الصفقات العمومية في ظل جائحة كورونا :
بين منطق التدبير وسؤال التبدير
عزيز قسومي
باحث في العلوم المالية والضريبية
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
جامعة الحسن الأول سطات
الملخص :
شهد العالم عدة تغيرات بعد التأثيرات السلبية لفيروس كورونا المستجد التي أثرت على مجموعة من القطاعات الحيوية ولعل من بينها مجال الصفقات العمومية. مما افرز مجموعة من التدابير الوقائية من اجل التخفيف من حدة هذا الوباء على هذا الميدان الحيوي، ومما ساهم في إحداث آليات جديدة لحسن التدبير ومنها الإدارة الإلكترونية كأحد أنماط الإدارة المعاصرة لما تتوافر عليه من سرعة وجودة في أداء الخدمات وضمانا لمبدأ الشفافية والمساواة وتقديمها عن طريق رقمنة جلّ الأعمال الإدارية و الخدماتية التي تتم بين الإدارات العمومية فيما بينها وبين الإدارات العمومية والمواطنين والمتعاملين الاقتصاديين.
ABSTRACT :
The world has witnessed several changes after the negative effects of the emerging corona virus, which affected a group of vital sectors, perhaps among them the field of public deals . Which resulted in a set of preventive measures in order to alleviate the severity of this epidemic on this vital field. And what contributed to the creation of new mechanisms for good management, including electronic management as one of the contemporary management styles, because of the speed and quality of service performance and a guarantee of the principle of transparency and equality and its presentation by digitizing most of the administrative and service work that takes place between public administrations between them and between public administrations, citizens and economic dealers.
الكلمات المفاتيح :
الصفقات العمومية – الإدارة الالكترونية – الأفضلية الوطنية – التدابير الوقائية – الرقمنة – حسن التدبير.
المقدمة :
جاء إصلاح مرسوم الصفقات العمومية، في إطار الأوراش الكبرى التي تهدف إلى مواكبة الإدارة العمومية للتغيرات الجارية والتزامات المغرب اتجاه شركائه. ويعبر هذا المرسوم عن عزم السلطات العمومية،و عن انسجام الإطار التنظيمي للصفقات العمومية مع المستجدات والمتطلبات الجديدة، حيث أن هذا الإصلاح الجديد مكن من إدخال تغيرات عميقة في مسار تدبير الصفقات العمومية، وقد تم إعداده في إطار منهجية تشاركية تهدف إلى تفعيل مبادئ دستور فاتح يوليوز 2011، المتعلقة بالشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ومن أهم محاور هذا الإصلاح، تدعيم وحدة الأنظمة المؤطرة للصفقات العمومية، سواء بالنسبة للدولة أو المؤسسات العمومية أو الجماعات الترابية وصفقات أعمال الهندسة المعمارية، وذلك لأجل تبسيط وتنميط مسار الاقتناء العمومي بالنسبة لجميع الفاعلين، وخصوصا بالنسبة للمقاولات المرشحة لنيل الطلبيات العمومية .
إلا أن العالم، عرف مجموعة من المتغيرات والتي أثرت على مختلف أنشطته الاقتصادية والاجتماعية والصحية … فمنذ أواخر شهر دجنبر 2019 تفشى وباء كورونا [1] كوفيد19، والمغرب جزء من هذه الدول التي عرفت انتشار هذا الفيروس منذ رصد أول حالة به يوم 02 مارس 2020. لدى فقد عملت بلادنا على اتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية من أجل الحد من تفشي هذه الجائحة، وإصدار إجراءات وقرارات تنظيمية مواكبة، لاسيما إصدار مرسوم بقانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية [2] وإجراءات الإعلان عنها.
وانطلاقا من هذا النص التنظيمي، ونظرا لضرورة الحفاظ على النظام العام والصحة العامة وسلامة المواطنين، بما تقتضيه هذه الحالة اتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل التدخل للحيلولة دون تفاقم تفشي الوباء، وهو الأمر الذي انعكس على مجال الصفقات العمومية بشكل خاص ومجموعة من الميادين التي لحقتها خسائر مهولة.
تأسيسا على ذلك سنحاول ملامسة مجال الطلبيات العمومية ولاسيما مجال الصفقات العمومية في زمن كورونا واهم الإجراءات التي اتخذت من اجل التخفيف من حدة هذا الوباء على هذا القطاع الحيوي الذي يعتبر بمثابة الوسيلة الوحيدة لضمان الإنفاق العام على المستوى الوطني والمحلي في إطار مبدأ استمرارية المرافق العمومية بالمغرب في ظل هذه الوضعية.
غير أن تفعيل مقتضيات المرسوم الجديد، يرتهن باتخاذ تدابير مواكبة وإجراءات داعمة لضمان إسهام الصفقات العمومية في التنمية. خصوصا في هاته الظرفية الاستثنائية التي يعيشها المغرب جراء تفشي وباء كورونا المستجد، والتي فرضت عليه إعلان حالة الطوارئ الصحية، واتخاذ مجموعة من الإجراءات ذات الطابع الوقائي والتي تحد من استمرارية سير المرافق العمومية بانتظام واضطراد حماية للأمن الصحي للمواطنين والمواطنات.
ولهذا الهدف أصبح يتطلب بالضرورة توفير شروط قانونية وتنظيمية وبشرية، تمنح للمستثمرين ضمانات تشجعهم على استثمار أموالهم خاصة على مستوى العلاقة التعاقدية مع الدولة التي لا يمكن أن تضطلع بوظائفها الاقتصادية والاجتماعية دون أن يتم اللجوء إلى الصفقات العمومية، التي يمكن إبرامها لإشباع حاجياتها المختلفة، على اعتبار أنها الأداة التدخلية التي ترسم ملامح السياسات العمومية وتعكس التوجهات العامة لسياسات الإنفاق والاستثمار العموميين.
ومما لاشك فيه أن تزايد الرهانات على الصفقات العمومية، باعتبارها آلية للتدخل والتأثير بل وتوجيه المجالات الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي المساهمة في تحقيق التنمية، يقتضي توفر تشريع متكامل ومنسجم قادر على ترشيد عملية إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية.
ويتناول الموضوع الذي بين أيدينا تحليل منظومة الصفقات العمومية في زمن كورونا هل هي أزمة تدبير للدولة والجماعات الترابية أم تبدير؟ نظرا لما يشكله ورش إصلاح المنظومة القانونية للصفقات العمومية بالمغرب في ظل مستجدات دستور 2011، وما تلته من إصلاحات قانونية همت هذا المجال الحساس والتي من بينها مرسوم 20مارس2013 قفزة نوعية في مجال تدبير الطلبيات العمومية والذي ضم تجديدات جد مهمة من شأنها المساهمة في تعزيز الشفافية والفعالية وتثمين وتحسين مردودية الصفقات العمومية عن طريق رقمنتها في طرق تدبيرها .
وإيمانا منا بأهمية هذا المقال العلمي فإننا سنروم معالجته وفقا للإشكالية المركزية التالية:
آلا يمكن أن نقر بان منظومة الصفقات العمومية في المغرب، تعرف أزمة تدبير في إبرام صفقات الدولة و صفقات الجماعات الترابية أم أن القصور في هذا المجال قد يعود إلى الاكراهات التي رافقت الموقف من تدبير جائحة كورونا ؟
تأسيسا على الإشكالية المحورية لهذا المقال يمكن طرح مجموعة من الأسئلة الفرعية للوقوف على أهم المستجدات التي عرفتها منظومة الصفقات العمومية في ظل جائحة كورونا .
- ما هي أهم المستجدات التي عرفتها منظومة الصفقات العمومية في ظل جائحة كورونا ؟
- إلى أي حد ساهمت هذه الإصلاحات التدبيرية في حكامة تدبير الصفقات العمومية ؟
- كيف ساهمت صفقات الدولة والجماعات الترابية من مواجهة تحديات جائحة كورونا ؟
- وهل المرسوم الحالي المنظم للصفقات العمومية يجيب عن حجم التفاوت الشكلي والموضوعي بين صفقات الدولة وصفقات الجماعات الجماعات الترابية ؟
- ماهي الإجراءات المتخدة لجعل الصفقات العمومية قاطرة للتنمية على المستوى الوطني والترابي ؟
إن محاولة الإحاطة بالإشكالية الرئيسية تتطلب منا استدعاء مختلف المناهج التي من شأنها تحليل وتفكيك عناصر هذه الإشكالية، سنعتمد على بعض مناهج البحث العلمي التي فرضتها طبيعة هذا الموضوع ومن بينها المنهج القانوني والتحليلي، الذي سيساعدنا على تحليل الصفقات العمومية وطرق تدبيرها في ظل جائحة كورونا، وذلك بتفكيك وتوضيح الآليات العملية لتدبير هذا المجال الحيوي. وأهمية الإصلاحات التي عرفتها منظومة الصفقات العمومية في ظل جائحة كورونا، وما مدى استجابتها للمتطلبات الراهنة التي تفرضها طبيعة المجال الاقتصادي المغربي على مستوى صفقات الدولة أو صفقات الجماعات الترابية لمواجهة الأزمات المستقبلية .
بناءا على ما سبق، سنقوم بتحليل هذا المقال وفق التصميم التالي:
المبحث الأول : تدبير الصفقات العمومية في ظل جائحة كورونا
المبحث الثاني: آفاق تدبير الصفقات العمومية في مواجهة الأزمات
المبحث الأول : تدبير الصفقات العمومية في ظل جائحة كورونا
تلعب الصفقات العمومية دورا مهما في الاقتصاد الوطني حيث لا تكمن وظيفتها فقط في تلبية الحاجيات الآنية للإدارة العمومية بل تؤثر في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية … فهي إذن وسيلة لتوجيه الاقتصاد الوطني والعمل على تطويره حتى يمكنه أن يرقى إلى مستوى يجعله منافسا على الصعيد العالمي.
عرف المغرب، على غرار كل بلدان العالم، أزمة صحية غير مسبوقة بسبب جائحة كورونا، وتداعياتها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي. وهو ما فرض اتخاذ مجموعة من التدابير بهدف مواجهة التداعيات المستعجلة للجائحة، ووضع الخطط الكفيلة باستعادة مسار النمو الاقتصادي. ووعيا منها بحجم التحديات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بمواجهة هذه الأزمة، اتخذت المملكة المغربية، مجموعة من التدابير الاستباقية من أجل الحفاظ على صحة المواطنات والمواطنين، والتخفيف من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة من خلال منح تعویض شهري جزافي لفائدة الأجراء المتوقفين مؤقتا عن العمل، ودعم الأسر العاملة في القطاع غير المهيكل، ودعم المقاولات وتيسير ولوجها للتمويل المضمون من طرف الدولة.
وإلى جانب هذه التدابير الاستعجالية، تواصل الحكومة اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمواكبة ودعم الاستئناف التدريجي للنشاط الاقتصادي، وتمكين النسيج المقاولاتي الوطني من استعادة ديناميته، واستشراف أفاق واعدة للنمو في هذه المرحلة، ولاسيما أن جل مخططات التنمية ببلادنا تعتمد على الجماعات الترابية لتلعب أدوارا ريادية في تحقيق التنمية المحلية، باعتبارها من بين الأقطاب المعول عليها لإنجاز مختلف البرامج التي لها صلة بالتنمية[3] .
وهو الأمر الذي تؤكده مقتضيات المادة 35 من الميثاق الجماعي[4], التي نصت على أن المجلس الجماعي يفصل بمداولاته في قضايا الجماعة ولهذه الغاية يتخذ التدابير اللازمة لضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أن المادة 36 تشير إلى أن المجلس الجماعي يدرس ويصوت على مشروع مخطط جماعي للتنمية يعده رئيس المجلس الجماعي و نفس الأمر يسري على الجماعات الترابية الأخرى[5] كل في حدود اختصاصاتها.
و لا يمكن تحقيق هذه الغايات التنموية المذكورة إلا في إطار إبرام صفقات تعمل على وضع مخططات التنمية موضع تنفيذ، وهو الأمر الذي يستلزم تظافر الجهود بين الجماعات الترابية والمتعاقدين معها للوصول إلى النتائج المرجوة، خاصة في ظل العديد من المشاكل التي تواجه الصفقات العمومية وهي مشاكل مرتبطة أساسا بالمعيقات المالية والبشرية والهيكلية التي تحد من الدور التنموي للصفقات العمومية على المستوى الوطني والترابي. والتي بالإمكان إقبارها متى توفرت الإرادة الواعية والرغبة الصادقة في التغيير.
سنحاول في هذا المبحث المتعلق بتدبير الصفقات العمومية في ظل جائحة كورونا أن نتطرق إلى مسار رقمنة الصفقات العمومية في ظل جائحة كورونا (المطلب الأول)، و اعتماد الأفضلية الوطنية في ظل جائحة كورونا (المطلب الثاني)، و تشجيع المنتوج المغربي في ظل جائحة كورونا (المطلب الثالث).
المطلب الأول : مسار رقمنة الصفقات العمومية في ظل جائحة كورونا
إن تدابير العزل الصحي ترتبت عنها بعض الصعوبات المتعلقة بحصول أصحاب الصفقات وبعض المقاولات الحائزة على الطلبيات العمومية على شهادات إلكترونية من الفئة الثالثة لبريد إي سين Barid-Esign التي تمكنها من التوقيع إلكترونيا على الوثائق الضرورية للتصديق على الخدمات المنجزة، وبالتالي الإيداع الإلكتروني للفواتير تماشيا مع المرسوم رقم 2.19.184 المغير والمتمم للمرسوم المتعلق بتحديد آجال الأداء وفوائد التأخير.
ويشكل اعتماد الأفضلية الوطنية وتشجيع المنتوج المغربي في الصفقات العمومية دعامة أساسية من شأنها المساهمة في تعزيز تنافسية المقاولة والمنتوج الوطنيين،[6] بما يمكن من تنشيط الاقتصاد الوطني وتحقيق النمو وإحداث فرص الشغل. ولهذه الغاية، وبناء على مقتضيات المادة الخامسة من المرسوم بقانون،[7] فإن هذا المنشور يحدد الإجراءات والآليات الرامية إلى منح الأفضلية الوطنية للعروض المقدمة من طرف المقاولات الوطنية والتعاونيات واتحاد التعاونيات والمقاول الذاتي وتشجيع المواد والمنتوجات المغربية، في إطار الصفقات العمومية.
وتأسيسا على ماسبق فان التدبير المتعلق بالتقديم الإلكتروني على مستوى منصة الصفقات العمومية، تقرر لنفس الأسباب وخلال الفترة ذاتها المشار إليها أعلاه وبشكل استثنائي تعليق شرط التوقيع الإلكتروني عبر الشهادة الإلكترونية من الفئة الثالثة لبريد إي سين Barid-Esignعلى الوثائق التي تتألف منها ملفات الاستجابة الإلكترونية لطلبات العروض بالنسبة للمقاولات التي لا تتوفر على الشهادات المشار إليها.
كما أنه يمكن رقمنة الوثائق المذكورة وإيداعها إلكترونيا عبر البوابة المغربية للصفقات العمومية. علاوة على ذلك، ومن أجل تيسير إجراءات فرز الأظرفة الإلكترونية من قبل لجنة فتح الأظرفة، تقرر تعليق وضع المفاتيح المزدوجة للتشفير وفك التشفير للاستشارات التي ينشرها أصحاب الصفقات .كما تم تشفير الأظرفة الإلكترونية المودعة عبر مفتاح متناظر لبوابة الصفقات العمومية بغية ضمان المستوى المطلوب لأمن وسلامة الوثائق التي تتألف منها الأظرفة الإلكترونية المشار إليها. إلا أنه يمكن لأصحاب الصفقات والمقاولات التي تتوفر على شهادات إلكترونية من الفئة الثالثة لبريد إي سين Barid-Esign، حسب احتياجاتهم، استخدام شهاداتهم الإلكترونية أو رقمنة المواد والوثائق اللازمة للإيداع الإلكتروني للفواتير أو التقديم الإلكتروني وفق الشروط والطريقة المشار إليها أعلاه.
كما نشير انه تقرر قبول الإعلان عن طلبات العروض على النسخ الإلكترونية للصحف، حيث أن الفقرة الثانية من المادة 20 من المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية لا تنص صراحة على إلزامية صدور هذا النوع من الإعلانات على الوسائط الورقية. وتنفيذا لمقتضيات مرسوم قانون عدد 2.20.292 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، سيتم تعليق العمل بالآجال المنصوص عليها في القوانين واللوائح السارية طوال فترة حالة الطوارئ الصحية.
وقد نصت أحكام المادة الثالثة من المرسوم المشار إليه على أن الإدارة ملزمة قدر الإمكان بالسهر على استمرارية الخدمات العمومية المقدمة للمرتفقين وللفاعلين الاقتصاديين. وتطبيقا للدورية رقم 2138/E بتاريخ 26 مارس 2020 المتعلقة باحترام آجال الأداء وبغية دعم المقاولات الحائزة على طلبيات عمومية[8]، تقرر الإبقاء على آجال الدفع المحددة للدولة والجماعات الترابية والاستمرار في ربط أي تجاوز لهذه الآجال بدفع فوائد التأخير.
ونضيف أنه في حالة تأثر تنفيذ الصفقات العمومية بمقتضيات حالة الطوارئ الصحية، يمكن لأصحاب الصفقات اللجوء إلى مقتضيات المادة 47 من دفتر الشروط الإدارية العامة الخاص بصفقات الأشغال أو المادة 32 من دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الخدمات. وعملت الوزارة على ضرورة إعطاء الأولوية خلال فترة حالة الطوارئ الصحية للتبادل الإلكتروني بمختلف أشكاله للوثائق الثبوتية عوض الوسائط الورقية التي سيتم في جميع الأحوال إصدارها بعد انتهاء فترة الطوارئ الصحية.[9]
المطلب الثاني : اعتماد الأفضلية الوطنية في ظل جائحة كورونا
لقد أبانت الظرفية الراهنة التي تعرفها بلادنا انه يقتضي منح الأفضلية للعروض المقدمة من طرف المقاولات الوطنية والتعاونيات واتحاد التعاونيات والمقاول الذاتي في صفقات الإدارات والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية. وقد كرسته المادة 155 من المرسوم رقم 349-12-2المتعلق بالصفقات العمومية كما تم تغييره وتتميمه بالمرسوم رقم 2.19.69.[10]
ومن هذا الأساس، يتعين على أصحاب المشاريع تطبيق مبدأ الأفضلية الوطنية في جميع نظم الاستشارة المتعلقة بصفقات الأشغال والدراسات المرتبطة بها، من خلال إضافة نسبة تحدد بحسب مبالغ العروض المالية المقدمة من طرف المقاولات الأجنبية على الشكل التالي:
- العرض المالي الذي لا يتجاوز 100 مليون درهم، تحدد النسبة في 15%؛
- العرض المالي الذي يتجاوز 100 مليون درهم، تحدد النسبة في 15% ل 100 مليون درهم،ونسبة 7. 5 % للشطر المتبقي من مبلغ العرض.
وبالنسبة للمؤسسات العمومية غير الخاضعة لمقتضيات المرسوم المذكور رقم 349-12- 2 كما تم تغييره وتتميمه، والمقاولات العمومية، فإنها مدعوة إلى الإسراع بإدراج المقتضيات المتعلقة بالأفضلية الوطنية في أنظمتها الخاصة للصفقات. [11]
كما أن ورش إصلاح منظومة الصفقات العمومية، قطع أشواطا مهمة، وتضمن العديد من المستجدات المتتالية منها ما له علاقة بالمتغير الإقليمي والضرورة الاقتصادية التي فرضت ذلك، إضافة إلى توجهات دستور فاتح يوليو2011 التي كرست مجموعة من المبادئ المتعلقة بالحكامة الجيدة والقيم الديمقراطية التي تصب في إطار إصلاحات في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، المالية والبيئية.
وتظهر أهمية الصفقات العمومية في الاقتصاد الوطني، حيث لا تكمن وظيفتها فقط في تلبية الحاجيات الآنية للإدارة العمومية، بل تؤثر في مختلف القطاعات الاقتصادية، فهي إذن وسيلة لتوجيه الاقتصاد الوطني والعمل على تطويره حتى يمكنه أن يرقى إلى مستوى يجعله منافسا على الصعيد العالمي. وقد اعتمد الإصلاح الجديد [12] مبدأي التوحيد والتعميم، حيث سيشمل صفقات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية ومجموعاتها، كما تم تدعيم مبدأ وحدة الأنظمة في مجال الصفقات العمومية أيضا بإدماج أعمال الهندسة المعمارية في إطار المنظومة الجديدة المؤطرة لشروط وقواعد إبرام الصفقات العمومية، غير أنه وبالرغم من تأكيده مبدأ وحدة الأنظمة، أخذ الإصلاح المقترح بعين الاعتبار الخصوصيات المرتبطة بالمؤسسات العمومية والجماعات الترابية وكذا أعمال الهندسة المعمارية.[13]
فالصفقات العمومية أضحت وسيلة مهمة لتنفيذ مختلف التزامات الإدارة، فهي بذلك آلية تلعب دورا طلائعيا واستراتيجيا في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، لأنها أداة لتدخل الدولة وهيئاتها في المجالات الاستثمارية و الاقتصادية و الإنمائية. كما تمثل كذلك جانبا ماليا و تقنيا يؤمن نوعا من التنسيق بين ما يخطط و ما يطبق من طرف الدولة و هيئاتها، و آلية تسمح كذلك لمختلف المرافق العمومية بتحقيق أغراضها بشكل جيد و بتكلفة مرضية.
أما بالنسبة للإدارات العمومية فالصفقات تشكل بالنسبة لمسؤوليتها فرصة لتحقيق أغراض شخصية و لو كان على حساب المصلحة العامة، كما أن تلك الصفقات بالنسبة لهم تشكل وسيلة للإغتناء السريع و تحقيق المنافع الشخصية أو لفائدة أشخاص أو جهات أخرى و بطبيعة الحال يكون المحفز لذلك هو حجم الإعتمادات و غياب المراقبة و التدقيق الفعال و الحكامة و النجاعة. فالصفقات تحت قبضة طبقة سياسية وادارية فاسدة تؤمن بالعقلية الإدارية النفعية القائمة على سياسة الكراسي.[14] و في هذا الإطار صنف تقرير transparency international لسنة 2015 المغرب في الرتبة 88 عالميا بين 136 دولة وب 36 نقطة من أصل 100 و هذا إن دل فإنه يدل على تفشي ظاهرة الفساد في القطاع العام و هي حقيقة لا يمكن إنكارها نظرا لانعكاسها الواضح على المردودية.
المطلب الثالث : تشجيع المنتوج المغربي في ظل جائحة كورونا
إن أصحاب المشاريع ملزمون بمنح الأفضلية للمواد والمنتوجات المغربية، وخصوصا التقليدية منها أو المصنعة، من خلال التنصيص صراحة في دفاتر الشروط الخاصة ودفاتر التحملات المتعلقة بصفقات الأشغال والتوريدات التي تبرمها الإدارات والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية، على ما يلي: [15]
- تطبيق المواصفات القياسية المغربية المعتمدة أو مواصفات قياسية أخرى مطبقة بالمغرب بموجب اتفاقيات دولية، أو معايير دولية عند انعدام المواصفات السالفة الذكر، وذلك وفقا الأحكام المادة 35 من القانون رقم 12.06 المتعلق بالتقييس والشهادة بالمطابقة والاعتماد ومقتضيات الفقرة الثالثة من البند 1 من المادة 5 من المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية؛
- حصر اللجوء للمواد المستوردة في الحالات التي لا يتوفر فيها منتوج مغربي يستجيب للمعايير التقنية المطلوبة، مع ضرورة تقديم المقاولات النائلة للصفقات الوثائق المثبتة لأصل المنتوجات والمواد التي تعتزم استعمالها، بما فيها الفاتورات، وسندات التسليم، وشهادات المصدر.
ومن هذا المنطلق، سيكون أصحاب المشاريع، في إطار الصفقات التي تبرمها الإدارات والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية، ملزمين بإعداد شهادة إدارية تتضمن التبريرات الضرورية في حالة تطبيق معايير دولية مخالفة للمواصفات القياسية المنصوص عليها أعلاه أو اللجوء إلى المنتوجات المستوردة.
وإذا تجاوز مبلغ هذه الصفقات 100 مليون درهم، فإن إبرامها سيكون خاضعا للموافقة القبلية من لدن:
- لجنة خاصة ترأسها وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، في حالة الصفقات التي تبرمها الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، وتضم ممثلين عن كل من وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، بالإضافة إلى صاحب المشروع؛
- لجنة خاصة ترأسها وزارة الداخلية، في حالة الصفقات التي تبرمها الجماعات الترابية، وتضم ممثلين عن كل من وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، ووزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، بالإضافة إلى الجماعة الترابية المعنية.
وتتخذ هاتان اللجنتان قراراتهما بالأغلبية، بناء على دراسة تقرير مفصل يعده صاحب المشروع، يبين فيه تبريرات تطبيق معايير دولية مخالفة للمواصفات القياسية المنصوص عليها أعلاه أو اللجوء إلى المنتوجات المستوردة. ويتعين على اللجنة المعنية أن تتخذ قرارها داخل أجل شهر من توصلها بالتقرير المشار إليه أعلاه، مع إلزامية تعليل هذا القرار.
ومن المتوقع أن تساهم هاته الإصلاحات من تعزيز الشفافية والفعالية و تثمين وتحسين مردودية الصفقات العمومية، حيث إن الإصلاح المقترح سيشكل قفزة نوعية في ميدان تأسيس الحكامة الجيدة بالنسبة للطلبيات العمومية، وسيمكن من إدخال تجديدات عميقة في مسار تدبيرها وإعدادها في إطار منهجية تشاركية، تهدف إلى تفعيل مبادئ دستور2011 واعتماد نظام متجانس مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال. [16]
المبحث الثاني: آفاق تدبير الصفقات العمومية في مواجهة الأزمات
انطلاقا من مبدأ استمرارية سير المرافق العمومية الذي يتوخى ضمان تقديم الخدمات للأفراد وإشباع الحاجيات العامة والجوهرية في حياتهم بصفة منتظمة ومستمرة، فانه يترتب على انقطاع هذه الخدمات حصول خلل واضطراب في حياتهم اليومية، لذلك كان من الضروري ألا تكتفي الدولة بإنشاء المرافق العمومية فقط، بل تسعى إلى ضمان استمرارها وتقديمها للخدمات، حيث حرص اجتهاد القضاء الإداري على تأكيد هذا المبدأ واعتباره من المبادئ الأساسية [17] التي يقوم عليها القانون الإداري، ومع أن المشرع يتدخل في كثير من الأحيان لإرساء هذا المبدأ في العديد من مجالات النشاط الإداري، فإن تقريره لا يتطلب نص تشريعي لأن طبيعة نشاط المرافق العمومية تستدعي الاستمرار والانتظام.
إن الوضعية الاستثنائية التي يعيشها المغرب جراء تفشي وباء كورونا المستجد، فرضت عليه إعلان حالة الطوارئ الصحية، واتخاذ مجموعة من الإجراءات ذات الطابع الوقائي والتي تحد من استمرارية سير المرافق العمومية بانتظام وباضطراد حماية للأمن الصحي للمواطنين والمواطنات منها توقيف الدراسة الحضورية بالمؤسسات العمومية والخصوصية بمختلف مستوياتها وأسلاكها، وإغلاق العديد من الفضاءات والأماكن العمومية، وكذا توقيف بعض المرافق المرتبطة بخدمات موجهة للمواطنين بصفة مباشرة ( كالنقل البري الجوي ومنع التنقل بين المدن) ، وتقييد مرافق أخرى من حيث مدة تقديم خدماتها للعموم ، حيث بالمقابل تم الإبقاء على مرافق عمومية حيوية لأداء خدماتها، والمرتبطة مباشرة بمواجهة تفشي الوباء، ويتعلق الأمر بمرفق الصحة، والشرطة الإدارية والأمن، وكذا استمرار مرافق حيوية أخرى في تقديم خدماتها (القطاع الخاص) لاسيما محلات بيع المنتجات الضرورية للمعيش اليومي للمواطنين، في حدود الضوابط المعمول بها. مما يوسع من مفهوم ونطاق المرافق العمومية، ويطرح مسألة مدى الحفاظ على مبدأ استمرارية المرفق العام بالمغرب في ظل حالة الطوارئ الصحية المعلن عليها بالمغرب والإجراءات المواكبة للحد من انتشار وباء كورونا المستجد.
سنقارب في هذا المبحث الثاني آفاق تدبير الصفقات العمومية في مواجهة الأزمات من خلال التدابير المتخذة للحد من جائحة فيروس كورونا – كوفيد- 19 (المطلب الأول)، والانتقال إلى الإجراءات الجديدة لتجنيب المقاولات الحاصلة على الصفقات العمومية من غرامات التأخير في التنفيذ (المطلب الثاني) .
المطلب الأول : التدابير المتخذة للحد من جائحة فيروس كورونا –كوفيد- 19
في إطار التدابير المتخذة للحد من جائحة فيروس كورونا –كوفيد- 19، ومن أجل تجنب تطبيق غرامات التأخير في حق المقاولات الحاصلة على الصفقات العمومية نتيجة لتأخير لا يعزى إليها، فقد تقرر اتخاذ الإجراءات التالية:
- اعتبار الأثر المترتب عن حالة الطوارئ الصحية وإجراءات الحجر الصحي المطبقة على الأفراد، خارجا عن إرادة المقاولات الحاصلة على الصفقات، فيما يخص آجال تنفيذ الصفقات العمومية، ويندرج بالتالي في إطار حالات القوة القاهرة؛
- دعوة أصحاب المشاريع التابعين لإدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وباقي الهيئات الخاضعة للمراقبة المالية للدولة، إلى الموافقة على طلبات المقاولات التي تثير القوة القاهرة، بسبب إجراءات حالة الطوارئ والحجر الصحي المتخذة من قبل السلطات العمومية، دون الأخذ بعين الاعتبار أجل سبعة أيام لتقديم طلباتها في الموضوع؛
- إقرار تمديد الآجال التعاقدية، بواسطة عقد ملحق، سواء بالنسبة لصفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات، وذلك في حدود مدة الطوارئ الصحية؛
- دعوة أصحاب المشاريع كذلك، خلال فترة الطوارئ الصحية، إلى اللجوء عند الاقتضاء، إلى آليات تأجيل تنفيذ الأشغال أو التوريدات أو الخدمات أو أوامر إيقاف أو إعادة استئناف الخدمة؛
- تذكير مختلف المتدخلين في مجال الطلبيات العمومية بضرورة إعطاء الأولوية، خلال فترة الطوارئ الصحية، للتبادل الإلكتروني بجميع أشكاله، للوثائق المثبتة وللمستندات، بدلا من الدعامات الورقية.
أوضح بلاغ للوزارة أن هذه الإجراءات تهم على الخصوص اعتبار الأثر المترتب عن حالة الطوارئ الصحية وإجراءات الحجر الصحي المطبقة على الأفراد خارجا عن إرادة المقاولات الحاصلة على الصفقات، فيما يخص تنفيذ الصفقات العمومية، ويندرج بالتالي في إطار حالات القوة القاهرة.
وفي هذا الصدد، دعت الوزارة أصحاب المشاريع التابعين لإدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وباقي الهيئات الخاضعة للمراقبة المالية للدولة، إلى الموافقة على طلبات المقاولات التي تثير القوة القاهرة، بسبب إجراءات حالة الطوارئ والحجر الصحي المتخذة من قبل السلطات العمومية، دون الأخذ بعين الاعتبار أجل سبعة أيام لتقديم طلباتها في الموضوع. كما أضافت أن الأمر يتعلق أيضا بإقرار تمديد الآجال التعاقدية، بواسطة عقد ملحق، سواء بالنسبة لصفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات، وذلك في حدود مدة الطوارئ الصحية.
من جهة أخرى، دعت الوزارة أصحاب المشاريع، خلال فترة الطوارئ الصحية، إلى اللجوء عند الاقتضاء، إلى آليات تأجيل تنفيذ الأشغال أو التوريدات أو الخدمات أو أوامر إيقاف أو إعادة استئناف الخدمة، مذكرة مختلف المتدخلين في مجال الطلبيات العمومية بضرورة إعطاء الأولوية، خلال فترة الطوارئ الصحية، للتبادل الإلكتروني بجميع أشكاله، للوثائق المثبتة وللمستندات، بدلا من الدعامات الورقية.
المطلب الثاني: إجراءات جديدة لتجنيب المقاولات الحاصلة على الصفقات العمومية غرامات التأخير في التنفيذ
في إطار التدابير المتخذة للحد من جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، أعلنت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، عن مجموعة من الإجراءات الرامية إلى تجنب تطبيق غرامات التأخير في حق المقاولات الحاصلة على الصفقات العمومية نتيجة لتأخير لا يعزى إليها.[18]
وأوضح بلاغ للوزارة أن هذه الإجراءات تهم على الخصوص اعتبار الأثر المترتب عن حالة الطوارئ الصحية وإجراءات الحجر الصحي المطبقة على الأفراد خارجا عن إرادة المقاولات الحاصلة على الصفقات، فيما يخص تنفيذ الصفقات العمومية، ويندرج بالتالي في إطار حالات القوة القاهرة. وفي هذا الصدد، دعت الوزارة أصحاب المشاريع التابعين لإدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وباقي الهيئات الخاضعة للمراقبة المالية للدولة، إلى الموافقة على طلبات المقاولات التي تثير القوة القاهرة، بسبب إجراءات حالة الطوارئ والحجر الصحي المتخذة من قبل السلطات العمومية، دون الأخذ بعين الاعتبار أجل سبعة أيام لتقديم طلباتها في الموضوع.[19]
وأضاف البلاغ أن الأمر يتعلق أيضا بإقرار تمديد الآجال التعاقدية، بواسطة عقد ملحق، سواء بالنسبة لصفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات، وذلك في حدود مدة الطوارئ الصحية.
من جهة أخرى، دعت الوزارة أصحاب المشاريع، خلال فترة الطوارئ الصحية، إلى اللجوء عند الاقتضاء، إلى آليات تأجيل تنفيذ الأشغال أو التوريدات أو الخدمات أو أوامر إيقاف أو إعادة استئناف الخدمة، مذكرة مختلف المتدخلين في مجال الطلبيات العمومية بضرورة إعطاء الأولوية، خلال فترة الطوارئ الصحية، للتبادل الإلكتروني بجميع أشكاله، للوثائق المثبتة وللمستندات، بدلا من الدعامات الورقية.
أمام هذا الوضع عمل المشرع على تقديم بعض الضمانات القانونية، لتسهيل نفاذ المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى الصفقات العمومية، من خلال إلزام صاحب المشروع بتخصيص نسبة عشرين في المائة (20 %) من المبلغ الكلي للصفقات التي يعتزم طرحها برسم كل سنة مالية للمقاولات الوطنية والمتوسطة.
إجراء آخر يتمثل في منح الأفضلية للعروض المقدمة من طرف المقاولات الوطنية، وذلك بإضافة نسبة مئوية لا تتعدى خمسة عشر في المائة (15%)، عند إجراء مقارنة بين عروض المتنافسين، المتعلقة بصفقات الأشغال والدراسات المرتبطة بها، عندما تتقدم مقاولات أجنبية بتعهدات لهذه الصفقات، إلا أنه ورغم إشادتنا بهذه المادة المشجعة للمقاولة الوطنية، فإنه حبذا لو كان هناك نظام تفضيلي للمقاولات الصغرى والمتوسطة أمام المقاولة الوطنية الكبرى.
- التعاقد من الباطن
التعاقد من الباطن عقد مکتوب، يعهد بموجبه صاحب الصفقة إلى الغير بتنفيذ جزء من صفقته، و يمكن لصاحب المشروع أن ينص في دفتر الشروط الخاصة على بند يتضمن مقتضاه إلزام صاحب الصفقة، إذا قرر التعاقد من الباطن بشأن جزء من الصفقة، بإسناده إلى أصحاب أعمال مقيمين بالمغرب، وخصوصا إلى مقاولات صغری و متوسطة.[20]
فالتعاقد من الباطن يتيح للمقاولات الصغرى والمتوسطة فرصة الاستفادة من الصفقات العمومية الترابية ،ويساعد على تامين فعالية الطلبية العمومية المحلية خاصة انه لم يعد بمقدور مقاولة واحدة القيام بجميع الأشغال والخدمات أمام التقدم العلمي والتكنولوجی، حيث كثرت التخصصات وتنوعت، وللإبداع في هذه التخصصات وإتقانها أصبح من الضروري تعدد المقاولات، ولهذا أصبح التعاقد من الباطن ممارسة شائعة، خاصة لدى المقاولين والناشطين في القطاع الصناعي.[21]
- تکوین تجمعات .
يمكن للمتنافسين، وخاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة المبادرة منهم أن يكونوا فيما بينهم تجمعات لتقديم عرض وحيد، ويمكن أن يكون التجمع إما بالشراكة أو التضامن، ولا يمكن الصاحب المشروع أن يحصر المشاركة في الصفقات التي يطرحها قصرا على التجمعات أو أن يشترط شكل التجمع إلا أنه يجب أن يتوفر كل عضو في التجمع بالشراكة أو التضامن، على شهادة التصنيف والتأهل للمشاركة في صفقة أشغال خاضعة لنظام التصنيف والتأهيل، وعلى شهادة الاعتماد للمشاركة في صفقة الأشغال المتعلقة بالدراسات أو الاشراف على الأشغال إن الاعتماد.
إن إمكانية التجمع بالشراكة أو التضامن، ستساعد المقاولات الصغرى والمتوسطة على أن تتجمع فيما بينها، حتى تتمكن من التنافس حول الصفقة، بالنظر إلى إمكانياتها الضعيفة التي قد تحول دون مشاركتها في عدد من الصفقات التي تتطلب مؤهلات تقنية ومالية مهمة.
- تسهيل عملية التمويل.
لقد تم وضع عدة آليات لتسهيل تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة، بهدف تحسين تنافسيتها، وقدرتها على المشاركة في الصفقات العمومية وتكثيف نشاطها بما يضمن قيمة مضافة أكبر، وامتصاص قوي لليد العاملة. ومن بين هذه الآليات :
ا. التسبيقات :
يراد بالتسبيقات في الصفقات العمومية،[22] المبالغ التي يدفعها صاحب المشروع إلى صاحب الصفقة، لتأمين تحويل النفقات الملتزم بها لأجل تنفيذ الأشغال، أو التوريدات أو الخدمات موضوع الصفقة المبرمة معه.[23]
وحتى يستفيد صاحب الصفقة من هذه التسبيقات، لابد من توفر الشروط التالية :
– أن يبدي رغبة في الحصول على هذه التسبيقات.
– أن تكون مدة الانجاز تعادل أو تفوق أربعة أشهر.
– أن يعمل على تكوين كفالة شخصية وتضامنية، يلتزم من خلالها بإرجاع مجموع مبلغ التسبيقات المقدمة إليه.
ويحدد مبلغ التسبيق الممكن دفعه، في عشرة في المائة (10%) بالنسبة لمبلغ الصفقة الذي يقل عن عشرة ملايين درهم ( 10.000.000 ) درهم، مع احتساب الرسوم، وخمسة في المائة (5%) إذا تجاوز مبلغ الصفقة عشرة ملايين درهم، ودون أن يتجاوز مبلغ التسبيق برسم كل سنة 20 مليون درهم.
ب – رهن الصفقة العمومية :
إن الصفقات العمومية تتطلب اليوم من أصحابها توفير مبالغ هامة لتمويل صفقاتهم، مقارنة مع القدرة المالية المحدودة لأغلب المقاولات التي ترسو عليها الصفقات، الشيء الذي يتطلب تحسين معدلات لجوء المقاولات لتمويل الصفقات العمومية، من أجل تنفيذ التزاماتها التعاقدية في أحسن الظروف.
ونظرا لمحدودية النظام الحالي لرهن الصفقات العمومية الذي تم اعتماده منذ أكثر من 60 سنة (1948)،[24] وعدم مجاراته للمستجدات التي طالت مسلسل تطور الطلبيات العمومية، وعدم استجابته للهدف الأساسي الذي وضعت من أجله، والمتمثل في تسهيل ولوج المقاولات التمويل الصفقات العمومية، لا سيما المتوسطة والصغرى منها، تم وضع قانون جديد لرهن الصفقات العمومية ، والذي يدخل في إطار استراتيجية تهدف إلى إرساء إصلاح فعال وناجع لمنظومة الصفقات العمومية، تتجاوز البعد القانوني والمسطري، ليشمل تحديات ذات أبعاد اقتصادية و اجتماعية وبيئية للطلبيات العمومية، لكون الصفقات العمومية، تعتبر رافعة قوية للسياسة الاقتصادية، ودعم فرص الشغل و حماية البيئة، وكذا التنمية المستدامة.
بالإضافة إلى تقوية آليات تمويل الطلبيات العمومية بالنسبة للمقاولات المغربية، لاسيما المتوسطة والصغرى منها، وتشجيعها على تجاوز صعوبات تمويل الصفقات العمومية بواسطة آلية التسبيقات والدفوعات، وبطبيعة الحال عن طريق إصلاح منظومة رهن الصفقات العمومية.[25]
ج- ضبط آجال الأداء :
حتى لا يتم الإضرار بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، جاءت القوانين ذات الصلة بالصفقات العمومية، لضبط آجال وفوائد التأخير الخاصة بالصفقات العمومية، حيث يتعين الأمر بدفع وأداء كل نفقة ناتجة عن تنفيذ صفقة عمومية، داخل أجل أقصاه تسعين (90) يوما.[26]
ويصدر الأمر بدفع هذه النفقة، داخل أجل أقصاه خمسة وسبعين (75) يوما، ابتداء من تاريخ معاينة الخدمة المنجزة، وفق الشروط المحددة في النظام العام للمحاسبة العمومية، ودفاتر تحملات الصفقات العمومية، وبعد أن تقدم إلى الأمر بالصرف جميع الوثائق المثبتة، التي يتعين على صاحب الصفقة الإدلاء بها. وتترتب بقوة القانون، ودون إجراء سابق عن عدم الأمر بدفع المبالغ المستحقة، لفائدة صاحب الصفقة، فوائد عن التأخير عندما يرجع التأخير بالأساس للإدارة.[27]
وقد سار الاجتهاد القضائي الإداري المغربي في نفس الاتجاه، حيث اعتبر أن طلب الفوائد القانونية عن التأخير مؤسس، باعتباره تعويض عن ضرر التأخير في الأداء، مايتعين الاستجابة له.[28]
- خلق فروع جهوية للصندوق المغربي للصفقات
عندما صدر ظهير 28 غشت 1948 الخاص بنظام الرهن كان المرجو منه أن يحل معضلة التمويل البنكي لكن كانت النتائج ضعيفة فصدور قرار عن مدير المالية في 29 غشت 1950 يقضي بإنشاء الصندوق المغربي للصفقات. هذا الصندوق هو عبارة عن لجنة للدراسات تعطي رأيها للمصالح المختصة وكان يراقب من طرف الصندوق الوطني الفرنسي للصفقات، وابتداء من سنة 1961 تم تخفيض مساهمة المؤسسات المالية الفرنسية في رأسماله وعوض المسؤول الفرنسي مسؤول مغربي سنة 1966.
والصندوق المغربي للصفقات عبارة عن شركة مساهمة يتكون رأسمالها من مساهمات بنك المغرب وصندوق الإيداع والتدبير والقرض العقاري والسياحي بما قدره 66% ومؤسسات فرنسية تجارية بنسبة 34%. ويقوم الصندوق بتقديم مساعدات للمتعاقدين مع الهيئات العمومية على إثر صفقات في شكل قروض أو ضمانات إحتياطية.
- القروض
تكون على شكل سلفات مباشرة للمقاولات الصغرى والمتوسطة والتي يتعذر عليها الحصول على قروض من الأبناك لتعقد المسطرة، ولا يمكن أن يتعدى حجم هذه القروض في جميع الاحوال 500.000 درهم، وتكون على شكل تسبيقات في مرحلة ما قبل أن يصبح للمقاولة الحق في المطالبة بالأقساط لدى الإدارة المعنية. ويأخذ هذا التمويل المسبق بعين الاعتبار الوضعية المالية التعاقد والخصاص المالي المحيط به وكذا المداخيل المنتظرة من الصفقة، وتدفع هذه التسبيقات إما بطريقة جزافية أو جزء بجزء أو على أساس تبریر.[29]
كما يمنح الصندوق قروضا للتعبئة وقروضا تصاحب عملية الإنجاز، فالأولى يمكن أن تصل إلى 30% من قيمة المبلغ المدلى به في كشف الحساب ومدتها يجب أن لا تتعدى 90 يوما، اما الثانية وكما يدل عليها اسمها فهي ترافق الصفقة في مختلف مراحل تنفيذها تبعا للأشغال أو الخدمات المنجزة. وعموما تستفيد صفقات الأشغال العمومية كثيرا من هذه القروض التي يقدمها الصندوق حيث تصل نسبتها في بعض السنوات إلى حدود 86% في حين لا تتجاوز صفقات التوريدات 9 % و الخدمات 5%.
- الضمانات الاحتياطية
يهدف الصندوق المغربي للصفقات إلى تعزيز موقعه إزاء المقاولات الصغرى والمتوسطة وفق إستراتيجية عمله الهادفة إلى تسهيل الاستفادة من القروض والخدمات، ولهذا فمهمته الأساسية ليست تقديم التسبيقات بقدر ما يتدخل بواسطة توقيعه على الأوراق أو الأوامر بأداء السلفة للمقاول، وبهذا التوقيع يمنح ضمانة للبنوك عن القروض الممنوحة ويحميها من خطر عدم الاستيفاء ويشجعها على تمويل المشاريع .[30]
وهكذا يؤمن الصندوق المغربي للصفقات عمليات الاقتراض عن طريق عملية الرهن حيث يوجد موظف خاص تحال عليه طلبات القرض من طرف الأبناك لإبداء رأيه بشأنها والقيام بالدراسات التقنية اللازمة . فعن طريق إعطاء ضمان احتياطي يسهل الصندوق عملية الحصول على القروض للتمويل.[31] ورغم كل ما يقوم به الصندوق المغربي للصفقات فإن دوره يبقى ذو محدودية إذ أن نشاطه يقتصر في الغالب على منطقة الدار البيضاء أساسا ولا تستفيد منه المقاولات والمتواجدة في الجهات الأخرى للبلاد إلا نادرا، أضف إلى ذلك ارتفاع فوائده فهو يمنح قروضا قد يفوق سعرها 10% مما يجعله لا يختلف كثيرا عن البنوك. وإلى جانب كل المشاكل التي يعاني منها الصندوق المغربي للصفقات يمكننا القول بأنه قد حقق إنجازات يشهد له بها بحيث أنه قدم قروضا وساهم في إنجاز عدد كبير من المشاريع المتعلقة بالتجهيزات الأساسية.
- تحسين عملية ولوج المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى المعلومات المفيدة
يعتبر تحسين عملية ولوج المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى المعلومات المتعلقة بالصفقات العمومية من أهم الأوراش التي ينبغي الاشتغال عليها بهدف تحسين مشاركتها في الصفقات التي تبرمها الجماعات الترابية. وفي هذا الصدد ينبغي الاستفادة من الممارسات الجيدة على المستوى الدولي،[32] باعتبار أنه ليس هناك تجربة نموذجية أو مثالية، بقدر ما هناك ممارسات جيدة يمكن الاستفادة منها، ومن بين هذه التجارب :
-التجربة الألمانية : بهدف تحسين ولوجية المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى المعلومات المتعلقة بالصفقات العمومية، تتولى كل جهة تدبير مركز الإعلام حول الصفقات العمومية، يوفر للمقاولات خدمات إعلامية واستشارية، وكذا تكوينات في مجال التشريع الجاري به العمل.
-التجربة الإيطالية : تم اتخاذ مبادرة للتكوين والمساعدة لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة على المستوى المحلي، حيث تم إنشاء مكاتب وبنيات تساعد هذه المقاولات على فهم مساطر التفويت، والتأقلم مع أدوات التفويت الالكتروني، وقد أتاحت هذه البنيات المحلية تطوير خبرة محددة الأهداف، وسهلت عملية الولوج إلى الصفقات العمومية.
كما تم وضع قانون أخلاقي للحفاظ على المبادئ الأساسية في التعامل بين الممونين والمشترين العموميين، ويشتمل على عدد من البنود المتعلقة بتضارب المصالح وواجب التكتم والمعاملات مع الإدارة، ويتيح هذا القانون تفادي حالات تنازع المصالح، كما يتيح كار ويمكن من التقدم بتوصيات، وإخبار رؤساء القطاعات في حال عدم احترام هذا القانون.
- تسهيل مشاركة المقاولات الصغرى والمتوسطة
يهدف تشغيل المقاولات الصغرى والمتوسطة في الصفقات العمومية، وزيادة على مختلف اجراءات والتدابير التي جاءت بها النصوص المنظمة للصفقات العمومية، والقوانين ذات الصلة فإننا ندعو إلى اتخاذ إجراءات أخرى من قبيل:
وضع قانون يشجع تقسيم الصفقات إلى حصص من البداية عوض الإشارات الواردة في المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية، بما يضمن مشاركة المقاولات الصغرى والمتوسطة. إضافة إلى وضع دلیل عملي للمقاولات الصغرى والمتوسطة، يشمل معلومات حول المساطر و الخطوات التي ينبغي أتباعها للتقدم بالعرض.[33]
إحداث جمعية معاهد المقاولات الصغرى والمتوسطة لدعم التعاون بين هذه الأخيرة، والمقاولات الكبرى، والتقريب فيما بينهم، وتدفع في اتجاه إقناع المقاولات الكبرى التي تتقدم بعروضها لهذه الصفقات إلى إشراك المقاولات الصغرى والمتوسطة في عروضها والمقاول الذاتي والتعاونيات و اتخاذ خطوات تتعلق بتبسيط مساطر الأدا[34]ء، وتنهض باستعمال الوسائل الالكترونية للأداء السريع.
إن أهمية البعد الأخلاقي في العلاقة بين الجماعة الترابية وصاحب الصفقة سبق و أن عرفنا عقد الصفقة العمومية الترابية بأنه عقد یبرم بين الجماعة جهة، و أحد الأشخاص الذاتيين أو المعنويين يدعی مقاولا أو موردا أو خدماتیا من اجل إنجاز أشغال أو تسلیم توريدات أو القيام بخدمات. وبطبيعة الحال، فهذا العقد هو تصرف قانوني يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق مصالح الجماعة الترابية، و تحكمه مواد و أحكام و شروط متفق عليها مسبقا بين الطرفين المتعاقدين.
إلا أن واقع الممارسة العملية يؤكد على أن العديد من الصفقات تتعثر لاضطراب العلاقة بين الطرفين المتعاقدين، و في بعض الحالات لأسباب تافهة، حيث أن بعض مسؤولي الجماعات الترابية يعتبرون أنفسهم الطرف القوي في العلاقة التعاقدية، فيلجأون إلى القيام بممارسات مستفزة تجاه الطرف المتعاقد، الشيء الذي يؤدي إلى نشوب نزاعات، كان من الممكن تفاديها لو تم استحضار البعد الأدبي و الأخلاقي في هذه العلاقة، قوامها التكامل و التعاون والتعاضد عوض التنافر.
و علاقة بموضوع البحث، و في إطار تنقيبنا عن متطلبات الحكامة الجيدة في تدبير الصفقات العمومية الترابية، ارتأينا البحث في أهمية استحضار البعد الأخلاقي والأدبي في العلاقة بين الطرفين المتعاقدين، و مدى إسهامه في ضمان التنفيذ الجيد للصفقة العمومية الترابية.
خاتمة:
تتطلب معالجة الاختلالات التدبيرية في مجال الصفقات العمومية، تحديث منهجية التدبير، بكيفية تسمح بترسيخ قواعد الحكامة الجيدة على مستوى دورة حياة الصفقة العمومية، تبدأ بالإعداد الجيد لهذه الصفقات من خلال ترسيخ ثقافة التخطيط في إعداد مشاريع بحسب الأهداف والأولويات، ودعم الطابع التكاملي للتخطيط بين مختلف أصناف المتدخلين في الصفقات العمومية، واعتماد المقاربة التشاركية والالتقائية أثناء إعداد البرامج الوطنية والترابية .
كما أن الأمر يتطلب التأسيس لثقافة تدبيرية تقوم على أساس سيادة الشفافية والمنافسة والمساواة بين جميع المتنافسين، وترجمة هذه المبادئ على مختلف مراحل دورة حياة الصفقة العمومية، بدءا ببرمجة دقيقة تعمل على التوفيق بين ما يقتضيه الإعداد الجيد ، وتوخي الدقة في اختيار مسطرة الإبرام المناسبة التي تمكن من الوصول إلى المتعاقد الأمثل الذي بوسعه تلبية الحاجيات المراد- تلبيتها على أحسن وجه. كما ينبغي تنمية ثقافة المساءلة والمحاسبة، واعتماد الآليات الرقابية الحديثة، باعتبارها مرتكزات الجانب التدبيري للصفقات العمومية.
الخلاصة التي يمكن استنتاجها على مستوى تنظيم الصفقات العمومية بالمغرب، هو أنها تعرف في الآونة الأخيرة دينامية في النصوص المؤطرة لها من ناحية تعدد الإصلاحات المتتالية التي أضحت تشكل إحدى محاور الفلسفة التشريعية التي ينهجها المغرب في مجال الصفقات العمومية في إطار التكيف مع تغيرات المحيط الاقتصادي واحترام الالتزامات الدولية، وليس مرده الحد من الاختلالات التدبيرية لأن ذلك يتطلب مقاربة شمولية في الإصلاح تأخذ فيه بعين الاعتبار كل الجوانب التقنية والقانونية والمؤسساتية وكل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، من أجل جعل الصفقات أداة إستراتيجية تمكن الدولة والمؤسسات العمومية من الأداء الفعال لأدوار ذات طابع اقتصادي ومالي واجتماعي وبيئي.
هذا الأمر برهنت عليه الملاحظات والانتقادات التي وجهت لمرسوم 2013 إن على مستوى تكريس السلطة التقديرية للإدارة، أو على مستوى تنظيم صفقات الجماعات الترابية أو على مستوى محدودية آليات الشفافية و المراقبة والتدقيق، ومازالت ستبرهن عليه الممارسة العملية في ظل هذا الإصلاح الجديد، وإذا كانت الصفقات العمومية اليوم تعتبر رافعة قوية للسياسة الاقتصادية ودعم فرص الشغل وحماية البيئة وكذا التنمية المستدامة، فالمغرب لازال يحاول تجاوز الإشكالات المرتبطة بالصفقات العمومية ذات البعد التنظيمي والقانوني، خصوصا ما عرفته من إصلاحات ومستجدات في ظل جائحة كورونا من اجل الحفاظ على توازنات صاحب الصفقة وصاحب المشروع ولاسيما نائل الصفقة من اجل التطبيق السليم لمضامين التوجهات الدستورية ومحددات النصوص القانونية بعيد عن التحديات ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للصفقات العمومية، رغم أن هذه الأخيرة شكلت المنطلق الأساسي لإصلاح 2013، ليتبين أن هناك عدم انسجام أو هفوة ما بين الإطار القانوني وواقع الممارسة.
الإصلاح الذي كان الرهان عليه اليوم إصلاح يتماشى مع الاستحقاقات الدستورية والمؤسساتية التي يعرفها المغرب، حتى يعرف النظام القانوني للصفقات العمومية نوعا من الاستقرار، لكن هناك جانب آخر لا يمكن أن يمسه أي إصلاح كيفما كان شکله، هو المرتبط بزرع الثقافة والمسؤولية التدبيرية لدى الفاعل العمومي في مجال الصفقات العمومية، وهو أمر شخصي يبقى مرتبط بعقلية كل مسؤول إداري يعمل في هذا المجال، لا يمكن للنصوص القانونية أن تغيره أو تتحكم فيه.
ولابد من الإشارة إلى أن الإحاطة بمحدودية نظام الصفقات العمومية بالمغرب في ضوء مرسوم 2013 هو أمر ليس بالهين ومحفوف بالمخاطر لعدة اعتبارات يمكن أن نجملها في أمرين أساسيين، أولا بعض الحدود التي لا يمكن أن تبرز إلا من خلال واقع الممارسة، وهو الذي لم تستطع أن تفرزه هذه الأخيرة على اعتبار أن الظرفية الاستثنائية التي عرفها المغرب في ظل جائحة كورونا أبانت عن مجموعة من الثغرات والنقائص، أما الأمر الثاني يتمثل في غياب و نذرة الإحصاءات والأبحاث العلمية والميدانية الذي كان مأمولا من اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية أن تجسد هذا الدور، الأمر الذي يستعصي على الباحث تشخيص الواقع والوصول إلى الحقائق العلمية، ناهيك عن غياب التقارير الصادرة عن المؤسسات الرسمية خصوصا على مستوى الممارسة في إطار مرسوم 20 مارس 2013، ونشير هنا بالأساس إلى المجلس الأعلى للحسابات بالنظر للدقة التي تميز تقاريره، بالتالي فقد اقتصرت هذه الدراسة المتواضعة على النص القانوني المنظم للصفقات العمومية بالمغرب في إطار المزاوجة ما بين الدراسة المقارنة والنقدية، وذلك للوصول إلى مواطن القوة والضعف التي ميزت هذا الإصلاح الجديد.
إن الإصلاحات القانونية بالرغم من ضرورتها وأهميتها سواء في مجال الصفقات العمومية، أو في مجالات أخرى ليست غاية في حد ذاتها وليست كافية لبلوغ الأهداف المتوخاة والنتائج المرجوة، فإلى جانب حسن تطبيق النصوص القانونية لابد من العمل على تحسين الممارسات وتطوير العقليات وتوطيد العزائم والاطلاع بالمسؤولية على أحسن وجه.
وقد أبانت الصفقات العمومية في ظل جائحة كورونا عن مجموعة من الحقائق الخفية، التي تحيط بتدبير هذا المجال الحيوي المتعلق بالإنفاق العمومي، وضرورته في الاقتصاد الوطني للدفع بعجلة التنمية .حيث كشفت التجربة المتعلقة بتدبير جائحة كورونا عن ضرورة عقلنة هذا المجال، بضرورة ترسيخ أسس ومقومات الإدارة الالكترونية، ورقمنة معاملاتها ضمانا لحقوق المتعاقدين مع الإدارة. وتشجيع الافضلية الوطنية بالنسبة للمشاركين في الصفقات العمومية عن طريق تأهيل المقاولات الصغرى والمتوسطة، والتعاونيات والمقاول الذاتي. وبالتالي فمنطق التدبير يبقى مطلب عن طريق تطبيق التوجهات الكبرى لدستور 2011 ، و تنزيل مبادئ الحكامة في صلب الاصلاحات القانونية للصفقات العمومية لتجاوز منطق التبدير الذي ما يزال يعتري واقع الصفقات العمومية، ولنا في حجم النفقات التي أسندت في زمن كورونا ما يكشف حجم الاختلالات المادية التي عرفتها .
[1] – يعتبر فيروس كورونا كوفيد19-Covid، نوع من الفيروسات الجديدة المعدية الني تسبب التهاب الجهاز التنفسي الحاد، حيث تم الإبلاغ عن الحالات الأولى للفيروس في دولة الصين وذلك في نهاية دجنبر 2019، وفي بداية يناير 2020 أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية عن تفشي المرض، لتعلن المنظمة بعدها عن آلاف الحالات المؤكدة إصابتها بالفيروس خارج الصين، وازدياد عدد البلدان المتضررة، لذلك خلصت منظمة الصحة العالمية إلى تقييم مؤداه أن الفيروس كرورنا كوفيد19-Covid ينطبق عليه وصف الجائحة، واعتبرته حالة طوارئ صحية عالمية
[2] – المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 من رجب 1441 الموافق ل 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، جريدة رسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 29 رجب 1441 الموافق ل 24 مارس 2020، ص.1782
[3]– مأخود بتصرف عن عبد الله حداد «مساهمة الصفقات الجماعية في تحقيق التنمية»، مرجع سابق، ص: 17.
[4]– المادة 35 من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.271 بتاريخ 15 من رجب 1423 الموافق ل3 أكتوبر 2002، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5085 بتاريخ 21 نونبر 2002 ص: 3468، معدل بموجب القانون رقم 17.08 صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.08.153 بتاريخ 18 فبراير 2008، منشور بالجريدة الرسمية عدد5711 ص: 536.
[5]– أنظر المادة 35 و36 من قانون رقم 79.00 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.02.269 بتاريخ 25 رجب 1423 موافق ل3 أكتوبر 2002 جريدة رسمية عدد 5058 بتاريخ 21 نونبر 2002 ص 3490.
[6] – يوسف الزوجال ،” تحسين مناخ الأعمال بالمغرب دراسة قانونية على ضوء آخر المستجدات الدستورية”، دار السلام للطباعة والنشر التوزيع – الرباط ،الطبعة الأولى 2016 ،ص153.
[7] – المرسوم بقانون رقم 2. 20. 292 الصادر في 28 رجب 1441 (23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، المصادق عليه بموجب القانون رقم23.20، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.20.60 بتاريخ 5 شوال 1441 (28 ماي 2020).
[8] – وأبرزت أنه ومن أجل تفادي التأخير في الأداء بسبب تنفيذ الدورية رقم 2138/E بتاريخ 26 مارس 2020 ومن أجل دعم خزينة المقاولات التي أسندت إليها طلبيات عمومية، تقرر بشكل استثنائي، طوال فترة حالة الطوارئ الصحية المنصوص عليها في مرسوم القانون سالف الذكر ، تعليق اشتراط التوقيع الإلكتروني للوثائق المذكورة بالنسبة للشركات وأرباب المشاريع الذين واجهتهم صعوبات في الحصول على شهادة إلكترونية من الفئة الثالثة لبريد إي سين Barid-Esign. . كما أكدت الوزارة أنه على المقاولات المعنية القيام بتحويل الوثائق الأصلية المختومة والموقعة إلى صيغ رقمية PDF قبل إيداعها رقميا على منصة التدبير المدمج للنفقات (GID)، مشيرة إلى أنه سيتم إصدار الوثائق الورقية لفائدة أصحاب الصفقات عند انتهاء حالة الطوارئ الصحية. كما أوضحت في هذا الشأن أن إيداع والتصديق على الوثائق والتبادل الإلكتروني لها سيتم ختمه عبر منصة التدبير المدمج للنفقات (GID).
[9] – http://www.mcrp.gov.ma/Contenu/LoiFinance2014/16 63_ref_ar.pdf
[10] – المادة 155 من المرسوم رقم 349-12-2المتعلق بالصفقات العمومية كما تم تغييره وتتميمه بالمرسوم رقم 2.19.69. على أنه: ” قصد إجراء المقارنة بين عروض المتنافسين المتعلقة بصفقات الأشغال والدراسات المرتبطة بها، وبعد أن تكون لجنة طلب العروض أو لجنة المباراة قد حصرت لائحة المتنافسين المؤهلين وأقصت المتنافسين الذين لا تطابق عروضهم المواصفات المطلوبة، وعندما تتقدم مقاولات أجنبية بتعهدات لهذه الصفقات، تمنح أفضلية للعروض المقدمة من طرف المقاولات الوطنية والتعاونيات واتحاد التعاونيات والمقاول الذاتي وفي هذه الحالة، تضاف إلى مبالغ العروض المالية المقدمة من طرف المقاولات الأجنبية نسبة مئوية لا تتعدى خمسة عشر في المائة% 15 .”
[11] – قرار وزير الداخلية رقم 672.18 صادر في 18 من جمادى الآخرة 1439 (7 مارس 2018) بتحديد تأليف لجان طلب العروض المفتوح أو طلب العروض المحدود أو بالانتقاء المسبق وكذا لجنة المباراة الخاصة الترابية ومجموعاتها، بالجريدة الرسمية عدد 6659 بتاريخ 8 رجب 1439 (26 مارس 2018، ص: 1747
[12] – مرسوم رقم 02.12.349 بتاريخ 8 جمادى الأولى 1434-20 مارس 2013 يتعلق بالصفقات العمومية، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6140 بتاريخ 4 أبريل 2013 ؛
[13] – Insiste de l’Economie et des finances trésorerie générale de royaume « note de présentation de projet de loi relative au nantissement des marchés publics » publié sur le site de Secrétariat Générale GOUVERNEMENTwww.sgg.gov.ma date de visite de site 15 janvier 2014 page 2.
[14] – يوسف خنفور،”الصفقات العمومية بالمغرب بين رهان التنمية وسؤال الحكامة”، مؤلف جماعي “الصفقات العمومية على ضوء النموذج التنموي الجديد “،مجلة مسارات في الأبحاث والدراسات القانونية، مطبعة دار القلم – الرباط،العدد الثامن 2019 ؛ ص 156.
[15]– https://www.finances.gov.ma/ar/.aspxfiche=5018
[16] – https://www.finances.gov.ma/ar/.aspxfiche=5018
[17] – أحمد بوعشيق، المرافق العامة الكبرى، الطبعة السابعة، دار النشر المغربية الدار البيضاء، 2002، ص:13.
[18] – http://www.sgg.gov.ma/portals/0/AvantProjet/37/D ecret_marches_publics_Ar.pd
[19] – احمد غزال، “المستجدات المتعلقة بدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة على ضوء مرسوم الصفقات العمومية “، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، العدد 128 ماي – يونيو 2016 ،ص145.
[20] – عبد اللطيف الشدادي،”نظام الصفقات العمومية في ضوء مرسوم 20 مارس 2013 و دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال 2016″، الجزء الثاني ، مطبعة ونشر سليكي اخوين- طنجة، الطبعة الأولى – يناير 2019 ،ص 259.
[21] – مليكة الصروخ،”الصفقات العمومية في المغرب الأشغال التوريدات الخدمات”،مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء, دار القلم، الطبعة الثانية 2012 ،ص 245.
[22] – مرسوم رقم 2.14.272 صادر في 14 من رجب 1435 – 14 ماي 2014 يتعلق بالتسبيقات في مجال الصفقات العمومية.
[23] – فؤاد لفتوحي،”حکامة الصفقات العمومية وانعكاساتها على التنمية”، مرجع سابق ص 111.
[24] – ظهير شريف رقم 1.15.05صادر في 29 الآخر1436 (19 فبراير 2015) بتنفيذ القانون رقم 112.13 المتعلق برهن الصفقات العمومية منشور في الجريدة الرسمية عدد 6342 الصادرة 21 جمادى الأولى 1436 (12 مارس 2015) نصوص عامة . دخل حيز التنفيذ 3 أشهر بعد نشره في الجريدة الرسمية والذي ينسخ ظهير 28 غشت 1948 حسب مقتضيات المادة 15 منه ؛
[25] – ظهير شريف رقم 1. 15 . 05 صادر في 29 من ربيع الآخر 1436 (19 فبرابر 2015) بتنفيذ القانون رقم 112. 13 المتعلق برهن الصفقات العمومية (ج ر عدد 6342 بتاريخ 12 مارس 2015).
[26] – مرسوم رقم 2.17.696 صادر في 11 من ربيع الأول 1439 ( 30 نوفبمر 2017 ) بتحديد كيفيات سير مرصد آجال الأداء وتأليفه ؛
[27] – تقرير لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، حون القانون رقم : 112. 13 المتعلق برهن الصفقات العمومية، دورة أكتوبر 2014.
[28] – https://covid19.transparencymaroc.ma/?p=163
[29] – توفيق السعيد ، مرجع سابق – ص 276.
[30] – عزيز قسومي،” حكامة الصفقات العمومية بين المنازعات الإدارية وتحقيق التنمية”، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات،الموسم الجامعي 2013 – 2014 ص 111.
[31] – توفيق السعيد، مرجع سابق، ص 284 .
[32] – عبد المولى المسعيد،” اثر تطور نظام الصفقات العمومية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية”، مؤلف جماعي “الصفقات العمومية على ضوء النموذج التنموي الجديد “،مجلة مسارات في الأبحاث والدراسات القانونية، مطبعة دار القلم -الرباط،العدد الثامن 2019 ،ص125.
[33] – Mohamed Harakat , « Gestion Publique , transparence et performance à la lumière de la nouvelle loi organique relative a la loi de finances » , Revue Marocaine d’Audit et de Développement , Imprimerie El Maarif Al Jadida , N° 43-2016 ,p 125.
[34] – القانون رقم 13.114 المتعلق بنظام المقاول الذاتي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.06 بتاريخ 29 من ربيع الآخر 1436 (19 فبراير 2015) .
-المرسوم رقم 2.15.617 الصادر في 24 من جمادى الآخرة 1437(24 مارس 2016) بتحديد قواعد تنظيم وتسيير سجل التعاونيات.
-المرسوم رقم 2.15.258 الصادر في 20 من جمادى الآخرة 1436 ( 10ابريل 2015) بتطبيق المواد 5 و6 و8 من القانون رقم 13.114 المتعلق بنظام المقاول الذاتي.
-مشروع مرسوم رقم 2.19.184 بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.16.344 بتاريخ 17 من شوال 1437 (22يوليو2016) بتحديد آجال الأداء وفوائد التأخير المتعلقة بالطلبيات العمومية