النظام الضريبي المغربي: المسار، الحصيلة وآفاق الإصلاح
*يونس مليح
باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا
جامعة محمد الخامس بالرباط
تعددت التعريفات التي همت الضريبة، أشهرها –كما ذهب إلى ذلك P. Beltrame أنها أداء نقدي يطلب من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين من القانون الخاص أو العام، حسب قدرتهم عن طريق السلطة بصفة نهائية وبدون مقابل محدد لقصد تغطية التحملات العمومية السابقة أو لأهداف تدخل القوة العمومية(1).
الضريبة باعتبارها أحد أدوات السياسة المالية والاقتصادية(2) تهدف إلى تحقيق أغراض متعددة تختلف باختلاف طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي وكذا مرحلة النمو التي يعرفها الاقتصاد(3)، غير أن المبالغة في الاقتطاعات الضريبية عن طريق الزيادة في أسعار الضريبة إلى الحد الذي يصل درجة الضغط الجبائي من شأنه أن يفرغ السياسة الضريبية من بعديها الاقتصادي والاجتماعي.
وقد أدت العولمة والاندماج المتزايد للاقتصاديات المحلية مع الاقتصاد العالمي إلى إدراك الحكومات أنه لا يمكن النظر إلى أنظمتها الضريبية بصورة منعزلة، فالنمو الضخم للأسواق المالية وحركة الاستثمارات المباشرة الهائلة في العالم، والانفتاح المتزايد في التجارة، أعطت جميعها قوة دافعة لحركة الإصلاح. وأي إصلاح إلا ويأتي بمشاريع جديدة مهيكلة بكيفية دقيقة، لكن ما ينقصها في جميع المجالات غياب الشجاعة لتأسيس هذه المشاريع الإصلاحية في دول العالم الثالث وارتكازها على أسس نظرية متطورة وذات نسق جميل، إلا أن الأدبيات الحديثة لم تعد ترتكز على ما هو نظري، وإنما تجاوزته إلى أبعد من ذلك([1]).
المبحث الأول: مسار النظام الضريبي المغربي
تحرص السياسة الضريبية من أي إصلاح ضريبي على عدم تفاقم الضغط الضريبي من أجل تحسين مردودية وتنافسية المقاولات من جهة، ومن جهة أخرى ضمان مزيد من العدالة في توزيع الأعباء الضريبية حسب قدرات الملزمين. فالإلزام الضريبي يستمد مصدره من مضمون الدستور كقانون أسمى ومن شأنه تعزيز الثقافة الضريبية لدى الجميع، وفي هذا الصدد تنص المادة 79 من الدستور المغربي الجديد 56 : “على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور”.
وفي هذا الصدد، تهدف الجهود المبذولة من طرف الحكومات المتعاقبة وأغلب الأحزاب السياسية إلى إصلاح النظام الضريبي، وإعادة هيكلة الإدارة الضريبية، وترشيد آليات عملها. هذا وقد تم العمل على إرساء أسس نظام ضريبي حديث، يستجيب للمعايير الدولية ومتقارب مع الأنظمة المعمول بها في بلدان البحر الأبيض المتوسط. ويرتكز هذا النظام على أربع دعائم : الضريبة على القيمة المضافة، الضريبة على الدخل، الضريبة على الشركات ورسوم التسجيل والتنبر.
فالضريبة تعتبر وسيلة لإعادة توزيع الثروة، وبالتالي فإن سوء الإنفاق للموارد العامة يصبح مبررا للتهرب الضريبي، لا في أذهان كبار الملزمين فقط ولكن كذلك في سلوكيات المواطن العادي الذي نسمعه، –مثلا- يحتج أثناء دفع الضريبة الخصوصية السنوية على السيارات أمام شبابيك الإدارة الجبائية على سوء البنية الطرقية.
المطلب الأول : النظام الضريبي إلى غاية صدور المدونة العامة للضرائب
سجل العهد الجديد للحكم في المغرب، مجموعة من التوجيهات السامية لصاحب الجلالة محمد السادس في إطار إرساء دولة الحق والقانون باقتصاد قوي ومتماسك. وقد جاء في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للسنة التشريعية الثالثة يوم الجمعة إن التطورات التي عرفتها بلادنا في جميع المجالات ستدفعكم لا …» : 8 أكتوبر 1999 محالة إلى تقييم طريقة أعمالكم وإلى ملائمة الأدوات والنصوص القانونية لتستجيب للتطوات الاقتصادية والاجتماعية. بل إننا نتطلع إلى أن تكون الأدوات القانونية قاطرة للعمل الاجتماعي ورافعة اقتصادية عوض أن تتخلف عن ركب التطور الاقتصادي .«… والاجتماعي وفي هذا السياق، نظمت وزارة المالية في شهر نونبر سنة 1999 مناظرة وطنية تتعلق بالضريبة، سميت بالجلسات الوطنية الجبائية، ترأسها الوزيرالأول السيد عبد الرحمان اليوسفي، الذي ألقى كلمة الافتتاح. وقد شارك في هذه الجلسات وزير الاقتصاد والمالية السيد فتح الله ولعلو، المدير العام للضرائب السيد نور الدين بنسودة، إلى جانب عدد من المهتمين بالشأن الضريبي من ممثلي المقاولات والمهنيين وخبراء في ميدان المحاسبة والضريبة وأساتذة جامعيين على الصعيد المحلي والدولي. وقد وضعت هذه الجلسات خارطة الطريق لإصلاح حقيقي من خلال عدد من التوصيات تصب حول:
- المردودية من خلال توسيع الوعاء الضريبي عن طريق إدخال ضمن الحقل الضريبي الأسس التي لم يتم إخضاعها للضريبة بحكم القانون أو بحكم الواقع والتقليص من الإعفاءات الجبائية؛
- التبسيط للقوانين والإجراءات الجبائية ضمانا لاستيعاب الضريبة من قبل الملزم ولتدبير أفضل من قبل الإدارة الضريبية؛
- الملائمة للمنظومة الضريبية على المستوى الداخلي (مع باقي الضرائب والرسوم) والخارجي)الملائمة مع التشريع الدولي).
وقد عرفت الفترة ما بين 2001-2006، عددا من الإصلاحات، ثمنت بمجموعة من الإصدارات، سنتطرق لها بتفصيل في الفقرة الأولى. وقد شكلت هذه المرحلة منعطفا مهما توج بتدوين جميع الإصدارات في إطار المدونة العامة للضرائب (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الإصدارات القانونية لفترة ما قبل المدونة
تأتي الخطوط الرئيسية للسياسة الجبائية محددة في خطب الملك، حيث تعبر عن التوجيهات السامية التي ينبغي على الحكومة والبرلمان بلورتها في سياستهما والعمل على تطبيقها، تبعا للمدخلات والخرجات المعبر عنها وفق الإرادة الملكية. وفي هذا الصدد، جاء في الخطاب الملكي لمحمد السادس بتاريخ 25 شتنبر 2000 بالجرف الأصفر : “وبالنظر لما للنظام الجبائي من دور تحفيزي للاستثمار فإننا قد أصدرنا تعليماتنا السامية لحكومتنا قصد وضع إصلاح جبائي قائم على الشفافية والتبسيط والعقلانية وإعادة النظر في الجبايات المحلية بحيث تكون الغاية المثلى للجبايات تشجيع الاستثمار المنتج الذي يخلق فرص الشغل. كما أننا نحث حكومتنا على بذل كل أشكال الدعم للمستثمر والإصغاء الدائم لانشغالاته وترسيخ دولة القانون في ميدان الأعمال. واعتبارا للعناية الخاصة التي نوليها للمقاولات الصغرى والمتوسطة والتي تشكل حوالي 95 في المائة من نسيجنا الاقتصادي الوطني ولدورها الأساسي في تحقيق الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي المنشود وخلق فرص الشغل في جميع القطاعات والأنشطة عصرية كانت أو تقليدية فإننا ندعوا الحكومة والبرلمان إلى الإسراع بإقرار مشروع الميثاق المتعلق بها في أقرب الآجال والتعجيل بإصدار النصوص المتعلقة بالجوانب الإدارية والعقارية والمالية لميثاق الاستثمارات خاصة في القطاعات الواعدة للسياحة والصناعة التقليدية والتكنولوجيا الجديدة للإعلام والصيد البحري”.
وقد وضعت السبل الكفيلة بتنفيذ التوجيهات السامية بشأن تحديث النظام الضريبي بالمغرب في ظل التحولات الاقتصادية السريعة التي يعرفها المحيط الدولي. وفي هذا السياق، تم القيام بعدد من الإصلاحات انطلقت منذ قانون المالية لسنة 2000، حيث تم إلغاء مجموعة من الضرائب النوعية ودمجها في صلب الضرائب الرئيسية؛ كما هو الحال بالنسبة للضريبية على عائدات الأسهم والحصص، وكذلك الرسم على الودائع ذات الدخل الثابت في الضريبة العامة على الدخل.
وجاء قانون المالية لسنة 2001 في نفس السياق، ليستمر في عملية التوحيد بإلغاء ضريبة التضامن الوطني المطبقة على المقاولات المعفاة من الضريبة النظرية بسعر %75 وتم إلغائها أيضا على الأراضي غير المبنية، ثم إدماج كل من الضريبة على الأرباح العقارية والضريبة على بيع الأسهم وباقي القيم المنقولة في صلب الضريبة العامة على الدخل، بحيث اتجه الإصلاح إلى تجميع كل الضرائب والرسوم بجميع شرائحها التي تهم الشركات في صلب الضريبية على الشركات وكل أشكال تضريب دخول الأشخاص الطبيعيين مهما اختلفت وتنوعت ضمن الضريبة العامة على الدخل، والاكتفاء بوضع تصريح واحد يتعلق بالضريبة على الشركات/الضريبة على القيمة المضافة أو الضريبة العامة على الدخل/الضريبة على القيمة المضافة.
وفي إطار قانون المالية لسنة 2003، فقد تم إعادة النظر في النسق الضريبي في اتجاه تحقيق العدالة الجبائية والمساواة أمام العبء الضريبي، وتوسيع الوعاء ليشمل كافة القطاعات والأنشطة والفئات الاجتماعية. وقد اتخذت تدابير ضريبية على مستوى :
– الضريبة العامة على الدخل: وذلك بإعفاء فوائد ودائع الأشخاص الطبيعيين المقيمين بالخارج، ويتعلق الأمر بالودائع المحولة أصلا بالعملة الصعبة وبشكل مباشر من الخارج؛
– الضريبة على القيمة المضافة: إخضاع التبغ للسعر العادي 70 % مع حق الخصم عند الاستيراد وفي حالة التصنيع والاتجار بالجملة؛ وتحقيق الملائمة بين مقتضيات مع باقي الضرائب فيما يخص المقتضيات المتعلقة بتحديد غرامة المخالفات وعدم الإدلاء بالإقرار داخل الآجال القانونية؛
– حقوق التسجيل: تكريس العمل بتبسيط الجزاءات وتوحيدها مع باقي الضرائب والرسوم.
وفي إطار وضع التوصيات التي أسفرت عنها الجلسات الوطنية الجبائية لسنة 1999 حيز التنفيذ، شرع في مجموعة من الإصلاحات الرامية إلى تبسيط وتنسيق النظام الجبائي مع تجاوز الهفوات المرتبطة بتعدد الضرائب، وكذا النهوض بالاستثمارات العامة والخاصة وتحسين تنافسية المقاولات. وقد توجت المجهودات المبذولة بعدد من الإصدارات من خلال قوانين المالية لسنوات 2004، 2005 و 2006.
أولا: الإصلاح الضريبي في ظل قانون المالية لسنة 2004
أخذت الحكومة على عاتقها منذ سنة 2004، تحدي يتمثل في عصرنة النظام الضريبي الوطني لرفعه إلى مرتبة أنظمة الدول المتقدمة. وقد بوشر في مراجعة مدونة التسجيل والتنبر، التي كانت إلى حد ما تشكل كتلة جبائية لوحدها لتعاد هيكلتها مع مستجدات قانون الأعمال، ولتوحيد بعض مكوناتها المتعلقة بالإجراءات والمساطر المطبقة في مجال الضرائب الثلاث الرئيسية، وخاصة فيما يتعلق بالوعاء الضريبي والمراقبة والمنازعات واعتماد مصطلحات موحدة في الميدان الجبائي.
والهدف من هذا الإصلاح هو تقوية الضمانات الممنوحة للملزمين، وإصدار وصل رسم التسجيل، وتخفيض الأسعار من 11 إلى 5 بالإضافة إلى تخفيض مستوى بعض التعريفات. وفي إطار حل المشاكل المتعلقة بمعالجة ملفات المدينين فيما يخص أداء الضريبة وتمركز العمليات المحاسبية، فقد بدأ تحصيل الضريبة على القيمة المضافة 70، في مرحلة أولى، من طرف قباضات الإدارة الضريبية التابعة للمديرية العامة للضرائب بدل الخزينة العامة للمملكة.
وعلى مستوى المسطرة أو الإجراء ونظرا لأهميته على المستوى الجبائي، فقد تم اعتماد مجموعة من التعديلات اتجهت إلى توحيد آجال تقديم التظلمات بالنسبة لجميع المكونات الضريبية وكذلك توحيد بعض الالتزامات التصريحية واعتماد مسطرة واحدة في مجال التبليغ أي تبليغ جميع الرسائل في إطار المسطرة التواجهية وآجالها، وكذلك الشأن بالنسبة لآجال الطعن أمام لجن التحكيم الضريبية وأمام القضاء الإداري دون إغفال توحيد الجزاءات المطبقة على مستوى كل المكونات الضريبية.
ثانيا: الإصلاحات في ظل قانون المالية لسنة 2005
تشكل تدابير قانون المالية لسنة 2005 الخاصة بعصرنة الضريبة على القيمة المضافة خطوة أولى في مسلسل إصلاح هذه الضريبة من أجل توسيع وعائها الضريبي، وتمتين فعاليتها وحيادها. وهكذا تم تطبيق هذه الضريبة على بعض المنتجات، وإلغاء بعض الإعفاءات الموجودة. وفي إطار تهيئ المدونة العامة للضرائب، تم إعداد كتاب حول المساطر الجبائية. وضم هذا الكتاب في آن واحد كافة إجراءات المراقبة المنازعات والمتعلقة بمختلف الضرائب والحقوق والرسوم (الضريبة على الشركات، الضريبة العامة على الدخل، الضريبة على القيمة المضافة وحقوق التسجيل). لقد كانت المساطر الضريبية تستعمل بصيغة الجمع نظرا لتعددها وتشعبها، وهذا ما دفع المشرع إلى هذه المبادرة لجمع كل الفصول والمواد القانونية المنظمة للمساطر والإجراءات في كتاب أطلق عليه “كتاب المساطر الجبائية” Livre de procédures fiscales بحيث لم يتدخل المشرع بشكل جوهري في مضمون المساطر بل اكتفى فقط بتجميعها وتبويبها في كتاب خاص يتفرع إلى قسمين:
- القسم الأول يتضمن:
– الباب الأول: الإجراءات المتعلقة بحق المراقبة و وجوب الاحتفاظ بالوثائق المحاسبية؛
– الباب الثاني: الإجراءات المتعلقة بمسطرة تصحيح أسس الضريبية، وتتضمن معالجة المنازعة من طرف اللجن؛
– الباب الثالث: مسطرة فرض الضريبة بصورة تلقائية؛
– الباب الرابع: الأحكام العامة المتعلقة بآجال التقادم وحق ممارسة الإدارة للمراقبة في الزمن “Droit de reprise”.
- القسم الثاني: تضمن إجراءات المنازعات انطلاقا من المسطرة الإدارية وانتهاء بالمسطرة القضائية.
- القسم الثالث : خصص لأحكام عامة ومتفرقة حول طريقة احتساب الآجال والسر المهني وأخيرا التنصيص على آجال دخول هذه الإجراءات حيز التنفيذ ونسخ كل المواد القانونية المضمنة في النصوص المنظمة لمختلف الضرائب التي كانت تعالج الإجراءات والمساطر الجبائية. وما يلاحظ على هذا الكتاب 74 هو إجراءات معالجة المنازعات على مستوى اللجن الضريبية )اللجنة المحلية لتقدير الضريبة واللجنة الوطنية للطعون الضريبية( التي أدمجت في إطار الباب الخاص بتصحيح أسس الضريبة عوض تضمينها في باب إجراءات المنازعة، باعتبارها تهيمن على أكثر من 90 % من المنازعات الجبائية، ولا تصل إلى المرحلة القضائية سوى أقل من 10 % من المنازعات.
الفقرة الثانية : إصدار المدونة العامة للضرائب
إن أهم مقتضى تضمنه قانون المالية لسنة 2007 هو إصدار المدونة العامة للضرائب وفقا للمادة 5، الذي تم بموجبها تجميع كل القوانين والنصوص التي تضمنها كتاب الوعاء والتحصيل وكتاب المساطر الجبائية في نص واحد، وذلك تفاديا للتشتت وكثرة الإحالات والجرائد الرسمية التي طبعت القانون الضريبي السابق، وهذا الإجراء جاء ليصب في مبدأ التبسيط والملائمة التي طال انتظاره من طرف المتدخلين في الحقل الضريبي منذ أكثر من عقد، وقد تم حسم مسألة إصدار المدونة من طرف البرلمان سنة 2006. وقد أدمجت الضرائب والرسوم التي كانت تجبى لفائدة الجماعات المحلية كالضريبة الحضرية وضريبة النظافة والضريبة المهنية في جدع الجبايات المحلية في إطار مشروع الإصلاح بمقتضى القانون 47.06.
وبالإضافة إلى تدوين النصوص القانونية في المدونة العامة للضرائب، تضمن قانون المالية -كما أشار إلى ذلك بعض المهتمين بالحقل الضريبي- إصلاحات ضريبية تمثلت في تعديلات مست الصياغة اللغوية والشكلية لبعض مقتضيات المدونة، وتعديلات مست الوعاء الضريبي من خلال تخفيف الضغط الضريبي وتوسيع الوعاء.
أولا: التعديلات على مستوى صياغة النصوص
ترمي المستجدات التي عرفها قانون المالية لسنة 2007 على المستوى الضريبي إلى إضفاء الانسجام بين مكونات المدونة وتوضيح بعض مقتضياتها بإدماج بعض الإعفاءات المضمنة في نصوص خاصة ضمن المدونة.
- على مستوى الضريبة على الشركات
تم إعفاء جامعة الأخوين من الضريبة على الشركات؛ وتوضيح الإعفاء من الاقتطاع في المنبع بالنسبة للفوائد المدفوعة لمؤسسات القرض بمناسبة تحصيل الفوائد عن القروض التي منحتها لزبنائها، مادامت تعتبر ضمن رقم أعمال هذه المؤسسات (المادة 6 من م.ع.ض)؛ إلى جانب توحيد الصياغة اللغوية باعتماد المصطلح المحاسبي أي الاستعقار في قيم معدومة Immobilisation en non-valeur ، عوض مصطلح مصاريف التأسيس frais préliminaires. كما يدخل في هذا الباب أيضا تبسيط إكراهات التصريح والأداء بالنسبة للشركات الغير المقيمة التي تنجز عمليات بيع أسهم أو قيم منقولة وذلك داخل أجل 70 يوما من تاريخ حصول التفويت.
ب- على مستوى الضريبة على الدخل :
اتجهت التعديلات، إلى توحيد صياغة بعض المقتضيات باعتماد مصطلح الملكية المشاعة عوض الملكية المشتركة وكذلك تعويض مصطلح الإقامة الاعتيادية بالموطن الضريبي.
ج- على مستوى الضريبة على القيمة المضافة :
يتعلق الأمر بتغيير مواقع بعض المقتضيات المتعلقة بالإعفاء من الضريبة بدون الحق في الخصم إلى الإعفاء مع الحق في الخصم وهو ما يمكن أن نسميه إعفاء كاملا بحيث يمكن النظام الثاني من التخفيف من ثمن التكلفة ويسمح للمقاولة أو المؤسسة باقتناء المواد والسلع من دون الضريبة على القيمة المضافة. وقد منحت هذه الاستفادة لبعض الجمعيات كمؤسسة الحسن الثاني لمكافحة داء السرطان، والعصبة الوطنية لمكافحة أمراض القلب والشرايين، والبنك الإسلامي للتنمية، وإضافة بعض المؤسسات التي كانت تتمتع بالإعفاء بمقتضى النصوص المنظمة لها كجامعة الأخوين كما سبق الإشارة إلى ذلك.
ومن بين المقتضيات التي تتعلق بتحسين الصياغة، نذكر مسألة استرداد الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة لغير المقيمين الذين تحملوها على المشتريات التي اقتنوها أثناء مقامهم بالمغرب كما هو معمول به بالنسبة للأنظمة الجبائية الأوروبية، بحيث يهم هذا الاسترداد اقتناء يساوي أو يتجاوز 7.000 درهم (بما في ذلك الضريبة على القيمة المضافة) باستثناء شراء المواد الغذائية، التبغ المعبأ، الأدوية، الأحجار النفيسة غير المصنفة، والأسلحة، وكذلك وسائل النقل ذات الاستعمال الخاص وكذا معدات تجهيزها، وتموينها، وجميع القطع ذات القيمة الثقافية.
د- على مستوى حقوق التسجيل:
تم تأكيد بعض الإعفاءات التي كانت كامنة في نصوص خاصة وإدماجها ضمن المدونة كجامعة الأخوين بالنسبة للعمليات الخاضعة لهذه الحقوق، وكذلك الأمر بالنسبة لوكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق بالنسبة للعقود الناقلة للملكية بعوض أو بدونه لأملاك الدولة أو الملك الغابوي الضرورية لإنجاز التهيئة العامة.
إلى جانب الإعفاء الممنوح للمقاولات الموجودة بإقليم طنجة، بحيث تستفيد من الإعفاء من جميع الضرائب بنسبة 50% وذلك منذ 1967 ولازال هذا القانون ساري المفعول، إلا أنه لوحظ في السنوات الأخيرة إقدام بعض المقاولات على اختيار إقليم طنجة كمقر اجتماعي على المستوى القانوني وممارسة نشاطها خارجي الإقليم وذلك فقط من أجل الاستفادة من الإعفاء المذكور، مما دفع المشرع إلى توضيح الإعفاء باشتراط توفر المقاولة على المقر الاجتماعي أو الموطن الضريبي والممارسة الفعلية لنشاطها داخل إقليم طنجة، ويعتبر الشرطين متلازمين، وفي حالة الإخلال بشروط الإعفاء يمكن للإدارة تسوية الوضعية الجبائية لتلك المقاولات داخل أجل استثنائي يمتد إلى 10 سنوات عوض 4 سنوات أجل التقادم العادي.
ومن بين المقتضيات التي تهم كل مكونات المدونة، نجد المادة 150 التي جاءت فقرتها الأخيرة لسد ثغرة وتتميم المقتضيات المتعلقة بصعوبات المقاولة في المادة التجارية (المادة 560 وما بعد من مدونة التجارة)، والتي كانت تنص على أن حكم فتح المسطرة ينشر في الجريدة الرسمية، ويمنح أجل الشهرين لكل الدائنين للتصريح بديونهم، مما كان ينتج عنه عدم اطلاع الإدارة على نص الحكم المنشور، إضافة إلى أن أجل الشهرين غير كافي لتسوية الوضعية الجبائية للمقاولات، وبالتالي ضياع حقوق الخزينة، لذلك تضمنت المادة 150 السالفة الذكر إلزامية تقديم إقرار لمصلحة الوعاء الضريبي قبل إيداع طلب فتح المسطرة أمام المحكمة التجارية، وذلك لتمكين الإدارة من تسوية وضعية المقاولة والتصريح بالديون الضريبة داخل الآجل القانوني، ويترتب عن عدم إيداع الإقرار المذكور عدم مواجهة إدارة الضرائب بسقوط الواجبات الضريبة المرتبطة بالفترة السابقة لفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية.
وختاما تجدر الإشارة إلى أن شركات القرض الائتماني أو الإيجاري، التي كانت خاضعة للسعر العادي على مستوى الضريبة على الشركات بصريح النص الذي كان يستثنيها من تطبيق سعر 6 % المطبق على الأبناك ومؤسسات القرض والتأمين، إلا أن تعديل صياغة المادة 19 الخاصة بأسعار الضريبة باعتماد عبارة مؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها جعل شركات الائتمان معنية بالسعر المرتفع المطبق على باقي المؤسسات المالية،
لكن هذا السعر يطبق على مؤسسات القرض الائتماني بالنسبة لأرباح سنة 2003 أي بعد اختتامها في 31 دجنبر من نفس السنة، لتفادي المفعول الرجعي لهذا التعديل الذي من شأنه الزيادة في العبء الضريبي لفئة من الملزمين.
ثانيا: بالنسبة للمساطر الجبائية
أهم ما يمكن تسجيله على مستوى المستجدات الضريبية لقانون المالية لسنة 2007، هو تعزيز وتقوية حق المراقبة المخول للإدارة بإضافة ما سمي حق المعاينة، حيث كان النظام الضريبي المغربي، وخلافا لأغلب الأنظمة العصرية وحتى العربية منها، لا يعرف ما سمي بالمراقبة المباغثة أو المفاجئة، بل أن الإدارة إذا قررت إجراء فحص على محاسبة مقاولة معينة لابد أن تبعث بإعلام بالتحقيق ومنح الملزم أجل 15 يوما قبل انطلاق عمليات المراقبة.
وقد كانت هناك محاولة سابقة لإدماج المراقبة المفاجئة على مستوى قانون المالية 92/96، إلا أن الحكومة آنذاك لم تستطع تمرير هذا المقتضى إلى أن نجحت حكومة إدريس جطو في إدماجه ضمن قانون المالية لسنة 2007، وذلك برغم معارضة رجال الأعمال والمعارضة البرلمانية وحتى بعض مكونات الأغلبية في الحكومة، ويعني حق إجراء المعاينة أي تمكين الإدارة من أن تطلب من الخاضعين للضريبة تقديم الفاتورات، والدفاتر والسجلات والوثائق المهنية التي تفرض إصدار أو تحرير فواتير، كما يمكنها المعاينة الفعلية لعناصر الاستغلال أو الإنتاج، وذلك للكشف عن حالات الإخلال بالالتزامات الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية. وتجري هذه المعاينة في جميع محلات الخاضعين داخل أوقات العمل القانونية ولا يمكن أن تتجاوز مدتها ثمانية أيام من العمل ابتداء من تاريخ تسليم الإشعار بها.
وفي كل الأحوال، وكما سبق الذكر فإن هذا الإجراء لقي معارضة من طرف رجال الأعمال لعدم وضوحه وغياب الضمانات، وقد استمرت معارضة هذا الإجراء حتى بعد المصادقة على قانون المالية، وذلك من خلال الصحافة الاقتصادية واللقاءات التي أجراها المدير العام للضرائب مع مجموعة من الفعاليات الاقتصادية والمهنية، حيث طرحت مجموعة من الاستفسارات والتشكيك في مدى نجاعته في محاربة القطاع الغير مهيكل، وبالتالي استعماله في مواجهة القطاع المنظم الذي يتحمل دائما الضغط الجبائي، مما دفع المسؤول الأول عن إدارة الضرائب إلى تطمين رجال الأعمال بأن مذكرة تفسيرية ستتعرض لمضامين حق المعاينة بالشرح وتوضيح ميكانيزمات استعماله في أقرب الآجال. ودائما في المجال الإجرائي أو المسطري تم توضيح تمثيلية مديرية الضرائب أمام القضاء من طرف المدير أو من يعينه لهذا الغرض والذي يمكنه إن اقتضى الحال توكيل محام، كما تم استبعاد مجال الضرائب من موضوع التحكيم.
المطلب الثاني : التعديلات الضريبية في ظل المدونة العامة للضرائب
لقد عرفت السنوات اللاحقة لإصدار المدونة العامة للضرائب عدة تعديلات تماشيا مع الظرفية الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب. وقد احتل هاجس التخفيف من العبء الضريبي حيزا كبيرا من اهتمام الحكومات المتعاقبة، وبقي حاضرا في كل قوانين المالية، وذلك بتخفيض أسعار الضرائب تدريجيا بالموازاة مع توسيع القاعدة الضريبية، اعتبارا لمستلزمات العدالة الجبائية.
الفقرة الأولى : التعديلات الضريبية في قانون المالية لسنة 2008
تأتي قوانين المالية المتعاقبة بإجراءات متفرقة، تخص تحفيزا ضريبيا أو نقصا أو زيادة ضريبية، ولا يتم التفصيل في تصور شمولي للإصلاح الضريبي. وقد لاحظنا من خلال قوانين المالية أن معظم التعديلات نحو الانخفاض تشمل الضرائب المباشرة في حين أن معظم التعديلات التي تمس الضريبة على القيمة المضافة تتعلق برفع السعر وزيادة الضغط على الاستهلاك، كما أن أسعار هذه الضريبة لم يتم تقليصها تدريجيا كما كان مخططا لها (من أربعة أسعار إلى إثنين).
يمكن تلخيص أهم التعديلات المتعلقة بالضرائب التي تديرها المديرية العامة للضرائب والتي شملتها قوانين المالية لتلك الفترة فيما يلي:
- فيما يخص الضريبة على الشركات:
- تخفيض السعر العادي من 35% إلى 30% بالنسبة للمقاولات ومن 39,6% إلى 37% بالنسبة للقطاع المالي؛
- استبدال التخفيض بنسبة 50% بسعر مخفض محدد في 17,5% على القطاعات التي كانت تستفيد من التهفيض المذكور (الشركات المصدرة، المنشآت الحرفية، المنشآت المنجمية والمنشآت الفندقية).
- فيما يخص الضريبة على الدخل:
- إعفاء الربح العقاري المحصل عليه بمناسبة التفويت الأول للسكن الاجتماعي الذي لا تريد مساحته عن 100 م2 وثمن التفويت 200 ألف درهم؛
- تخفيض أجل وضع الإقرار بالأرباح العقارية من 60 يوما إلى 30 يوما؛
- إقرار العدالة الجبائية، وتحقيق الانسجام في نظام فرض الضريبة على الدخل؛
- تطبيق سعر مخفض بنسبة 20% عوض تخفيض 50% على الملزمين ذوي الدخول المهنية المستفيدين من التخفيضات الجبائية.
- فيما يخص الضريبة على القيمة المضافة:
- تطبيق السعر العادي 20% بدل %14 على عمليات الإيجار التمويلي؛
- تطبيق %20 على العمليات العقارية الخاضعة لسعر 14%؛
- إعفاء التجهيزات المستوردة من طرف إدارة الدفاع الوطني.
- فيما يخص رسوم التسجيل والتنبر:
- خفيض أجل وضع الإقرار بالنسبة لرسوم التسجيل على العقارات من 60 يوما إلى 30 يوما؛
- إدماج الرسم المفروض على العقود والاتفاقات؛
- توحيد التعريفات المطبقة على التأسيس والزيادة ورأسمال الشركات واقتناء محلات مبنية.
وفي إطار تشجيع امتلاك السكن الاجتماعي للفئات ذات الدخل المحدود، تم منح عدة امتيازات جبائية للمنعشين العقاريين الذين يبرمون اتفاقية مع الدولة وفق دفتر تحملات خاص، بهدف :
– بناء 1.500 سكن اجتماعي على فترة أقصاها 5 سنوات ابتداء من تاريخ تسليم أول رخصة بناء، حيث يستفيد المنعشون العقاريون من تخفيض 50 % من الضريبة على الدخل أو الضريبة على الشركات؛
– إنجاز مساكن ذات قيمة عقارية مخفضة )المساحة المغطاة تتراوح بين 50 و60 م ولا يزيد مجموع قيمتها العقارية على 140 ألف درهم باعتبار القيمة المضافة( من طرف المنعشين الذين يتعهدون ببناء 500 سكن بالوسط الحضري و 100 سكن بالوسط القروي؛
– بناء الأحياء الجامعية والإقامات الجامعية وفق الشروط المحددة بالقانون. تلكم كانت أهم التعديلات التي شملتها قوانين المالية للسنوات المذكورة، والملاحظ أن أي تعديل تفرضه الظروف الاقتصادية والاجتماعية، دون القيام بإصلاح متكامل وشامل يراعي القدرة التكليفية للمواطن. وتبقى الضريبة على القيمة المضافة مجال يتطلب شجاعة سياسية لإصلاحها وإخضاعها لسعر أو سعرين منخفضين مع إلغاء الإعفاءات غير المنتجة على المستوى السوسيو-اقتصادي.
الفقرة الثانية : الإصلاح الضريبي لسنة 2013 ومستجدات قانون المالية لسنة 2016
يعد قانون المالية لسنة 2013 أول احتكاك حقيقي للحكومة الجديدة منبثقة من انتخابات شهر نونبر سنة 2011، وقد تم إحداث مساهمات وضرائب جديدة، بينما تم إرجاء الضريبة على الثروة لحين دراسة آثارها، من خلال نقاش عام مع كل شرائح المجتمع، لتقييم مدى الرضا والقبول، دون المس ببعض الثوابت.
- المساهمة الاجتماعية في التضامن
يمثل تعزيز موارد صندوق التضامن الوطني توجها أساسيا في مشروع قانون المالية لسنة 2013، وذلك من خلال مأسسة مساهمة تضامنية للشركات والأفراد وغيرها من الموارد المتأتية من التبغ وعائدات الضريبة على عقود التأمين. وقد عرف النظام المغربي ضريبة على هذا الشكل، سميت بضريبة التضامن الوطني أسست سنة 1980 طبقت على بعض الأشخاص الذاتيين والاعتباريين لتمويل النفقات. المرتبطة بتنمية أقاليمنا الصحراوية وألغيت سنة 2001 وقد عاد المفهوم التضامني ليطفو بقوة على مستوى النقاش العمومي بعد استفحال الأزمة الاقتصادية في أمريكا وأوروبا، حيث طالب بعض أثريائها من الدولة رفع مساهماتهم الضريبية لتمويل العجز المالي.
وفي بلادنا تم إحداث مساهمة تضامنية في إطار قانون المالية لسنة 2013، وذلك من أجل توفير موارد قارة لصندوق التضامن الاجتماعي تهم، على الخصوص، دعم السياسات والبرامج الاجتماعية، وتقوية آليات التضامن الاجتماعي عبر استهداف الفئات المعوزة، وتعزيز التضامن والتكافل المجالي من خلال استهداف المناطق الأكثر خصاصا، ودعم الطبقة المتوسطة، أما أولوية النمو التضامني، في ظل الاستقرار والتحكم في التوازنات الماكرو-اقتصادية، فتتضمن إجراءات من بينها التحكم في عجز الميزانية.
- الضريبة على الثروة
فيما يخص الضريبة على الثروة، فلم يتم إقرارها بسبب المعارضة الشديدة من طرف أثرياء البلد، وقد برر وزير الاقتصاد والمالية عدم طرحها في مشروع قانون المالية بحجة أن الحكومة مطالبة قبل إقرارها بإنجاز دراسة لمعرفة المردودية، ومعرفة مدى تأثيرها السلبي على الرساميل، وبالتالي الاستثمارات. وأضاف أن هذا الأمر لا علاقة له بالجرأة، وإنما بمعرفة ما إذا كان هذا الإجراء ملائما لمجتمعنا. وقبل التفكير في تطبيق هذه الضريبة، يتعين القيام بدراسة التجارب الأجنبية التي أظهرت أن العديد من البلدان قررت إلغائها لأنها تضر بالاستثمار المنتج للرأسمال.
- مستجدت قانون المالية لسنة 2016
فيما يتعلق بقانون المالية لسنة 2016، فقد تم إلغاء إمكانية خصم الحد الأدنى للضريبة فيما يخص الضريبة على الشركات، حتى تبقى هذه المساهمة مكسبا نهائيا للخزينة، واقترحت أسعار تصاعدية تأخذ بعين الإعتبار مستوى أرباح المنشآت (10%، 20%، 30%، 31%، و37%).
أما فيما يتعلق بالضريبة على الدخل، فقد منحت نفس الامتيازات الضريبية المطبقة على عقود المرابحة لعقود الإجارة المنتهية بالتمليك، وذلك بالاستفادة من خصم مبلغ هامش الكراء المؤدى من طرف الخاضع للضريبة في إطار عقد “الإجارة المنتهية بالتمليك” إلى مؤسسات الائتمان أو الهيآت المعتبرة في حكمها في حدود 10% من مجموع دخله المفروضة عليه الضريبة. كما جاء هذا القانون أيضا بإجراء يهم الإدلاء بالإقرار السنوي بمجموع الدخل بالنسبة للخاضعين للضريبة المتوفرين فقط على دخول مهنية محددة حسب نظام الربح الجزافي، وذلك وفق شروط من بينها أنه يجب تحديد الربح السنوي للخاضع للضريبة على أساس الربح الأدنى، وأن يكون مبلغ الواجبات الأصلية المترتبة عليهم يساوي أو يقل عن 5.000 درهم، وأن يظل الخاضع للضريبة مزاولا لنفس النشاط، وفي حالة عدم توفر هذه الشروط، يجب على الملزمين بأداء الضريبة، الإدلاء بإقرار مجموع دخلهم حسب الشكل والآجال المنصوص عليها في المادة 82 من المدونة العامة للضرائب.
أما فيما يخص التدابير المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة بهدف إصلاحها، فقد تم تطبيق سعر 20% على عمليات النقل السككي، عوض سعر 14% ابتداء من فاتح يناير 2016، وإعفاء عمليات استيراد الطائرات التي كانت تطبق عليها سعر 20% طبقا لمقتضيات المادة 121 من المدونة العامة للضرائب. مع التنصيص على مسطرة التحصيل بصورة تلقائية، في حالة عدم تقديم المقتني للسكن الرئيسي الوثائق التي تثبت تخصيص هذا السكن للسكنى الرئيسية لمدة 4 سنوات، مع تطبيق غرامات وزيادات وذعائر متعلقة بالضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمساكن الاجتماعية. وقد نص هذا المشروع كذلك على ملائمة سعر الضريبة على القيمة المضافة حين الاستيراد على الشعير والذرة، ويقترح تطبيق سعر موحد 10% أيا كان استعمالها، بينما كان السعر يختلف حسب الاستعمال (5% عندما تكون موجهة لتغذية الإنسان، و10% عندما تكون موجهة لصنع غذاء الحيوان، و20% بالنسبة لجميع الحالات الأخرى). كما تم التنصيص من خلال المشروع على سعر 10% على اقتناء السكن الشخصي عن طريق “الإجارة المنتهية بالتمليك” العقارية من طرف أشخاص ذاتيين. كما منح مشروع قانون المالية لسنة 2016 إعفاءا برسم الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة وواجبات التسجيل لمؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان.
المبحث الثاني: آفاق إصلاح النظام الضريبي المغربي
لقد سعت الحكومات المتعاقبة في السنوات العشر الأخيرة على تحديث الإدارة، وتنفيذ التوصيات الملكية السامية بإرساء إدارة عمومية قادرة على رفع التحديات المتمثلة في التغيرات السريعة والمتلاحقة والحاجة إلى السرعة والجودة والمردودية في الإنجاز وتحسين أداء الخدمات الإدارية وجعلها تستجيب لمتطلبات الفعالية. ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا من خلال استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال التي تعد من أكثر المجالات الواعدة لدعم التقدم الاقتصادي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث حقق هذا المجال تطورا غير مسبوق في العلاقة بين الإدارة والمرتفقين، وتقريب المسافات للحصول على خدمات أفضل وأسرع وتحسين مردودية الإدارة وتقليل تكاليف التسيير، كما لا يفوتنا تثمين الرأسمال البشري الذي هو جوهر ومفتاح أي برنامج إصلاحي.
المطلب الأول: آفاق الإصلاح الضريبي على مستوى الإدارة الضريبية
قبل الخوض في آفاق الإصلاح الضريبي، لا بد من التطرق إلى شكل التنظيم بالإدارة الضريبية، الذي كان سابقا يتبع التصنيف الضريبي والذي ترتب عنه تعدد في مصالح الوعاء، في مصالح المراقبة وفي مصالح النزاعات، ولم يكن يخدم لا مصلحة الإدارة ولا مصلحة الملزم ولا مصلحة القانون الجبائي، ثم استقر حاليا بشكل نسبي على دمج وظيفي (polyvalence) تبعا في ذلك للعمليات الجبائية: الوعاء، التصفية، التحقيق، المراقبة والنزاعات والتحصيل الذي كان يشمل رسوم التسجيل والدمغة، إلا أنه ومنذ سنة 2004، أصبحت المديرية العامة للضرائب تتكلف بهذه الوظيفة بشكل تدريجي، والتي أسندت إلى قباض الإدارة الجبائية بدل الخزينة العامة للمملكة، حيث شملت العملية الضريبة على القيمة المضافة في السنة الأولى، وفي السنة الموالية الضريبة على الشركات ثم الضريبة على الدخل على الأرباح العقارية في السنة الثالثة. وعليه فقد تم حاليا تنظيم مرافق الإدارة الضريبية تماشيا مع خصائص الملزمين وحجمهم (منشآت كبرى، مقاولات متوسطة وصغرى وخواص ومهنيين). وتضطلع هذه المرافق بتدبير الملفات الضريبية للفئات المذكورة سعيا وراء تمكينها من خدمات تتسم بالقرب والجودة والنجاعة.
إن تحقيق أهداف أي نظام جبائي، وكما يؤكد العديد من المختصين في هذا المجال، يبقى رهينا بمستوى الإدارة التي تسهر على تطبيقه، وقد اختلفت أبعاد ووظائف الإدارة الجبائية بين الأمس واليوم. هذا وقد حاولت السلطة التنظيمية، في كل فرصة أتيحت لها بمناسبة إصلاح ضريبي، أن تعتني بتنظيم الإدارة الضريبية بالشكل الذي يجعلها تستجيب للأهداف المرجوة منها، وذلك عبر هيكلة مصالحها المركزية والخارجية، كلما دعت الضرورة لذلك وإرساء علاقة تشاركية مع الملزمين -الذين كانوا يعتبرون الحلقة الضعيفة أمام إدارة قوية تملك كل السلطات- وجعلهم يتقبلون الالتزامات الضريبية في ظل قوانين ضريبية معقدة، وتوعيتهم بأهمية الموارد الجبائية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد، وفي تحسين الخدمات المقدمة إليهم.
الفقرة الأولى: دور الإدارة الإلكترونية في إنجاح الإصلاح الضريبي
إن فكرة الإدارة الإلكترونية تتعدى بكثير مفهوم المكننة الخاصة بإدارات العمل داخل المؤسسة، إلى مفهوم تكامل البيانات والمعلومات بين الإدارات المختلفة والمتعددة واستخدام تلك البيانات والمعلومات في توجيه سياسة وإجراءات عمل المؤسسة نحو تحقيق أهدافها وتوفير المرونة اللازمة للاستجابة للمتغيرات المتلاحقة سواء الداخلية أو الخارجية.
وقد ترجمت أهمية هذا المجال في الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة المنظمة من لدن كتابة الدولة المكلفة بالبريد وتقنيات الاتصال والإعلام يوم 23 أبريل 2001 تحت عنوان ”الاستراتيجية الوطنية لإدماج المغرب في مجتمع الإعلام والمعرفة”، حيث جاء فيها ما يلي: “وسيضل إصلاح الإدارة العمومية وعصرنتها من بين الرهانات الرئيسية التي يطرحها تقدم بلادنا إذ يتعين أن نوفر لأجهزتنا الإدارية مايلزم من أدوات تكنولوجية عصرية بما فيها – الأنترنيت – لتمكينها من الإنخراط في الشبكة العالمية وتوفير خدمات أكثر جودة لمتطلبات الأفراد و المقاولات” وانطلاقا مما سلف، فإنه لا يمكننا أن نتصور تقديم خدمات إليكترونية متاحة عبر الشبكة العالمية “الأنترنيت” دون اللجوء إلى تبسيط المساطر وإدخال بعض المرونة في إجراءاتها.
حيث يعتبر الآن مشروع الإدارة أو الحكومة الإلكترونية نتيجة حتمية لتفاعلات مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وتبسيط المساطر، وتحسين وتسهيل العلاقة مع المواطن والمقاولة. إن مشروع الإدارة الإلكترونية جزء لا يتجزء من السياسة الشاملة للحكومة في ميدان تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالمغرب. وفي إطار تطوير هذا المشروع لابد من وضع توجهات أساسية وأهداف أولية وجب أن تندرج في بنود السياسة العامة للحكومة. وتشمل الإدارة الإلكترونية جميع مكونات الإدارة من تخطيط، وتنفيذ، ومتابعة، وتقييم وتحفيز، إلا إنها تتميز بقدرتها على تخليق المعرفة بصورة مستمرة وتوظيفها من أجل تحقيق الأهداف .
أولا : مفهوم الإدارة الإلكترونية
بالرغم من حداثة مصطلح الإدارة الإلكترونية إلا أن هناك العديد من التعريفات التي تتناوله, والتي ربطته في الغالب باستخدام تقنيات المعلوميات، والمميزات التي يوفرها من حيث السرعة والدقة وتقليل استخدام الأوراق إلى أدنى حد ممكن. فقد عرف “مراد عبد الفتاح” الإدارة الإلكترونية بصفة عامة على أنها: “استغلال الإدارة للتكنولوجيا المعلومات و الاتصالات لتدبير و تحسين وتطوير العمليات الإدارية المختلفة داخل المنظمات”.
أما “نجم أحمد سمير” فقد ربط بين استخدام تقنيات المعلومات وتحقيق الأهداف واستغلال الموارد بفاعلية فعرفها بأنها: “إدارة موارد معلوماتية تعتمد على الإنترنت وشبكات الأعمال تميل أكثر من أي وقت مضى إلى تجريد وإخفاء الأشياء وما يرتبط إلى الحد الذي أصبح رأس المال المعلوماتي المعرفي الفكري هو العامل الأكثر فعالية في تحقيق أهدافها والأكثر كفاية في استخدام مواردها”.
انطلاقا مما سبق فإننا نورد تعريفا مبسطا للإدارة الإلكترونية بأنها: “استغلال الإدارة الضريبية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في القيام بمهامها ومسؤولياتها بهدف تحسين وتطوير عملياتها، وتبسيط الإجراءات في وجه المكلف الضريبي، وتيسير تبادلها للمعلومات بينها وبين جل الإدارات المرتبطة بالمجال، وتوفير الوقت والجهد في إنجاز الأعمال، بهدف تحقيق هدف الإدارة الضريبية و المتمثل في تعزيز الضبط الجبائي بأقل جهد ووقت”.
ويمكن تعريفها أيضا على أنها: “تحويل كافة الأعمال والخدمات الإدارية التقليدية من طول الإجراءات واستخدام الأوراق، إلى أعمال وخدمات إلكترونية تنفد بسرعة عالية ودقة متناهية، باستخدام تقنيات الإدارة، وهو ما يطلق عليه إدارة بلا أوراق. فهي وسيلة لرفع مستوى أداء الإدارة لتحقيق الكفاءة والفعالية، وليست بديلا عنها ولا تهدف إلى إنهاء دورها، وهي إدارة بلا ورق إذ تستخدم الأرشيف الإلكتروني والأدلة والمفكرات الإلكترونية والرسائل الصوتية. وهي إدارة بلا مكان وتعتمد وسائل الاتصال الحديثة، كما أنها إدارة بلا زمان، إذ تعمل 74 ساعة على 74 ساعة طوال الأسبوع بما يمثل يوما في السنة، أي أن العالم يعمل في الزمن الحقيقي 74 ساعة.
ثانيا: أهداف الإدارة الإلكترونية
إن الهدف الرئيسي من تطبيق الإدارة الإلكترونية يبقى بالأساس السرعة والدقة في إنجاز المهام وتقليل الوقت والجهد والقضاء على مشكلة تكدس الأوراق وغيرها من السلبيات التي يزول أثرها بتطبيق هذه الوسيلة, لذلك فان للإدارة الالكترونية في المجال الجبائي أهداف كثيرة تسعى إلى تحقيقها في إطار تعاملها مع الملزم أو المرتفق، نذكر منها بغض النظر عن الأهمية والأولوية:
- التقليل من تعقد الإجراءات الإدارية داخل الإدارة الضريبية وما يتعلق بها من عمليات؛
- زيادة كفاءة عمل الإدارة الضريبية من خلال تعاملها مع الأشخاص الذاتيين والشركات،
- اختصار وقت إنجاز وتنفيذ المعاملات المختلفة داخل الإدارة الضريبية؛
- الدقة والوضوح في تنفيذ العمليات المختلفة داخل الإدارة الضريبية؛
- تسهيل إجراء الاتصال بين جميع الإدارات التي لها علاقة بالإدارة الضريبية؛
- تقليل استخدام الأوراق بشكل ملحوظ مما يؤثر إيجابا على الإنجاز السريع والدقيق لمهام الموظف الضريبي؛
- تحقيق السرعة المطلوبة لإنجاز إجراءات في العمل؛
- التقليل من مخاطر فقد المعلومات أو تلفها داخل الإدارة الضريبية، فالاعتماد على الأوراق في التعاملات داخل الإدارة الضريبية قد يؤدي إلى تلفها مع مرور الوقت.
وفي هذا الصدد، فإن تبسيط المساطر والإدارة الالكترونية يشكلان مجموعة متكاملة غير قابلة للتجزيء. حيث تم اتخاذ عدد من المبادرات من أجل تنفيذ برنامج متكامل لتطوير الإدارة بالمغرب، وعلى مستوى وسائل المعلومات الحديثة (NTIC) تتوفر المديرية العامة للضرائب على بوابة وموقع الكتروني، يتضمن كافة المعلومات الجبائية. لقد ولجت المديرية العامة الانترنيت Internet والانترانت Intranet، وذلك سنة 1999 بغية الاستجابة للحاجة إلى الإعلام والتواصل الداخلي والخارجي، ثم تطورت الأمور، وتم المرور من مفهوم الموقع إلى مفهوم “البوابة” ابتداء من سنة 1999 وأصبحت هذه البوابة تتيح للملزم جميع المعلومات الجبائية.
الفقرة الثانية: التكوين المستمر
أصبح تحديث نظام تدبير الموارد البشرية بالمديرية العامة للضرائب، أحد الانشغالات الأساسية للمسؤولين، وذلك لأهمية الموارد البشرية للرفع من جودة وفعالية الأداء، غير أن هذه الرغبة في التحديث تصطدم عمليا بعدة عراقيل وإكراهات تتخذ مظاهر مختلفة، فكان لا بد من توافر مجموعة من الشروط والإصلاحات الضرورية لتدعيم برنامج التحديث وتطبيقه بشكل ملائم.
وفي هذا الصدد، ومن أجل الحفاظ على دينامية التحديث بالمديرية أدرجت التكوين ضمن أولوياتها الدائمة، حيث تم وضع إستراتيجية للتكوين من طرف الوزارة المعنية تتمحور حول قطبين أساسيين: القطب الأول : يهدف إلى تهيئ إلى التغيرات المستقبلية، لهذا تم اعتماد تكوين يرتكز أساسا حول التقنيات الحديثة في التدبير، التواصل، تدبير الموارد البشرية ومراقبة التسيير. القطب الثاني : يتعلق بتحسين الكفاءات، حيث تسمح الأنشطة التكوينية لجميع الأطر بمختلف المديريات بالوزارة، باكتساب وإصلاح طاقتهم المهنية بهدف زيادة الفعالية لأنشطتهم العملية بالإدارة.
من أهم المحددات الرئيسية المعتمدة في تغيير إستراتيجية التكوين بالمديرية والتي تم وضعها منذ أكتوبر 2005، نخص بالذكر تطوير العتاد القانوني والتنظيمي للتكوين، إعطاء الأولوية لورشات التحديث بالمديرية، بالإضافة إلى وضع حيز التطبيق مجموعة من الأنظمة المعلوماتية للمهن.
لقد عرفت المديرية الجهوية للضرائب تطورا حاسما عبر عدة مراحل إلى جانب دراسة وتحليل الوضعية الحالية للموارد البشرية للمديرية، التي أحد أهم العوامل التي دفعتها إلى تبني مقاربة جديدة على مستوى نظام التكوين المستمر من أجل الرفع من مستوى الأداء، وذلك راجع لعدة أسباب منها، التأثير الذي خلفته عملية المغادرة الطوعية، والنقص الناتج عن الإحالات على التقاعد، مما ساهم في تقليص عدد الموظفين بالمديرية، وهذا الأمر أدى إلى توظيف نسبة عالية من الأطر العليا التي تحتاج إلى صقل مهاراتها ومعارفها باستمرار، بالإضافة إلى طبيعة الأعمال التي في غالبها ذات طابع محاسبي، مثل التحصيل والمراقبة والتدقيق والمعلوميات. مع العلم أن المديرية العامة للضرائب هي مديرية أطر بامتياز، بحيث أن هرم الأعمار بالمديرية أصبح يتميز بنسبة عالية من الموظفين الشباب الحاصلين على الشواهد العليا.
المطلب الثاني: آفاق إصلاح النظام الضريبي على مستوى الملزم
لقد تطورت العلاقة مابين الإدارة الضريبية التي مثلت على مر العصور السلطة الجابية، والملزم الحلقة الضعيفة في هذه المعادلة كونه الطرف الذي يتحمل عبء تمويل الميزانية العامة، حيث أصبحت هذه العلاقة تتجه نحو بناء جسور الثقة من خلال دعم التواصل (االفقرة الأولى)، وتحسين العلاقة مع الملزمين (الفقرة الثانية)، من خلال إصدار ميثاق الملزم في إطار مسطرة الفحص الضريبي، وخلق تصنيف للملزمين من أجل الحصول على معاملة مميزة.
الفقرة الأولى: دعم التواصل بين الإدارة الضريبية والملزمين
إذا كانت أهمية ثقافة المواطنة من بين المقومات الأساسية، في تهيئة أو إعداد المواطن لكي يعمل على المشاركة الفعالة في تدبير الشأن العام محليا ووطنيا، وعلى مختلف الأصعدة والمستويات ومنها المشاركة المالية لكل فرد في الأنشطة الضرورية للحياة الجماعية. فإن التواصل بين الإدارة الضريبية والخاضعين للضريبة يعتبر من بين أهم الآليات التي تراهن عليها المنشآت الخاصة والعامة، من أجل تحقيق البرامج والوصول إلى الأهداف.
فإذا كان الأساس الديني للالتزام الجبائي أو التصويت على الضريبة في البرلمان يضمن لها شرعيتها وقانونيتها، فإن ذلك لا يضمن الشعور بالرضا أو القبول العام للضريبة من طرف الملزم إلا إذا تأسس التواصل بين الإدارة الضريبية والخاضعين للضريبة لكي تتم عملية غرس ثقافة المواطنة في استبطان الخاضعين للضريبة، وفي نفس الآن تتم عملية تحصيل الضرائب بأدنى تكلفة مادية ومعنوية.
الترابط بين هذين العنصرين، فهو علاقة بين الإدارة الضريبية والخاضعين للضريبة تتميز بالتشارك وتنشئ وضعا اجتماعيا. فما هي علاقة الملزم بالإدارة الضريبية في المغرب ؟.
إن الإدارة الضريبية لكي تبني علاقة تواصل داخلي وتواصل خارجي، يجب أن تقوم بتحديث هياكلها وأدوات اشتغالها في علاقتها الداخلية، كما يجب عليها أن تقوم بتزويد الخاضعين للضريبة بالمعلومات اللازمة التي يستعملونها في إطار ما يسمى بالحق في الاستعلام الضريبي والذي يجب أن يلبي حاجتين من المعلومات هما المعلومات العامة والمعلومات الدقيقة؛ إلى جانب الحق في الاستعلام الضريبي، يجب الاسترشاد بالتجارب المقارنة وبخاصة الأنجلوساكسونية، بالنسبة للحق في المساعدة الضريبية كأحد أهم القنوات التواصلية، والتي تساهم في تقديم المساعدة لمن لا يعرف ملأ البيانات أو قراءة المعلومات لسبب من الأسباب “وهذا الحق مقرر تماما خاصة في الدول المتقدمة حيث نجد في الولايات المتحدة الأمريكية هيئة متخصصة مجانية، والتي تنظم 41 ألف موظفا موزعون على 2 آلاف مكتب. وفي فرنسا نجد أن الحق في المساعدة تقوم به الإدارة الضريبية بالإضافة إلى مستشارين ضريبيين حيث تتم المساعدة في تحرير الإقرارات الضريبية.
الفقرة الثانية: تحسين العلاقة مع الملزمين
إن الإدارة الضريبية ملزمة بتحسين علاقتها مع الخاضع للضريبية، خاصة في حقه بالمساعدة الضريبية حين تعترضه صعوبات في ملء بيانات الإقرار، أو طلب استشارات حول بعض الضرائب أو الرسوم، بالإضافة إلى تمكينه بالدخول في حوار، وإعطائه الحق في تقديم تظلم إذا تم ارتكاب خطأ مادي في حقه أو إقناعه بمشروعية الضريبة. وقد خطت المديرية العامة للضرائب خطوات مهمة في هذا الاتجاه، من خلال السرعة في تسليم الوثائق الإدارية، والبت في مطالباتهم بما يحفظ حقوقهم من جهة، وحقوق الإدارة من جهة أخرى. وفي إطار وإرساء مناخ الثقة مع الملزمين تم إصدار ميثاق الملزم في إطار مسطرة الفحص الضريبي لتعريفه بحقوقه والتزاماته، كما تم وضع تصنيف للملزمين حسب فئاتهم.
أولا: السرعة في البت في المطالبات والتظلمات
باشرت مديرية الضرائب بتاريخ 15 ماي 7011 حملة وطنية لتصفية الملفات المتعلقة بالنزاعات، أسفرت عن تخفيض ملحوظ لمخزون الملفات المتراكمة لعدة سنوات 171 ملفا إلى غاية فاتح يناير 2011 ليتقلص في نهاية السنة إلى 197 التي بلغت 777 25، مسجلا بذلك انخفاضا بلغ 47 % مقارنة مع الوضعية التي كانت في ( 31 دجنبر ).
ثانيا: إصدار ميثاق دافع الضرائب في إطار الفحص الضريبي
في إطار استعادة الثقة مع الملزم، أصدر المدير العام للضرائب السيد عبد اللطيف زغنون في آخر سنة 2010، مذكرة مصلحية تتعلق باعتماد ميثاق لدافع الضرائب يعد ملزما لمراقبي الإدارة الضريبية في عملهم ولدافعي الضرائب في علاقتهم بهذه الأخيرة، ويرمي الميثاق حسب المذكرة إلى تقوية الضمانات الممنوحة إلى المساهمين في الواجب الضريبي من خلال استفادتهم من الحق في الإطلاع على حقوقهم وواجباتهم لدى قيام مراقبة الضرائب بعملها في فحص الحسابات والتصريحات الجبائية.
ويلزم الميثاق الجديد، الذي دخل حيز التطبيق مع بداية 2011، إدارة الضرائب بإرفاق هذه الوثيقة مع الإشعارات التي ترسلها إلى دافعي الضريبة، مخبرة إياهم بتاريخ بدء عملية فحص محاسبتهم، وفي حال عدم إرفاق الإشعار بالميثاق فإن العملية برمتها تكون ملغاة، ويوضح مصدر مطلع أن الميثاق بادرة جيدة رغم أنه لم يأت بجديد حيث إن دليلا مبسطا وعمليا يذكر بحقوق وواجبات دافع الضرائب المتضمنة في المدونة العامة للضرائب.
رغم تطوير النظام الضريبي المغربي ليواكب الأنظمة الدولية، إلا أنه يعاني من عدد من الاختلالات، فأداء المواطن في المجال الضريبي ضعيف وغير طوعي، كما أن التكلفة الضريبية غير موزعة بصورة عادلة بين الفئات السوسيو-اقتصادية، ويستفحل الغش الضريبي وتنامي القطاع الغير المهيكل الذي لا يساهم في تمويل الميزانية، وبالتالي يبقى تطبيق النظام الضريبي رغم تضمينه مختلف الضرائب والرسوم العصرية وكذلك ميكانيزمات ومساطر متطورة للمراقبة والمنازعة، غير ناجح من حيث المردودية وعدم تناسب الاقتطاع الجبائي والمنتوج الداخلي الخام وعدد المقاولات النشيطة.
وقد فتحت أوراش للإصلاح الضريبي، استجابة للتحديات والتحولات التي تعرفها بلادنا في هذه الظرفية الدقيقة، وذلك بهدف إعادة التوازن بين الاقتطاع الجبائي، والمنتوج الداخلي الخام، وعدد المقاولات النشيطة، وتوزيع العبء الضريبي بشكل عادل ومنصف، كما أن مردودية الضريبة على القيمة المضافة تأتي في مجملها من عمليات استيراد مواد الطاقة، والمواد الأكثر استهلاكا، وغير كافية نظرا لعدم تعميمها على كل القطاعات، زيادة على تنوع الأسعار وأهمية النفقات الجبائية المتمثلة في الإعفاءات والأنظمة الاستثنائية التي بلغت حوالي 76 مليار و710 مليون درهم نهاية 2012، مقابل 77 مليار و277 مليون درهم سنة 2011، أي بزيادة نسبتها 11 %.
فالبرنامج الحكومي أعطى الأولوية للإصلاح الضريبي بهدف جعل المنظومة الضريبية المغربية أكثر انصافا وللرفع من مردوديتها، من خلال توسيع الوعاء الضريبي وتحسين أداء الإدارة الضريبية والتقليص المعقلن للاستثناءات والإعفاءات الضريبية وكذا تعزيز مراقبة الغش والتملص الضريبي. وفي هذا السياق يجب أن يشمل الإصلاح إعادة بناء منظومة ضريبية عادلة وذات جاذبية تقوم على مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة، وإرساء ثقافة ضريبية جديدة تقوم على علاقة أمثل بين الإدارة والمواطن بطريقة تجعل منها مثالا للانفتاح والقرب.
(1) – P. Beltrame – L. Mehl «Sciences et techniques fiscales », PUF, Paris 1984
ورد في محاضرات الأستاذ سعيد جفري في مادة المالية العامة لطلبة السنة الأولى ألقيت بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –سطات خلال الموسم الجامعي 2001-2002.
(2) – Najib AKASBI : «L’impôt, l’Etat et l’Ajustement», Edition Actes 1993, p 18.
(3) – محمد قزيبر: “المالية العامة”، طبع وتوزيع مكتبة سجلماسة، الموسم الجامعي 1998-1999، ص 86.
([1])– محمد عياد، “الإدارة الجبائية بين التحديث وإكراهات الضبط الداخلي”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 27 يناير-أبريل 7002 ، ص. 88 – مزدوج 2.