Site icon مجلة المنارة

المحكمة الجنائية الدولية في ضوء تحديات تفعيل القانون الدولي الإنساني

المحكمة الجنائية الدولية في ضوء تحديات تفعيل القانون الدولي الإنساني

سهام هتهوتي،

 طالبة باحثة بسلك الدكتوراه،

. بجامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية بسلا

 مقدمة:

شكل إحداث المحكمة الجنائية الدولية محطة تاريخية للقانون الدولي الإنساني، على اعتبار أنها الجهاز القضائي الأول على المستوى الدولي الذي يعنى بالانتهاكات التي تطاله،[1] والقادر على توفير حماية جنائية أوسع لقواعده، خاصة في ظل الانتهاكات الجسيمة التي تطاله، والمجازر التي عاشتها الإنسانية، والتي اقتضت إحداث قضاء جنائي دولي دائم.

وإذا كانت فكرة إحداث هذا القضاء لقيت صداها الأكبر منذ نهاية القرن 19 ومطلع القرن 20، إثر الفظاعات التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، مع إحداث محاكم جنائية دولية مؤقتة، فإن المجتمع الدولي استطاع إحداث هذه المحكمة بموجب نظام روما لعام 1998، وإخراجها للوجود عام 2002.

وهكذا، أصبح للمجتمع الدولي مؤسسة قضائية قائمة الذات متخصصة، لردع وزجر أبشع وأفظع الجرائم الدولية، وتسهر على تحقيق الحماية الجنائية للقانون الدولي الإنساني، وكأداة لا محيد عنها في تحقيق العدالة وسيادة القانون، وفي الحفاظ وتعزيز السلم والأمن الدوليين، وفقاً لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.[2]

والمحكمة الجنائية الدولية ستشكل بذلك، نظاما رادعا ووسيلة يحول دون ارتكاب المزيد من الانتهاكات الجسيمة والجرائم الخطيرة المقترفة بحق الإنسانية، من خلال ضمان تقديم المسؤولين عنها مستقبلا إلى العدالة، كما ستساهم في جبر ضرر ضحايا هذه الانتهاكات وعائلاتهم. لكن فعاليتها في تأمين الحماية الجنائية للقانون الدولي الإنساني تقتضي تداخل وتقاطع ما هو دولي بما هو داخلي وتحقيق التعاون الدولي الفعال، حتى يتسنى خلق بيئة داعمة لعمل المحكمة من جهة، وتنامي الاهتمام بالقانون الدولي الإنساني على الصعيدين معا من جهة ثانية.

ولا شك أن البحث في مستقبل القانون الدولي الإنساني والمحكمة الجنائية الدولية، يتطلب اليوم تقييم حصيلتها والوقوف على منجزاتها، بعد دخولها لحيز الوجود منذ عام 2002، والتي على ضوئها يمكن الاستدلال على مسار العدالة الجنائية، ومعرفة إلى أين تسير، وهل  شكلت فعلا  قيمة مضافة بالنسبة لآليات حماية القانون الدولي الإنساني، وحققت ما كان منتظرا منها، أم أن الحال لازال على ما هو عليه، خاصة في ظل العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية في الوقت الحاضر وفي المستقبل، والتي لها ارتباط وثيق بالبيئة الدولية المعاصرة، وتركيب النظام الدولي الذي يجعل مستقبل هذا القانون رهين بمدى قدرة هذا الجهاز على مواجهة هذه التحديات، ومدى سعي المحكمة الجاد في ترسيخ العدالة والحماية الجنائية لقواعده.

ومن ثم، فإن ذلك يضع المحكمة في المحك ويسائلها، بعد أن اقتربت من عقدين على إحداثها عن حجم مساهمتها في ردع المنتهكين للقانون الدولي الإنساني، في ظل الصلاحيات المخولة لها، وفي ظل وظيفتها التكاملية، وهل استطاعت فعلا أن تحدث تطورا إيجابيا في مجال حماية وتطبيق قواعد هذا القانون، أم أنها ظلت بعيدة عن الآمال التي علقت عليها؟

بمعنى آخر:

  1. ماهي مميزات المحكمة الجنائية الدولية؟
  2. ماهي مظاهر فعاليتها  بالنسبة لقواعد القانون الدولي الإنساني؟
  3. هل استطاعت المحكمة فعلا تحقيق ما كان ينتظر منها؟
  4. هل شكل إحداثها أي تغير إيجابي على مستوى احترام وتطبيق القانون الدولي الإنساني؟
  5. هل تجرم المحكمة الجنائية الدولية كل الجرائم ذات الصلة بالقانون الدولي الإنساني، أم أن جزءا منها ظل غائبا عن اختصاصها؟
  6. ماهي التراكمات والاشعاعات المهمة التي حققتها هذه المحكمة في تحقيق العدالة الجنائية والحد من الإفلات من العقاب؟
  7.  ماهي التحديات التي تواجهها المحكمة في تحقيق هذه الغاية وما طبيعتها؟
  8.  مامدى استقلالها عن المؤثرات السياسية؟ وهل استطاعت أن تفرض قوة القانون بدل قوة السياسة؟
  9.  كيف يمكن تطوير العلاقة الترابطية والتكاملية بين المحكمة الجنائية الدولية والقانون الدولي الإنساني، وماهي متطلبات تحقيق نجاعتها؟

إن ملامسة عناصر هذه الإشكالية سينطلق من الفرضيات التالية:

 الفرضية الأولى: إن حجم الانتهاكات المتزايد للقانون الدولي الإنساني، يؤشر على ضعف القضاء الجنائي الدولي الممثل حاليا في المحكمة الجنائية الدولية.

 الفرضية الثانية: إن نطاق اختصاص المحكمة الجنائية لا يؤهلها إلى المستوى الذي  يساعدها على توفير ضمانات حقيقة لقواعد القانون الدولي الإنساني.

الفرضية الثالثة: إن جل نشاطات المحكمة تتحكم فيها المصالح السياسية، أكثر ما يتحكم فيها القانون. وبالتالي هذا يجعل تأمينها الحماية للقانون الدولي الإنساني أقل بكثير من المستوى المطلوب.

وعلى هذا الأساس سيتم تقسيم الموضوع وفق الشكل التالي:

المبحث الأول: المحكمة الجنائية الدولية: براديغم جديد في تفعيل الحماية الجنائية حماية القانون الدولي الإنساني

أضحت الحماية الجنائية للقانون الدولي الإنساني مطلبا أساسيا وملحا بعد ما شهده العالم غداة الحرب العالمية الثانية من انتهاكات جسيمة للقوانين والأعراف الدولية، واضطرت الدول إلى وضع الأسس الكفيلة لمعاقبة مقترفي هذه الخروقات. فكان إنشاء محكمتي نورمبورغ 1945 ومحكمة طوكيو 1946 اللتان شكلتا محطتين أساسيتين في إرساء دعائم القضاء الجنائي الدولي، وإقرار فكرة المسؤولية الجنائية الدولية للأفراد في القانون الدولي من الناحية العملية. وتعزز هذا القضاء في تسعينيات القرن الماضي مع إنشاء محاكم خاصة ذات طابع دولي صرف لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية، تمثلت أساسا في محكمة يوغوسلافيا سابقا التي أنشئت عام 1993، وكذلك محكمة رواندا عام 1994. 

لكن هذا القضاء المؤقت، لم يكن ليؤمن الحماية الجنائية لقواعد القانون الدولي الإنساني على أحسن وجه، وهو الأمر الذي أبرز الحاجة في إحداث جهاز قضائي دائم يرسخ مرحلة جديدة في مسار هذا القضاء، وفي مسار هذا القانون الإنساني( مطلب أول)، وأيضا دعامة أساسية لتحقيق السلم والأمن الدوليين ( مطلب ثان).

المطلب الأول: المحكمة الجنائية الدولية وأهميتها القضائية

تعد المحكمة الجنائية الدولية محكمة فريدة من نوعها في تاريخ الإنسانية. ويشكل إنشاؤها قيمة مضافة للقضاء الجنائي الدولي، بعد عملية طويلة ومعقدة من المفاوضات، نظرا لاختلاف مواقف الأطراف السياسية المتفاوضة بشأنها،  قابلتها تباينات كذلك في مواقف فقهاء القانون الدولي حولها.

وقد استفاد نظام المحكمة من الخبرات التي راكمتها المحاكم السابقة، خصوصا محكمتي يوغوسلافيا ورواندا  رغم الاختلاف القانوني لإنشائهما.[3]

 وإذا كانت المحكمة الجنائية الدولية تشترك مع المحاكم السابقة  في مجموعة من الخصائص، فإنها بالمقابل تنفرد عنها بالكثير، حيث أنها مؤسسة قضائية دائمة وليست مؤقتة أو خاصة لغرض معين ينتهي وجودها مع تحقيق الغرض، فاختصاصها ينعقد في أي وقت طالما توافرت الشروط الشكلية والموضوعية لذلك، حسب ما يقرره نظامها الأساسي.

من ناحية أخرى، فالمحكمة لم تنشأ بقرار من مجلس الأمن، وإنما أنشئت بموجب معـاهدة دوليـة، وهذا ما يميزها عن المحاكم التي أنشئت قبلها. ويجعلها هيئة مستقلة عن منظمة الأمم المتحدة. لكن مع هذا تربطها علاقة مع مجلس الأمن وفقا لما نص عليه نظامها الأساسي حيث أعطاه مجموعة من الصلاحيات- التي سيأتي ذكرها لاحقا-.

وارتباطا بهذه الميزة فهي تعد من أشخاص القانون الدولي العام، وهذا يعطيها الحق في التمتع بالحقوق الدولية وتحمل الالتزامات الدولية. ومن ثم، فهي تتمتع بشخصية قانونية دولية مستقلة عن شخصية الدول الأطراف في النظام الأساسي المنشئ لها،[4] ولها والقدرة على إبرام المعاهدات بخلاف محكمة العدل الدولية. كما لها الأهلية القانونية اللازمة لممارسة وظائفها وتحقيق مقاصدها على النحو المنصوص عليه في نظامها الأساسى.

وإذا ما قارنا ولايتها القضائية مع ولاية المحاكم السابقة، فولايتها أوسع من سابقاتها، ومن شأن ذلك أن يعزز من ضمانات حماية القانون الدولي الإنساني، ويملأ أي فراغ في النظام القضائي الدولي، ويحقق وحدة الأحكام القضائية.[5] ومن جهة أخرى، وخلافا للمحاكم السابقة فولايتها القضائية جاءت مكملة للقضاء الجنائي الوطني للدول الأعضاء احتراما لسيادة الدول. لكن بالمقابل يتوجب على تلك الدول القيام بملاءمة تشريعها الوطني مع نظام روما، وهذه الملاءمة من شأنها أن تعزز من ضمانات الحماية الجنائية للقانون الدولي الإنساني. 

فيما يتعلق باختصاصها النوعي، فيلاحظ على أن المحكمة أسندت لها صلاحيات أوسع من المحاكم السابقة، حيث خولها نظامها الأساسي حسب نص المادة (5) النظر في أربع جرائم  وهي: جرائم الحرب، جرائم الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، وجريمة العدوان، هذه الأخيرة التي لم يسبق أن اختصت بها محكمة من قبل. كما أضاف نظامها الأساسي فئات جديدة من الجرائم الخطيرة، كاعترافه بالعنف الجنسي كجريمة حربية وجريمة خطيرة ضد الإنسانية. ويعتبر ذلك مكسبا كبيرا للقانون الدولي الإنساني. زيادة على ذلك ألغى الكثير من الشروط التي كان من الواجب توفرها في تلك الأفعال المجرمة، ومن ذلك مثلا شرط قيام النزاع المسلح عند ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية.

وبالنظر إلى اختصاصها الشخصي، فالمحكمة أقرت مبدأ المسؤولية الفردية للأشخاص الطبيعيين عن الانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، ولم تأخــذ بنظام الحصانـة كسبب لنفي المسـؤوليـة، وبذلك تعتبر المسؤولية الجنائية الدولية للأفراد وسيلة فعالة لردع الممارسات اللاإنسانية.

علاوة على ذلك، فقد تضمن نظامها الأساسي نصوصا متطورة وأوسع بكثير من اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، حيث لم يكن همه الوحيد تحقيق العدالة الجنائية فحسب، وإنما تحقيق أكبر قدر من الحماية لضحايا هاته الانتهاكات. فعلى سبيل المثال أعطى الضحايا صفة المدعي المدني كما هو منتشر في القضاء الجنائي الداخلي، وأعطاهم الحق في المشاركة الفعلية[6] بما هو أكثر من تقديم المعلومات من أجل التحقيق، وذلك عن طريق إشراكهم في سير الدعوى أمام المحكمة، وتمثيلهم بصورة ملائمة، ومنحهم فرصة الإدلاء بآرائهم أمام الهيئة القضائية في مرحلة ما قبل المحاكمة.[7]

وبالتالي، فهذه الخصائص التي أتى بها نظام المحكمة وغيرها، مثلت تقدما نوعيا نحو تحصين القانون الدولي الإنساني.

المطلب الثاني: دور المحكمة الجنائية الدولية في حفظ السلم والأمن الدوليين

يرتبط فرض احترام سيادة القانون الدولي الإنساني إلى حد كبير بحفظ استقرار السلم والأمن الدوليين. على اعتبار أنه نشأ أساسا وتطور من أجل حل مشاكل العلاقات الدولية، وحفظ السلم والأمن للإنسانية جمعاء، ورفع مستوى التعاون بين الدول وملاحقة ومقاضاة المخالفين لقواعده ومعاقبتهم. [8]

وإذا كانت المحكمة الجنائية الدولية تعد وسيلة أساسية من وسائل تعزيز احترام القانون الدولي الإنساني، فإن التساؤل الذي يطرح هنا هو إلى أي حد ستسهم هذه المحكمة في حفظ السلم والأمن الدوليين؟

إن المتأمل في قيمة العدل بالنسبة للسلم، سيجدهما عنصران متكاملان يعزز كل منهما الآخر، فالعدالة ضرورة لتحقيق السلام، ولا حديث عن السلام بعزل عن العدالة” No Peace without Justice”. 

فأي تهديد للسلم العالمي أو الاعتداء عليه، يمثل خطورة جسيمة، وضررا بليغا بالمجتمع الدولي يتعين التصدي له وتجريمه. وهو ما جعل المحاكمات الدولية السابقة، ترتبط بفكرة الاستقرار في العلاقات الدولية.[9]

من هذا المنطلق، فإن الجرائم ضد سلم الإنسانية وأمنها تعتبر من أهم وأخطر الجرائم في القانون الدولي، وتأتي في مقدمة الجرائم الدولية، وتعتبر أهمها على وجه الإطلاق، نتيجة لكون المصلحة المعتدى عليها ـ و هي السلم والأمن ـ من أهم المصالح التي يحرص القانون الدولي بمختلف فروعه، بما فيها القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي على صيانتها، ويكون مرتكبها مذنبا على المستويين، الدولي والداخلي. ولأنها تشكل اعتداء جسيماً على المصالح الجوهرية العليا للمجتمع الدولي. 

وبالنظر إلى نوع الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، نجدها تهدد السلم والأمن الدوليين.[10] وهي بذلك ستساهم في حفظهما، والنهوض بعملية بناء السلم وتحقيق الصلح في فترات ما بعد النزاعات بغية تحقيق سلام مستدام،[11] وذلك عبر الدور الذي تؤديه في معاقبة مرتكبي الجرائم البشعة المنصوص عليها في نظامها الأساسي.

من ناحية أخرى، أشار واضعوا نظام روما كذلك إلى أثر هذه الجرائم على السلم والأمن الدوليين في العالم بأسره، وربطوا بين حفظهما وبين الجرائم الخطيرة التي لحقت بالبشرية. واعتبروا هذه الجرائم خطرا يهددهما، وهو الأمر الذي يؤكد على ارتباط  استقرار الأمن والسلم الدوليين بمنع هذه الجرائم، [12] خاصة في ظل اختصاصها الجديد المتعلق بجريمة  العدوان، التي يعد استعمال القوة المسلحة هو جوهرها، وهو ما ينسف جهود المجتمع الدولي لتحقيق هاتين الغايتين.

لهذا فقد شكل الإطار القانوني لتحريم العدوان خطوة نحو تطوير مبادئ القانون الدولي المعاصر التي تقيد استخدام القوة، نظرا لخطورة هذه الجريمة على السلام العالمي، بسبب ما يترتب عنها من آثار سيئة على الدول المعتدى عليها وعلى المجتمع الدولي بأسره.

 وبسبب هذه الآثار لم يقتصر القانون الدولي الجنائي على تحريم أفعال حرب الاعتداء فقط، وإنما جرم أيضا الأفعال السابقة على وقوعها مثل الإعداد أو التحضير أو الدعاية لها.[13]

وبذلك طبق على هذه الجريمة  قواعد القضاء الدولي الجنائي  كباقي الجرائم الدولية كجريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهذا ما أشارت إليه المادة (05) من نظام روما.

وعلى هذا الأساس تكون المحكمة الجنائية الدولية آلية داعمة في حفظ وتعزيز السلم والأمن الدوليين، وتساهم بشكل إيجابي وتكاملي مع مجلس الأمن لتحقيق هذه الغاية.[14] ويمكنها أن تساهم بشكل فعال في تعزيز جهود الأمم المتحدة الرامية إلى ذلك. وأن إنشاءها يحمل في ذاته حماية لعدالة كونية حقيقية. 

وتعزيزا لهذه العلاقة التعاونية، سعى نظام روما إلى خلق روابط قانونية بين المحكمة الجنائية والدولية ومجلس الأمن تصب في هذا الإطار، حيث أنه وبموجب مادته (13) أعطى للمجلس الحق في إحالة أي حالة تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين عملا بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك متى ما تحقق شرطين أساسيين حسب المادتين (39) و (41)  من الميثاق الأممي، وهما أن يتعلق الأمر باعتداء أو تهديد أو انقطاع لحالة السلم والأمن الدوليين، وأن تكون الإجراءات المتخذة ضرورية لإعادة السلم و الأمن و المحافظة على “النظام العام الدولي”.

فارتباطا بالشرط الأول، فإنه لكي يتمكن مجلس الأمن من مباشرة هذا الحق، يجب أن تكون الجريمة محل الدعوى متمثلة في جريمة اعتداء أو تهديد أو عمل أدى إلى انقطاع حالة الأمن والسلم الدوليين.

 وهو ما يؤكده  تعامل مجلس الأمن مع وضعيات سابقة أدت إلى إنشاء المحكمتين الجنائيتين الدوليتين الخاصتين بيوغوسلافيا سابقا وبرواندا.

وبموجب حق الإحالة الذي منحه نظام روما لمجلس الأمن، وبالنظر إلى تنامي مهددات السلم والأمن الدوليين في الوقت المعاصر الناجمة عن ارتكاب الجرائم الخطيرة التي تدخل في اختصاص المحكمة، فإن المجلس يمكنه إحالة العديد منها إلى المحكمة، وهذا سيخدم تحقيق العدالة بمفهومها الواسع.

أما الشرط الثاني فيتمثل في كون الإحالة على المحكمة الجنائية الدولية لا يمكن أن تكون صحيحة إلاّ إذا كانت ضرورية لحفظهما أو إعادتهما. وذلك من أجل تمتين العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية وبين حفظ الأمن و السلم في العالم. 

من جهة أخرى، فقد منح نظام روما حقا آخر لمجلس الأمن  بموجب المادة (16) يجيز له التقدم بطلب للمحكمة لإرجاء التحقيق أو المحاكمة اذا ما رأى أن البدء في الإجراءات  أو الاستمرار فيها، قد يؤدي إلى المساس بالسلم والأمن الدوليين.[15]

المبحث الثاني: المحكمة الجنائية الدولية بين الرهانات وتحديات الواقع العملي

تستدعي معرفة مدى فعالية هذا الجهاز القضائي الدولي وقدرته على توفير الحماية الفعلية للقانون الدولي الإنساني، الوقوف على حصيلته والاطلاع على المعطيات التي أفرزها واقعه العملي، حتى تتضح الصورة حول حقيقة إسهام هذه المحكمة في تغيير الواقع الدولي، الذي يعج بالأحداث الدامية. وهل فعلا استطاعت أن تتجاوز ما كان يعاب على المحاكم السابقة من أن عدالتها كانت انتقائية، أم أنها هي كذلك سارت على نفس النهج ؟

 المطلب الأول: الحصيلة العملية للمحكمة الجنائية الدولية

تعكس المؤشرات الكمية لنتائج عمل المحكمة الجنائية الدولية مدى إقبالها على زجر الممارسات اللاإنسانية، وقدرتها على وضع حد لإفلات مرتكبيها من العقاب، بينما توضح المؤشرات النوعية، كيفية تعاملها مع القضايا، ونوع الملفات التي استهدفتها، وذلك لإعطاء صورة شاملة عن مردوديتها الحقيقية.

بالنسبة للحالات التي نظرت فيها المحكمة فهي ثمان حالات كلها تنتمي  للقارة الإفريقية، وطالت بعض الدول العربية فيها كليبيا والسودان. [16] وهذه الحالات معظمها أحيل طوعا من قبل حكومات الدول المعنية، كما هو الشأن بالنسبة لحالة أوغندا الشمالية، جمهورية الكونغو الديمقراطية، جمهورية إفريقيا الوسطى، ومالي.[17]

كما سجل كذلك قبول دولة غير طرف اختصاص المحكمة وهي ساحل العاج، لتنظم بعد ذلك بشكل رسمي للمحكمة بعد مصادقتها عليه في 15 فبراير 2013.

سجلت كذلك إحالتان من قبل مجلس الأمن وهما: حالة إقليم دارفور بالسودان، التي أحيلت إلى المدعي العام في 31 مارس 2005 بناء على قرار المجلس رقم 1593،[18] وحالة ليبيا التي أحيلت إلى المدعي العام بناء على قرار المجلس 1970 الصادر في 26 فبارير2011. [19] هذا ويشار إلى أن كلا البلدين ليسا بطرفين في نظام المحكمة الأساسي.

    وشكلت حالة كينيا[20]سابقة من نوعها على مستوى الإحالة، حيث تعد المرة الأولى التي تتم فيها الإحالة بمبادرة من المدعي العام،[21] ويستخدم صلاحياته التلقائية في فتح تحقيق دون استلام إحالة من الحكومة أو من قبل مجلس الأمن. وهي بذلك تعتبر مثالا فريدا لتفعيل البند الثالث في طرق الإحالة التي نص عليها ميثاق روما[22].

وبالنظر إلى نوع الأشخاص المحاكمين والمطلوبين لعدالتها، فيلاحظ أن هناك تنوعا في صفاتهم، منهم من هو بصفة رئيس، سواء مازال في فترة حكمه كالرئيس السوداني السابق “عمر البشير”، الذي تعتبر مذكرة توقيفه، الأولى التي تصدر من قبل المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس دولة لا يزال في منصبه، والرئيس الكيني “أوهورو كنياتا Ohoro Kenyatta” الذي يعتبر أول رئيس يمثل أمامها، ويحضر جلساتها وهو لا زال في السلطة. ومنهم  من أن انتهت ولايته كالرئيس الإيفواري السابق “لوران غباغبو Laurent Gbagbo “. وهناك أيضا من هو في رتبة نائب رئيس  ك ” وليام ساموي روتو William Samui Roto “.  و تعتبر هذه المحاكمات لمسؤولين مباشرين لمهامهم، سابقة أولى في تاريخ المحكمة.

 إلى جانب رتب أخرى كرتبة وزير كما هو الحال بالنسبة لوزير الدولة السوداني السابق للشؤون الداخلية للحكومة “أحمد محمد هارون”، وكذلك بعض القيادات العسكرية، والمليشيات، والجماعات المتمردة. وحتى بعض الإعلاميين كالصحفي “جوشوا سانغ Joshua Sang ” في كينيا.

أما فيما يتعلق بأنواع الجرائم التي نظرت فيها،فيمكن تصنيف معظمها في إطار جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

وبالنسبة لأنواع العقوبات والأحكام النهائية التي قضت بها المحكمة، فقد أصدرت حتى الآن خمسة أحكام، ثبتت فيها الإدانة على اثنين منهم، وتمت تبرئة ثلاثة. في حين أسقطت التهم عن آخرين كان معظمها بسسب وفاتهم.

وكان أول حكم أصدرته المحكمة في13 مارس 2012، في حق” توماس لوبانغا  Thomas Lubanga “، حيث قضت بسجنه لمدة 14 سنة.[23]

وكقراءة في هذا الحكم، فإنه إلى جانب الرمزية التي يكتسيها باعتباره أول تحكم تصدره المحكمة،  فإن له رمزية أخرى، كون أن هذه القضية التي تتعلق بالتجنيد القسري للأطفال[24]، هي من القضايا القليلة للغاية التي  تناولها القضاء الجنائي، وصدرت فيها أحكام سواء على مستوى المحاكم الوطنية التي يشمل اختصاصها محاكمة ومقاضاة مرتكبي جريمة التجنيد القسري، أو على مستوى المحاكم الجنائية الدولية أو المختلطة.[25] وقد انطوى الحكم الصادر بحق ” لوبانغا” على تحديات فريدة للمحكمة، بغض النظر عن كون هذه القضية بمثابة “محك اختبار” لها بشأن تقديم التعويض وجبر الضرر، حيث يسجل بأن هذا الحكم  صدر بشأن فئة ضيقة من الجرائم. وهذا كان له انعكاس سلبي على الضحايا، كونه سمح فقط لعدد قليل منهم، الحصول على تعويض مالي من المحكمة.

 الحكم الثاني خص “جيرمان كاتانغا”، الذي قضت عليه المحكمة بالسجن لمدة 12 سنة في 23 ماي عام 2014، واستنفد كامل العقوبة إثر انتفاعه بتخفيض[26]. إلا أنه وجد نفسه في حالة تتبع من قبل قضاء بلاده بتهمة المشاركة في حركة تمردية وتجنيد أطفال دون سن 15 سنة، وجرائم ضد الإنسانية.

في حين قضت بتبرئة الرئيس السابق لحركة تحرير الكونغو ” جان-بيير بمبا  Jean-Pierre Bemba ” ، في قرار شكل مفاجأة كبرى في الاستئناف في يونيو 2018، بعد أن حكمت عليه من قبل بالسجن 18 بتاريخ21 يونيو 2016، ودفع تعويضات للضحايا. مع احتساب مدة الثماني سنوات التي قضاها رهن الاحتجاز من مدة العقوبة. واعتبر آنذاك” أكبر مسؤول تدينه المحكمة الجنائية الدولية،[27]

ومؤخرا تمت تبرئة الرئيس السابق لساحل العاج ” لوران غباغبو” من تهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأطلقت سراحه في فبراير 2019.[28]

وكتقييم لهذه الحصيلة، فإنه يمكن القول أنه بالنظر إلى الأشخاص الذين طالتهم عدالة المحكمة، فإن هذا المعطى يخلق انطباعا إيجابيا عن عملها، وعن قدرتها في توجيه أصابع الاتهام لشخصيات رفيعة من هذا النوع، متخطية بذلك كل الامتيازات والحصانات المخولة لهم. لكن بالمقابل عند النظر إلى عدد القضايا التي تناولتها ونوعها، والمجال الجغرافي الذي استهدفته، وكذا عدد الأحكام التي أصدرتها حتى الآن، ونوع العقوبات التي قضت بها، فإن حصيلتها خيبت الآمال المعقودة عليها، ولم تقدم أي دليل يقود إلى تحقيق العدالة المرجوة[29]،  بالرغم  من مرور أزيد من عقد على إنشائها، ورغم تكلفتها الهائلة. 

وإذا ما أعدنا المقارنة بينها وبين نظيرتها في” نورمبورغ”، فسنجد أن هذه الأخيرة نظرت في قضايا أخطر بكثير مما تناولتها المحكمة الجنائية، وانتهت منها في عام واحد فقط. بينما احتاجت هذه المحكمة إلى عدة سنوات لإعداد ملف المتهم الأول. كما أنه لا وجه للمقارنة فيما أضافته للبشرية وللقانون الدولي الإنساني مع محكمة يوغسلافيا ورواندا وغيرها من المحاكم الخاصة.

وباقتصارها على مجال جغرافي واحد ألا وهو إفريقيا، بالرغم من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وتنامي المجازر التي ترتكب في حق الإنسانية في العديد من بقاع العالم، خاصة في آسيا، يدفعنا للتساؤل هل المحكمة تحكمها ضوابط قانونية أم سياسية في اختيار القضايا؟ ولماذا لم تتحرك عدالتها ضد المجازر التي ترتكب في اليمن، وفي سوريا، وفي فلسطين… هذه الأخيرة، التي لم يشفع لها تقري “جولد ستون”[30] الخاص بعدوان غزة في 2009، الذي دام حوالي 23 يوما، ولا ما صرح به الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” عند زيادته للقطاع عقب انتهاء الحرب، أن يحرك المدعي العام  القضية، ولا مجلس الأمن  الذي فشل في تنفيذ قرار وقف العدوان، الذي أصدره في 12 يناير 2009.[31]

 وحتى بعد انضمام فلسطين إلى عضوية المحكمة الجنائية الدولية ومنذ أن بدأ مكتب المدعي العام دراسته الأولية “للوضع في فلسطين.” فليس هناك أي مؤشر إيجابي على إمكانية فتح تحقيق في ذلك، وهذا يكشف حجم أثر المعادلات السياسية في النظام الدولي الذي يبدوا جليا على نظام المحكمة.

المطلب الثاني: معيقات عمل لمحكمة الجنائية الدولية وسبل تجاوزها

بالنظر إلى التطور القانوني الذي حققه نظام روما، لتثبيت العدالة الجنائية الدولية في مسارها الصحيح، إلا أن الحصيلة التي قدمتها المحكمة الجنائية الدولية تدعونا للتوقف عند نصوصه، وعند آليات اشتغالها.

فمن جملة ما يسجل على نظام روما هو جعل المحكمة ضحية لثنائية الأجهزة، الأول سياسي ممثل في جمعية الدول الأطراف، والثاني قانوني (محكمة بالمعنى الدقيق للكلمة). وأهداف هذين الجهازين ليست بالضرورة متماثلة.[32]

إلى جانب غياب الشفافية. فالمدعي العام لا يبرر ولا يعلل بشكل عام أسباب اختياره لقضية دون سواها،[33]حيث لم يضع نظام روما الضوابط القانونية لمباشرة المدعي العام هذه السلطة والأساس المشروع الذي يبرر له البدء في التحقيقات.[34]  كما أنه لم يضع طرقا للطعن على قرار المدعي، ولم يمنح ذوي الشأن حق الطعن على قراره برفض البدء في التحقيقات، وهو الأمر الذي يدعو إلى المناداة بتعديل المادة (15) من نظام المحكمة. زيادة على ذلك فهو لم ينص على إطار زمني محدد لإنهاء المدعي العام الدراسة الأولية. وهذا قد يسمح له بالتماطل. فقد تستغرق سنوات قبل أن يوصي مكتب المدعي العام بفتح تحقيق أو برفض المتابعة.

 ومن ثم، يتوجب على مكتب المدعي العام أن يعلن بشكل منتظم عن مستجدات هذه الفحوصات الأولية، لتعزيز أثرها على المستوى الوطني، لما لها من أثر وقائي إيجابي محتمل. وعليه أن يبحث في الحالة الخاضعة للتحليل الأولي بشكل أكثر اتساقا وسرعة، بما في ذلك أن يعرض على قضاة الدائرة التمهيدية بالمحكمة تقارير تقييم للأوضاع تمهيداً لبدء تحقيقات بموجب المادة (53) من النظام، مع إخطار الدائرة التمهيدية بأي قرار بعدم البدء في التحقيق أو وقف التحقيقيات، وأن يفسر علناً أسباب هذه القرارات. وعلى هذا الأساس يصبح للضحايا مبررات قانونية للتدخل ولعرض آرائهم وكذا أن تخول لهم سلطة الطعن في قراراته.

من جملة ما يسجل كذلك على نظام روما هو عدم تمكين الأفراد والمنظمات غير الحكومية من الإحالة على المحكمة، وهو ما قد يفسح المجال للدول بارتكاب هذه الجرائم وهي في مأمن من العقاب، خصوصا الدول ذات التأثير على قرارات مجلس الأمن.[35]

لهذا ينبغي تمكينها من النظر في الدعاوى المقدمة من قبل الأفراد والمنظمات الإنسانية وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر لاتصالها المباشر بالميدان وقدرتها على رصد الانتهاكات.

وبخصوص سلطات المحكمة في تقرير الجزاءات، فإن التمعن في خطورة وبشاعة هذه الجرائم التي تختص بها من جهة، وفي العقوبات المقررة على مرتكبيها وفقا للمادة (77) من جهة أخرى، يكشف بجلاء هشاشة هذه العقوبات وعدم تناسبها مع حجم الجرائم، وعدم تحقيقها للعدالة الدولية. ولعل الحكم الصادر على مجرم الحرب الكونغولي” توماس لوبانغا” وبشاعة جرائمه، ومقارنته بحجم العقوبة يكشف بوضوح هشاشة الجزاءات التي تحكم بها المحكمة[36]. فضلا عن أنها جاءت مختصرة بمادة واحدة فقط، دون تفريد للعقوبة لكل جريمة بما تستحقه.[37]

بالنسبة للاختصاص الزمني، فإن سريان نظام المحكمة بأثر فوري ومستقبلي، وليس  بأثر رجعي، يؤدي إلى نتائج تأباها العدالة، وينبغي أن يعاد فيه  النظر لعدة اعتبارات منها أن المحكمة لم تنشئ جرائم لم تكن معروفة من قبل. فجميع الجرائم باستثناء جريمة العدوان كانت مجرمة من قبل إنشاء المحكمة خاصة وأن نظامها الأساسي تبنى تعريفا لجريمة الإبادة الجماعية كما وضعته اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية لعام 1948.  ومن ثم، فالقول بقصر اختصاص المحكمة على ما يقع بعد دخول نظامها حيز النفاذ من جرائم، فهو أمر غير مقبول، وفيه إهدار لحقوق الضحايا. [38]

مسألة أخرى في غاية الأهمية تشكل عائقا كبيرا أمام فعالية المحكمة، وهي تلك المتعلقة بالمهلة التي يمنحها نظام المحكمة للدول المصادقة والمنضمة  حتى يصبح ساري النفاذ عليها[39]، وهذا يبيح لها أن تكون خارج نطاق الاختصاص الزمني للمحكمة أيا كان نوع هذه الجريمة وجسامتها. وبالتالي فهذا يعد انتقاصا كبيرا على مستوى الحماية المقررة لقواعد القانون الدولي الإنساني، ويجب تداركه. ينضاف له نظام الاستثناء في المادة (124)، الذي يسمح بتعلیق التنفیذ مدة سبع سنوات في حال جرائم الحرب. وبعد انقضاء هذه المدة یمكن للدولة التي طلبت الاستفادة من أحكام  هذه المادة  النظر في خیارات ثلاثة: الموافقة على نظام روما الأساسي إجمالا، الانسحاب منه طبقا للمادة (127)، أو السعي بمجرد إدخال التعدیلات إلى إقناع الدول الأطراف بتعدیل ھذه المادة قصد تمدید الأجل الذي ینص علیه، ولكن في انتظار حلول التعدیلات في نظام روما الأساسي، تمنح ھذه المادة “ترخیصا فعلیا بالقتل مدة 7 سنوات” . إذ بإمكان الدولة التي طلبت الاستفادة منھا، اقتراف جرائم الحرب دون عقاب ودون خشیة المحكمة الجنائیة الدولیة.[40]

لهذا يتوجب حذف المادة (124). وإلغاء المادة (11) التي تقصر اختصاصها على الجرائم المرتكبة بعد نفاذ نظامها.

بالنسبة للاختصاص المكاني، فإن أكبر عائق تواجهه المحكمة هو اختصاصها التكميلي الذي يحد من فعالية نتائجها، كونه يفتح المجال للتلاعب والتسويف من طرف أي دولة طرف ترغب في حماية الأشخاص الخاضعين لولايتها الجنائية من الملاحقة الدولية، خصوصا وأن نظام المحكمة الأساسي، لم يضع معايير دقيقة لتقييم عدم رغبة الدولة المعنية في ممارسة سلطتها القضائية. ومن ثم، فهذا يجعلها مكتوفة الأيدي تجاه مرتكبي هذه الجرائم، وكمثال على ذلك الجرائم المنسوبة “لتوني بلير” – رئيس وزراء بريطانيا الأسبق- فحتى لو توافرت أدلة لمحاكمته على ارتكاب جرائم تدخل في اختصاص المحكمة، فإن مبدأ التكاملية  يمنعها من اتخاذ أي إجراء ضده.[41] وكان من الأجدى أن يسند لها الاختصاص العالمي بدل الإقليمي، حتى تكون أكثر فعالية في نتائجها، وحتى نلمس أثرها الإيجابي على القانون الدولي الإنساني.

وإذا كان تحقيق مطلب الاختصاص العالمي للمحكمة صعبا في الظروف الراهنة، فإنه على الأقل كان من الأفضل لو أعطيت لها أولوية الاختصاص على القضاء الوطني، شأنها في ذلك شأن المحاكم التي سبقتها، كمحكمة يوغوسلافيا السابقة.[42]

 وبالتالي، يتوجب إعادة النظر في المادة (12) من نظام روما التي أضعفت بشكل كبیر اختصاص المحكمة  الجنائیة الدولیة، وجعلت صلاحیاتھا محدودة للغایة.[43]

مشكل آخر يطرحه اختصاص المحكمة الشخصي، والمتعلق بقصر المسؤولية الجنائية الدولية على الأشخاص الطبيعيين. فلو فرضنا أن منظمة دولية أو شركة عسكرية، اضطلعت بارتكاب جرائم تدخل في اختصاص المحكمة، فلا يجوز للمدعي العام أن يقيم الدعوى الجنائية ضدها. وإذا أقيمت الدعوى فيتعين على المحكمة القضاء بعدم قبولها.

وهذه الحالة ليست أمرا نظريا، لأنه ثبت اليوم أن الأشخاص الاعتبارية تلعب دورا أساسيا في النزاعات المسلحة في العالم المعاصر. ولا أدل على ذلك مما ارتكبته شركة” بلاك ووتر Blackwater” الأمريكية من فظاعات بحق الشعب العراقي.[44]

من ناحية أخرى، فإن منظمة كحلف شمال الأطلسي (الناتو) ، والتي تضم 28 دولة عضو، تكون قد نجت من اختصاص المحكمة.  ومن المهم أن نلاحظ أن مسؤولية منظمة مثل  الناتو هي أيضا من الصعب تنفيذها من قبل المحاكم الإقليمية مثل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان[45]. وبالتالي أين هذا من تحقيق عالمية العدالة الجنائية؟؟؟[46]

وإذا كانت المحكمة تسمح من ناحية بمعاقبة الأشخاص الطبيعيين المنتمين إليها والمسؤولين عن هذا النوع من الجرائم، فإنها بالمقابل لا يمكنها وقف أو حظر أنشطتها، وإنهاء وجودها المادي.

من جملة المؤاخذات على نظام روما في هذا الصدد، هو وضعه لاستثناءات على عدم الاعتداد بنظام الحصانة، بالنسبة لموظفي الأمم المتحدة، وهو ما سمح مثلا بإفلات قوات حفظ السلام في دارفور من المساءلة والعقاب.[47]

وبالرجوع إلى اختصاصها النوعي، يمكن القول أنه بالرغم من الجرائم التي تنظر فيها المحكمة، إلا أنها لا تمثل سوى جزءا فقط مما يجب أن يدخل في اختصاصها. إذ أن الجرائم المرتبطة بالانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، والتي تهدد سلم وأمن البشرية قد تتسع لأكثر من الجرائم الأربعة المشار إليها في المادة (5) من نظامها الأساسي.

فعلى سبيل المثال لم يدرج جريمة الاتجار في المخدرات، والحظر الاقتصادي ضمن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، والتي تشكل خطورة على المدنيين بالدرجة الأولى، فهي تؤدي إلى ازدياد عدد الوفيات والأمراض بفعل سياسة التجويع…. وبالتالي  فهي تعد جريمة ضد الإنسانية من الواجب مقاضاة المسؤولين عنها.

ومن أجل إيجاد مخرج لهذه الثغرة، فقد ذهب جانب من الفقه، إلى أنه يمكن إدخال هذه الجرائم ضمن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية نتيجة للاضطهاد الممارس عليهم، لكون الاضطهاد يشمل مجموعة متنوعة من الأفعال بما في ذلك تلك التي لها طابع مادي واقتصادي[48].

كذلك الشأن بالنسبة لجريمة الإرهاب، فرغم خطورتها إلا أن نظام روما أغفل العديد من المطالب والطموحات الدولية المتعلقة بالمحاكمة الجنائية الدولية لمرتكبي جرائم الإرهاب وجرائم إرهاب الدولة،  بدعوى عدم التوصل إلى تعريف موحد، وهو ما دفع اللجنة التحضيرية المكلفة بإعداد مشروع النظام الأساسي للمحكمة،  إرجاء مراجعة جرائم الإرهاب لحين التوصل إلى تعريف موحد ومتفق عليه …[49].

من ناحية أخرى، فإنه زيادة عن تجاهل نظام المحكمة للجرائم السابقة، فإنه لم يدرج العديد من الأنواع الأخرى لجرائم الحرب، وبقيت بدون وجود نص عقابي بشأنها وعلى رأسها، جريمة استخدام أسلحة الدمار الشامل بما فيها استخدام الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية، والألغام ضد الأشخاص وغيرها من الأسلحة الفتاكة، خاصة وأن مؤتمر فيينا لسنة 1995 مثلا أقر برتوكولا رابعا أضيف لاتفاقية 1980 الخاصة بحظر بعض الأسلحة التقليدية، ويتعلق هذا البرتوكول ب” أسلحة اللايزر المعمية”. إذ منع هذا النوع من الأسلحة الفتاكة التي تسبب العمى الدائم.

كما أغفل نظام روما كذلك الجرائم البيئية التي تؤدي إلى الإضرار بالنوع البشري ولها عواقب صحية وخيمة على الساكنة والأجيال المقبلة.

مسألة أخرى في غاية الأهمية كذلك، وهي أن نظام روما أغفل بعض الانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، كالتأخير غير المبرر في إعادة أسرى الحرب، وكذا المدنيين والسجناء إلى وطنهم. ولم يجرم الهجوم غير التمييزي أي العشوائي على المدنيين، أو الأعيان المدنية  تأكيدا لأهم مبدأ من مبادئ القانون الدولي الإنساني” مبدأ التمييز بين العسكريين والمدنيين”.[50]

 لهذا، وفيما يخص سلطات المحكمة واختصاصاتها فإنه يتوجب توسيع نطاق اختصاص المحكمة الموضوعي ليشمل كل هذه الجرائم المشار إليها أعلاه. وكذا تضمين نظامها الأساسي بأكبر قدر ممكن من اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، بحيث يصبح هذا النظام قانون عدالة وحماية.

 من الإشكالات الأخرى التي يطرحها نظام روما، هو سماحه للدول الأطراف بالانسحاب منه. فيكفي فقط توجيه إخطار كتابي إلى الأمين العام للأمم المتحدة، حتى يصبح هذا الانسحاب نافذا. وبالتالي فإعطاء هذه الرخصة للدول، والتي شرع العديد منها مؤخرا في تفعيلها يثير تساؤلات عدة حول مصير هذه المحكمة. وهو ما يشكل تحديا كبيرا أمام استمراريتها والرهان على نجاحها مستقبلا.

وبالتالي يستشف من كل ذلك أنه، بالرغم من المكتسبات التي جاء بها نظام المحكمة الأساسي، إلا أن الواقع العملي، يؤكد على أن هذا النظام تتخلله العديد من الثغرات والعيوب، على مستوى اختصاصاتها وسلطاتها، كان له انعكاس سلبي على عملها.[51]

ويجدر التنويه هنا إلى أن المؤتمر الاستعراضي الأول للمحكمة الجنائية الدولية، سعى إلى تجاوز بعض من هذا القصور، حيث تم تعديل المادة (8) لجعل ولاية المحكمة تشمل جريمة الحرب المتمثلة في استخدام أنواع معينة من الأسلحة السامة، والطلقات المتمددة، والغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات، وجميع ما في حكمها من السوائل أو المواد، أو الأجهزة، واستخدام الرصاصات التي تتمدد أو تتسطح في الجسم، على أنها جرائم حرب في النزاعات ذات الطابع غير الدولي.

وإذا كانت الثغرات القانونية لنظام روما قد أثرت بشكل جلي على حصيلتها، فإن العوامل السياسية لعبت أدوارا كبيرة في الحد من فعاليتها، خاصة الضغوط التي تمارسها الدول العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، للحيلولة دون انضمام دول الجنوب لهذه المحكمة، كما حدث مع فلسطين على سبيل المثال، التي تعرضت إلى الكثير من الضغوطات الدولية من أجل ثنيها عن الانضمام إليها، على اعتبار أن انضمامها يعد خطوة استفزازية لإسرائيل وتصعيدية ضدها،  كما هددت الولايات المتحدة بقطع المساعدات المالية عنها. 

ويزداد واقع الصدمة عندما نجد أن معظم دول ” الفيتو”، ليسوا بأعضاء في نظام المحكمة. بالرغم من العلاقة القوية التي تجمع بين مجلس الأمن والمحكمة والتي سيأتي ذكرها لاحقا.

كما وأنه في شهر أبريل المنصرم ألغت الولايات المتحدة الأمريكية تأشيرة  دخول المدعية العامة فاتو بنسودا، التي كان من المفترض أن تبلغ مجلس الأمن بشأن التحقيقات المتعلقة بجرائم الحرب المحتملة في ليبيا.

ينضاف إلى هذه العراقيل السياسية، الصلاحيات المخولة لمجلس الأمن في علاقته مع هذه المحكمة، والتي من شأنها أن تخضع لمنطق السياسة أكثر منه إلى منطق القانون. وهذا فيه إهدار ومصادرة للمكاسب التي حققها تطور القانون الدولي الجنائي والقانون الدولي الإنساني على حد سواء.[52]

لهذا،  وتفعيلا لأدوارها فإنه يتوجب حذف المادة (16) أو على الأقل تقييدها من خلال إزالة سلطة الإرجاء عن المجلس نهائيا، أو تحديد حقه في ممارستها مرة واحدة غير قابلة للتمديد.

استنتاج

بعد الحركية التي عرفتها فكرة العدالة الجنائية الدولية طوال القرن العشرين، ونجاحها في إنشاء جهاز دولي دائم يسهر على تحقيقها، فإن تفعيلها على أرض الواقع لازال صعب المنال. ولا يمكن التعويل على عدالة هذه المحكمة كليةً في معاقبة منتهكي قواعد القانون الدولي الإنساني بشكل جسيم. فالمحكمة مقيدة ومحدودة الصلاحيات، ولا تستطيع الوصول إلى مسؤول من المسؤولين إلا بشروط معقدة. كما أن مختلف الأحكام التي احتوى عليها نظامها الأساسي عموما  لم تسهم إلى حد كبير في تطبيق أحكام القانون الدولي في جانبه الإنساني والجنائي، خاصة في ظل الوضعية الحالية للنظام القانوني الدولي بصفة عامة، والتي تغلب عليها الاعتبارات السياسية والقوة على اعتبارات الحق والقانون.

فالاعتبارات السياسية لازالت حاضرة بقوة في معالجة القضايا الدولية ومن جملتها تلك المتعلقة بتطبيق العدالة الجنائية الدولية، فنجدها إما تعطل وتعيق عمل المحكمة، أو تشغلها بمنطق ازدواجية المعايير. وهذا فيه تجسيد للعدالة الانتقائية وعودة عدالة المنتصر.

وهذا يحيل على القول بأن طريق العدالة الجنائية الدولية مازال طويلا جدا، لكن مع هذا لا يمكن بأي حال من الأحوال الدعوة إلى توقيفه.  وإذا كان المجهود الدولي استطاع الوصول إلى تشكيل هذه المحكمة، فإنه من اللازم مواصلة تلك الجهود من أجل تبني تصور جديد قادر على زجر كل الممارسات الوحشية التي تمارس على الانسانية، والتي تزداد وثيرتها يوما بعد آخر.

وبالنظر إلى الآمال التي لازالات معقودة على هذه المحكمة حتى وإن كانت هشة، فإنها تضع رهانا جديدا لها وتتشبت بالدور الذي يمكن أن تلعبه قوى الضغط الصاعدة والمتمثلة في المنظمات غير الحكومية والرأي العام العالمي. وهذا يقود إلى التساؤل  حول مدى إمكانية التعويل على هذا الرهان  في التأثير على المنطق السائد في العلاقات الدولية، خاصة مع تنامي نفوذ هذه المنظمات على الساحة الدولية، وإلى أي حد  يمكنها أن تسهم في تطوير هذه المؤسسة القضائية، وتفرض منطق العدالة والقانون على منطق السياسة؟


[1] خالد الحمدوني. تطبيق العدالة الجنائية الدولية في النزاع المسلح الداخلي: نزاع دارفور نموذجا. رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة . جامعة محمد الخامس. كلية العلوم القانونية والاقتصادية. سلا. شعبة القانون العام. تخصص العلاقات الدولية. السنة الدراسية: 2005-2006.. ص:63.

[2] القرار ICC-ASP/14/Res.4 بشأن تعزيز المحكمة الجنائية الدولية وجمعية الدول الأطراف. المعتمد في الجلسة العامة الثانية عشرة المعقودة في 26 نونبر 2015.

 [3]  نجاة أحمد أحمد إبراهيم : المسؤولية الدولية عن انتهاكات قواعد القانون الدولي الإنساني: مطبعة الإخوة الحديثة. دار النشر. منشأة المعارف الحديثة، الإسكندرية. ( بدون رقم الطبعة). 2009. ص: 413.

[4]   نجاة أحمد أحمد إبراهيم : نفس المرجع.

[5]  متعب بن عبد الله السند: التعاون الدولي في تنفيذ الأحكام الجنائية وأثره في تحقيق العدالة. رسالة مقدمة استكمالا لمتطلبات الحصول على دراسة الماجستير في العدالة الجنائية. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. كلية الدراسات العليا. قسم العدالة الجنائية. تخصص السياسة الجنائية. الرياض. 2011. ص: 153.

[6] Cour pénale internationale. Guide pratique à l’usage des victimes. Réseau Damoclès. Reportes sans frontières. p :63. http://archives.rsf.org/IMG/pdf/guide_CPI_A4_fr.pdf, consulté le : 05/01/2014.

[7]  توفر النصوص القانونية القليل من الإرشاد، نسبيا، بشأن كيفية إدارة مشاركة الضحايا. وتنص المادة (68/ف3) من معاهدة روما على أن المحكمة ستفسح المجال للضحايا للتدخل “في مراحل من الإجراءات تقرر المحكمة أنها ملائمة بطريقة لا تسيء لحقوق المتهم في الحصول على محاكمة عادلة ونزيهة، أو تتناقض معها.” ووردت في “قواعد الإجراءات والأدلة” إمكانية المشاركة في جلسات السماع من خلال بيانات افتتاحية أو ختامية ومن خلال مشاركات شفهية أو خطّية، كذلك فهي تضع بعض الشروط الخاصة بالحالة التي يريد ممثّلو الضحايا استجواب الشاهد بشأنها. وتتضمن “قواعد الإجراءات والأدلة”، أيضا، بعض العناصر المكرسة لضمان ألا تطغى التدخلات نيابة عن الضحايا على الإجراءات: على سبيل المثال، يمكن أن يطلب من الضحايا التجمع سوية وأن يكون لهم ممثل قانوني مشترك. وفي النهاية، سيكون على كل هيئة قضائية وضع التعليمات وتحديد المدة الزمنية والحيز اللذين ستمنحهما هذه الهيئة لممثّلي الضحايا القانونيين.

[8]  أنس المزوقي. اليات وضمانات تطبيق القانون الدولي الإنساني. الحوار المتمدن. العدد:4329-2014/1/8. المحور دراسات وأبحاث قانونية. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=394835 . تاريخ الزيارة: 06/05/2016.

[9]  تعد مسألة الأمن والسلم الدوليين من أهم العناصر في استقرار العلاقات الدولية. وقد لعبت المدرسة المثالية التي تعد من التيارات الفكرية المهمة في مجال العلاقات الدولية دورا مهما في التأسيس لفكرة الأمن على القانون كأداة للانضباط. فالوقاية من الحروب لا تتأتى إلا بإرساء قواعد تقيد سلوكات الدول وتمنعها من الإخلال بالسلام. فالضوابط القانونية المطروحة تحد من الفوضى الدولية. لهذا ينبغي وضع اليات قانونية وقضائية تكبح  استعمال القوة. وبالفعل تجسدت في إقامة محكمة العدل الدولية، وساعدت في وضع معالم محكمة الجزاء الدولية التي أصبحت حقيقة بموجب اتفاقية روما 1998.

[10]  القرار ICC-ASP/14/Res.4 بشأن تعزيز المحكمة الجنائية الدولية وجمعية الدول الأطراف. المعتمد  بتوافق الآراء في الجلسة العامة الثانية عشرة المعقودة في 26 نونبر 2015.

[11]  القرار ICC-ASP/14/Res.4: نفس المرجع.

[12]  محمد أحمد برسيم: مقدمة لدراسة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. دار الكتب المصرية. الطبعة الأولى. 2009 . ص: 12.

[13] علي عبد القادر القهوجي: القانون الدولي الجنائي: أهم الجرائم الدولية، المحاكم الدولية الجنائية. منشورات الحلبي الحقوقية. بيروت. الطبعة الأولى 2001. ص: 13.

 [14] مصطفى عماد محمد: علاقة المحكمة الجنائية الدولية بمجلس الأمن وآليات النفاذ الوطني لجريمة العدوان طبقا لتعديلات مؤتمر كمبالا. مجلة الكوفة. صادرة عن مركز دراسات الكوفة التابع لجامعة الكوفة. العراق. المجلد 1.العدد 37. سنة 2015. ص: 190.

[15] محمد أحمد برسيم: مقدمة لدراسة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. مرجع سابق. ص: 62.

[16] جمهورية إفريقيا الوسطى ؛الكونغو الديمقراطية؛ أوغندا؛ السودان؛ كينيا؛ ساحل العاج؛ ليبيا؛ مالي.

[17] أحالت الحكومة الأوغندية القضية على المدعي العام في دجنبر 2003. وأحالت حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية القضية رسميا من قبل يوم 19 أبريل 2004 وهي ثاني قضية محالة على المحكمة. بعدها تلقى المدعي العام يوم 7 يناير 2005 رسالة من حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى تحيل فيها “وضع الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة في أي مكان على أراضي جمهورية أفريقيا الوسطى منذ الأول من يوليوز 2002…” وردا على هذه الرسالة أعلن المدعي العام بأنه سيقوم بإجراء تحليل دقيق لتحديد ما إذا كان من الممكن الشروع في التحقيق. وأحالت حكومة مالي الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية في يوليوز 2012.

[18]   تعتبر أول إحالة للمجلس إلى المحكمة. وفي هذا الإطار نشير إلى أنه بالنظر إلى ما لقيته المحكمة من عدم تعاون بخصوص هذه الحالة، فقد أعلنت المدعية العامة في دجنبر 2014 عن وقفها التحقيق في جرائم درافور بسبب عدم تلقيها دعما كافيا من مجلس الأمن.

[19]  هي أول قضية تحال إلى المحكمة بإجماع الأصوات في مجلس الأمن. وقد أعطت للمحكمة الاختصاص بدءا من أحداث 15 فبراير 2011.

[20]  بعد أن أصبحت طرفا في المحكمة الجنائية الدولية.  قبلت كينيا اختصاص المحكمة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي ترتكب على أراضيها أو من قبل أحد مواطنيها، مما يفتح الباب أمام تحقيق المدعي العام في الأعمال التي لا يجري التحقيق والمحاكمة فيها من قبل السلطات الوطنية.

[21]  قدم المدعي العام إلى الدائرة التمهيدية مجموعة من الملفات على أن هناك جرائم ارتكبت ما بين (2007 و2008) إثر أعمال العنف التي تلت الانتخابات في كينيا ونتج عنها قرابة الألف قتيل وستمائة نازح بدون تفويض مسبق من الحكومة الكينية. وفي 01 مارس2010 أذنت له الدائرة التمهيدية في البدء بالتحقيق.

[22]  تقرير الدورة السنوية 49 للمنظمة القانونية الاستشارية لآسيا وإفريقيا (AALCO). حول: المحكمة الجنائية الدولية: آخر التطورات،AALCO/49/ DAR ES SALAAM/2010/S.

[23]  في 10 يوليوز 2012، فرضـت الـدائرة الابتدائيـة الأولى علـى تومـاس لوبانغـا دييلـو عقوبـة الـسجن 14عامـا. وفي 7 غشت 2012 صـدر القـرار المتعلـق بمبـادئ  وإجراءات التعويضات. وأذنت المحكمة لما مجموعه 114ضحية بالمشاركة في هذه القضية.

   للتفصيل أكثر أنظر لقضية لوبانغا : Thomas Lubanga Dyilo ICC-01/04-01/06

[24]  إن اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية في الشق المتعلق بتوفير الحماية العامة والخاصة للطفل. والاتفاقية الدولية لحقوق الأطفال لعام 1989 تحظر تجنيد الأطفال دون سن 15 سنة في الجماعات المسلحة. إلى جانب لبروتوكول الاختياري الذي دخل حيز التنفيذ في  عام 2002 يحمل الحظر لمدة 18 سنة.

[25]  لكن هناك أيضاً أحكام مهمة يمكن للمحكمة أخذها في الحسبان، من بينها حكم صدر مؤخراً في كولومبيا بموجب قانون السلام والعدالة، في قضية “إل أليمان” التي تتعلق بقائد إحدى المنظمات العسكرية اتُّهم وأُدين بالتجنيد القسري للأطفال في منظمته هذه. وهناك قضية أخرى مختلفة تماماً عن قضية إل أليمان، وأقدم منها؛ ولكنها تظهر كيف تطور الفقه القانوني فيما يتعلق بجريمة التجنيد القسري وما يمكن تقديمه من تعويضات لضحايا هذه الجريمة. وتعود هذه القضية لعام 2008، وتتعلق بما يعرف بـ”المجلس الثوري للقوات المسلحة”، وهو منظمة عسكرية في سيراليون، قُدِّم زعماؤها للمحاكمة أمام المحكمة الخاصة بسيراليون، وأدينوا بالتهم الموجهة لهم عام 2008. وحيث أن المحكمة الخاصة بسيراليون لم يكن لديها تفويض يجيز لها الحكم بتعويضات للضحايا، حتى إذا قضت بإدانة وسجن زعماء هذه المنظمة العسكرية، فلم يكن بمقدورها منح أي تعويضات. في الوقت ذاته، كانت هناك لجنة للحقيقة في سيراليون، وأوصت بتقديم تعويضات، بما في ذلك تعويضات للأطفال. ولكن في نهاية المطاف لم يكن لدى حكومة سيراليون سوى مبالغ محدودة لتمويل التعويضات. وفي النهاية، لم يستفد سوى عدد صغير من الأطفال من التعويضات في إطار برنامج جبر الضرر الذي أنشأته حكومة سيراليون. وكان هؤلاء أطفالاً أصيبوا بإعاقات  بسبب الصراع، غير الأطفال الذين تعرضوا للتجنيد القسري.

[26]  اعتبر قضاة المحكمة أن قرار تخفيض عقوبة ” كاتانغا” يستند مجموعة من العوامل من بينها، تعاونه المستمر مع المحكمة في التحقيقات والمقاضاة. تغير في الظروف الشخصية للسيد كاتانغا. وأسفه على ما ارتكبه من جرائم… للتفصيل أكثر أنظر إلى القرار الخاص بخفض مراجعة حكم  جيرمان كاتانغا، المنشور على موقع  المحكمة:

https://www.icc-cpi.int/Pages/item.aspx?name=pr1174&ln=fr . تاريخ الزيارة: 21/08/2016.

[27]  الجنائية الدولية تحكم بسجن نائب رئيس الكونغو الديمقراطية السابق: مقال الإلكتروني على الموقع الإخباري ل  BBC عربي. نشر بتاريخ 21 يونيو 2016. تاريخ الزيارة: 14/07/2016.

http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2016/06/160621_icc_jailed_dr_congo_warlord_bemba?

[28]  إذا ما نظرنا إلى ممارسة المحاكم السابقة بخصوص هذه المسألة،  سنجد على سبيل المثال لا الحصر أن محكمتي يوغوسلافيا ورواندا قضتا بتخفيض العقوبة المقررة على بعض ممن أدانتهم. حيث أن محكمة يوغوسلافيا مثلا، منحت الإفراج المبكر ل” ملادو راديتش”، الذي حكم عليه بالسجن عشرين (20)عاما بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية (بما في ذلك القتل والاغتصاب والتعذيب)، وجرائم الحرب (بما في ذلك القتل والتعذيب).

[29]  أوضح “غولدستون”بأن الإعداد لبعض القضايا يأخذ وقتاً أطول مما ينبغي. وأن المحكمة تسير بوتيرة بطيئة، وقضاتها يعملون ببطء شديد، بالرغم من أنه ليس هناك سبب في أن يستغرق صدور الأحكام كل هذا الوقت.

[30]  كلفت الأمم المتحدة عن طريق مجلس حقوق الإنسان، القاضي الجنوب إفريقي “ريتشارد جولد ستون”، القاضي السابق بالمحكمة الجنائية الدولية بترأس عمل لجنة تقصي الحقائق ورفع تقرير بذلك إلى مجلس حقوق الإنسان مع توصية لمجلس الأمن بإحالة القضية للمحكمة الجنائية الدولية على غرار دارفور، وبناء عليه  تبنى  مجلس حقوق الإنسان بالفعل إدانة الكيان الصهيوني بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وقد صدر القرار في أكتوبر 2009 بأغلبية 25 صوتاً، ورفض 6 دول وامتناع 11 دولة. و تم رفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبنته في 10 نونبر 2009 بأغلبية 132 دولة.

 [31]  تذرع المدعي العام السابق “أوكامبو” بعدم إمكانية ملاحقة الكيان الصهيوني لعدم مصادقته على الميثاق، بالرغم من وجود سوابق قانونية كحالة ساحل العاج التي لم تكن عضوًا، لكن مع هذا فتح التحقيق بناء على طلب من المدعي العام “أوكامبو” نفسه آنذاك. 

[32]  Marie Boka La Cour Pénale Internationale entre droit et relations internationales, les faiblesses de la Cour a l’épreuve de la politique des Etats. Thèse de doctorat d’Université Paris –Est. Sciences politiques. Submitted on 10 Jul 2014.. p:12.

[33] Ibid. p48.

[34]  كل ما أشارت إليه المادة (15) من النظام، أن المدعي العام يقوم باستنتاج هذا الأساس من خلال ما يقدم من إيضاحات وتبليغات خطية وما يستمع له من شهادة الشهود.

[35]  خالد بن عبد الله آل خليف الغامدي: معوقات تطبيق القانون الدولي الجنائي أمام المحكمة الجنائية الدولية. أطروحة مقدمة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم الأمنية. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. كلية الدراسات العليا، قسم العدالة الجنائية. الرياض 2013. ص:115.

[36]  خالد بن عبد الله آل خليف الغامدي: معوقات تطبيق القانون الدولي الجنائي أمام المحكمة الجنائية الدولية. مرجع سابق. ص: 121.

[37]  خالد بن عبد الله آل خليف الغامدي : نفس المرجع. ص: 120.

[38]  محمد أحمد برسيم: مقدمة لدراسة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. مرجع سابق. ص: 17.

[39]  بموجب هذه الرخصة لا يسري هذا النظام على الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، خلال الفترة ما بين تاريخ مصادقة الدولة أو انضمامها إليه، ودخوله حيز النفاذ بعد انقضاء مدة ستين يوما التالية.

[40]  بشلاغم لامية. نحو نظام دولي إنساني جديد في القرن الواحد والعشرين: المحكمة الجنائية الدولية. جامعة الجزائر. مذكرة مكملة من متطلبات نيل شهادة الماستر. كلية العلوم السياسية الإعلام. قسم العلوم السياسية العلاقات الدولية. السنة الجامعية: 2009- 2010.. ص: 74.

[41]  محمد أحمد برسيم: مقدمة لدراسة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية مرجع سابق. ص: 48 و 49.

[42]   نص نظامها الأساسي في مادته (9) على الاختصاص المتوازي لهذه المحكمة مع المحاكم الوطنية، وأضافت أن المحكمة الدولية لها الأفضلية على المحاكم الوطنية. إذ يمكن لها في أي وقت أن تطلب من المحاكم المذكورة أن ترفع يدها عن الفصل في النزاع لصالحها.

[43]  بشلاغم لامية. نحو نظام دولي إنساني جديد في القرن الواحد والعشرين: المحكمة الجنائية الدولية. مرجع سابق. ص: 73.

[44]  للتفصيل أكثر: أنظر لكتاب محمد الصوفي: مدخل إلى علم العلاقات الدولية المعاصرة. مطبعة إمستيتن.الرباط. طبعة: 2015/2016. ص:160.

[45] Marie Boka, La Cour Pénale Internationale entre droit et relations internationales, les faiblesses de la Cour a l’épreuve de la politique des Etats op, cit .p59 .

[46]  موازاة مع ذلك، نجد مثلا محكمة نورمبورغ أدانت ثلاث منظمات باعتبارها منظمات إجرامية وهي: هيئة رؤساء الحزب النازي، جهاز حماية الحزب النازي، ومنظمة الشرطة السرية.

[47] Marie Boka, La Cour Pénale Internationale entre droit et relations internationales, les faiblesses de la Cour a l’épreuve de la politique des Etats op, cit .p51

[48]Ibid. p :152.

[49]  فاروق محمد صادق الأعرجي: القانون واجب التطبيق على الجرائم أمام المحكمة الجنائية الدولية. دراسة في نظام روما الأساسي. طباعة ونشر وتوزيع دار الخلود. بيروت. الطبعة الأولى 2011. ص: 421.

[50]  ناصيري مريم : فعالية العقاب على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني. مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية. تخصص قانون دولي إنساني. جامعة الحاج لخضر- باتنة- الجزائر. كلية الحقوق. السنة الجامعية: 2008/2009.. ص: 71.

[51]  عبد الرزاق أمساسي: المحكمة الجنائية الدولية بين الطموحات القضائية وقيود النظام الدولي. رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة. جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سلا. شعبة القانون العام. التخصص: العلاقات الدولية. السنة الدراسية: 2006/2007. ص: 90.

[52]  عبد الرزاق أمساسي: نفس المرجع. ص: 141.

Exit mobile version