“الطبيعة الخاصة لعقد نقل التكنولوجيا وأثرها على توازن العقد.”
هند الحدوتي
طالبة باحثة بصف الدكتوراه
الكلية: كلية الحقوق جامعة محمد الاول وجدة.
مخبر:قوانين التجارة والاعمال.
مقدمة
نمت التجارة الدولية وتطورت بشكل ملحوظ في غضون السنوات الاخيرة ،وخاصة العشرين سنة الاخيرة لدرجة ان مفهومها بذا بتغير بشكل لافت، فالي جانب الاشكال والصور التقليدية للبيوع ومبادلات البضائع ،ظهرت علاقات تعاقدية جديدة تركزت على الاموال المادية والمعنوية ،مثل المعرفة وبعض العناصر التي يحتويها مفهوم التكنولوجيا ونقلها
لذلك تعد عملية نقل التكنولوجيا ظاهرة قانونية حديثة وعقدة ،كونها تشكل مطلبا هاما واساسيا للدول النامية ، التي ادركت منذ فترة ان هذه الالية تشكل بالنسبة لها وسيلة لا غنى عنها من وسائل التنمية . ونظراً للأهمية النظرية والعملية التي تمتاز بها هذه العقود فأنها غالباً ما تمر بعدة مراحل قبل إبرامها النهائي ، وأهم هذه المراحل هي مرحلة المفاوضات والتي يتم من خلالها تبادل وجهات النظر بين الأطراف المتفاوضة من اجل الوقوف على حقيقية التكنولوجيا المراد نقلها والاطلاع على جوانبها الفنية والمعرفية والقانونية بعد المفاوضات يتم ابرام العقد ثم تنفيذه.الا انه يمكن تنفيذ هذا العقد بتفوق احد المصالح مما يطرح اشكالية التوازن العقدي بحكم تواجد طرف ضعيف هو المتلقي واغلبها دول النامية وطرف قوي المانح الدول المتقدمة مما تظهر الشروط التعسفية في الواجهة التي يمكن قبولها نظرا لاحتياج التكنولوجي وهذا التفاوت بين طرفي العقد يخلق ضرورة وجود حماية قانونية وفي هذا السياق نتسأل عن الحل لتحقيق من خلاله التوازن مابين مبدا الحرية التعاقدية باعتباره الركيزة الاساسية في حياة التجارة الدولية وبين مطلب العدالة الاجتماعية بوصفها السند الذي يحمي الطرف الا ضعف عقديا من تسلط الطرف القوي؟
لذلك سنحاول تقسيم هذا الموضوع الى:
المبحث الاول: الطبيعة الخاصة لعقد التكنولوجيا
المبحث الثاني : اشكالية التوازن العقدي في عقود نقل التكنولوجيا.
المبحث الاول: الطبيعة الخاصة لعقد نقل التكنولوجيا
ولاشك ان روح هذا العقد توجب على المدين ان يقوم بتنفيذ الالتزامات المترتبة عليه بحسن نية تعد عقود نقل التكنولوجيا من العقود المركبة التي تحتوي بين طياتها العديد من العقود البسيطة كعقد البيع والإيجار والمقاولة ونحو ذلك ،يكون الهدف من النقل عادة تمكين المتلقي من محل العقد الذي هو المعرفة المنهجية المتعلقة بإنتاج أو تطوير شيء ما، أو تطبيق طريقة أو وسيلة، أو تقديم خدمة في تخصص معين.
لذلك سنتناول في( المطلب الاول) من هذا المبحث ماهية عقود التكنولوجيا (المطلب الثاني) عن التكيف القانوني للعقود نقل التكنولوجيا
المطلب الاول:ماهية للعقود نقل التكنولوجيا
تكمن اهمية العقد بشكل اساسي في نطاق عملية نقل التكنولوجيا باعتباره المدخل او المنفذ التي عبرت من خلاله التكنولوجيا الى دائرة القانون بشكل عام الى دائرة قانون التجارة الدولية بشكل خاص، ذلك ان هناك حقيقة معينة ينبغي التسليم فيها وهي ان فكرة عقود نقل التكنولوجيا لم تظهر الى حيز الوجود الا عندما اصبحت التكنولوجيا موضوعا ومحلا للنقل المتعاقد الى اخر ولهذا كان من الضرورة والاهمية بمكان ان يتم اضفاء مفهوم قانوني على عملية نقل التكنولوجيا [1] من هنا يمكن تعريف عقد نقل التكنولوجيا ( الفقرة الاولى) والتحدث عن خصائصه في ( الفقرة الثانية )
الفقرة الاولى :مفهوم عقد نقل التكنولوجيا
يعد العقد الاداة الاساسية والاكثر شيوعا في تنفيذ جميع عمليات التجارة الدولية عموما وذلك نظر لأنه يعبر عن الارادة التعاقدية للطرفين المتعاقدين رغم ماقد يتبين من تعارض مصالحهم في بعض الاحيان وهذا تجسيدا لمبدأ سلطان الارادة ،وبالتالي فأن لعقد يتمتع بقوة الزامية سواء في مواجهة اطرافه او في مواجهة الغير. وضمن دائرة نقل التكنولوجيا فان العقد اصبح الاداة القانونية الاساسية والاكثر استخداما وشيوعا من اجل القيام بالمبادلات التكنولوجيا بين الدول المتقدمة من ناحية والدول النامية ومشروعاتها من ناحية اخرى حيث ان معظم هذه المبادلات التكنولوجية تتم على اساس من العلاقات التعاقدية بين المورد والمستورد،[2] ولهذا فأن عملية نقل التكنولوجيا تتطلب في الواقع ادوات واليات يكون لديها القدرة على ضمان نقل فعلي وحقيقي للمعارف والعلوم التكنولوجيا وذلك من اجل اشباع متطلبات التنمية الاقتصادية بالنسبة للدول النامية، بالرغم من ان عمليات نقل التكنولوجيا تتم بأساليب وادوات قانونية متنوعة ومختلفة فان هذا العقد يبقى اكثر هذه الادوات والوسائل انتشارا واهمية في ذات الوقت.[3] والحقيقة ان كل عقد من عقود نقل التكنولوجيا يختلف عن الاخر وذلك تبعا لنوع التكنولوجيا التي يرغب المستورد في الحصول عليها وما يلازم ذلك ويتبعه من عناصر ثانوية لازمة لتطبيق هذه التكنولوجيا. ويتمحور مضمون عقد نقل حول فكرة التكنولوجيا ونقلها وهو عقد يرد على محل المعرفة الفنية التي يملكها المورد وهو ذلك العقد الذي يغطى عمليات معينة. ويتضمن اداءات محددة تتضمن اخذ احد الأطراف من الاخر نظاما للانتاج والادارة . نقل حيث ان عقد نقل التكنولوجيا يعد نتاج ارادة المورد والمستورد.[4]
وهذا العقد يحتوي من حيث الواقع تصرفات ذات ابعاد متشابكة تمتزج بها عناصر عقد مسمى اخر او اكثر كعقد العمل وعقد المقاولة في بعض الاحيان او بعناصر مستجدة ليصبح عقدا واحدا ،لذا فأن عقد نقل التكنولوجيا يتخذ طابعا مختلطا او مركبا .لاحتوائه الى جانب العناصر المادية والمتمثلة بالعدد والآلات ،عناصر معنوية والتي تعد جوهر اتفاق عملية نقل التكنولوجيا المتمثلة بحقوق الاختراع اوحق المعرفة وما يرافقها من الالتزام بنقل المعارف الفنية والمهارات والخبرات اللازمة للتعامل مع التكنولوجيا المنقولة من خلال المساعدة الفنية والالتزام بتدريب العاملين المحليين للمتلقي.[5]
وقد اعتبره جون شابيرا بأنه لا توجد في الانظمة او في النظام القانوني الدولي اي صيغة اتفاقية موحدة يطلق عليها مصطلح عقد نقل التكنولوجيا انما توجد سلسلة من تلك العقود ذات طبيعة متباينة لكل منها شروطه المتميزة ونظامه القانوني الخاص والتي يكون من اثارها بصفة اساسية اوتبعية نقل المعارف التكنولوجيا[6]. وقد اتجه المشرع المغربي في نفس الاتجاه ولم يقنن عقد نقل التكنولوجيا وافرغ نقل المعرفة الفنية والتي تعتبر محل هذا العقد في عقود ذات طبيعة متباينة مثل عقد الفرانشيز وعقد التراخيص .
وقد تعددت اجتهادات الفقه في تعريف بالعقد وشأنها شان الفقه الفرنسي كان القاسم المشترك بينها التركيز على محل العقد وهو حق المعرفة الفنية.
وقد جاء تعريف عقود نقل التكنولوجيا في المدونة الدولية للسلوك بأنها ترتيبات بين الاطراف متضمنة نقل المعرفة المنهجية لصناعة منتج او لتطبيق عملية او لتقديم خدمة ولاتمتد لتشتمل الصفقات المتضمنة مجرد بيع او تأجير البضائع.[7]
وبذلك فالعقد كي يكون عقد نقل التكنولوجيا لابد وان يرد على المعارف فنية تستخدم في الانشطة الانتاجية ويستبعد من زمرتها عقود التي تقتصر على شراء او تأجير او استئجار السلع دون ان تمتد الى مايقف خلف انتاجها من معارف فنية ولأمر نفسه بالنسبة الاقتصار العقد على الاذن باستخدام علامة تجارية او باسم تجاري دون تزويد المرخص له بالمعلومات الازمة لانتاج المنتجات التي تحمل العلامة او ما يمتلكه صاحب الاسم التجاري من اسرار صناعية او معلومات فنية يستخدمها في المؤسسة او الشركة التي تحمل الاسم.
الفقرة الثانية:الخصائص المميزة لعقود نقل التكنولوجيا
تتمتع عقود نقل التكنولوجيا بمجموعة من الخصائص التي تميزها عن باقي العقود التجارية كونها تمتاز بتنظيم قانوني خاص ذي بعد اقتصادي وسياسي واجتماعي مع الاحتفاظ هذه العقود بذات الخصائص التي تمتاز بها العقود التجارية بشكل عام من حيث الرضائية التي تؤسس على مبدأ سلطان الارادة اي ان هذا العقد يتم وينعقد بوسطة ارادة الطرفين المتعاقدين الارادة السليمة الخالية من العيوب الرضى وتوافر الاركان العامة للعقد وكونها ملزمة للجانبين وتعتبر من عقود المعاوضة وعقود المدة ، كما انها تعتبر من الاعمال التجارية[8] ،عقد نقل التكنولوجيا يتسم ببعض الخصائص و اهمها
اولا:عقد نقل التكنولوجيا عقد دوليا وطويل الأمد
يعد دوليا هذا العقد اذا كان موضوع الاتفاق نقل التكنولوجيا عبر حدود دولة ما ، سواء اكان طرفين الاتفاق يقيمان ام يمارسان نشاطا تجاريا او صناعيا في نفس الدولة ام في دولتين مختلفتين بمعنى لاعبرة لجنسية الاطراف ، وكذلك فان الصفة الدولية تتحقق اذا كان موضوع عقد نقل التكنولوجيا بين طرفيان لايقيمان في نفس الدولة ولايمارسان فيها اي نشاط تجاري [9].تختلف مدة العقد على حسب موضوع العقد الا اننا نستطيع القول عموما ان مدة العقد يجب ان تكون كافية لتحقيق موضوعه وسببه وتماشيا مع طول المدة يمكن ادراج شروط تسمح بمراجعته او تعديلها وفقا ا لظروف المحيطة بتنفيذه مما يعطيه طبيعة متغيرة كما يمكن تجزئة العقد ذاته الى عدة مراحل بحيث يحدد لكل مرحلة فترتها الزمنية المعقولة وعند نهاية كل مرحلة يقرر المتعاقدون فيما لو رغبوا بالانتقال للمرحلة التالية .[10]
ثانيا :عقد نقل التكنولوجيا عقد اذعان
يعتبر عقد الاذعان مفهوما حديثا ابتكره الفقه والقضاء لا براز اختلال التوازن بين طرفي العقد بحكم الوضعية الاقتصادية والتقنية لكلالهما وكذا الاحتكار الذي يستفيد منه الموجب بالعقد . وعرفت كذلك بأنها العقود التي يسلم فيها القابل بشروط مقررة يضعها الموجب ولايقبل بمناقشتها وذلك فيما يتعلق بسلعة او مرفق ضروري يكون محل احتكار قانوني او فعلي او تكون المناقشة محدودة النطاق[11] وقد عرفه القانون المدني الكيبيكي في المادة 1379 بانه ” العقد الذي يفرض فيه احد الاطراف شروطه على الطرف الاخر او يحررها بمفرده ولمصلحته دون امكانية مناقشتها بحرية وان كل عقد ليس بعقد اذعان فهو عقد مساومة ” ولقد عرفت السنوات الاخيرة ظهور مجموعة من عقود الاذعان التي جعلت الكثير من الدول تعمد الى اصدار مدونة خاصة لتنظيم هذه العقود وقد سار المشرع المغربي في هذا الاتجاه ولكن بشكل محتشم عندما اصدر القانون رقم 99.06 المتعلق بحرية الاسعار والمنافسة وقانون الملكية الصناعي والتجارية فمن خلال هذه التعاريف فهل فعلا عقد نقل التكنولوجيا هو عقد اذعان.[12]
هناك اختلافات فقهية واسعة بهذا الموضوع نظرا ان عقود نقل التكنولوجيا متشعبة ومتنوعة بحيث لم تتمكن الجهود الدولية من التوصل الى صيغة مقبولة للتعامل على اساسها فان هناك من يرى ان تلك العقود هي فعلا من عقود الاذعان .
ويدعم هذا التصور شيوع العقود النموذجية في التعاملات التجارية مما يعني تغييب مسبق لإرادة الدولة المتعاقدة اذ ليس عليها سوى الموافقة على مثل ذلك العقد برمته او رفضه بمجمله.
اما الاتجاه الاخر يرى انه لم يعد مقبول في ا العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية في الوقت الحاضر بان للمتعاقد الاجنبي ان يفرض ارادته على الدولة المتعاقدة بسبب نفوذه التكنولوجي والمالي لان تلك الدولة تصد نفوذه بسلطاتها السيادية كدولة مما يخلق توازنا للعقد ويبعد عن عقود الاذعان. .[13]
وهكذا يتضح ان رأي الغالبية ان عقد نقل التكنولوجيا في تسلسله الموضوعي وامتداده الزمني بمختلف اشكاله يكرس اختلالا واقعيا ما بين الاطراف مما يقربه من عقود الاذعان
لكن لا يمكن الجزم بذلك فلو نظرنا الى عقد نقل التكنولوجيا من وجهة نظر قانونية لا نجده عقد اذعان فالإيجاب لا يأتي عاما ونموذجيا وكذلك وجود مفاوضات شاقة ومطولة قبل ابرام العقد والاكثر من ذلك هناك بعض العقود تتطلب بعض الفحوصات والتجارب.
المطلب الثاني: تكييف عقد نقل التكنولوجيا
يترتب على تكييف العقود نقل التكنولوجيا اثار هامة متعددة في مقدمتها تحديد النظام القانوني الذي تخضع له هذه العقود ،فاذا تم تكييفها بالاتفاقية الدولية يتصدى القانون الدولي لتنظيمها وان تم تكيفها كعقد اداري وجب تطبيق القانون العام الاداري ومن تم القانون الخاص فيما لو كيفت على انها عقد مدني اما لو كيفت على انها عقد جديد غير مسمى فما هو القانون الجديد الذي تخضع له.
الفقرة الاولى: عقود نقل التكنولوجيا ما بين القانون العام والقانون الخاص
سنحاول وضع مقاربة مزدوجة لهذه العقود تجمع مابين القانون العام والقانون الخاص
اولا:عقود نقل التكنولوجيا اتفاقية دولية
اثار الفقه والقضاء الدولي خلافا واسعا حول اعتبار عقود نقل التكنولوجيا اتفاقية دولية خاصة حينما يفرض القانون الدولي العام كقانون واجب للتطبيق.
وقد ذهب جانب من الفقه ر ادراج من بينهم الفقيه الالماني [14] هذه العقود في نطاق الاتفاقيات الدولية كلما توفرت فيه الشروط ،الا ان هذا الاتجاه لم يحظ بتأييد العديد من الفقهاء اذ ان هذا العقد ليس اتفاقية بين دول او منظمات دولية [15].كذلك فقه وقضاء القانون الدولي قد اتجه الى ان تضمين العقد شرطا يقضي بان القانون الدولي او المبادئ العامة للقانون هي القواعد الواجبة التطبيق على العلاقة العقدية لا يستتبع تحول العقد الى اتفاقية دولية بالمعنى الذي تقصده اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات سنة 1969 [16]
ثانيا:عقد نقل التكنولوجيا عقد اداري
يذهب جانب من الفقه[17] الى ادراج عقد نقل التكنولوجيا ضمن طائفة العقود الادارية في محاولة لمنح الدولة المتعاقدة الحق في تعديل العقد وانهائه بإرادة منفردة وبما يحقق المصلحة العامة[18].
انطلاقا من صفة العقد الاداري هناك تقارب بين هده الصفة و عقد نقل التكنولوجيا ، املته مجموعة من الاعتبارات تتمثل في ان كليهما تكون الدولة او احد مؤسساتها طرفا فيه في حين ان الطرف الاخر هو احد اشخاص القانون الخاص ،غير ان هنالك مجموعة من العوامل ترفض هذا التقارب بين العقدين وينطلق هذا الراي من ان القانون الدولي لايعرف اصلا ما يطلق عليه بنظرية العقد الاداري ، وخاصة ان وجود مثل ذلك العقد يحتاج الى وجود قضاء اداري دولي له استقلالية وهو ما لم يتحقق حتى الان هذا من جهة اما من جهة تحقق شروط العقد الاداري فثمة عقود لنقل التكنولوجيا قد لاتكون الدولة او اجد هيئاتها طرفا فيها ، ورغم تضمينها شروطا اسثنائية وتعلقها بمرفق او مصلحة عامة فلا يعد العقد عقدا اداريا ، وثمة عقود تكون الدولة طرفا فيها ولكنها تتعاقد كطرف خاص.[19]
الفقرة الثانية: عقد نقل التكنولوجيا ما بين عقود الببع والمقاولة
في محاولة لتقريب عقد نقل التكنولوجيا نجده يأخذ احكاما من عدة عقود دون الخلط بينهما كعقد بيع( اولا) وعقد ايجار ومقاولة( ثانيا)ا
اولا: عقد نقل التكنولوجيا عقد بيع
لقد عرف المشرع المغربي البيع في الفصل 478 من ق .ل.ع عقد بمقتضاه ينقل احد المتعاقدين للأخر ملكية بدفعه له” وبالرغم من ان هذا النص ما هو الا انعكاس لنص المادة1582 مدني فرنسي الا ان المشرع المغربي جاء كثر دقة من نظيره الفرنسي حيث ان صياغة المشرع المغربي جاءت اكثر اتساعا لان البيع حسب هذه الصياغة لا يقتصر على نقل ملكية الاشياء فحسب وانما يشمل ايضا نقل الحقوق المالية الاخرى سواء كانت حقوق مادية او حقوق معنوية ناشئة عن استعمال المجلات الادبية او الفنية وهو نفس الاتجاه صار عليه المشرع المصري في المادة 418 من التشريعات المدنية [20]
ومن هنا يثور تساؤل فيما لو كانت العبارات والنصوص العامة المتعلقة بعقد البيع تسمح باعتبار العمليات الواردة على براءة الاختراع والآلات والمهمات الصناعية او حتى توريد مساعدة تقنية محلا للبيع ؟ .
ذهب بعض من الفقه ان عقد نقل التكنولوجيا يقترب الى عقد البيع فلا مانع من ان تكون الحقوق الفكرية موضوعا لعملية بيع لان عقد البيع ينطوي على نقل الملكية كاملة ولما كان موضوع عقد نقل التكنولوجيا هو نقل الخبرة فأنه يترتب على اعتبار عقد نقل التكنولوجيا عقد بيع نقل الملكية مع كافة الوثائق التفسيرية للتكنولوجيا دون اي شرط يحدد او يخص الحق بحيث يتمكن المتلقي من استثمارها حسب مشيئته واعادة بيعها ان اراد.
من الواضح ان هذه النظرية قد ساوت بين البضائع والمعدات من جهة والتكنولوجيا من جهة اخرى اذ اعتبرت التكنولوجيا مجرد سلعة تباع وتشترى وهي بذلك تكون قد تأثرت بشكل كبير بالرؤية الاقتصادية التي تتبنى نظرة خاصة للعناصر المكونة للتكنولوجيا التي تظهر كأموال متداولة ومباعة وهذا مايقع في عقود بيع المجمعات الصناعية .واذا كان عقد البيع يضمن للطرف الاخر الذي انتقلت اليه الملكية حق التصرف وحقا الاستعمال والاستغلال كما عرفه المشرع المغربي فهل هذه الاثار نفسها في عقود نقل التكنولوجيا؟
واذا كان يترتب على عقد البيع نقل الملكية من البائع الى المشتري فأنه في العقود نقل التكنولوجيا لاتنتقل الملكية وانما حق استغلال المعرفة والتكنولوجيا كما ان نقل حق الاستغلال لايتم بشكل مطلق بحيث يتوقف على ارادة الاطراف وطبيعة العقد المبرم. اضف الى ذلك ان المساعدة التقنية والتكوين المهني والتطبيقي ليس لها وجود في عقود البيع مما يجعل هذه النظرية لاتصلح للتكييف القانوني للعقود نقل التكنولوجيا.
ثانياا:عقد نقل التكنولوجيا عقد مقاولة
في عقد المقاولة قد يلتزم المقاول بتقديم العمل فقط او العمل والمادة معا ولقد عرفه المشرع المغربي في الفقرة الثانية من الفصل 723 من ق.ل.ع على انه” اجارة الصنعة عقد بمقتضاه يلتزم احد طرفيه بصنع شيء معين في مقابل اجر يلتزم الطرف الاخر بدفعه له ” وقد كييف بعض الفقهاءبعض الاداءات في عقود نقل التكنولوجيا كعقود مقاولة مثل :تشييد المباني :فمحكمة النقض الفرنسية تعتبر ان بناء على ارض رب العمل عقد مقاولة فقد اعتبرت الارض هو الأساس بغض النظر عن قيمتها ورغم ان المقاول ينقل ملكية المواد للمالك الارض يظل العقد عقد مقاولة.[21]
آلا ان هذه النظرية تبقى محل نقاش من حيث الاثار القانونية التي ترتبها في الوقت الذي نجد فيها ان اساس عقد المقاولة هو التزام المقاول بصنع الشيء المتفق عليه نجد ان الالتزام الجوهري للمورد الناقل في عقود نقل التكنولوجيا هو نقل الحق في استغلال تكنولوجيا معينة وهذا الالتزام يعد التزاما اجنبيا وغريبا عن عقد المقاولة إضافة الى ان دور المقاول في عقود المقاولة ينتهي بمجرد انتهاء الاشغال التي تم الاتفاق على انجازها اما في عقود نقل التكنولوجيا فتتأسس على التعاون بين الطرفين ويفرض من خلالها على المورد الناقل ليس فقط الاستمرار في تقديم المساعدة التقنية وتكوين الاطر بل القيام بالتزامات اخرى كتبادل التحسينات ومراقبة كيفية تطبيق التكنولوجيا المنقولة.
يتضح من خلال ما سبق انه ليس من السهل حصر الطبيعة القانونية لعقد نقل التكنولوجيا بسهولة كون هذا العقد من حيث الواقع يحوي تصرفات ذات ابعاد متشابكة تمتزج بها عناصر عقد مسمى بعناصر عقد قد مسمى اخر او اكثر كعقد البيع اوالاجارة اوعقد العمل وعقد المقاولة في بعض الاحيان او بعناصر مستجدة ليصبح عقد واحد ،لذا فان عقد نقل التكنولوجيا يتخذ طابعا مختلطا او مركبا لاحتوائه الى جانب العناصر المادية والمتمثلة بالعدد والالات عناصر معنوية والتي تعد جوهر اتفاق عملية نقل التكنولوجيا المتمثلة بحقوق الاختراع او حق المعلرفة ومايرفقها من الالتزام بنقل هذه المعارف الفنية و الخبرات اللازمة للتعامل مع التكنولوجيا .
المبحث الثاني: اشكالية التوازن العقدي في عقود نقل التكنولوجيا
ان مبدا سلطان الإرادة المعول عليه في مدونة نابليون الصادرة سنة 1804 والقوانين المتأثرة به لم يعر اهمية خاصة لحماية المتعاقد الا اذا عيبت ارادته وبالتالي كان على هذا الاخير ولاسيما في عقود نقل التكنولوجيا ان يتحرى بنفسه عن الظروف الملائمة للالتزام .
ان قاعدة العقد شريعة المتعاقدين قد ادى الى سيطرة احد اطراف العقد على الاخرى خاص في المعاملات الاقتصادية المبنية على العرض والطلب .وبالتالي استغلال المنتج للمتلقي في ضل تصور ينطلق من قوانين السوق قادر على جلب المنفعة للسوق .لذلك ارتأينا ان نتحدث في هذا الفرع على مبدأ سلطان الارادة مدى نجاعته في التوازن العقدي (المبحث الاول) وعن الشروط التعسفية ومدى مقومتها للعقد (المبحث الثاني)
المطلب الاول: مدى نجاعة النظريات التقليدية في اعادة التوازن
ان العدالة في المعاملات التعاقدية يجب الا تأتي من خارج اطار العقد ، وانما من داخله بدعوى ان اي تدخل من طرف الغير في العقد يمس بمبدأ التراضي ،فالإرادة هي اساس الالتزام التعاقدي، ولاشك ان التعديلات الجوهرية التي مست الاسس الاقتصادية القانونية ادت الى قلب المفاهيم التقليدية لمؤسسة العقد لذا نتسأل عن مدى نجاعة النظريات التقليدية في اعادة التوازن (الفقرة الاولى) .
الفقرة الاولى :النظريات التقليدية وتحقيقها التوازن العقدي في عقود نقل التكنولوجيا
يعد مبدا سلطان الارادة في مجال العلاقات العقدية من الاكثر المبادئ التي تعرضت للدراسة والنقد ورغم الكثير من الضوابط الفقهية او التشريعية او القضائية التي حاولت تقيده ظلت ارادة الاطراف على مختلف صورها تملك ما يكفي من الدلالات لحسم الكثير من المسائل القانونية. و اذا كانت الارادة هي التي تولد الالتزام ،فيجب ان تكون هذه الارادة سليمة وخالية من اي عيب من عيوب التي تؤثر على صحتها تحت طائلة الابطال. وقد نص الفصل 29 م ق.ل “بانه يكون قابلا للأبطال الرضى الصادر عن غلط او الناتج عن تدليس او المنتزع باكراه[22]”
انطلاقا من النص ومن خلال طبيعة عقود نقل التكنولوجيا سنتناول الغلط من اهم عيوب الرضا التي يمكن ان تمس مثل هذه العقود .
اولا: حماية المتعاقد من الغلط
قد ميز بعض الفقه بين 3 مراتب الغلط في اعلاها تؤثر على وجود العقد فتعدمه كالغلط في طبيعة العقد ،وفي المرتبة الثانية تؤثر على صحة العقد وفي المرتبة الاخيرة لا تأثير له لا على العقد ولا على صحته كما هو الشأن بالنسبة للغلط في الصفة غير الجوهرية في الشيء او في الشخص المتعاقد الاخر. ولما كانت عقود نقل التكنولوجيا من العقود المذعنة فمن الجائز ان نتوقع حدوث المتعاقد المذعن في الغلط بشأنها.
لذا يمكن التساؤل عن مدى نجاعة تمسك المتعاقد المذعن بالغلط لإعادة التوازن لعقد نقل التكنولوجيا ؟
ان تحقيق التوازن في العقد مطمع مثالي ناهيك عن ان الغلط لايخول الابطال الالتزام الا اذا وقع في النوع او في صفة جوهرية ومن ثم فان التوسع في ادعاء الغلط وهدم التصرف القانوني من شانه الاخلال باستقرار التعامل بالعقد .
ان الشروط التي تجعل من الغلط عائبا للرضى هي شروط تهدف الى التوفيق بين مبادئ العدالة وحماية المتعاقد والاستقرار الذي يفضل على التصرف القانوني قائما وعليه حتى يمكن اعتماد الغلط كسبب للأبطال في عقود التكنولوجيا لابد من تحقيق شرطين[23] :
اولهما : ان يكون الغلط فادحا وغير ممكن العذر عنه
ثانيا: وقوع الغلط في صفة جوهرية في الشيء محل العقد
ان التمسك بالغلط هو ادعاء يجب على المتضرر اثباته وفي كثير من الاحيان لا يستطيع تحقيق ذلك لأنه مسالة نفسية.
الفقرة الثانية: : مدى نجاعة نظرية التعسف في استعمال الحق في اعادة التوازن
من اهم النظريات التي يمكن ان تعيد التوازن العقدي ويستخدمها الطرف الضعيف لاسترجاع حقوقه هي نظرية التعسف في استعمال الحق.
بداية يمكن ان نتسأل هل الشخص الذي يمارس حقوقه يمكن ان يكون مسؤولا عن دفع التعويض اذا نجم عن الممارسة الحاق الضرر ولاسيما اذا كان المتعاقد مذعنا.
تبعا للفقه التقليدي فان هذا القول مردود بعلة انه لا يمكن نسب الضرر للشخص الذي يمارس حقا مشروعا رغم ان المنطق يفرض على من تعسف في استعمال حق جبر على التعويض المتضرر اذا كان سببا في الحق الضرر.
ولقد وجدت نظرية التعسف في استعمال الحق سندها الفلسفي في الفصل 231 من ق ل ع الذي ينص على ان كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية،ان هذا المفهوم الذي يتنافى والتعسف الذي يجعل صاحبه يخرج عن وظيفة الحق في مفهومه الطبيعي أي عدم الاضرار بالغير،وهذا يعني ان التعسف في استعمال الحق يتطلب حق مورس بتعسف.[24]
تسال المطروح هو هل رفض التعاقد يعتبر تعسفا خاصة في عقود نقل التكنولوجيا الدي يعتبر من العقود تسبقها مفاوضات طويلة ومعروفة بالعقود المكلفة؟ان المشرع المغربي كان متفوقا عندما حسم هذا النقاش بنصه في الفقرة الاولى من المادة 49 من قانون 6.99 يتعلق بحرية الاسعار والمنافسة على” انه يحظر الامتناع عن بيع منتوج او تقديم خدمة الى المستهلك دون سبب مقبول[25]”
وهذا يعني ان رفض التعاقد يعتبر خرقا لالتزام القانوني وهو نفس الاتجاه الذي تبناه المشرع الفرنسي .وبذلك نقترب الى تعسف في استغلال ضعف وجهل المتعاقد المذعن. وباعتبار عقود نقل التكنولوجيا من عقود الاذعان هناك طرف ضعيف في العلاقة التعاقدية وباعتبار انه من العقود طويلة الامد يجب الاخذ بهذه النظرية من اجل حماية رضى المتعاقد. ومجمل القول فانه ان لم تستطيع القواعد التقليدية لعيوب الرضى توفير حماية الكافية للطرف المذعن بسبب التعقيدات في الاثبات بالإضافة الى ان الاعتماد الابطال كنتيجة للتصرف المعيب قد يضر بمصالح هذا الاخير اكثر من نفعه فان القضاء لايتورع في اعتماد نظرية التعسف في استعمال الحق من اجل مقاومة التصرفات التعسفية من جانب المحتكر لمضمون العقد من جهة اخرى .
ومع ذلك فهذه الوسائل تضل غير كافية وتفتقد الى فعالية اللازمة للحد من هذه الظاهر.
المطلب الثاني: دور القضاء في تحقيق التوازن في عقود نقل التكنلوجيا
إن موضوع العقد الدولي لنقل التكنلوجيا[26] انعكاس للاستراتيجية التي بناها أطرافه، بما سيتضمنه موضوعه من حاجيات يلبيها كل طرف للآخر كنتيجة مباشرة لأهداف العقد، لذلك فإن العلاقة بين الطرفين يطبعها عدم التوازن من حيث علاقة أطراف العقد، ومن حيث الالتزامات.
فما هو دور القضاء إذا في مجابهة إختلال التوازن في هاته العقود؟
الفقرة الاولى: سلطة القاضي في ضمان التوازن للعقد
سنحاول أن نبين مدى الدور الحمائي والرقابي الذي يمكن أن يؤديه القضاء الوطني في مجابهة ظاهرة اختلال التوازن التي تطبع عقود نقل التكنلوجيا، وحماية التوازن العقدي في نطاق هاته العقود، التي تفرض في العادة تحت ضغط الحاجة الملحة لدول العالم الثالث، التي تأمل في اللحاق بركب التنمية والتقدم، فتفرض الشركات المتعددة الجنسية العديد من الشروط التعسفية[27] التي تخل بالتوازن الاقتصادي، والذي يحقق مصالح هاته الشركات ويضمن لها دوام التبعية.
إن وتطبيق القانون الوطني بواسطة القاضي الوطني على عقد نقل التكنلوجيا لا يثير مشاكل. خاصة أنه سيتعامل مع هذا العقد كما يتعامل مع العقد الداخلي، ولا خلاف في أنه سيلتزم بكل القواعد الإجرائية المتعلقة بالنظام العام داخل بلده ومن المتفق عليه في كل القوانين الوطنية أن المشرع يترك للقاضي سلطة تكملة إتفاق الطرفين بالنسبة للمسائل التفصيلية التي لم يتفقا عليها، أي أن القاضي له سلطة تفسيرية أو تكميلية للعقد.
لكن في عقود نقل التكنلوجيا التي يبدو فيها التعقيد وعدم التوازن واضح، فإن التكوين القانوني للقاضي الوطني سيتعارض حتما مع طبيعة هاته العقود المعقدة محل الدراسة وقد يؤثر هذا بشكل سيئ يعمق نوع التبعية عوض أن يحل الإشكال المطروح.
كما أن الوسيلة التي يخولها المشرع الوطني للقاضي لمجابهة ظاهرة اختلال توازن العقد الدولي المثار أمامه لإعادة التوازن إليه عن طريق نظرية عيوب الإرادة، فإن لها حدود ضيقة في عقود نقل التكنلوجيا، والتي تملي الشركة الأجنبية شروطها على الدول النامية[28].
ذلك أن المعيار الذي يتحدد وفقا له الإختلال في الآداءات المتقابلة في العقد، هو معيار مزدوج – ليس بالشخصي البحث ولا بالموضوعي الصرف- أي لا يمكن الإعتداد بقيمة الشيء في التعامل المعتاد مع الآخذ في الإعتبار الظروف المحيطة بالمتعاقدين مما يجعل قيمة التكنولوجيا مرتبطة بظروف تتميز من حالة لأخرى ومن عقد لآخر، فعقد الفرانشيز، ليس هو عقد الترخيص، وليس هو عقد تسليم المفتاح في اليد مما يجعل هذه القيمة مرتبطة بظروف تتميز من حالة لأخرى، ولا ترتبط بحدود قانونية جامدة[29]، ومن هنا تظهر أن السلطة التقديرية للقاضي الوطني في مجابهة اختلال توازن العقد مقيدة بنوعية معينة من العقود والتي خلقت للعقود الداخلية، وليس للعقود الدولية وحتى إذا افترضنا أن القاضي حاول مجابهة اختلال التوازن في هذه العقود بإمكانياته المتاحة في قانونه الداخلي فإن الجزاء[30] قد لا يتناسب مع هذه العقود وقد يأتي بنتائج عكسية قد تؤثر على السياسة الاقتصادية داخل بلده.
وإن كان المشرع يحاول أن يمنح قاضيه عدة وسائل هامة يمكنه بمقتضاها من أن يمارس سلطة معقولة يجابه بها اختلال التوازن التعاقدي أثناء مرحلة تنفيذ العلاقة التعاقدية.
فمبدأ العقد شريعة المتعاقدين تطرأ عليه حوادث استثنائية عامة لا يمكن توقعها ويترتب على حدوثها أن يصبح تنفيذ الالتزام التعاقدي مستحيلا أو مرهقا، وهنا يتدخل القاضي تبعا للظروف وإمكانية الموازنة بين مصلحة الطرفين لكي يصير الالتزام المرهق إلى حد المعقول.
فهل يمكن البحث عن حل آخر يواجه به هذا الموقف الجديد، إن القوانين الوطنية هي تقنيات وضعت لتجابه مشاكل والالتزامات المتعارف عليها في العقود الداخلية البسيطة، أما في العقود المركبة فالمشكل يتفاقم فرغم أن الممارسة العملية في تحرير العقود جرت على أن الأطراف فيها يدرجون شروطا تعاقدية يجابهون بها احتمال التغيير في الظروف التي تطرأ أثناء تنفيذ العقد ومعها شروط إعادة التفاوض، خصوصا في عقود نقل التكنلوجيا التي تكون دورية أو تبعا لتغير الظروف[31].
ومع الإمكانيات المتاحة أمام القاضي لمحاولة إعطاء توازن للعقود، وللمرونة الكبيرة المتاحة للأطراف في إملاء شروطها في العقد إلا أن القوانين الداخلية تبقى عاجزة عن احتواء مثل هذه النزاعات لأن القاضي لا يمكن أن يجابه اختلال توازن العقود بخلق قواعد موضوعية بل هو مقيد بتراتبية معينة في تطبيق القانون، لا يمكن الإخلال بها.
الفقرة الثانية: عدم ملائمة الجزاء في إعادة التوازن لعقود نقل التكنلوجيا:
تثير مسألة الإختلال بعقود نقل التكنلوجيا بما يترتب عليها من نتائج قانونية منازعات طويلة الأمد، وعلى درجة من التعقيد، ومن هنا يفترض – منذ البداية- إدراج شروط عقدية تحدد بوضوح إلتزامات الأطراف، وما يعد خرقا لها، والجزاء المترتب على كل حالة من حالات الإخلال على أن يراعي عند صياغة تلك الشروط خلق نوع من التوازن والإنسجام ما بين نتائج فشل تنفيذ الالتزامات، ودرجة جسامة خرق العقد، مع صياغة أحكام القانون الواجب التطبيق فيما يتعلق بهذه المسألة إذ لا يستبعد أن تعتبر بعض من تلك الجزاءات مخالفة للنظام العام، أو خاضعة لرقابة القضاء[32].
وتنص كافة التشريعات الوطنية على الأحكام الناظمة لجزاءات عدم التنفيذ عموما، “بما في ذلك الفعل الضار المثير للمسؤولية التقصيرية”[33]، كما تلتقي في عدة نقاط تعد قواسم مشتركة، بينها إلا أنها تعود لتفترق من جديد عبر مجموعة هامة من الأحكام[34].
فالتعويض والفسخ[35] مثلا جزاءات يردان في غالبة تلك التشريعات، إلا أن شروط استحقاق التعويض وكيفية تقديره مازالت محل خلاف فيما بينها[36].
والدفع بعدم التنفيذ في عقد نقل التكنلوجيا كوسيلة لضمان التنفيذ تتوسط الوسائل التنفيذية ” كالحجز على أموال المدين” والوسائل التحفظية “كقطع التقادم” وتستهدف الضغط على إرادة المتعاقد الآخر قبل اللجوء إلى التنفيذ العيني أو طلب الفسخ أو التعويض[37].
إلا أننا نجد انعكاس هذه الوسيلة في نطاق عقود نقل التكنلوجيا مختلفا أحيانا كما هو متعارف عليه في القواعد العامة حيث تأخذ في العادة شكل “احتجاز الضمان” أو فيما لو أصدر المورد تعليماته للبنك المعتمد من قبل الأطراف بعدم الوفاء للمتلقي بسبب امتناع الآخر عن تنفيذ التزامه بخصوص الثمن[38].
أما عمليا فرغم أهمية هذه الطريقة في الضغط على إرادة المدين إلا انه يخشى فيما لو استعملت على نحو مطلق، أن تدفع بالطرف المخل للتوقف عن تنفيذه إلتزامات أخرى غير تلك المتنازع عليها فتتفاقم الأضرار ويصعب معها تحديد المسؤولية[39]، وفي الواقع فإن عقود نقل التكنلوجيا تتمتع بذاتية لا تنسجم مع تلك الأحكام، فمثلا يشترط فيما يتعلق بالإلتزامات التي يجب أن يسهل تنفيذها أن تكون التزامات متعادلة في الأهمية، فإذا كانت الالتزامات تظهر بشيء من الوضوح على صعيد العقود الشائعة[40] كعقد البيع إلا أنها لا توجد بذات الكيفية في عقودنا محل الدراسة إذ ثمة إلتزامات متعددة ومتظافرة لتحقيق هدف نهائي “نقل التكنلوجيا بالمعنى الدقيق” بحيث لا يمكننا الحكم على إحداها منفردا بأنه التزام قليل الأهمية على نحو قد يسفر في النهاية إلى عدم تمكن المتلقي من التمسك بحق الدفع بعدم التنفيذ.
ولهذا تلعب القوة التفاوضية دورا هاما في صياغة البند العقدي المتعلق بالتعويضات، كأن يدرج المورد مثلا شرط إعفائه منها كلما كان عدم التنفيذ غير راجع لإهماله أو تقصيره[41] تم يتذرع بخطأ المتلقي في استقبال التكنولوجيا لنفي مسؤوليته وعندما لا يتصدى العقد لمسألة التعويضات تاركا تقديرها للقضاء، يعاني هذا الأخير من صعوبة تحديد قيمتها خاصة لو كان الإخلال بالتزام مثل التزام ضمان النتائج.
خاتمة:
لاشك ان عقود نقل التكنولوجيا اصبحت اليوم تلعب دورا جوهري في عملية نقل المعرفة الفنية، وهذه العقود تجسد غالبا العلاقة غير المتوازنة وغير المتكافئة بين الطرفين المتعاقدين حيث ان المستورد يكون غالبا من الدول النامية اما المورد فيكون غالبا من الدول المتقدمة او من الشركات المتعددة الجنسيات التي تتبع هذه الدول بالتنمية ،وبالتالي تباينت واختلفت الاستراتيجيات لكل منهما ،حيث يسعى المستورد الى الحصول على المعرفة الفنية محل هذا العقد من اجل القيام بالتنمية اللازمة في كافة مجالات الحياة خاصة في المجال الاجتماعي بالرغم من امكانياته المحدودة ،اما المورد فهو يسعى الى الزيادة الربح الذي يجنيه من ابرام هذه العقود دون ان يهتم بمصالح المستورد ،ولاشك ان هذا الامر خلق حالة من عدم التوازن خلال مرحلة المفاوضات وكذا عند تنفيذ عقد نقل التكنولوجيا ،وهذا امر طبيعي مادام ان المراكز تختلف وتتفاوت تبعا لقوة وضعف كلا من المورد والمستورد.
من هنا تستلزم السياسة التنموية من الدول النامية المتلقية للتكنولوجيا توحيد جهودها على المستوى الاقليمي بغرض صياغة قواعد مشتركة تنظم عمليات النقل التكنولوجي اليها ، مع التصدي سلطاتها التشريعية المحلية لمهمة صياغة قوانين خاصة بنقل التكنولوجيا وفقا لتنظيم دقيق يحدد نطاق اعماله لتغدو بمثابة قواعد ضرورية التطبيق.
[1] Sheapira j les contats international de transfert technologiue.op cit p 21
ايرهيم سيد احمد عقد نقل التكنواوجيا فقها وقضاء الطبعة الاولى المكتب الجامعي الحديث الاسكندرية عام 2003 ص 115 [2]
حسام عيسى الشركات نقل التكنولوجيا دراسة في الاليات القانونية للتبعية الدولية الطبعة الاولى دار المستقبل العربي دار المستقبل العربي القاهرة 1987 ص52[3]
مرتضى جمعة عاشور :عقد الاستثمار التكنولوجي منشورات الحلبي الحقوقية ص 23[4]
وليد عودة الهمشري عقود نقل التكنولوجيا الالتزمات المتبادلة والشروط التقييدية دراسة مقارنة دار الثقافة للنشر والتوزيع ص37. [5]
[6] Jean chabira les contrat internationaux technologique no1/1978 p23
[7] وقد عددت المادة 1-2 من هذه المدونة ان العقود التي تمثل عقود نقل التكنولوجيا بأنها عقود :نقل ملكية بيع ترخيص كل اشكال الملكية الصناعية/تزويد بالمعرفة الفنية والخبرة الفنية/التزويد بالمعرفة التكنولوجيا الضرورية لمشاريع تسليم المفتاح/ التزويد بالمعرفة التكنولوجية الضرورية لاكتساب واستخدام المواد الاولية والوسيطة وكيليهما/التزويد بالتسهيلات التكنولوجية الخاصة في اتفاقيات التعاون الصناعي والتقني
اكرم يا ملكي شرح القانون الاعادة النظر في كاتب مغربي [8]
موسى مترى العقود الدولية للتعاون الصناعي م. س. ص 36[10]
محمد شكري سرور التامين ضد الاخطار التكنولوجية دار الفكر العربي القاهرة 1978 ص 45[11]
[12] طبعة الاولى 2002 ص 63 العربي مياد عقود الاذعان
العربي مياد عقود الاذعان ص 60[13]
وفاء مزيد فحلوط المشاكل القانونية في عقود نقل التكنولوجيا الى لدول النامية منشورات الحلبي الحقوقي الطبعة الاولى 2008 ص 148[14]
جلال وفاء محمدين الاطار القانوني لنقل التكنولوجيا في ضل الجهود الدولية واحكام نقل التكنولوجيا في القانون التجارة الجديدة دار الجامعة الاسكندرية 2001 ص 48[15]
جلال وفاء محمدين الاطار القانوني لنقل التكنولوجيا في ضل الجهود الدولية واحكام نقل التكنولوجيا في القانون التجارة الجديد ةمرجع سابق ص55[16]
ثروت حبيب دراسة في قانون التجارة الدولية مع الاهتمام بالبيوع الدولية مكتبة الجلاء الجديدة بالمنصورة الطبعة الثانية سنة200 ص 115[17]
. .[18] لكي يكون العقد اداريا يجب توافر ثلاثة شروط:
1 ان يكون احد اطرافه شخصا من اشخاص القانون العام يتعا قد بصفة سلطة عامة.
2 ان يتعلق بإنشاء ا وتنظيم او تسيير مرفق عام .
3 ان تأخذ الادارة او شخص القانون العام المتعاقدة بأساليب وامتيازات ال القانون العام في العقد ويتحقق هذا الشرط بتضمين شروطا غير مألوفة في عقود القانون الخاص
[19]ابراهيم سيد احمد عقد نقل التكنولوجيا فقها وقضاء الطبعة الاولى المكتب الجامعي الحديث الاسكندرية عام 2004
عبد القادرالعرعاري م س ص 12 .[20]
نصيرة بوجمعة سعدى عقد نقل التكنولوجيا في مجال التبادل الدوالي ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 1993 ص 641/642[21]
ادريس االعلوي العبدلاوي شرح القانون المدني النظرية العامة للالتزام ص 417 [23]
العربي مياد مرجع سابق ص 580[24]
القانون المتعلقة بحرية الاسعار والمنافسة الصادر بشأن تنفيذه الظهير الشريف رقم 1.00.255 بتاريخ 05 يونيو 2000[25]
[26]– أحمد سعيد الزروق: نحو نظرية عامة لصياغة العقود لنقل التكنلوجيا، دراسة مقارنة في مدى القوة الملزمة لمستندات التعاقد، مجلة الحقوق، العدد 3، السنة 2001، ص 29.
[27]– الشروط التي تفرضها الشركات الأجنبية كمثال عليها أولا: توفر مستوى معين من الخدمات قبل نقل التكنلوجيا، أن تتم بحوث التنمية والتطوير في الدولة الأم، إقتصار النقل التكنلوجي على الجانب المادي دون المعرفي، عدم القيام ببرامج التنمية والتدريب للعمالة الوطنية… إلى غير ذلك من الشروط التعسفية.
– سميحة القليوبي: تقييم شروط التعاقد والالتزام بالضمان، مرجع سابق، ص 97.
[28]– وفاء مزيد فلحوط، مرجع سابق، ص 180.
[29]– جميل الشرقاوي: النظرية العامة للإلتزامات، الكتاب الأول، مصادر الإلتزام، ص 155.
[30]– كإبطال العقد، أو التعويض عن الضرر بالشكل الذي لا يناسب حجم الضرر، أو كانت الإلتزمات المتعاقد المغبون لا تقبل الإنقسام.
[31]– فالاختلال الدائم في اقتصاديات العقد، لا يمكن جبره عن طرق نظرية الظروف الطارئة، لأن هذه النظرية لم تخلق لتبرير ودفع تعويضات إلى ما لا نهاية، كما أنه لا يمكن إدراجه ضمن المفهوم التقليدي لنظرية القوة القاهرة لأنه لم يرتب عليه استحالة تنفيذه العقد استحالة مطلقة.
سلامة فارس عرب: اختلال توازن العقود الدولية في قانون التجارة الدولية، أطروحة دكتوراه،كلية الحقوق،جامعة المنوفية، 1999، ص 492.
[32]– حسام محمد عيسى: نقل التكنلوجيا، دراسة في الآليات القانوني للتنمية الدولية، الطبعة الأولى، دار المستقبل العربي، القاهرة، 1978، ص 62-72.
[33]– محسن شفيق، نقل التكنلوجيا، مرجع سابق، ص 94.
[34]– محمود الكيلاني، مرجع سابق، ص 456.
[35]– الفصل 336 و338 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
[36]– محسن شفيق: تسليم المفتاح، نموذج عن عقود التنمية، دار النهضة العربية، القاهرة، بدون تاريخ، ص 79.
[37]– كما لا يعد الدافع موردا كان أم متلقيا، مسؤولا عن التأخير في التنفيذ وبالتالي عن الفوائد التأخيرية راجع محمود الكيلاني، مرجع سابق، ص 456-464. وفي القانون المغربي راجع الفصل 259 و263 من ق. ل. ع المغربي.
[38]– محمود الكيلاني، مرجع سابق، ص 458.
[39]– محمود الكيلاني، مرجع سابق، ص 458.
[40]– كالتزام بنقل ملكية الشيء المبيع، والتزام بأداء الثمن في عقد البيع، أو الالتزام بتمكين المتأجر من الحيازة الهادئة والنافعة للعين المؤجرة لكي في عقد الإيجار.
[41]– صلاح الدين جمال الدين، مرجع سابق، ص 51-55.