تعتبر ظاهرة العنف ضد المرأة، ظاهرة عالمية تعاني منها المرأة في كل مكان وأينما كانت، فهي قديمة قدم الإنسان الذي ارتبط ومازال يرتبط بروابط اجتماعية مع الوسط الذي يؤثر فيه ويتأثر به. وهو وباء يؤثر على جميع البلدان حتى تلك التي حققت تقدما في مجالات أخرى.
ويشكل العنف ضد النساء انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان وشكل من أشكال التمييز ضد المرأة، ويعني جميع أنواع العنف القائم على أساس نوع الجنس التي تؤدي إلى أضرار بدنية أو جنسية أو اجتماعية أو اقتصادية…، والعنف ضد المرأة له تاريخ طويل للغاية، على الرغم من الانتشار الواسع لهذه الظاهرة، إلا أنها لم تحظى بالاهتمام الكافي إلا مؤخرا، حيث بدأت الحركة النسوية العالمية تؤكد على أهمية ربط قضايا حقوق المرأة بقضايا حقوق الإنسان واعتبار العنف ضد المرأة انتهاكا صارخا لحقوقها الأساسية.
فالعنف ضد المرأة شائع للغاية، وأكثر أشكاله شيوعا هو عنف الشريك وغالبا ما يتزايد العنف ضد المرأة أثناء حالات الطوارئ الصحية مثل جائحة كوفيد-19. وعلى إثر تفشي هذا الوباء اتخذت كل دول إجراءات وقائية تمثلت في الحجر الصحي كأول إجراء للحد من انتشار العدوى. لكن كان لهذا القرار تداعيات وخيمة، حيث ساهم تفاقم سوء الأحوال الاقتصادية والظروف الاجتماعية والنفسية جراء فيروس كوفيد19 في تصاعد وتيرة العنف ضد النساء خاصة تلك التي فقد فيها أحد الزوجين أو كلاهما وظيفته، كما أدت حالة العزلة وبقاء السكان داخل منازلهم لفترات طويلة إلى تصاعد أعمال العنف ضد النساء.
هذا يدفعنا للتساؤل حول ماهية العنف ضد المرأة من المنظور القانوني ؟ وكيف ساهمت هذه الظروف الاستثنائية في تصاعد حالات العنف ضد النساء؟.
وعليه سنحاول مناقشة هذا الموضوع في محوريين أساسيين:
I. مفهوم العنف ضد النساء ضمن المواثيق الدولية والوطنية
II. أزمة كورونا وتداعياتها على تعنيف النساء
I. مفهوم العنف ضد النساء ضمن المواثيق الدولية والوطنية
أرسى القانون الدولي العديد من المواثيق والإعلانات الدولية والوطنية، التي تصدت لظاهرة العنف ضد النساء وجسدت مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة بما يعنى المساواة بينهما في الكرامة والقيمة كبشر وكذا المساواة في الحقوق والفرص والمسؤوليات .
1. على المستوى الدولي
أكد ميثاق الأمم المتحدة لسنة 1945في المادة الأولى على “تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين النساء والرجال”. وتعتبر المادة 55 من الميثاق التي تقرر حقوق الإنسان على أساس عالمي ودون تمييز ولا تفريق بين النساء والرجال، قاعدة قانونية ملزمة لجميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
عرفت الأمم المتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنه: ” أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة “.
هذا ويعتبر الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، أول صك دولي يعرف العنف في مادته الأولى على أنه : “أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسدية أو جنسية أو نفسية للمرأة بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل والإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء وقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة ” .
وتعد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، من أهم الاتفاقيات الدولية التي نظمت حقوق المرأة وأولت اهتماما خاصا لقضية العنف ضد المرأة، وهي الاتفاقية الوحيدة على مستوى العالم التي تعالج مجمل الحقوق المتعلقة بالمرأة وتعرف التمييز ضد المرأة بأنه “…أي إقصاء، أو استثناء، أو تقييد يتم على أساس الجنس، يقصد منه إضعاف أو إبطال الاعتراف بالمرأة، أو بأدائها، أو يمس سعادتها، بغض النظر عما كانت متزوجة أم لا، ويؤثر على المساواة بينها وبين الرجال، وعلى حقوقها الإنسانية وحرياتها الأساسية في السياسة، والاقتصاد، والحياة المجتمعية، والثقافية، والمدنية، وأي مجال آخر”. كما تعترف بالعنف كجزء من التمييز ضد المرأة.
فيما أكدت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة في عام 1992، في توصيتها العامة رقم 19، على أن : ” العنف ضد المرأة هو شكل من أشكال التمييز، موجه ضد المرأة بسبب كونها امرأة، أو يؤثر على المرأة على نحو غير متناسب. وهذا العنف يكبح بشكل خطير قدرة المرأة على التمتع بالحقوق والحريات على قدم المساواة مع الرجل”. في عام 1999، اعتمدت الأمم المتحدة البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، من أجل تمكين النساء من تقديم شكاوى عند انتهاك حق من الحقوق الواردة في البروتوكول. واعتبرت يوم 25 نونبر اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة.
فيما اعتبرت منظمة الصحة العالمية، أن العنف يمثل مشكلة رئيسية للصحة العامة، وأدرجت في الأنواع الفرعية المعترف بها عنف الشريك والعنف الجنسي، وهما نوعان من العنف غالبا ما يتم ارتكابهما كعنف ضد المرأة. وتقول منظمة الصحة العالمية إن العنف الممارس من قبل الشريك المعاشر يعني السلوك المنتهج ضمن علاقة معاشرة أو من قبل شريك سابق يتسبب في حدوث ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي، بما في ذلك الاعتداء الجسدي والعلاقات الجنسية القسرية والإيذاء النفسي وسلوكيات السيطرة.
وفي نفس السياق هناك تعريفات أخرى للعنف ضد المرأة نصت عليها الاتفاقيات الإقليمية كالاتفاقية الأمريكية بشأن منع واستئصال العنف ضد النساء والعقاب عليه لعام 1994، حيث عرفت العنف ضد المرأة في المادة 1بأنه : ” أي فعل أو سلوك – على أساس من الجنس – يسبب الوفاة أو الأذى البدني أو الجنسي أو النفسي للنساء – سواء على المستوى العام أو الخاص” .
و اتفاقية مجلس أوروبا لعام 2011 بشأن منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي، التي تعد ثاني صك إقليمي ملزم قانونا بشأن العنف ضد النساء والفتيات، وتركز على منع العنف المنزلي، وحماية الضحايا، ومحاكمة المجرمين المتهمين. وتصف الاتفاقية العنف ضد المرأة، بأنه انتهاك لحقوق الإنسان وشكل من التمييز، وعلاوة على ذلك، وضعت المعاهدة مجموعة من الجرائم التي تتسم بكونها عنف ضد المرأة. وعلى الدول التي صادقت على الاتفاقية تجريم عدة جرائم منها: العنف النفسي، الجسدي، الجنسي، والترصد…
وتجدر الإشارة في الأخير أن الأمم المتحدة عقدت أربعة مؤتمرات دولية للمرأة : في المكسيك عام 1975 ، وكوبنهاجن عام 1980، ونيروبي عام 1985، وبكين عام 1995 . وقد أقر في مؤتمر بكين منهاج العمل الدولي، وإعلان بكين، الذي نصت الفقرة 29 منه على ضرورة منع جميع أشكال العنف الموجه ضد المرأة. وأكد منهاج العمل الدولي للمؤتمر العالمي الرابع للمرأة على ضرورة اتخاذ إجراءات متكاملة لمنع العنف ضد المرأة والقضاء عليه، ودراسة أسباب ونتائج هذا العنف وفعالية التدابير الوقائية في هذا الصدد، والقضاء على الاتجار بالمرأة، ومساعدة ضحايا العنف الناجم عن البغاء وعمليات الاتجار.
2. على المستوى الوطني:
يعتبر المغرب من بين الدول التي أولت اهتماما خاصا بمناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء، و صادق على الاتفاقية الدولية للقضاء على العنف ضد المرأة، والتزاماته الدستورية التي تؤكد على حضر جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وخصص المشرع الدستوري مقتضيات مهمة في صلب الدستور لحماية حقوق الإنسان عامة وحقوق النساء بشكل خاص. حيث أقر في الفصل 19 منه، مبدأ المساواة بين الجنسين والمناصفة في جميع الحقوق، وإحداث هيئة لمكافحة كافة أشكال التمييز. كما نص الفصل 22 على أنه: “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف،ومن قبل أي جهة كانت،خاصة أو عامة”، كما أضاف في نفس الفصل على أنه : “لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية “، بل أنه أكد في الفقرة الأخيرة من نفس الفصل على أن : ” ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي احد، جريمة يعاقب عليها القانون”.
وقد شكل القانون الجنائي المغربي موضوعا للعديد من التعديلات في إطار خلق الانسجام التشريعي مع الحقوق الإنسانية للنساء، حيث تم إلغاء الفصول 494،495،496 من القانون الجنائي، سنة 2013، التي تجرم استقبال ونقل وإخفاء النساء ضحايا العنف لغرض حمايتهن،استجابة لملاحظات وتوصيات الهيئات الأممية. وفي سنة 2014 تمت المصادقة غرفتي البرلمان بالإجماع على تعديل مقتضيات الفصل 475 من القانون الجنائي المتعلق بزواج الفتيات القاصرات ضحايا الاغتصاب والذي يتعلق بحذف حق المغرر في الزواج من الفتاة القاصر المغرر بها ومتابعته قضائيا والرفع من عقوبات السجن من سنة إلى خمس سنوات في حالة تهريب دون علاقة جنسية.
ورغم ايجابية التعديلات التشريعية التي استهدفت الحد من تطور مختلف أشكال العنف ضد النساء، إلا إن إقرار القانون رقم 13.103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء يعتبر إطارا قانونيا شاملا وخاصا بمحاربة العنف ضد المرأة في كل مظاهره، حيث عرف العنف ضد المرأة على أنه: ” كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة “. وهو نفس التعريف الوارد في الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد النساء .
وتضمن هذا القانون مقتضيات ايجابية فيما يتعلق بتجريم بعض الأفعال من قبيل، تجريم الطرد من بيت الزوجية، تجريم التحرش الجنسي المرتكب من قبل الزميل في العمل أو الشخص المكلف بحفظ النظام العام والأمن العمومي، إلخ… كما أنه رفع من العقوبات المفروضة على بعض أشكال العنف الموجودة في القانون الجنائي عند ارتكابها داخل الأسرة، وأدخل جرائم جديدة بما في ذلك الزواج القسري، أو تبديد المال أو الممتلكات للتحايل على دفع النفقة أو المستحقات أخرى ناتجة عن الطلاق، أو طرد أو منع الزوجة من العودة إلى بيتها، والتحرش الجنسي في الأماكن العامة، و التحرش الالكتروني.
II. أزمة كورونا وتداعياتها على تعنيف النساء
تصاعدت موجة العنف ضد النساء بالتزامن مع جائحة كورونا، بسبب تطبيق إجراءات الحجر الصحي الذي فرضته جل دول العالم، ومع انشغال الدول بمواجهة الوباء أصبحت المنظومة الصحية والأمنية وملاجئ الإيواء منشغلة بالتصدي للوباء وتبعاته، وأصبح من الصعب على النساء اللجوء إلى طلب الدعم الرسمي أو الشخصي في حال تعرضهن للإساءة.
1. مخاطر تزايد العنف في المغرب
حذرت منظمة الأمم المتحدة من تداعيات وباء فيروس كورونا على النساء والفتيات في المغرب، خصوصا على مستوى انعكاس الوضع الوبائي على نفاد الموارد والفرص الاقتصادية للنساء والرعاية الصحية، خاصة صحة الأم والصحة الإنجابية، إلى جانب مخاطر تزايد العنف ضد النساء والفتيات. وأبرزت هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب، التأثير غير المتكافئ للوباء على النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المغرب. وزادت حالات العنف ضد النساء منذ فرض حالة الطوارئ والالتزام بالحجر الصحي، وطالبت ثلاثون جمعية مغربية من السلطات تقديم استجابة طارئة للعنف ضد المرأة أثناء أزمة كوفيد 19.
وخلال فترة الحجر الصحي المفروض منذ 20 مارس الماضي، تم تسجيل ارتفاع في حالات العنف ضد المغربيات، فحسب تقرير صادر عن الاتحاد العمل النسائي، ثم رصد “أكثر من ألف حالة عنف في صفوف النساء استقبلها 13 مركزا تابعا للهيئة عبر المكالمات الهاتفية والتسجيلات الصوتية وعبر رسائل نصية بالواتساب”. وأظهر تقرير اتحاد العمل النسائي، أن “ثلاثة أرباع حالات العنف ضد النساء تمارس في إطار بيت الزوجية الذي يفترض أن يكون فضاء للمودة والأمان، فقد تصدر ممارسو العنف في مواجهة النساء، الأزواج بنسبة 76 في المائة، ثم أهل الزوج بنسبة 6 في المائة، فالأخ بنسبة 5 في المائة، ثم الطليق بنسبة 4 في المائة، في حين بلغت معدلات المعنفين الآخرين الابن (2.6 في المائة) والجار (3.8 في المائة) والأب (1.3) في المائة.
هذا و كشف تقرير رابطة فيدرالية حقوق النساء تسجيل ما مجموعه 1007 فعل عنف مورس على النساء خلال فترة الحجر الصحي، حيث شكل العنف النفسي أعلى نسبة بـ49 في المائة، يليه العنف الاقتصادي بنسبة 27,3 في المائة، ثم العنف الجسدي بنسبة 16,5في المائة، ناهيك عن بعض حالات العنف الجنسي، والاغتصاب، وحالات الطرد من بيت الزوجية…
2. نماذج من حالات العنف عبر العالم
توالت التقارير التي تشير إلى ارتفاع حاد في حالات العنف المنزلي ضد النساء والفتيات في أماكن مختلفة من العالم، وذلك مع اتساع رقعة إجراءات الإغلاق التي اتخذتها دول عدة للحد من انتشار فيروس كورونا.
ففي الولايات المتحدة،أبلغت عدة مدن عن تزايد عدد حالات العنف المنزلي. و في الصين أعلنت جمعية مناهضة العنف الأسري عن ارتفاع مهولا في نسبة الاعتداءات على النساء. و في تركيا أفادت جمعيات حقوقية عن ارتفاع معدلات جرائم القتل التي استهدفت النساء منذ فرض الحجر الصحي. وفي أستراليا ارتفعت نسبة العنف الأسري بزيادة6,6 خلال فترة الحجر الصحي. وفي الهند، صرحت اللجنة الوطنية للمرأة عن تضاعف عدد حالات الاعتداء على النساء خلال الأسبوع الأول من تقييد التنقلات. وفي إسبانيا تم الإبلاغ عن أضعاف الحالات طلبا للمساعدة بنسبة زيادة تقدر بـ18٪ في الأسبوعين الأولين من بداية الحجر الصحي. في حين ازداد العنف المنزلي في فرنسا بنسبة 03٪ في الأسبوع الأول من الحجر الصحي.
كما تسبب الحجر الصحي المفروض للحد من تفشي جائحة فيروس كورونا إلى زيادة حالات العنف داخل المنازل، في العديد من البلدان العربية، ففي تونس صرحت وزيرة العدل عن تسجيل أكثر من 4 آلاف حالة عنف ضد المرأة والطفل، خلال فترة الحجر الصحي بالبلاد منذ أقل من شهرين، بسبب جائحة فيروس كورونا. وتراوحت زيادة العنف في العراق بين 30- 50 ٪، كما تعاظم مشكل العنف المنزلي في لبنان على ضوء تفشي فيروس كورونا. وفي جنوب إفريقيا نتج عن تقييد حركة التنقل ما يقارب 90 ألف شكوى من العنف.
و لحماية النساء من العنف المنزلي، أطلق الأمين العام الأممي نداء عالميا من أجل حماية النساء من العنف المنزلي في العالم كله. كما دعا فيه إلى اتخاذ تدابير لمعالجة الطفرة العالمية في العنف المنزلي ضد النساء والفتيات، المرتبطة بحالات الإغلاق التي فرضتها الحكومات كنتيجة لجهود الاستجابة لجائحة كوفيد19 ، وأيضا من أجل “السلام المنزلي والأسري، في جميع أنحاء العالم “، الشيء الذي يلزم الدول الموقعة على الإعلان بجعل الوقاية من العنف المنزلي وجبر الضرر الناجم عنه عنصرا أساسيا ومن أولويات هذه الدول في إطار التدابير التي اتخذتها لمواجهة جائحة كورونا، بوضع سياسة تقوم على عدم التسامح إطلاقا مع العنف المنزلي” . وأيضا دعا الأمين العام إلى إنشاء “أنظمة إنذار الطوارئ في الصيدليات والمتاجر الكبرى” بكونها المرافق الوحيدة التي تظل مفتوحة في العديد من البلدان. والتي تضمن طلب المساعدة بطريقة أمنة للنساء اللواتي يتعرضن للعنف الأسري في العالم نتيجة للحجر الصحي.
وتماشيا مع الإجراءات التي دعا إليها الأمين العام قامت عدد من الجمعيات النسائية وكذا بعض القطاعات والمؤسسات العمومية المختصة في هذا المجال باتخاذ مجموعة من المبادرات الايجابية في الحجر الصحي، لتوفير خدمات الاستماع عن بعد ومرافقة النساء وتوجيههن قانونيا ودعمهن نفسيا والتضامن معهن، وتم إطلاق حملات تحسيسية توعوية على شبكات التواصل الاجتماعي لمناهضة العنف ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي. كما قامت وسائل الإعلام بتوعية عامة الناس بالظرفية الصعبة التي يمر منها العالم بشكل عام، وبشكل خاص التي يعاني منها ضحايا العنف المنزلي والأسري. وفي ظل هذه المرحلة العصيبة وضعت عدد من الدول خطوات استثنائية في هذه الحالة الاستثنائية المرتبطة بتفشي فيروس كورونا لتمكين ضحايا العنف المنزلي من طلب المساعدة في فترة الحجر الصحي.
والمغرب التزاما منه بإجراءات الحجر الصحي وحالة الطوارئ، انخرط بشكل فعال في دعم هذه المبادرة عبر القيم بحملات توعوية وتحسيسية بمخاطر العنف ضد النساء، وتقديم الدعم والمساعدة للنساء ممن يتعرضن للعنف داخل المنزل، ووضعت عناوين إلكترونية وأرقاما هاتفية رهن إشارة النساء المعنفات للتبليغ عن حالات العنف الذي تعرضن له داخل بيت الزوجية، خلال فترة الحجر الصحي.
وفي نفس السياق أطلقت عدد من الحملات التحسيسية لمناهضة العنف ضد النساء، وفي تونس أعلنت السلطات إطلاق خط ساخن مجاني يعمل على مدار الساعة لتلقي الشكاوى حول العنف الأسري خلال فترة العزل الصحي، وروجت لهذا الخط عبر وسائل الإعلام المختلفة. وفي إسبانيا، ثم وضع تدابير استثنائية من أجل مناهضة العنف الأسري، ومنها خدمة الرسائل الفورية مع تحديد الموقع الجغرافي وكذلك خدمة الدردشة الفورية مع فرق الدعم النفسي. وفي فرنسا وضعت الحكومة مجموعة كاملة من التدابير التي تهدف إلى حماية النساء ضحايا العنف المنزلي وتم إنشاء نظام داخل الصيدليات لتنبيه قوات النظام بحالات العنف الممارس وأيضا من أجل تسهيل المهمة على النساء ضحايا العنف لطلب المساعدة. وفي دولة الأرجنتين، تم اتخاذ عدة خطوات لدعم النساء اللواتي يتعرضن للعنف من خلال الاتصال بالرقم 144، لتقديم شكوى على الإساءة.
استنتاج :
إن محاربة العنف كحالة إنسانية وظاهرة اجتماعية عملية متكاملة تتآزر فيها أنظمة التشريع القانوني والحماية القضائية والثقافة الاجتماعية النوعية والنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي الديمقراطي، فعلى أجهزة الدولة والمجتمع المدني بمؤسساته الفاعلة العمل المتكامل لاستئصال العنف من خلال المشاريع التحديثية الفكرية والتربوية السياسية والاقتصادية.
إن العنف ضد المرأة لن يتوقف فقط من خلال الإعلام أو من خلال تحديد يوم عالمي للقضاء عليه، بل لا بد تعزيز الجهود، والآليات الاستعجالية، والملائمة للتخفيف من حدة العنف ضد النساء، وحمايتهن خلال الظروف العصيبة.