المشتـــرك المعنــــــــوي في اللغة القانونية La Polysémie

المشتـــرك المعنــــــــوي في اللغة القانونية
 La Polysémie*

إفو بيترو[1]
جامعة بوهيميا الجنوبية، جمهورية التشيك

ترجمة: محمد همام

أستاذ بكلية العلوم القانونية

والاقتصادية والاجتماعية، أيت ملول

جامعة ابن زهر، أكادير، المغرب

مقدمة:

اشتهرت إشكالية المشترك المعنوي Polysémie La عند كل المتخصصين في اللغة، سواء كانوا لسانيين، أو أساتذة، أو مترجمين، أو مصطلحيين، أو معجميين. إنه أمر واضح أن يظهر هذا المشكل حتى في المجالات الأبعد عن القانون.

وعليه، فإن القانونيين يهتمون أيضا بظاهرة تعدد المعاني، وتثيرهم النتائج التطبيقية للظاهرة، أكثر من السؤال النظري، توصيفا وترتيبا وتوظيفا. ويعرض المشترك المعنوي للقانونيين، عند تحرير النصوص القانونية، خاصة التشريعية، وعلى الخصوص، عند محاولتهم توضيح النصوص التشريعية المعدة، وتجاوز حالات الغموض المفترضة فيها.

ويعتبر المجهود الذي قدمه جيرار كورني، أهم الدراسات التحليلية المرتبطة بموضوع (المشترك المعنوي) (La Polysémie)، والتي تم تطبيقها على (لغة التخصص)؛ وفي هذه الحالة على (لغة القانون)، في كتابه (اللسانيات القانونية)[2]؛ فقد طور، من بين أشياء كثيرة، ما استفاده عن ظاهرة المشترك المعنوي عند إعداده لكتابه الرائع (المعجم القانوني للفرنسية المعاصرة) (Vocabulaire Juridique Français contemporain )[3]. وقد ظهر لأول مرة سنة 1987، بعد عمل إعدادي دام خمس عشرة سنة.

سنحاول، في هذه المقالة، عرض بعض ملاحظاته حول هذه الحقيقة اللغوية، وسنركز على الخصوص، على إشكالية معالجة (المشترك المعنوي) التي تهدف إلى إزالة الغموض من المعجم القانوني المعني؟

وسنقدم مثالا ملموسا من القانون التشيكي، وهو الهدف المركزي لهذه المقالة؛ أي كيف تشتغل المعالجات التشريعية للمشترك المعنوي.

وبعد أن نقدم تلخيصا تذكيريا متعلقا بالنظرية العامة للمشترك المعنوي، سنقدم ملخصا تفصيليا لنظرية كورني المتعلقة بهذه الظاهرة ضمن اللغة القانونية، للوصول لدراسة الحالة المعلنة في عنوان هذه المقالة. سنذكر في البداية، بإيجاز، المنهجيتين الممكنتين لمعالجة المشترك المعنوي المتعلق بالمعجم القانوني، كما أوضحها كورني؛ أي المعالجة التشريعية المعمول بها عند تحرير نصوص القانون، ودور المعالجة المعجمية التي تدخل في المعادلة عند إنشاء التشريع. وفي الأخير، سنحاول عرض مثال ملموس، كما أشير إليه في البداية، لإزالة الغموض في المصطلح المتعلق بالقانون المدني التشيكي.

 

1- ملاحظات تمهيدية ومنهجية

يمثل جيرار كورني، بدون شك، الوجه الرمزي للسانيات القانونية الفرنكفونية، Linguistique juridique، أو لسانيات القانون (Jurilinguistique) في الترجمة الكندية؛ أستاذ القانون المدني في جامعة بواتي، وفي جامعة باريس II، (بانتيون أساس). كان عضوا في المجلس الأعلى للسلطة القضائية الفرنسي الدراسات المختلطة (أو المتدخلة) للظواهر ذات الارتباطات الوثيقة، أثناء إعداده لكتابه حول (المعجم القانوني) (Vocabulaire juridique)، كما أشير إليه سابقا، ومن خلال عمله في مراجعة قانون المسطرة المدنية. من هنا نصل إلى بحث العلاقة بين القانون واللغة. وكان كتابه (اللسانيات القانونية) (Linguistique juridique)، الذي صدرت طبعته الأولى سنة 1990، ثمرة هذا الميل الذي يسكنه، وسيكون هذا الكتاب الأخير هو المصدر الرئيس لهذه الدراسة.

إن المصطلحات القانونية الملموسة التي لها علاقة بموضوع دراستنا الذي التزمنا به، وأيضا تلك التي تتكرر طيلة التفكير في الموضوع أمر مهم جدا. لذلك، وفي إطار القلق العلمي، سنقتبس الكثير من كتاب (اللسانيات القانونية) الذي يحتوي على مجموعة من الملاحظات النظرية، وليس فقط الأمثلة، وهذا أمر أكثر تقنية في بعض الحالات، يتم تطبيقها بطريقة تفصيلية في كتاب (المعجم القانوني) (Vocabulaire juridique)، المذكور سلفا.

وسنستعمل التقنية نفسها، مع الإغفال المتعمد للاقتباسات، في المرحلة التطبيقية والمتعلقة بعرض المناهج المستعملة في عملية إزالة الغموض والالتباس من القانون المدني التشيكي؛ إذ هذه المرحلة، ستكون فيها المصطلحات المذكورة، على سبيل التمثيل، مأخوذة من القانون المدني الجديد.

 

2- مقدمة في المشترك المعنوي (La Polysémie)

تمت معالجة (المشترك المعنوي) في فرنسا[4]، من بين أمور أخرى، في زمن ميشال بريال (Michel Bréal)[5]، في نهاية القرن التاسع عشر، وكان تلامذته كثر من بين اللسانيين بمختلف مدارسهم النظرية؛ يمكن تصنيفهم بشكل مبسط في تيارين أساسيين: (تيار موضوعي)، (Objectiviste)، و(تيار بنائي) (Constructiviste)، بناء على العلاقة التي يؤسسونها بين (المعنى) (Signification) و(المرجع) (Référence). ويناسب التيار الأول الخط الأرسطي كما يستمد إلهامه من فلاسفة اللغة؛ مثل: جون سيرل[6] (J. Searle). ويقعد نظرته ل (لمشترك المعنوي) إذن، على الدلالة/ المعنى خارج اللساني (Extralinguistique). كما يمكن إدراج ميشال بريال (Michel Bréal) وآخرين، من الدلاليين الكلاسيكيين، في هذا التيار؛ مثل: (ر. مارتان) (R. Martin)[7]، وج بيكوش (J. Picoche).[8]

وأما التيار الثاني، وهو المتوقع بالفعل، من خلال: و. كوزوري (E. Coseriu)[9]، أو أ. ج. غريماس (A.J. Greimas)[10]. ويمثله في الآونة الأخيرة، ب. فيكتوري (B. Victorri)[11] أو م.ل هونسيت، (M.L. Honeste)[12]، ويدرس هذا التيار المشترك المعنوي في علاقة بإمكاناته الدلالية داخل حقله المرجعي.

وليست أهداف هذه الدراسة محددة في تعداد المقاربات النظرية ل (المشترك المعنوي)، ولا في شرحها، ولا في تعداد أنصارها[13]؛ فمهما كانت تعريفات (المشترك المعنوي) وتصنيفاته، في مختلف النظريات اللسانية، فإننا نتقدم لنقول بأن مختلف المنظرين يتفقون على ترسيم حدود الموضوع تقريبا. وفي الواقع يمكن القبض على الموضوع، بطريقة حدسية، وفهمه باعتباره “مجالا لعلامة لسانية ذات معان متعددة”[14]. ونستطيع تمييز التعريف بشكل أدق عبر شرطين يساعدان على رسم مسار (المشترك المعنوي)، من خلال أطروحة كليبر، (G. K Leiber)[15].

المسار الأول: تعدد المعنى المرتبط بلفظ واحد.

المسار الثاني: معاني لا تظهر منفصلة تماما، ولكنها تظهر متحدة في هذه العلاقة أو تلك.

إن جمع هذه الشرطين/المسارين، يساعد الباحثين على تمييز (المشترك المعنوي) في علاقته بهذين (المنافسين) المتكاملين:

في المقام الأول: تعدد المعنى المرتبط بلفظ واحد يعطي التمييز بين (المشترك المعنوي) (La Polysémie)، وبين اللفظ ذي المعنى الواحد (La Monosémie) مع تغيرات سياقية.

في المقام الثاني: توجد بعض العلاقات الدلالية بين مختلف المعاني المحتملة ل (المشترك المعنوي)، تساعد على تمييزه عن (المترادف).

وهكذا، فإن تعريف (المشترك المعنوي) لا يجب أن يحسب على المعاجم المتخصصة التي تتميز بالتعبير المعنوي الواحد على اللفظ الواحد، أو بالمبدأ المنطقي الذي يقول: كل وظيفة نحوية يعبر عنها بعلامة واحدة، أي ضبط النحو بالمنطق. وهو على الأقل، ما تدعو إليه النظرية الكلاسيكية في علم المصطلح، عبر مؤسسها أوغن فيستر (Eugene Wuster)، والذي تبنى مقاربة دلالية تنطلق من الفكرة والمفهوم، لدراسة مختلف التعابير داخل لغة من اللغات، أو ما يسمى ب (approche onomosiologique)، وهي مقاربة معروفة من اللغات المتخصصة. ونجد بعض الاتجاهات المماثلة لهذه المقاربة عند متخصصين محدثين آخرين في المجال، والذين ينطلقون من أن: {الوحدة المصطلحية هي التسمية الدقيقة لأية فكرة أو مفهوم}[16]. ولكن، إذا أخذنا برأي كورني، فإن تحليل المعجم القانوني يساعدنا على استخلاص نتائج مخالفة جذريا بل ومتضادة.

3- نظرية كورني في (المشترك المعنوي) (La Polysémie):

ينبغي، قبل معالجة تحليل كورني لـ(المشترك المعنوي)، عرض فهمه، بشكل مختصر، للغة القانون، وكذا لمعجمها، بشكل عام.

1.3. اللغة القانونية:

شيء واضح أن لغة القانون الفرنسي تنتمي إلى الصنف الذي نسميه عادة ب (لغة التخصص)، في المعنى الذي تشمله التعريف الموحد 1987[17]، والذي جاء فيه: “النسق الفرعي اللساني الذي يستعمل مصطلحات ووسائل لسانية أخرى، ويستهدف إزالة الغموض من عملية التواصل في مجال خاص”. فهي إذن، ليست لغة منفصلة أو بعيدة، بل هي جزء من اللغات الطبيعية، ذات خصائص متعددة. وقد طرح هذه الخاصية المركبة ب. لورا، وج، Sourioux، (P. Lerat, et J. Sourioux)[18]، والذين ينظرون إليها باعتبارها “طريقة خاصة في التعبير؛ هي خليط من ظواهر اللغة المتداولة، وظواهر خارجية عنها”.

وتظهر هذه الخصائص المحددة، عند مقارنتها باللغة العامة على مستوى المضمون، (المعجم أولا، وكذلك النحو)، وبدرجة أقل، على مستوى الشكل (التعبير والكتابة). وقد أكد ج.س جيمار (J.C Gémar) أن هذه الخصائص تخلق من لغة القانون حالة خاصة داخل اللغات المتخصصة؛ أي أن “اللغة القانونية من بين اللغات المتخصصة الأكثر تعقيدا؛ وتكونها العناصر الآتية: المعنى، والتركيب، والمعجم، والأسلوب. ويعتبر المكون الأول الأصعب على الاختراق”[19]. إن الطابع المحكم للغة القانونية، هو الرافد الأساس للكثير من (المشترك المعنوي) الذي يملأ قاموسها، والذي يتطلب، من أجل إتقانها، مستوى عاليا من المعرفة القانونية. وفي الواقع، فإن اللغة المتخصصة المعبرة عن القواعد القانونية هي “لغة فرعية داخل اللغة العامة (…) مرتبطة، وظيفيا، بعملية تعيين الوقائع القانونية (…) اعتمادا على الخبرة التكميلية”، كما لاحظه بحق م. توماسيك[20].

ويكتفي كورنـي [21] بملاحظته أن اللغة القانونية هي “الاستعمال الخاص للغة العامة…”، وميزتها الأساسية هي: درجتها القانونية، أو قانونيتها، والتي تنعكس على مكونيها الأساسيين وهما: مفردات القاموس ويحققها في الكلام، والخطاب القانوني.

2.3. المعجم القانوني الفرنسي:

يرى كورني [22] أن هذه المجموعة المعجمية تتكون من حوالي عشرة آلاف (10.000) مفردة بسيطة، أو مركبة، لها معنى واحد أو معان كثيرة داخل القانون. كما يذهب إلى أن هذه النوعية من المفردات، ودرجة قانونيتها، أمر أساسي، من أجل ترسيم حدود المصطلحات القانونية داخل مجموع كلمات لغة طبيعية ما.

ومن بين عشرة آلاف كلمة المذكورة، باعتبارها مصطلحات قانونية، لا يوجد إلا حوالي أربعمائة (400) مصطلح تنتمي حصريا إلى القانون؛ أي مصطلحات ليس لها إلا معنى قانونيا.[23] يتعلق الأمر، إذن، بمفردة ذات معنى محدد ووحيد، ويتم توظيفها خاصة في الحقول المعجمية للنظرية العامة في القانون، مثل: (قابلية التصرف من عدمها) (in/aliénabilité)، و(قانوني وغير قانوني) (il/ licite)، و(وكالة) (Procuration)، و(غيابيا) (Contumace)، و(أمين المظالم) (Ombudsman). وفي الحقول المعجمية للعدالة مثل: (كاتب المحكمة) (Greffier)، و(المدعى عليه) (intimé)، و(السلطة القضائية) (judiciaire)، و(مناشدة) (Pourvoi)، ومحكمة العمل (Prud’hommes)…

كما يمكن أن نجد هذه المصطلحات في حقول فرعية أخرى، مثل: القانون العقاري؛ مثل: (Comourant) وثلاثي الأبعاد (Olographe)، و(الوصي) (Testateur)… وفي (قانون الائتمان)؛ مثل: (الوديعة) (Cautionnement)، و(ترتيب الدائنين في توزيع قيمة الدين عليهم) (Collocation)، و(الائتمان والتأجير) (Crédit-bail)، و(الرهن العقاري) (Hypothèque)… أو في قانون العقود؛ مثل: (الدائن والمدين) (Créancies et débiteur) و(المانح) (Bailleur)، و(الإيجار) (Loyer)…

ونجد، على العكس من هذا، أن المصطلحات القانونية الأخرى، وهي الأغلبية الساحقة، مصطلحات ذات انتماء مزدوج؛ أي لها، على الأقل، معنى قانوني، ولكن، لها أيضا، على الأقل، معنى آخر غير قانوني، وهذا ما يسميه كورني ب: المشترك المعنوي الخارجي[24].

3.3. المشترك المعنوي الخارجي:

يميز كورني بين مجموعتين كبيرتين ضمن هذا النوع؛ أي المشترك المعنوي الخارجي.

  • مصطلحات ذات انتماء قانوني أساسي.
  • مصطلحات ذات معنى خارج قانوني.

تكون المجموعة الأولى مفردات أساسية للقانون، نشأت في رحمه، ومن أجل تلبية حاجياته، ولكنها تطورت أيضا خارج حقل القانون، مثل (حق) و(عدالة)، و(قانون)، و(قاعدة)، و(حكومة)، و(تراث)، و(قاضي)، و(يحكم)، و(محكمة)، و(عقد)، و(دين)، و(أداء)، و(وصية)، و(ضمانة)، و(أصول)، و(تركة)، و(طلاق)، و(جنحة)…

في حين نجد مصطلحات المجموعة الثانية قد استعارها المعجم القانوني من المعجم العام، وأعطاها دلالات خاصة في القانون، ومن زاوية التعريف القانوني؛ دائما.

إن هذه الدلالات القانونية لهذه الكلمات النابعة من اللغة المتداولة ترجح على نطاق العلاقات الدلالية، على حساب الهوية المطلقة لمعاني هذه الألفاظ؛ مثل (ملاحظة)، (Constat/er)، و(مراجعة)، (Examen/iner)، و(حجة)، (Artgument/er)، و(احتمال)، (Probabilité/ Probable)، و(نتيجة)، (Conséquence)… مرورا بالتغيرات التي تحدث فيها بناء على مجموعة من الأشكال الأسلوبية مثل: الاستعارة،[25] (مقعد)، (Siège)، و(النيابة العامة)، (Parquet)، و(شريط)، (Barreau)، و(عين)، (Source)، و(فرع)، (Branche)، و(طريق)، (Voie)، و(دعوى)، (Appel)…

أو مثل: الكناية[26] (Métonymie)، في الكلمات الآتية: (رأس)، (Tête)، و(صوت)، (Voix)، و(طبق)، (assiette)، و(انتزاع)، (saisir)، إلى حدود القطيعة الدلالية الكاملة، كأنها صداقة كاذبة أو مغلوطة، كما هو الحال في (فاكهة، سائل…) أو المصطلحات التي نجد قبولها القانوني خارجا ومغايرا عن دلالتها العادية، مثل: ارتباك (Confusion)، ودقيقة (Minute)، وإجمالي (Grosse)، واستسلم، (Succomber)…

ويذهب كورني [27] إلى أن ظاهرة (المشترك المعنوي) لا يمكن تجنبها. وتبقى المجهودات البحثية الساعية إلى إقصائها وحذفها من المعجم القانوني تافهة، لأن هذه الظاهرة من خصائص أية لغة طبيعية ومن مميزاتها. وبما أن “عدد الدلالات (Signifiés)، بدون مقارنة، أكبر بكثير من عدد الدوال (Signifiants)، وفي القانون، فإن مخزون المصطلحات القانونية محدود، فيما الإبداع الفكري غير محدود”.

4.3. المشترك المعنوي الداخلي:

وإذا كان هذا كله صحيحا بالنسبة لهذا النوع من المشترك المعنوي الداخلي؛ أي: “امتلاك المصطلح الواحد، على الأقل، معنيين قانونيين محتملين”[28]. فإنه ظاهرة نموذجية لا يمكن تفاديها في المعجم القانوني. وبحسب كورني، فإن المشترك المعنوي الداخلي، أي داخل القانون، له أهمية أساسية سواء على المستوى الكمي أو الكيفي؛ ففي الواقع، يمثل أكثر من ثلثي الكلمات المستعملة في لغة القانون[29]. ويؤثر على المصطلحات الأكثر تمثيلية في هذه اللغة القانونية؛ بدءا من مصطلح (القانون) نفسه، (Droit)؛ فالمعجم القانوني يذكر له سبعة أنواع مختلفة من التعريف القانوني، وهذه الأنواع تعرف عشرات الاحتمالات الدلالية والسياقية.

ولم يكتف كورني بهذا التقدير الأساسي، بل عمق أبحاثه التحليلية على مستويي، الأهمية والجودة؛ فقد ركز أولا على عد المعاني الممكنة لبعض المصطلحات المختارة، مع التأكيد على أن تعددية المعاني لكلمة واحدة، أو الكلمات ذات المعنى المزدوج، هي الأشكال الأكثر انتشارا من المشترك المعنوي، مما يؤدي إلى تعددية غير متوقعة من المعاني القانونية لبعض الصفات. ويؤكد كورني أن الكلمة (البطل) في هذا السياق، هي صفة (حر) (Libre)؛ إذ لها تسعة عشر (19) دلالة[30]، كما يشيد بتنوع العلاقات الاستثنائية بين مختلف الاحتمالات الدلالية للكلمة الواحدة في ما بينها. واقترح كورني، من زاوية النظر هذه، تصنيفا نموذجيا للمشترك المعنوي الداخلي.

فهو يتحدث، من جهة، عن مشترك معنوي متناسق يميزه الانسجام الدلالي بين المعاني، ويتحدث من جهة أخرى عن مشترك معنوي مضطرب جاء صدفة[31]. ويفرق كورني في النوع الأول، أي المشترك المعنوي المتناسق بشكل دقيق، بين مشترك معنوي متحد الجذر من حيث الاشتقاق، مثل (Conseil)، (مجلس)؛ فهو يعني: رأي (Avis)، أو شخص (Personne) أو مكان (Lieu)، أو غيره… وبين مشترك معنوي تكميلي؛ مثل: مصطلح: (d’Objet) موضوع؛ في معنى ملموس مثل (Objet corporel) (موضوع عيني)، بالمقارنة مع (Objet) في معنى مجرد، في خضم عملية قانونية، مثل: (موضوع العقد) (Objet d’un contrat)، وبين مشترك معنوي يستوعب مختلف الجوانب الدلالية بدءا من التطبيقات المماثلة؛ مثل: مصطلح قوة (Force)، باعتبارها قيدا، في: (قوة قاهرة) (Force majeure)، وباعتبارها قيمة في: (قوة القرار المقضي به) (Force de chose jugée)، إلى الجوانب المتناقضة، مثل: مصطلح (قوة)، من الناحية القانونية في (البيع القسري) ضد (القوة) غير القانونية في الموافقة القسرية.

ويميز كورني في النوع الثاني من المشترك المعنوي، أي مشترك (معنوي مضطرب) أو فوضوي (Chaotique)، بين (المشترك المعنوي المتجاور والقريب)؛ مثل مصطلح (سبب) (Cause)، في تعبير: سبب الضرر، (Cause du Dommage)، وسبب العقد، (Cause du Contrat)، وسبب البطلان (Cause de Nullité)، وبين المشترك المعنوي المتداخل؛ مثل مصطلح فعل (Action)، ويعني في البعد المجرد للقانون، اتخاذ الإجراءات القانونية، كما يعني أيضا تقديم طلب إلى المحكمة، وقد يعني جميع المساطر المتبعة، وبين مشترك معنوي تحسيني (de raffinement)، مثل مصطلح (موافقة/قبول) (Consentement)، بمعنى اتفاق الإرادات، وتوافق الآراء، ولكن في هذا الاتفاق، فإن إرادة كل طرف متعاقد هي مجرد هيكل لإرادة القابل الموافق، وهي الأكثر وفرة ووجودا، من حيث النموذجية، أو من حيث الصفات، مثل مصطلح (حر) المشار إليه سلفا.

4- معالجات ممكنة للمشترك المعنوي:

رغم أن بعض المنظرين يعلنون أن المشترك المعنوي مجرد حادث سير لغوي[32]، فإن آخرين مثل بريال Bréal، وكما لاحظنا مع كورني من بين آخرين، يرون أن المشترك المعنوي حقيقة لغوية مؤكدة وغير قابلة للجدل. لذلك، يبدو، من وجهة نظرنا، عبث كل المحاولات البحثية لإقصاء هذه الظاهرة اللغوية. وتمتلك هذه الاتجاهات المتكررة إلى حد ما في اللغة القانونية شيئا من المشروعية في حد ذاتها. وفي الواقع، فإن اللغات المتخصصة، من حيث تعريفها الطبيعي، هي اللغات المستعملة من طرف مجموعة صغيرة من المتخصصين، ومن طرف تلامذتهم وأتباعهم للتواصل بينهم، وهذا لا ينطبق بحال من الأحوال على لغة القانون.

وعلى العكس من ذلك، فرغم وجود لغة تقنية بامتياز، وهي مشهورة، فإن لغة التعبير عن القواعد القانونية المطبقة على الجميع موجهة إلى جمهور واسع قدر الإمكان.ولكن الاستعمال السيء لهذه اللغة الملزمة قد يسبب في آثار تتجاوز بكثير إطار التواصل اللساني، لأنها قد تنتج آثارا قانونية، وقد تكون معاكسة حتى للجاني، وعليه. وبما أن المشترك المعنوي، بما هو مصدر حتمي لا يمكن تلافيه من مصادر الخلط والاضطراب المنتج للأخطاء ثم بعدها النزاعات، يحد بشكل معتبر عملية الوصول العام والمفترض إلى المعجم القانوني. ولكن التوجه ليس من أجل إبعاد المشترك المعنوي، ولكن لإزالة الغموض من هذا القاموس المتخصص والشرعي.

ولكي تكون إزالة الغموض من النص القانوني فعالة، ينبغي التدخل منذ البداية؛ أي عند صياغة النصوص القانونية، واختيار معجم مناسب؛ فعلى المستوى النظري، فالكلمات المختارة ينبغي أن يكون لها معنى ثابت، بأكثر دقة ممكنة، وبشكل مثالي، أي معنى واحد، في الاستعمالات المختلفة، وإلا، فعند صياغة نصوص قانونية تحمل غموضا من البداية، وتصبح عملية المعالجة محدودة، وفي هذه الحالة ليس هناك بديل لتحديد المعاني المتعددة التي انفلتت من مجهودات التدقيق منذ البداية، ومن تحديد المعنى الثابت، الذي يجب الاكتفاء به. وهذا هو لب عمل (المعجمية) أو (علم المعجم).

وعليه، وفي ما يتعلق بمستويي إزالة الغموض، سنهتم أولا بالمعالجة التشريعية للمشترك المعنوي، لنمر ثانيا إلى المعالجة المعجمية.

1.4. المعالجة التشريعية للمشترك المعنوي

إن المشرع هو الذي يملك الوسائل الفعالة لمعالجة المشترك المعنوي على مستوى التعريف القانوني في المقام الأول؛ فالقدرة على فرض معنى واحد إجباري خاص ب (كلمة متعددة المعاني)، تعتبر في يد المشرع “سلاحا تدميريا ثقيلا للمشترك المعنوي”. ولكن، وبما أن حمل هذه الوسيلة يكون لأغراض محددة، خاصة وأن “المفاهيم ذات الأشكال والخصائص هي التي تستحق الاستثمار والإدماج في هذا المستوى”[33]، فالأمر يتطلب من المشرع استخدامها باعتدال.

ويمكن أن يلجأ المشرع بطريقة مماثلة، ومن أجل توضيح الغموض، إلى توليد كلمات جديدة، وهو وسيلة فعالة جدا لمحاربة المشترك المعنوي. ويتوقف هذا بنظر كورني، على “غمس الحقيقة القانونية، أو إعادة غمسها، في الاسم الجديد”[34]. وتأخذ هذه الطريقة، دوما، شكل إبداع الكلمات المركبة التي تشكل الكثرة من المفردات القانونية، ولكنها طريقة مهما كانت فعالة، فإنها محدودة خاصة من ناحية الثبات والتحول؛ ذلك أن القانون يتطور باستمرار، ولا نستطيع متابعة هذا التطور مهما استعملنا المفردات الجديدة، ثم إن حضوره المكثف يضر بقيمة أساسية للغة القانونية؛ أي وضوحها المفترض. إن ابتكار المفردات الجديدة، ليس إلا “وسيلة استشعار دون توسيع المشترك المعنوي، وليس وسيلة لتقليص الموجود منه”[35].

ويتطلب الطريق الثالث، من ناحية أخرى، أي الانضباط في استعمال كلمات ذات معنى واحد محدد سلفا، بدون مشاكل في الزمن، أو في الشكل، يتطلب اعتماد القاعدة الذهبية التي تقود المشرع في عمله المهني، وهي الانضباط لقواعد الكتابة ليس فقط في القانون بل في كل المجالات.

4-2 المعالجة المعجمية للمشترك المعنوي:

بما أن المشرع نفسه لا يستطيع تطبيق مجال المشترك المعنوي في المعجم القانوني إلا بشكل جزئي، يبقى المجال واسعا للمعجمي لمعالجة الموضوع بهدف إزالة الغموض عنه وتوضيحه. وتعتبر مهمته أهم من كل الأعمال المساعدة التي يمكن أن يقوم بها بعده مستعملو الصفة سواء كانوا قانونيين ولسانيين معا، أو قل المهتمين العاديين.

ويؤكد كورني، على غرار (فوجلاس) [36](Vaugelas) على الاستعمال باعتباره مبدأ مفتاحا لمهمة المعجمي؛ فالعمل يتوقف أولا على جرد المعاني المتعددة للاسم الواحد، ثم ترتيبها، وعدم الاعتماد إلا عليها. إن الجرد يساعد دائما على تجاوز خطر الاتهام بالذاتية، ويجب أن يتم داخل مصادر موثوقة؛ ولكن ما هي؟ إن هذه الألغاز المعتادة عند اختيار المعجميين تظهر بشكل بسيط في مجال المعجم القانوني، لأنه لا يغرف إلا من المصادر القانونية. وتبدأ المدونات المعجمية للمشترك المعنوي بالتحديد، وبتمييزه في المقام الأول عن الكلمات المتجانسة[37] (Homonymie).

ويقترح المنظرون، لتحقيق ذلك، مناهج تقوم على الدراسة الاشتقاقية التقليدية لمختلف الاختبارات المنطقية، ونحن لن نطيل في وصفها، ومع ذلك سنلتزم في بداية الدراسة التطبيقية بتوضيح معجم القانون المدني التشيكي.

5- معالجة المشترك المعنوي في القانون المدني التشيكي الجديد:

سنرى لاحقاً مثالا جيداً لطرق المعالجة السابقة للمشترك المعنوي في الجمهورية التشيكية في القانون المدني الجديد[38]؛ عرف هذا المنبع القانوني المهم في الحياة وفي كل الأيام إعادة صياغة في النسخة الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2014م. وظلت النسخة القديمة التي يرجع تاريخها إلى العهد الشيوعي 1964م، مرتبطة بهذه المرجعية، وتعكسها من حيث المصطلحات، ومن حيث القاعدة والإطار الأيديولوجيين اللذين نشأت فيهما، وكانت عشرات التعديلات الفوضوية إلى حد ما، قد أتت بعد تغيير النظام السياسي سنة 1989م، مما يستدعي نسخة جديدة وعامة. هذه النتيجة قد تبدو واضحة وصالحة على المستوى القانوني، ولكن أيضا على المستوى اللساني؛ نظراً لأن التعديلات المذكورة أعلاه، تفتقد إلى روح التماسك العضوي والمنهجي والنسقي للمصطلحات المستعملة للتعبير عن القانون.

وأصبحت مختلف تقنيات المعالجة التشريعية لمفردات المشترك المعنوي، من ذلك الوقت، توظف من قبل مُعدي القانون الجديد؛ وقد تجمعوا حول الأستاذ كاريل إلياس (Karel Eliáš)، وأعلنوا بصراحة في تقريرهم عن مشروع القانون إرادتهم لتجنب استعمال المشترك المعنوي، أو المشترك اللفظي. وسنحاول اكتشاف التقنيات التشريعية الثلاث لإزالة الغموض عن المعجم القانوني، والتي تم الحديث عنها سلفا، والمستعملة في القانون المدني الجديد. بالرغم من أنهم لم يحددوا طرق ذلك.

5-1 التعريف القانوني

إن التعريف القانوني هو المنهجية المضيئة في القانون الجديد؛ ولإبراز تمظهراته المتكررة يمكن تمييز مجموعة من الأنواع والحالات. نبدأ بعملية ترسيم حدود المعاني القانونية للكلمات الموجودة مسبقاً في مختلف المعاني دون تعريف قانوني؛ من الكلمات المألوفة وهي كثيرة؛ مثل: (ملكية) (bien) (věc)، إلى المصطلحات الأكثر تقنية، مثل: (قيمة منقولة) (valeur mobilière) ((cenný papír، أو (حق ارتفاق) (Servitude) (Sluzěbnost).

وقد جدَّد مبدعو القانون المدني بشكل تشريعي بعض الأنواع من هذه الكلمات والتي تستعمل حصراً داخل النظرية القانونية، وليس داخل القانون؛ فبالنسبة لكلمة (ملكية) (Bien) مثلاً، فالقانون المدني يستعمل اليوم (věci) (hmotné)؛ أي مادي، و(nehmotné)، أي غير مادي، و(Zastupitelné)، أي ممكن استبداله، و(ZuŽivatelné) أي: قابل للاستهلاك، أو (hromodné)، أي: جماعي.

ويمكن ترتيب التحديدات أو التعديلات المتعلقة بالتعريفات القانونية التشريعية الموجودة في نوع آخر، مثل: (podni katel) أي: مقاول. ويكون هذا النوع دقيقاً، ويمكن الوقوف على الاختلافات، بناء على البعد الدلالي بين التعريف الجديد في علاقته بالتعريف القديم، وعندما تكون المسافة حساسة وقريبة فإن المشرِّع يتجاوز تغيير المصطلح إلى إعادة بناء نموذج آخر للمصطلح، مثل مفهوم: (مقاولة) التي كان يعبر عنها سابقا بمصطلح (podnik)، وتم تغييره حاليا بمصطلح (Závod)؛ أي مؤسسة. مثال آخر يتعلق بالحالة التي يكون فيها الاختلاف الدلالي بين المصطلحين قابلاً للتحكم والإدراك بسهولة، مثل مفهوم (الإسم الأول) الذي كان يعينه القانون السابق
كالآتي: (Krěstni jméno)، أي: الإسم الأول، وتم تغييره ب:(osobni jméno)؛ أي: الإسم الشخصي.

ومع ذلك، فإن العملية لا تحترم دائماً، والنتيجة أن النوع الآخر المعكوس يكون حاضراً، ويمكن معرفة هذا التجميع بين الحالات عندما يتم تعيين تسمية جديدة لمفهوم قانوني قديم دون تعديل دلالي واضح المعالم وبارز؛ مثلا: المفهوم الأساسي ل(العقد القانوني)؛ فالقانون المدني التشيكي اختار النموذج الجديد لـ (Právni jednáni)؛ أي: (الإجراءات القانونية) عوض: (právni úkon)، أي: (عقد قانوني). ويمكن ملاحظة الظاهرة نفسها؛ أي تغيير التسميات، وهي غير مفهومة كثيراً وغير مبررة، بالنسبة لعدد آخر من المفاهيم؛ مثل: مفهوم (جمعية مدنية)، ويعبر عنها في التشيك، قديماً بمصطلح (obcǎnské SdruŽeni)، ضد مصطلح (Spolek)؛ أي: نقابة في القانون اليوم.

ونجد بعض التعديلات لا تكون واضحة جدا، ولو على مستوى الشكل؛ مثل تعويض مصطلح (nepominutelnýdědic)، أي: (الوارث) ويعني في أصله: لا بديل له. بمصطلح: (nepominutelnýdědic)، أي: (الوريث الشرعي)، ويعني في أصله: لا وصف له.

5-2 التوليد المُعجمي

إن هذا النوع الأخير من التعريفات التشريعية المبتكرة يقودنا مباشرة إلى الطريقة الثانية التي أوصى بها كورني، وهي: التوليد. ولنكن واضحين، فإن الأغلبية المطلقة من المصطلحات الجديدة ليست موَلَّدة وجديدة بالمعنى الدقيق للكلمة؛ إنها جديدة فقط بالنسبة للقانون التشيكي. كما يمكن تحديد مجموعة لبعض الأمثلة من مختلف الأنواع والمنهجيات السابقة؛ فمثلا: الأسماء التي تعبر عن الأطراف في عقد الشفعة (prědkupnik) أي: معاملة، أو تعبير (SvěrěnsKyfond) أي: (الصندوق الاستئماني)، والذي تم إدخاله في القانون التشيكي باعتباره مصطلحا قانونيا جديداً، وهو يعود إلى إدارة الأوقاف والممتلكات كما عند آخرين؛ مثل النموذج الأنجلو أمريكي (ائتمان) (Trust)، والنموذج الفرنسي (Fiducie) أي (ثقة).

ونجد المشرع يلجأ في مجمل أنواع المعالجات، إلى نوع من توليد المفردات والمصطلحات الجديدة على مستوى القانون لتعيين مفاهيم قانونية جديدة غير معروفة في القانون التشيكي إلى حدود الآن؛ مثل: (nezbytnácesta)؛ أي (ممر ضروري)،
أو (újma za narušeni dovolenté)؛ أي (أضرار فقدان رخصة العطلة).

وينبغي أن نشير، في هذا السياق، للإفادة، أن الكثير من المصطلحات ليست بالضرورة من نوع المشترك المعنوي، وهي تظهر للوهلة الأولى أنها أصيلة بالنسبة لباحث معاصر، ولكنها في الحقيقة كلمات دخلت إلى القاموس التشريعي بعد سنوات من الغياب.

وفي الواقع، فإن هذه الكلمات تبدو قديمة اليوم مثل: (Pacht)، أي: (عقد إيجار أرض زراعية)، و (Výměnek)، أي (عقد بيع) أو (roz hrody)، أي: حواجز المدرجات. وهي أسماء تشكل جزءاً من القاموس القانوني التشيكي للقرن التاسع عشر عندما كان خاضعا للقانون النمساوي. وهي مصطلحات تصيدها المشرع أثناء المرحلة الشيوعية بناء على اعتبارات أيديولوجية، ولكن بعضها يدخل في إطار مصطلحات القانون المدني، وتعتبر مصطلحات جديدة ومولَّدَة حقيقة؛ مثل
(Pacht Závodu) أي: تأجير الشركة.

5-3 الاستعمال الدقيق للمصطلحات

إن تقنية إزالة الغموض ربما هي الأكثر فعالية، وإن كانت الأقل وضوحا، إضافة إلى الاستعمال الصّارم والدقيق للمصطلحات للدلالة على معنى واحد محدد سلفا، نظراً لأن كتاب القانون المدني انضبطوا في الالتزام بهذه النقطة. ويمكن ذكر مجموعة من الأمثلة الخاصة بهذه المنهجية؛ وسنبتدئ بذكر الطريقة التي قدمها كتاب القانون أنفسهم في إطار مشروع القانون المدني المشار إليه سلفا. فقد أعلن المشرِّع بأنه يريد وضع حدٍّ للفهم المزدوج لمصطلح (ZáVaZek)؛ أي: (التزام)؛ وقد عرف هذا المصطلح في القانون القديم معنيين مختلفين؛ فقد استعمل سواء لتعيين كل علاقة ثنائية، وهو المقابل في المعنى الأصلي اللاتيني، لـ (obligatio)؛ أي (واجب)، أو لتعيين الالتزام بدقة من جانب واحد؛ أي من جانب المدين، (في حالة الدين). فقد أصبح إذن القانون الجديد صارما في استعمال كلمة (ZáVaZek)؛ أي: (التزام)، في معنى: الالتزام الثنائي، وفي معنى: الالتزام من جانب واحد، في حالة: الدين.

ويمكن أن نقدم كثيراً من الأمثلة الأخرى للتمييزات الجديدة التي وضعت حدّاً للمشترك المعنوي سابقاً؛ مثل تلك التي أنشئت بين مصطلحات (Ihůta)، أي: (الأجل الأخير)، و(doba)، أي: (المدة)، وكانت تُستعمل في ما مضى بشكل غير أخلاقي. واليوم يشير المصطلح الأول إلى (فترة من الزمن)، والتي يتم فيها إنجاز فعل قانوني للحصول على حقوق ما، في حين يَدُل المصطلح الثاني ببساطة على (فاصل زمني).

ويمكن أن نقترح مثالاً آخر طريفا للتمييز التشريعي بين مصطلحات (Svévole)؛ أي: (حقد) و(Škodolibost)؛ أي (مكر)، في مجال (الخسارة) و(التلف) و(الضرر)؛ فالإثنان يدلان على (الإرادة السيئة)، ولكن الأول يدل على حالة عامة يمكن الوقوف على أمثلة لها في ظاهرة (الهمجية) في حالة تدمير الممتلكات العمومية وإتلافها، وأما الثاني فيعود إلى الإرادة السيئة الموجهة ضد شخص ما؛ مثل الأفعال الضارة ضد الجيران.

ونشير في الأخير إلى أن الطريقة المتبعة لا ينبغي أن تتعلق بالأسماء البسيطة
أو المركبة فقط، ولكن ينبغي أن تتعلق أيضا ب (الصيغ المركبة)؛ فالقانون يميز بشكل صارم، مثلاً، الصيغ (má) أي (لديها)، و(Se) أي (مع)، و(Za) أي (إلى)، و(To) أي (هذا)، و(Že) أي (من)… وصيغة (يفترض ذلك…) لإدخال قرينة قابلة للنقض، وصيغة (Platϊ)؛ أي: (دفع)، و(Že)، أي (من). و(من المؤكد أن) لإدخال قرينة غير قابلة للدَّفع، وصيغة (PovaŽuje) أي: (إنها معتبرة) و(Se) أي (مع)، و(Za) أي (إلى)… فصيغة (يعتبر أو معتبر)، تساعد على إنشاء نوع من الخيال القانوني.

خاتمة

لقد بسطنا على طول هذه المقالة ملاحظات القانوني جيرار كورني
(Gérard Cornu)، بخصوص ظاهرة لسانية هي: المشترك المعنوي
(La polysémie). إذ تؤثر هذه الخاصية بشكل عميق وإيجابي في لغة القانون؛ فهي تساهم بشكل خلاق في اكتشاف الأخطاء والنتائج القانونية المعتبرة بالنسبة للمخالفين. لذلك يتم الاستعانة بالمجهودات المبذولة في مجال إزالة الغموض عن المعجم القانوني، وقد دعا البعض بل أصر على ضرورة التخلص النهائي من ظاهرة المشترك المعنوي في لغة القانون. وقد رأينا كيف أن هذه الطموحات المطلقة قد فشلت بناء على الوجود التلقائي والعضوي للمشترك المعنوي في اللغة الطبيعية؛ فهو جزء أصيل فيها، واللغة لا تتوفر إلا على عدد محدود من الأشكال والصيغ والتي ينبغي ملؤها بمعان ودلالات غير محدودة.

ومع ذلك، فإن اتجاهات إزالة غموض المعجم القانوني اكتسبت شرعية بفعل الطابع الجمعي والتكاملي للمشتغلين على اللغة القانونية؛ وقد أشرنا إلى المنهجيات الفعالة المعتمدة للوصول إلى هذا الهدف؛ أي: المنهجيات التشريعية لمعالجة المشترك المعنوي. وقد قدّمنا أمثلة من التشريع التشكيلي، ومن القانون المدني الجديد على الخصوص؛ سواء على مستوى طرق التعريف التشريعي، أو على مستوى التوليد المعجمي لمصطلحات قانونية ذات فعالية كبيرة، لكن مجالها ظل للأسف محدوداً جدا.

ونستنتج إذن، أن المشترك المعنوي خاصية طبيعية وحاضرة في كل المعجم القانوني، ولا أحد يفكر بشكل واقعي في حذفها نهائيا بطريقة ما من الطرق، لنستخلص من كل هذا ضرورة الاستفادة من المجهود الثمين للمعجميين مما يقدموه لنا من خلال معاجمهم، كأنهم منقذين في مجال السباحة، بعواماتهم للإنقاذ، يوجهوننا عندما نضيع في متاهة المعاني المختلفة للكلمات والأسماء.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بيبليوغرافيا

  • CORNU Gérard (2005), Linguistique juridique, Paris, Montchrestien.
  • CORNU Gérard et al. (2004), Vocabulaire juridique, Paris, PUF.
  • DUBOIS Jean et al. (2002), Dictionnaire de Linguistique, Paris, Larousse.
  • GÉMAR Jean-Claude (1991), Terminologie, langue et discours juridiques. Sens et signification du langage du droit, Meta 31/1.
  • KLEIBER Georges (1999), Problème de sémantique, la polysémie en questions, Villeneuve d’Asq, Presses universitaires de Septentrion.
  • KOCOUREK Rostislav (1991), La langue française de la technique et de la science : vers une linguistique de la langue savante, Wiesbaden, O. Brandstetter.
  • LERAT Pierre ; SOURIOUX Jean (1975), Le langage du droit, Paris, PUF.
  • MARTIN Robert (1983), Pour une logique du sens, Paris, PUF.
  • TOMÂSEK Michal (2003), Preklad v pràvnipraxi, Praha, Linde.
  • Zâkon c. 89/2012 Sb., Obcansky zâkonik. [Code civil tchèque[

*- la polysémie, élément majeurs de la terminologie juridique selon G.Cornu, un éxemple récent du traitement législatif de ce phénomène en droit tchèque.Echo des études romanes, vol IX/ Num 2.5 47-57 Iss N 1801-0565

[1]– أستاذ اللغة القانونية واللغة الفرنسية للأعمال، والترجمة المهنية بجامعة بوهيميا الجنوبية، جمهورية التشيك؛ من أبحاثه:

– le Français juridique : un langue de spécialité toujours influent  dans l’Europe Unie, l’Apport linguistique et culturel à l’Europe : du passé  à l’avenir, Lask Oficyna Wydawnicza Leksem, S 87-95 ISBN : 978-83-60178-01-9.

– L’évolution des méthodes de l’interprétation du droit communautaire ou l’émergence d’une terminologie juridique  communautaire spécifique, le passé dans le présent, le présent dans le passé, IATE Press ; S- 291-296.

– Comparaison de la norme juridique avec la norme linguistique, norme, normativité, transgression, Lask Oficyna Wydawnicza Leksem, S 221-226. ISBN 978-83-60178-42-3.

– La traductioin juridique : entre équivalence fonctionnelle et équivalence formelle, études romane de Brno, Vol 37, Num 2,S. 177-189 ISSN 1803-7399.

Terminologie du droit Européen : conception d’un juriste-linguiste, lingua viva, 15/2012, S. 29-35, ISSN : 1801-1489.

– Codification de la terminologiée juridique dans les définitions légales, Echo des études romanes, vol.xI/Num1.S.121-131.ISSN 1801-0565.(المترجم)

[2]– Cornu Gérard (2005), Linguistique juridique, Paris, Montchrestien.

[3]– Cornu Gérard et al (2004), Vocabulaire juridique, Paris, PuF.

[4]– في العالم الأنجلسوكسوني توجد دراسة ثمينة حول المشترك المعنوي في كتاب: Alan Cruse (2000), Meaning in Language,oxford University Press.

[5]–  فيلسوف أمريكي معاصر، وأستاذ جامعي، متخصص في فلسفة اللغة، وفي فلسفة الذهن، ساهم في إغناء نظريات أفعال اللغة أو أفعال الكلام التي أسسها جون أوستن. له كتب: أفعال اللغة (1969)، وهو من أهم مصادر نظرية الخطاب المعاصر، وكتاب العقل واللغة والمجتمع، الفلسفة في العالم الواقعي، وكتاب: رؤية الأشياء كما هي، نظرية للإدراك. (المترجم).

[6]– (1832-1915) لساني فرنسي يعتبر من المؤسسين لعلم الدلالة المعاصر، وأستاذ علم النحو المقارن، (المترجم).

[7]– لغوي فرنسي، وأستاذ اللسانيات العامة، واللسانيات الفرنسية في جامعة السوربون (1997-1979) ومدير المعهد الوطني للغة الفرنسية، من مؤلفاته: من أجل منطق للمعنى (1983) و (اللغة والاعتقاد)  (1987)، وعلم الدلالة والآلة، مساهمة القاموس المحوسب (2001) (المترجم).

[8]– لغوية فرنسية، (ولدت سنة 1928م) عضو رسمي في المجلس الدولي للغة الفرنسية (منذ 1984م). اشتهرت بأبحاثها في الكلمات؛ من حيث معانيها وأصولها، وكذا بأبحاثها في المعجم وطرق استعماله. تحدثت في كتابها (البنى الدلالية في معجم اللغة الفرنسية) عن مسألة المشترك المعنوي أو ظاهرة (الاشتراك الدلالي)، واعتبرته خاصية أساسية في المعجم.

[9]–  فيلسوف روماني (جمهورية مولدافيا حاليا) (1921-2002م) من علماء فقه اللغة المعاصرين، وعلم اللسانيات المعرفية.

[10]– عالم لسانيات وسيميائيات (1992-1917) من أصول لتوانية ، مدير الدراسات في المدرسة العليا للأبحاث في العلوم الاجتماعية، درس القانون وفقه اللغة في جامعة غرونوبل في فرنسا، ترأس مجموعة البحث في اللسانيات الدلالية، الذي كان يضم تخصصات مختلفة، وجنسيات مختلفة. يعتبر مؤسسا للسيميائيات البنيوية؛ من مؤلفاته: “سيميائيات الأهواء من حالات الأشياء إلى حالات النفس”، و”الدلالة البنيوية”، و”وفي المعنىII”، و  “قاموس السيميائيات” بالاشتراك مع جوزيف كورتيش. ونثير الانتباه إلى أن  غريماص درس الخطابات ذات الطابع التصويري؛ كالرواية والمسرح والحكاية الشعبية، كما طبق نظريته على الخطابات ذات الطابع التجريدي؛ كالنصوص القانونية والنصوص السياسية. (ينظر:  سعيد بنكراد، السيميائيات السردية، مدخل نظري (المقدمة). (المترجم).

[11]– مدير في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا (CNRS)؛ باحث في مجال نظريات بناء المعنى، والمعالجة الآلية للغات، والنمذجة الدلالية، واللغة والإدراك، وأصول اللغة، وله كتاب: la Polysémie, construction dynamique du sens, Paris, Hermes 1996. (المترجم).

[12]– أستاذ اللسانيات في جامعة رين الثانية.

[13] – تم وصف النظريات المتعددة لـ (المشترك المعنوي) بشكل بارع في أطروحة هيلين مازاليرات،

(Helène Mazay Lerat (2011) Versume Approche linguistico-cognitive de la polysémie, clermont- Ferrand, Université Blaise Pascal. (المترجم)

[14]– Dubois, 2002.

[15]– G. Kleiber, 1999 : 55.

[16]– Kocourek, 1991: 97.

[17]– ISO 1987, 1990.

[18]– 1975: 9. Le langage du droit (المترجم)

[19]– Gémar, 1991: 276.

[20]– M. TOMASEK, 2003: 36.

[21]– Cornu, 2005:16.

[22]– Cornu, 2005: 53.

[23]– Cornu, 2005:63.

[24] – من أجل توضيح ما سيأتي بخصوص تمييز كورني بين المشترك المعنوي الخارجي والمشترك المعنوي الداخلي، نذكر بالتمييز الذي أقامه روبرت مارتان (Robert Martin)(1983) بين المشترك المعنوي الداخلي والمشترك المعنوي الخارجي في كتابه: (من أجل منطق للمعنى) (Pour une logique de sens)؛ فقد أخذ مارتان، في مقاربته (الدلالية المنطقية) بعين الاعتبار التفريق بين الوحدات الدلالية الصغرى (Sémiques)ـ وبين ((Sémémiques، وقد ميز، انطلاقا من هذا، على مستوى الوحدة الدلالية الصغرى (Sémème)، بين المشترك المعنوي المقبول، وبين المشترك المعنوي على المستوى الداخلي، على مستوى (Séme)، على المستوى الخارجي، عندما يؤثر المشترك المعنوي على مكونات فعل المشترك المعنوي.

[25]– الاستعارة هي تشبيه بليغ حذف أحد طرفيه (المترجم).

[26]– الكناية هي لفظ لا يقصد منه المعنى الحقيقي، وإنما معنى ملازم للمعنى الحقيقي. (المترجم)

[27]– (2005:87).

[28]– Cornu, 2005:88.

[29]– Cornu, 2005:93.

[30] – Cornu, 2005:101.

[31]– Cornu, 2005: 23.

[32] – خاصة الممارسون في دلالات الحقيقة الشرطية.

[33]– Cornu, 2005: 105.

[34]– 2005:108

[35]– Cornu, 2005: 111.

[36]– كلودفافردوجلاس (Claude Favorie de Vaugelas) 1585-1650 نحوي فرنسي (المترجم).

[37]– تكتب أو تنطق بطريقة متشابهة ومتجانسة، لكنها لا تحمل معنى واحدا.

[38]– القانون رقم: 89/2012 Rec, code civil

يمكن الاطلاع عليه على الموقع الرسمي لوزارة العدل:

http://obcomkyzaouik.justice.cz/fileadmin/noz_interaktiv.pdf

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *