا فلا إشكال، فهنا يقدم الحدث أمامها رفقة المحضر المنجز في حقه، لكن إذا كانت أمرت بتسليم الحدث إلى ذويه أو من يتولى رعايته فعمليا قد لا يتم إحضار الحدث الجانح من طرف من سلم إليه، وقد لا يكون هذا الأخير عالما بتاريخ إحالة الملف على قاضي الأحداث، فهنا تكون النيابة العامة مضطرة لإحالة الملف دون الحدث إلى القاضي المختص.
ومما يزكي عدم إلزامية إحالة الحدث من طرف النيابة العامة على قاضي الأحداث هو لغة الإمكان (يمكن) المستعملة في المادة 471 من ق م ج والتي تفيد جواز اتخاذ قاضي الأحداث لتدبير من تدابير نظام الحراسة المؤقتة في حق الحدث الجانح، في حين لو كانت إحالة هذا الأخير إلزامية في كل الحالات لكان المشرع أوجب على قاضي الأحداث اتخاذ إجراء في حق الحدث لا تخييره هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 478 من ق م ج تؤكد أن إحالة الملف إلى قاضي الأحداث دون الحدث يبقى أمرا جائزا من الناحية القانونية[46]، و النهج نفسه سارت عليه غالبية التشريعات المقارنة كالتشريع الجزائري والمصري والتونسي، وهو ما ذهب إليه أيضا التشريع التونسي في مجلة الطفل على عدم جواز القيام بالدعوى المدنية أمام محاكم الأطفال مع إمكانية العمل بالواسطة.
وتقوم النيابة العامة بتكوين ملف خاص بالحدث المنحرف تحيله إلى قاضي الأحداث، أو إلى المستشار المكلف بالأحداث، وإذا وجد مع الحدث مساهمون أو مشاركون راشدون، فإنها تقوم بفصل قضية الحدث عن قضيتهم، ويمنع على النيابة العامة أن تعتقل الحدث أو تتخذ في حقه أي تدبير.
ويلاحظ أن المشرع قد أفرد النيابة العامة بهذا الإجراء كي لا يفتح باب الاتهام لكل من يرى أن انحراف الحدث عرض مصلحة من مصالحه المحمية قانونا للضرر، هذا بالإضافة إلى تضخم الدعاوى الكيدية التي ستثقل كاهل السلطة العامة وتؤدي إلى التشهير والنيل من سمعة الحدث ونفسيته وشخصيته[47].
المطلب الثاني: مدى إمكانية إثارة الدعوى العمومية في حق الحدث ناقص الأهلية ( الذي يقل سنه عن 12 سنة )
وهذا إشكال عملي مرده ليس قانونيا، إذ أنه بالرجوع إلى المادة 458 من ق م ج في فقرتها الثانية نجدها تنص على ما يلي: “يعتبر الحدث إلى غاية بلوغه 12 سنة غير مسؤول جنائيا لانعدام تمييزه“، وهو نفس المقتضى الذي أكده الفصل 138 من القانون الجنائي[48]. إلا أن الفقرة الثالثة من المادة 468 من ق م ج تنص على أنه لا يمكن أن يتخذ في حق الحدث الذي لم يبلغ 12 سنة من عمره سوى التسليم لأبويه أو حاضنه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو كافله أو الشخص أو المؤسسة المعهود إليها برعايته، كما أن المادة 473 من نفس القانون في فقرتها الأولى نصت على أنه لا يمكن أن يودع في مؤسسة سجنية الحدث الذي يقل سنه عن 12 سنة كاملة ولو بصفة مؤقتة مهما كان نوع الجريمة، كما حددت المادة 480 من نفس القانون تدابير بديلة للاعتقال والتي يمكن اتخاذها في حق الحدث الذي يقل عمره عن 12 سنة.
وهذا الوضع القانوني جعل أحد الباحثين المغاربة[49] يقترح إعادة النظر في صياغة الفقرة الرابعة من المادة 480 من ق م ج، والفقرة الثانية من الفصل 138 من ق ج، وذلك بالنص على أن الحدث الذي لم يبلغ 12 سنة لا يمكن متابعته أو محاكمته، واعتبر أن المشرع المغربي قد وقع في تناقض واضح.
وفي سياق خيار النيابة العامة متابعة الحدث الجانح في حال ثبوت قيامه بفعل جرمي ضد الغير، فإنه إذا ارتكب مثلا جناية القتل وعمره لا يبلغ 12 سنة، فالنيابة العامة حينما تقرر متابعته فإن ذلك يجب أن يكون بهدف تفعيل التدابير الإجرائية بطريقة غير مباشرة، وذلك بمتابعة حدث منعدم المسؤولية الجنائية وإحالته على المستشار المكلف بالأحداث لتمكين هذا الأخير من اتخاذ التدبير الملائم لحالته في الحدود المسموح بها قانونا، وهو ما ينسجم والهدف المتوخى من التدابير المتخذة في حق الأحداث ألا وهو الوقاية والحماية والتهذيب[50].
وعموما، يمكن القول في هذا المجال، إن التدابير المتخذة في حق الحدث منعدم المسؤولية الجنائية بصفة خاصة، والتدابير المتخذة في حق الأحداث الواردة في قانون المسطرة الجنائية بصفة عامة تهدف أساسا إلى مواجهة الخطورة الإجرامية وليس الجريمة التي ارتكبها الحدث حتى لا يتحول من جانح إلى مجرم خطير في المستقبل.
فبالرغم من السلطات التي أعطاها المشرع المغربي للنيابة العامة بخصوص قضايا الأحداث، والتي تتمثل أساسا في إشرافها ورقابتها لأعمال الضابطة القضائية خلال مرحلة البحث التمهيدي، خاصة فيما يتعلق بتفعيل ضمانات وضع الحدث الجانح تحت المراقبة بمصلحة الشرطة[51]، فإنه أعطى للمتضرر الحق في إقامة الدعوى العمومية في حالة إذا تهاونت النيابة العامة في ذلك، ولم تقم بتحريك المتابعة على إثر الجريمة التي تضرر منها[52]، إلا أنه منع المتضرر من ممارسة هذا الحق في الجريمة التي يرتكبها الحدث الجانح، وإن كان من حقه أن يمارس الدعوى المدنية للمطالبة بالتعويض، فقد نصت المادة 463 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي: “يمارس الدعوى العمومية عند إجراء متابعة في الجنح والمخالفات التي يرتكبها أحداث، وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المنتصب في دائرتها قاضي الأحداث المختص، ويمارسها الوكيل العام للملك في الجنايات والجنح المرتبطة بها”.
في حالة ارتكاب جريمة يخول القانون فيها لإدارات عمومية الحق في متابعة مرتكبها، فإن النيابة العامة مؤهلة وحدها لممارسة هذه المتابعة استنادا إلى شكاية سابقة تقدمها الإدارة التي يهمها الأمر.
لا يمكن إقامة الدعوى العمومية في حق حدث من قبل الطرف المدني، وفي المقابل أوجب المشرع ضرورة تقديم شكاية للنيابة العامة من طرف الإدارة التي خول لها القانون صلاحية تحريك الدعوى العمومية كإدارة الجمارك[53] إذا تعلق الأمر بارتكاب الحدث الجانح لجنح المخدرات بمختلف أنواعها أو تهريب بضاعة محظورة…، وإدارة المياه والغابات[54] في حالة ارتكاب لأفعال تمس مصالحها المحمية قانونا، وهذا المقتضى أتى به المشرع المغربي بالنظر إلى الطبيعة الخاصة لهذه الإدارات وما يتطلبه البحث في مثل هذه المخالفات القانونية من تقنية وتخصص[55].
ويعتبر تقييد المشرع هذه الإدارات العمومية بتقديم شكاية إلى النيابة العامة عامل وقاية وحماية أفضل للحدث من الإكراه والضغط المعنوي الذي قد تمارسه بصفتها هاته على الحدث الذي لا يملك المؤهلات والإمكانيات الكافية لمواجهته. إلا أنه وبالرغم من هذا التقييد تظل مسألة حجية المحاضر المحررة من طرف الإدارات مطلقة لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور، وهي إمكانية يتعذر على الحدث القيام بها، الأمر الذي قد يهدم فلسفة عدالة الأحداث وبالتالي كان يجب استثناء قضايا الأحداث من هذه الحجية.
ومن جهة أخرى، وبالإضافة إلى إمكانية المتضرر تحريك الدعوى العمومية في حق الحدث الجانح كاستثناء من المبدأ العام الذي يرجع هذا الأمر للنيابة العامة وحدها، فإنه يمكن للحدث الضحية تحريكها كذالك عن طريق الادعاء المباشر، فعديم أهلية الضحية لا يمنعها لاحقا بعد بلوغها سن الرشد القانوني،من تحريك المتابعة ضد أصوله أو من عليه رعاية أو كفالة أو سلطة، لأن أمد التقادم بالنسبة للدعوى العمومية في هذه الحالة يبدأ في السريان من جديد ابتدء من بلوغ الضحية القاصر سن الرشد خلافا للقواعد العامة للتقادم في الميدان الجنائي.[56]
وعموما، ورغم استئثار النيابة العامة بصلاحيات تحريك الدعوى العمومية في قضايا الأحداث، فإنه يتعين عليها أن تنظر دائما إلى الحدث الجانح على انه حالة اجتماعية إنسانية خاصة تتطلب تفهما لأسبابها ودراية بكيفية التعامل مع جنوحها، فالحدث في حاجة إلى رعاية وعناية وكذالك نوع المعاملة تشعره بالأمان والطمانينية، وان القسوة معه قد تؤدي إلى غير المقصود منها، بل قد تدفعه غلى الرد عليها بعدوانية.
المطلب الثالث: آليات النيابة العامة المسطرية الخاصة بتنفيذ مسطرة حفظ الملف و بإجراء الصلح
إن أسلوب ملائمة المتابعة الذي تقوم به النيابة العامة وهي بصدد إقامتها للدعوى العمومية، يجعلها تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في ذلك، فلها تمحيص ما يرد عليها من أدلة ومعلومات، فالنيابة العامة من منطلق ملاءمتها لظاهرة جنوح الأحداث والحد من التأثير السلبي المحتمل لمحاكمة الحدث الجانح يمكن أن تتخذ قرارا بحفظ القضية في حقه، حتى ولو كانت الأفعال ثابتة في حقه ثبوتا يقينيا، لأن الهدف من ذلك هو سلامة الحدث وحمايته وتقويم سلوكه وتربيته لا إيلامه وردعه(الفقرة الأولى) ، كما خول المشرع للنيابة العامة إجراء مسطرة الصلح بين الحدث الجانح والضحية إعمالا للمادة 461 من ق م ج كمقتضى تشريعي يكرس مبدأ العدالة التصالحية في قضايا الأحداث الجانحين (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: النيابة العامة وقرار حفظ الملف في حق الحدث الجانح: ماهية قرار الحفظ والأسباب الموجبة له
لقد اختلف الفقه في تحديد تعريف موحد لقرار الحفظ الذي تصدره النيابة العامة لتوقف المتابعة. فقد عرفه أحد الباحثين المصريين[57] بأنه “إجراء إداري يصدر من النيابة العامة بوصفها السلطة الإدارية المهيمنة على جميع الاستدلالات عملا بالمادة 16 من قانون الإجراءات الجنائية وما بعدها، ويجوز العدول عنه في أي وقت ولا يقبل تظلما أو استئنافات من المجني عليه، أو من المدعي بالحق المدني“، أو هو “أمر إداري من أوامر التصرف تصدره النيابة العامة للتصرف به مؤقتا عن إقامة الدعوى العمومية أمام محكمة الموضوع بغير أن يجوز حجية تقيدها، وللنيابة العامة العدول عنه في أي وقت ما دامت الدعوى العمومية لم تنقض بمضي المدة”. وعرفه البعض الآخر[58] بأنه: “أمر يصدر عن النيابة العامة في الواقعة سواء كانت جناية أو جنحة أو مخالفة عقب جمع الاستدلالات وقبل مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق”. في حين أرجع أحد الباحثين المغاربة[59] قرار الحفظ إلى مبدأ ملاءمة المتابعة حينما يبدو للنيابة العامة أن المتابعة لا تتوفر على شروط القبول أو مضرة بالنظام العام.
وفي هذا الإطار، أجمع العديد من فقهاء القانون[60]، وحتى المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) على أن قرار الحفظ هو قرار إداري، إذ جاء في إحدى قرارات هذا الأخير[61] أن: “القرار الصادر من ممثل النيابة العامة بحفظ ملف الشكاية ليس بحكم قضائي متمتع بقوة الشيء المقضي به، وإنما هو تدبير إداري”’وتعليقا على هذا القرار، ذهب أحد الباحثين[62] المؤيدين للطبيعة القضائية لقرار الحفظ الذي تتخذه النيابة العامة إلى القول بأنه “يجب على القضاء المغربي أن ينظر إلى هذا القرار من منظور الحجية وليس من منظور قوة الشيء المقضي به”.
وإذا كان المشرع المغربي قد اعتبر إجراء الحفظ قرارا إداريا قابلا للإلغاء[63]، فإن بعض التشريعات المقارنة وضمانا منها لحق الضحية من تعسف النيابة العامة عند اتخاذها قرار الحفظ، خولته حق إحالة هذا القرار على غرفة الاتهام[64]، في حين مكنت تشريعات أخرى المشتكي من اللجوء إلى الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف في حالة رفض الطعن[65].
وتماشيا مع موقف التشريعات المقارنة، أقر المشرع المغربي في حالة ما إذا كان المتضرر من الفعل الجرمي حدثا إمكانية سلوك طريق تقديم شكوى مع المطالبة بالحقوق المدنية[66].
وعموما، فقرار الحفظ الذي قد تتخذه النيابة العامة في حالة ما إذا ظهر لها أنه لا محل لإثارة الدعوى العمومية في حق حدث جانح، هو قرار مؤقت، وليس له علاقة بالحكم، لكنه يجب أن يستند على أسباب تبرره، والتي تجعله في حالة توفرها يرتب آثارا مختلفة، ويجدر بنا القول إن قرار الحفظ الذي تتخذه النيابة العامة في حق حدث جانح يعد من بين الضمانات المخولة لصالحه باعتبار أن هذا القرار يجنبه ويدرأ عنه مخاطر المتابعة والمحاكمة وانعكاساتها عليه من الناحية النفسية، وبالتالي يجب تفعيل هذا التدبير الإجرائي كلما أمكن بالإضافة إلى قرار الصلح.
وتتعدد الأسباب التي توجب على النيابة العامة حفظ الملف، وهي كلها تنصب في تحقيق ضمانة حماية للحدث الجانح، ويمكن إيجازها فيما يلي:
-عدم توفر أركان الجريمة
-عدم كفاية الأدلة، وفي حالة ظهور أدلة جديدة تتراجع النيابة العامة عن قرار الحفظ[67]
-سبق صدور حكم حائز لحجية الأمر المقضي به
-الإحالة على محكمة أخرى مختصة
-وفاة المتهم[68].
وتوفر هذه الأسباب الموجبة لحفظ الملف، تترتب عليه آثار عديدة، يمكن إجمالها فيما يلي:
-إنهاء مؤقت أو دائم للدعوى العمومية، مع التأكيد على أن قرار الحفظ هذا لا يلزم النيابة العامة، إذ يمكنها التراجع عنه عند ظهور عناصر جديدة تفيد في البحث
-لا يسوغ الطعن في قرار الحفظ أمام القضاء
-إن قرار الحفظ لا يمنع المتضرر من اللجوء إلى طريق الادعاء المدني إذا تحققت شروطه[69].
إن قرار النيابة العامة بحفظ الملف لا ينقطع به أجل تقادم الدعوى العمومية[70].
لكن ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو أنه إذا كانت النيابة العامة في قضايا الراشدين لا تأمر بحفظ الملف إلا إذا توفرت جملة من الأسباب، ككون الوقائع موضوع الشكاية أو الوشاية أو المحضر لا تكتسي طابعا جرميا، وكعدم كفاية الأدلة لإثبات الجريمة، أو أن معرفة مرتكب الفعل الجرمي لم تتيسر[71]، فإنه في قضايا الأحداث تستطيع النيابة العامة من مطلق ملاءمتها لمعالجة جنوح الأحداث والحد من التأثير السلبي المحتمل لمحاكمة الحدث الجانح أن تتخذ قرارا بحفظ الملف في حقه حتى ولو كانت الأفعال في حقه، فالهدف هو سلامة الحدث وحمايته وتقويم سلوكه لا إيلامه وردعه[72].
وقد جرت العادة على المستوى العملي، أن تعلل النيابة العامة قرارات الحفظ وتشعر بالمشتكي، حتى يتمكن من ممارسة حقه في التظلم إلى النيابة العامة التي أصدرت القرار من أجل مراجعته[73]، لا سيما إذا كانت لديه معطيات أخرى تخالف الأسباب التي اعتمد عليها في قرار الحفظ أو التظلم إلى الجهة الأعلى في التسلسل الرئاسي للنيابة العامة[74]، والتي يمكنها في إطار سلطتها الرئاسية أن تامر النيابة العامة المعنية بالعدول عن قرار الحفظ وتحريك الدعوى العمومية من جديد.
وعموما، فالنيابة العامة عند اتخاذها قرار الحفظ في حق الحدث الجانح، تكون قد لامست السياسة التشريعية في مجال جنوح الأحداث المبنية على ضماناته وحماياته وسلامة وتقويم سلوكه وتجنيبه ما أمكن هول الإجراءات الجنائية لكن ما العمل في حالة ما إذا اتخذت النيابة العامة قرارا بالحفظ وتعذر عليها تسليم الحدث إلى دويه أو من تولى رعايته؟.
وفي هذه الحالة، وفي إطار ضمانات الحدث وحماية مصلحته فإنه يجوز للنيابة العامة إيداع الحدث شريطة ألا يكون سنه بمراكز الملاحظة أو مؤسسة مختصة، بالرغم من ان هذا الإيداع كتدبير إجرائي بعد قرار الحفظ يجعل وضعية الحدث الجانح من الناحية القانونية غير سليمة، وبالتالي ومن اجل حمايته يجب على النيابة العامة إما أن تثير المتابعة في حقه إن توفرت شروطها وتحيله على قاضي الأحداث رفقة الملف لاختصاصه، وإما أن تحيله مباشرة دون أية متابعة على القاضي السالف الذكر، والذي قد يكلف أحد مندوبي الحرية المحروسة قصد إعداد تقرير حوله (الحدث الجانح )من اجل العمل على تسليمه غلى دوييه أو إيداعه في المركز المؤهل لاستقباله في حالة ما إدا امتنعت العائلة عن تسلمه بسبب عدم استطاعته وأهليتها لتربيته[75].
الفقرة الثانية: آليات إجراء الصلح كخيار بديل بين الحدث الجانح والضحية
الصلح هو أسلوب قائم على التراضي لإدارة الدعوى العمومية خارج النطاق القضائي[76]، وقد عرفته محكمة النقض المصرية بأنه “نزول الهيئة الاجتماعية عن حقها في الدعوى الجنائية مقابل الجعل الذي قام عليه الصلح، ويحدث أثره بقوة القانون مما يقتضي من المحكمة إذا ما تم التصالح في أثناء نظر الدعوى أن تحكم بانقضاء الدعوى الجنائية، أما إذا وقع التراضي إلى ما بعد الفصل فإنه يرتب عليه وجوبا وقف تنفيذ العقوبة الجنائية المقضي بها”[77].
واستجابة من المشرع المغربي للنداءات القانونية الدولية بهدف ضمان وصيانة حقوق الضحايا[78] تم التنصيص على مسطرة الصلح في قانون المسطرة الجنائية[79]، واعتبر هذا الإجراء حلا وسطا بين قراري الحفظ والمتابعة اللذين تملكهما النيابة العامة، حيث سيمكن من تجنب متابعة المتهم من جهة ويقدم في نفس الوقت حلا للضحية للحفاظ على حقوقه وتضميد جراحه وصيانة حقوق المجتمع من جهة. أسوة من التشريعات المقارنة كالتشريع الفرنسي[80] والبلجيكــــي والتونسي[81]، عمد المشرع المغربي من خلال قانون المسطرة الجنائية الجديد على تبني إجراء المصالحة كآلية لاستبدال العقوبة السالبة للحرية وفض النزاع قبل تحريك الدعوى العمومية[82]، وذلك طبقا للمادة 461 من ق م ج، حيث نصت على أنه “يمكن للنيابة العامة في حالة ارتكاب جنحة إذا وافق الحدث ووليه القانوني وكذلك ضحية الفعل الجرمي تطبيق مسطرة الصلح المنصوص عليها في المادة 41 من هذا القانون”، أي كلما تعلق الأمر بجنحة ضبطية، وعند التراضي وموافقة وكيل الملك على ذلك.
ويشكل هذا المقتضى الذي حاول المشرع المغربي السير فيه في قضايا الأحداث –مستشردا بما وصلت إليه مختلف الأنظمة القانونية المقارنة- معتمدا على ما تم إرساؤه على مستوى الاتفاقيات والقواعد الأممية ذات الصلة[83]، أهمية قصوى في جرائم الأحداث، ذلك أن الطابع الذي يميز التعامل مع الأحداث الجانحين والمعالجة القضائية لجرائمهم تتخذ بعدا اجتماعيا بالأساس على اعتبار أن ظاهرة الجنوح لذا هذه الفئة هي ظاهرة اجتماعية، وبالتالي فمحاولة إيجاد حلول لها خارج إطار المحاكمات العادية هو أمر يتماشى مع التوجه العام في مجال عدالة الأحداث[84].
بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة 461 من ق م ج -التي أحالت على المادة 41 من نفس القانون- يجوز للحدث ووليه القانوني معا أو ضحية الفعل الجرمي أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر قانوني، وفي حال موافقة هذا الأخير[85] وتحريره محضرا بذلك[86]، يحيله على رئيس المحكمة الابتدائية ليقوم هو أو من ينوب عنه بالتصديق عليه[87] بحضور ممثل النيابة العامة المكلف بالأحداث والطرفين أو دفاعهما بمقتضى أمر قضائي[88] لا يقبل أي طعن ويتضمن هذا الأخير ما يلي:
-ما اتفق عليه الطرفان
-أداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا
-تحديد أجل لتنفيذ الصلح[89]
وتتم مسطرة الصلح وفق الشكل المنصوص عليه في المادة 41 من ق م ج، حيث تكون المبادرة باقتراح من النيابة العامة نظرا لقلة دراية الحدث بمزايا الصلح، فيحرر وكيل الملك محضرا يضمن فيه ما اتفق عليه الأطراف، ثم يوقعه ويحيله على رئيس المحكمة الابتدائية ليقوم بالتصديق عليه بغرفة المشورة بعد استدعاء الأطراف، ولا يقبل أمر رئيس المحكمة أي طعن ويشعر رئيس المحكمة وكيل الملك بالأمر الصادر عنه ويتأكد هذا الأخير من تنفيذ الالتزامات التي اتفق عليها الطرفان وصادق عليها رئيس المحكمة[90].
وكنتيجة للمصالحة تسقط الدعوى العمومية، ويترتب عن ذلك عدم تسجيل الحدث الجانح في سجل السوابق وبالتالي إفلاته من احتساب حالة العود لديه، وفي الحقيقة مهما وصف البعض من أن المصالحة إجراء يخدم مصلحة الأغنياء دون الفقراء المعسرين، إلا أنني أرى أنه يخدم بالدرجة الأولى مصلحة الحدث في تجنبيه متاعب المتابعة والمحاكمة وصدور حكم يدينه، ناهيك عن النفقات والمصاريف المرتبطة بالدعوى العمومية، كما أنه يخدم مصلحة الضحية باستفادته من سرعة الإجراءات ورد الاعتبار له وتمكينه من التعويض.
وانسجاما أيضا مع مبادئ الأمم المتحدة المعروفة بمبادئ الرياض التوجيهية نص قانون المسطرة الجنائية الجديد على إمكانية التماس النيابة العامة إيقاف سير الدعوى العمومية بعد إقامتها، وقبل صدور حكم نهائي في جوهر القضية إذا ما تم سحب الشكاية أو تنازل المتضرر، أو إذا اقتضت المصلحة ذلك مع إمكانية مواصلة النظر فيها بطلب من النيابة العامة ما لم تكن قد سقطت بالتقادم[91] أو لسبب آخر وذلك في الأحوال الآتية:
أ-إذا لم يصادق رئيس المحكمة على الصلح الحاصل بين الطرفين
ب-إذا لم يتم تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها رئيس المحكمة داخل الأجل المحدد
ج-إذا ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية[92]
وبهذا يكون المشرع من خلال مسطرة الصلح قد ساير التشريعات المقارنة والصكوك الدولية، فالمادة 11 من قواعد بكين تنص على أنه “حينما كان ذلك مناسبا ينظر في إمكانية معالجة قضايا الأحداث دون اللجوء إلى محاكمة رسمية من قبل السلطة المختصة…”.
[1] -أنظر الفصل 4 من الأمر الفرنسي الصادر بتاريخ 2 فبراير 1945، كما وقع تتميمه بالقانون رقم 2004-204 بتاريخ 9 مارس 2004.
[2] -أنظر م 66 من ق م ج المغربي: مدة الحراسة النظرية 48 ساعة للتمديد بإذن كتابي من النيابة العامة، مرة واحدة لمدة 24 ساعة.
[3] -سعاد التيالي، دور القضاء في حماية الأحداث، دراسة مقارنة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس السنة الجامعية 2007/2008 ص39.
[4] -المادة 41 من قانون 15 يونيو 2000 الفرنسي.
[5] – سعاد التيالي، مرجع سابق، ص: 40.
[6] – بوشعيب الماحي، ضمانات الحدث الجانح بين النص القانوني والعمل القضائي المغربي –دراسة مقارنة- رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، وحدة الطفولة وقضاء الأحداث، جامعة عبد الملك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة السنة الجامعية 2011-2012، ص: 27.
[7] سعاد التيالي، دور القضاء في حماية الأحداث،دراسة مقارنة .ص 42.
[8] -وعموما، إذا تبين للنيابة العامة وجود إخلالات في البيانات المضمنة بالسجل أو المحضر، تعين عليها إنجاز تقرير في الموضوع وإحالته على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف التابع لدائرة نفوذها ضابط الشرطة القضائية المعني بالأمر، الذي قد يتعرض لعقوبات تأديبية أو جنائية حسب الأحوال.-بوشعيب الماحي م س ، ص: 27-28.
[9] -محسن هشام، علاقة النيابة العامة بالضابطة القضائية، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، عدد 2007، ص: 111.
[10] -تتكون من مستشار للأحداث بصفة رئيسا ومن مستشارين اثنين، ولم يحدد المشرع اختصاصتها ضمن النص المنظم لها، وجاءت اختصاصاتها موزعة في مجموعة من المواد، ويمكن القول بأن لها نفس اختصاصات الغرفة الجنحية المنصوص عليها في القسم الرابع من الكتاب الأول من قانون المسطرة الجنائية.
-أحمد أجوييد، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديدة، الجزء الثاني، مكتبة المعارف، جامعة فاس 2004، ص: 242.
[11] -نافع عبد الغني، المسطرة الجنائية المغربية في شروح، بحث نهاية التمرين بالمعهد الوطني للدراسات القضائية، فوج 15، السنة 1987، ص: 69.
[12] -هشام محسن، دور النيابة العامة في القضايا الزجرية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث في المهن القضائية والقانونية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالسويسي /الرباط، السنة الجامعية 2007/2008، ص: 22.
[13] -أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، الدعوى العمومية، الدعوى المدنية، البحث التمهيدي، التحقيق الإعدادي، مطبعة المعارف الجديدة، الطبعة 6، الرباط 2001، ص: 330.
[14] -المادة 32 من ق م ج.
[15] – لم يعرف المشرع المغربي الاعتقال التحكمي، لكن الأستاذ عبد العلي حفيظ قد عرفه بأنه “كل اعتقال سواء كان احتياطيا أو في إطار الحراسة النظرية أو تنفيذا لعقوبة سالبة للحرية لا يحترم الإجراءات والشروط والضوابط التي وضعها المشرع يعتبر اعتقالا تعسفيا…” كما نص الفصل 55 من قانون الدرك الملكي على أنه: “يعد شططا في استعمال السلطة كل عمل من أعمال الدرك يحدث اضطرابا في نفوس المواطنين أثناء التمتع بحريتهم ويحكم على ضابط الفيالق وقوادها ورجال الدرك الذين يستعملون خلال تأدية وظيفتهم شططا في استعمال السلطة أو يمسون بحق التمتع بالحريات المعترف بها قانونيا…”.
[16]– تنص المادة 230 من ق ج على ما يلي: “كل قاض أو موظف عمومي، أو أحد رجال وموظفي السلطة العامة أو القوة العمومية يدخل بهذه الصفة مسكن أحد الأفراد، رغم عدم رضائه، في غير الأحوال التي قررها القانون، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم”. وفي هذا السياق نص الفصل 57 من قانون الدرك الملكي على ما يلي: يعتبر اقتحام الدرك لمساكن خصوصية شططا في استعمال السلطة ما عدا في الحالات الآتية:
– يجوز له دخولها في كل وقت برضا رب المنزل أو بأمر السلطة العسكرية في حالة الحكم العسكري أو فغي الحالة التي يقررها القانون بصفة صراحة
– يجوز له عند اقتراف جريمة بينة دخول هذه المساكن نهارا في الأحوال المنصوص صريحا عليها في القانون أو بموجب إنابة قضائية أصدرتها السلطة المختصة.
– لا يجوزله دخول تلك المنازل ليلا إلا في الأحوال المنصوص عليها في الفقرة الأولى في حالة حريق أو فيضان أو استغاثة من داخلها مدة الليل يحددها القانون”.
[17] – بمقتضى الفصل 231من ق ج الذي تم تعديله وتتميمه بموجب القانون رقم 43.04،حيث أضيفت عدة أحكام نجملها فيما يلي:
-تم تحديد العقوبات حسب صفة الشخص المجني عليه والظروف المرتبطة بارتكاب الجريمة ونتائجها.
واشترط الفصل إضافة لهذه العناصر وصف الفاعل –رجال الشرطة القضائية، أو عون القوة العمومية…- شرطا أساسيا ولازما لقيام الجريمة هو انعدام المبرر الشرعي.
ويقصد به في مفهوم الفصل المذكور الحالة التي توجد فيها أسباب قانونية ترفع عن الفعل الصفة الإجرامية وتنفي المسؤولية عن الجريمة بشكل نهائي.
[18] -الفصلين 352 و353 من ق ج.
[19] -الفصل 446 من ق ج والمادة 61 من نفس القانون.
[20] – أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الثاني، مكتبة المعارف، الرباط، 1982، ص: 262
[21] – أحمد أجوييد، م س ص: 259.
[22] – محمد الطيب بوطيبي، البحث التمهيدي، أية ضمانات؟ مجلة المحاماة، العدد 46، 2002، ص: 271-271.
[23] – تنص المادة 24 من ق م ج م على أن المحضر هو الوثيقة المكتوبة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه ويضمنها ما عانيه وما تلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع لاختصاصه دون الإخلال بالبيانات المشار إليها في مواد أخرى من هذا القانون أو في نصوص خاصة أخرى.
يتضمن محضر استماع هوية الشخص المستمع إليه ورقم بطاقة تعريفه عند الاقتضاء وتصريحاته والأجوبة التي يرد بها أسئلة ضابط الشرطة القضائية.
إذا تعلق الأمر بمشتبه فيه، يتعين على ضابط الشرطة القضائية إشعاره بالأفعال المنسوبة إليه.
[24]-Mohamed drissi alami machichi, procédure pénal, imprimerie KAMAr, Casablanca, 1982, p 133-134.
يقرأ المصرح تصريحاته أو تتلى عليه، ويشار إلى ذلك بالمحضر ثم بدون ضابط الشرطة القضائية الإضافات والتغييرات أو الملاحظات التي يبديها المصرح أو يشير إلى عدم وجودها.
يوقع المصرح إلى جانب ض ش ق على المحضر عقب التصريحات وبعد الإضافات ويدون اسمه بخط يده وغذا كان لا يحسن الكتابة أو التوقيع يضع بصمته ويشار إلى ذلك في المحضر.
- يصادق ض ش ق والمصرح على التشطيبات والإحالات.
يتضمن المحضر كذلك الإشارة إلى رفض التوقيع أو الإبصام أو عدم استطاعته مع بيان أسباب ذلك.
[25]-Mohamed drissi alami machichi, procédure pénal, imprimerie KAMAr, Casablanca, 1982, p 133-134.
[26] – قرار ورد في مقال الحسن بيهي، محاضر الضابطة القضائية بين الحجية والشريعة وفق قانون المسطرة الجنائية الجديد، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 54-55، 2004، ص: 96.
[27] – قرار أورده أحمد الخمليشي، شرح القانون المسطرة الجنائية، الجزء الثاني، م س ، ص: 177.
[28] – أحمد غاي، ضمانات المشتبه فيه أثناء التصريحات الأولية، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2003، ص: 89.
[29] -Christiene Lazerges, le renforcement de la protection, de la présomption et d’innocence et des droits victimes, histoire d’une navette parlementaire, reveue de sicence criminelle de droit pénal comparé, n° 1; 2001, p: 14.
[30] – درياس زيدومة، حماية الأحداث في القانون الإجرائي الجزائري، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، طبعة 2007، ص: 94.
[31] -Stefani Levasseur, procédure pénale, Dalloz 2ème Edition, Paris 1977, p; 527.
[32] – وزارة العدل، شرح القانون المسطرة الجنائية، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص: 158.
[33] – سليمان عبد المنعم، بطلان الإجراء الجنائي محاولة تأصيل أسباب البطلان في ظل قضاء النقص في مصر ولبنان وفرنسا، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 1999، ص: 74.
[34] عزيزة بنخدة،قاضي التحقيق المكلف بالأحداث، دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في قضاء الأحداث، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس السنة الجامعية 2007/2008 ص27
[35] -Mohamed Alami Machichi, procédure pénal, op. cit, p: 234.
[36] محمد صبحي نجم. قانون أصول المحاكمات الجزائية، دار الثقافة والتوزيع، .ص 332
[37] – تنص المادة 286 من ق م ج م على أنه “يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات ما عدا في الأحوال التي يقتضي فيها القانون بخلاف ذلك ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي…”
[38] – أحمد الخمليشي، ق م ج، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص: 177.
[39] – قرار ورد في مقال لحسن بيهي، محاضر الضابطة القضائية بين الحجة والشريعة وفق ق م ج ج، م س، ص: 95.
[40] – فاضل زيدان محمد، سلطة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة، دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2006، ص: 242.
[41] ج. جورج حقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية في النظام الأمريكي إجراءات ما قبل المحاكمة، حماية حقوق الإنسان الإجراءات الجنائية في مصر وفرنسا والولايات المتحدة مرجع سابق ص 313
[42] – عبد القادر القهوجي، م س، ص: 179-180.
[43] – تنص المادة 463 من ق م ج، على أنه يمارس الدعوى العمومية عند إجراء متابعة في الجنح والمخالفات التي يرتكبها أحداث، وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المنتصب في دائرتها قاضي الأحداث، المختص ويمارسها الوكيل العام للملك في الجنايات ل والجنح المرتبطة بها …..ولا يمكن إقامة الدعوى العمومية في حق الحدث من قبل الطرف المدني ”
[44] – وتتضح أهمية دور النيابة العامة بالنسبة لمعالجة قضايا في وضع مخالف للقانون في الصلاحيات المخولة لها قانونا في هذا المجال وعلى رأسها:
– جعل تحريك الدعوى العمومية في حق الأحداث حكرا على النيابة العامة لقطع الطريق على الشكايات المباشرة وعلى حق بعض الإدارات في إثارة هذه الدعوى
– صلاحية السهر على تنفيذ أوامر وقرارات القضاة والهيئات المكلفة بالأحداث، مما يفرض لزوما التعجيل بهذا التنفيذ، ثم تتبعه من خلال الزيارات التفقدية، خلافا لما يعتقده البعض من عدم تكليف النيابة العامة بذلك، وإلا لمذا نص المشرع على ضرورة استشارتها وضرورة تبليغ كافة الأوامر والقرارات الخاصة بالأحداث إليها، ولماذا خولها صلاحية التماس اتخاذ التدابير المناسبة لفائدة الطفل، بل والتماس تغييرها عندما تتضح الحاجة لذلك، وكيف يمكن للنيابة العامة أن تستشعر الحاجة إلى تغيير التدبير دون تتبع تطور وفعالية هذا التدبير.
– ويكون للنيابة العامة أيضا أثر مباشر على إعمال مبدأ عدم اللجوء إلى الاعتقال من خلال التماس التدبير الأنسب للطفل، وعدم التماس الإيداع في السجن وعدم التماس العقوبة السالبة للحرية. بالإضافة إلى جورها في الإشراف على الشرطة القضائية أثناء فترة البحث خاصة فيما يتعلق بالاحتفاظ بالحدث.
– مجلة الشؤون الجنائية، عدد خاص بمناسبة الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة “العدالة الجنائية بالمغرب: أرقام ومعطيات، م س ص: 265-268.
[45]– سفيان أدريوش، الدور الإجرائي للنيابة العامة في معالجة ظاهرة جنوح الأحداث، الخيارات والإشكاليات، مجلة المحاكمة، العدد3، السنة 2007.
[46] – مليكة أبودياز، ضمانات الحدث الجانح، مقال منشور بمجلة المعيار، ع 46، دجنبر 2011، ص: 63.
[47] – مراد دودوش، حماية الطفل في التشريع الجنائي المغربي جانحا وضحية دراسة مقارنة رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة سيدي محمد بن عبد الله –فاس- السنة الجامعية 2002/2003ص: 77.
[48] – ينص الفصل على أن: الحدث الذي لم يبلغ 12 سنة كاملة يعتبر غير مسؤول جنائيا لانعدام تمييزه.
[49] – عسال بوشعيب، إشكالية محل نقاش على ضوء قانون المسطرة الجنائية، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 105، 2006، ص: 96-97.
[50] – منال منصور، المحاكمة العادلة للأحداث من خلال قانون المسطرة الجنائية، دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة العلوم الجنائية، جامعة عبد الملك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، السنة الجامعية 2008/2009، ص: 27.
[51] – عبد اللطيف كداي، ضمانات المشبوه فيه (الحدث) في مرحلة البحث التمهيدي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في القانون الخاص، وحدة قضاء الأحداث، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية بفاس، السنة الجامعية 2007/2008، ص: 96.
[52] – الادعاء بالحق المدني هو حق من الحقوق الممنوحة للمتضرر لكي يحرك الدعوى العمومية إما بواسطة الاستدعاء المباشر أمام المحكمة إذا تعلق الأمر بجنحة أو مخالفة أو بواسطة الشكاية مصحوبة بالإدعاء المدني أمام قاضي التحقيق إذا تعلق الأمر بجناية.
[53] – الفصل 249 من مدونة الجمارك.
[54] – المادة 57 من ظهير المياه والغابات.
[55] – المادة 63 من الظهير المذكور.
[56] -وهذا ما أشارت إليه المادة 5 من ق م ج، والتي جاءت فيها”….غير أنه إذا كان الضحية قاصرا…..سن الرشد”.
لكن الملاحظ هو أن عدم خضوع تكليف ممثلا لنيابة العامة، بالقضايا التي تخص الأحداث لأي مسطرة أو شكلية خاصة إذ يدخل هذا التكليف في إطار التنظيم الداخلي وتوزيع الأشغال داخل النيابة العامة من شأنه عدم تحقيق الغاية التي كان يتوخاها المشرع من جعله للنيابة العامة تنفرد بتحريك الدعوى العمومية في حق الأحداث، سواء كانوا جانحين أو ضحايا، والتي تتمثل أساسا في تحقيق أكبر ضمانة حمائية لهم.
[57] -عبد الرحيم صدقي، الوجيز في قانون الإجراءات الجنائية المصري، ج 1، دار المعارف القاهرة، ط 1، ط 1986، ص: 156.
[58] -محمد عوض، الوجيز في قانون الإجراءات الجنائية، ج 1، دار المطبوعات الحكومية، الإسكندرية، مصر، ص: 209.
[59] -الحبيب بيهي، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، ط 1، 2006، ج 2، ص: 50.
فاعتماد الوساطة في سياق السياسة التشريعية الوقائية أو التوفيقية كآلية صلح تؤدي إلى تفادي العقوبة المنسوجة من خلال ربط الاتصال بين مرتكب الجريمة والمتضرر منها قصد حل النزاع تفادي المحاكمة، وذلك بكل حرية وتلقائية أنظر:
Jocclyne le Bois, Happe, la médiation pénale comme mode de réponse à la petite délinquance: état des tieux et perspectives, heure de science criminelle. 3 juillet. Septembre 1994.
[60] -علي فضل الوعينين، سلطة الادعاء العامة في التصرف في الاستدلال والتحقيق، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، ط 2001، ص: 153.
[61] -قرار رقم 349 أورده عبد الواحد العلمي في الهامس رقم 71 في كتابه: شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، م س، ص: 102.
[62] -إدريس العروسي المسكسف، حفظ الأوراق في قانون المسطرة الجنائية المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث في العلوم الجنائية، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، السنة الجامعية 2007-2008، ص: 73.
[63] -المادة 40 من ق م ج.
[64] -Granier, la partie civile au procés pénal, R.S.G, Ed 1958, p: 60 et suivant.
[65] -J. Zissiardis, le nouveau code de procédure criminelle, R.S.G, Ed 1954, p: 83 et suiv
[66] -سعاد التيالي، م س، ص: 51.
[67] -الفقرة 4 من المادة 40 من ق م ج.
[68] -مليكة أبوديار، ضمانات الحدث الجانح، مقال منشور بمجلة المعيار، ع 46، دجنبر 2011، ص: 65.
[69] – المواد 93 إلى 98 من نفس القانون.
[70] – جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 4907 وتاريخ 22/04/1961، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عن سنوات 1957-1961 والذي جاء فيه: (إن القرار الصادر عن ممثل النيابة العامة بحفظ الشكاية ليس بحكم قضائي متمتع بحجية الشيء المقضي به وإنما هو تدبير إداري).
[71] – وزارة العدل: شرح قانون المسطرة الجنائية، ج 1، م س، ص: 164 وما يليها.
[72] – سفيان أدريويش، م س، ص: 73.
[73] عبد الخاق البقالي، دور النيابة العامة في معالجة ظاهرة جنوح الأحداث ، الخيارات والإشكاليات ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص بطنجة السنة الجامعية 2009/2010 ص 66
[74] – يوجه التظلم إلى الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف التي تتواجد بدائرتها النيابة العامة المصدرة للقرار أو لوزير العدل.
[75] مليكة أبو ديار ،م س، ص، 66
[76] -Dobkine, la transaction en matière pénale “Recueil Dalloz”, 1994, p: 138.
[77] – هيثم عبد الرحمن البقلي، الأحكام الخاصة بالدعوى الجنائية الناشئة عن الجرائم المالية، دار النهضة العربية، القاهرة، ط 2005، ص: 334.
[78] – وذلك من خلال قانون المسطرة الجنائية، التي ورد في ديباجتها، أن من أسباب الاطمئنان. إلى العدالة الجنائية هو تمكين الضحايا من الوصول إلى حقوقهم عن طريق تسوية حبية دون اللجوء إلى حكم قضائي، علما أن من أسباب استمار الأمن واستتاب الطمأنينة بالمجتمع تحقيق تصالح بين طرفي الخصومة مباشرة، وهو ما يؤدي إلى رأب الصدع وجبر الضرر والحد من النزاعات الانتقامية.
[79] – المادة 41 منها، إلى جانب ما نصت عليه المادتين 372 التي تتعلق بوقف ير إجراءات الدعوى العمومية والمادة 375 التي تخص السند التنفيذي في المخالفات الذي يشكل نمطا من أنماط الصلح الزجري.
[80] – نص المشرع الفرنسي في المادة 1-1 من قانون 45-174 الصادر في 2/2/1945 يمكن للنيابة العامة أو المؤسسة المكلفة بالتحقيق أو محكمة الحكم أن تقترح على الحدث تدبير أو إجراء مساعدة أو إصلاح اتجاه الضحية أو من أجل المصلحة العامة ولا يمكن أن يأمر بهذا الإجراء إلا بعد موافقة الضحية وعندما يقترح هذا التدبير قبل تحريك المتابعة بطلب وكيل الجمهورية موافقة الحدث أو ممارس السلطة الأبوية بضم هذا الاتفاق إلى ملف القضية
[81] – تنص المادة 113 من مجلة حماية الطفل على أن الوساطة آلية ترمي إلى إبرام الصلح بين الطفل الجانح ومن يمثله قانونا وبين المتضرر وتهدف إلى إيقاف مفعول التبعات الجزائية أو المحاكمة أو التنفيذ.
[82] – لحسن بيهي، أي دور للنيابة العامة، في أفق ق م ج ج، مجلة أنفاس حقوقية، دراسات وأبحاث في ق م ج ج، ص: 62.
[83] -حميد المومني، المعالجة القضائية لجرائم الأحداث، دراسة على ضوء العمل القضائي المغربي، رسالة لنيل دبلوم د ع أ في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث قضاء الأحداث، بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، بفاس، السنة الجامعية 2007/2008، ص: 40 وما يليها.
[84] -إدريس ساحي، الحماية القانونية والقضائية للحدث الجانح في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المتخصصة في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث في قضاء الأحداث، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية بفاس، السنة الجامعية 2007-2008، ص: 45-46.
[85] -لقد أثارت موافقة وكيل الملك على الصلح جدلا فقهيا، ليس فقط على المستوى الوطني بل حتى على المستوى الدولي، فمنهم من يرى بأن النيابة العامة ليست مؤهلة لإجراء الصلح لعدة اعتبارات:
-كونها تلعب دور الخصم والحكم في نفس الوقت، وهذا لا يدعو إلى الاطمئنان
-عدم توفر الوقت الذي يجب أن يخصص لكل قضية على حدا، نظرا لكثرة الأعمال المنوطة بالنيابة العامة، مما يؤدي إلى اللجوء إلى وسائل أخرى كالضغط على المجني عليه، مما يجعله يقبل إجراء الصلح خوفا من تحريك الدعوى العمومية في حقه، وهو ما يشبه عقود الإذعان، ويرى هذا الاتجاه أنه من الأجدر منح هذا الاختصاص للقاضي الجالس باعتباره مؤهلا أكثر، في حين يرى جانب آخر أن الصلح يجب أن يمر من قناة غير المحاكم بعيدا عن قاعاتها.
-أنظر: تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، ج 1، مجلس النواب حول مناقشة قانون 22/01 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية، أورده هشام محسن، م س، ص: 101 وما بعدها.
-مدحت رمضان، بدائل الدعوى الجنائية والعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، مقال منشور في السياسة الجنائية بالمغرب، واقع وآفاق، بمناسبة الأعمال التحضيرية للمناظرة الوطنية التي نظمتها وزارة العدل بمكناس أيام 9، 10، 11، المجلد 2، ع 4، السنة 2005، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، مطبعة فضالة، المحمدية، ص: 319.
[86] -يتم تحرير هذا المحضر من طرف وكيل الملك بحضور الطرفين أو دفاعهما ما لم يتنازلا أو يتنازل أحدهما عن ذلك، ويتضمن هذا المحضر بالإضافة إلى محتوى الإتفاق الحاصل بين الأطراف، إشعار وكيل الملك لهما أو لدفاعهما بتاريخ الجلسة التي تعقدها غرفة المشورة، توقيع المحضر من الأطراف والنيابة العامة.
[87] -إن السبب الحقيقي من وضع المشرع لقيد مصادقة رئيس المحكمة أو من ينوب عنه فيما اعتقد هو إضفاء الرقابة القضائية على هذه الآلية الجديدة، وتوسيع ضمانات الأطراف موضوع الصلح.
[88] -طرحت طبيعة وحجية هذا الأمر القضائي إشكاليات باعتبار أن المشرع خول للنيابة العامة إمكانية تحريك المتابعة من جديد في حالة الامتناع عن تنفيذ ما تضمنه هذا الأمر، مما يطرح تساؤل حول مدى إمكانية تنفيذه جبرا؟ أنظر كل من:
-رشيد مشقاقة، دليل النيابة العامة في مسطرة الصلح الزجري، مكتبة السلام، الرباط 3 1/2004، ص: 44-45.
– محمد بن حمو، قضاء الصلح أو غرفة المشورة في ظل قانون المسطرة الجنائية، مقال منشور بمجلة الملف ع 3، س 2004، ص: 91.
[89] -للمزيد من المعلومات أنظر كل من:
– عبد الواحد العلمي، م س ، ص: 207 وما بعدها
– سعاد التيالي، م س، ص: 65 وما يليها.
[90] -آمال بوطلحة، التعديلات الجوهرية في قضاء الأحداث وفق المعايير الدولية، مجلة محكمة عدد 6 سنة 2002، ص: 298.
[91] -المادة 4 من قانون المسطرة الجنائية المغربي .
[92] -المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية المغربي.