الحماية من التعذيب في القانون الدولي لحقوق الإنسان

الحماية من التعذيب في القانون الدولي لحقوق الإنسان

حنان الكانوني

طالبة باحثة  بسلك الدكتوراه

 جامعة محمد الخامس – الرباط.

المقدمة

يعد التعذيب من أخطر الانتهاكات التي يتعرض لها الإنسان، لما يمثله من امتهان لكرامته وإيلاما لضحاياه سواء كانت نفسية أم بدنية، وبعيدا عن الظروف العديدة التي تحيط بممارسات التعذيب، فإن كافة أساليب التعذيب التي وصلت أحيانا إلى حد الموت، قد لاقت مناهضة شديدة على المستويين الدولي والإقليمي.

إن حق الإنسان في الحماية من التعذيب هو حق أساسي حظي باهتمام المواثيق الدولية، التي أكدت على تحريمه حتى في حالات الطوارئ أو النزاعات المسلحة، وقد تجسد هذا الحظر في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وبخاصة من طرف الأمم المتحدة حيث لعبت دورا كبيرا وحيوي في مجال مناهضته، وذلك من خلال ميثاقها، أو الوثائق أو الإعلانات التي صدرت عنها أو المواثيق أو الاتفاقيات الدولية التي ساهمت في صدورها، والتي حوت في طياتها تحريم لهذا الفعل ، إضافة إلى ذلك، فإنه توجد مجموعة اتفاقيات لحقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة، والتي تعرف بالقانون الدولي الإنساني، والتي تضم نصوصا تحرم التعذيب، وأيضا تجسد هذا الحظر في القانون الدولي الجنائي وبخاصة في نصوص المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة ونصوص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إضافة إلى ذلك فهناك دور كبير جسدته المنظمات والهيئات الدولية غير الحكومية في مجال مناهضة التعذيب من خلال الأعمال التي تقوم بها والمساعدات التي تقدمها إلى ضحايا التعذيب والتقارير التي تصدر عنها.

لقد عُرف التعذيب بتعريفات عديدة، لا تختلف كثيرا في تحديد مفهوم التعذيب وعناصره الأساسية، وهي تتفق في الطبيعة العامة التي تتصف بها آلام الإنسان سواء كانت آلاما جسدية أو معنوية، والتي تنشأ إثر تعرض الإنسان للتعذيب كواقع مادي صادر عن جهة ترى أن اللجوء إلى استعماله هو أمر تقتضيه مصلحتها العليا، دون النظر لمشروعيته. وفي هذا الصدد قدمت اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة  1984 تعريفا للتعذيب في المادة 1 بأنه :

” أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي، أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها “.

كما نجد تعريفا للتعذيب في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998 في المادة 7 ، حيث عرفته بأنه:

” تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة، سواء بدنياً أو عقلياً ، بشخص موجود تحت إشراف المتهم أو سيطرته ، ولكن لا يشمل التعذيب أي ألم أو معاناة ينجمان فحسب عن عقوبات قانونية أو يكونان جزءاً منها أو نتيجة لها “.

ويمكن تلخيص العناصر الأساسية التي تشكل تعذيبا بناءا على المادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب فيما يلي :

  • إيقاع ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما.
  • موافقة أو سكوت موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية.
  • لغرض معين مثل الحصول المعلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه شخص ما، أو تخويفه أو إرغامه.

ويستمد الموضوع أهميته من أن التعذيب جريمة ضد البشرية جمعاء، ويعد انتهاكا صارخا لكافة القيم والأخلاق والقانون، وتزداد أهمية الموضوع كذلك كون مسألة مناهضة ومنع التعذيب تعد من ضمن الأولويات من أجل دعم حقوق الإنسان، وعلى هذا يطرح موضوع مناهضة التعذيب في القانون الدولي العام إشكالية مؤداها: ما هي الآليات القانونية التي أوجدها القانون الدولي من أجل حماية الإنسان من عدم التعرض للتعذيب؟

وسعيا لإيجاد الإجابة على هذه الإشكالية، نفترض ما يلي :

– ليس هناك تعريف دقيق وموحد لظاهرة التعذيب في المواثيق الدولية، يمكن من خلاله ضبط معالم هذه الظاهرة والتمييز بين التعذيب وما يشابهه من ممارسات، وفي هذه الحالة سيكون غياب هذا التعريف بمثابة إشكالية تواجه جهود القضاء على الظاهرة.

– يشكل التحفظ على أحكام حظر التعذيب في اتفاقيات حقوق الإنسان عقبة أمام التزام الدول بأحكام هذا الحظر.

أما فيما يتعلق بمناهج البحث فإنه من الضروري الاستناد على المنهج التحليلي، والذي تفرضه طبيعة البحث، وقد اعتمد لقراءة النصوص القانونية الدولية، والمنهج التاريخي والوصفي من أجل إعطاء الوصف القانوني لمسألة التعذيب.

ومن أجل دراسة هذا الموضوع ، فقد قسمت البحث إلى محورين حيث تناول المحور الأول دور منظمة الأمم المتحدة في مناهضة التعذيب ، فيما تناول المحور الثاني آليات حماية الحق في عدم التعرض للتعذيب.

المحور الأول : دور منظمة الأمم المتحدة في مناهضة التعذيب

إن حظر التعذيب في القانون الدولي مطلق، شأنه في ذلك شأن حظر الرق أو الإبادة الجماعية، والتعذيب غير مسموح به تحت أي ظرف من الظروف، بما في ذلك في حالة الحرب أو حالات الطوارئ . وقد جعل الاعتراف العالمي به مبدأ أساسيا من مبادئ القانون الدولي العرفي، وهذا يعني أنه حتى الدول التي لم تصدق على أي من المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب ممنوعة من استخدامه ضد أي شخص و في أي مكان.

و حظيت جريمة التعذيب منذ نشأة حقوق الإنسان باهتمام خاص، وذلك من خلال سلسلة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية والإقليمية التي تشمل القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي، وكذا الدساتير والتشريعات الوطنية، التي تنص على تجريم التعذيب، لكن كان ذلك بصورة تدريجية، ففي مرحلة أولى، تم حظره من خلال الإعلانات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، واتفاقيات القانون الدولي الإنساني. أما في مرحلة لاحقة، انصبّ التوجه نحو تجريم التعذيب من خلال وضع اتّفاقية دولية خاصّة بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة سنة 1984. و يقع على عاتق الدول بموجب هذه النصوص عدة التزامات تتمثّل أساسا في ضرورة إدماجها في القوانين الوطنية وتطبيقها ، والسهر على عدم إفلات كل من يخالف نصوصها من العقاب.

1 – إعلانات الأمم المتحدة للوقاية من التعذيب

اهتمت منظمة الأمم المتحدة منذ إنشائها بمسألة حقوق الإنسان، وخاصة في الحق المتعلق بعدم التعرض للتعذيب، وذلك من خلال ميثاقها وبعض الوثائق التي صدرت عنها، وارتكزت المنظمة على صياغة منظومة قانونية مكونة من أحكام، وآليات عمل تعتمد على التقارير والشكاوى ولجان مراقبة، وقضاء دولي اكتملت مؤسساته بدخول نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ. كما سعى المجتمع الدولي إلى تضمين التشريعات الداخلية للدول قواعد دستورية وقانونية من شأنها أن تضمن حق الإنسان في عدم التعرض للتعذيب، والمعاملات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وقد اعتمدت لهذا الغرض قواعد عالمية تطبق على الجميع.

و قد صدرت عن الأمم المتحدة مجموعة من الإعلانات والقواعد والمبادئ والمدونات، من أجل تحريم التعذيب ومنها : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وإعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

أ – الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

لقد ساهم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في تدعيم الفكرة التي تحاول إخراج حقوق الإنسان عن ما يسمى بالنطاق الداخلي المحفوظ وإخضاعها للقانون الدولي، إضافة إلى ذلك فإن الإعلان كان بمثابة الخطوة الأولى من جانب الأمم المتحدة لتعزيز حقوق الإنسان[1]، و كان أيضا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الأسبقية في النص على حظر التعذيب والمعاملات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، حيث نصت المادة الخامسة منه على أنه :” لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية”. أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة”[2].

فبالرغم من أن القيمة القانونية لهذا الإعلان كانت ولا تزال محل نقاش لكونه مجرد قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن القيمة الأخلاقية الكبيرة له جعلت من حظر التعذيب الذي جاء به قاعدة عرفية لها قيمة قانونية كبيرة لا يمكن إنكارها[3].

ب – إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري

أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر 1963 ( القرار 1904 د- 18 )، وقد أكد الإعلان رسميا على ضرورة تأمين فهم كرامة الإنسان واحترامها، وبالتالي فـمراعاة كرامة الإنسان واحترامها يرتبط بالضرورة بمسألة تحريم التعذيب[4].

ونصت المادة 7 من الإعلان على أن ” لكل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل الاثني، حق في الأمن على شخصه وفي حماية الدولة له من أي عنف أو أذى بدني يلحقه سواء من الموظفين الحكوميين أو من أي فرد أو أية جماعة أو مؤسسة”.

ج – إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

تم اعتماده من طرف الجمعية العامة في 09 ديسمبر 1975 ، ويعد خطوة هامة في إطار الجهود الدولية لمحاربة التعذيب والقضاء على كافة ممارساته، ويحتوي الإعلان على اثني عشر مادة تتضمن أحكاما حول تعريف التعذيب وأشكاله، واعتبار جميع أنواع التعذيب كما عرفتها المادة الأولى منه جرائم بموجب القانون الجنائي لكل دولة، وتنص المادة العاشرة منه على أن تقام الدعوى الجنائية ضد المتهم أو المتهمين بالجريمة وفقا للقانون الوطني، وأكدت المادة الحادية عشر على أهمية إنصاف وتعويض المجني عليه وفقا للقانون الوطني إذا ما تعرض لأي عمل من أعمال التعذيب ارتكب بفعل موظف عمومي أو بتحريض منه.

 ومن أجل أن تكون هناك متابعة مستمرة لتنفيذ أحكام الإعلان، فقد طلبت الجمعية العامة في قرارها 32-63 لعام 1977 من الأمين العام للأمم المتحدة بإعداد استبيان يعممه على الدول الأعضاء، حيث يطلب فيه معلومات عن الخطوات التي اتخذها بما في ذلك التدابير التشريعية والإدارية لتضع مبادئ الإعلان موضع التنفيذ[5].

2 – الوثائق الصادرة عن الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة

غالبا ما ترتبط مسألة التعذيب والمعاملات اللاإنسانية بحالات أخرى تتعلق بحقوق الإنسان، كالاحتجاز والتوقيف التعسفي والاختفاء القسري، وبحدوث هذه الانتهاكات يصبح احتمال حدوث التعذيب أكبر، وحالما يتعلق الأمر بالتعذيب تصبح المعاهدات ذات الاهتمام ملائمة للاستخدام عند الغرض.

أ – المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن 1988 :

لقد تم تبني هذه المبادئ من الأمم المتحدة في ديسمبر من عام 1988، بغرض حماية جميع الأشخاص الخاضعين للاحتجاز أو السجن مهما كان شكله، وينص المبدأ الأول منها على ضرورة معاملة الأشخاص المحرومين من حرياتهم معاملة إنسانية تحفظ من خلالها كرامتهم، ويحمل المبدأ منها السابع المسؤولية للدول في تحقيق

الغرض من هذه المبادئ[6].

ب – القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديل) :

أوصى باعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في جنيف عام 1955، وأقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وقد سـعت هذه القواعد إلى تحسـين ظـروف الاحتجـاز. وتنص القاعدة رقم 31 منها على تحريم العقوبة الجسدية والعقوبة بالوضع في زنزانة مظلمة، وأن أية عقوبة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة هي محظورة كليا كعقوبات تأديبية.

كما نصت القاعدة رقم 32 على “أنه لا يجوز في أي حين أن يعاقب السجين بالحبس المنفرد أو بتخفيض الطعام الذي يعطى له إلا بعد أن يكون الطبيب قد فحصه، وشهد خطيا بأنه قادر على تحمل مثل هذه العقوبة”.

وينطبق الأمر نفسه على أية عقوبة أخرى يحتمل أن تلحق الأذى بصحة السجين الجسدية أو العقلية. ولا يجوز في أي حال أن تتعارض هذه العقوبات مع المبدأ المقرر في القاعدة 31 أو أن تخرج عنه.
كما أنه يسمح للطبيب أن يقوم يوميا بزيارة السجناء الخاضعين لمثل هذه العقوبات، وأن يشير على المدير بوقف العقوبة أو تغييرها إذا رأى ذلك ضروريا لأسباب تتعلق بالصحة الجسدية أو العقلية.

ج – مدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين

اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 ديسمبر 1979 ، ومن خلال تسمية هذه المدونة، يظهر أنها موجهة فقط لضباط الشرطة، لكنها في الحقيقة موجهة لكل شخص معرض بحكم وظيفته للتعسف في استعمال السلطة المخولة له، والتي تؤدي إلى الانتهاكات المنصوص عليها في إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب.

وقد أكدت هذه المدونة على أن الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، في جميع الأوقات، أن يؤدوا الواجب الذي يلقيه القانون على عاتقهم، وذلك بخدمة المجتمع وبحماية جميع الأشخاص من الأعمال غير القانونية، على نحو يتفق مع علو درجة المسؤولية التي تتطلبها مهنتهم.

 وتنص المادة الخامسة منها على أنه : “لا يجوز لأي موظف من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يقوم بأي عمل من أعمال التعذيب، أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو أن يحرض عليه أو أن يتغاضى عنه، كما لا يجوز لأي من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يتذرع بأوامر عليا أو بظروف استثنائية، كحالة الحرب أو التهديد بالحرب، أو إحاقة الخطر بالأمن القومي، أو تقلقل الاستقرار السياسي الداخلي، أو أية حالة أخري من حالات الطوارئ العامة، لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”[7].

 د – مبادئ آداب مهنة الطب المتصلة بدور الموظفين الصحيين 1982

لقد كان موضوع حقوق الإنسان ودور مهنة الطب في حماية هذه الحقوق من أكثر اهتمامات الجمعية الطبية العالمية، التي سعت لسنوات عديدة من أجل سن قواعد يمكن من خلالها لمهنة الطب أن تساعد في حماية حقوق الإنسان، لاسيما دور الأطباء والموظفين الصحيين في حماية فئة ضحايا التعذيب والممارسات المشابهة له خاصة السجناء والمحبوسين[8].

وفي 18 ديسمبر 1982 ، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه المبادئ ، وينص المبدأ الثاني منه على أنه:

” يمثل مخالفة جسيمة لآداب مهنة الطب، وجريمة بموجب الصكوك الدولية المنطبقة، أن يقوم الموظفون الصحيون، ولا سيما الأطباء، بطريقة إيجابية أو سلبية، بأعمال تشكل مشاركة في التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو تواطؤا أو تحريضا على هذه الأعمال أو محاولات لارتكابها.”

وأبرزت هذه المبادئ على أنه من واجب الموظفين الصحيين المكلفين بالرعاية الطبية للمسجونين والمحتجزين ولا سيما الأطباء من هؤلاء الموظفين، أن يوفروا لهم حماية لصحتهم البدنية والعقلية ومعالجة لأمراضهم، تكونان من نفس النوعية والمستوى المتاحين لغير المسجونين أو المحتجزين[9].

المحور الثاني : آليات حماية الحق في عدم التعرض للتعذيب.

لقد ساهم القانون الدولي بما فيه منظمة الأمم المتحدة إلى وضع مختلف الآليات للحماية من التعذيب، وذلك بتشكيل هيئات قضائية دولية، تعمل لجانها على التّحقيق في مدى احترام قواعد القانون الدّولي الإنساني عن طريق فرض الرّقابة بموجب مختلف أجهزتها، حيث يكون النّظر بناء على شكاوى مباشرة وتحقيقات أمام هيئات رقابة مختصّة للوقاية من جريمة التعذيب.

ويمكن القول بأن آليات الحماية الدولية لحق الإنسان في عدم التعرض للتعذيب تتنوع وتختلف من حيث الكيفية التي نشأت بها، أو اختصاصاتها، فمنها ما نشأت في إطار الأمم المتحدة، ومنها ما أنشأتها اتفاقيات حقوق الإنسان للرقابة على تنفيذ التزامات الدول الأعضاء فيها، وأخرى أنشئت لهدف الوقاية من التعذيب.

1 – اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

أنشئت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب المادة ( 28 ) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لتكون آلية رقابة على تنفيذ أحكام العهد، وتتألف اللجنة من 18 خبير من مواطني الدول الأطراف في العهد ممن يشهد لهم بسمو الأخلاق والكفاءة في ميدان حقوق الإنسان[10].

ويعتبر حظر التعذيب من المسائل التي عالجتها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، ففي تعليقها على المادة 7 من العهد [11]، اعتبرت اللجنة أن الاكتفاء بتجريم التعذيب ليس تطبيقا كافيا للمادة 7 من العهد، بل يجب على الدول أن تضمن حماية الحق في عدم التعرض للتعذيب عن طريق آليات رقابة فعالة، كما عليها أن تتحرى وبعمق عن الادعاءات القائلة بوجود حالات تعذيب وسوء المعاملة على أراضيها[12].

وتجدر الإشارة هنا أنه لم يكن العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية سباقا إلى إقرار الحماية بواسطة آليات اللجان ، ذلك أن هيئة الأمم المتحدة مكنت المجلس الاقتصادي و الاجتماعي حق إنشاء لجان المتابعة والرصد و الحماية، حيث خولت المادة 68 من ميثاق الأمم المتحدة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي صلاحية إنشاء

اللجان المختلفة، ومنها لجنة حقوق الإنسان التي أنشأها سنة 1946[13].

وتبعا للمادة 40 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، و لذي بموجبـه تتعهـد الـدول الأطـراف فـي هذا العهد بتقديم تقارير عن التدابير التي اتخـذتها، والتـي تمثـل إعمـالا للحقـوق المعتـرف بهـا فيه، وعن التقدم المحرز في التمتع بهذه الحقوق، خـلال سـنة مـن بـدء نفـاذ هـذا العهـد إزاء الدول الأطراف المعنية، أو كلما طلبت اللجنة إليها ذلـك، تقـدم جميـع التقـارير إلـى الأمـين العام للأمم المتحدة، الذي يحيلها إلى اللجنة للنظر فيهـا.

ويمكن تلخيص مهام اللجنة فيما يلي :

أ – استلام ودراسة بلاغات

للجنة الحق في تلقي البلاغات والشكاوى من دول أطراف في العهد ، إذ يجوز لأي دولة طرف الإدعاء بأن دولة طرفا أخرى لا تفي بالالتزامات الواردة بهذا العهد طبقا للمادة 41 ، و لا يجوز استلام ودراسة البلاغات المقدمة بموجب هذه المادة إلا بتوفر الشروط التالية :

1 – ينبغي لجواز دراسة البلاغات صدور إعلان عن دولة المشكو منها تعترف فيه، في ما يخصها،  باختصاص اللجنة.

 2 – إذا رأت دولة طرف في هذا العهد إن دولة طرفا أخرى تتخلف عن تطبيق أحكام هذا العهد، كان لها أن تسترعى نظر هذه الدولة الطرف، في بلاغ خطي، إلى هذا التخلف. وعلى الدولة المستلمة أن تقوم، خلال ثلاثة أشهر من استلامها البلاغ، بإيداع الدولة المرسلة، خطيا، تفسيرا أو بيانا من أي نوع آخر يوضح المسألة وينبغي أن ينطوي، بقدر ما يكون ذلك ممكنا ومفيدا، على إشارة إلى القواعد الإجرائية وطرق التظلم المحلية التي استخدمت أو الجاري استخدامها أو التي لا تزال متاحة، فإذا لم تنته المسألة إلى تسوية ترضى كلتا الدولتين الطرفين المعنيتين، خلال ستة أشهر من تاريخ تلقى الدولة المستلمة للبلاغ الأول، كان لكل منهما أن تحيل المسألة إلى اللجنة بإشعار توجهه إليها وإلى الدولة الأخرى،

3 – لا يجوز أن تنظر اللجنة في المسألة المحالة إليها إلا بعد استنفاذ جميع طرق التظلم المحلية المتاحة ، ولا تنطبق هذه القاعدة في الحالات التي تستغرق فيها إجراءات التظلم مددا تتجاوز الحدود المعقولة.

ب – إجراءات النظر في البلاغات و الشكاوى

 ووفق المادة 41 دائما تعقد اللجنة جلسات سرية لدى بحثها ، مع إمكانية أن تعرض مساعيها الحميدة على الدولتين الطرفين المعنيتين، بغية الوصول إلى حل ودي للمسألة على أساس احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها في هذا العهد، و لها في أية مسألة محالة إليها، أن تدعو الدولتين الطرفين المعنيتين إلى تزويدها بأية معلومات ذات شأن.

وللدولتين الطرفين حق إيفاد من يمثلها لدى اللجنة أثناء نظرها في المسألة، وحق تقديم الملاحظات. وعلى اللجنة أن تقدم تقريرا في غضون اثني عشر شهرا من تاريخ تلقيها الإشعار ، فإذا تم التوصل إلى حل يتفق اقتصرت في تقريرها على عرض موجز للوقائع وللحل الذي تم التوصل إليه، وإذا لم يتم التوصل إلى حل عرضت في تقريها موجز للوقائع، وضمت إلى التقرير المذكرات الخطية ومحضر البيانات الشفوية المقدمة من الدولتين الطرفين المعنيتين. ويجب، في كل مسألة، إبلاغ التقرير إلى الدولتين الطرفين المعنيتين[14].

جـ – تعيين هيئة توفيق خاصة

إذا تعذر على اللجنة حل مسألة أحيلت إليها وفقا للمادة 41 حلا مرضيا للدولتين الطرفين المعنيتين، جاز لها تطبيقا للمادة 42 من العهد ، بعد الحصول مسبقا على موافقة الدولتين الطرفين المعنيتين، تعيين هيئة توفيق خاصة ، تضع مساعيها الحميدة تحت تصرف الدولتين الطرفين المعنيتين، بغية التوصل إلى حل ودي للمسألة على أساس احترام أحكام هذا العهد الدولي.

و تتألف الهيئة من خمسة أشخاص تقبلهم الدولتان الطرفان المعنيتان، فإذا تعذر وصول الدولتين الطرفين المعنيتين خلال ثلاثة أشهر إلى اتفاق على تكوين الهيئة كلها أو بعضها، تنتخب اللجنة من بين أعضائها بالاقتراع السري وبأكثرية الثلثين، أعضاء الهيئة الذين لم يتفق عليهم يعملون بصفتهم الشخصية. ويجب ألا يكونوا من مواطني الدولتين الطرفين المعنيتين، أو من مواطني أية دولة لا تكون طرفا في هذا العهد ، وتوضع المعلومات التي تلقتها اللجنة وجمعتها تحت تصرف الهيئة، التي يجوز لها أن تطلب إلي الدولتين الطرفين المعنيتين تزويدها بأية معلومات أخرى ذات صلة بالموضوع.

و تقوم الهيئة، خلال مهلة لا تتجاوز اثني عشر شهرا بعد عرض المسألة عليها، بتقديم تقرير إلى رئيس اللجنة، فإذا قدمت الهيئة تقريرها تقوم الدولتان الطرفان المعنيتان، في غضون ثلاثة أشهر من استلامهما هذا التقرير، بإبلاغ رئيس اللجنة بقبولهما أو رفضهما مضامين تقرير الهيئة. وفيما يتعلق بنفقات أعضاء اللجنة، فإنه تتقاسم الدولتان الطرفان المعنيتان بالتساوي سداد جميع النفقات، على أساس تقديرات يضعها الأمين العام للأمم المتحدة. وللأمين العام للأمم المتحدة سلطة القيام، عند اللزوم، بدفع نفقات أعضاء الهيئة قبل سداد الدولتين الطرفين المعنيتين لها[15].

ولتجاوز السلبيات التي رافقت عمل لجنة حقوق الإنسان بسبب الازدواجية في تقاريرها وطريقة اختيار أعضائها ، وفي ضوء السعي المتزايد لإصلاح الأمم المتحدة ومؤسساتها ولتفعيل احترام مبادئ حقوق الإنسان، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 مارس 2006 مجلس حقوق الإنسان بموجب القرار 60/251. وبعد عام من إنشائه، اعتمد المجلس “حزمة بناء المؤسسات” الخاصة به لتوجيه عمله وإنشاء إجراءاته وآلياته.

ومن بين هذه الإجراءات والآليات، آلية الاستعراض الدوري الشامل التي تُستخدم لتقييم أوضاع حقوق الإنسان في جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، و اللجنة الاستشارية التي تُستخدم باعتبارها “الهيئة الفكرية” للمجلس التي تزوده بالخبرات والمشورة بشأن القضايا المرتبطة بمجال حقوق الإنسان، و إجراء الشكاوى سواء كانت من طرف الفرد أو مجموعة من الأفراد أو من طرف منظمات غير حكومية، وذلك في حالة الاعتداء على السلامة الجسدية أو النفسية من طرف دولة عضو في المجلس[16].

2- لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب

أنشئت لجنة مناهضة التعذيب بموجب المادة 17 من اتفاقية مناهضة التعذيب، وتتألف من 10 خبراء مستقلين من ذوي الاختصاص في ميدان حقوق الإنسان، والمشهود لهم بالنزاهة في هذا المجال طبقا لنص المادة 17 من الاتفاقية، وينتخبون بالاقتراع السري لمدة أربع سنوات ويراعى في اختيارهم التوزيع الجغرافي العادل، كما أضافت الفقرة الثانية من المادة ( 17 ) أنه من الفائدة ترشيح أشخاص يكونون أعضاء في اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المنشأة بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ولديهم الرغبة للعمل في لجنة مناهضة التعذيب[17].

وقد تم عقد الاجتماع الأول لأعضاء اللجنة في أبريل 1988، حيث قامت هذه اللجنة في هذا الاجتماع باعتماد نظامها الداخلي، وتحديد نطاق عملها طبقا لأحكام الاتفاقية التي أنشئت بموجبها. كما تم بحث بعض المسائل الإجرائية، وكذا تقرير عقد دورتين في عام 1989 . كما أنه بإمكان هذه اللجنة وفقا للمادة 62 من نظامها الداخلي أن توجه الدعوة إلى الوكالات المتخصصة وهيئات الأمم المتحدة، والمنظمات الحكومية الدولية الإقليمية والمنظمات غير الحكومية المهتمة بمجال عملها[18].

وتلتزم جميع الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب بتقديم تقارير منتظمة إلى اللجنة عن كيفية إعمال الحقوق، ويجب على الدول أن تقدم تقريراً أولياً بعد سنة من انضمامها إلى الاتفاقية، ثم تقارير دورية كل أربع سنوات، وتفحص اللجنة كل تقرير وتوافي الدولة الطرف ببواعث قلقها وتوصياتها في شكل “ملاحظات ختامية”[19]. ويمكن تلخيص اختصاصات اللجنة فيما يلي :

  • مراجعة التقارير بصفة دورية: وفقا لنص المادة 19 من اتفاقية مناهضة التعذيب، تتكفّل اللجنة بمراجعة التقارير كل 4 سنوات، كما يمكن للجنة أن تطلب إيضاحات إضافية، بالإضافة إلى إعدادها لتعليمات عامة على كلّ تقرير، وتصرّح الدول المعنية بمضمون تلك التعليقات، كما تتلقى اللجنة بدورها ردودا على تلك الملاحظات[20].
  •  التحقيق في ممارسات التعذيب: بالعودة إلى نص المادة 20 من اتفاقية مناهضة التعذيب نجد أنّه إذا تلقت لجنة مناهضة التعذيب معلومات موثوق بها، يبدو لها أنّها تتضمن دلائل لها أساس قوي تشير إلى ممارسة التعذيب بشكل منتظم في أراضي دولة طرف، تدعو اللجنة تلك الدولة للتعاون في دراسة هذه المعلومات وتقديم ملاحظات بشأنها.

ويجوز للجنة في هذه الحالة أن تقرر إجراء تحقيق، بما في ذلك القيام بزيارة إلى الدولة المعنية، وذلك بناء على موافقة تلك الدولة، وعلى اللجنة أن تحيل النتائج التي تم التوصل إليها من طرف أعضائها إلى الدول الأطراف، مع تقديم تعليقات واقتراحات بشأن الوضع القائم.

وتكون إجراءات اللجنة سرية أثناء قيامها بمثل هذا التحقيق، كما يجوز لها أن تقرر إدراج بيان ملخص لنتائج هذه الإجراءات في تقريرها السنوي إلى الدول الأطراف[21].

ج- تلقي الشكاوى: تملك اللجنة صلاحية تلقي شكاوى الدّول والأفراد، ففيما يخص استلام شكاوى الدول عن ممارسة التعذيب، فإنه بموجب نص المادة 21 من اتفاقية مناهضة التعذيب، يجوز لأيّة  دولة طرف في هذه الاتفاقية أن تعلن، في أي وقت بموجب هذه المادة، أنها تعترف باختصاص لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، في أن تتسلم بلاغات تفيد أن دولة طرفا تدعي أن دولة طرف أخرى لا تفي بالتزاماتها، بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب في أن تنظر في تلك البلاغات. ولا يجوز تسلم البلاغات والنظر فيها وفقا للإجراءات المبينة في المادة 21، إلا في حالة تقديمها من دولة طرف أعلنت اعترافها باختصاص اللجنة فيما يتعلق بها نفسها.

أما فيما يخص استلام البلاغات الفردية عن ممارسة التعذيب، فإنه وبالعودة إلى نص المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب، فإنه يجوز لأية دولة طرف في الاتفاقية، أن تعلن في أي وقت، أنها تعترف بمقتضى هذه المادة، باختصاص اللجنة في تسلم ودراسة بلاغات واردة من أفراد أو نيابة عن أفراد يخضعون لولايتها القانونية، ويدعون أنّهم ضحايا لانتهاك دولة طرف في أحكام الاتفاقية، ولا يجوز للجنة أن تتسلم أي بلاغ إذا كان يتصل بدولة طرف في الاتفاقية لم تصدر مثل هذا الإعلان[22].

وقد أقرت اللجنة في دراستها لبعض تقارير الدول، أن هناك تعرض لبعض الأشخاص المتواجدين في سجون حكوماتهم للتعذيب، وذلك بسبب آرائهم ونشاطاتهم السياسية.

خاتمة

أصبحت مناهضة التعذيب والتصدي له إحدى القضايا الجوهرية التي تستأثر باهتمام القانون الدولي، وقد تجسدت الجهود المبذولة في عدد من النصوص على المستوى الدولي والإقليمي، فعلى المستوى الدولي تم التأكيد على حظر التعذيب في كل من القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث أكد ميثاق الأمم المتحدة في ديباجته على كرامة الإنسان، وانطلقت من ذلك كل الإعلانات والمدونات والقواعد الصادرة عنها والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان، فأكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 على تحريم التعذيب في المادة الخامسة منه، وكذلك في العديد من نصوص الاتفاقيات الدولية، منها المادة السابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 ، والمادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، والمادة الثانية من الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لعام 1973.

وكل هذه الوثائق الدولية تناولت هذا الحظر في الإطار العام لفكرة حقوق الإنسان، بينما هناك وثائق قانونية عالجت مسالة حظر التعذيب من جميع جوانبها، فضلا عن تحديد آليات الحماية وحقوق الضحايا وهذا ما ينطبق على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984.

إن المواثيق الدولية قد حرمت التعذيب بشكل مطلق، ولم ترد أية استثناءات عليه وخلقت عدة آليات لمراقبة مدى التزام الدول بتنفيذ تعهداتها، بالإضافة إلى عدد مهم من الآليات التي أنشأتها الأمم المتحدة، من أجل التشجيع على احترام حقوق الإنسان، ومراقبة الدول وحثها على ضمان تلك الحقوق للأشخاص الخاضعين لولايتها منها لجنة حقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب.

وبالرغم من أن أغلب الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان نصت على أن الحق في عدم التعرض للتعذيب هو من الحقوق المطلقة، التي لا تقبل الاستثناء مهما كانت الظروف التي تمر بها الدولة، إلا أن الدول لا تزال تلجأ إلى الظروف الاستثنائية كوسيلة لتبرير ما تقوم به من انتهاكات صريحة لهذا الحق، لذا فإن حالات الطوارئ والظروف الاستثنائية لا تزال من أهم العقبات القانونية، التي تواجه حظر التعذيب، خاصة في حالات النزاعات المسلحة.

و بناءا على ما تقدم، فإنه يجب توسيع تعريف التعذيب الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب والمعاملات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ليشمل كل ما يمثل مساسا بكرامة الإنسان على جميع المستويات ومهما كانت الأهداف. كما يلزم دعم آليات الحماية على المستوى الدولي والإقليمي، والعمل كذلك على أن تعلن الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب قبولها لاختصاص لجنة مناهضة التعذيب، المنصوص عليها في المادتين 21 و 22 ، و تضمين الاتفاقية نصا يحظر بصفة مطلقة التحفظ على أي نص من النصوص التي تضمنتها.


1 – صالح محمد محمود بدر الدين، الالتزام الدولي بحماية حقوق الإنسان، دار النهضة العربية ،القاهرة، مصر، 1997 ، ص 49

[2]  – محمد يوسف علوان، محمد خليل الموسى، القانون الدولي لحقوق الإنسان، الجزء الثاني ( الحقوق المحمية )، دار الثقافة للنشر والتوزيع، . بدون سنة، ص 174

[3]  – Love Kellberg, torture: International Rules and Procedures, edited by Bertil Duner, Zed Books, London and

New York, p 7.

[4]  – طارق عزت رخا، تحريم التعذيب والممارسات المرتبطة به، دار النهضة العربية ،القاهرة، مصر، 1999 ، ص 331 ،330

[5]  – محمد عبد العزيز، حقوق الإنسان ومعايير وقواعد الأمم المتحدة في العدالة الجنائية، منشورة في كتاب حقوق الإنسان ، المجلد الثاني، إعداد شريف بسيوني وآخرون، الطبعة الثانية، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 1998 ، ص 268.

[6]  – المبدأ 1 ، مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن اعتمدت ونشرت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 43/173 المؤرخ في 9 ديسمبر 1988.

[7]  – المادة 5 – مدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين 1979.

[8]  – Haut commissariat des nations unis aux droits de l’homme ,Protocole d’Istanbul , Manuel pour enquêter efficacement sur la torture et autres peines ou traitement inhumains ou dégradents , série sur la formation professionnelle n 8 , Nations unis , New York et Genève , 2001, p 12.

[9]  – المبدأ 1 ، مبادئ آداب مهنة الطب المتصلة بدور الموظفين الصحيين، ولا سيما الأطباء، في حماية المسجونين والمحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية 1982.

[10]  –  Haut commissariat des droits de l’homme, Protocol D’Istanbul, Op.cit, p 5.

[11]   تنص المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه  “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر.”

[12]  – Haut commissariat des droits de l’homme, Protocol D’Istanbul, Op.cit, p 6.

[13]  –  عبد المنعم بن أحمد،  اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في ظل مهام اللجنة الدولية لحقوق الإنسان و صلاحيات مجلس حقوق الإنسان، دفاتر السياسة والقانون العدد الرابع / 2011 جامعة زيان عاشور الجلفة( الجزائر).

[14]   – المادة 41 ، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966.

[15]   – المادة 42 ، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966.

[16]   الموقع الرسمي للأمم المتحدة – مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، تاريخ الزيارة : 20/03/ 2018 http ://www.ohchr.org

[17]  – Malcolm N. Shaw, International Law , Cambridge Univercity Press, New York , fifth edition , 2003 , p 303.

[18]  – طارق عزت رخا، قانون حقوق الإنسان، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، دون سنة نشر، ص 202، 201.

  –  [19]  الموقع الرسمي للأمم المتحدة – مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان،  تاريخ الزيارة : 20/03/ 2018 http ://www.ohchr.org

[20]  – اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة 1984 – المادة 19 الفقرة 1.

[21]   – انظر المادة 20 من اتفاقية مناهضة التعذيب 1984 .

[22]  – انظر المادة 22 (الفقرة 1) من اتفاقية مناهضة التعذيب 1984 .

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *