و يثير هذا الحكم موضوع الرقابة التي يمكن أن يمارسها القضاء الإداري على أعمال السلطة التقديرية للإدارة، و كذلك مختلف الحجج و النظريات التي يمكن الإعتماد عليها في سبيل تطبيق هذا النوع من الرقابة .
للتعليق على هذا الحكم لابد من استعراض الوقائع و الحيثيات ،وكذا التعليل الذي اعتمدته المحكمة .
- الوقائع
بناء على المقال الإفتتاحي المسجل بكتابة ضبط المحكمة بتاريخ 19/1/2012،المقدم من طرف المدعية ،تعرض فيه أنها تشتغل كسكرتيرة للتحرير بوكالة المغرب العربي للأنباء بلندن ،و أنها تعرضت لمضايقات من طرف رئيس مكتب الوكالة بهذه المدينة، وصلت بالوصف لمستوى التحرش ، فقامت بإرسال عدة شكايات إلى المدير العام للوكالة بالرباط،حسب عدة تقارير وجهت له بخصوص الموضوع ، لكنها فوجئت بقرار يقضي بنقلها من لندن إلى الرباط ،بتاريخ 27/10/2011،مع العلم أن للمدعية زوجا يشتغل بنفس المدينة أي لندن ،و كذلك لها بنت تتابع الدراسة بنفس المدينة ،وقد كاتبت المدعية المدير العام للوكالة بهدف إنصافها لكن دون جدوى ،وقد أرفقت المدعية طلبها الموجه للمحكمة ،بنسخة من القرار المطعون فيه ،و كذلك نسخة من تظلم ورسائل إلكترونية.
وذهبت إلى أن قرار النقل هو قرار عقابي وغير مناسب، وغير مسبب ويتسم بعدم المشروعية، كما أن لها أسرة قد تضررت من هذا النقل ماديا و معنويا.
وبناء على المذكرة الجوابية المقدمة من طرف الوكالة المدعى عليها ،بواسطة نائبها المودعة بكتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ ،9/5/2012 ،فإن النقل لا يكتسي طابعا عقابيا و إنما أملته ضرورات المنفعة العامة ،وأن المدعية لم تشتكي من المسؤول عن الوكالة بلندن إلى بعد تبليغها بقرار النقل ،وأنه لا يمكن في هذا الإطار الإستجابة لرغبات الموظف الشخصية على حساب حسن سير المرفق العام ،و التمست رفض الطلب.
- التعليل
وحيث أنه إذا كانت للإدارة المطلوبة في الطعن سلطة تقديرية في اتخاذ قرارات النقل التي تراها مناسبة في حق مستخدميها ،فإنه بالنظر لوضعية الطاعنة كامرأة متزوجة ،تعمل بوكالة المغرب العربي للأنباء بلندن ، ولها زوج يعمل بنفس المدينة ،ولها بنت تتابع دراستها بنفس المدينة ،فإن قرار نقلها لمدينة الرباط بتاريخ 27/10/2011 ،خصوصا بعد بداية الموسم الدراسي يعتبر غير مناسب ولا ملائم ،لأنه قد يؤدي إلى تشتيت شمل أسرة بكاملها ،مع صعوبة نقل البنت لمؤسسة تعليمية بالمغرب في هذا الوقت ،فضلا على أن الإدارة لم تدل ببيانات دقيقة تؤكد أن قرار النقل أملته اعتبارات المصلحة العامة ،أو ما يبين النقص أو الفائض في الأطر الإدارية بالنسبة لمكاتب الوكالة ،سواء من خلال قرار النقل ،أو من خلال مذكراتها أمام المحكمة ،وكذلك لم تبين سبب كون القرار شمل الطاعنة بالذات ،مما يجعل القرار الطعين غير مرتكز على أساس صحيح من القانون ،و مشوب بالتجاوز في استخدام السلطة ،و بالتالي وجب إلغائه.
- منطوق الحكم
لهذه الأسباب حكمت المحكمة الإدارية علنا و حضوريا و ابتدائيا
في الشكل : بقبول الطلب
في الموضوع : بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية .
- التعليق
يطرح حكم المحكمة الإدارية الذي بين أيدينا [1]مسألة الرقابة التي يمكن أن يمارسها القاضي الإداري على السلطة التقديرية للإدارة ،إذ أن القانون و في محاولة منه للتخفيف من الجمود الذي يتسم به مبدأ المشروعية ،قد حاول إضفاء نوع من المرونة على هذا المبدأ ،وهو ما يعرف بموازنة مبدأ المشروعية ،و بموجب هذه الموازنة تمنح للإدارة سلطة تقديرية للتصرف في حالات لا يمكن لغيرها التصرف فيها إما لقربها من الحالة موضوع التصرف ،أو توفرها على الإمكانيات الازمة أو المعلومات الضرورية لمواجهتها ،وذلك في حل من قيد مبدأ المشروعية ،وخروجا عن الأصل الذي يجعل كل تصرفات الإدارة و قراراتها خاضعة لهذا المبدأ.
كما قد تقتصر السلطة التقديرية للإدارة في مجرد اختيار الإجراء المناسب من بين عدة إجراءات ينص عليها القانون، إذ قد يعمل القانون على وضع حلول أو تدابير معينة يتم بموجبها مواجهة حالات معينة ،ويترك للإدارة حرية اختيار الحل أو التدبير المناسب من ضمن الحلول و التدابير التي حددها لمواجهة حالة معينة، يتضح إذن أن الإدارة في ظل ممارستها للسلطة التقديرية تكون أكثر حرية،وذلك لانفلاتها من رقابة القاضي الإداري في إطار مبدأ المشروعية ، وهو ما من شأنه الإنعكاس بشكل خطير على حقوق الأفراد و حرياتهم ،إذ من المعروف أن مبدأ المشروعية يضمن الحماية الازمة للأفراد، ويحميهم من تعسف الإدارة بفضل القيود التي يفرضها عليها في ممارسة نشاطها، لذلك فإن انفلاتها من هذا النوع من الرقابة يمكن أن يؤدي إلى إطلاق يدها ،ويؤدي إلى المس بحقوق الأفراد وحرياتهم، خصوصا مع ما تتمتع به الإدارة من إمكانيات و من امتيازات السلطة العامة مقارنة بالأفراد.
ومع ازدياد احتكاك الإدارة بالمجتمع ،و تنوع الأنشطة التي امتد إليها النشاط الإداري ،من زراعة و عمران و بيئة ،و أنشطة اجتماعية أخرى ،و نظرا لما تتميز به هذه الأنشطة المتنوعة من دينامية ،فإن ذلك استدعى بالضرورة اتساع سلطة الإدارة التقديرية ،مما نبه القاضي الإداري إلى عدم كفاية الرقابة التقليدية ،الممارسة على النشاط الإداري ،أي رقابة المشروعية ،و التي لم تعد تنسجم مع التطورات الحديثة ،في مجال النشاط الإداري ،و إنما مد هذه الرقابة إلى الملاءمة في التقدير الإداري ،وذلك في محاولة لإقامة نوع من التوازن بين ضرورة ضمان فاعلية العمل الإداري من جهة ،وبين ضمان حقوق الأفراد و حرياتهم من جهة أخرى ،و ذلك بالإعتماد على مجموعة من النظريات التي ابتكرها القضاء الإداري ،كنظرية الغلو في استخدام السلطة التقديرية ،ونظرية الخطأ الظاهر،ثم نظرية الموازنة بين المنافع و المضار.
وبالرجوع للقرار الإداري موضوع الطعن ،و المتعلق بنقل المدعية من مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء الكائن بمدينة لندن ببريطانيا ،إلى مدينة الرباط بالمغرب،فإنه يندرج ضمن نطاق السلطة التقديرية المخولة للإدارة ،وينفلت من الرقابة المؤسسة على مبدأ المشروعية ،ذلك أن الإدارة في هذه الحالة تعتبر أقدر على معرفة مواقع الخصاص ومواقع الفائض في مصالحها بالنسبة للأطر التي تتوفر عليها ،وبالتالي يترك لها سلطة توزيع هته الأطر على مصالحها حسب الحاجات ،دون تدخل في هذه السلطة من طرف القضاء ، لكن تطور القضاء الإداري الموازي لتطور النشاط الإداري ،و توغله في مجالات متعددة ،جعل القاضي الإداري يوسع من رقابته على هذا النشاط ليشمل السلطة التقديرية للإدارة ،فعلى أي أساس أو نظرية عمل القاضي الإداري من خلال الحكم الذي بين أيدينا على ممارسة رقابته ؟
- نظرية الغلو في استخدام السلطة التقديرية
ذهبت المحكمة الإدارية بالرباط من خلال حكمها بإلغاء قرار النقل، إلى أن القضاء الإداري قد استقر في ممارسة رقابته على السلطة التقديرية للإدارة سواء في جانب المشروعية أو جانب عدم الملاءمة ،في إطار نظرية الغلو في التقدير ، لأن الملاءمة أضحت عنصرا أساسيا من عناصر المشروعية .
ويقصد بالغلو في استخدام السلطة التقديرية، بالعيب الذي يمكن أن يشوب تكييف
الإدارة و تقديرها للوقائع المتخذة كسبب للقرار الإداري ،بحيث يبدو هذا العيب بينا
وجسيما، على نحو يتعارض مع الفطرة السليمة ،وتتجاوز به الإدارة حدود المعقول
في الحكم الذي تحمله على الوقائع ،و يكون بالتالي سببا لإلغاء قرارها المشوب
بهذا العيب، ولا يظهر الغلو في التقدير إلا إذا كان تقدير الإدارة مشوبا بخلل جسيم
بين سبب العمل الإداري و محله ،فإذا كان من الجائز للإدارة أن تخطأ في ممارسة
سلطتها التقديرية، فإنه من غير الجائز أن يكون هذا الخطأ ظاهرا ينم عن سوء
تقدير واضح ،أو إهمال فادح أو رعونة بالغة ،الأمر الذي تأباه الفطرة السليمة ،مما
لا يمكن للقاضي التغاضي عنه، وتعرف نظرية الغلو في السلطة التقديرية بكونها
مصرية المنشأ، وقد استخدمت لأول مرة في مجال التأديب .
وبالرجوع للحكم الذي بين أيدينا فقد ذهبت المدعية إلى أن قرار النقل يكتسي طابعا عقابيا فيما نفت الإدارة ذلك ،و الحقيقة أن القرارات التي تتضمن عقوبات تأديبية تعتبر المجال الأكثر الذي يمكن أن يتسم فيه سلوك الإدارة بالغلو في استخدام السلطة التقديرية، إذ
بالرجوع للحالات المتميزة التي بموجبها يمكن أن تمنح للإدارة سلطة تقديرية ،نجد تحديد القانون لمحل القرار الإداري دون تحديد منه للسبب الذي يقوم عليه ، ونجد التطبيق العملي لهذه الحالة في المغرب ضمن ظهير 1958،[2] المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية ،إذ بالرجوع للفصل 66 من ظهير 1958 ،نجده قد وضع قائمة من العقوبات التي يمكن توقيعا على الموظفين ،وقد حددت على سبيل الحصر،وتم ترتيبها حسب خطورتها ، {الإنذار – التوبيخ – الحذف من لائحة الترقي – الإنحدار من الطبقة – القهقرة من الرتبة – العزل من غير توقيف حق التقاعد – العزل المصحوب بتوقيف حق التقاعد }، وذلك دون تحديد للأخطاء التأديبية ، بل اكتفى المشرع من خلال المادة 17 من ظهير 1958 ،إلى أنه كلما صدر عن الموظف عمل من شأنه الإخلال بالتزاماته المهنية أو المس بالحق العام ،فإنه يعتبر خطأ تأديبيا يستوجب الجزاء،[3] وذلك دون تحديد لهذه الأخطاء أو توضيح لمعنى و حدود الإلتزامات المهنية ،و المس بالحق العام ،مما يفتح المجال للسلطة التقديرية للإدارة ،لتكييف الفعل المرتكب من طرف الموظف ،هل يعتبر خطئا تأديبيا أم لا، وكذلك اختيار العقوبة المناسبة من ضمن العقوبات المحددة من طرف المشرع ، لذلك فقد ابتكر القضاء الإداري نظرية الغلو في استخدام السلطة التقديرية ،لمراقبة مدى الملائمة بين خطورة المخالفة من جهة، وبين نوع العقوبة التأديبية من جهة أخرى،أي مراقبة مدى مناسبة الإجراء المتخذ من طرف الإدارة للوقائع التي دفعت إلى اتخاذه ،أي تناسب المحل مع السبب.
ويجدر التنبيه إلى أن الإدارة من خلال الحكم الذي بين أيدينا قد نفت أن يكون قرار النقل قد اكتسى طابعا عقابيا، وإنما اقتضته مستلزمات المصلحة العامة ،مما قد يدفعنا إلى الظن أن الباب قد أغلق هنا أمام اعتماد نظرية الغلو في استخدام السلطة التقديرية إذا ثبت صحة كون القرار لا يكتسي طابعا عقابيا ،خصوصا و أن نظرية الغلو كما قلنا سابقا قد ارتبطت بشكل كبير بالقرارات التأديبية ، لكونها تعمل على التصدي لعدم التناسب الظاهر بين درجة خطورة الذنب وبين نوع الجزاء و مقداره ، لكن بالرجوع إلى الحكم موضوع التعليق فإننا نجد أن المحكمة في تعليلها لإلغاء قرار النقل ،قد اعتمدت على نظرية أخرى إلى جانب نظرية الغلو ،وهي نظرية الموازنة بين المنافع و المضار .
- نظرية الموازنة بين المنافع و المضار
جاء في تعليل المحكمة الإدارية بالرباط الذي بين أيدينا لحكمها بإلغاء قرار النقل،” إذا كان للإدارة المطلوبة في الطعن سلطة تقديرية في اتخاذ قرارات النقل التي تراها مناسبة في حق مستخدميها ،فإنه بالنظر إلى وضعية الطاعنة كامرأة متزوجة تعمل بوكالة المغرب العربي للأنباء بلندن ،ولها بنت عمرها سبع سنوات تتابع دراستها بالمستوى الأول ،بالمعهد البريطاني بلندن ،وزوجها يعمل أيضا ببريطانيا ،فإن قرار نقلها لمدينة الرباط بعد انطلاق الموسم الدراسي يعتبر غير مناسب ولا ملائم ،لأنه قد يؤدي إلى تشتيت شمل الأسرة بكاملها، مع صعوبة نقل البنت لمؤسسة تعليمية بالمغرب ،مع عدم تبيان الإدارة لما يثبت ضرورة النقل في هذا الوقت “.
ويظهر من خلال هذا التعليل أن القاضي الإداري قد ركز على الظروف المحيطة بالقرار الإداري ،و مدى الأضرار التي يمكن أن يسببها مقارنة بالمنفعة العامة المتوخات منه ،وقد بدأ التطبيق الفعلي لهذه النظرية مع مجلس الدولة الفرنسي ، في رقابته للقرارات المتعلقة بنزع الملكية لأغراض المنفعة العامة ، إذ كانت الرقابة في البداية محدودة في كون قرار نزع الملكية هل يحقق منفعة عامة أم لا ،إذ كان المجلس ينظر فقط إلى عملية نزع الملكية في ذاتها دون النظر إلى الظروف المحيطة بها ، كالأضرار التي يمكن أن تسببها للملكية الخاصة ،أو تكاليف المشروع و أعبائه المالية ،وذلك لتعلق هذه الأمور بالسلطة التقديرية المخولة للإدارة، و التي كانت بمنئى عن رقابة القضاء الإداري ،وبذلك كانت رقابة مجلس الدولة على قرارات نزع الملكية تقف عند حدود الرقابة التقليدية ، إذ تقتصر على الوجود المادي للوقائع التي ينبني عليها القرار ،و التكييف القانوني لهذه الوقائع.
ومع تطور وتعقد المجالات العلمية و الفنية و ازدياد تدخل الإدارة في المجتمع مع صاحب ذلك من تطور لسلطتها التقديرية ، عمل القضاء الإداري على ابتكار نظرية الموازنة بين المنافع و المضار للحد من تعسف الإدارة في استخدام هذه السلطة ،وقد ساهم في ظهور هذه النظرية تطور مفهوم المنفعة العامة ، إذ لم يعد هذا المفهوم مفهوما مجردا ،بل أصبح فكرة موضوعية تقدر وفقا لظروف المشروع ،و ما يتوخى تحقيقه من مزايا اجتماعية و اقتصادية، تأخذ في الإعتبار الأضرار المترتبة عليه ،[4]و ما يكلفه من أعباء مالية ،قصد إقامة توازن بين الأعباء و التكاليف .
وعلى ضوء ذلك أصبح مجلس الدولة الفرنسي يقوم بعملية موازنة بين المنافع و المضار،التي قد تترتب عن القرارات التي تصدرها الإدارة بنزع الملكية بغرض المنفعة العامة ،إذ توضع كل من المنافع و المضار التي اتخذ قرار المنفعة العامة على ضوءها في كفتي ميزان ،بحيث يكون القرار غير مشروع إذا جاءت الأضرار و الأعباء الناجمة عنه شديدة أو مفرطة ،بالنسبة لما يحققه من مزايا و منافع .
وبذلك فقد عمل القضاء الإداري على صياغة نظرية جديدة ،و أصبح لا يسمح بتقرير المنفعة العامة لعملية ما ،إلا إذا كان ما تتضمنه من مساس بمصالح الأفراد و التكلفة المالية ،و المضار المحتملة على المجتمع ، ليست باهضة بالنسبة إلى المصلحة أو المنفعة التي تحققها.
وقد سبق للقضاء الإداري المغربي تطبيق هذه النظرية في قضايا نزع الملكية ،ففي قرار للمجلس الأعلى عدد 378 بتاريخ 10/2/1992 في الملف رقم 10023 ،[5] في قضية الشركة العقارية “ميموزا”، ذهب المجلس في تعليله للقرار ،”إذا كانت الإدارة تتوفر على السلطة التقديرية بخصوص المصلحة العامة التي تسعى إلى تحقيقها من وراء نزع الملكية ،فإن ذلك لا يمنع القضاء الإداري من مراقبة أغراض و مضمون المصلحة العامة المذكورة ،وما إذا كانت المنزوعة ملكيته ،يسعى إلى تحقيق نفس الأغراض و الأهداف بموافقة الإدارة المسبقة لإنجاز هذا المشروع ،مما يعني أن الإدارة التي رخصت للطاعنة في تحقيق هذا المشروع وتركتها تحقق جزءا منه وتنفق مبالغ مالية هامة ،لا يمكنها أن تسعى إلى نزع هذه الملكية للمنفعة العامة لتحقيق نفس الأغراض ،وإلا تكون مشتطة في استعمال سلطتها “.
و بالرجوع لحكم إدارية الرباط الذي بين أيدينا ،نلاحظ أن القاضي الإداري قد حاول إجراء نوع من الموازنة و الترجيح يراعا فيها حماية حقوق الأفراد من جهة ،و مقتضيات حسن سير الإدارة من جهة أخرى ،وحيث أن الإدارة لم تدل بما من شأنه أن يثبت ضرورة قرار النقل الذي أقدمت عليه ، أي أن هناك غياب واضح لضرورات المنفعة العامة من وراء قرار النقل ، وبالمقابل هناك ضرر جلي سينتج عن هذا القرار ينعكس بشكل واضح على المدعية وعائلتها، من خلال نقلها إلى المغرب و بالتالي فقد عمل القاضي الإداري على ترجيح كفة المضار الناتجة عن قرار النقل مقابل كفة المنافع الناتجة عنه ،و بالتالي قضى بإلغاء القرار المذكور .
وهكذا يمكن القول أن مضمون نظرية الموازنة ،ينصرف إلى التقييم الذي يجريه القضاء الإداري للمنافع و المضار المترتبة على القرار ،من خلال الموازنة بينهما في كفتين ،بحيث إذا تبين أن كفة المنافع هي الراجحة على كفة المضار ،كان القرار مشروعا ،و إذا تبين أن كفة المضار هي الراجحة ،كان القرار غير مشروع .
لقد عمل القاضي الإداري من خلال هذا الحكم على اعتماد نظريتين أساسيتين في تطبيق رقابته على السلطة التقديرية المخولة للإدارة ،وهما نظرية الغلو في استخدام السلطة التقديرية ،و نظرية الموازنة بين المنافع و المضار ،وبتطبيق النظريتين معا يكون قد أعطى لهذا الحكم قوة أكبر في التعليل، ذلك أن كل من النظريتين تكمل الأخرى ، وهو ما ينسجم مع مسار القضاء الإداري في المغرب الذي لم يتردد في اقتحام مجالات جديدة ،فرضها تطور المجتمع و تطور ظروف المحيط الإجتماعي و الإقتصادي ، وذلك في سبيل تحقيق هدفه الأساسي في حماية الحقوق و الحريات .
المراجع :
- خليفة سالم الجهمي ،ملامح التطورات الحديثة في الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للإدارة ،{رقابة التناسب}.
- حكم المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ :2012/8/30 ،ملف رقم :2012/5/34 .
- قرار المجلس الأعلى عدد 378 بتاريخ 10/2/1992 في الملف رقم 10023 .
- الظهير الشريف رقم 008-58-1 بتاريخ 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بشأن النظامالأساسي العام للوظيفة العمومية.
[1] – حكم المحكمة الإدارية بالرباط ، بتاريخ :2012/8/30 ، ملف رقم :2012/5/34 ، منشور بمجلة القضاء الإداري ،العدد الثالث ،صيف/خريف 2013 ،ص : 213 .
[2] – ظهير شريف رقم 008-58-1 بتاريخ 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بشأن النظام
الأساسي العام للوظيفة العمومية
[3] – المادة 17 من الظهير الشريف رقم 008-58-1 بتاريخ 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بشأن النظام
الأساسي العام للوظيفة العمومية.
[4] – خليفة سالم الجهمي ،ملامح التطورات الحديثة في الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للإدارة ،{رقابة التناسب} ، مقال منشور بالموقع الإلكتروني الخاص للمستشار الدكتور ،خليفة سالم الجهمي ، http://khalifasalem.wordpress.com
[5] – قرار المجلس الأعلى عدد 378 بتاريخ 10/2/1992 في الملف رقم 10023 أورده المصطفى التراب ،القضاء الإداري وحماية الملكية العقارية ،طبعة 2013 ،مطبعة الأمنية ،الرباط ،ص :32.