النظام الدولي، بين فرض الهيمنة الأحادية وتعددية غامضة ومعقدة
The international system, between the imposition of unilateral hegemony and an ambiguous and complex pluralism
علي الريسوني RAISSOUNI Ali
دكتور في الحقوق القانون العام، تخصص العلاقات الدولية؛ جامعة عبد المالك السعدي بتطوان كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة Soufiane.rais@gmail.com أو raisali@hotmail.fr
|
نجوى الشاعر CHAER Najoua
دكتورة في الحقوق القانون العام، تخصص العلاقات الدولية؛ جامعة عبد المالك السعدي بتطوان كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة najoua83@live.fr
|
ملخص
لقد استغلت الولايات المتحدة الضعف الحالي للمنظمة في ظل ضعف أمنائها العامين في العقدين الأخيرين، وحاولت فرض أجندتها التي تتوافق مع سياستها ومصاحها العالمية من ناحية، وأجندة الأمم المتحدة وأغلبية دول العالم من ناحية ثانية، أي بين العمل الأحادي الجانب والعمل المتعدد الأطراف.
لذا يفسر وقوف العالم في منطقة وسطى ما بين الأحادية والتعددية انتشار الإحساس بالفوضى، وذلك لاعتقاد لديهم بأنها اختيار إستراتيجي لقوة عظمى أمريكية تسعى للحفاظ على هيمنتها على مقدرات العالم، وهي في حقيقة الأمر واقع فرض نفسه على الولايات المتحدة بسبب تناقضات العولمة. فقبول قوى متوسطة بالانخراط في المنطق النيوليبرالي منذ التسعينات قد أدى إلى تراجع نسبي للقوة الأمريكية. أي أن النجاحات الاقتصادية والمالية للعولمة قد انعكست سلبا على الوزن الإستراتيجي للولايات المتحدة في ظل ظهور عشرات الدول الطامحة لخلق شيء من الندية في علاقتها مع واشنطن. وكانت المحصلة أن السياسة الخارجية الأمريكية قد أصبحت بين خيارين أحلاهما مر. فدعوة الانفتاح التي كان يمثلها أوباما من أجل تكريس العولمة تعني استمرار تراجع الوزن النسبي للقوة الإستراتيجية الأمريكية. في حين أن التمرد الذي يعبر عنه ترامب على العولمة لا يؤدي إلا لتسريع نسق تراجع القوة الأمريكية. والدليل ما أحدثته سياسات الإدارة الجديدة من شروخ غائرة في المعسكر الغربي. ومثال ذلك، موقف القوى الأروبية المناهض لقرارات ترامب بالانسحاب من اتفاق باريس حول تغيرات المناخ، ومن سعيه لإنهاء الاتفاق النووي مع إيران. لا ينبغي أن نفهم مما سبق أن نهاية القوة الأمريكية قد باتت وشيكة. ولا شك أن هذه الخلاصة مغرية، خاصة في ظل الإحساس العام بظهور قوى حقيقية منافسة لواشنطن على الصعيد الإستراتيجي. والمقصود هنا أساسا روسيا والصين. ومن شأن تاريخ هذين البلدين أن يدفع بخيال البعض نحو أوهام العودة إلى ثنائية الحرب الباردة. إذ يسهل الخلط بين روسيا والاتحاد السوفياتي. كما يسهل الاعتقاد بأن الصين تمثل وريث المعسكر الشيوعي. إن عالمنا اليوم أكثر تعقيدا من أن تستوعب حقيقته الأطر التحليلية الكلاسيكية. إذ تحكمه مفارقة استثنائية. فالقوى المتوسطة لا تملك من القوة ما يجعلها ندّا للولايات المتحدة. ولكنها تمتلك ما يكفي من القوة لفرض إرادتها على الولايات المتحدة، خاصة في الرهانات المرتبطة بمناطق نفوذها التقليدية.
SummaryThe United States has exploited the current weakness of the organization in light of the weakness of its general secretaries in the last two decades, and tried to impose its agenda that is consistent with its global policy and interests on the one hand, and the agenda of the United Nations and the majority of the world’s countries on the other hand, that is, between unilateral action and multilateral action. Therefore, the world’s standing in the middle zone between unilateralism and pluralism explains the widespread sense of chaos, because they believe that it is a strategic choice for an American superpower seeking to maintain its hegemony over the world’s capabilities, and it is in fact a reality that has imposed itself on the United States due to the contradictions of globalization. The acceptance of moderate powers to engage in the neoliberal logic since the 1990s has led to a relative decline in American power. That is, the economic and financial successes of globalization have negatively affected the strategic weight of the United States in light of the emergence of dozens of countries aspiring to create something of parity in their relationship with Washington. The result was that US foreign policy had become between two bitter options. The call for openness that Obama used to perpetuate globalization means that the relative weight of the American strategic power will continue to decline. Whereas, Trump’s rebellion against globalization serves only to accelerate the rate of decline of American power. The evidence is the deep cracks caused by the policies of the new administration in the Western camp. For example, the European powers’ stance against Trump’s decisions to withdraw from the Paris Agreement on climate change, and his quest to end the nuclear agreement with Iran. It should not be understood from the foregoing that the end of American power is at hand. There is no doubt that this conclusion is tempting, especially in light of the general feeling of the emergence of real forces competing with Washington at the strategic level. It is intended here mainly Russia and China. The history of these two countries may push the imaginations of some towards illusions of a return to the Cold War duality. It is easy to confuse Russia with the Soviet Union. It is also easy to believe that China is the inheritor of the Communist camp. Our world today is too complex for classical analytical frameworks to be absorbed into reality. It is governed by an exceptional paradox. The middle powers do not have the power to equal the United States. But it has enough power to impose its will on the United States, especially in the bets related to its traditional spheres of influence.
مقدمة
لم تعد المنظومة الدولية رهينة مراكز القوى التقليدية، بل وفَد على الساحة لاعبون آخرون كالشركات المتعددة الجنسيات والهيئات الدولية والمنظمات غير الحكومية مما ساهم في تعقيد العلاقات الدولية الحديثة. تقابلها هيمنة امريكية متعاظمة الوسائل ومتراجعة النتائج تجلت في عدم القدرة على الحسم العسكري في مناطق توتر تجنبا للغرق في مستنقعات اعتبرتها أخطاء استراتيجية، أمام تقدم صيني لم تعد تفصله سوى سنوات لحيازة المرتبة الاولى عالميا، ووهم متعاظم تريد أن تظهر فيه دول أخرى مثل روسيا بمظهر المنافس والقادر على فرض القطبية الثنائية. والحقيقة أن القوى المتوسطة لا تملك من القوة ما يجعلها ندّا للولايات المتحدة، ولكنها تمتلك ما يكفي من القوة لفرض إرادتها عليها، خاصة في الرهانات المرتبطة بمناطق نفوذها التقليدية.
لذلك إذا تفحصنا كلا من ولاية الرئيسين أوباما وترامب، نجد رغم اختلافهما العميق، يشترك كل من دونالد ترامب وسلفه باراك أوباما في مسائل جوهرية يمكن الانطلاق منها لتبيّن الثوابت الجديدة للسياسة الخارجية الأمريكية، فكلاهما يعترف ضمنيا بنهاية الأحادية القطبية الأمريكية، ولئن كان من باب المستحيل سياسيا أن يعترف قيادي أمريكي بهذه الحقيقة، فإن ترامب وأوباما قد عبرا عنها كل حسب أسلوبه. فالأول تبنى شعارا يقول بضرورة عودة المجد الأمريكي، وهو ما يعني أنه يؤمن بقدرة الولايات المتحدة على فرض إرادتها، ولكنه يتضمن أيضا اعترافا بفقدانها لهذا المجد، وإن مؤقتا.
أمّا أوباما، فإنه قد انتخب عام 2008 من أجل إخراج الولايات المتحدة من الورطة الإستراتيجية التي نتجت عن المغامرات العسكرية لسلفه جورج بوش في أفغانستان والعراق، وما امتناع الولايات المتحدة عن التدخل في سوريا بعد استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيمياوية إلا دليل على إقرار إدارته بنهاية الأحادية القطبية، خاصة في ظل ما كان قد أعلنه من أن استخدام هذه الأسلحة يمثل في نظره خطا أحمر.
وليست نهاية الأحادية القطبية بالأمر الهين على الولايات المتحدة، إذ أن هذه الحقيقة تعني دخول السياسة الخارجية الأمريكية في مرحلة اضطراب منقطعة النظير. ولئن كانت شخصية ترامب تساهم اليوم في إبراز هذا الاضطراب، فإن أسبابه أعمق من مجرد ارتباطها بمزاج هذا الأخير، ذلك أن صناع الرؤية الإستراتيجية الأمريكية قد أصبحوا يعملون في إطار تناقضات جوهرية تمنعهم من إضفاء الانسجام على برامجهم الإستراتيجية، فهم يشعرون بتفوق القوة الأمريكية على كل منافسيها، ويكفي أن نذكّر بأن المصاريف العسكرية للولايات المتحدة تمثل ما يقارب نصف المصاريف العسكرية في العالم كي نفهم حجم المسافة التي تفصل بين واشنطن وكل منافسيها. وإذا أضفنا إلى ذلك حجم التفوق الاقتصادي والتكنولوجي والثقافي، فإننا قد نتفهم الرأي العام الأمريكي الذي يرفض مجرد ذكر نهاية الأحادية القطبية.
فما موقع ومستقبل شكل النظام الدولي، وداخله منظمة الأمم المتحدة؟ وما صحة الاحتمالات المطروحة، أهي استمرار سيطرة الأحادية القطبية، أم خيار انعدام الأقطاب، أم احتمال تعددها؟
المطلب الأول: الهيمنة الأمريكية وتراجع النتائج
بما أن الأمم المتحدة هي انعكاس للنظام الدولي السائد، فإن موقع ومستقبل المنظمة الدولية يتوقف على شكل النظام الدولي في المستقبل، لهذا نجد عدة سيناريوهات حول مستقبل الأمم المتحدة ومدى قدرة هذه المنظمة على التكيف معها في ظل البدائل المحتملة للنظام الدولي. فنجد الهيمنة الأمريكية كخيار أحادي القطب (الفرع الأول ) بالإضافة إلى مجموعة من احتمالات العلاقة الأمريكية الأممية (الفرع الثاني).
الفرع الأول: الهيمنة الأمريكية كخيار أحادي القطب
يقول المعلق الأمريكي تشارلز كروثمر Charles Krauthmmer إنه ليس هناك في العالم إلا قوة واحدة من الدرجة الأولى، ولا توجد مؤشرات عن ظهور قوة منافسة لها في القريب العاجل [1].
ويرى أنه لولا الولايات المتحدة الأمريكية لما كان هناك دور أو وجود للأمم المتحدة[2]. ويقول السيناتور الأمريكي جيسي هلمز ” نحن نشكل النقطة المركزية ويجب أن نحفظ على هذا الموقع (…) فعلى الولايات المتحدة أن تقود العالم حاملة مشعل الحق والقوة أخلاقيا وسياسيا وعسكريا، كي تكون النموذج لجميع الشعوب”[3]. تتفق معظم الكتابات الأمريكية على أن الولايات المتحدة ستظل القوة الفاعلة في النظام الدولي الذي لا يزال في طور التشكل، إلا أن اختلال موازين القوى بين الولايات المتحدة والقوى الصاعدة سيضيق. كما تتفق على قدرة الولايات المتحدة على الخروج من أزماتها، واستغلالها كفرصة لتعزيز نفوذها الدولي[4].
ويرفض معظم الباحثين المقارنة بين ما تمر به الولايات المتحدة حاليا، والظروف التي سبقت انهيار الإمبراطورية البريطانية، نظرا لأن الولايات المتحدة تملك من مصادر القوة ما افتقدته بريطانيا في حين، كما أنها غير محاطة بدول تهددها كما كانت بريطانيا[5].
ويدافع الفريق الذي يرى أن الاقتصاد الأمريكي قادر على تجاوز التأزم الاقتصادي الحالي بقوله أن الولايات المتحدة ما تزال القوة الاقتصادية الأولى، وأن الأزمة لا ترتبط بخلل أو قصور في المنظومة الاقتصادية الأمريكية، ولكنها ترجع إلى سياسات يمكن إصلاحها بصورة سريعة وسهلة. وفي حال تعافي الولايات المتحدة من أزماتها الاقتصادية، فإنها ستضمن دورا فاعلا على المستوى العالمي، خاصة في ظل عدم تمتع النموذجين الصيني والروسي بالجاذبية لدى الدول الأخرى. وقد صاغت الإدارة الأمريكية بالفعل مجموعة من السياسات التي تساعد على النهوض بالاقتصاد، منها تشجيع زيادة المدخرات، وزيادة الدورات التدريبية في مجال العلوم والتكنولوجيا، وتطوير أساليب جيدة في استغلال الطاقة[6].
وفي عصر تكنولوجيا المعلومات، فإن قوة الدولة تكمن فيما تمتلكه من معرفة في مجال التكنولوجيا والبرمجة، والاختراعات، والتي تتفوق فيها واشنطن على مثيلاتها من الدول الأخرى والولايات المتحدة هي مهد الصناعات النانوتكنولوجية (الصناعات التكنولوجية الدقيقة) والبيولوجية، وتحقق أرباحا طائلة منها. فقد حققت عائدات من الصناعات التقية الحيوية بأكثر من 50 مليار دولار، وهو خمسة أضعاف ما حققته أوروبا. كما تحقق ما نسبته 76% من العائدات العالمية في مجال التقنية الحيوية، فضلا عن حفاظها على مكانتها المتقدمة في مجالات العلم والثقافة والمعلومات. ويؤكد مجموعة من المحللين السياسيين أن الولايات المتحدة ستحتفظ بحيويتها لارتفاع نسبة الشباب فيها، وذلك نظرا للهجرة المتوافدة عليها من باقي الدول، فقد نجحت الولايات المتحدة على جذب المهاجرين على اعتبار أنها بلد الديمقراطية والحرية، فقد نجحت في دمج وصهر المهاجرين في بوثقة الثقافة والتاريخ الأمريكي. وقد ظهرت تجليات ذلك في منافسة أمريكي من أصل إفريقي لأمريكي أبيض على منصب الرئاسة، بل ووصوله إلى البيت الأبيض كأول سابقة في التاريخ السياسي الأمريكي[7].
كما أن نسبة الاستثمار الأمريكية في عمليات البحث والتطوير في ارتفاع مستمر[8]، وتتفوق الولايات المتحدة على باقي الدول في الإنفاق على التعليم العالي الذي يعد نجاحا اقتصاديا للولايات المتحدة في عصر ثورة المعلومات فهي تنفق على التعليم ضعف إنفاق فرنسا وألمانيا واليابان، وفي تقييم Times Higher Education لعام 2009 جاءت ست جامعات أمريكية ضمن أفضل عشر جامعات في العالم. وفي دراسة Shanghai Jiao Tong University لعام 2010 جاءت سبع عشرة جامعة أمريكية ضمن أفضل عشرين جامعة، بالإضافة إلى حصول مواطني الولايات المتحدة على أكبر عدد من جوائز نوبل. كما أن معدل النشر العلمي أعلى من أي دولة أخرى، وهو ما يعزز قوة الولايات المتحدة الأمريكية[9].
وقد جاءت إستراتيجية الأمن القومي التي أعلنتها إدارة الرئيس السابق “باراك أوباما” في السابع والعشرين من مايو 2010، بعد ما يقرب من ستة عشر شهرا لها في البيت الأبيض، لتعكس رؤية الإدارة الأمريكية الحالية لمواجهة تراجع النفوذ الأمريكي عالميا. كما عكست مقالات عديد من المسؤولين الأمريكيين بدورية الشؤون الخارجية (Foreign Affairs) ذائعة الصيت هذه الرؤية أيضا، ومنهم وزير الدفاع الأمريكي “روبرت جيتس”[10]، ووزيرة الخارجية الأمريكية “هيلاري كلينتون”[11]. وقد عكست هذه الرؤية الأمريكية لكيفية التعامل مع النظام الدولي” كما هو”، وليس من زاوية ” يجب أن يكون عليه”.
تهدف الإستراتيجية الأمريكية الجديدة إلى تدعيم القدرة الأمريكية على لعب دور قيادي في النظام العالمي، لتحقيق مصالحها في القرن الحادي والعشرين، وذلك على مسارين، يتمثل أولهما في بناء قوتها الداخلية. أما ثانيهما، فيتمثل في العمل على صوغ نظام دولي يمكن من مواجهة التحديات الدولية.
ويرتبط نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في الحفاظ على مكانتها ودورها عالميا في مدى قدرتها على إحداث التوازن بين القوتين الصلبة والناعمة في إستراتيجية واحدة ناجحة، أضحى يطلق عليها القوة الذكية[12]، بحيث ترسم أفضل إستراتيجية تستطيع من خلالها التعامل مع مظاهر تراجع فاعلية وتأثير الولايات عالميا، في ظل تعدد مراكز القوى وتعدد مصادر القوة. فلم تعد القوة في حد ذاتها محددا للقوة دوليا، وإنما كيفية إدماجها في إستراتيجية ناجحة في تحقيق الهدف من امتلاكها واستخدامها، وبناء أسس قوية للقيادة الأمريكية دوليا تبدأ من الداخل الأمريكي. فأعظم المخاطر التي تهدد القوة الأمريكية تبدأ من الداخل وتنتهي من الداخل، لأن ما يحدث داخل حدودها يحدد قوتها ونفوذها خارج حدودها، لا سيما في عالم يتزايد ترابطا وتشابكا. وتربط الإستراتيجية بين استعادة قوة ومكانة الولايات المتحدة وقدرتها التنافسية وقدوتها الأخلاقية.
وتركز أولى خطوات واشنطن لاستعادة قوتها ومكانتها حسبما ذهبت وثيقة الأمن القومي الأمريكي الجديدةـ على دفع الاقتصاد الأمريكي الذي مر بأزمة اقتصادية عاصفة لم يشهدها منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن المنصرم، فالاقتصاد الأمريكي بالنسبة للإستراتيجية هو منبع القوة الأمريكية. ولذا فقد ركزت الإستراتيجية على ضرورة تحقيق انتعاش اقتصادي واسع، وخفض العجز المالي، وخلق وظائف جديدة، وتخفيض تكاليف الرعاية الصحية للمواطنين الأمريكيين، وإعادة تشييد بنية تحتية جديدة أكثر أمنا وقادرة على مواجهة التحديات الأمنية والكوارث الطبيعية.
كما أكدت الوثيقة ضرورة استعادة الولايات المتحدة قوتها على الصعيد العالمي، وزيادة قدرة الأمريكيين على المنافسة على المدى الطويل. وتحقيق اختراعات علمية غير متوقعة فيقول الرئيس السابق ” باراك أوباما ” يجب أن ننظر إلى الابتكارات الأمريكية كأساس لقوة الولايات المتحدة”[13].
الفرع الثاني: احتمالات العلاقة الأمريكية الأممية
وفي إطار هذا الخيار هناك عدة احتمالات متعلقة بسياسة الولايات المتحدة وموقفها تجاه المنظمة الدولية، يرى بعض المحللين أن أحدهما ممكن الحدوث كاحتمال الفعالية، واحتمال التهميش، واحتمال تجاوز مرحلة التهميش.
انطلاقا من فكرة السياسة الخارجية المبنية على استخدام أوسع للمنظمات الدولية تكون ذات مصداقية، فإنه من الممكن أن تكرس الولايات المتحدة الأمريكية جهدها لجعل المنظمة الدولية تعمل بطريقة أكثر فاعلية، وهذه الفعالية هو المصلحة المشتركة بين الدول، لهذا نجد الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج إلى منظمة دولية فاعلة لإضفاء نوع من الشرعية الدولية على سياستها. فمن الممكن أن تربط الولايات المتحدة بين المصالح الوطنية الأمريكية[14] والمصالح المشتركة التي ستتحقق
عبر هيئة الأمم المتحدة التي تخدم السياسات الأمريكية في الداخل والخارج[15].
وقد أيدت هذا الموقف من المنظمة “هيلاري كلنتون”، وقد عبرت عنه في مقال لها في مجلة “الشؤون الخارجية”، من خلال قولها:”على العكس مما قد يعتقده العديد من هم في الإدارة الحالية، تشكل المؤسسات الدولية أدوات، بدلا من اعتبارها شريكا. يجب على الولايات المتحدة أن تكون جاهزة للتصرف بحرية في الدفاع عن مصالحها الحيوية، غير أن وجود المؤسسات الدولية الفاعلة يقلل كثيرا من وجوب قيامنا بذلك، وقد أدرك رؤساء جمهوريون وديمقراطيون على حد سواء هذا الأمر منذ عقود.
“… هذه المؤسسات تعزز تأثيرنا ونفوذنا عندما تعمل بشكل جيد. وفي حالة عدم ذلك، تخدم إجراءاتها كمبررات لتأخيرات لا نهاية لها، كما هو حاصل في دارفور، أو تتحول إلى مهزلة، كما في حالة انتخاب السودان في عضوية مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ولكن بدلا من الحط من قيمة وأهمية هذه المؤسسات بسبب حالات فشلها، ينبغي علينا جعلها منسجمة مع حقائق القوة في القرن الحادي والعشرين ومع القيم الأساسية التي تجسدها الوثائق الدولية، من قبيل “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”[16].
وتتفق مقالة “هيلاري” في مجلة “الشؤون الخارجية” ووثيقة الأمن القومي الأمريكي في ضرورة تركيز الولايات المتحدة على التعاون مع المؤسسات الدولية القائمة، مثل مجموعة العشرين، ومنظمة الأمم المتحدة، بعد فترة من تراجع التعاون الأمريكي خلال فترتي بوش وبوش الإبن، وكذلك مع عدد من المؤسسات الإقليمية، كمؤسسة رابطة دول جنوب شرق آسيا، ومنطقة الدول الأمريكية. ولتفعيل تلك المؤسسات الدولية، دعى العديد من الباحثين إلى أن تكون أكثر فاعلية في تمثيلها للعالم في القرن الحادي والعشرين، بأن يكون هناك تمثيل وصوت ومسؤوليات أكبر للقوى الناشئة والصاعدة على المسرح الدولي[17].
ويرتبط هذا السيناريو بمدى حاجة السياسة الخارجية الأمريكية إلى تنامي دور المنظمة الدولية، أي مدى ما تشكله الأمم المتحدة من مصلحة للسياسة الخارجية، وكذلك يعتمد ذلك على البيئة الدولية.
بما أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك قوة اقتصادية وعسكرية كافية لدعم أهدافها، مما يجعلها تقوم بأعمال أحدية الجانب، وفي ظل عدم وجود دولة أخرى تصل إلى مرتبة الولايات المتحدة، من حيث وزنها الاقتصادي وقدرتها العسكرية وابتكاراتها وإنتاجاتها وخبراتها الدولية، فإنه ليس هناك ما يبرر أو يدفع في اتجاه تقوية وتعزيز منظمة الأمم المتحدة، فالأمن الوطني للدولة الأكثر قوة إستراتيجية وغنى في عالم اليوم ليس في خطر، وبالتالي فهي ليست في حاجة إلى هيئة الأمم المتحدة لحماية تلك القوة، وحتى إن كانت الولايات المتحدة الأمريكية في خطر، فإن المسائل مثل الأمن الوطني الأمريكي، لا يمكن تركها للمنظمة الدولية، فهذه المسألة تشكل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية مسألة سياسية وسيادية في آن واحد[18].
وبمعنى آخر فإنه ما لم تعكس الأمم المتحدة وهذه الوكالات أهداف ومصالح الولايات المتحدة باعتبارها القطب الأوحد في العالم فإن الولايات المتحدة سوف تستمر بالتصرف بطريقة انفرادية دون اللجوء إلى هذه المنظمات وتهميشها، وبالتبعية فإن صلة الأمم المتحدة بالمجتمع الدولي بصفتها المؤسسية المعبرة عنه سوف تنقطع، ومن تم يتوقع أن ينحصر دورها في بعض المجالات المحدودة مثل الإغاثة الإنسانية، وكذلك تهميش دورها لصالح المنظمات والتجمعات الإقليمية الناجحة مثل الاتحاد الأوروبي.
ثالثا: احتمال تجاوز مرحلة التهميش
وهو الذي تعمل على تحقيقه الولايات المتحدة الأمريكية على المدى الطويل، واستمرارية احتلال الزعامة العالمية، وهذا يتطلب العمل على منع ظهور منافس عالمي آخر يكون معاديا لها. ويتطلب أن يكون المناخ
العالمي أكثر انفتاحا وتقبلا للقيم الأمريكية.
وفي ظل هذا السيناريو من المتوقع القيام ببعض الإصلاحات الجزئية والمحدودة بهدف الإيحاء بأن شيئا ما يتحرك في اتجاه بناء إطار مؤسسي لنظام عالمي جديد. ولذلك يتوقع الكثير من الباحثين أن يتم إدخال بعض التعديلات على هياكل وآليات صنع القرار في الأمم المتحدة، بما يكفي استيعاب المطالب اليابانية والألمانية، وإشباع بعض مطالب الجنوب في تمثيل أفضل داخل مجلس الأمن.
وهكذا فمن المتوقع حسب هذا السيناريو أن تتجاوز الأمم المتحدة مرحلة التهميش، ولكن دون الوصول إلى حد التواطؤ مع السياسة الأمريكية أو الوصول إلى مرحلة الفاعلية للمدرسة الليبرالية. وذلك إلى حين إما حدوث تحول في إستراتيجية الحد الأدنى الأمريكية اتجاه المنظمة أو انتقال النظام الدولي إلى نظام التعددية القطبية بدلا من نظام القطب الواحد الحالي[19].
لكن سيناريو الخيار الأمريكي يتجاهل عدة حقائق يكشف عنها تاريخ وخبرة الأمم المتحدة، أهمها:
ـ أنه من غير الأكيد ووفقا للعديد من الخبراء والمحللين وكذلك للعديد من المؤشرات، أن تستمر الهيمنة الأمريكية المنفردة، حيث يؤكد “جاك سابير”[20]: أن الولايات المتحدة سوف تبقى قوة كبرى، وأن ما تمتلكه من أوراق رابحة، عسكرية وسياسية واقتصادية، سوف تبقى ذات وزن مهم في المعادلات الدولية. لكن يجب الإشارة إلى أنها لن تكون، مع ذلك، قادرة على فرض هيمنتها على العالم. فقدراتها العسكرية قد ضعفت، وإمكانياتها في إقامة تحالفات عريضة قد تضاءلت، كما تراجع تفوقها الفكري والثقافي[21].
ويضيف “جاك سابير” أن القرن الأمريكي جرى “إجهاضه” خلال الفترة 1997ـ 2003. وكانت نقطة الانطلاق في هذه المسيرة التقهقرية هي الأزمة المالية التي شهدتها نهاية عام 1997 في بعض البلدان الآسيوية، ثم امتدت آثارها لتطال مختلف مناطق العالم.
فقد أثارت الأزمة المالية الدولية خلال العامين 1997و1998 بروز استراتيجيات اقتصادية جديدة، كما أثارت نهوض روسيا وبروز الصين كقطب الرحى الأساسي في استقرار الشرق الآخر الأقصى، وجاءت الأزمة المالية التي تعيشها الولايات المتحدة والعالم اليوم لتؤكد هذا الرأي وتدق مسمارا آخر في نعش الهيمنة الأمريكية المنفردة على العالم.
ـ أن القصور في أداء الأمم المتحدة لم يكن مجرد انعكاس تام لتوزيع القوى في العالم، وإنما نبع وبدرجة لا تقل أهمية عن ضعف التنسيق سواء فيما بين الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة من ناحية مما أهدر كثيرا من الموارد والجهود في برامج متكررة، أو فيما بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية من ناحية أخرى ومن ثم فإن من شأن تفعيل مثل هذا التنسيق وإصلاح أجهزة الأمم المتحدة وبخاصة مجلس الأمن أن يؤدي إلى الارتقاء بأداء الأمم المتحدة حتى في ظل هيمنة الأمم المتحدة على النظام الدولي.
ـ أن هذا السيناريو يتجاهل الدور المهم للأمم المتحدة في مجالات إيجاد المعايير ونشر القيم، وتبادل المعلومات ورعاية المفاوضات، وهي المجالات التي يمكن استخدامها ليس فقط في إضفاء الشرعية على العمل السياسي، وإنما أيضا في توجيه برامج وقرارات الأمانات العامة للمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية وكذلك الحكومات، ويكفي أن نشير في هذا الخصوص إلى أنه قد انعقد في إطار الأمم المتحدة وحدها أكثر من أحد عشر ألف مؤتمر في نيويورك وجنيف خلال الفترة من 1945ـ 1985.
ـ مازالت الأمم المتحدة، رغم كل إخفاقاتها، في نظر شريحة كبيرة من الرأي العالمي، منظمة لا غنى للعالم عنها. ويرى جوزيف ناي أنه “رغم عيوب الأمم المتحدة الكثيرة، فقد أثبتت أنها مهمة في تنفيذ المهام الإنسانية ومهام حفظ السلام التي توافق عليها الدول، كما أنها تظل مصدرا مهما للشرعية في عالم السياسة[22].
وعليه يمكن القول إن تعزيز وإصلاح المنظمة الدولية إلى الحد الذي يمكن أن يقف في وجه السياسات الأمريكية أمر مستبعد، ومن تم سيبقى الإصلاح المطلوب إصلاحا هامشيا. ومن غير المتوقع أن يؤدي هذا الإصلاح إلى إحداث نقلة نوعية أو جوهرية في طبيعة الأمم المتحدة.
المطلب الثاني: القوى المنافسة وتعقيد التعددية
إن استمرارية النظام الدولي الجديد بقيادة الولايات المتحدة في هذا القرن أمر مشكوك فيه، لذلك نجد أن الباحثين رصدوا خيارات أخرى للنظام الدولي كخيار نظام توازن القوى، خيار النظام الدولي العديم الأقطاب، وخيار النظام الدولي المتعدد الأقطاب.
الفرع الأول: خيار نظام توازن القوى
ويقوم هذا النظام على افتراض خلق توازن دولي جديد بواسطة رغبة وقدرة مجموعة من الدول الكبرى أو دولة كبرى ك “روسيا”، باعتبارها مازالت تمتلك المجال الجغرافي والطاقة النفطية والترسانة النووية التي يمكن أن تؤهلها لأن تكون دولة كبرى من جديد، أو ربما الصين على اعتبار أن الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الصيني أصبحا عالقين في اعتمادهما المتبادل بعضهما بعضا، حيث إن الاقتصاد الأمريكي اقتصاد استهلاكي للمنتجات الصينية، ويقوم الاقتصاد الصيني بدور الممول للولايات المتحدة والمستثمر الرئيسي في اقتصادها[23]، أو ربما مجموعة من الدول الكبرى نووية قد تشعر بخطر الخيار الأمريكي على مصالحها ومستقبلها، ومن ثم إمكانية اللجوء إلى خلق تحالف من نوع جديد لا يخلو من تنسيق عسكري هدفه هو حماية خيارات وسيادة ومصالح دول هذا التحالف، و لاسيما الاقتصادية، وكخط أحمر أمام الولايات المتحدة، وذلك على أسس وقواعد جديدة قائمة على التمسك بالقانون الدولي العام ومبادئ الأمم المتحدة والأمن الجماعي.
ويعتقد الكثيرون، وبشهادة التاريخ، أن تفوق الولايات المتحدة سيحفز على تشكيل تحالف مضاد وموازي لقوتها وسيحد في نهاية الأمر من قوتها[24].
وفيما يخص مصير الأمم المتحدة في ظل هذا النظام، إن تحقق فعلا فإنه قد يكون هناك من نتائجه تغير جذري في هيكلة مجلس الأمم واختصاصه، ليأخذ في حساباته الحقائق الجديدة، والتحالفات الجديدة، ورغبتها في التعايش و من ثم سيكون هذا النظام تطويرا للنظام الدولي الحالي، وقائما على تفاهمات الأمم المتحدة في ضوء نهاية الحرب الباردة وعلى إيقاف الإنفراد الأمريكي.
لهذا نجد المنظمات الدولية والأمم المتحدة سوف تمارس دورا أكثر أهمية من ذي قبل نظرا إلى نظام توازن القوى والذي سيؤدى إلى جمح السياسيات الأمريكية الانفرادية، ونظرا إلى وجود تحديات عالمية لا يمكن لأي دولة مقاومتها، لهذا يرى أصحاب المدرسة الليبرالية أن الأمم المتحدة تمثل الإطار الأنسب لمعالجة مثل هذه التحديات العالمية لهذا من المحتمل إدخال إصلاحات شاملة من شأنها النهوض بالمنظمة وخاصة أجهزتها.
وفي ظل احتدام الجدل حول مستقبل هذا النظام يعارض “ريشارد هاس” ـ رئيس مجلس العلاقات الخارجية والأكاديمي والسياسي الأمريكي البارزـ الرأي القائل إنه سيكون نظاما متعدد الأقطاب يظم ست دول مثل الصين، والهند و الإتحاد الأوربي، واليابان، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية ولقد عبر هاس عن رؤيته المستقبلية للنظام الدولي وعصر الهيمنة والأحادية الأمريكية وذلك في مقال له في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية، الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية فيرى أن هناك تعددا في مراكز القوى، في ظل النظام ولكنه تعدد مختلف عن التعددية القطبية التقليدية.
وفي نظر هاس يرى أن النظام الدولي سيشهد مستقبلا في تعدد وتشتت مراكز القوى من حيث انتشارها وتعدد من يملكها، فإلى جانب وجود ست قوى كبرى، يرى هاس أن هناك دولا صاعدة كقوى إقليمية، مثل البرازيل والسعودية، ومصر وهناك قوى أخرى مثل المنظمات الدولية والشركات متعددة الأقطاب ووسائل الإعلام والجماعات المسلحة الإرهابية.
فيرى هاس أن هذا النظام الذي يصفه بأنه عديم الأقطاب لن يؤثر فقط في الولايات المتحدة الأمريكية وإنما في كل دول العالم أيضا حيث أنه في ظل تعدد مراكز القوى والتأثير وتجاذبات مختلف الأطراف الفاعلة فيه، لهذا يصعب إحداث إجماع دولي عند مواجهة الأزمات الدولية، لهذا سيكون دور المنظمات الدولية مهمشا بما في ذلك الأمم المتحدة.
الفرع الثاني: خيار النظام الدولي المتعدد الأقطاب
يأتي هذا الخيار في حالة عدم قناعة الولايات المتحدة الأمريكية على فرض أو الحفاظ على هيمنتها المنفردة لهذا ستكون في موقع أقل قوة مما عليه اليوم، لكنها مع ذلك ستبقى قطبا كبيرا إلى جانب مجموعة من الأقطاب الكبرى الأخرى، كأوروبا الموحدة واليابان والصين والهند…، فعلى عكس هاس، يرى الكثير من المحللين، أن النظام الدولي الجديد سيكون نظاما متعدد الأقطاب، فوفقا لنظرية توازن القوى فإنه من الحتمي أن سيطرة الولايات المتحدة سوف تشجع قوى أخرى على أن تصعد من أجل إقامة التوازن، وكما يقول عالم السياسة ( الواقعي) “كينيث والتز” Kenneth Waltz: ” سيتفاعل كل من الأعداء والأصدقاء كأنهم دول عليها دائما أن تكون تحت التهديد، أو أن أحدهم يسيطر على الآخر، سيعملون على إعادة التوازن في ميزان القوى، فالوضع الحالي في السياسة الدولية غير طبيعي”.
كما قال ـ “كينيث والتز”ـ أن “القوة الطاغية تدفع دولا أخرى إلى أن تتوازن معها”. وهكذا فإن الاتحاد الأوروبي والصين وقوى أخرى، سوف تسعى إلى الصعود وخلق التوازن مع الولايات المتحدة[25]. كما يقول بأنه”يمكن للجميع بمن فيهم ضعاف البصر أن يشهدوا بزوغ التعددية القطبية في الأفق، فبعض من الدول الأقل قوة ضمن النظام الحالي ستعمل جاهدة على خلخلة الوضع وإعادة التوازن مجددا إما نحو الثنائية أو التعددية[26].
كما استخلص بول كندي الذي يعتبر من أبرز دعاة نظرية الانحدار في كتابه الذي نشره في العام 1987 بعنوان صعود وهبوط القوى العظمى، أن أوروبا والصين واليابان في صعود، وأن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في انحدار اقتصادي نسبي، وأن نظام القطبية الثنائية الأمريكية السوفييتية سيستبدل بنظام متعدد الأقطاب. أما الباحث “برتراند بادي” فيقول ” إن ما لم يفهمه المحافظون الأمريكيون جيدا هو عندما عولوا فقط على استخدام القوة من أجل فرض الهيمنة…إن مفهوم “تعدد الأقطاب” في عالم اليوم قد تأكد إنما بثياب جديدة بعد الأزمة، ثم الحرب العراقية”[27].
وليس بخاف على أحد أن هناك قوى دولية كثيرة تدفع دفعا حثيثا إلى نشوء تعددية دولية حقيقية. وفي كثير من البيانات تصدر مثلا عن لقاءات القمة الروسية ـ الصينية، هناك عبارة مكررة تؤكد رغبة وإصرار البلدين على قيام نظام دولي تعددي أكثر مساواة وأقل ظلما، معتبرين أن جهودهما في هذا الإطار ليست موجهة ضد طرف بذاته. كما أن كثيرا من البلدان المتوسطة تتطلع إلى مثل هذا النظام التعددي القطبية لما يتيحه لها من مساحة أكبر على المناورة الدولية والحصول على منافع أكبر بأقل درجة ممكنة من الضغوط لا سيما الأمريكية[28].
ويرى الدكتور عبد المنعم المشاط أننا إزاء التحول إلى نظام تعددي توافقي مرن، حيث يرى أن مؤشرات القوة النسبية الحالية بين عدد مناسب من القوى الدولية المعاصرة ـ خصوصا في ضوء الأزمة المالية الحادة ـ تشير إلى تبوأ دول إضافية مكانة عليا في النظام الدولي[29].
ومن المتوقع أن يتشكل نموذج سياسي لعالم متعدد الأقطاب يتكون إطاره من ثلاث مناطق رئيسية: أمريكا وأوروبا وآسيا، وخمس مراكز قوى هي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، واليابان، والصين، وروسيا. وقد بينت الدراسات صعود اليابان وأوروبا في الاقتصاد العالمي بدرجة كبيرة وبالتحديد ألمانيا[30].
ويرى بعض المحللين والأكاديميين، مثل “جون إكنبري” وهو أستاذ العلوم السياسية والشؤون الخارجية في جامعة برينستون، أن العصر الأمريكي قد أشرف على نهايته، وأن النظام الدولي بدأ يهيمن عليه الشرق شيئا فشيئا[31]، ويرى الكثير من المحللين الواقعيين أن الصين ستحاول مستقبلا استخدام تأثيرها المتعاظم من أجل إعادة تشكيل قواعد ومؤسسات النظام الدولي، لخدمة مصالحها بشكل أفضل.
وفي ظل هذا النظام يرى فريد زكريا أن على الولايات المتحدة الاختيار بين محاولة الحفاظ على استقرار هذا النظام الدولي الجديد، الذي بدأ في التشكل، أو مشاهدة صعود القوة، محدثة تفككا في النظام العالمي الذي أنتجته الولايات المتحدة خلال الأعوام الستين الماضية، وقد اختارت واشنطن الخيار الأول، وسيكون عليها مضاعفة جهودها من أجل إدماج القوى الآخذة في البروز في أهم المنظمات العالمية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، وإدماج هذه الدول البارزة، وليس فقط الصين، كالهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، سوف يعطي هذه المنظمات، بما فيه الأمم المتحدة، نفسا جديدا.
وهكذا، وكما يقول “جون إكنبيري”:” إن الهيمنة الأمريكية المنفردة سوف تنتهي بالتأكيد، حيث إن ليس بمقدورها إيقاف حركة البروز الصيني المتصاعد، ولكن بإمكانها استيعاب هذه القوة في إطار القواعد والمؤسسات التي وضعتها الولايات المتحدة وشركاؤها عبر سنوات القرن الماضي”وعليه يرى أنه “يمكن أن يكون وضع الولايات المتحدة ضعيفا، لكن النظام الدولي الذي وضعت أسسه الولايات المتحدة سيبقى هو النظام المهيمن للقرن الحادي والعشرين”.
أما عن موقع الأمم المتحدة في ظل هذا النظام المتعدد الأقطاب فيتوقع إذا تحقق أنه سوف تحدث بعض التعديلات في هياكل وآليات صنع القرار في الأمم المتحدة، ومن المحتمل أن تشمل هذه التعديلات توسيع قاعدة العضوية في مجلس الأمن، أو إعادة هيكلة أجهزة صنع القرار في المجالات الاقتصادية، وإعادة تنظيم الأمانة العامة، ولكن هذه التعديلات لا يتوقع أن تؤدى إلى إقامة مؤسسة عالمية فعالة لإدارة الموارد وإعادة توزيعها على المستوى الكوني من أجل رفاهية وأمن الجميع.
وهكذا سيرتبط مستقبل مكانة الولايات المتحدة ودورها الفاعل عالميا بمدى قدرتها على التعامل مع مستجدات هذا النظام العالمي الجديد الذي يشهد صعود قوى جديدة، وجماعات ومنظمات تملك من القوة ما يجعلها ذات قوة وتأثير يفوق بعض الدول القومية. فعلى الرغم من كونها القوة العسكرية الكبرى في العالم، فإننا نجدها اليوم تتعثر بشدة في حروبها التوسعية[32]، ونجد اقتصادها يضعف أكثر فأكثر بسبب المنافسة الجديدة التي يتعرض لها من قبل اقتصاديات القوى الصاعدة الأخرى. وفي حال تكيف الولايات المتحدة مع تلك التحولات، وتعاونها بشكل أفضل مع القوى الصاعدة فإننا سنشهد انتقالا سلسا وسلميا إلى نظام تعددي جديد من دون كوارث وحروب تكون الولايات المتحدة فاعلا رئيسيا فيه بجانب بعض القوى الأخرى.
أما بشأن مستقبل المنظمة، فإن الكثير من الأكاديميين يرون أن الوضع المتجمد الذي تعيشه المنظمة سيستمر، ولن يتغير في المنظور القريب وبخاصة مسألة الإصلاح، إلا إذا تغير واقع النظام الدولي وموازين القوى الحالية، وعليه فإن شكل النظام الدولي، الذي سيتبلور في المستقبل، هو من سيحدد وضع المنظمة الدولية فيه والتي ستكون، بطبيعة الحال، انعكاسا لعلاقات القوة، ولنظرة النخب الحاكمة للمنظمة، وللأدوار المطلوب منها تأديتها في القرن الحادي والعشرين.
خاتمة
ما نخلص إليه في الأخير هو أن التفاوت بين المعطيات الاقتصادية والسياسية والعسكرية للدول يجعل من الصعب إصدار توقعات في شأن مستقبل النظام العالمي، ذلك أن الولايات المتحدة استفادت من انهيار الاتحاد السوفييتي، لكن الانحطاط النسبي يأكل أسس تفوقها في حين أن أوروبا لا يزال عليها عمل الكثير في هذا المضمار، أما آسيا التي تقودها قاطرة العملاق الاقتصادي الياباني فإنها لم تعد تراهن على القوات الهائلة للقوى الصناعية الجديدة فحسب بل كذلك على الصين التي دخلت منذ نحو 20 عاما مرحلة نمو اقتصادي متسارع (10% سنويا) من شأنه أن يدفع عملاقا ديمغرافيا إلى تبديل التوازنات العالمية الأساسية.
إن الجماعة الدولية لازالت تزخر بالأحداث التي تبين وتبرز بعض التكتلات الإقليمية التي قد تستطيع أن تجد لها في عالم الغد مكانا مقاربا إن لم يكن موازيا لذلك الذي تنفرد به الولايات المتحدة الأمريكية. ولعل من أهم التكتلات التي يمكن أن تنافس الولايات المتحدة الأمريكية على زعامة العالم الكتلة الأوروبية وروسيا بحكم موقعها الجغرافي وتراثها الحضاري ومصالحها الاقتصادية، كذلك الكتلة الأسيوية، اليابان والصين، مرشحة أيضا لاحتلال موقع متميز في هذا النظام، وعلى الرغم من ذلك وحسب رأي المتخصصين فإنه لا يتوقع أن أيا من هاتين الكتلتين سوف تحتل مكانتها المرتقبة في المنظور القريب، وعليه فإن الريادة والزعامة ستظل منعقدة خلال هذه السنوات للولايات المتحدة الأمريكية.
وحسب الدكتور حسن أبو طالب في حديث له عن النظام العالمي الجديد من خلال مقالة نشرتها السياسة الدولية في عددها 137 عام 1999 ، صفحة 94 ، حيث يقول إن “الأحداث الكبرى تنطوي على نوعين من النتائج أحدهما مخطط من قبل الأطراف الصانعين للحدث وثانيهما تداعيات غير محسوبة تفرزها التفاعلات المباشرة وغير المباشرة المحيطة بالحدث سواء أثناء حدوثه أو بعد انتهائه والتداخل بين هذين النوعين من النتائج يقود بدوره إلى ما يمكن وصفه بالتطور الهيكلي في البيئة المباشرة لهذا الحدث ويتوقف عمق التغيير على مدى ما يحمله من وضع أسس جديدة على صعيد المبادئ والمفاهيم والآليات وأيضا إقامة هياكل ومؤسسات على أنقاض هياكل ومؤسسات سابقة الوجود وحين تترسخ أفكار وقيم وشرعيات جديدة يمكن الاستنتاج بوجود نظام جديد للتفاعلات أو نظام جديد للقوة وهكذا كلما كان التغيير أكثر شمولا وماسا عناصر ترتيب القوى وقائمة القضايا وآليات العمل والمؤسسات الجماعية في آن واحد كلما بات من اليسير القول أن هناك نظاما دوليا “جديدا” وبالمقابل فإن التغيير الجزئي في عنصر أو عنصرين لا يعني ذلك بالضرورة أننا أمام نظام دولي جديد. وإنما أمام نظام دولي في حالة تغيير جزئي. بعبارة أخرى فإن مفهوم النظام الدولي قد يتعرض لحالة تغيير كلية أو جزئيا ويتوقف ذلك على حجم التغيير وطريقة بلورته هل بصورة مفاجئة أم بصورة تدريجية طبيعية ناتجة عن التطور العام في أوجه الحياة المختلفة.
انطلاقا مما سبق يمكن أن نخلص إلى القول أن توزيع القوة في المجال الدولي يتسم بالتغيير الدائم والحركة المستمرة وأن حركة التاريخ التطورية فضلا عما طرأ من تطورات على قدرات الدول إيجابا وسلبا يؤدي إلى التعديل في ترتيب الدول على سلم تدرج القوة الدولي، فكم من دولة امتد سلطانها حتى طبق الآفاق ثم ما لبثت أن دالت دولتها فانزوت بين صفحات التاريخ، وأصبحت أثرا بعد عين. فسبحان الذي قال:”وتلك الأيام نداولها بين الناس” سورة آل عمران، الآية 14.
وهذا ما قاله هنري كيسنجر في كتابه “النظام العالمي” سنة 2014 إنه رغم مرور ربع قرن على القيادة القوية – الأحادية- للعالم من طرف الولايات المتحدة منذ سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، فإن العالم بقي غير مستقر.
لهذا السبب يقول كسنجر إنه لا بد من بناء نظام عالمي جديد لا يعتمد على قطب واحد ومن هذا المنطلق يرى أن النظام العالمي الجديد سيكون بالمشاركة بين أميركا والصين، مخرجا روسيا نهائيا من معادلة قيادة العالم.
[1] Charles Krauthammer, the Unipolar Moment, Foreign Affairs vol 70, no1(1991):23-33.
[2] عدنان محمد هيجانة، ديبلوماسية الدول العظمى في ظل النظام الدولي اتجاه العالم العربي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية العدد 29، الطبعة الأولى، 1999، ص 14.
[3] Jesse Helms, Entering the pacific century, Heritage foundation, Washington, D.C, 1996.
[4] Global Trends 2025: Transformed World, National Intelligence Council, November 2008.
[5] عمرو عبد العاطي، تحولات النظام الدولي ومستقبل الهيمنة الأمريكية، مجلة السياسة الدولية العدد الثالث والثمانون بعد المائة، يناير 2011 المجلد 46 ص 204.
[6] Roger C.Altman and Richard N. Haass, American Profligacy and American Power ; Foreign ; Nov/Dec2010,Vol.89,Issue6.
[7] Fareed ZaKaria,the Future of American Power: how America Can Survive the Rise of the Rest, foreign Affairs, May/June 2008,vol.87,No.3.
[8] ففي العام 2007، كانت الولايات المتحدة، رائدة في الانفاق على البحث العلمي بما يقدر بـ 396 مليون دولار، تليها آسيا ب 388 مليون دولار، ثم الاتحاد الأوربي بـ 263 مليون دولار.وتنفق الولايات المتحدة 2,7 % من الناتج المحلي الإجمالي على البحث والتطوير أي نحو ضعف ما تنفقه الصين، ناهيك عن تزايد تسجيل براءات الاختراع التي وصلت 80 ألف براءة اختراع في عام 2007، وهو ما يفوق دول العالم مجتمعة.
[9] Joseph S.Nye, The Future of American Power,Foreign Affairs, Nov/Dec 2010,volume 89,Issue 6.
[10] Robert M. Gates, Helping Others Defend Themselves, Foreign Affairs, May/June 2010 ;Vol.89,Nor 3.
[11] Hillary Rodham Clinton ; Leading Through Civilian Power.Foreign Affairs, Nov/Dec 2010.Vol 89,Issue 6.
[12] عمرو عبد العاطي، آمال معقودة على الديمقراطيين لانتقال أمريكا من العسكرة إلى القوة الذكية، صحيفة الحياة 13 نونبر 2008.
[13] عمرو عبد العاطي، تحولات النظام الدولي ومستقبل الهيمنة الأمريكية، مرجع سابق، ص 206.
[14] أما بالنسبة للرئيسين “أوباما ودونالد ترامب” فعوامل الثبات بينهما : تبدو هذه العوامل في أن المضمون في الأغلب متشابه ولكن يختلف من حيث التضخيم أو الجانب الدعائي. فالسياسة المتبعة نحو إسرائيل ثابتة ولن تتغير، وطالما سعت كل الإدارات الأمريكية إلي تعزيز أمن إسرائيل في المنطقة وخدمة مصالحها، ويتم التضخيم في هذا الجانب في الفترات الانتخابية بهدف الحصول على دعم وتأييد اللوبي الصهيوني القوي والمؤثر في الداخل الأمريكي، كما أن السياسة نحو الحلفاء في المنطقة ربما كانت حذرة ولكنها لم تختلف في التنسيق على المستوى الكلي، أي أن التوجهات تكاد تكن متقاربة ولكن الفارق في الآلية التي سيتم بها تنفيذ هذه الاستراتيجية، وهو اختلاف مستقر أيضاً بين الإدارات الجمهورية والإدارات الديمقراطية. لأنه مهما كانت الاختلافات، ومع أهمية الدور الذي يقوم به الرئيس في النظام السياسي الأمريكي، إلا أنه تأتي أهمية التأكيد على أن السياسة الخارجية الأمريكية، تساهم في صناعتها وصياغتها مجموعة معقدة من المؤسسات، وتتنوع فيها الأدوار والتأثيرات، كما تتسم بالثبات الاستراتيجي، في ظل توجهات واضحة وأهداف محددة، وتظهر الاختلافات أحياناً في الإجراءات والأدوات، وفي بعض الأحيان في ترتيب الأولويات.
أما عوامل التغير بين ترامب وأوباما تتجلى في: 1ـ السمة العامة أو النزعة الأساسية التي يعمل من خلالها ترامب تعتمد على عقلية قومية بخلاف العقلية العالمية التي يستند إليها أوباما فترامب يمجد الدولة القومية ويعتبرها أساس التحرك في سياسته وأن المصالح القومية فوق كل اعتبار. و التعامل مع أوروبا يشهد تحولًا عن إدارة أوباما، فاستراتيجية أوباما في 2015 أكدت على ضرورة العمل مع الحلفاء في أوروبا ودعمهم بل أشارت إلى مساعدتهم فيما يتعلق بالتوسع الروسي وتأمين احتياجاتهم من الغاز والاحتياجات النفطية بدلا من الاعتماد على روسيا وذلك بتوفير تكنولوجيا الغاز الصخري “shell oil”، في المقابل يتبني ترامب لهجة حادة بصدد أوروبا وبصدد التعاون معهم وبصدد الإنفاق العسكري لأعضاء الناتو، وبالرغم من أن إثارة هذا الأمر ليس جديداً في أروقة صنع السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أن ما ذهب إليه ترامب يتجاوز التعامل السابق، بالرغم من أن هناك تعديلات في معدل الإنفاق مؤخرا يقارب الحد الذي تطلبه الولايات المتحدة. أما روسيا في إدارة أوباما لم تقابل بهذا الترحيب والرغبة في التعاون بشكل واسع بل وصل إلي فرض العقوبات والتعامل معها بشكل عدائي على خلفية أزمة أوكرانيا. ولم يتم بالتنسيق معها إلا في حدود الضرورة التي تحتم عليه التنسيق ولاسيما في الشأن السوري. و توجه ترامب نحو الشرق الأوسط أكثر ميلًا لإسرائيل ودول الخليج على عكس التوجه نحو إيران كما كان الوضع من إدارة أوباما. كما أن التعامل مع الحلفاء من الأنظمة في المنطقة ربما يكون أبرز في سياسة ترامب، بحيث يختلف فيه عن تأخر أوباما في تعاونه مع تلك الأنظمة كالنظام المصري على وجه الخصوص وعدم إظهار عداء مباشر لثورات الربيع العربي كما هو الحال مع ترامب. كما أن الموقف من القضية الفلسطينية في عهد أوباما، المعلن منها فقط، يعتبر مغايرا للموقف المعادي الذي أعلنه ترامب صراحة ورفضه للتسوية الفلسطينية الإسرائيلية.وتوجهات ترامب ضد تنظيم الدولة أكثر حدة وعنفا ورغبة في القضاء السريع بخلاف موقف أوباما الذي لم يتخذ خطوة عسكرية ضد التنظيم، وإن كانت سياسة أوباما قد حققت أهدافها فيما يتعلق بحماية المصالح الأمريكية في المنطقة. والإسلام السياسي حتى كمفهوم شهد تغيرا في خطاب ترامب. فأوباما كان يتعامل مع الإسلام السياسي بتعريف مستقل عن الإرهاب على خلاف ترامب الذي غالبا ما يجعلهم مترادفين. فأوباما لم يعادي كل تيارات الإسلام السياسي ويتعامل معها على أنها تنظيمات إرهابية أما ترامب فهو يُدين الإسلام السياسي ويتهم أوباما أنه ساند وصول الإخوان المسلمين للحكم. و يشهد الملف السوري عدة اختلافات بين توجهات ترامب، وسياسات أوباما، أولها فكرة التدخل العسكري، التي لم يقم بها أوباما ولكنه أعلن عنها في وقت من الأوقات، وهو ما يخالف موقف ترامب الذي يرفضها تماما ويري أنه يجب تركهم يحاربون بعضهم البعض دون تحمل أعباء تدخل عسكري. وثانيها، الموقف من بشار الأسد، فترامب ظهر أكثر وضوحًا بقبول الأسد وتفضيله على مشهد الفوضى الذي يخلفه وطالما أن الأسد يحارب تنظيم الدولة فهو لا يري ضرورة رحيله. وثالثها الموقف من التدخل الروسي في سوريا فهناك معارضة، على الأقل علنية، من قبل إدارة أوباما، لكن ترامب يبدو وكأنه مرحب بهذا التدخل في ظل أنه يحارب تنظيم الدولة ويخدم أهم أهدافه في سياسته نحو الشرق الأوسط.
[15] خالد حامد طاهر شنيكات، سياسة الولايات المتحدة اتجاه هيئة الأمم المتحدة 1990ـ 2004 ، أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة ، 2005، ص 416ـ 417.
[16] هيلاري كلينتون، الأمن في القرن الحادي والعشرين والفرص المتاحة فيه، ترجمة المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، شؤون خارجية نونبرـ دجنبر 2007.
[17] Stephen G.Brooks and William C.Wohlforth, Reshaping the World Order, Foreign Affairs, March/April 2009, Volume 88, Number 2.
[18] خالد حامد طاهر شنيكات، سياسة الولايات المتحدة اتجاه هيئة الأمم المتحدة 1990ـ 2004، مرجع سابق ص 419.
[19] د. سعيد اللاوندي، وفاة الأمم المتحدة، أزمة المنظمات الدولية في زمن الهيمنة الأمريكية، القاهرة، دار نهضة مصر العربية، سنة 2004، ص 276.
[20] جاك سابير، مدير الدراسات في المدرسة العليا الاجتماعية في باريس، وأستاذ في المدرسة الاقتصادية في موسكو.
[21] Jacques Sapir, Le Nouveau XXle siècle : Du Siècle « américain « au retour des nations (Paris : Seuil,2008) pp.192-230.
[22] د. فتيحة اليتيم، نحو إصلاح منظمة الأمم المتحدة لحفظ السلم والأمن الدوليين، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراه(90) الطبعة الأولى، أبريل 2011 ، ص 302.
[23] د.مغاورى شلبي علي، الولايات المتحدة …القيادة في عالم متغير…مرجع سابق، ص 86.
[24] يوسف عنتار، الهيمنة في النظام الدولي، أية قيود؟ مجلة الدولية، محور العدد النظام الدولي بين القانون والممارسة، العدد 4، سنة 2008، ص 20.
[25] شلبي سيد أمين، الولايات المتحدة : صعود أم انحدار ؟، السياسة الدولية العدد 173، يونيو 2008.
[26] Kenneth N.Waltz Evaluating theories, American political science review, vol 91, no 4, December,1997, p .915.
[27] Bertrand Badie, Qui a Peur du XXle siècle: Le Nouveau système international (Paris :La Découverte, 2006),P.184.
[28] د. حسن أبو طالب، هل يتجه النظام الدولي نحو التعددية القطبية؟ السياسة الدولية العدد 161، يوليو 2005، ص 196.
[29] د. عبد المنعم المشاط، النظام الدولي والتحول إلى التعددية التوافقية، السياسة الدولية، العدد 178، أكتوبر 2009، المجلد 44، ص 47.
[30] ميشال نوفل، عالم جديد متعدد الأقطاب، شئون الأوسط، العدد 70، بيروت، مارس 1998، ص 4 ـ 6.
[31] G.John Ikenberry ; « the Rise of China and the Future of the West : Can the Liberal System Survive ?, »Foreign Affairs (January-February 2008).
[32] د. ناصر مسعد علي البسارة، حق الاعتراض(الفيتوVeto) في مجلس الأمن الدولي في ظل النظام العالمي الجديد، مرجع سابق، ص 209.