القانون العرفي لمؤسسة الزواج بالمجتمع الصحراوي
من خلال فقه النوازل
بوشيت عبد الرحيم
طالب بسلك الدكتوراه
كلية الآداب – اكادير
تعتبر القوانين العرفية المبثوثة بين متون النوازل الفقهية بالصحراء، مجالا خصبا للدراسة والبحث والاطلاع على كيفية تنظيم العلاقات المنظمة للمجتمع الصحراوي، والذي تعد الأسرة النواة الأولى لتكوينه، لذلك تطلب بنائها الخضوع لعدة أعراف وعادات.
إن تناول موضوع نظام الزواج والعلاقات الأسرية بالمجتمع الصحراوي من خلال ما ورد من قوانين عرفية في النصوص النوازلية، يقتضي وضع هذا النظام في إطار أوسع من الأسرة، أي داخل مجال القبيلة. فقرار الزواج لا يقتصر على الرجل أو المرأة و الأبوين و الإخوة فقط، بل يمتد ليشمل القبيلة التي قد تطعن أو تفسخ بعض عقود الزواج، خاصة التي تمس مصلحتها العامة. كما ورد في نازلة سئل فيها عن شرعية عقد زواج امرأة من رجل “ليس من عصبتها الأدنيين،وتولى عقد الزواج رجل من عشيرتها يجمعها معه الجد السابع أو الثامن، والمرأة لها عصبة ليس فيهم عم ولا وصي ولا ابن عم لكن يجمعها معهم الجد الثالث،إلا أنهم كانوا يردون كل من تقدم إليها للزواج من عشيرتها”[1]، فتقدم عصبة هذه المرأة للجد الثالث للطعن في زواجها، بحجة أحقيتهم في الإشراف على هذا العقد دليل على ترسخ عرف القرابة السلالية في الإشراف على عقود الزواج بالمجتمع الصحراوي. وفي سؤال وجه للفقيه محنض بابه بن عبيد الديماني عن منتهى العصبة في النكاح،أم أن كل من جمعهم جد فهم عصبة؟ ومما جاء في جوابه:”أن من ينتسبون لجد جامع من غير تحقيق،أنهم ليسو عصبة وأن من شرط العصبة أن يجمعهم جد معروف يتصل إليه نسب كل منهم سلسلة محققة الاتصال”[2].لكن إثبات سلسلة النسب المحققة الاتصال تعد من الأمور النسبية،التي يغلفها الجانب الأسطوري خاصة مع كثرة الأجداد العرب لدى قبائل البيضان، والذي هو نتيجة لإعادة بناء أنساب القبائل الصنهاجية الأصلية، فمثلا قبيلة كنتة التي اسمه مشتق من النسب المنسوب إلى سيد أمحمد الكنتي بن اعل، الذي ورث اسم جده من الأم، الصنهاجي الأصل[3]،وهو الأمر الذي أكده أحمد الأمين الشنقيطي بقوله :”الشيخ سيد المختار بن أبي بكر الكنتي،وقفت على سلسلة نسبه متصلة بعقبة بن نافع الفهري الصحابي الذي فتح بلاد المغرب، وهذا يعارضه ما ثبت عن النسابين في أرض الصحراء من أن كنتة من بني أمية، لكن يمكن الجمع بينهما بأن الشيخ من كنتة بطريق الموالاة لا عن طريق النسب[4].
من جهة أخرى عكس شرط الكفاءة في النكاح، موقف الفقهاء من مصاهرة فئة الزوايا مع الفئات الاجتماعية الأخرى، وهو أمر قد يستدعي التدخل كما حدث مع امرأة من زوايا وهي أمنة بنت الطالب محمود الزاوي التي تزوجت من اعل المحمدي، فتم فسخ نكاحها بحجة أن الزوج ليس كفؤا لها إذ”أن أصله مولى من الموالي”[5]وفي نص مماثل تقدم “المختار بن الوالي يروم فسخ نكاح ابنة عمه ديدخان بنت محمد بن علي لمرابطي لحميري … لزواجها بغير كفء لها فاسق الاعتقاد والجوارح وهو من قوم لا يعلمون شيئا أصلا وعادتهم ترك الصلاة وغيرها من الأركان مع استغراق ذمتهم …”[6]. هاتين النازلتين تكشفان حرص فئة الزوايا عل محاولة الحفاظ على منزلتها الاجتماعية،وذلك تحت حكم عرف تحريم زواج المرأة ممن ليس كفء لها. وهو ما يؤدي إلى “تداول” النساء حصرا ين المنتمين لنفس الفئة الاجتماعية،أو مع الفئة الاجتماعية الأعلى مع حرص هذه الأخيرة على عدم منح نساءها ممن منحوها نساءهم من ذوي المنزلة الأدنى[7]. إلا أن هذا العرف لا يحترم دائما حيث يفصح الشيخ سيدي المختار بن أحمد الكنتي في إحدى نوازله، عن إقبال بعض أبناء فئة الزوايا من الزواج ببنات” اللصوص الذين خلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم، وتخلقوا بسيئات الأخلاق من الغصب والتعدي والخيانة”[8] ويرى الشيخ المختار الكنتي أن الدافع وراء تلك المصاهرات بين الزوايا واللصوص هو دافع أمني حيث يقول: “…حين رغب أكثر أهل الدين من مصاهراتهم تعززا بهم.[9] وهنا نقف عند تحول مفهوم الكفاءة في الزواج بالمجتمع البيضاني من مفهوم ديني إلى قيمة اجتماعية
مراحل الزواج
1)عقد الزواج
تولت فئة الزوايا إبرام عقود الزواج بالمجتمع “وقد كان عقده إنما على مذهب الإمام مالك، سواء في ذلك الزوايا أو حسان أو اللحمة،أما الزوايا فهم مطلعون بمعرفة أحكامه، وأما حسان واللحمة فإنما يتولى لهم العقد احد الزوايا ولا يتولونه بأنفسهم، وإذا لم يكن معهم احد الزوايا احضروه حتى يتولى ذلك” [10]
2) الولي
يستشف من النصوص النوازلية التي عالجت مسائل النكاح بعض أعراف و عادات المجتمع في إبرام تلك العقود، كسؤال “عن أنكحة هذه البلاد إذا كانوا يعقدون النكاح، يفوض الزوج أووكيله وولي المرأة لشخص واحد، وانه يتولى الطرفين بصيغة مستعملة عندهم”[11].وهو ما يستفاد من نازلة محمد بن الأمين العلوي عن توكيل امرأة في زواج بنتها من نفس الوكيل الذي وكله الزوج أيضا.[12]كما سجلت النوازل بعض حالات زواج المرأة دون حضور وليها، كرجل” نكح امرأة بلا ولي، وأقام معها وولد الأولاد”[13]،وفي حالة أخرى سئل عبد الله بن إبراهيم العلوي، عن نكاح امرأة مالكة لأمر نفسها زوجت نفسها دون مطلق ولي، فأجاب بضرورة فسخه[14].أما امرأة شريفة فقد” خطبها كفؤ لها فرضيت ووكلته على عقدها وهو غير ولي لها”.[15] وشيوع ظاهرة زواج النساء دون حضور أوليائهن خاصة الاباء، ربما يعود لكثرة غيابهم عن أسرهم لأسباب مختلفة،كما ورد في نازلة لمحمد بن …عن بنت أراد رجل أن يتزوجها وكان أبوها غائبا، فأجاب:”أن لهم أن يزوجها له”[16]و في نازلة مماثلة أن” امرأة ثيب واعدت رجلا واخذ عليها مواثيق ألا تتزوج غيره، قائلة أنها تنتظر ابن عم أبيها وهو وليها وكان غائبا”.[17]هذا الغياب المتكرر للآباء بالمجتمع البيضاني دفع بعض الأمهات،إلى توكيل من يزوج بناتهن، كالأم التي وكلت أجنبيا لعقد ابنتها[18].إلا أن توكيل الأجانب لتزويج البنات لقي هو الأخر في بعض الحالات معارضة من طرف الأقارب في النسب، لمخالفة ذلك الأعراف المتبعة والتي تسمح بفسخ تلك العقود، كفسخ “عقد بنت أعمر احمد ماتن التي تزوجها ابن سيدي محمد العاقب الحاجي”[19]، وفسخ عقد “سيدي عالي وبنت سيدي الفالي”[20]وحضور الأم في إتمام عقد زواج ابنتها لم يقتصر على مسالة تحديد الوكيل، بل كانت الأعراف تسمح لها أن تبدي رأيها إلى جانب رأي الأب في قبول أو رفض المتقدم لزواج ابنتها، وعدم استئثار الأب وحده في اتخاذ ذلك القرار له دلالة ثقافية تعكس السلطة الرمزية للمرأة في المجتمع الصحراوي، الذي من عاداته وأعرافه عدم استقلال الاباء بتزويج البنات عن الأمهات،[21] بل من الفقهاء من رفض إبرام عقد زواج إحدى البنات إلا بعد موافقة أمها.[22]
3)شروط العقد
من بين الأعراف المتبعة في إبرام عقود الزواج بالمجتمع الصحراوي، وضع المرأة للشروط على الزوج ولعل أهم تلك الشروط : “شرط اجمج”،[23] أي عدم الزواج على المرأة”فلا يتزوج الرجل على المرأة أو يتسرى عليها”.[24] و تشبت النساء بهذا العرف كان شائعا،حتى صار”النكاح بدونه لا ترضاه إلاذنية”.[25] ونص الفقهاء على أن عرف اجمج قد يكون باللسان أو بالنية، ففي نازلة للبراء بن بك الديماني يشير إلى:”أن العرف جرى باشتراط النساء إما باللسان وإما بالضمير قولا أو فعلا، وجرى بمنعهن أنفسهن من أزواجهن وبينونتهن عنهم إن تزوجوا عليهن أو تسروا”.[26] وفي نص أخر يصور لنا سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي مدى تجدر عرف اجمج في المجتمع البيضاني بقوله: ” فالعرف الصريح في هذه البلاد أن مراد الزوجة من ذلك الشرط، أن لا يجمع بينها وبين غيرها بوجه ما، ولذلك لا يقدر احد على الجمع بين اثنتين في هذه البلاد إلا اندر من اندر”.[27] واجمج كان كذلك من أهم شروط الزواج بقبيلة الركيبات “وإلا فأمرها بيدها”.[28]وإذا كان الغالب اشتراط الزوجة على الزوج عدم الزواج عليها،[29] فإن نفس الشرط يتخذ صورة استرضاء من طرف الزوج، الذي يشترط على نفسه عدم الزواج من امرأة ثانية. ومن أمثلة ذلك أن شهود حضروا عقد نكاح وشهد بعضهم أن”الزوج شرط له أنه أن تزوج عليها،فأمرها بيدها أو هي طالق”.[30]وأخر شرط على نفسه لزوجته ان هو “تسرى عليها فأمرها بيدها”.[31]
ويمكن القول أن شرط اجمج أو الاكتفاء بزوجة واحدة كان يتعارض مع احد أهم التحالفات القبلية بالمجتمع البيضاني،أي التحالف بالمصاهرة الذي اعتمد عليه بعض زعماء الطرق الصوفية في الصحراء الذين حرصوا على مصاهرة مختلف القبائل، كالتحالفات الزواجية بين كنتة زعماء الطريقة القادرية مع أهل وادان، وهو التحالف الذي مكن كنتة من اجتذاب مزيدا من الأتباع.[32] نفس الأمر يمكن أن يقال عن الطريقة المعينية التي حرص مؤسسها الشيخ ماء العينين بمدينة السمارة على مصاهرة قبائل المنطقة .[33] وهذا ما يفسر موقف الشيخ ماء العينين في إحدى نوازله من العمل بعرف اجمج حيت يقول “…فإذا تقرر هذا لديك فلتعلم أن هذه الشروط، لا لها من الأصل إلا ما يسقطها نصا أو ظاهرا، لان الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ما أوصيا الرجال ولا أمرهم إلا بالإحسان إلى النساء وإتيان حقوقهن المالية والبدنية هذا ما شرطا على الرجال…”[34]
يتبين مما سبق ذكره حرص المجتمع البيظاني على العمل بعرف اجمج الذي يعتبرونه حق من حقوق المرأة فلا يقبلون انتهاكه، لكن هذا العرف كانت له في بعض الأحيان انعكاسات سلبية داخل المجتمع، عانى منها الرجال والنساء على السواء “كوقوع بعض القادرين على التسري والتزويج فيما حرم الله عليهم، خوف فراق زوجاتهم ذوات الأقدار العظيمة والمهور الكثيرة وأمهات أولادهم وبناتهم يضرهم فراقهن”.[35] أما ضرر المرأة فنحصر في ضرورة احترامها لتبعات الإخلال بعرف اجمج، إذا تزوج أو تسرى زوجها عليها ولو كانت في قرار نفسها لا تمانع ذلك. وعكس احمد الحبيب الناتي هذه الصورة بقوله في إحدى النوازل: ” و لا خصوصية للرجال بظهور مفاسد اجمج، بل النساء مثلهم لأنهن كثيرا ما يطلقن أنفسهن وهن مكرهات على التطليق، لتعيير النساء إذا لم يوقعنه، لما في طباعهن من الجبلة على شدة الحياء من كل ما يومى إلى الميل للرجال والى كراهية الفراق معهم”.[36]
4) الصداق والجهاز
من عادات الصداق في الزواج بالصحراء انه ينتقل من مستوى لفظي إلى مستوى فعلي،[37] فعرف البيظان في دفع الصداق أن ما تم الاتفاق عليه من قيمة الصداق في عقود الزواج، ليس هو ما يدفع في الواقع. وقدمت النصوص النوازلية المدروسة عدة أمثلة لقيمة الصداق حسب أعراف كل منطقة وكل قبيلة،إذا”أن المعتبر في الصداق ما يدفع بحسب عرف كل بلد وزمان ولا ما يسمى”،[38] فكانت الانكحة تعقد على “لفظ الإبل ومرادهم قيمة معروفة من غير الإبل دائما و أبدا”،[39] كأن “يسموا عشرين بقرة أو ناقة أو فرسا، والعرف دفع قدر من الخنط معلوم أو غيره فالتسمية حقيقة مهجورة لا عبرة بها”.[40] وقد ربط الشيخ المختار بن الهيب الابيري بين قيمة الصداق والحالة الاقتصادية لكل منطقة مميزا بين زوايا أهل الإبل وزوايا أهل البقر،الذين تتم تسمية الصداق عندهم بعدد من رؤوس البقر لكن قيمتها تكون بالخنط،أي أن الأثواب هي التي تدفع في الواقع، “فالبيصة[41] الواحدة تدفع في مؤجل خمس تبيعات، أما زوايا أهل الإبل وبني حسان فان البعير يؤخذ عنه نصف بيصة إذا كان الخنط قليل،أما زمن كثرة الخنط فان البعير يدفع مقابل بيصة واحدة “.[42] وقد يصل في بعض الحالات إلى ثلاث بيصات لكل بعير[43]. وورد في نازلة أخرى أن”العادة اخذ بيصة عن عشرة موجلة … وان التبعات المعقود عليها غير لازمة للزوج لجريان العرف بعدم إعطائها”.[44] رغم تسجيل بعض الحالات التي تطالب فيها المرأة بأخذ ما تم تسميته في الصداق، كما وردفي نازلة للفقيه محمد الأمين الجكني “عن ما يفعله الناس هنا من العقد على خمسين بعيرا مثلا فأرادت الزوجة اخذ الإبل خاصة، وأراد الزوج دفع القيمة”.[45] ونحى الفقيه محنض بابه بن اعبيد الديماني نفس المنحى،إذ اعتبر “أن العرف في صداق انه يعطى من الخنط غالبا وان بيصتين مقابل عشرة من البقر”.[46] ووضح في نص أخر أن”عادة بني ديمان في الصداق دفع الإبل والخنط،غير أن الإبل معروضة رياء وسمعة غير معطاة حقيقىة”.[47] وفي فتوى الشيخ احمد بن الفغ الجكني: “أن حكم الاصدقة عندنا أن لا يلزم منه الزوج إلا ما اعطىي يوم الدخول المعبر عنه بالحسانية ب”تدخال لخطير” …لكون تلك التسمية تجري على الألسنة من غير نظر منا إلى كون مدلولها مقصودا، بل إنما هي للسمعة فقط…”.[48] ومن أمثلة ذلك لفظ مائة مثقال في عقود النكاح، معناه في عرف أهل ولاتة هو”العدد المخصوص من الذهب إلى عشرة من الثياب دائر بين الخنط و وثياب السودان المصبوغة، حتى صار لفظ المائة الحالة، إذا أطلق في عقد النكاح بولات لا يتبادر إلى الدهن إلا الأثواب..[49].وهناك بعض القبائل بالصحراء تسمي الصداق الغير المدفوع حقيقىة “بصداق الشرف”، كصداق الشرف عند قبيلة أهل ماء العينين الذي يقدر بمئة جمل، وعند قبيلة الركيبات خمسين جملا.[50] وغالبا ما يكتفي أهل العروس براسين أو ثلاث من الجمال[51]. وعموما فان من أعراف وعادات المجتمع البيضاني نقص المهر وزيادته
وإذا كان التباهي والرياء والسمعة وراء رفع قيمة قيمة الصداق الغير الحقيقي في المجتمع الصحراوي، فقد صادفنا نازلة واحدة كشفت عن سبب أخر وراء ذلك العرف، حيت أشارت إلى أن هناك ترابط بين قيمة الصداق وقيمة الجهاز، فكلما كانت قيمة الصداق مرتفعة كلما ارتفعت قيمة الجهاز،وهو ما يدفع بالعريس و أهله إلى رفع قيمة الصداق بغية الحصول على جهاز معتبر من أهل العروس، وهو ما يستفاد من نازلة الفقيه اتفغ محم الجكني الذي يقول “فمنهم من كان جهازها أكثر كثيرا من الصداق… ولا تتجهز المرأة عندنا بأقل من ذلك… وإنما لزمها التجهز بما ذكر لان الزوج لم يدفع الصداق إلا لذلك”.[52]وهذا من أسباب إتباع عرف أخر في المنطقة وهو بقاء العروس عند أهلها بعد البناء، ولا تنتقل إلى بيت الزوجية إلى بعد انتهاء أهلها من إعداد جهازها،”فالزوجة عند أهلها تكون أول أمرها و يعتذرون أنهم يريدون تحصيل جهازها والزوج يطلبها”.[53] وكان الجهاز يتكون غالبا من”ما تيسر من غطاء ووطاء ووسائد وحلي وهودج،فإذا أتت بهذا فقد ملكها الزوج تفويتا.و أما ما تأتي به من حيوان كالجمل والنياق فله منه الغلة ولا يفيته”.[54]وطرحت عادت وعرف بقاء العروس عند أهلها بعد البناء سؤال حول نفقتها خلال تلك الفترة التي سميت بزمن التهيؤ، هل النفقة على الزوج أو على الاهل؟[55] فتباينت الإجابة حول هذه المسالة حيث أجاب المختار الشيخ بن المختار العلوي:” انه لا يطلب بنفقتها ولا كسوتها ولا سمعنا قط من يطالب بها الزوج ببلدتنا”،[56] في حين أفتى سيدي عبد الله بن اتفغ سيدي احمد العلوي برأي مخالف واعتبر أن” ذلك العرف فاسد وان النفقة على الزوج”،[57] في حين نجد الفقيه الكصري يميز في هذا العرف بين أهل الحضر والبدو، “فالزوج لا ينفق على زوجته نفقة مستمرة مادامت عند أهلها قبل رحيلها إليه فمنهم لا يرسل إليها شيئا أصلا كاهل البادية، وبعض أهل الحاضرة يرسل إليها شيء من الزرع …”.[58] ومدة بقاء العروس عند أهلها لم تكن بالمدة الزمنية القصيرة خاصة وان “العادة تختلف باختلاف الناس في الغنى والفقر وهي مابين سنة وسنتين”.[59] وخلال تلك الفترة قد يلتقي الزوجان في السفر أتناء الترحال[60] كالرجل الذي”مرت عليه زوجته مسافرة من بلدها لانها مازالت عند أهلها”[61]،وأخر”خرج مسافر إلى زوجته المدخول بها لما بلغه أن محلتها بالموضع الفلاني”[62].
العلاقات الزوجية
عرفت الأسرة الصحراوية كباقي الأسر عبر كل الأزمنة فترات الانسجام والتفاهم، كما عرفت الكثير من المشاكل والأزمات التي هزت استقرارها، وفرقت شملها بالطلاق أحيانا،وهذا ما تدل عليه وتوضحه النوازل المدروسة. فيما يخص فترات الانسجام والتفاهم داخل العائلة، تشير النوازل إلى عدة أمثلة عن ذلك، والتي تحاول فيها الزوجة – بكل الطرق – التقرب إلى زوجها وكسب وده، كاستفادته وتملكه لما تأتي به من جهاز،[63] أو أنها تدفع له مالها لكي يشرف عليه وينميه[64]
غير أن هذه الصورة الدالة على الانسجام بين الزوجين، لا يمكن أن تحجب ما عرفته العلاقات الزوجية من مشاكل رفعت النوازل النقاب عن بعض أسبابها. فمن المشاكل التي يتحمل فيها الزوج المسؤولية، والتي كانت شائعة في الصحراء، الضرب المبرح للزوجة، كتصريح إحدى النساء أن زوجها “ضربها وبقي اثر خدش في صفحة عنقها واثر في ذراعها”،[65]وأخر “مثل بزوجته”[66] فاعتبر ذلك “ضرر يوجب لها الخيار”.[67] وهذا يدل على العنف الذي كان يمارس على بعض الزوجات.
ومن أسباب تصدع العلاقات بين الزوجين شتم الزوج للزوجة و أبويها،[68]كالزوج الذي “دعا بإحراق أبوي زوجته المعروف ب”لخط” في الحسانية…”.[69]
أما فيما يخص المشاكل التي تتحمل فيها الزوجة مسؤولية وقوعها، فقد تعددت، وتأتي في طليعتها خروجها بدون إذن زوجها و ملاقاة الأجانب، وهذا ما كان يغيض الأزواج ويزعجهم[70].ومما زاد من تأزم العلاقات الزوجية كذلك بالصحراء شيوع ظاهرة نشوز النساء، وهو ما يستفاد من نازلة جاء فيها: “وأما قوم عادة نسائهم النشوز فادعى الزوج على إحداهن النشوز وأنكرت “،[71] وفي نص أخر: “ومن عدوانها أي الزوجة نشوزها، ونشوزها أن تخرج عن طاعة الزوج بمنع وطء أو استمتاع أو خروج بلا إذن”،[72] كالمرأة التي نشزت سبع سنين،[73]وصورة إحدى النصوص النوازلية توثر العلاقات الأسرية بين رجل و”امرأة نشزت غاية النشوز وخرجت عن بيت زوجها واذته بما يؤدى الرجال، وبعد ذلك رجعت لبيته و أقامت معه نحو شهر وأذية اللسان باقية فوقعت بينهما فتنة، فسئلت عن ذلك فقالت :قلت له “يحرك بوك”…”،[74]وأخرى حلف لها زوجها بالطلاق”أن لا تفعل كذا وفعلته قاصدة لحنثه…”.[75]
هذه المشاكل الاسرية غالبا ما كانت تدفع بالمرأة إلى مغادرة خيمة زوجها، والالتحاق بأهلها كما هو الحال مع “امرأة وقع بينها وزوجها خلل فأرادت نقل مالها إلى أهلها وأراد الزوج إمساكه عنده”.[76] وكانت المرأة في المجتمع البيضاني لا ترجع إلى زوجها إلا بعد أن يدفع لها ما يرضيها حسب الأعراف والعادات، وهو ما يستشف من نازلة جاء فيها:”…فان المال الذي جرت عادة النساء في هذا القطر أنهن لا يرجعن للأزواج بعد المغاضبة إلا به، ويسمى في العرف الحساني ب”المرظ”، وفي رجوعهن دونه معرة عليهن وعلى أهلهن ويستوي فيه نساء العرب والزوايا وغيرهما من “ازناك” والموالي والعبيد…”.[77] وفي نص أخر”…أن ما يدفعه الزوج لزوجته المغتاظة مما جرت به عادة بلدنا إما أن يكون غيظها لحق لها..”[78]
عموما يمكن القول أن الأعراف والعادات والتقاليد التي كانت سائدة في مجتمع البيضان، والتي تضمنتها النوازل الفقهية كان الهدف منها بالدرجة الأولى حماية حقوق المرأة كحقها في عدم التزوج عليها بامرأة ثانية، وهو العرف الذي وجد له مكانا داخل متن مدونة الأسرة المغربية من خلال التنصيص مثلا في المادة 40 من مدونة الأسرة على حق اشتراط الزوجة عدم التزوج عليها. إضافة إلى بعض الأعراف الأخرى التي تفرض على الرجل النفقة على زوجته بعد البناء، وقبل الالتحاق به، ومن تجليات ضمان الأعراف الصحراوية لحقوق المرأة كذلك، حقها في الاستفادة من “المرظ” وهو ما يدفعه الزوج لزوجته جبرا لخاطرها إن وقع بينهم مشاكل.
المصادر والمراجع
1) يحي ولد البراء، المجموعة الكبرى الشاملة لتاوى ونوازل واحكام اهل غرب وجنوب غرب الصحراء، المجلد الثامن، الناشر مولاي الحسن بن المختار بن الحسن، الطبعة الأولى
2) بيير بونت، روايات أصول المجتمعات البيظانية مساهمة في دراسة ماضي غرب الصحراء،ترجمة محمد بن بوعليبه،دار النشر جسور،نواكشوط 2015
3) احمد بن الامين الشنقيطي،الوسيط في تراجم ادباء شنقيط، الطبعة الرابعة مكتبة الخانجي، القاهرة 1993
4) محمد سالم بن لحبيب بن الحسين بن عبد الحي، جوامع المهمات في امور الرقيبات، تحقيق مصطفى ناعمي،المعهد الجامعي للبحث العلمي الرباط،1992
5) نور الدين الحداد، الشيخ ماء العينين النائب السلطاني على الاقاليم الجنوبية،دار ابي رقراق للطباعة والنشر،ط الاولى،2014
6) خوليو كاروباروخا، دراسات صحراوية،ترجمة احمد صابر، مركزالدراسات الصحراوية الرباط، طبعة 2015
7) ابراهيم الحيسن، الثرات الشعبي الحساني العناصر والمكونات ،المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش،ط الاولى،2004
1) يحي ولد البراء، المجموعة الكبرى الشاملة لفتاوى ونوازل وأحكام أهل غرب وجنوب غرب الصحراء، المجلد الثامن، الناشر مولاي الحسن بن المختار بن الحسن، الطبعة الأولى، 2009،ص 3274
) يحي ولد البراء، المجموعة الكبرى الشاملة لفتاوى ونوازل و أحكام أهل غرب وجنوب غرب الصحراء، م س،ص3165[2]
3) بيير بونت، روايات أصول المجتمعات البيظانية مساهمة في دراسة ماضي غرب الصحراء،ترجمة محمد بن بوعليبه،دار النشر جسور،نواكشوط 2015،ص 360
) احمد بن الأمين الشنقيطي،الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، الطبعة الرابعة مكتبة الخانجي، القاهرة 1999،ص 361[4]
) المجموعة الكبرى، المجلد الثامن ،ص3627[5]
) روايات أصول المجتمعات البيظانية،ص 535[7]
) المجموعة الكبرى، المجلد الثامن ،ص3628[8]
) الوسيط في تراجم أدباء شنقيط،ص524[10]
)المجموعة الكبرى، المجلد الثامن ،ص3151[11]
) المجموعة الكبرى، المجلد الثامن، م س،ص3160[12]
) المجموعة الكبرى، المجلد الثامن، م س،ص 3176[21]
28) محمد سالم بن لحبيب بن الحسين بن عبد الحي، جوامع المهمات في امور الرقيبات، تحقيق مصطفى ناعمي،المعهد الجامعي للبحث العلمي الرباط،1992،ص 77
) المجموعة الكبرى،المجلد الثامن،ص 3475[29]
المجموعة الكبرى، المجلد الثامن،ص 3473[30]
) روايات أصول المجتمعات البيظانية،ص 307[32]
) نور الدين الحداد، الشيخ ماء العينين النائب السلطاني على الأقاليم الجنوبية،دار أبي رقراق للطباعة والنشر،ط الأولى،2014،ص25[33]
) المجموعة الكبرى،المجلد الثامن،ص3496[34]
) المجموعة الكبرى، المجلد الثامن، م س،ص3486[36]
)إبراهيم الحيسن، الثرات الشعبي الحساني العناصر والمكونات ،المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش،ط الأولى،2044،ص126[37]
) المجموعة الكبرى، المجلد الثامن،ص3240[38]
[41]) البيصة: قطعة من القماش يبلغ طولها ثلاثين ذراعا. وهي تحريف لكلمة pièce الفرنسية
) المجموعة الكبرى، المجلد الثامن،ص 3240 [42]
) المجموعة الكبرى، المجلد الرابع، ص716[49]
) خوليو كارو باروخا، دراسات صحراوية،ترجمة احمد صابر، مركز الدراسات الصحراوية الرباط، طبعة 2015،ص 159[50]
) المجموعة الكبرى، المجلد الثامن،ص3254[52]
) المجموعة الكبرى، المجلد الثامن، م س،،ص3575[58]
) المجموعة الكبرى، المجلد الخامس،ص1178[60]
) المجموعة الكبرى، المجلد الثامن،ص3260[63]
) المجموعة الكبرى، المجلد الثامن، ص3724[65]
) المجموعة الكبرى، المجلد السابع،ص2727[75]