المبادرة المغربية للحكم الذاتي:قراءة في المضمون، وسؤال الديمقراطية والتنمية في ظل خيار الجهوية المتقدمة.
محمد أقريقز. دكتور في القانون العام. جامعة عبد المالك السعدي بطنجة.
إطار بوزارة الداخلية.
إن التطورات والتحولات التي مست الميادين : السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية للنظام المغربي، وكذا ضرورة مسايرة الرهانات والتحديات التي بات يطرحها موضوع التدبير الترابي/أو المجالي في إطار بعده المرتبط بمقومات الحكامة، كلها تغييرات إلى جانب مسلسل اللامركزية ببلادنا بكل تجلياته السلبية والايجابية طرحت نوعا آخر من النقاش العمومي والرسمي مبني على مقاربة جديدة للمجال أو التراب ترتكز أساسا على جوهره السياسي والاقتصادي كعناصر رئيسية للإحاطة بالأهداف المتوخاة، ومن أهمها : إعادة ترتيب علاقة المركز بالمحيط، وفق مقاربة تشاركية ونقاش علمي وازن، واسع ورصين يستحضر الخصوصيات المغربية والأشواط التي قطعتها مؤسسة الجهة ببلادنا ارتباطا بالمسألة الديمقراطية ومستوى نضجها لاستيعاب كل الآليات الديمقراطية.
المحور الأول : مقترح الحكم الذاتي : الضوابط والاختصاصات
إن المبادرة المغربية بشأن الحكم الذاتي في أقاليمنا الصحراوية، تعبير صريح يجسد التزام المغرب وتشبثه بإيجاد حل سياسي سلمي متفاوض بشأنه لنزاع الصحراء. إذ أن هذه المبادرة تتضمن الخطوط العريضة، على أساس أن التفاصيل المرتبطة بها ستكون موضوع نقاش وتفاوض بين الأطراف. وما سيتم الاتفاق حوله بين هاته الأطراف، سيتم عرضه على السكان المعنيين في استفتاء حر، سيكون بمثابة ممارسة للحق في تقرير المصير بالنسبة للسكان الصحراويين، وفقا لمقتضيات الشرعية الدولية، ميثاق الأمم المتحدة وبناء على قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن.[1] فالمبادرة في عمقها، توفيق مهم وناجح من قبل المغرب بين خيار الحكم الذاتي الموسع، وحق تقرير المصير الذي تضمنه المبادرة من خلال آلية الاستفتاء الذي يشارك فيه كل الساكنة المعنية بالأمر.
وزيادة على ذلك، فالمقترح المغربي، تعبير عن حسن نية المملكة في طي وتجاوز هذا النزاع بشكل نهائي لا رجعة فيه بناء على حل متفاوض بشأنه يحظى بقبول كل أطراف النزاع. وبعيدا عن كل المزايدات السياسية والحسابات المصلحية الضيقة، يجب الإقرار بكون المبادرة المغربية بشأن الحكم الذاتي في أقاليمنا الجنوبية، خلقت الحدث داخل أروقة الأمم المتحدة، واعتبرت نقلة نوعية وخطوة حقيقية في تاريخ هذا النزاع المفتعل.
وفي هذا السياق، تنص النقطة الحادية عشرة من هذه المبادرة على أن :
“المشروع المغربي للحكم الذاتي مستلهم من مقترحات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن الأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا”.[2]
فما هي الضوابط القانونية اللازمة والأحكام الدستورية لمقترح الحكم الذاتي ؟
المطلب الأول : الضوابط القانونية الشاملة المؤطرة لمبادرة الحكم الذاتي
بناء على الاعتبارات السالف ذكرها، والتي جعلت من هذه المبادرة بأنها جدية وذات مصداقية، فقد تفاعل معها المجتمع الدولي دولا ومنظمات، منوهة بأهميتها وجرأتها لحل النزاع والرامية إلى المضي قدما بالعملية في اتجاه التسوية وفتح آمال جديدة لتنمية المنطقة وتكريم سكانها وبناء اتحاد مغاربي قوي ومنسجم.
الفرع الأول: ظوابط القانون الدولي
أمام هذه النقطة بالضبط، لاسيما قرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية، باعتبارها محددات دولية، تتميز أنظمة الحكم الذاتي عن أنظمة الجهوية ذات الطبيعة السياسية بمختلف أصنافها ودرجاتها.[3]
وفي هذا الإطار سنستحضر قرار مجلس الأمن عدد 1754 في أبريل 2007. فهذا القرار جاء بعد تقديم المغرب لهذه المبادرة للسيد الأمين العام للأمم المتحدة. وهو القرار الذي جاء في سياق الديناميكية الجديدة التي خلقها المغرب باقتراحه لمبادرة الحكم الذاتي كمنطلق وأساس لحل النزاع الذي طال أمده وتزايدت انعكاساته السلبية على كل دول المنطقة ودول جنوب الصحراء. فديباجة هذا القرار 1754 تحمل بصمات المبادرة المغربية، ومن خلال القراءة المتأنية لفقراته يتضح جليا أنه جاء أكثر إنصاتا للتحول الذي أحدثه المغرب. فعلى الرغم من قيام جبهة البوليساريو على عجل بتقديم مقترحاتها بين يدي الأمين العام بتاريخ 10 أبريل 2007 إلا أن الأمر لم ينطل كثيرا على مجلس الأمن الدولي الذي أدرك بعمق أن المشروع المغربي يشكل تحولا مدروسا ومتكاملا يجب تشجيعه وتثمينه. وهو ما عبر عنه المجلس من خلال إعلانه بارتياحه للمبادرة المغربية لكونها جدية وذات مصداقية تهدف إلى المضي قدما بالعملية نحو التسوية، مقابل اكتفائه بالإشارة بشكل عرضي إلى مقترح جبهة البوليساريو. وهي الإشارة التي تدخل تحت هاجس إقرار مجلس الأمن لصيغة تعبر عن نوع من التوازن كآلية لإرضاء كافة الأطراف.
فهذا القرار أنهى صلاحية مخطط بيكر الثاني أو ما كان يعرف “بخطة سلام من أجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية” حيث أقر على أن المبادرة المغربية تعد بحث جدي عن حل يتجاوز مشروع بيكر 2003.
وقد نصت النقطة السابعة والعشرون من المبادرة المغربية على وجوب أن يكون نظام الحكم الذاتي موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية. ويعد هذا الاستفتاء، طبقا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والذي يشكل ممارسة حرة لحق السكان في تحقيق مصيرهم. ومفهوم السكان المعنيين يضم سكان الداخل وساكني المخيمات. وذلك من خلال إشارة المبادرة المغربية على ضمان عودتهم وسلامتهم وكرامتهم،[4] ليقولوا كلمتهم بحرية.
فهذه المعطيات مجتمعة تبرز مدى مشروعية مبادرة الحكم الذاتي في الانسجام مع الفكر الاستراتيجي للمنظمات الحكومية الدولية التي عبرت عنه مجموعة من التقارير المشخصة للوضعية غير اللائقة لتجمع بلدان المغرب العربي في سلم الترتيب الدولي على أساس مؤشرات التنمية والتي من بين عواملها تضييع فرص الاندماج والتأهيل الحقيقي للمنطقة، نتيجة لتعطيل دور هذا التجمع الإقليمي داخل محيطه الجيوستراتيجي، بفضل نزاع لا يخدم سوى ثقافة التشتت والبلقنة والانغلاق وسط محيط دولي لا يؤمن سوى بقوة التكتلات الإقتصادية الكبرى الحكومية وغير الحكومية الجهوية كما هو الشأن بالنسبة للتجربة الأوروبية في هذا الميدان.[5]
الفرع الثاني : الضوابط الدستورية والقانونية
إن الخوض في هذه الضوابط الداخلية، يقرب أكثر بين نماذج الحكم الذاتي والجهويات السياسية.[6] ولا جدال في أن كافة الدول ترتكز في وضع دساتيرها على عدة مبادئ مؤسسة لأي نظام أو أي مجتمع. هذا بالإضافة إلى كون الضوابط القانونية هنا تؤخذ بمعناها الضيق من خلال المؤسسات التشريعية المختصة في مناطق وجهات الحكم الذاتي.
فعلى مستوى الضوابط الدستورية، نجد رزنامة من المبادئ الأساسية المتمثلة في: السيادة، الوحدة والشرعية. والتي تجدر الإشارة بصددها إلى أن طريقة تفصيلها وتهيئتها في النص الدستوري تنبني على تقنيات تختلف من نظام سياسي لآخر ومن دولة لأخرى انطلاقا من اختيارها لنوع الجهوية بمختلف درجاتها أو لنظام الحكم الذاتي بمختلف نماذجه وأشكاله وذلك في ارتباط وثيق بالمؤثرات السياسية على المستوى الداخلي والدولي وعلاقة بالسياق التاريخي الذي يحكم الظرفية.
في هذا الإطار، يشكل مفهوم الشخصية المعنوية الدولية دورا بارزا، حيث هذه الأخيرة –الشخصية المعنوية الدولية- هي التي تميز الدولة الفيدرالية عن نظيراتها الكنفدرالية والموحدة البسيطة التي قد تكون دولة الجهات أو دولة المجموعات المستقلة. حيث أن الالتزام الدولي يتطلب التوضيح الدقيق للمخاطب هدفا في تحديد أمثل للمسؤوليات.
وعلى هذا الأساس، فالدولة المغربية هي المؤهل الوحيد للتعبير الخارجي عن الشخصية الدولية في ميدان العلاقات الدولية محتفظة باختصاصاتها كاملة في مجالات من قبيل : السيادة وخاصة ميدان الدفاع، العلاقات الخارجية، والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك أمير المؤمنين.[7]
وهي المقتضيات التي جاءت مفصلة على نحو أفضل من خلال الحديث عن مسألة الاختصاصات الحصرية للدولة،[8] التي حددت في :
- مقومات السيادة، لاسيما العلم والنشيد الوطني والعملة.
- المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك بصفته أمير المؤمنين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية وللحريات الفردية والجماعية.
- الأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية.
- العلاقات الخارجية.
- النظام القضائي للمملكة.
ومن مكوناته الجوهرية وعناصره الرئيسية : وحدة الأمة ووحدة الحقوق والحريات.
– فوحدة الأمة : مبدأ أساسي تتضمنه كافة الدساتير، ويهدف إلى التوفيق بين احترام استقلالية الجهات الإدارية والسياسية –أي مختلف أشكال وصور نظام الحكم الذاتي- وبين سيادة الدولة وعدم المساس بها. إنه بعبارة أوضح يفيد ذاك النجاح والتوفيق في تدبير التنوع والاختلاف في إطار الوحدة القوية،[9] المتينة والصلبة.
فهذا المبدأ العام، تنص عليه مختلف الدساتير. حيث نجد التجربة الإيطالية، والتي هي بنص الدستور[10] دولة بسيطة وموحدة وليست دولة مركبة أو فيدرالية. حيث ينص الفصل الخامس من الدستور الإيطالي على أن : “الجمهورية واحدة لا تتجزأ، تعترف وتشجع الاستقلال الذاتي المحلي، وتحقق بالنسبة للمصالح التابعة للدولة أوسع مدى من اللامركزية الإدارية، وتكيف مبادئ ومناهج تشريعاتها مع ضرورات الاستقلال الذاتي واللامركزي”.
وقد أرسى الدستور الإيطالي كذلك، قواعد الدولة التنظيمية على نوعين من الوحدات : وحدات تتمتع باللامركزية الإدارية، ووحدات تتمتع بالحكم الذاتي. حيث الوحدات الأولى لا تثير أي إشكال قانوني، فهي وحدات إدارية لامركزية ضمن تنظيم إداري لامركزي كلاسيكي. في حين الثانية لم يعطيها الدستور أي وصف قانوني، وبالتالي فهي ليست أكثر من وحدات محلية تتمتع بنوع من الحكم الذاتي حسب نص الدستور. فهي وحدات لامركزية تتجاوز نطاق اللامركزية الإدارية دون أن تصل إلى حد اللامركزية السياسية. إنها جهات ذات نظام خاص تم إحداثها بمقتضى الفصل 116 من الدستور الإيطالي لسنة 1948، وعددها خمس جهات.[11]
ومن تجليات مبدأ وحدة الأمة ضمن المبادرة المغربية للحكم الذاتي، نجد :
- وحدة السلطة التأسيسية.
- ووجود مؤسسة تمثيلية على المستوى المركزي، حيث تمثل ساكنة جهة الحكم الذاتي للصحراء في البرلمان وبباقي المؤسسات الوطنية وأن تشارك في كافة الانتخابات والاستحقاقات الوطنية.[12]
– وحدة الحقوق والحريات : إن المبادرة المغربية المتعلقة بمنح الحكم الذاتي لأقاليم الصحراء المغربية، ليست غاية في حد ذاتها. إنها آلية لإثبات احترام الشرعية الدولية، ووسيلة لإقرار وتعزيز الديمقراطية المحلية، وأخيرا هي ضمانة لتكريس وحماية حقوق وحريات المواطنين المغاربة في جهة الصحراء.
فالمبادرة تهدف إلى تكريم المواطن الصحراوي، وتمتيع ساكنة الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور المغربي في مجال حقوق الإنسان، وكما هي متعارف عليها دوليا.[13]
وعلى هذا الأساس نجد التجربة الإسبانية في هذا المجال، وعلى مستوى دستورها باعتباره أسمى القوانين، ينص على عدم السماح لأية جماعة مستقلة أو لأي إقليم يتمتع بالاستقلال الذاتي أن يميز نفسه بناء على اعتبارات من قبيل : الحجم الجغرافي، التعداد السكاني، أو نظرا للمستوى الاقتصادي والاجتماعي أو لخصائصه الثقافية. وقد أكد ذلك في العديد من أحكامه، كالفصل 139 منه الذي يقر على أن جميع الإسبان لهم نفس الحقوق والواجبات على التراب الوطني، ولا يمكن لأي سلطة أن تحد من ذلك أو تقر بالتمييز بين مواطني إسبانيا بناء على انتماءاتهم الجهوية.
ارتبطت راهنية الحكم الذاتي في التجارب الدستورية المقارنة، بإنتاج المشروعية السياسية بناء على توافقات بين السلطة المركزية لامتصاص النزعة الاستقلالية للمجالات الهامشية وبناء حدود وطنية ذات طبيعة قومية تضمن استمرارية الهوية والأمة المكونة للمجال الترابي.[14]
فمبدأ الشرعية يعد مبدأ محوريا في بناء أواصر التماسك داخل أية دولة أو مجتمع وأمة. وينبني بالأساس على فكرة جوهرية محتواها ضرورة احترام الأدنى للأعلى سواء كمؤسسات أو كأعمال وتشريعات صادرة عنها، باعتبارها تعكس مقوم من مقومات السيادة بناء على درجة سموها وتراتبيتها.
كما أن لمبدأ الشرعية أسس ينبني ويقوم عليها.
أولا – أسس مبدأ الشرعية :
إن متانة، صلابة وقوة مبدأ الشرعية ترتبط بالأساس بوحدة الأمة وانسجام مصادر الشرعية وتراتبيتها، وروح التعددية السياسية والثقافية وهاجس الاندماج السياسي والاجتماعي.
فالدستور باعتباره القانون الأسمى، على ضوئه تفهم وتفسر التشريعات الأخرى اللاحقة عليه والتي لا يجب أن تتعارض معه. بل أكثر من ذلك أنه بناء على الاعتبارات السالفة الذكر تظل مسألة استقلالية مناطق وجهات الحكم الذاتي أو الجهات في بعدها السياسي لا تتعارض والتنصيص على مبدأ التجانس والإنسجام بين التشريعات المستقلة لمناطق وسلطات الحكم الذاتي وبين الدستور. وفي هذا السياق يجب أن تأتي القوانين والمراسيم التنظيمية والأحكام القضائية الصادرة عن هيئات جهة نظام الحكم الذاتي مطابقة لدستور المملكة،[15] وهو نفس المقتضى الذي تنص عليه العديد من أحكام دساتير الدول المقارنة.
ويظل في الأخير من الضروري والمؤكد خلق ضمانات مؤسساتية وقضائية كفيلة بحماية هذا المبدأ الضابط والأساسي.
ثانيا – ضمانات مبدأ الشرعية :
وتتحدد أساسا في :
* الضمانة القضائية :
وتتمثل في المحكمة العليا الجهوية، التي جعل منها مقترح الحكم الذاتي بمثابة أعلى هيئة قضائية بجهة الحكم الذاتي للصحراء، تتولى النظر انتهائيا في تأويل قوانين الجهة دون أي إخلال باختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمحكمة الدستورية.[16]
وبالرجوع إلى التجارب المقارنة نجد أن الدستور الإسباني، إن كان قد اعترف للجماعات المستقلة التي تتأسس بواسطة الطريقة السريعة،[17] بإمكانية إنشائها لمحكمة عليا للقضاء مع احترام ما أسند إلى المحكمة العليا من صلاحيات قضائية على المستوى الوطني.[18] هذا علاوة على تنصيص الدستور الإسباني في فصليه 123 و163 على أن المحكمة الدستورية تمارس قضاءها على كافة التراب الإسباني.
* ضمانة السلطة العليا :
وتتجسد في تلك الآلية أو المؤسسة السامية التي تتولى اختصاصات وصلاحيات بهدف ضمان وحدة الدولة وتجانسها. وهذا السمو، ليس غاية في حد ذاته، بقدر ما هو ضمانة للشرعية وحماية للمؤسسات في إطار من التوازن المستمر للهيئات والقوى وحماية الحقوق والحريات المكفولة للجميع في إطار احترام تام لدولة القانون والمؤسسات.[19]
وبالإضافة إلى هاته السلطة المركزية السامية، وعلى غرار الكثير من تجارب نظام الحكم الذاتي التي تحتفظ بضمانة ممثلي الدولة في مناطق الحكم الذاتي أو الجهات السياسية. فقد أشار مقترح الحكم الذاتي المغربي لجهة الصحراء، إلى تواجد مندوب للحكومة يزاول اختصاصات الدولة في جهة الحكم الذاتي للصحراء.[20]
أما على مستوى الضوابط القانونية، والتي يجب أخذها في هذا الإطار بمعناها الضيق أي الحديث عن التشريع والقوانين الصادرة عن الأجهزة والمؤسسات المختصة بهذا الشأن على مستوى تراب جهة الحكم الذاتي.
وباستقراء مختلف التجارب المقارنة، نجد أنها تتجسد فيما يلي :
– مبدأ الاستقلالية :
إن النظريات الدستورية والسياسية، أضحت تطرح السياسة الترابية العامة للدولة على أساس إعادة ترسيم المجال الترابي والعمل على تحديث بنياته التقليدية على نحو يضمن استمرارية السلطة السياسية وعدم تجزئة سيادة الدولة. ومن هذا المنظور تشكل الجهوية السياسية وأنظمة الحكم الذاتي أرقى مستويات اللامركزية مع اختلافهما في الدرجة، وذلك لاعتبارين أساسيين :
أولا : وجود سلطة جهوية متمايزة عن سلطة الدولة، جراء الاعتراف بوجود سلطة مستقلة عن السلطة المركزية، قادرة على أن تمكن النخبة السياسية الجهوية من امتلاك سلطة مقابلة، أي سلطة التأثير على القرار السياسي الترابي.
وثانيا، أن مرجعية الحكم الذاتي تستمد مشروعيتها من أصل السلطة وروح التعددية السياسية والثقافية. حيث احترام الخصوصية الجهوية وحماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية ومفهوم المواطنة في بعدها المحلي. هذا إلى جانب رعاية اللغة والثقافة المحليتين.[21]
- احترام الضوابط الدستورية : وذلك من خلال التزام التشريعات المحلية في ظل نظام الحكم الذاتي، بالعمل وفق مقاربة الاحترام الكامل للدستور الوطني نصا ومضمونا وعلى أساس مقتضياته بعيدا عن التعارض واتفاق الحكم الذاتي الذي قد يكون على شكل ملحق بالدستور أو في صورة مستقلة ومنفصلة عنه.
- احترام السلطة المعيارية : وذلك عبر :
الحرص على الإعداد الملائم والجيد للنظام التشريعي في علاقته بالسلطتين التنفيذية والقضائية لجهة الحكم الذاتي من جهة أولى، وكذا من ناحية ثانية فيما يتعلق بالمستوى العمودي بين الأنشطة والصلاحيات التزاما بالحدود المحلية بصددها.
كل هذا، في إطار تبني تصور عام للعمل والممارسة تأخذ بعين الاعتبار التماشي المطلق مع السياسات العمومية الوطنية التزاما بمبدأ الفرعية la subsidiarité أو الثانوية الفاعلة، الذي تعد ضمنه مسألة سمو المقاربة الترابية جزء لا يتجزأ. والتي بمقتضاها يكون كل مستوى ترابي ملزم بأن يعطي أجوبة نوعية ومحددة لتساؤلات وقضايا مشتركة.[22]
كما يدخل في إطار احترام السلطة المعيارية الأخذ بهرمية التنظيم القضائي في شقيه الدستوري والإداري. علاوة على ضرورة تواجد أجهزة للمراقبة والوقاية، من قبيل : مجلس الضمانات النظامية مهمته السهر على توازن وعدالة الأنظمة الأساسية لمختلف الهيئات والأجهزة القطاعية والعاملين بها، وكذا مجلس للحسابات، والوسيط، ثم المجلس السمعي البصري والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض هذه الأجهزة يتوفر عليها المغرب، لكن قد يتطلب الأمر ملاءمتها مع الوضع الذي سيفرزه واقع تبني واعتماد نظام الحكم الذاتي المقترح.[23]
هذا كل ما يتعلق بالضوابط الدستورية والقانونية لنظام الحكم الذاتي، فماذا عن الاختصاصات ؟
المطلب الثاني : مبادرة الحكم الذاتي : اختصاصات جهة الصحراء
تهدف المبادرة المغربية بشأن الحكم الذاتي في جهة الصحراء، وكذا مشروع الجهوية المتقدمة إلى إقامة نظام ديمقراطي على أساسه يتولى مواطني الصحراء تدبير شؤونهم بأنفسهم عن طريق هيئات ومؤسسات تنص المبادرة على إحداثها. وبقراءة محتويات ومضمون هذه المبادرة التي تقدم بها المغرب تلبية للنداءات الصادرة عن المجموعة الدولية، وهدفا منه في بناء مجتمع ديمقراطي حداثي يرتكز على مقومات دولة القانون والحريات الفردية والجماعية والتنمية الإقتصادية والإجتماعية، نجد العديد من المقتضيات التي تصب في هذا الاتجاه. حيث تنص في نقطتها الخامسة على أن : “سكان الصحراء سيقومون بإدارة شؤونهم بنفسهم بطريقة ديمقراطية من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية تتمتع بسلطات خاصة، وستكون لديهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كل المجالات، كما سيكون لهم دور نشيط في الحياة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية للأمة.
كما يتبين من مقتضيات النقط والفقرات الواردة في مقترح الحكم الذاتي، وكذلك في بعض الخطابات الملكية في هذا الشأن، بأنه في إطار الحكم الذاتي بالأقاليم الصحراوية، سيكون لأبناء الجهة برلمان خاص بهم يتشكل من ممثلي جميع القبائل الصحراوية الذين ينتخبون بطريقة غير مباشرة، وأعضاء منتخبون من طرف سكان جهة الصحراء بالاقتراع العام المباشر، هذا مع ضمان تمثيلية كافية للسناء في إطار هذا البرلمان.[24] ومن بين أهم تجليات الديمقراطية في البنيان القانوني والسياسي لنظام الحكم الذاتي، أن السلطة التنفيذية في جهة الصحراء ستكون منبثقة من البرلمان، حيث سيتم انتخاب رئيس حكومة الصحراء من قبل برلمانها، على أن يتم تنصيبه من قبل الملك.
وعليه، فمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب قد خص جهة الصحراء باختصاصات مهمة في مجالات شتى، كما أبقى على صلاحيات واختصاصات حصرية لفائدة الدولة.
الفرع الأول: مبادرة الحكم الذاتي بجهة الصحراء : الإختصاصات والصلاحيات
لقد خصت مبادرة الحكم الذاتي جهة الصحراء بعدة إختصاصات، يمارسها سكانها داخل حدودها الترابية ومن خلال هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وفق مبادئ وقواعد الديمقراطية.
وتشمل هاته الإختصاصات مجالات متعددة، لاسيما :
- الإدارة المحلية والشرطة المحلية ومحاكم الجهة.
- على المستوى الاقتصادي : التنمية الإقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة.
- ميزانية الجهة ونظامها الجبائي.
- البنى التحتية : الماء والمنشآت المائية والكهرباء والأشغال العمومية والنقل.
- على المستوى الاجتماعي : السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الإجتماعية.
- التنمية الثقافية : بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني.
- البيئة.[25]
فمن خلال هاته الرزنامة من الصلاحيات والإختصاصات الموكولة لجهة الصحراء، يتضح مدى إنسجامها وما هو متضمن في التجارب المقارنة المطبقة لنظام الحكم الذاتي كـ : إسبانيا وإيطاليا. كما أنها جاءت محترمة للضوابط والمعايير الدولية المتعارف عليها في هذا الشأن.
وهناك من ذهب إلى حد اعتبار أن مقتضيات المبادرة المغربية متفوقة كثيرا مقارنة بتوصيات “لجنة لاند Lund” التي أوصت على وجوب أن تمس اختصاصات الجهة، قطاعات : التربية، الثقافة، استعمال لغات الأقليات، إعداد التراب المحلي، الثروات الطبيعية، التنمية المحلية، حفظ النظام المحلي، السكن، الصحة والخدمات الإجتماعية والبيئة. في حين استثنت من ذلك مجالات مهمة جاءت متضمنة في صلب المبادرة المغربية، ويتعلق الأمر بـ : العدل، الجباية، السياحة والنقل، والتي جعلت منها لجنة لاند إختصاصات مشتركة بين الجهات والسلطات المركزية.[26] فيما جعلتها المبادرة المغربية إختصاصات ذاتية لجهة الحكم الذاتي.
فمن هذا المنطلق الراسخ والهادف إلى تمكين سكان الصحراء من تولي تدبير شؤونهم بأنفسهم وبشكل ديمقراطي من خلال هيئات تمثيلية تمس السلطات الثلاث الأساسية والدستورية وفق تمتعها بصلاحيات حصرية قادرة على تحقيق تنميتها المحلية على جميع الأصعدة والمستويات. فقد حددت المبادرة المغربية، الموارد المالية الضرورية[27] التي من شأنها أن تساعدها في تحقيق رهاناتها التنموية في المجالات الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية وغيرها. والتي جاءت متنوعة وذات إستقلالية وخصوصية محلية، وذلك هدفا في دحض تلك الفرضية القائلة بكون نظام اللامركزية في مجمله وبنوعيه الإداري والسياسي ما هو إلا عبارة عن تحويل للأعباء المالية وبالتالي تحويل للأزمة من البنية الرئيسية إلى الثانوية.[28]
وقد اشتملت الموارد المالية لجهة الحكم الذاتي على :
- الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من لدن الهيئات المختصة للجهة.
- العائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية المرصودة للجهة.
- جزء من العائدات المحصلة من طرف الدولة والمتأتية من الموارد الطبيعية الموجودة داخل الجهة.
- الموارد الضرورية المخصصة في إطار التضامن الوطني.
- عائدات ممتلكات الجهة.
من خلال هاته الموارد، يتضح انعقاد الإختصاص لجهة الحكم الذاتي فيما يخص السياسة الجبائية المحلية. وهو الأمر الذي يجعل من المبادرة المغربية ذات مكانة متميزة عن توصيات “لجنة Lund” التي ترفض منح مثل هذا الاختصاص للسلطة الجهوية المستقلة أو للجهة المتمتعة بنظام للحكم الذاتي لوحدها، بل تدعو إلى اقتسام هذا الإختصاص مع السلطة المركزية المعنية.[29]
وحتى بالرجوع إلى التجارب المقارنة في هذا الباب، نجد مثلا أن الموارد الذاتية للجهات الإيطالية لا تحتل مكانة تذكر في مجال تمويل النفقات الجهوية، حيث لا تتجاوز نسبة 1% من الموارد المالية. بل وأكثر من ذلك فإن الجهة لا تتمتع بسلطة جبائية حقيقية بحيث أن تأسيس الضرائب وتحديد أسعارها تتطلب مصادقة البرلمان.[30]
ليظل في الأخير، ورغم ما تتمتع به الجهة في إيطاليا من سلطات تشريعية وتنفيذية، إلا أن سلطتها الجبائية والمالية تبقى محدودة مما يشكل إنعكاسا على الإستقلال الحقيقي للجهات. فالدولة المركزية تراقب الجهات من خلال هيمنتها على 85% من مصادر التمويل الجهوي. وعليه، فإن النظام المالي الجهوي الإيطالي يعتبر هو الحلقة الضعيفة في ظل التجربة الجهوية الإيطالية.[31]
إلا أن ما تجدر الإشارة إليه أيضا، أن التعديلات والإصلاحات الدستورية الأخيرة، سارت على نهج تعزيز الإستقلال المحلي، خاصة في جوانبه المالية. هذا بخلاف تجربة المجموعات المستقلة بإسبانيا، حيث منح الدستور الإسباني في فصوله 157 و158 و159، هاته المجموعات إستقلالا كبيرا على مستوى الموارد المالية والجبائية المحلية. عاملا على تحديد مواردها الضريبية ونظام الإمدادات المركزية بشكل دقيق.[32]
فعلى مستوى الموارد الذاتية، نجد المجموعات المستقلة تتمتع بحرية كبيرة في خلقها شريطة أن يكون منصوص عليها في النظام الأساسي للمجموعة المستقلة، وأن تحترم المبادئ العامة المنصوص عليها في القانون التنظيمي لـ1980 الذي يحدد القواعد القانونية للنظام المالي للجماعات، بحيث لا يجب أن يكون لها تأثير على حرية التنقل أو تشكل مصدرا لخلق التزامات للمجموعات المستقلة الأخرى.
الفرع الثاني :علاقة السلطة المركزية بجهة الحكم الذاتي : إختصاصات حصرية للدولة
إن تمتيع جهة الصحراء بصلاحيات وإختصاصات واسعة، لا يعني جعلها بعيدة عن رقابة الدولة أو أنها تشتغل بإستقلالية تامة عنها. بل في مقابل تلك الإختصاصات الممنوحة لها، احتفظت الدولة لنفسها بإختصاصات حصرية.
وهي الإختصاصات التي تباشر الدولة مسؤوليتها بشأنها من خلال مندوب للحكومة في جهة الحكم الذاتي.[33]
فإذا كنا قد وقفنا خلال الفقرة السابقة على الصلاحيات الواسعة الموكولة لجهة الحكم الذاتي، فإننا سنقف عند هذه الفقرة على الوضع الضيق والمحصور فيما يرتبط بالإختصاصات المخولة للدولة مقارنة بجهة الحكم الذاتي، وكذلك مقارنة بالموازاة مع ما جاءت به التوصية رقم 15 “للجنة لاند Lund” التي حددت المهام الخاصة بالسلطات المركزية في : الشؤون الخارجية، الدفاع، الهجرة والجمارك، السياسة الماكرو-إقتصادية والسياسية النقدية. فيما ذهبت المبادرة المغربية بشأن الحكم الذاتي ومن خلال نقطتها الخامسة عشرة إلى إشراك جهة الصحراء في أحد أهم الإختصاصات الحصرية للدولة والمرتبطة بالعلاقات الخارجية والصلاحيات الدبلوماسية، وذلك عندما تكون ذات صلة مباشرة بإختصاصات جهة الحكم الذاتي مع إعطاء هذه الأخيرة إمكانية إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية بعد تشاور مع الحكومة بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات.
وعليه، يمكن القول أن المبادرة المغربية في هذا الشأن، متطورة ومتقدمة وجريئة بشكل واضح، يضاهي الأنظمة المتقدمة للحكم الذاتي، ويساير الجارة الإسبانية في نظامها المطبق على مجموعاتها المستقلة.
فالفكرة الأساسية التي يمكن أن نستقيها من مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب هو أنه خص جهة الصحراء بصلاحيات واسعة في ميادين تنموية مهمة، كما أبقى على صلاحيات حصرية للدولة في مجالات سيادية وحساسة، علاوة على إقراره بكون الإختصاصات التي لم يتم التنصيص على تحويلها ونقلها صراحة، فإنها تمارس بناء على اتفاق بين الطرفين وذلك عملا بمبدأ التفريع[34] في توزيع الإختصاصات. بناء على مبدأ ما يستطيع الأدنى القيام به يترفع عنه الأعلى، وما يعجز عنه الأدنى يتولاه الأعلى.[35]
فمن مميزات نموذج الحكم الذاتي ليس توزيع السلطة المعيارية، ولكن ثنائية هذه السلطة ببناء الشرعية وسيادة الوحدة الترابية. فإذا كانت الأنظمة الفيدرالية تتقاسم السلطة المعيارية مما يجعلها تدخل مجال التنافس، فإن الجهويات العادية أو الإدارية قد تتوفر الجهات على سلطات واسعة لكن ليس على أساس معياري أصيل. لتبقى أنظمة الحكم الذاتي مبنية على ثنائية السلطة المعيارية دون حد التنافس أو التعارض.
وكل الدول والتجارب المقارنة التي أخذت بنظام الجهات أو المناطق بالنسبة لأقاليمها أو لبعض منها، فنجدها قد تبنت إحدى الطرق الثلاث في توزيع الصلاحيات والإختصاصات بين السلطة المركزية (الدولة) وبين الجهات. وهذه الطرق هي :
- تعيين الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والقضائية بين الجهات والسلطة المركزية.
- الإقتصار على التحديد والتوزيع الضيق والمحدد لصلاحيات الجهة أو الجهات في مجالات معينة.
- الإكتفاء بتعيين صلاحيات الدولة والسلطة المركزية والمجالات السيادية لها بشكل حصري.
ونلاحظ أن المبادرة المغربية لإقرار نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء، قد أخذت بالطريقة الأولى على نهج النظام السياسي الإسباني الذي ميز دستوريا من خلال المادتين 148 و149 بين صلاحيات المجموعات المستقلة وصلاحيات الدولة.[36] وذلك في إطار نمط متعلق بمنح التأطير كقاعدة عامة للسلطة المركزية والمبادرة للسلطة المحلية.[37] أي أن الدستور الإسباني لسنة 1978 أقر مبدأ التوزيع الإقليمي للسلطة، عبر إنشاء مركز قانوني خاص بالأقاليم والقوميات، يطلق عليه دولة الجماعات المستقلة،[38] ينبني على :
- مبدأ الوحدة : وحدة الدولة الإسبانية.
- مبدأ المساواة بين الجماعات أو الوحدات المستقلة والأفراد.
- مبدأ التضامن بين الجماعات المستقلة.
وهي مبادئ يسهر على إحترامها وتطبيقها البرلمان الإسباني الوطني (الكورتيس) من خلال توفير الإطار التشريعي العام المناسب لذلك. في إطار تمتع الوحدة المستقلة بسلطات أصلية تشريعية وتنفيذية وقضائية متميزة عن السلطات التي تتوفر عليها السلطة المركزية، والتي لا تخرق مبدأ سيادة الدولة. ويتحقق ذلك من خلال التوفر على المؤسسات التالية :
- البرلمان المحلي، الحكومة المحلية، وقضاء الجماعات أو الوحدات المستقلة. في توزيع للسلطات الدستورية بين السلطة المركزية والوحدات المستقلة على أساس ثلاث مجالات :
- مجال الدولة المحجوز.
- مجال الوحدة المستقلة.
- مجال مشترك.
هذا دون أن نغفل وفي نفس الإطار وضمن نفس المجال، مجال التجارب المقارنة، لا يجب أن نغفل النمط المتعلق بمنح المبادرة كقاعدة عامة للوحدة اللامركزية على أن يكون الإشراف للسلطة المركزية. وهو التطبيق الواقعي للنموذج الألماني الذي يمنح سلطة القرار في الأصل “للاندر” وليس للسلطة المركزية. فالأولى تتوفر على إختصاصات تهم كافة الميادين من : تشريعية، وتنفيذية وقضائية.
ويميز في هذا السياق بين ثلاثة أنواع من مجالات التشريع :[39]
ينفرد الإتحاد بسلطة ممارسة التشريع الحصري والذي يهم الميادين المشتركة بين مختلف مكوناته. والمرتبطة بالسيادة الوطنية لألمانيا. ويهم أساسا الميادين التالية :
- الشؤون الخارجية.
- الدفاع.
- العملات الورقية والمعدنية والنقد.
- شرطة الجمارك والحدود.
- المواصلات الجوية.
- البريد والمواصلات اللاسلكية.
- النقل السككي.
- سن بعض الضرائب.
الفقرة الثانية:التشريع التنافسي
وتتمثل الصلاحيات التشريعية التنافسية في الإختصاصات التي يسمح المشرع الدستوري للولايات بوضع التنظيمات القانونية المؤطرة للميادين التي لم يتم الإتحاد بتأطيرها من الناحية القانونية. إنها تلك المجالات التي لا تدخل في المرجعية الخلفية المولدة للإتحاد ولا تتطلبها الضرورة المؤسسة للإتحاد. وتهم مجالات الحياة التنموية المحلية والجهوية، كالتنظيم الترابي ونظام الجماعات المحلية وإعداد التراب والتنمية الإقتصادية والتعليم والثقافة والصحة العمومية… وكذا مجالات التحقيق الجنائي والدفاع عن النظامين الفيدرالي أو المتعلق باللاندر، ومسؤولية السلطة العامة.[40]
فالتشريع التنافسي يشكل مجالا لتجاذب الإختصاصات بين الولايات والإتحاد، حيث يعمل هذا الأخير على الحفاظ على الوحدة القانونية وتأطير المصالح المشتركة، بينما تتشبث الولايات بحقها في التشريع في المجالات التي تندرج ضمن إختصاصاتها. ويظل الدور الكبير في حفظ التوازن التشريعي بين الطرفين للمجلس الدستوري الذي يعمل على التأكد من توفر شروط ومقومات التشريع التنافسي.[41]
الفقرة الثالثة: التشريع الإطاري
تتجسد هذه الاختصاصات في السماح للولايات الألمانية بتطوير وتفصيل القوانين الإطارية التي يشرعها الإتحاد وتكييف مقتضياتها مع خصوصيات التنظيم الترابي للولايات.[42] وتشمل مجالاتها القطاعات التالية :
- التعليم العالي.
- حماية الطبيعة.
- العناية بالأراضي.
- التخطيط العمراني.
- نظام المياه.
ويبقى في الأخير، وبالعودة إلى المبادرة المغربية بشأن مقترح الحكم الذاتي لجهة الصحراء، وانطلاقا مما ذكرناه، فإنه يعد أحد أشكال التعبير السياسي الذي بواسطته يمكن تنمية التراث الثقافي والحضاري وقيام الجهات بإدارة شؤونها الداخلية في إقليمها القومي دون رفع شعار الإنفصال والإستقلال التام حفاظا على وحدة الوطن وصيانة الوحدة الوطنية والتضامن الوطني. فالمقترح المغربي سجل من خلال هذه المبادرة الجريئة، قطيعة مع مبدأ تقرير المصير بصيغة الإستقلال الذي أظهر عدم جدواه في قضية وحدتنا الترابية، ليرسي محله مبدأ آخر أكثر قابلية للتطبيق، وهو مبدأ تقرير المصير بصيغة البناء الديمقراطي.[43] وذلك إنطلاقا من الآليات التي تم إتباعها قبل التقدم بالمقترح أمام المنتظم الدولي، حيث كان الحرص على استشارة الأحزاب السياسية الوطنية لتقديم رأيها بشأنه، وكذا بلورته إنطلاقا من النقاشات التي عرفها المجلس الإستشاري لشؤون الصحراء. هذا علاوة على النقاش المدني المستمر إلى اليوم والذي أعقب تقديم المقترح من خلال مفهوم الحكم الذاتي، مبادئه وكذا أدوات أجرأته وتفعيله على أرض الواقع مرورا بالسياق السياسي والقانوني الوطني والدولي الذي يرد فيه.
وهو النقاش الذي تزامن في كثير من محطاته مع جولات المفاوضات والتي في البعض منها ناقش المتفاوضون بعض تفاصيل المقترح المغربي، كممارسة مبدأ تقرير المصير، الإدارة والإختصاصات، والأجهزة والهياكل وكذا العدالة والموارد.[44]
إلا أن ما يجب الوقوف عنده على مستوى جهة الصحراء، هو ما كان لتداعيات وأسباب مشكل أزمة الثقة الذي كان مطروحا سابقا، والذي ساهم في خلق وصناعة فئة معينة مزدوجة الخطاب في تعاملها مع قضية الصحراء، حيث علمها اقتصاد الريع والامتيازات غير القانونية كيف تساوم على وطنيتها.
فأزمة الثقة هاته، دفعت بالكثير إلى المطالبة بتطبيق مبادرة الحكم الذاتي من طرف واحد، هي المغرب والصحراويين المتواجدين في الداخل. متناسين أن الأمر يتعلق بمشكل أصبح دوليا بما يحمله ذلك من معان، لعل أبسطها أنه مطروح أمام الأمم المتحدة، سواء في شخص لجنتها الرابعة أو جمعيتها العامة أو مجلس الأمن. هذا إلى جانب أن هناك جزء من الطرف الثاني الصحراوي يوجد خارج المغرب رغم أنه لا يشكل الأغلبية العددية، إلا أنه طرف أساسي في المعادلة السياسية بسبب احتضانه من طرف دولة أخرى أصبحت هي ذاتها معنية بشكل كبير رغم رفضها الإعتراف والإفصاح عن ذلك.
وعليه، فإن تطبيق الحكم الذاتي من جهة واحدة لن يحل المشكل، بل قد يؤدي إلى فقدان ورقة قوية وخطيرة قد يكون مضطرا أمامها المغرب لتقديم المزيد من التنازلات التي لا يمكن أن يتحملها المغرب سياسيا.[45]
ووفقا لهذه الرؤية، التي تربط بين إيجاد حل سياسي لقضية الصحراء في إطار الوحدة والسيادة المغربية، سيعلن جلالة الملك في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء، يوم 06 نونبر 2008 عن إطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة، تشمل كل مناطق المملكة وفي مقدمتها جهة الصحراء. وذلك بتمكين ساكنتها وأبنائها من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية ضمن مغرب موحد، سواء بإقامة جهوية واسعة وملائمة، وذلك طبقا لإرادتنا الوطنية أو من خلال الحكم الذاتي المقترح متى ما تم التوافق السياسي بشأنه واعتماده كحل نهائي من طرف المنتظم الدولي.
ونظام الجهوية المتقدمة، كما سبق ووضحنا، لا يختلف كثيرا عن نظام الحكم الذاتي إلا في الجوانب السياسية التي لا يمكن الحديث عنها خارج سياق حل نهائي يطوي ملف الصحراء إلى الأبد. فهذا النظام الأخير –أي الحكم الذاتي- وكما أسلفنا الإشارة إلى ذلك بكون ضوابطه لم ترد في وثيقة معينة وخاصة محددة قانونا أو من قبل مواثيق دولية على جميع الدول الإلتزام بها، بقدر ما هي ضوابط يمكن استنتاجها من مختلف التجارب العالمية على أساس ملكة الإجتهاد والإبتكار في ظل واقع محكوم بسياق الصراع حول السلطة بين الأطراف هدفا في أولوية هاته السلطة التي تتجسد في تنظيم القدرات والموارد بشكل يحافظ على قوة الدول وتماسك المجتمعات والأمم مهما اختلفت أجناسها ثقافاتها، لغاتها أديانها وقبائلها وانتماءاتها. فإذا كانت الفيدرالية هي تجميع افتراضي للدول، فإن الجهوية السياسية والحكم الذاتي تقسيم افتراضي للدول تجنبا لإنقسام فعلي لها لا ينتفع منه أحد في النهاية.[46]
فالتطورات والتغيرات السياسية الإقتصادية والإجتماعية والتحول في وظائف الدولة ومهامها ومسألة التعاطي معها تفرض مبدأ التدرج. هذا الأخير الذي يقتضي في هذه المرحلة الإنتقال على المستوى الترابي من جهوية إدارية محدودة يطغى عليها الطابع الأمني والإقتصادي، إلى جهوية متقدمة تأخذ بعين الإعتبار العديد من مكونات المجتمع في إطار تدبير للتنوع محكوم بالوحدة مع فسح المجال أكثر للنخب المحلية الحقيقية لتقول كلمتها على مستوى التنمية المحلية وكسب رهاناتها.
المطلب الثاني : الجهوية المتقدمة بالمغرب : مدخل للتنمية المحلية
إن ورش الجهوية المتقدمة الذي أعلن جلالة الملك عن إطلاقه خلال 03 يناير 2010 هو مشروع تاريخي إذا تم وفق الشروط التي يستوجبها، وعلى أساس مراعاة كل الجوانب المرتبطة بهذا الإطار في أبعاده المتعددة والشاملة. إذ سيقطع مع مرحلة تدبير كلاسيكية مبنية على المركزية والبعد الأحادي في التعاطي مع القضايا الرئيسية والجوهرية في علاقتها بالمجال الترابي والامتداد الجغرافي في تنوعه وخصوصياته، إلى مقاربة جديدة في هذا الإطار تستدعي وتستند على الأدوار الفعلية والحقيقية للجهة في وضعها المتقدم الذي يسعى إلى تمكين المواطن داخل جهته من تدبير شؤونه بنفسه عبر منح هيئات ومؤسسات الجهة الاختصاصات والصلاحيات التامة والكاملة في تناسق تام وتواز مع توفير الإمكانات المالية الضرورية لتحقيق التنمية المحلية المندمجة.[47]
فالرهان على مشروع الجهوية المتقدمة هدفا في كسب رهانات تنموية محلية شاملة، يستوجب وبشكل مهم وضع إستراتيجية إصلاحية لواقع الجهة على المستوى الداخلي والخارجي. إنه الواقع الذي يجب أن يستند أساسا على تجنيد كل الطاقات والمؤهلات الذاتية للجهة والعمل على تنمية مواردها وتطويرها وتوظيفها في أنشطة سوسيو-اقتصادية تتلاءم وخصوصياتها، بل وتصب في تجسيد تلك الخصوصية والدفع بها قدما خدمة للتنمية وفق الرؤى والأبعاد الخصوصية لنوعية المتطلبات والرغبات وكذا للأجوبة الخلاقة والمبدعة التي تجيب عن حلول نوعية وتعاطي يتوافق وخصوصية المشاكل المطروحة على التراب المحلي.
فأهمية الورش الهيكلي للجهوية المتقدمة، تكمن في أنه سيكون له الفضل الكبير مقارنة بالمراحل والتجارب السابقة، سيما إذا ما تم التعامل معه بالمستوى اللازم من قبل المعنيين به، إذ له الأثر المباشر والملموس على المشهد السياسي والحياة السياسية المغربية، حيث سنصبح أمام منطق جديد في تدبير الشأن العام المحلي. بل أكثر من ذلك أن تبني ورش الجهوية المتقدمة في بلادنا سيكون له لا محالة تأثير جذري وعميق على بنية النظام الدستوري المغربي. حيث الأفق مغرب الجهات، مغرب العلاقات الجديدة بين السلطات المركزية والوحدات الترابية المحلية.
فبعد أكثر من خمسين سنة من تبني المغرب لنظام حكم مركزي يستند إلى نظام اللامركزية الإدارية مع عدم التركيز، وإن كان بشكل يعرف مدا وجزرا ارتباطا بالعديد من المؤثرات والإكراهات. فإن الأمر الآن وفي المستقبل القريب يفرض ضرورة إعادة النظر في بنية العلاقات المرتبطة بالسلطة بمختلف تجلياتها. حيث الأمر يتطلب التوزيع العمودي للسلط وكذا للموارد بين الدولة والجهات في ظل مبادئ وثوابت محددة ومعينة أكدت عليها الخطابات الملكية التي تشكل المرجعية والفلسفة لهذا الورش الهيكلي العميق.
فالظروف الداخلية والخارجية التي يعرفها المغرب، والتي أشرنا إليها عبر مختلف محطات وفقرات هذا البحث كلما دعت الضرورة لذلك، تستلزم إيجاد أساليب حديثة كفيلة بخلق إقلاع تنموي شامل، وهو أمر مرهون بشكل واسع بإعطاء مكانة أكبر للامركزية في بعدها المتقدم وللديمقراطية المحلية بغية تحقيق الأهداف المنشودة والمسطرة من خلال الإصلاح الجوهري للنظام الجهوي المغربي، وأسسه وهيئاته وذلك عبر تمكينه من الإمكانيات والآليات التي تخوله النجاعة في تدخلاته الإقتصادية والإجتماعية. إذ أن ما تهدف إليه سياسة الجهوية في الألفية الثالثة كرهان، هو تقليص الفوارق الجهوية وتصحيح الاختلالات المترتبة والناتجة عن الانفجار الديمغرافي والتفاوت في الثروات وذلك عن طريق التأسيس لتنمية متناسقة ومتوازنة لمختلف تراب المملكة، انطلاقا من الفضاء الجهوي كإطار للدراسات والبرامج الإقتصادية والإجتماعية وإعداد السياسات العمومية المحلية في جوانبها المرتبطة بإعداد التراب وسياسة التخطيط الاستراتيجي اللامركزي باعتبارها آليات التنمية المندمجة داخل الجهة الواحدة، ومنها تحقيق التوازن والانسجام على مستوى باقي الجهات الأخرى.[48]
وإذا كانت التجربة الجهوية بالمغرب قد عرفت تطورا عبر المراحل التاريخية المتعاقبة والمتباينة في سياقاتها السياسية والإقتصادية، إلا أن موضوع الجهة في علاقتها بالتنمية حظي باهتمام كبير وعلى مختلف المستويات والأصعدة، خاصة وأن التطورات الأخيرة التي عرفتها قضية وحدتنا الترابية مع الإعلان عن المبادرة المغربية بشأن تمتيع جهة الصحراء حكما ذاتيا يسمح لأبنائها بتسيير وإدارة شؤونهم المحلية. وهو الأمر الذي لم يعطي فقط دفعة جديدة لقضية الصحراء، بل كذلك لنمط التنظيم الإداري المغربي في شموليته على اعتبار أن العديد من المقترحات والتوصيات الأكاديمية كانت ولا زالت تؤكد على أهمية تبني نظام متقدم للجهوية كأساس لتدعيم التنمية ومعالجة الاختلالات والفوارق المجالية.
فالسياسة التنموية الهادفة والجادة، هي تلك التي تسعى إلى جعل التراب المحلي البنية الأساسية للتنمية وقطب إشعاع اقتصادي واجتماعي. وهو الأمر المرهون في جزء كبير منه عبر توزيع السلطة على المستوى المحلي الذي هو ترجمة ملموسة لمبدأ النظرية الديمقراطية التي ترتكز على كون منتخبي الاقتراع العام الذين يجسدون الإرادة الشعبية هم المؤتمنون الشرعيون على السلطة الإدارية.[49] والجهة على هذا المستوى باعتبارها قاطرة لتنشيط الديناميكية الإقتصادية محليا، فهي الإطار التنظيمي الأمثل للتنمية الشاملة والمندمجة، كما أنها تجسيد ذو راهنية كبرى ويعول عليها ضمن العلاقة السوسيو-سياسية التي تربط المركز بالمحيط باعتبارها إحدى أهم قنوات الاتصال السياسي.[50]
وعليه، فالجهوية المتقدمة باعتبارها مدخلا حقيقيا وتوجها حاسما في البعد الاستراتيجي للتنمية الشاملة على جميع الأصعدة من سياسية، اقتصادية، اجتماعية، جغرافية، ثقافية وبيئية، وبناء على كونها ورش هيكلي يتوخى مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. فإن كسب الرهان يتوقف على تظافر الإرادة والجهود بالنسبة لمختلف القوى الحية والفاعلة داخل المجتمع المغربي، وتعبئتها بشكل كامل قصد الانخراط الجماعي في الحلقات المتداخلة لمسلسل العملية التنموية.
فإشكالية التنمية المحلية عموما، في محاولة لتجاوز مشاكل التخلف بمظاهره التي تعيق وتحد من تطور واندماج فئات واسعة من المجتمع في سيرورة ودينامية مجتمع متحرك ذو قابلية للتحول والتغير. سيما وأن المراهنة اليوم وفي خضم الآمال المعقودة على مشروع الجهوية المتقدمة، مرتبطة في جزء هام منها بالعنصر البشري بالدرجة الأولى. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار واستحضار أن التنمية المحلية لن نستطيع كسب رهاناتها عبر تبني نماذج استتبت في دول مغايرة لنا ومختلفة لمعطياتنا التاريخية، الجغرافية والثقافية. لكن دون أن يعني ذلك الانغلاق وعدم الاستفادة من التجارب المقارنة في سبيل تطوير خلق نموذج ذاتي.
فالجهة قاعدة أساسية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية، سيما بعدما أبانت عنه من استجابة في التعامل مع التقنيات العصرية للتدخل والفاعلية وتجسيدا لمبدأ الحكامة الترابية في هذا المجال، والتي لن تتحقق إلا عبر نهج وتدعيم السياسة التعاقدية بين مختلف الفاعلين على المستوى الجهوي وبين مختلف الوحدات الترابية، ومن جهة أخرى تأهيل الجهة كمجال أمثل لجلب الاستثمارات وتشجيعها.
الفرع الأول : الجهة كمجال لتشجيع الاستثمارات وحدود الفاعلية السياسية
إذا كانت هناك حقيقة تاريخية تفيد بأن إقتصاديات دول العالم الثالث، قد عانت من مشاكل هيكلية كثيرة، كعدم وجود نخبة اقتصادية مستقلة عن الدولة قادرة على الإمساك بزمام الاقتصاد الوطني وتحقيق النمو الاقتصادي نظرا لظروف تاريخية، سياسية واقتصادية عديدة جعلت من الدولة هي الفاعل الأساسي في الاقتصاد لفترة زمنية طويلة. فإن المغرب لم يخرج عن هذا الإطار، حيث عملت الدولة على التدخل الكبير في الاقتصاد رغم التوجه الليبرالي الذي اختارته منذ السنوات الأولى للاستقلال،[51] وذلك سواء عن طريق تنظيم النشاط الاقتصادي وتوجيهه، أو عن طريق الاستثمار العمومي في شتى القطاعات الإقتصادية.
وقد حرصت السلطة السياسية خلال هذه الفترة على تقوية الرأسمال الخاص الوطني واتخذت في هذا الإطار عدة إجراءات لعل أهمها هو قرار مغربة الاقتصاد الوطني سنة 1973، والذي معه أصبح يمنع على كل شركة خاصة تعمل في المغرب أن يتجاوز الرأسمال الأجنبي فيها نسبة النصف. وهو الوضع الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الرأسمال الوطني الخاص للاستثمار في كل القطاعات الإقتصادية الوطنية. وتمكن بذلك من اكتساب خبرة كبيرة في مجال الأعمال ومن جمع ثروات ضخمة. لم تمض على هذا الوضع أكثر من عشر سنوات، حتى تم التراجع بصفة نهائية عن قرار المغربة في إطار الإصلاحات الإقتصادية والهيكلية التي أوصت بها المؤسسات المالية العالمية. والتي تصب في رفع كل العراقيل أمام الرأسمال الأجنبي وتشجيعه على الاستثمار من جديد في المغرب باعتماد قانون استثمارات يضمن حقوق المستثمر الأجنبي. هذا إلى جانب طرح المؤسسات الدولية لضرورة تخلي الدولة عن أنشطتها الإقتصادية.
اليوم، يعيش المغرب سياقا دوليا متميزا في ظل تنامي مد النهج الليبرالي المتمثل في فلسفة اقتصاد السوق وانتشار العولمة الإقتصادية. الأمر الذي فرض عليه الاندماج في هذا الإطار لتدبير الإكراهات التنموية الداخلية التي كان السبب الكبير فيها هو فشل السياسات العمومية المتبعة منذ الاستقلال، ولعل أهمها في الميدان الاقتصادي يتجسد في سياسة الحضانة التي وجهت لدعم القطاع الخاص الوطني من طرف الدولة. والتي إن جاءت أسباب فشل تلك السياسات متنوعة، إلا أن النتيجة كانت دائما واحدة هي عدم قدرة النخبة الإقتصادية المغربية على الاضطلاع بالأدوار التنموية المفترض أن تقوم بها.
فالتنمية الإقتصادية والإجتماعية في الوقت الراهن أضحت من بين ما تتطلبه، الاتفاق على الأهداف وتنسيق الأعمال والتشجيع والتحفيز والعمل على إشراك كل الفاعلين المعنيين، والتي هي مسألة مرتبطة بإتباع سياسة اللامركزية اللاتركيز.[52] فوعي المسؤولين ولاسيما فيما يتعلق بمسألة تشجيع الاستثمارات راسخ على كون انتهاج سياسة اللامركزية خيار استراتيجي للديمقراطية المحلية لا يمكن أن تطبق دون عمل مواز للاتركيز خاصة على المستوى الجهوي.
فأمام الأهمية الكبيرة للوقت لاسيما في الميدان الاقتصادي، أوجب العمل على إعطاء سلطة التقرير والبث للإدارة اللاممركزة، وكذا تحديد المجالات الضرورية للتفويض. وهو السياق الذي جاء فيه إنشاء المراكز الجهوية للاستثمار، والتي أعلنت عنها الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول بتاريخ 09 يناير 2002، والتي أكدت على إنشاء الشباك الوحيد على مستوى كل جهة، مع التحديد المعقول لأجل دراسة ملفات مشاريع الاستثمار.
فالفلسفة العامة من وراء إنشاء هذه المراكز، هي جعل من الدولة ذلك الكيان الذي يلعب دور الميسر والموجه للعملية الاستثمارية من جانبها الإداري. وذلك عن طريق تبسيط المساطر الإدارية والسرعة في معالجة المعطيات، “أمام المستثمر الذي سيجد رهن إشارته المسؤول والمخاطب الوحيد والمكان الأقرب والوثيقة الموحدة لإنشاء مقاولته أو تنمية استثماراته“.[53]
فهاته المراكز من جهة ثانية هي تجسيد ملموس لإدارة القرب الاقتصادي والذي على الجهة أن تشكل إطاره الأمثل تدعيما واستيعابا وتطويرا على مختلف مناحي الحياة ووفق المتطلبات المحلية والآنية للساكنة المحلية في إطار من العقلنة والترشيد في التعاطي مع القرارات الإقتصادية الجهوية.
إلا أن بعد تجربة أكثر من عقد من الزمن من الأخذ بهذه المراكز وعملها، ظهرت عدة عوائق حالت دون أدائها لمهمتها بالشكل الجيد. علاوة على أن نهج سياسة الجهوية المتقدمة كورش عميق، كلها مستجدات تستوجب إعادة النظر في هذه المراكز، ليس من حيث الفلسفة المرجعية المؤسسة لها، ولكن من جانب تكييفها مع الواقع الجهوي الجديد والحرص على جعلها أكثر نجاعة في اتجاه التصور المرتقب للجهة كقاطرة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية، وفضاء ملائم لجلب وتشجيع الاستثمارات العمومية والخاصة الوطنية منها والأجنبية.
فإذا كان تطور التحديث الاقتصادي في المغرب، قد أبان على أن واقع المرحلة الراهنة لم يترتب عنه تغيير في بنية العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص. إذ لا المستثمرون المحليون ولا الأجانب تمكنوا من إنتاج رهانات جديدة للمقاولات أو خلق ظروف تؤدي إلى استقلالية الاقتصاد عن السياسة أو بناء أسس التنمية خارج إدارة وتوجيه الدولة.
ففي الوقت الذي كان يعتبر فيه أن التطور الاقتصادي سيهيء الظروف لنزعة جديدة تجعل حراك التنمية يرتبط بأداء القطاع الخاص، وأن تتحول إلى فاعل يخلق الظروف الملائمة للتنمية، بدا أن نسبة مساهمة المقاولات الخاصة في التنمية تظل محدودة وضعيفة، ورغم تنامي حجمها في الاقتصاد إلا أنها تظل ذات ميل ضعيف نحو الاستثمار المنتج.[54] وهو الوضع الذي أصبح محل انتقاد الدولة، إذ أصبح الخطاب الرسمي ينتقد مستوى مساهمة المقاولات في الاقتصاد الوطني. وقد قوى من هذا الوضع ميول الأطروحات التي تدحض حظوظ التغيير الاقتصادي في المغرب، والتي ترى في سلوكات وتصرفات المقاولين المغاربة على أنها تجد مكانتها الأساسية عبر الاغتناء في القرب من السياسة واعتماد آلية الولاء بعيدا عن باقي الاعتبارات الأخرى.
الفرع الثاني: سياسة التعاقد كآلية لتحقيق الحكامة
في ظل تعقد الظروف الإقتصادية والإجتماعية، وأمام التغيير الذي لحق بوظيفة الفاعلين السياسيين حيث لم تعد السلطات العمومية صاحبة المسؤولية لوحدها أمام أو في مواجهة رهانات التنمية، بل برز للوجود فاعلين آخرين عزمهم أكيد على المشاركة في صنع القرار لاسيما على الصعيد المحلي، هي كلها مسائل فرضت التغيير في أساليب العمل وأسسه. فالحكامة الجيدة في هذا المضمار تقتضي العمل بمبدأ التعاقد على أساس أنه آلية لها مكانتها وأهميتها في إنجاز المشاريع التنموية، وأنه الوسيلة القانونية الأكثر تناسقا لتحقيق التعاون وتوحيد الجهود من خلال توفير الشروط الموضوعية والذاتية لتعبئة كل الأطراف المهتمة والمتدخلة في حلقات مسلسل العملية التنموية.
فإلى جانب المبرر القانوني لنهج آلية التعاقد والتي جاء بها قانون الجهات كما وضحنا ذلك عبر مختلف فصول بحثنا هذا. فإن الواقع أيضا يفرض تبني واعتماد سياسة تعاقدية بين الوحدات الترابية على أساس أن سياسة اللامركزية المتبعة في المغرب تقوم على تقسيم ترابي لا يأخذ بعين الاعتبار الإمكانات المتاحة لكل جهة، وهو الأمر الذي تتعقد معه المسؤولية، وبالتالي يصبح مفهوم توزيع الاختصاص والصلاحيات الذي يميز النموذج اللامركزي بعيد المنال ولا يصب في سياق التكامل الوظيفي للوحدات الترابية.
إن التعاقد بين الجهة وباقي المتدخلين سيعزز من دور الجهة ويجعل منها وسيلة لضبط وتيرة التنمية وضبط المجتمع حسب التناقضات والضغوط الظرفية بإدماج شرائح اجتماعية جديدة في المنظومة السياسية والإدارية للدولة وعقلنة توزيع الأنشطة الإقتصادية جهويا والعمل على مواجهة الإختلالات بين الجهات. فالتعاقد هنا يصبح الأداة القانونية الأكثر ملاءمة لتحقيق التعاون فيما بين الوحدات الترابية لإنجاز المشاريع الكبرى كالمناطق الصناعية والتجهيزات المرتبطة بالبنيات التحتية الأساسية.
وإذا كان التعاقد فيما بين الجماعات الترابية، شكل أداة قانونية متميزة لتنسيق الجهود، فإن التعاقد بين الدولة والجماعات الترابية خاصة على مستوى الجهات، شكل إطارا آخر من أجل خلق التوازن الجهوي وذلك عن طريق عقود البرامج les contrats programme، كآلية تجعل من الميادين التي يوزع فيها الإختصاص بين الدولة والجهات، يتم القيام بها بأعمال مشتركة في إطار احترام استقلالية كل جماعة، مما يسمح بتكاثف الجهود وتماسك المبادرات المحلية.[55]
وفي هذا الإطار، يمكن لعقود البرامج بالمغرب أن تهم بعض المؤسسات من قبيل: المراكز الجهوية للاستثمار، والجامعات ومراكز البحث العلمي، محددة بذلك مجال تدخل كل من الدولة والجهات، وموضحة كذلك حقوق وواجبات كل الأطراف المعنية إلى جانب الإلتزامات المالية وطرق صرف الإعتمادات المالية، في إطار نظرة شمولية لآلية التعاقد باعتبارها تجسيد لتحقيق سياسة إعداد التراب لكونها ترتكز بالأساس على ميادين ذات صلة بالتنمية المجالية وتحقيق التوازن المجالي أو الترابي.
فإذا كان من شأن الجهوية المتقدمة أن تعمق الممارسة الديمقراطية وتعطي دفعة قوية أفقيا وعموديا للديمقراطية المحلية، فإن مردوديتها الإقتصادية ليست أقل من مردوديتها السياسية.
فسياسيا يمكن إعتبار ورش الجهوية المتقدمة تتويجا لمرحلة الإنتقال الديمقراطي ومدخل لجيل جديد من الإصلاحات. بعبارة أخرى إنها :
- التعبير السياسي عن هذا المغرب المتعدد والمتنوع جغرافيا، طبيعيا وثقافيا والموحد تاريخيا وسياسيا.
- يمكن أن يشكل النظام المتقدم للجهوية مدخلا تاريخيا وسياسيا لوضع مقترح الحكم الذاتي في أقاليمنا الجنوبية موضع التنفيذ.
- من شأن المرحلة المستقبلية من تجربة الجهوية أن تساهم في وضع حد لوضع الإنتقال الديمقراطي الذي يعيشه المغرب والإنتقال إلى وضع التطبيق الديمقراطي ودولة المؤسسات، بالسلاسة المطلوبة في العلاقات فيما بينها، مما يؤسس في مرحلة لاحقة إلى فتح الآفاق أمام الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية التي يجب أن تكون موضوع توافق وإجماع وطني.
- من شأن الجهوية المتقدمة أيضا، أن تساهم في تيسير خلق وانبثاق نخب محلية قادرة على التدبير الأمثل لمتطلبات المرحلة، وذلك بما ستفتحه من إمكانيات الإستقطاب السياسي والمدني، ونظرا لدورها في جذب إهتمام الرأي العام، كإنعكاس جدلي لمنهجية القرب التي من الضروري أن تحملها كبديل لمركزة القرارات في جزء كبير منها لا تحتاج إلى كل ذلك الوقت والمسافة التي تقطعها بين المركز والمحيط.
- أكثر من ذلك، وارتباطا بسياسة القرب من شأن الجهوية المتقدمة أن تعيد الحركية والدينامية المطلوبة إلى الحياة السياسية من خلال تعبئة المواطنين في علاقتهم بنخب محلية جديدة تدبر شؤونهم، تعتمد وتتبنى مفاهيم جديدة في التعامل اليومي مع المواطنين من قبيل : تخفيف المساطر الإدارية وتيسيرها، الإتخاذ والتنفيذ المحلي للعديد من القرارات، وتكسير ذلك الجمود الذي تخلقه البيروقراطية الإدارية.
على المستوى الاقتصادي، يمكن أن تشكل الجهوية أداة دفع قوية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية، بقدر تحفيزها في إتجاه التدبير الفعال والناجع، وتيسير خلق مقاولات قوية وفرص شغل جديدة. والتي هي في النهاية تعزيز لقوة البلاد إقتصاديا وسياسيا. فليس من باب المصادفة من وجهة نظرنا المتواضعة، كون الدول الفيدرالية حيث نظام متطور وراسخ مؤسساتيا للجهوية وليس إرضاء عرقيا ولا طائفيا. هي نفسها الدول الأكثر تقدما وقوة إقتصادية مهمة إلى جانب تمتعها بنظام سياسي ناجع.
خــــــــاتــــمـــة عـــــامــــــــــــــة:
وإذا كانت الجهة بالمغرب ذات أساس اقتصادي منذ بداية قيامها حيث كانت ولا زالت التنمية من الهواجس الأساسية في تصوراتها، فإن الأفق المستقبلي الجديد يمكن أن يتأسس على بعض العناصر التالية :
- أن الجماعات الترابية على اختلاف درجاتها ومستوياتها، يجب أن تجسد سياسة القرب من الميدان، معتمدة في ذلك سياسة اقتصادية أكثر واقعية وتعمل من أجل تحسين الحكامة وتكريس النجاعة في التدبير.
- حسب التقطيع الترابي المتضمن في تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية، تتأسس الجهات في محيط مدن كبرى les métropoles، مهيكلة على نحو مهم وتنمو وتتطور وتتوسع بشكل سريع في محيط يجب أن يكون بدوره مجهزا من حيث البنيات التحتية الأساسية وطرق المواصلات وآليات الإتصال، حتى نضمن تواصل مكونات محيط الجهة مع مركزها وفيما بينها. هذا إلى جانب التجهيزات الإجتماعية من صحة وتعليم…
- من شأن ورش الجهوية المتقدمة أن يخلق أنشطة وخدمات جديدة لازالت منعدمة في أغلب جهات المغرب وفي حاجة إليها. وهو ما من شأنه أن يحدث تحولات إيجابية في مناخ المقاولة وسوق الإستثمار في إطار تيسير إحداث مقاولات جديدة مع ما لذلك من قيم مضافة على الدينامية الإقتصادية والإجتماعية المحلية وكذا الوطنية.
- وأمام تفشي ظاهرة البطالة، فقد أصبح التشغيل يشكل هدفا أساسيا ضمن السياسات العمومية، ومنه يتوجب أن يكون إنشغالا أساسيا وجوهريا في التصور الجهوي والتنمية المجالية. ويتعين في هذا الباب، تحديد القدرات التشغيلية للجهات وحاجيات القطاعات الجهوية من حيث طبيعة ومستوى الموارد البشرية.
- يتوجب أيضا دراسة الإمكانيات والهوية الإقتصادية لكل جهة vocation économique من قبل إطلاق المشاريع الإستثمارية الكبرى.
- للجهوية المتقدمة أيضا دور أساسي في توطيد علاقات التعاون الاقتصادي للمغرب على المستوى الدولي، خاصة من خلال التعاون بين جهات المغرب ونظيراتها في الدول الأخرى. كما من شأن ورش الجهوية المتقدمة إضفاء مزيد من الشفافية على سلوك الإدارة والمقاولة اللتين ستكونان أكثر خضوعا لرقابة الرأي العام ولسلطات الرقابة والمحاسبة.
كل هاته الأهداف السياسية والإقتصادية، لا يجب أن تنسينا شروطا أساسية ومفصلية يجب توفرها حتى يكون النظام الجهوي المتقدم إيجابيا وآلية من آليات تعميق الممارسة الديمقراطية المحلية وفي الوقت ذاته ترسيخ للوحدة الوطنية. ومن هاته الشروط :
- توطيد الإمتداد المجالي للدولة بجميع رموز سيادتها وسلطاتها وعناصرها. إذ أن مراحل الإنفتاح والإنتقال دائما ما تكون محفوفة بمخاطر بعض الإنزلاقات التي قد يغتنمها البعض للإساءة إلى وحدة الدولة والتاريخ.
- التشجيع على خلق نخب محلية اقتصادية، سياسية واجتماعية، ذات قناعة راسخة ومصداقية، وذات حس وطني، مواطنة، نزيهة وتحظى بالإحترام والثقة والتجذر الاجتماعي المحلي.
فانتظارات المغاربة من نظام جهوي متقدم تبقى في نظرنا المتواضع مرتبطة بمحو الفوارق بين الجهات على مختلف المستويات الإقتصادية، الإجتماعية والمجالية، والعمل على تكريس مجهودات أكبر ومصداقية أقوى لبناء مغرب قوي بجهاته وغني بتنوعه متشبث بوحدته ومؤمن برهان تنمية عنصره البشري وترقيته باعتباره مفتاح أي تنمية منشودة.
وفي خضم بلورة استراتيجية تنموية على مستوى الجهة، أضحت هاته الأخيرة موضوعا بالغ الأهمية، باعتبارها أداة من أدوات الممارسة الديمقراطية وكذا على أساس كونها المخاطب الوحيد القادر على مساعدة الدولة على تحمل أعبائها الثقيلة.
وعليه، فالتنمية الجهوية أساسا، تتطلب آليات لضمان استقلالية قراراتها المالية بما يضمن لها مقومات تخدم استقلالها المالي للانخراط في استراتيجيات تنموية، تأخذ بعين اعتبار المكانة البالغة للطاقات البشرية المؤهلة والكفؤة القادرة على تدبير الموارد المتاحة بما يتلاءم والمقومات الاقتصادية والاجتماعية والطبيعية لكل جهة على حدة.
وهي كلها إكراهات، أملنا أن يتم تجاوزها والحد من تأثيراتها مستقبلا، سيما وأن بلادنا تعيش مرحلة تنزيل ورش الجهوية المتقدمة عبر عدة اصلاحات هيكلية قانونية وإجرائية من شأنها أن تمس البنية الترابية في جوهرها، هدفا في تحقيق تنمية مستدامة ومندمجة اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا وجغرافيا…
إنها من جانب آخر، مسألة إعادة النظر في المكونات العميقة للإدارة المحلية من شأنها أن تنبئ بتحولات جذرية ستلقي بظلالها على مغرب المستقبل.
[1] أحمد مفيد : “الجهوية الموسعة وآفاق الحكم الذاتي بالأقاليم الصحراوية”، المجلة المغربية للسياسات العمومية، الجهوية والتنمية، عدد 6 خريف 2010، ص : 32.
[2] النقطة الحادية عشرة من المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء، المرجع السابق، ص : 95.
[3] إدريس جردان : الضوابط القانونية لنموذج الحكم الذاتي والجهويات السياسية الموسعة”، المجلة المغربية للسياسات العمومية، الجهوية والتنمية، العدد 6، خريف 2010، ص : 64.
[4] النقطة 30 من المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي بجهة الصحراء، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية سلسلة “نصوص ووثائق”، الجهات والجهوية في القانون المغربي والقانون المقارن، عدد 225، الطبعة الأولى 2010، ص:98.
[5] L’Autonomie des collectivités territoriales en Europe : une source potentielle de conflits ? Texte réunis par hèlène paulait ? presses universitaires de limoges .
وارد عند : محمد الغالي : “المبادرة المغربية بشأن تخويل إقليم الصحراء حكما ذاتيا على ضوء أهم التجارب الدولية المقارنة”، سلسلة اللامركزية والإدارة المحلية، العدد 6، الجهوية الموسعة بالمغرب (أي نموذج مغربي على ضوء التجارب المقارنة ؟)، سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، العدد 19، الجهوية المتقدمة بالمغرب رهان للحكامة التشاركية، الطبعة الثالثة، 2012، طوب بريس، الرباط، ص : 154.
[6] إدريس جردان : مرجع سابق، ص : 65.
[7] النقطة السادسة من المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء، المرجع السابق، ص : 94.
[8] النقطة الرابعة عشرة من نفس المبادرة، نفس المرجع، ص : 96.
[9] إدريس جردان : مرجع سابق، ص : 66.
[10] Extrait de la constitution italiene ; in REMALD, Série thèmes actuels, N°8, 1996, p p : 172-177.
[11] توفيق منصوري : “النموذج الإيطالي للجهوية”، المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية عدد خاص، السنة الرابعة، يونيو 2005، ص : 145.
[12] النقطة الثامنة عشرة من المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء، مرجع سابق، ص : 97.
[13] النقطة الخامسة والعشرون، من نفس المبادرة، نفس المرجع.
[14] محمد الغالي : “المبادرة المغربية بشأن تخويل إقليم الصحراء حكما ذاتيا على ضوء أهم التجارب الدولية المقارنة”، “، العدد 19، الجهوية المتقدمة بالمغرب رهان للحكامة التشاركية، الطبعة الثالثة، 2012، طوب بريس، الرباط،ص : 154.
[15] النقطة 24 من المبادرة المغربية للتفاوض بشأن الحكم الذاتي لجهة الصحراء، مرجع سابق، ص:97.
[16] النقطة 23 من نفس المبادرة، نفس المرجع.
[17] أحمد السوداني : “النظام الجهوي الإسباني (الجماعات المستقلة)”، المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، عدد خاص، السنة الرابعة، يونيو 2005، ص: 119.
[18] الفصل 152 من الدستور الإسباني.
[19] إدريس جردان : مرجع سابق، ص : 69.
[20] النقطة 16 من المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء، مرجع سابق، ص:96.
[21] النقطة 12 من المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء، (فقرة التنمية الثقافية)، مرجع سابق، ص : 96.
[22] محمد اليعكوبي : “المبادئ الكبرى للحكامة المحلية، تأملات حول الديمقراطية المحلية بالمغرب”، الطبعة الأولى، 2005 ، ص : 183.
[23] إدريس جردان : مرجع سابق، ص : 74.
[24] النقطة 19 من المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء، مرجع سابق، ص:97.
[25] النقطة 12 من نفس المبادرة، نفس المرجع، ص : 95-96.
[26] عبد الكبير يحيا : تقسيم التراب والسياسة الجهوية بالمغرب : نحو اعتماد جهوية سياسية”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، عدد 84، الطبعة الأولى، 2010 ، ص : 421.
[27] النقطة 13 من المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء، مرجع سابق، ص:96.
[28] عبد اللطيف بكور : “الجهوية السياسية الإيطالية كمرجعية لإفراز صيغة مشروع الجهوية الموسعة بالمغرب”، المجلة المغربية للسياسات العمومية، الجهوية والتنمية، عدد6 خريف 2010، ص : 131.
[29] توصيات “لاند” Lund رقم 20، الفقرة الثانية. وارد عند عبد الكبير يحيا : مرجع سابق، ص :421.
[30] محمد بحيري، رشيد عدنان : “تجربة الجهوية الموسعة بإيطاليا”، سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، عدد 19، الجهوية المتقدمة بالمغرب، رهان للحكامة التشاركية، الطبعة الثالثة، 2012، طوب بريس، الرباط، ص : 195.
[31] عبد الحق المرجاني : “الجهوية في بعض الدول المتقدمة”، وواقعها وآفاقها في المغرب”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 7-8، أبريل شتمبر 1994، ص مرجع سابق، ص : 86.
[32] المصطفى بلقزبور : “تجربة الجهوية الموسعة بإسبانيا (المجموعات المستقلة)”، سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، عدد 19، الجهوية المتقدمة بالمغرب رهان للحكامة التشاركية، مرجع سابق، ص:186.
[33] النقطة 16 من نفس المبادرة، نفس المرجع.
[34] النقطة رقم 17 من المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء، مرجع سابق، ص : 97.
[35] إدريس جردان : مرجع سابق، ص : 69.
[36] سعيد خمري : “السلطة التنفيذية لجهة الحكم الذاتي للصحراء”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، “سلسلة دراسات”، عدد 80، ماي-يونيو 2008، ص : 51.
[37] محمد الغالي : مرجع سابق، ص : 149.
[38] الدستور الإسباني لـ1978، الفصول من 147 إلى 153.
[39] Christien stark : a fondements du fédéralisme allemande, REMALD, série Etude, N°68, Mai-Juin, 2006, p : 24.
[40] الفصل 74 من الدستور الألماني المعدل سنة 1994.
[41] عبد المجيد السملالي : “النموذج الألماني للجهوية”، المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية عدد خاص، السنة الرابعة يونيو 2005، ص : 155-156.
[42] الفصل 75 من الدستور الألماني.
[43] Abdelhamid eouali : Autonomie du Sahara prélude au Maghreb des régions, STACEY International, 2008, p : 73.
[44] تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن عن سير المفاوضات بين الأطراف، البند 12 من النقطة –ب- من التقرير رقم : 252/2008/S، المرفوع بتاريخ 14 أبريل 2008.
[45] رياض فخري : “قضية الصحراء بين خيار الجهوية الموسعة والحكم الذاتي”، سلسلة اللامركزية والإدارة المحلية رقم 6، الجهوية الموسعة بالمغرب (أي نموذج مغربي على ضوء التجارب المقارنة ؟)، الطبعة الأولى، فبراير 2010، طوب-بريس الرباط، ص : 210 و211.
[46] إدريس جردان : مرجع سابق، ص : 75.
[47] سعيد خمري : “مشروع الجهوية المتقدمة بالمغرب : بين إيجاد حل لقضية الصحراء وتدعيم البناء الديمقراطي”، المجلة المغربية للسياسات العمومية، الجهوية والتنمية، العدد 6، خريف 2010، ص :165.
[48] محمد الطالب : “الجهوية أية رهانات ؟ بأية إجراءات ؟”، الجهوية المتقدمة بالمغرب، رهان للحكامة التشاركية”، سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، العدد 19، الطبعة الثالثة، طوب بريس الرباط، 2012، ، ص : 167-168.
[49] علي سدجاري : “الدولة والإدارة بين التقليد والتحديث”، دار المناهل للطباعة والنشر 1994،ص:16.
[50] Saida benhachem el harrouni : op.cit, p : 307.
[51] عزيز بنجهود : “النخبة الإقتصادية ورهانات الحكامة الجيدة في المغرب المعاصر”، سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، العدد 19 “الحكامة الجيدة بالمغرب”، الطبعة الأولى، 2013، طوب بريس، الرباط، ص:134.
[52] عبد الغني الشاوي : “الجهة كمجال لتطبيق الحكامة الجيدة”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية”، سلسلة مواضيع الساعة، عدد خاص، 71، ص : 74.
[53] الخطاب السامي لجلالة الملك، بمناسبة الإعلان عن الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول في موضوع التدبير اللامتمركز للاستثمار، بتاريخ 09 يناير 2002.
[54] جواد النوحي : “مقاربة سياسية للاستثمارات الأجنبية بالمغرب”، 1990-2006، منشورات عكاظ، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2010، ص : 337.
[55] عبد الغني الشاوي : مرجع سابق، ص : 76.