الحماية الجنائية لافشاء السر المهني بين مدونة الشغل

الحماية الجنائية لافشاء السر المهني بين مدونة الشغل والقانون الجنائي

الزهرة تومي     

              طالبة باحثة في سلك الدكتورة

بجامعة محمد الخامس أكدال الرباط

تقديم :

                ظل كتمان السر من أصعب الأمور على الإنسان لأسباب متعددة، ونظرا لما يرتبه الإفشاء الأسرار من أضرار وخيمة، كان لا بد من تجريم إفشائه التزاما بقواعد الدين[1] والأخلاق و الضمير وتحقيقا لمصالح الفرد والمجتمع.

                ومن المتفق عليه بين فقهاء أن التجريم إفشاء بعض الأسرار المهنية معروفة منذ القدم فالالتزام بالمحافظة عليه أضحى واجبا أخلاقيا يتخذ صورة قاعدة أخلاقية، بل واجبا قانونيا يرتب جزءا جنائيا[2].

                لما كانت حماية حقوق ومصالح المجتمع وأفراده هي الهدف الذي ينشده القانون، فإن وسائل وآليات هذه الحماية تختلف بحسب طبيعة الحقوق والمصالح التي يتصدى القانون لحمايتها ’ فمنها ما تكون وسيلة حمايته توفير العلانية له، ومنها ما تكون وسيلة حمايته إحاطته بإطار من السرية . فوسيلة الحماية بتوفير العلانية هي توفير العلم للكافة بحق صاحب الشأن حتى لا يتعدى أحد على حقه أو ينازعه إياه و وسيلة حماية الحقوق والمصالح المحاطة بالسرية هي أن تبقى طي الكتمان وألا يفشيها المؤتمن عليها[3].

                ويعد موضوع الحماية الجنائية لإفشاء السر المهني من أدق وأصعب مواضيع القانون الجنائي وأكثر غموضا وتعقيدا وذلك راجع لارتباط الوثيق  بين الحماية الجنائية لسري المهني والحياة الخاصة للأفراد من جهة وباقي فروع القوانين من جهة أخرى خصوصا تلك المنظمة لمجال الشغل , صعوبة ظهرت في هذا الموضوع تعود إلى تحديد الأساس القانوني الذي يقوم عليه . إذ يرى أحد الفقهاء في نظرية العقد أساسا لهذا الالتزام , في حين تبني اتجاه أخر نظرية النظام العام بينما اعتبر اتجاه آخر أن أساس هذا الأخير يقوم على المصلحة التي تتجلى في الحفاظ على المصالح المحمية لرئس المقاولة…. وبالتالي إذا كان المشرع قد أقر مجموعة من الحقوق لفائدة الأجير، وقام بحمايتها جنائيا في كل ما يمس بها فإنه بمقابل ذلك وضع مجموعة من الالتزامات على عاتقه من أجل استقرار علاقة الشغل[4].

                ويعتبر إفشاء الأسرار المهنية من قبل الأخطاء الجسيمة التي تبرر الفصل إثرها وذلك بدون إخطار أو تعويض عن ذلك الفصل الذي جاء نتيجة لإفشاء أحد الأسرار المهنية  المتعلقة بالمقاولة التي يشتغل فيها الأجير.

                اذ أن المشرع قد أقر مجموعة من حقوق للأجير أثناء سريان علاقة الشغل وعمل على حمايتها جنائيا تجاه كل ما يمس بها من طرف المشغل بالمقابل وضع مجموعة  من التزامات على عاتق الأجير لأجل استمرار علاقة الشغل وقام بحمايتها جنائيا.

                بما أن هذا الأخير يعتبرمن الالتزامات المتعلقة بالمقاولة التي يشتغل بها الأجير. فانه يثار حوله مجموعة التساؤلات : عن مدى حماية المشرع لإفشاء السر المهني من خلال القانون الجنائي ومدونة الشغل؟

  • مدى قدرة ونجاعة المقتضيات القانونية ذات الصلة بحماية السر المهني في توفيق بين مصالح الأطراف العلاقة الشغلية؟
  • وماهي إجراءات  المتابعة القضائية والجزاء المحدد لجريمة إفشاء السر المهني؟

 المبحث الأول : جريمة إفشاء الأسرار المهنية

المبحث الثاني : المسطرة المتبعة والآثار المترتبة عنها

المبحث الأول : جريمة إفشاء الأسرار المهنية

المطلب الأولى : حماية إفشاء السر المهني

إن السر المهني بلا منازع ضرورة علمية وتدبيرية خاصة إذا تعلق الأمر بأعمال وخدمات حساسة للشركة، فلكل عمل أسراره التي يتفانى صاحبه في إخفائها عن الغير حتى لا يعرض نفسه للمنافسة الغير المشروعة والتشويش على سمعته.

و عليه ينص الفصل 447 ق.ج على ما يلي :” لكل مدير أو مساعد أو عامل في المصنع إذا أفشى أو حاول إفشاء أسرار المصنع الذي يعمل به سواء كان ذلك الإفشاء إلى أجنبي أو إلى مغربي مقيم في بلد أجنبي يعاقب  بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من مائة وعشرين إلى عشرة آلاف درهم.

وإذا أفشى هذه الأسرار إلى مغربي مقيم بالمغرب فعقوبته الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين والغرامة من مائة وعشرين إلى مائتين وخمسين درهما ويحكم بالحد الأقصى المقرر في الفقرتين السالفتين حتما إذا كانت الأسرار متعلقة بمصنع السلاح أو الذخيرة الحربية مملوك للدولة.

في جميع الأحوال يجوز أن يحكم على مرتكب الجريمة بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من 5 إلى 10 سنوات”.

                فمن خلال هذا النص يتبين لنا أن المشرع المغربي أولى اهتمامه أيضا بأسرار المقاولة التي تشكل خطورة كبيرة على تقدمها وتطورها وكذا على استمراريتها ففرض لها حماية جنائية تقيها خطر إفشاء سر الصنع الذي هو السبيل للحفاظ على حياة المقاولة المهددة  بالمنافسة، فالحفاظ على أسرار المقاولة ما هو إلا حماية لها من المنافسة. فإلى جانب تجريم هذا الفعل من خلال نص القانون الجنائي فإنه حسب مدونة الشغل يشكل خطأ جسيما يبرر فصل الأجير من شغله حسب مقتضيات المادة 39 م.ش بدون إخطار، ولا تعويض.

فجريمة إفشاء الأسرار المهنية تفرض علينا أولا التطرق إلى دراسة السر محل الحماية الجنائية(الفقرة الأولى), ثانيا صفة الفاعل في هذه الجريمة (الفقرة الثانية) ثم ثالثا تحديد الأركان المكونة لها(الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى : السر محل الحماية الجنائية

يمكن تعريف إفشاء السر بأنه الإفصاح عن أسلوب أو طريقة مهنية للتصنيع, لها لأهمية عملية أو تجارية والتي تستعمل من طرف الأجير الملزم بإخفاء هذا الأسلوب أو الطريقة عن منافسيه الذين لا يعرفون أي شيء عنه[5]. وهذا السر المهني يعتبر من أسرار الصنع التي  حصل عليها نتيجة شغله والتي لا يمكن أن تصل إلى علم الغير لأنها تتعلق بالمقاولة المشغلة والتي تهدف من خلال أسرارها المحافظة على طريقة الإنتاج والصنع التي دائما تكون محل منافسة الغير المشروعة. فسمات جريمة إفشاء سر الصنع تنتظم في صيغة بسيطة كما يلي : – فالحماية الجنائية لا تسري إلا على مناهج أو أساليب الصنع المحتفظ بها كسر في مواجهة المنافسين أي كل المعلومات والمعارف التي ليست حرة وسهلة البلوغ مما يفيد أن الإفصاح بالمواد أو المنتوج نفسه لا يشكل جريمة معاقبة[6].

إلا أنه حسب الفصل 447 ق.ج، فإنه لا يشترط أن يسفر الإفشاء عن نتيجة معينة فهو معاقب جنائيا ولو لم يصب الضحية ‘ المشغل ‘ بضرر ذو قيمة عكس ما جاء في مدونة الشغل إذ لكي يعتبر إفشاء السر المهني كخطأ جسيما يبرر الفصل حسب المادة 39م.ش، فإنه يجب  على المشغل أن يثبت أن الأجير قد أفشى إلى الغير سرا مهنيا يتعلق بالشغل وأن هذا الإفشاء قد تضررت منه المقاولة وبالتالي فإن الفصلين

معا يتفقان على كون إفشاء سر الصنع هو دائما فعل مجرم يهدد بمجرد البوح به حياة المقاولة.

إلا أنه يثار إشكال يتمثل في الاختراع الذي يتوصل له الأجير هل يدخل ضمن السر المهني أم لا يرى بعض الفقه الفرنسي[7] أنه ‘إذا كان الأجير المفشي قد اشتغل فقط في مختبر تابع للمقاولة التي يرتبط مع رئيسها بعقد الشغل وتحت إدارة هذا الأخير، فإن السر هنا والذي يتمثل في أن هذا الأخير الذي توصل إليه الأجير و الذي  ينتج عن الأعمال المنجزة هو في ملكية المشغل وإفشاؤه للأجانب عن المؤسسة يعد معاقبا جنائيا، وعلى العكس من ذلك يكون للأجير حق على الأسرار المرتكزة على مبادرة الفردية ، وخارج اختصاصاته المهنية وهذا الحق يثبت للأجير ولو زوده المشغل بالآلات أو الأدوات واليد العاملة لان الفكرة المبتكرة ترجع

إلى الأجير والدعم المادي من طرف المشغل لا يخوله حق الملكية للسر المكتشف أو الملكية المشتركة له.

الفقرة الثانية : صفة الفاعل في جريمة إفشاء سر المصنع

ومما لا شك فيه أن الاحتفاظ  بأسرار المهنة من الالتزامات التي تحتم حسن النية في تنفيذ عقد الشغل ، فالأجير تبعا للشغل المنوط به قد يطلع على أسرار خاصة بالمقاولة تكسبه الوسيلة التي يمكن أن يستعملها ضد مشغله وذلك قصد الضغط عليه من أجل تحقيق بعض المطالب المهنية .ويعتبر الميدان الصناعي أكثر الميادين تعرضا لهذا النوع من الضغوط وهو تهديد قد يؤدي بالمشغل إلى الإذعان لبعض المطالب لأن إفشاء السر المهني سيعرضه مبدئيا للضرر[8]. وزيادة على ذلك فالمادة 447. ج لا تأخذ كأساس في التجريم إلا صفة

الجاني دون المجني عليه الضحية(رئيس المقاولة)، وحسب منطوق هذا الفصل يعاقب كل مدير… ألا يكون غير هؤلاء الأشخاص أي لا يمكن أن يخرج عن إطار علاقة الشغل كما هو محدد في الفصل السابق ذكره، لكن ما يمكن أن نستنتجه من الفصل أيضا هو أنه حاول أن يقتصر الجزاء الجنائي فقط على المرحلة التي تبقى فيها علاقة الشغل قائمة بين الأطراف وذلك بنصه ”…. إذا أفشى أو حاول إفشاء أسرار المصنع الذي يعمل به….” وبالتالي فإن الأجراء الذين لا زالوا تحت تبعية المشغل هم المسؤولون عن المحافظة على السر المهني الذي اطلعوا عليه بمناسبة شغلهم، إلا أن اقتصار الجزاء الجنائي على هذه الفترة ينقص من الحماية الجنائية المقررة لحماية المقاولة التي تبقى مهددة حتى ولو لم يستمر عقد الشغل، وذلك لأن السر المهني هو دائم لها فإن تجريم إفشاء السر المهني لا بد أن يطال حتى المذنب بعد انتهاء علاقة الشغل[9].

إلا ان التجريم المرتبط ب‘إفشاء أسرار الصنع قد يطرح مشكلا عندما يكون الأجير المرتكب لهذا الفعل مرتبط بالمقاولة المشتغلة له بواسطة مقاولة التشغيل المؤقت. فهل يعاقب بمقتضى الفعل 447 ق.أم لا؟

 بالرجوع للفعل 447 ق.ج نجده يتحدث عن المدير والمساعد والأجير أي أن المشرع يطلب لتوقيع العقاب وجود نوع من التبعية بين الأجير المذنب والمشغل، وهذا المعيار يؤدي إلى استبعاد الأجير المؤقت الذي لا

تربطه علاقة تبعية إلا مع مقاولة التشغيل المؤقت[10].

                أيضا يثار مشكل أخر يتمثل في تحديد طبيعة السر المهني المضمن في الفصل 447 ق.ج وكذا في

المادة 39 م.ش التي اعتبرته خطأ جسيما يبرر الفصل فهذا المشكل يظهر في الحالة التي يطلب فيها المشغل طبيب الشغل أن يبين له الوقائع ذات الارتباط بالحالة الصحية للأجير، وهذا ما يجعل الطبيب أمام وضعيات قانونية مختلفة، وذلك نجعا لما إذا كان طلب الفحص وارد من طرف الأجير أو من طرف المشغل بشأن الوقاية أو مراقبة ليصعب آنذاك التوفيق بين المعلومة التي تفيد الوقائع التي جعلت الأجير عاجز مؤقتا أو دائما عن أداء الشغل، وبين حق الأجير في الاحتفاظ بالسر الذي يهم صحته، ولقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى مؤاخذة الطبيب الذي بلغ المشغل بتقرير يتضمن معلومات شخصية بشان الأجيرة التي تكلف بفحصها[11].

المطلب الثاني : عناصر جريمة الإفشاء السر المهني

                يشترط لثبوت جنحة إفشاء السر المهني توافر عنصرين : أولهما مادي المتمثل في فصل الإفشاء، الذي يسمح للأغيار بمعرفة مفصلة للمعلومات الخاصة بصناعة ما، والمحتفظ بها كسر خاص بالمؤسسة أما العنصر الثاني فيتجلى في الركن المعنوي في صورة القصد العام المبني على العلم والإرادة. وسنحاول التطرق إليهما من خلال :

الفقرة الأولى : الركن المادي لجريمة الإفشاء السر المهني

حسب الفصل 447 ق.ج فإن الركن المادي لجريمة إفشاء السر المهني يتحدد من خلال إفشاء هذا السر الذي توصل له المفشي تبعا للشغل الذي يمارسه فهذه الجريمة تتحقق بنقل السر المهني إلى الغير لفائدة استغلاله مما يستثنى معه الحالة التي ينقل فيها  الاجير  السر لنفسه ماذم عقد الشغل مازال قائما أننا نرى أنه ما إذا انتهت العلاقة الشغلية فأن هذا الأجير يصبح في حكم الغير وبالتالي يسر عليه المنع أي تجريم الفعل الذي قام به، وتقوم هذه الجريمة سواء كان ذلك الإفشاء لفائدة أجنبي أو مغربي مقيم في بلد أجنبي أو مغربي مقيم بالمغرب وهذا التميز من حيث الجنسية ماهو إلا عنصر مشددا للعقوبة التي تختلف بينما إذا كان القائم بها أجنبي أو مغربي في الخارج او مغربي مقيم بالمغرب، أما من نقل له الخبر فإن الفصل 447 ق.ج لم يحدد صفته أو المهنة التي يقوم بها، وبالتالي يبقى العنصر المهم في تحقيق هذه الجريمة هو المفشي للسر. ونظرا الخطورة هذه الجريمة فان المشرع الجنائي لم يعاقب على الجريمة التامة بل عاقب أيضا على مجرد محاولة ارتكاب جريمة إفشاء السر المهني وذلك بذكره في الفقرة الأولى من الفصل 447 ”… إذا أفشى أو حاول إفشاء أسرار المصنع الذي يعمل به….” مما يؤدي إلى توسيع دائرة التجريم إلا أنه بالتمعن أكثر في مقتضيات الفصل يتضح لنا أن عقوبة محاولة ارتكاب هذه الجريمة هو قاصر على نقل هذا السر لفائدة الأجانب المغاربة المقيمين بالخارج وبذلك تكون محاولة نقل السر المهني لفائدة المغاربة المقيمين بالمغرب غير معاقب عليه جنائيا، أنه بالرغم من تحقق كل العناصر السابق ذكرها فإنه لا بد أن يكون الأجير المفشي للسر عالما بسريته وكذا بخطورته على المقاولة وأن يأتيه عمدا أي قصد ارتكابه.

فرغم أن المشرع المغربي قد عاقب جنائيا على إفشاء الأسرار المهنية بواسطة الفصل 447 ق.ج فإنه لم يشترط في هذه الحالة تحقق عنصر الضرر هذا عكس ما نجده في المادة 39ح.ش التي اشترطت لتحقق جريمة إفشاء السر المهني وبالتالي اعتبارها خطأ جسيما يبرر فصل الأجير فصلا مبررا فإن الأمر لا يتعلق بإفشاء السر المهني فقط بل أن ينتج عنه بالإضافة إلى ذلك ضرر للمقاولة مما يجعلنا أمام ثلاثة عناصر وهي : إفشاء السر المهني، و‘ن يحدث ذلك ضرر للمقاولة، وأن يرتكب خارج المقاولة مدام هذا السبب لم يذكر ضمن الأخطاء المرتكبة داخل المقاولة.

الفقرة الثانية: الركن المعنوي

لا يكفي لقيام مسؤولية الأجير الجنائية في جريمة إفشاء السر المهني من الناحية القانونية، يأتي الأجير بالفعل المادي للجريمة فقط بل لا بد أيضا من توفر الركن المعنوي[12] وتعتبر جريمة إفشاء السر المهني من الجرائم العمدية، والتي يأخذ ركنها المعنوي صورة القصد ويترتب على ذلك أن جريمة إفشاء السر لا يعاقب عليها جنائيا نتيجة الإهمال أو عدم الاحتياط في المحافظة على السر[13] فالقصد الجنائي المتطلب في جريمة إفشاء السر المهني هو القصد العام، بالتالي فإنه لا يعاقب عليه في     الحالات التي يقصد فيها الجير

إفشاء أسرار المصنع وذلك لعدم توافر  عنصرا لإرادة، وإنما يعاقب على ذلك مدنيا بالتعويض.

                وقد ثار نقاش حول توافر نية الإضرار (القصد الخاص) لصاحب السر، بمعنى أن يكون قد قصد نية الإضرار.

                لقيام جريمة الإفشاء على عدة أسباب منها :

  • أن المشرع الفرنسي قد قصد في تجريم إفشاء السر حماية خاصة لصاحبه، فإذا لم يتوفر قصد الإضرار أركان هذا دليلا على انعدام أهمية السر.
  • إن جريمة الإفشاء لها طبيعة مماثلة لجرائم القذف والسب التي تتطلب نية الإضرار وذلك يتضح من خلال وضع المشرع الفرنسي لهذه الجريمة بين جرائم القذف والسب.

وقد أيدت المحاكم الفرنسية في البداية هذا الرأي لكن سرعان ما عدلت عن اشتراط نية الإضرار حيث نصت المادة 378 من قانون العقوبات الفرنسي عام ومطلق ويعاقب على كل إفشاء لسر المهني، بحيث أن المشرع قصد من فرض الالتزام بالسرية على بعض الأشخاص تأكيد الثقة دون أن يكون من الضروري توافر قصد الإضرار لدى المتهم.             

                وبالتالي فإن جريمة الإفشاء السر المصنع تقوم على ضرورة توافر القصد العام دون الخاص حيث يكفي العلم والإرادة للمعاقبة على الإفشاء.

  1. العلم :يتطلب هذا الركن افتراض وضرورة وجود العلم لدى الأجير بأن السر المودع لديه بحكم عمله له طبيعة سرية وأنه يدخل ضمن مهنته التي تعتبر هي أساس علمه بالسر،

 2 : الإرادة

                بالإضافة إلى العلم كشرط أساسي في الركن المعنوي لجريمة إفشاء السر المهني هناك عنصرا أخر يتضح من خلال توجيه الجاني إرادته لارتكاب سلوك الإفشاء، فكلما وجهت الإرادة إلى الاعتداء على حق من الحقوق المحمية جنائيا، والتحقق القصد الجنائي وبالتالي الركن المعنوي.

المبحث الثاني: الإجراءات المتابعة والجزاء في جريمة إفشاء السر المهني

تكمن القوة القانونية الالتزام بالكتمان في الحماية المقررة بمقتض نصوص تشريعية تفرض وجوبا الالتزام

بكتمان السر المهني إذ القول بخلاف ذلك يجعل كتمان السر المهني دون جدوى وليس الإشعار زائف لا قيمة له.

وتتجسد هذه الحماية في تحريك المتابعة، سواء على مستوى الإجراءات المتبعة في الدعوى العمومية والمدنية (الفقرة الأولى) أو بالنسبة إلى الجزاءات المقررة في القانون الجنائي (الفقرة الثانية)

المطلب الأول: الدعاوي الناتجة عن جريمة إفشاء السر المهني

يترتب على خرق القانون الجنائي عقاب الفاعل عن طريق توقيع الجزاء عليه بواسطة الوسيلة المقررة قانونا كذلك وهي الدعوى العمومية التي تقيمها النيابة العامة باسم المجتمع لتطبيق القانون الجنائي على المخالف (أولا) لكن الخرق السابق للقانون الجنائي قد يتخلف عنه إلى جانب الضرر الذي أصاب المتضرر من إفشاء السر المهني، بحيث يحق لهذا الأخير المطالبة بالتعويض، أما القضاء الجنائي تبعا للدعوى العمومية المنظورة أمامه، وتسمى هذه المطالبة بالدعوى المدنية التابعة[14].فممارسة المتابعات الجنائية بشأن جرائم الشغل لا تثير خصوصيات تذكر إلا في حالات جل نادرة إذ تخضع مبدئيا لما هو مقرر في قانون المسطرة الجنائية وما يسري بشأن سائر الجرائم، سواء فيما يتعلق بتحريك الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة، أو إمكانية لازدواجية المتابعة من خلال تزامن ممارسة متابعة جناية وممارسة مسطرة تأديبية، أو مابين تزامن ممارسة متابعة جنائية وممارسة دعوى اجتماعية[15].والخصوصيات التي يمكن إثارتها هذا تتعلق بصفة أساسية بالأشخاص الذين يمكن لهم تحريك الدعوى العمومية، والدعوى المدنية.

الفقرة الاولى : تحريك الدعوى العمومية الدعوى المدنية التابعة لها

قضت المادة الثانية من قانون المسطرة الجنائية[16] أنه “يترتب على كل جريمة الحق في إقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات، والحق في إقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض  عن ضرر الذي تسببت فيه الجريمة”.

يتضح من خلال هذه المادة أن الضرر الناتج عن الجريمة سواء كان ضررا فعليا أو ضررا قانونيا يوسع المجال أمام الجهات المتضررة للمطالبة بمساءلة الشخص الذي أرتكب، مما قام به.وفي الوقت الحاضر انتهى الأمر إلى أن المطالبة القضائية تستهدف توقيع العقاب على مرتكب الفعل باسم المجتمع فإن الدعوى تسمى ”دعوى عمومية” وإذا كانت المطالبة القضائية ترمي إلى إصلاح الضرر اللاحق بالضحية

المباشرة من الجريمة والحصول على تعويض، فان الدعوى تسمى ”دعوى مدنية”.[17]

  1. الدعوى العمومية

إن الدعوى التي تقام أمام القضاء الزجري مرتكب الجريمة من أجل المطالبة بتوقيع الجزاء عليه

تسمى دعوى عمومية، لأنها تثار باسم المجتمع بكامله.

ولدعوى العمومية طرفان رئيسيان، طرف مدعي وطرف مدعى عليه، فالطرف المدعي إما أن يكون النيابة العامة أو المتضرر، أو جهات أخرى عينها القانون، والطرف المدعى عليه هو المتهم سواء كان فاعلا أصليا او مساهما أو مشاركا، وكذا يقتضي الأمر إدخال أطراف أخرى في الدعوى أو تدخلها فيها تلقائيا، كالمطالب بالحق المدني والمسؤول عن الحقوق المدنية[18].

يقصد بالطرف المدعي، الطرف الذي خوله القانون حق إقامة وممارسة الدعوى العمومية، أو على الأقل حق إقامتها. وقد عهد قانون المسطرة الجنائية للنيابة العامة بحق ممارسة وإقامة الدعوى العمومية، كما عهد لبعض الأشخاص أو الهيئات بإقامتها في حدود معينة، فالمادة الثالثة تنص على أن الدعوى العمومية تمارس ضد الفاعل الأصلي للجريمة المساهمين في ارتكابها، ويقيمها ويمارسها قضاة النيابة العامة، كما يمكن أن يقيمها الموظفون المكلفون بذلك قانونا، ويمكن أن يقيمها الطرف المتضرر طبقا للشروط المحددة في هذا القانون[19] .

و بالتالي إذا كان المشرع قد سمح بإقامة الدعوى العمومية للنيابة العامة والأطراف أخرى، فانه لم يمنع حق ممارسة الدعوى العمومية سوى للنيابة العامة، ولذلك فأن دور باقي الأطراف الذين خولهم القانون حق إقامة الدعوى العمومية ينتهي بالنسبة للدعوى العمومية عند إقامتها، أي مجرد تحريكها وعرض الخصومة بالكيفية القانونية على الهيئة القضائية المكلفة بالتحقيق أو البث[20].

الفقرة الثانية: الدعوى المدنية التابعة

إذا كان موضوع الدعوى العمومية هو المطالبة بتوقيع الجزاء على المخالف للقانون الجنائي، فان موضوع

الدعوى المدنية التابعة هو مطالبة المتضرر بجبر الأضرار اللاحقة به من جراء الجريمة ولا يكون ذلك الا بتعويضه عن ذلك، وممارسة الدعوى المدنية أمام القضاء الزجري كدعوى تستهدف إصلاح الضرر الناجم عن خرق القانون. وذلك من خلال عدم المحا فضة على سر المهني، يكون مصيرها رهينا بمصير الدعوى العمومية فعندما تتم إدانة المتهم يكون على القاضي البت في التعويضات المدنية المقررة للمتضرر (المشغل) كطرف مدني وبالمقابل في حالة براءة الأجير فإن القاضي الجنائي يصبح غير مختص بالبت في المطالب المدنية وبالتالي لا يمكن إقرار تعويضات للطرف المدني ويبقى لهذا الأخير رفع الدعوى أما القضاء المدني المختص[21]، وهذا ما نصت عليه المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية إن حق إقامة الدعوى المدنية للتعويض على الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة يرجع لكل من تعرض شخصيا  لضرر  الجسماني أو المادي أو المعنوي  تسببت فيه الجريمة مباشرة…”.

  وتجدر الإشارة إلى أن سماع دعوى المسؤولية عن الإفشاء السر المهني، لا بد أن يكون هناك ضرر لحق المشغل شخصا من جراء ما قام به الأجير المؤمن على السر من أفعال مخالفة للالتزام قانوني عام يتمثل في إفشاء أسرار المقاولة من طرف الأجير الملزم بالمحافظة عليها.

كما يجب على المتضرر (رئيس المقاولة) أن يثبت كل أركان المسؤولية المدنية من خطأ وضرر وعلاقة السببية  القائمة من الخطأ والضرر. حتى تتأتى للمتضرر المطالبة بالتعويض لكن السؤال المطروح هو كيف يقدر القضاء التعويض الكامل الواجب للمتضرر شخصيا عن الضرر الناجع عن جريمة إفشاء السر المهني الذي يعتبره المشرع من خلال مقتضيات المادة المطروح هو كيف يقدر القضاء التعويض الكامل الواجب للمتضرر شخصيا عن الضرر الناجع عن جريمة إفشاء السر المهني الذي يعتبره المشرع من خلال مقتضيات المادة 39  مدونة الشغل خطأ جسيما يمنع للمشغل الفصل بدون تعويض عن الفصل أو من فقدان الشغل….

في الواقع أن تحديد التعويض من قبل القضاء لا يتم إلا بعد تأكد من حصول الضرر بشروطه القانونية[22] مستندا في ذلك لعدة عناصر منها مدى مشاركة المتضرر في إحداث الضرر وتقيد  بالنصوص القانونية الخاصة بالتعويض[23] ومما لا شك فيه أن التعويض الناتج عن الجريمة يرجع إلى السلطة التقديرية لقضاة الدرجة الثانية بتخفيض التعويض الممنوح للمطالب بالحق المدني من غير أن يكون ملزما تبرير ذلك بأسباب خاصة.              

المطلب الثاني : الآثار المتابعة للأجير على العلاقة الشغلية قبل صدور الحكم الجنائي تتعلق أثار المتابعة الجنائية للأجير جنائيا (البند الأول) وبتواصل النفوذ التأديبي للمشغل في مواجهة الأجير.

الفقرة الأولى : مآل عقد الشغل عند متابعة الأجير جنائيا

في إطار وقوفنا على الآثار المترتبة عن متابعة الأجير جنائيا خلال المرحلة السابقة لصدور الحكم الجنائي

يطرح التساؤل حول مدى تأثير إيقاف الأجير بسبب متابعته جنائيا على عقد الشغل ؟ وبعبارة أخرى هل متابعة الأجير جنائيا تكون مبررا لفسخ عقد الشغل ؟

لم تتعرض مدونة الشغل لهذا الموضوع أما على المستوى الفقهي,[24] فإن الموقف السائد هو أن الإيقاف للأجير بسبب متابعته جنائيا لا يكون في حد ذاته سببا لفسخ عقد شغله وإن كان يؤدي إلى توقف تنفيذه مؤقتا.

فالمنطق يقتضي انتظار صدور الحكم الجنائي بالإدانة لأجل فصل الأجير، وفي ذلك احترام للمبدأ القاضي بسلطة الحكم الجنائي على المدني، والمبدأ القاضي بأن الأصل هو براءة المتهم إلى حيث ثبوت الإدانة.[25]

أما على المستوى العملي فأن الواقع يكشف على أن مجرد ارتكاب خطأ تأديبي يسمح بالمتابعة الجنائية يكون كافيا لأجل فصل الأجير، ومن أجل تبرير هذا الموقف ثم اللجوء إلى مفهوم الاستحالة المؤقتة للتنفيذ وهو مفهوم مرتبط ارتباطا وثيقا بنظرية القوة القاهرة أو الحادث الفجائي. لهذا يستوجب توفر سبب يكون مستقلا عن أرادة الشخص وغير متوقع ويستحيل دفعه،[26]

وإذا كانت النظرية التقليدية تعتبر أن القوة القاهرة تؤدي إلى إنهاء الالتزام، فإن النظرية الحديثة تميز بين

القوة القاهرة التي تتضمن استحالة نهائية لتنفيذ العقد بحث تؤدي إلى إنهائه، والقوة القاهرة التي تتضمن استحالة مؤقتة لتنفيذ بحيث يترتب عنها فقط تعليق العقد[27].

بخصوص التشريع  المغربي فقد اعتبر القوة القاهرة سببا لإنهاء عقد الشغل من خلال المادة 33 من مدونة الشغل، وعلى من اتخذ مبادرة إنهاء الشغل استنادا وجود قوة قاهرة، أن يثبت ذلك، وغلا  كان مسؤولا مدنيا عن ذلك الإنهاء ومن الممكن في إطار القوة القاهرة

                ورغم ذلك فإن ضمان استقرار الأجير في شغله اقتضى من المشرع جعل القوة القاهرة توقف عقد الشغل أحيانا ولا تنهيه[28].

                لكن لا يستطيع المشغل أن يستند من أجل تبرير فسخ عقد الشغل إلى أن الأجير لم يعد محل ثقة بسبب متابعته جنائيا، مما يثير شكوكا حول نزاهته؟

وفي هذا الإطار ذهبت الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض الفرنسية إلى أن فصل الأجير من عمله لأجل سبب مرتبط بشخص الأجير يجب أن يرتكز على عناصر موضوعية، وفقدان في حد ذاته لا يشكل سببا للتسريح كما أن التسريح لا يمكن أن يستند على اتهام.

وإذا كان من حق المشغل كما سبقت الإشارة الاقتصار على تأديب الأجير فقط دون متابعته جنائيا فهل من شأن تحريك الدعوى العمومية ضد الأجير أن تؤدي وجوبا إلى تعليق الإجراءات التأديبية؟

في غياب نص تشريعي أو اجتهاد قضائي يجيب على هذا التساؤل بشكل صريح فإن المحكمة النقض التونسية[29]  ذهبت في قرار لها إلى أن تطبيق مبدأ الجنائي يوقف النظر في المدني إنما هو “أمر اختياري بالنسبة للمجالس والهيئات”، ولهذا فإن متابعة الأجير جنائيا لا تؤدي وجوبا إلى تعليق الإجراءات التأديبية، وذلك باعتبار استقلالية القانون الجنائي عن القانون التأديبي.

ونخلص من خلال ما سبق إلى أنه يجوز للمشغل أن يتخذ ما يشاء من العقوبات التأديبية دون انتظار مآل

المتابعة الجنائية، ويمكن أيضا انتظار مآل المتابعة بغاية الحصول على حكم بالإدانة ضد الأجير وهو ما يدعم قراره على الصعيد التأديبي.

                أثار المتابعة الجنائية للأجير على العلاقة الشغلية بعد صدور الحكم تتمثل أثار المتابعة الجنائية للأجير بعد صدور الحكم الجنائي في فصل الأجير من الشغل الأول من طرف المشتغل استنادا للخطأ الذي ارتكبه أما الأثر الثاني فيطرح معه التساؤل حول مدى تقييد القاضي الاجتماعي بمال الدعوى العمومية الثاني.

الفقرة الثانية :فصل الأجير من الشغل

إذا صدر حكم نهائي ضد الأجير نتيجة ارتكاب جريمة بمناسبة العمل أو خارجه، فأنه يمكن للمشغل فصل الأجير دون الحاجة إلى إحالته على المجلس التأديبي الذي نصت عليه المادة 62 من مدونة

الشغل.

لكن التساؤل الذي يطرح في هذا الصدد هو هل يشترط أن يتضمن الحكم الجنائي الصادر بالإدانة مدة معينة للقول بإمكان فصل الأجير من شغله ؟أم أن المهم هو أن يكون قد صدر في حقه حكم نهائي مهما كانت مدته؟

بالرجوع إلى مدونة الشغل لا نجد أي حكم لهذه المسألة فالمادة 39 من المدونة المذكورة تنص على أن ارتكاب الأجير لجنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة صدر بشأنها حكم نهائي وسالب للحرية يعد بمثابة خطأ جسيم يمكن أن يؤدي إلى الفصل[30].

ويلاحظ أن هذه المادة اشترطت فقط ارتكاب الأجير لجنحة ماسة بالشرف، أو الأمانة أو الآداب العامة

صدر بشأنها حكم نهائي وسالب للحرية دون أن تحدد المدة التي ينبغي أن يتضمنها هذا الحكم للقول

بإمكان فصل الأجير من عدمه.

وتساؤل المطروح هنا :

  • هو ما مدى تقيد القاضي الجنائي بمال الدعوى العمومية في جريمة الإفشاء الأسرار المهنية في ميدان الشغل؟

عندما يكون خطأ الذي ينسب للأجير خطأ مزدوجا، مهنيا كما هو الأمر بالنسبة للإفشاء السر المهني بحيث يقع فصله من العمل وفي نفس الوقت يكون محل متابعة جنائية فإذا تقدم الأجير في هذه الحالة بدعوى أمام القضاء الاجتماعي فإن هذا الأخير يكون مطالبا بإيقاف النظر في الدعوى الشغلية الى أن يقع البث في الدعوى العمومية وهنا نتساءل عند حجية الحكم الجنائي بالنسبة للقاضي الاجتماعي؟

لم يكن للغرفة الاجتماعية – محكمة النقض حاليا- موقف قار من نطاق ومدى تأثير الحكم الجنائي، القاضي ببراءة الأجير عن أفعال توبع بها على وضعيته المهنية   وعلى علاقته مع مشغله, بحيث إنه إذا كانت الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى تذهب الحكم الجنائي بإدانة الأجير يلزم القاضي الاجتماعي الذي لا يمكن أن يقضي بعدم شرعية الطرد المستند إلى الأسباب والوقائع التي من اجلها أدين، فإن تأثير الحكم القاضي ببراءته على وضعيته المهنية ليس محل اجتهاد قار وموحد للغرفة الاجتماعية فتارة تأخذ به على إطلاقة وتارة أخرى لا تأخذ به، تركه لقاضي الموضوع مطلق السلطة التقديرية لتقدير الأسباب التي يستند عليها المشغل لطرد الأجير بما في ذلك تلك التي برأه منها القاضي الجنائي[31].

                ويرى عبد الرزاق السنهوري[32] أن هناك إجماعا فقهيا وقضائيا على أن حجية الأمر المقضي به تعتبر من النظام العام في المسائل الجنائية , أي في حكم يصدر من محكمة جنائية ويحتج به أما محكمة جنائية، والعلة في ذلك ظاهرة، فالحكم الذي يصدر في جريمة بالإدانة أو البراءة يعني  النظام العام في المقام الأول,ولا يجوز أن يترك أمر هدا الحكم الجنائي, بل وجب أن تكون له حجية مطلقة لا بالنسبة إلى الخصوم فحسب، بل أيضا في حق الكافة.

                وأما بالنسبة للحكم بالإدانة أو البراءة لا ينبغي أن يجوز حجية أمام القاضي الاجتماعي الذي يجب  أن يبقى غير مفيد بصفة آلية بما تصدره المحكمة الزجرية لأن مفهوم الخطأ في المادة الاجتماعية يختلف عن مفهوم الخطأ في المادة الجنائية لذلك يبقى من حق القاضي الاجتماعي البحث من جديد في الوقائع التي ينسبها المشغل للأجير والتي كانت سببا لإنهاء علاقات الشغل وهذا من شأنه أن يوفر حماية أكبر للأجير.

                لقد أبانت الناحية العملية أن الخطأ المرتكب من طرف الأجير قد يكفيه القضاء الزجري بكونه جريمة في حين قد لا يشكل خطأ جسيما يؤدي إلى فصله من العمل و في مقابل دلك قد يرتكب الأجير خطا , ويصدر القضاء الزجري بشأنه حكما بالبراءة مع أن هذا الخطأ قد يشكل خطأ جسيما يوجب فصله، وبالتالي فإن القضاء الاجتماعي يجب أن تبقى له الكلمة الأخيرة بعد مناقشة القضية من جديد للقول بوجود الخطأ الجسيم من عدمه.

  خاتمة :

                وختاما يمكن القول أن المشرع المغربي و العمل القضائي لم يترك الحرية المطلقة للمشغل في استعمال الحق أن سلطته دائما تبقى مقيدة بالقانون والقضاء الذي يجسد رقابته عليه  سواء على الشروط الشكلية وأيضا  الموضوعية وذلك من أجل احترام مبادئ المحاكمة العادلة التي يضمنها القانون الجنائي والدستور وكدا المواثيق الدولية، تضمن حماية الأجير باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، وحقوق المشغل من خلال حماية مقاولته من كل ما قد يصيبها من تشويش على سمعتها، حماية اقتصادية التي تهدف إلى استقرار علاقات الشغلية.


[1] –  نصت الشريعة الإسلامية على ضرورة المحافظة على أسرار وكتمانها، سواء فيما يتعلق منها بالأفراد أو الدولة، وأمر (ص) عليه وسلم المسلمين جميعا بأن يحفظوا، أسرارهم وأن يستروا عوراتهم،؟ وذلك أدوم للألفة وأصون للحقوق الأفراد والجماعات مصدقا لقوله عز وجل “والله يعلم ما تسرون وما تعلنون” سورة النحل الآية 19.

– قال سبحانه وتعالى في سورة الملك الآية 13 “واسروا قولكم او اجهروا به إنه عليم بذات الصدور” كما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بكتمان السر إذ قال : “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود” رواه الطبراني، في معالجة الثلاث، البيهقي في شعب الإيمان، وابن عدي في الكامل،… وقد جاء بلفظه: “استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود”. وهو مروي من حديث معاد بن حبل، وعلي ابن أبي طالب وابن عباسي وأبي هريرة وأبي بردة.

[2] – الفصل 447 من مجموعة القانون الجنائي

[3] – سعيد عبد اللطيف : الحماية الجنائية للسرية المصرفية- دراسة مقارنة دار النهضة العربية طبعة 2004 ص : 5.

[4] – سميرة كميلي : قانون الجنائي للشغل الجزء الأول مطبعة بنى إزناس، الطبعة الأولى 2015، ص200 .

[5]– Jean Ndidier (W) droit pénal des affaires, ed Dallog paris 1991 : 376

– حسن الفكهاني التعليق على القانون الجنائي على القانون الجنائي المغربي في ضوء الفقه والقضاء إصدار الدار العربية للموسوعات الطبعة 1993-1992.

[6] – سميرة كميلي م.س. القانون الجنائي للشغل أطروحة لنيل الدكتورة في الحقوق شعبة القانون الخاص في إطار وحدة التكوين والبحث. ص 180

[7]– Merbe (R ) Vit (A) traite de droit criminel droit pénal spécial ed cujas 1980 .

[8] – محمد سعيد بناني قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل علاقات الشغل الفردية.

[9] – والإيضاح فقط نظرنا فإن واجب الكتمان هذا يجب أن يمتد حتى فترة انتهاء عقد العمل، فعقد العمل يضمن بالإضافة إلى شرط الكتمان الالتزام بشرط عدم المنافسة، ويهدف هذا المبدأ إلى منع أجير عن أداء نفس المهمة في مجال جغرافي قريب من مشغله السابق خلال مدة معينة.

[10]– Jaen didier (w) : op cité, p 377.

[11]–  Cass chambe criminelle 19 Novembre 1985.

– وللمزيد من الإيضاح والتفصيل أنظر إلى مرجع محمد سعيد بناني، مرجع سابق ص 1058.

[12] – عبد الواحد العلمي : القسم العام

[13] – حسن محمد نجيب

[14] – عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ص الأولى، 2006 ص 79.

[15] – سميرة كميلي مرجع سابق ص 328.

[16] – القانون رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية كما تم تتميمه وتغييره بموجب القانون رقم 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب

[17] – وزير العدل محمد بوزبع “شرح قانون المسطرة الجنائية” الجزء الأول الدعوى العمومية السلطات المختصة بالتحدي عن الجرائم وزارة العدل منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل، الرباط العدد 2 الطبعة الخامسة ص 22

[18] – محمد بوزبع “شرح قانون المسطرة الجنائية” مرجع سابق ص 25

[19] – محمد بوزبع مرجع سابق، ص 25.

[20] – محمد بوزبع م س، ص 28

[21] – زهور هيباوي :القانون الجنائي للشغل- علاقات الشغل الفردية- نموذجا- رسالة لنيل دبلوم الماستر في الدراسات العليا المعمقة، في القانون الخاص، كلية الحقوق وجدة، السنة الجامعية 2006-2007 ص 122.

[22] – شروط الضرر القابل للتعويض :

  • أن يكون الضرر مباشرا
  • أن يكون مخففا وحالما
  • أن يكون الضرر شخصيا

[23] – كما هو الحال بالنسبة لظهير 2 أكتوبر 1984 الذي يشتمل على مجموعة من الجداول تحدد التعويض الواجب للمتضرر بدلالة نسبة العجز المؤقت أو الدائم التي لحقه

[24] – هشام الشتيوي، إجراءات البحث والمحاكمة في جرائم الشغل، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون خاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- مراكش، السنة الجامعية 2009/2010. ص 83

[25] – سميرة كميلي : المرجع السابق، ص 351.

[26] – الفصل 95 من ق.ل.ع

[27] – انظر حول هذا الموضوع

– إدريس فجر، القوة القاهرة وإنهاء عقد الشغل، مجلة المرافعة، عدد 2-3 ص 299 وما يليها

– فاطمة اسحاق أثار القوة القاهرة على الالتزام العقدي في القانون المغربي والمقارن، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية الحقوق الدار البيضاء، 2005-2006، ص 150 وما بعدها.

[28] – انظر بهذا الخصوص

– محمد الكشبور، إنهاء عقد الشغل، مرجع سابق، ص 19-20

[29] – القرار التعقيبي المدني عدد 45875 بتاريخ 23 يناير 1995، أشار إليه النوري مزيد، المرجع السابق، ص 135.

[30] – هذا إلى جانب الأخطاء الجسيمة الأخرى التي تؤدي إلى فصل الأجير والتي نصت عليها المادة 39 من مدونة الشغل.

[31] – عبد العزيز العتيقي،  المرجع السابق، ص 119  وما بعدها.

[32] – عبد اللطيف خالفي المرجع السابق، ص 230

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *