د. محمد بوكطب
باحث في العلوم القانونية والإدارية والسياسية
تخصص التدبير الاستراتيجي للموارد البشرية في الإدارات والمقاولات
عنوان المقال:
الحكامة: المبادئ والأسس
مقدمة
إن الحكامة Gouvernance كفكرة و اصطلاح شاع استخدمها بشكل واسع مع بداية عقد التسعينيات من قبل المنظمات الدولية كمنهجية لتحقيق التنمية المجتمعية في الدول النامية، نتيجة لقصور الإدارات الحكومية عن تحقيق ذلك بفعالية و كفاية. كما أن فكرة ومنهجية الحكامة غدت في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي على قدر كبير من الأهمية للدول، سواء منها المتقدمة أو النامية، لتحقيق طموحات المواطنين فيها بتوفير التنمية الشمولية وإدامتها. إلا أن الأمر أصبح إلحاحا على الدول النامية نتيجة للتحديات العالمية كالعولمة، والتجارة العالمية الحرة، وسرعة انتشار المعلومات، وكذلك التحديات المحلية كالتنافس، والاستثمارات الخارجية، والداخلية والفقر والبطالة.
لذا، أصبح التزام الدول النامية بمنهجية الحكامة الجيدة أمرا في غاية الأهمية، لما ينطوي عليه من الكامل أدوار الإدارة، الحكومة، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني. وعموما فالحكامة تأخذ بعين الاعتبار التداخلات بين مختلف القطاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على مستويين المحلي و الدولي. إنها حركية دائمة تهدف بالأساس إلى التكيف مع المعطيات الجديدة، وذلك من خلال المشاركة و التشارك ليتسنى تحقيق التنمية المجتمعية ذات الكفاية والفعالية والاستجابة للمواطنين، وطموحاتهم وفق ما ترتكز عليه الحكامة من مميزات تعكس الشفافية والمساءلة والتشارك في تحمل المسؤولية، والمشاركة في رسم السياسات، وتعزيز دولة القانون، واللامركزية لتقريب صناع القرار من المواطنين، وتحقيق الاندماج السياسي، والاعتراف بالاختلاف، وهذا يتطلب إصلاح جدري لكل مكونات الدولة المساهمة في الحكم.
كما أنه بالنسبة للمغرب هناك دينامية جديدة لا مناص من أن تخترق المؤسسة الملكية والإدارة و الجماعات الترابية ما دام أن الإصلاح والحداثة هما مفهومان شموليان، ولا يمكنها الاقتصار على قطاع دون آخر، أو مجال دون آخر. وتكريس إصلاح حقيقي يتطلب قبل كل شيء حكومة قوية وليس دولة قمعية، لأن المطلوب هو تكريس دولة المجتمع عبر الإصغاء لمكوناته.
إن الدول القوية حاليا هي الدول الديمقراطية المعتمدة لاستراتيجية واضحة المقاصد والأهداف.
هذا، ويشير موضوع الحكامة في مجموعة من الإشكاليات يمكن تجسيد ما يلي:
- ماذا نعني بالحكامة ؟
- ما هي أسباب أو دواعي ظهورها ؟
- ما هي مرتكزاتها ؟
هذه كلها إشكالات تستوجب الجواب عليها اعتبارا لأهميتها الحيوية حاليا أكثر من أي وقت مضى، وهو ما سنحاول فعله من خلال الكشف عنه من خلال:
المبحث الأول: عوامل ظهور الحكامة و علاقتها بالتنمية؛ المبحث الثاني: مرتكزات الحكامة.
المبحث الأول: عوامل ظهور الحكامة و علاقتها بالتنمية
إن الحكامة أصبحت إحدى أكثر المفاهيم تداولا في أواسط الباحثين والحكومات وبعض المنظمات الدولية المتخصصة. وفيما يلي إبراز الغاية والأبعاد التي توظف الحكامة من أجلها سواء في علاقتها بالتنمية المستديمة، أو في علاقتها بمفاهيم أخرى كالديمقراطية…. فالحكامة غدت آلية حديثة تهدف الوصول إلى الديمقراطية والتنمية (مطلب أول). كما أن ثمة عوامل متعددة ساهمت في ظهورها من جديد منها عوامل دولية وأخرى وطنية سيما بالنسبة لدول العالم الثالث التي يعتبر المغرب أحد نماذجها (مطلب ثان).
المطلب الأول: البعد المفاهيمي والتنموي للحكامة
لقد أثارت الحكامة عدة نقاشات سواء من طرف الباحثين أو بعض الهيئات الدولية الحكومية أو غير الحكومية، بغية إيجاد تعريف شامل لمفهومها[1]. لأنها تختلط بالعديد من المفاهيم الأخرى (الفقرة الأولى)، مع محاولة رصد مختلف أبعادها وأهدافها (فقرة ثانية).
فقرة أولى: تعريف الحكامة
يصعب إيجاد تعريف شامل لمفهوم الحكامة. فقد أثار تعريفها عدة نقاشات كما يلاحظ غياب مرادف عربي موحد لمصطلح La gouvernance، إذ تقابله عدة مصطلحات عربية منها: الحكمانية، الحكامة الرشيدة، الحكومة، الحكم الرشيد، الحكم الصالح، الحكم الجيد، الإدارة المجتمعية والتلجيم، وتبقى الحكامة هي أكثر هاته الألفاظ ذيوعا.
وعموما، فإن الحكامة مفهوم استعمل في الأصل من طرف الإخصائيين في مجتمع القرون الوسطى الإنجليزي الذي يتميز بالتعاون بين مختلف مصادر السلطة (الكنيسة، النبلاء، التجار، الفلاحون…)، وقد أعيد استخدامه من طرف البنك العالمي أثناء عقد الثمانينات وبداية التسعينات لتحديد الطريقة التي تمارس بها السلطة في تسيير الموارد الاقتصادية في بلد معين.
والحكامة لا تعني بالمعنى الضيق السلطة السياسية، فهي ليست فن التسيير على مستوى سلطة معينة، إنما هي فن تمظهر مستويات مختلفة فهي تسيير إقليم معين حسب منظمة اليونسكو[2].
إن أغلب الكتاب[3] الذين كتبوا عن الحكامة يتفقون على أنها آلية تتعلق بعملية صنع القرار في المجتمع ومؤسساته المختلفة، وتتضمن مجموعة من التفاعلات ضمن هياكل وعمليات تحدد كيفية ممارسة السلطة واتخاذ القرار وتعبير المواطنين عن رأيهم.
كما تعرف الحكامة بأنها ذلك الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة، وأطر إداري….. لتحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم، وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم. وهي تهدف زيادة مستوى دخل الفرد وتقليل حدة الفقر، والعناية بحقوق المواطنين، مما يجعلنا نعتبر الحكامة نسقا من المؤسسات المجتمعية المعبرة عن حاجات الناس تعبيرا سليما، تربطها شبكة متينة من علاقات الضبط و المساءلة، تهدف تحقيق المصلحة العامة بواسطة الاستعمال الأقصى للوسائل البشرية، والمالية والتقنية وكذا المؤسساتية للدولة، بغية إقامة دولة ديمقراطية نافعة تضمن حقوق المواطنين، وتوفر آليات مناسبة لتقويم السياسات، وتصحيحها والتصدي الإساءة استخدام السلطة والنفوذ وإهدار المال العام[4].
كما أن تعريف الحكامة يختلف بين الهيئات والمنظمات الدولية. فكل واحدة تعرفها انطلاقا من منظورها الخالص[5]، و فيما يلي تعريف بعض هاته التعريفات.
- البنك الدولي: يرى أن الحكامة هي الحالة التي من خلالها تتم إدارة الموارد الاقتصادية و الاجتماعية للمجتمع بهدف التنمية؛
- برنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD: يعرف الحكامة بأنها ممارسة السلطة الأساسية و الاقتصادية والإدارية في إطار تدبير شؤون بلد ما على جميع المستويات، وهي مقولة موضوعية تضم الآليات والسيرورات والعلاقات والمؤسسات المعقدة التي بواسطتها يقوم المواطنون و الجمعات بمفاضلة مصالحهم، وممارسة حقوقهم وتحمل التزاماتهم، كما يتوجهون إليها بغاية تصفية خلافاتهم[6].
- مؤسسات القطاع التطوعي: تعتبر الحكامة هي مجموعة من العمليات والهياكل التي يستخدمها المؤسسات لتوجه وتدير عملياتها العامة و أنشطة برامجها؛
- اتفاقية الشراكة كوتونو: الموقعة بين الاتحاد الأوربي و 77 دولة من جنوب الصحراء الإفريقية، ودول الكاريبي، والمحيط الهادي: تعرف في المادة 9 منها الحكامة (الحكم الصالح) بأنها الإدارة الشفافة والقابلة للمحاسبة للموارد البشرية والطبيعية والاقتصادية والمالية، لغرض التنمية المنصفة والمستمرة، وذلك ضمن نطاق بيئة سياسية ومؤسساتية تحترم حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية وحكم القانون؛
- صندوق النقد الدولي: ينظر إلى الحكامة من الناحية الاقتصادية وتحديدا شفافية وفعالية إدارة الموارد العامة، واستقرار البيئة التنظيمية لنشاطات القطاع الخاص؛
- منظمة المهن و التعاون في أوربا: ترى أن الحكامة تقوم على بناء و تعزيز المؤسسات الديمقراطية وتشجيعها، إضافة إلى التسامح في المجتمع ككل؛
- منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: ترى أن الحكامة وسيلة لشرعية الحكومة والعناصر السياسية فيها واحترام حقوق الإنسان وحكم القانون[7].
وعموما، الحكامة هي مجموعة من المناهج تهدف وتحقق تنمية مجتمعية في الدول النامية نتيجة لقصور الإدارات الحكومية عن تحقيق ذلك بفعالية وكفاءة، كما أن الأمر أصبح ملحا على هذه الدول نتيجة للتحديات العالمية والإقليمية[8] والمحلية[9]. لذا، أصبحت الحكامة تعتبر حلا واجب التنفيذ نظرا لما تنطوي عليه من تكامل بين أدوار الإدارة الحكومية، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، وخاصة وأن الحكامة تأخذ بعين الاعتبار التوسعات المكانية للجماعات الترابية وذلك بجعلها نظام إنساني متعدد المستويات يطبعه يقترن بمبدأ المشاركة في اتخاذ القرار المحلي وفق شروط ملائمة للجماعات الترابية في إطار مركزية فعالة تقل فيها الممارسات الفاسدة، ويخول للأقلية والمجموعات المهمشة التعبير عن رأيها ويمكن الوحدات الإدارية الترابية الصغرى من استماع صوتها لذا صانع القرارات على المستوى المركزي مما يساهم في بلوغ التنمية المستدامة.
الفقرة الثانية: الحكامة و علاقتها بالتنمية
إن اعتماد الحكامة كأسلوب لإدارة المجتمع يتضمن 3 أبعاد مترابطة.
1/ البعد السياسي المتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثلها.
2/ البعد التقني المتعلق بعمل الإدارة العامة وكفاءتها و فعاليتها.
3/ البعد الاقتصادي-الاجتماعي المتعلق بطبيعة بنية المجتمع المدني ومدى حيويته واستقلاله عن الدولة من جهة. وطبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وتأثيرها في المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة. وكذا العلاقات التي تربطها مع الاقتصاديات الخارجية والمجتمعات الأخرى من جهة ثانية.
إن مفهوم الحكامة بأبعاده الثلاثة يتوافق وتطوير مفاهيم التنمية، ذلك أن هذه المفاهيم قد تغيرت من التركيز على النمو الاقتصادي إلى التركيز على التنمية البشرية ثم التنمية المستدامة أي الانتقال من الرأسمال البشري إلى الرأسمال الاجتماعي وصولا إلى التنمية البشرية.
ويلاحظ أن تطوير مفاهيم التنمية قد صاحبه إدخال مفهوم الحكامة في أدبيات منظمات الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والسبب في ذاك هو أن النمو الاقتصادي لبعض البلدان ومنها المغرب لم يرافقه تحسين مستوى عيش أغلبية السكان، ذلك أن تحسن الدخل الوطني لا يعني تلقائيا تحسين نوعية المواطنين[10]، لذا فإن ارتباط مفهوم التنمية البشرية المستدامة بمفهوم الحكامة سببه كون هذه الأخيرة أداة ضرورية لتحويل لنمو الاقتصادي إلى تنمية بشرية مستدامة[11]، والتي تدل حسب منظمة اليونسكو على نمط تنموي يستجيب لحاجيات الأجيال الحالية دون إلحاق ضرر في قدرة الأجيال القادمة على الاستجابة لحاجاتها الذاتية.
وجدير بالذكر، أن تقارير التنمية التي بدأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإصدارها منذ 1990 قد ركزت على مفهوم نوعية الحياة ومحورية الحياة في العملية التنموية، كما درجت إلى تصنيف هذه الدول بناء على مفهوم التنمية البشرية المستدامة، ومعاييرها كمؤشرات دالة نذكر منها مستوى: دخل الفرد الحقيقي، مستوى الخدمات الصحية، مستوى التحصيل العلمي.
مما يدفع إلى القول بأن النمو الاقتصادي ما هو إلا وسيلة لتحقيق التنمية البشرية المستدامة وليس غاية في حد ذاتها.
كما أن هاته التنمية هي تنمية ديمقراطية تهدف بناء نظام اجتماعي عادل لبلوغ ما أسماه تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002 بالتنمية الإنسانية. حيث وسع مفهوم التنمية معتبرا أن توسيع الخيارات الإنسانية المرتبط محوريا بموضوعين مترابطين هما القدرات والفرص المتاحة، والفرص تتضمن الحرية بمعناها الواسع، كتساب المعرفة وتوسيع الإطار المؤسساتي[12].
إن التنمية المستدامة تشترك مع المفهوم الحكامة في أبعاده الثلاثة، ويضفي على معنى استدامة التنمية ضمان عدالتها من خلال البعد الوطني المتمثل في العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع ومناطق البلد، وكذا البعد العالمي فيما يتعلق بالتوزيع ما بين الدول الفقيرة والغنية، وكذلك في البعد الثالث وهو البعد الزمني المتعلق بمصالح الأجيال الحالية واللاحقة مما يتطلب مشاركة[13] المواطنين من خلال عدة مستويات، وذلك بعد الانتخابات العامة لمؤسسات الحكم، وعبر تفعيل دور الأحزاب السياسية، وضمان تعددها وتنافسها، وعبر ضمان حرية العمل النقابي، واستقلالية منظمات المجتمع المدني، وهي صفات ومؤشرات تؤمنها الحكامة. مما يجعلنا نستنتج وجود علاقة جدلية تربط الحكامة بالتنمية والديمقراطية؛ فثمة علاقة تأثير وتأثر بين العناصر الثلاثة فالحكامة في علاقتها بالتنمية تعد أهم عامل للقضاء على الفقر وتعزيز التنمية[14] بإنشاء مؤسسات سياسية وقضائية وإدارية كفأة وخاضعة للمسألة تتصف بالشرعية.
أما علاقة الحكامة بالديمقراطية فإن المقارنة التنموية تستوجب قيادات سياسية منتخبة وديمقراطيات قادرة على تنظيم النشاطات الاقتصادية، وتنمية الموارد بأسلوب فعال ومتوازن ومتعاون اجتماعيا.
وبما أن التنمية تقتضي موازنة مستديمة بين الأولويات وإعادة التقسيم المستمر للاحتياجات و السياسات، فإن دور الحكومة الصالحة وأهميتها في تعزيز التنمية أمران في غاية الأهمية، ولأن التنمية لابد أن تكون مجهودا دوليا، فإن مسألة الحكم قد تتجاوز في أهميتها وتأثيرها على الحدود الوطنية لبلد بعينه[15] لتدخل في علاقات دولية.
المطلب الثاني : الظروف الدولية و الوطنية المنتجة للحكامة بالمغرب
أصبحت الحكامة La gouvernance ضرورة ملحة تفرض نفسها على مختلف الدول سواء المتقدمة أو السائرة في طريق النمو، وبشكل خاص دول العالم الثالث نظرا للأوضاع المزرية التي تعيشها هذه البلدان على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الحقوقي، وتفشي مجموعة من الأزمات المتمثلة في انتشار الفساد بمختلف أشكاله داخل الدول الثالثية، والمغرب نموذجا لها. لذا، جاءت الحكامة كرد فعل لهذا الوضع واستجابت لمجموعة من الاكراهات سواء ذات طابع الدولي (الفقرة الأولى) أو ذات طابع محلي/وطني (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الظروف الدولية المنتجة للحكامة
تتمركز العوامل المولدة للحكامة عل المستوى الدولي في مجموعة من النقاط، تتجسد أولها في العولمة التي تعني التوجه نحو ازدياد الاندماج العالمي المتبادل، وأن لها أوجه متعددة الأبعاد منها الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والثقافية. وتوصف العولمة بأنها تعني تدفق سريع غير مسبوق في البضائع والخدمات ورؤوس الأموال الخاصة، وكذلك التدفق في الأفكار والنزاعات، وظهور حركات اجتماعية وسياسية جديدة. ويمكن التأكيد بأن التوجه نحو العولمة من الأهمية بمكان، فمن الواضح لدينا في مجال نمو المجموعات الإقليمية، وفي قوة المؤسسات عبر الدولية مثل منظمة التجارة الدولية المؤسسات عبر الدولية التي انتشرت خلال العقد الأخير من القرن الماضي، تأكد بأن العولمة سيكون لها آثار ومضامين عديدة على الحكامة على المستويين الوطني والدولي. ومن الآثار المشاهدة الآن يمكن أن نلاحظ زيارة عزلة وتدني مستوى معيشة تجمعات سكانية معينة. كذلك، فإن اللذين ليس لديهم قدرة على إدخال تكنولوجية المعلومات واستخدامها سيعانون من خطورة البقاء على مستويات متدنية[16]، يضاف إلى ذلك بأن استقلالية الدولة في اضمحلال حيث نجد المؤسسات عبر الدولية تعمل وبشكل متزايد على بحث اهتمامات الوطنية، ومع الصحافة وفقا للقوانين الدولية. أما الأثر الثالث الواضح فهو زيادة عولمة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية مثل الجرائم والإرهاب، والمخدرات والأمراض المعدية، وهجرة الأيدي العاملة.
إن تلك الآثار تؤكد بأن الحكامة لن تكون كنظام مغلق يترك لمتخذي القرارات التقليديين. لذا، فإن دور الدولة لا بد له من العمل على إيجاد التوازن بين الاستفادة من مميزات العولمة، وكذلك تزويد البيئة المحلية بالاستقرار والأمان الاجتماعي والاقتصادي، وبشكل خاص للفئات الأكثر عرضة للحرمان.
فالعولمة تضع الحكومات تحت التحدي الكبير الذي يقود إلى تحسين أداء الدولة لمزيد من السياسات الاقتصادية التي تتجاوب مع الاهتمامات الواسعة، وبشكل خاص العدالة. وعلى أية حال، فمع زيادة النمو الاقتصاد العالمي، فإن العولمة تضع أيضا متطلبات جديدة على الدول، لبناء هياكل ومعايير الحكامة الدولية لتتعامل مع التحديات العامة سواء كانت تتعلق بالمجتمع الدولي، البيئة، الجريمة، المخدرات، وأداء مؤسسات عبر القارات، أو هجرة الأيدي العاملة. لذا فالتحديات لتحسين الحكامة تكمن ليس فقط على المستوى الوطني بل على المستوى العالمي أيضا.
إن تحديات العولمة يجب أن يتم إدارتها ضمن نطاق الحكامة الجيدة، ولمواجهة تلك التحديات فعلى الحكومة أن تأخذ منهاجا شموليا الالتزامات الأمة، ونقاط القوة ونقاط الضعف في المجتمع لتضع الاستراتيجيات المناسبة لمواجهة تلك التحديات، مثلما على أن مجالس الوزراء في الحكومات أن تضطلع وتعي جيدا بالقضايا الدولية والتطورات التي تؤثر على المجتمع. وأن المؤسسات والدوائر الحكومية ذات العلاقة عليها اتخاذ الإجراءات المناسبة لدراسة تلك التطورات والقضايا وتضعها تحت تصرف الحكومات في الأوقات المناسبة. هذا التحدي يفرض على الجامعات ومراكز البحث الرسمية وغير الرسمية الدراسة والتحليل للتحديات العالمية، وبلورتها بشكل عملي يمكن للحكومات أن تتبنى المناسب منها في المجتمعات على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي.
إن العولمة ليس خيارا بل هي واقع موضوعي وسيرورة جارية تكاد شاملة. وبكل الأحوال، فما من دولة اليوم تستطيع أن تنأى عن إعادة النظر بشكل ارتباطها بالاقتصاد العالمي. وعندما يتعلق الأمر ببلد كسورية نجد أن الدول التي تحيط بها من الدول الثالثية والدول الأخرى، تقوم جميعا بمراجعة سياساتها لإعادة تحديد مواقعها في الاقتصاد العالمي وتطوير نمط تخصصها[17].
بالإضافة إلى العولمة التي تعتبر أحد العوامل الرئيسية التي فرضت على بلدان العالم الأخذ بنظام الحكامة بمختلف أشكالها وأبعادها، هناك عوامل أخرى ذات بعد دولي ساهمت بهذا المفهوم، وتتجسد في تحرير التجارة العالمية وتحرير رأس المال عالميا.
ففيما يتعلق بتحرير التجارة العالمية المرتبطة بإقامة منظمة التجارة العالمية، وترتكز الحكامة ببعدها التجاري على استكمال تحرير التجارة العالمية التي بدأت وحققت تقدما كبيرا في المرحلة الماضية، وتحديدا في ظل الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات GATT التي سادت طيلة النصف الثاني من القرن العشرين وانتهت هذه الاتفاقية بعقد مفاوضات جولة الأوروغواي خلال السنتين 1993-1994 التي تمخض عنها تأسيس مرحلة جديدة من التحرير التجاري الشامل، ومنظمة جديدة هي منظمة التجارة العالمية في مدينة مراكش بالمغرب سنة 1995.
لكن تحرير التجارة أضحى في الواقع الحي وعلى الصعيد العالمي حجة الأقوياء وقانونه، حيث برز التناقض في مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي واليابان بشأن تحرير التجارة الدولية في السلع الصناعية والمواد الأولية غير الزراعية وتحرير تجارة الخدمات. كذلك التناقض بين خطاب التحرير التجاري[18] (الليبرالي والقائم على أعجوبة السوق أي الأسواق التجارية المفتوحة) لدى هذه الدول المهيمنة اقتصاديا، ومواقفها الفعلية على امتداد السنوات الخمس عشرة الماضية من مسألة تحرير تجارة المواد الزراعية، والسلع الصناعية، من منشأ زراعي حيث تتمسك حكوماتها وقياداتها بدعمها المتواصل للمزارعين المحليين وتحميل تكلفته للمزارعين والمستهلكين في البلدان النامية، الأمر الذي يعكس جانبا هاما من نزاع المصالح بين الدول المتطورة فيما بينها، وكذلك الدول النامية، وهو ما يفرض اللجوء إلى بعض الوسائل والأنظمة لحماية اقتصادنا من بطش الدول المتقدة (المتوحشة)، وعلى رأسها الحكامة التي تعتبر اليوم وسيلة فعالة للخروج بالاقتصاديات العالمية من دوامة المشاكل التي تعرفها، خاصة مع تعذر تحرير التجارة العالمية تحريرا كاملا أولا في البلدان الصناعية تطورا وأشدها مجاهرة بالليبرالية الاقتصادية كالولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوربي، واليابان، و ثانيا لدى الدول حديثة التصنيع حيث تتناسب مقاومة التحرير التجاري تناسبا طرديا مع التفوق التكنولوجي، والصناعي، والقوة الاقتصادية، الأمر الذي يؤكد أن تحرير التجارة الكامل شرعة الأقوياء وشعارهم للحفاظ على مصالحهم الاقتصادية، واستقرار مجتمعاتهم ولاسيما قطاعاتها التقليدية و الهامشية.
أما فيما يخص تحرير الرأسمال العالمي، فنجد حركة رؤوس الأموال قد اتسعت عالميا على نحو لم يسبق له مثيل، وأن أدوات نقدية ومالية جديدة قد ابتكرت ويتم التوسع في استخدامها بصورة متسارعة على الصعيد العالمي. لكن، فقدان الرقابة الديمقراطية على حركة الرأساميل واصطناع أدوات الإقراض الجديدة القائمة على المضاربة، وعولمة أسواق الأسهم، والسندات، واشتداد المضاربة، وزيادة الفجوة بين أسعارها وأسعار الاقتصاد الموازية الحقيقة، وتضاعف أخطار الانهيار في هذه الأسواق المالية، إضافة إلى أزماتها الدولية الحادة (كأزمة قطاع التكنولوجيا بما فيها المعلوميات وصناعة الحاسوب وصناعة البرامج وخدمات الإنترنيت وانهيار الأسهم في هذه القطاع الطليعي في اقتصاد العولمة الواعد الجديد)، تعكس مظاهر بارزة من الفوضى التي تتصف بها هذه العملية مهددة اقتصاديات الدول ومصالح الشعوب.
وأخيرا تعتبر عملية تحرير انتقال الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى جانب انتقال رؤوس الأموال، أحد أبرز الظروف والعوامل التي ساعدت على ظهور مفهوم الحكامة على المستوى الدولي والوطني. لكننا سنقتصر على الشق الأول منها تاركين الشق الثاني لدراسته في الفقرة الثانية من هذا المطلب – حيث ازداد واتسع نطاقها ونمت معدات نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة، واتجهت بصورة متزايدة إلى البلدان الحديثة في التصنيع والأسواق الناشئة، وحتى ولأول مرة إلى بلدان نامية عديدة. لكن حركة الاستثمارات هذه مازالت مركزة على البلدان المتطورة بل شديدة التطور التكنولوجي والاقتصادي فيما بينها، هذا إلى جانب توجه متزايد كما ذكرنا إلى مجموعة الدول الكبيرة حديثة التصنيع كالصين والهند والبرازيل والمكسيك وتايوان ودول النمور الآسيوي كماليزيا وتايلاند. أما أغلبية الدول النامية وهي المتخصصة في إنتاج المواد الأولية أو تصنيعها تصنيعا هامشيا فإنها لا تجدب الاستثمارات الأجنبية بالرغم من تسابق تلك الدول على منح الإعفاءات والمزايا الاستثمارية، وتحويل العاملين بأجر، وصغار المنتجين قسطا متزايد العبء من الضرائب لتمويل الموازنة المحلية. بل إن هذه الاستثمارات الأجنبية تستهدف اقتصاديات البلدان النامية مركزة تركيزا شديدا على أكثرها تطورا وأكبرها سكانا (الصين والهند و البرازيل والمكسيك واندونيسيا والأرجنتين)، وعلى أكثر قطاعاتها إنتاجية وتطورا وربحية (قطاع الاتصالات الجديدة، قطاع المعلوماتية إجمالا على سبيل المثال ولكن أيضا على قطاع النفط والغاز الأول من حيث النمط الإنتاجي عالي الربح من حيث مستوى الأسعار في الأسواق الدولية وتحديد هذه الأسعار تحديدا يخدم الدول الصناعية، وشركاتها البترولية والكيماوية إذ تتفاوت هذه الأسعار تفاوتا إداريا وليس اقتصاديا بين حلقات الإنتاج الخام والنقل والتكرير و التصنيع البتروكيمائي على حساب البلدان النامية المصدرة للبترول ولصالح الشركات المذكورة والدول الصناعية المتطورة والمستوردة له)، مبتعدة في الوقت نفسه و بصورة متزايدة عن أكثر البلدان النامية تخلفا، وأشدها فقرا وأقل قطاعاتها إنتاجية وتطورا[19].
ويترتب على ما تقدم، دور بارز للاستثمارات الأجنبية في تشديد التفاوت في التطور والتميز في فرص النمو الاقتصادي على المستوى العالمي لصالح مزيد من التطور والتجديد والتقدم في دول الشمال على حساب دول الجنوب، بزيادة التخلف، والركود، والتراجع الإضافي، والتأزم في اقتصادياته على الصعيدين الإقليمي والقطري.
وإذا نظرنا إلى مستوى الاستثمار بالبلدان العربية سنجده في تنامي ملحوظ سواء في بعده الداخلي أو الخارجي في جميع المستويات: سواء في قطاع الاتصالات حيث تعززت الاستثمارات العربية في هذا القطاع بقيام عدد من الشركات الاتصالات العربية منفردة أو بتعاون مع شركات عربية أو أجنبية بتعزيز استثماراتها في قطاع الاتصالات بالدول العربية، وخارجها علما بأن سوق الهاتف النقال ينمو بمعدلات تتجاوز 30% سنويا في معظم هذه الدول مما يضاعف الاستثمارات بها. وما يقال عن قطاع الاتصالات يقال عن قطاعي السياحة والتكنولوجيا اللذين عرفا تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، وإذا أخذنا موقع المغرب داخل هذه البلدان، ونسبته من الاستثمارات تمثل 2.27% من مجموع الاستثمارات العربية لسنة 2003، وهي نسبة جد ضعيفة تحتاج إلى بدل مجهود كبير للرفع منها.
الفقرة الثانية: الظروف الداخلية المنتجة للحكامة
لقد ساهمت مجموعة من العوامل والظروف التي جعلت من الحكامة ضرورة ملحة تفرض نفسها على بلدان العالم الثالث، ومن بينها المغرب، هذه العوامل تشكل قاسما مشتركا بين مختلف هذه البلدان، هذه العوامل (الأسباب) تتجسد فيما يلي:
- التنافسية؛
- الفقر؛
- البطالة؛
- الأمن؛
- الفساد
إن التزام الدول النامية والمغرب على رأس هذه البلدان- بمنهجيته الحكامة أمرا غاية في الأهمية، لما ينطوي عليه ذلك من تكامل أدوار الإدارة الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني عن طريق المشاركة والتشارك لإعادة رسم الأدوار، لكل منها ليتسنى تحقيق التنمية المجتمعية ذات الكفاية والفعالية و الاستجابة للمواطنين، وطموحاتهم وفق ما ترتكز عليه الحكامة من مميزات تعكس الشفافية والمساءلة و التشارك فيتحمل المسؤولية والمشاركة في رسم السياسات وتعزيز دولة القانون. لكن قبل هذا وذاك لابد من التطرق لأهم العوامل التي ساهمت في ولادة مفهوم الحكامة على المستوى المحلي/الوطني، وسنقتصر على أهمها:
*سياسة المنافسة: تؤدي عمليات التدعيم و الترشيد عن طريق الاندماج والشراء إلى درجة أعلى من التركيز في سوق الدولة المضيفة. وقد كان موضوع المحافظة على درجة التوازن الصحيح المنافسة و التعاون أحد الاهتمامات لدى واضعي السياسة في منطقة شرق آسيا وشمال إفريقيا. ولبلوغ الهدف، فإنه يتطلب من واضعي السياسات أن يعملوا على تشجيع توجه السوق ذاتيا عن طريق خفض القيود والبيروقراطية على المنافسة وهي أحد الشروط الأساسية التي تنبني عليها الحكامة. وكان أحد الأمثلة الحية على الإصلاح التشريعي، الذي أدى إلى تسهيل المنافسة في الأسواق، ما قامت به تايلاند من إصدار قانون جديد خاص بالمنافسة والتسعير في سنة 1999، غير أنه مما يعقد الأمور أن الأخذ بمفهوم ضيق للمنافسة ليس مناسبا للاقتصاد “الجديد”، وتقوم الحكومة الكورية الجنوبية بتشجيع المنشآت المحلية على الاستثمار في البحوث والتطوير، وتكوين تحالفات استراتيجية مع الشركات المتقدمة، وكلاهما سيؤدي إلى زيادة قدرتها التنافسية عن طريق الابتكارات التكنولوجية[20].
*مشكلة الفقر: تعتبر هذه المشكلة أحد العوالم الرئيسية التي دفعت بالعديد من البلدان النامية و خاصة البلدان العربية منها وعلى رأسها المغرب والجارة الجزائر بحيث ارتفع الفقر بالمغرب بدرجة كبيرة في المناطق الريفية والحضر على السواء من 13% عام 1990/1991 إلى19% عام 2000/2001 وذلك بسبب الجفاف وحدته، وتكراره، فقد انتعش النمو منذ ذلك الوقت وسقطت نسبة الفقر ما بين 12% و15% وتبين الجزائر أيضا تدهورا في أوائل التسعينيات- من 8% عام 14% سنة 1995 و16% عام 2000 طبقا لتقرير غير حكومية، ولا تتوفر لنا بيانات يمكن مقرنتها عن النصف الأخير من العقد الأخير.
إن تجاوز هذه الظاهرة يشمل تعزيز قدرات وإمكانيات الفقراء والفئات المهمشة والضعيفة و الأقليات والمرأة من أجل إفساح المجال مشاركتهم المتساوية في الحقل السياسي والإدارة الصالحة. وهذا يتطلب مجرد الحق في المشاركة في انتخابات دورية لأنه غير كاف، بل يتطلب الحرية في التنظيم والمشاركة في وضع السياسات والاعتراض عليها والمشاركة فيها بالرقابة والإشراف و التنفيذ.
إن الفقر له ثلاثة أبعاد مترابطة هي:
الحرمان من الموارد يلعب الحكم الصالح (الحكامة) دورا مهما في تأمين شبكات الحماية المحلية، وفي تقرير الاقتصاديات التي تعتمد على الفقراء. وفي تأمين الأموال والقروض وفي حماية السكان وحقوقهم في الأرض والمسكن. أما في مجال الحرمان من الفرص فإنه يوفر الفرص المتكافئة في التعليم والصحة والنقل والتدريب، وبالتالي الحصول على الفرص الاقتصادية والوظائف. وأخيرا في مجال الحرمان من السلطة تسمح الحكامة وتشجع على العمل التشاركي والتعاوني، وعلى بناء القدرات، وتقوية المؤسسات والمشاركة في المعلومات، وبالتالي في الفرص”شبه” المتساوية في الحصول على موقع داخل مراكز القرار أو التأثير في عمليات صنع القرارات[21].
إن فكرة تمكين الفقراء من الحصول على الموارد الضرورية في الوطن العربي، حيث إن الفرص المتاحة للحصول على القروض والأموال قليلة جدل، وهناك حاجة إلى إقامة نوع الصناديق التي تهتم بتوفير هذه الموال للفقراء. وتلعب في الغالب بعض منظمات المجتمع المدني وبعض المنظمات الدولية هذا الدور وعلى رأسها البنك الدولي الذي من مجموعة من الاقتراضات للبلدان النامية قصد تجاوز معضلة الفقر عن طريق الاهتمام بمجموعة من الميادين والمجالات التي لها صلة بمشكلة الفقر بالعديد من الدول، وتشمل الصناديق الاجتماعية والتنمية التي تدفعها المجتمعات (مثلا المغرب ومصر)، ولتدريب المهني (في الجزائر والأردن ولبنان وتونس)، والبرامج المستهدفة في مجالي الصحة والتعليم (في مصر وإيران والأردن ولبنان والمغرب واليمن)، وبرامج التنمية القروية وإدارة الموارد الطبيعية (في الجزائر ونمصر والمغرب)[22].
*مشكل الفساد وسوء التسيير العام: تركزت إشكاليات الفساد في العالم العربي على عوامله ومختلف آثاره الاقتصادية والتنموية والقيمية والاجتماعية والسياسية والإعلامية. إلا أن الذي له الآثار الكبيرة هو الفساد الاقتصادي التي يتمثل في أبعاده الرئيسية في الحد النمو المستدام، والاستقرار في الاقتصاد الكلي و العدالة الاجتماعية والحد من الفقر، وجودة المؤسسات وفعالية السياسات والعمليات الحكومية. وتشكل الحكامة في هذا الجانب ضعف كبير أو تدني فعالية مؤسسات الدولة في المنطقة العربية بما تسبب في كوارث سياسية وعسكرية، وفي استشراء فساد السلطة، والقمع السياسي واندلاع الحروب، إضافة إلى الاختراق الأجنبي للمنطقة، وفقدان السيادة، وشدة معاناة الشعوب، وقد أثر ذلك الأداء الاقتصادي حيث بينت نتائج الدراسات أن الإصلاح في نوعية مؤسسات الحكم، وحجم القطاع العام، وطبيعة الاستثمار غبر المجدي، والتمييز ضد المرأة، وتباطؤ الإصلاح المالي، أي فيما يندرج تحت عنوان الحكامة، يمكن أن يقترن بارتفاع نصيب الفرد من الناتج الإجمالي بالإضافة إلى المكاسب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، أضف إلى ذلك وارتباطا بالموضوع، فإن الاختلالات التي يعرفها التسيير المالي العمومي وعلى الخصوص التسيير الجماعي، حيث أفرزت التجربة الجماعية ببلادنا إشكالات ومعوقات موضوعية تواجه المجالس المحلية المنتخبة، لتحميلها أحيانا بالمضامين ملموسة، مردها إلى النقص في الموارد المالية، والانطلاق المحلي الغير التنموي، وقلة الموارد البشرية الكفأة، وتوسيع دائرة الوصاية المالية المسبقة واللاحقة. إلا أنه عمليا لم تستطع المجالس الجماعية في غالبيتها، أن ترقى إلى مستوى ممارسة الصلاحيات والاختصاصات الهامة والأساسية المخولة لها بحكم القانون وذلك لعدة اعتبارات نورد أهمها:
- تواضع الموارد المحلية.
- بطء وتعقيد المسطرة الإدارية.
- الوصاية المتعددة.
- الإنفاق المحلي الغير التنموي والتلاعب بالأموال.
- رفض الحسابات الإدارية[23].
*مشكلة البطالة: لقد ساهمت البطالة بشكل واضح في تبني دول العالم الثالث لمفهوم الحكامة، بحيث أن تفشي هذه الظاهرة في هذه المجتمعات له سلبيات وأمراض كثيرة قد تأثر في المجتمع، مثل وجود وقت فراغ كبير إضافة إلى حاجة بعض العاطلين للمال، وهذه المعادلة الخطيرة قد تكون عواقبها وخيمة على بعض الشباب التي من الممكن أن تقودهم إلى الطريق الممنوع، والحل الأمثل للشباب في نظر عمليات الحكم الصالح (الحكامة) هو عدم رفض أي توظيف: مهما كان مقدار الراتب، فالخبرة التي من الممكن أن تكتسب من وظيفة ما أفضل من الوقت الذي قد يضيع من دون اكتساب أي مهارة جديدة أو خبرة، والطريق الآخر هو العمل في المشاريع الخاصة مثلا[24]. إذ تتغير نسبة البطالة بالمغرب وهي مرتفعة خاصة وأن غالبيتها العظمى من حاملي الشهادات العليا، والتي على مختلف الحكومات والفعاليات أن تجد لها حلا عاجلا أو على الأقل الحد منها[25].
وفي آخر المبحث، ينبغي الإشارة إلى أنم هذه العوامل التي عملنا على سردها سواء الدولية أو الوطني،ة وإدارة سبيل المثال لا الحصر لأن هناك عوامل واكراهات أخرى ساهمت في ميلاد الحكامة وأعادت ظهورها للوجود مرة أخرى على اعتبار هذا المفهوم هو قدم التاريخ، لكن لكي تكون الحكامة مفهوما نظريا وعمليا عنصرا فعالا يعمل على تجاوز المشاكل والحدود التي تعرفها الساحة الوطنية أو الدولية لابد من توافر مجموعة من المرتكزات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية والتي سنعمل على دراستها في المبحث الثاني.
المبحث الثاني: مرتكزات الحكامة
إذا كان الحكم الصالح أو الحكم الرشيد هو ذلك الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية ملتزمة بتطوير موارد المجتمع وبتقدم المواطنين، وبتحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم، وذلك برضاهم وبمشاركتهم عبر زيادة مستوى دخل الفرد وتقليل حدة الفقر والعناية بحقوق المواطنين، وما يميز إدارة شؤون المجتمع طبقا لفكرة الصالح العام، هو أنها تتضمن أبعادها مرتبطة ببعضها البعض وسنركز على بعدين اثنين المرتكز السياسي(مطلب أول)، المتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثلها، ثم المرتكز الاقتصادي والاجتماعي(مطلب ثان) ويتعلق بطبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
المطلب الأول: المرتكزات السياسية
يرى Ellan Margreth بأن الحكامة ليست مجرد حالة من الشفافية والمساءلة وحكم القانون فقط، بل هي أيضا حالة من المشاركة الديمقراطية وحقوق الإنسان. وبالتالي، فهما مناخا مجتمعيا ديمقراطيا تتفاعل فيه كافة الأطراف المجتمعية ومكوناتها المؤسسية لتحقيق مستوى معيشي أفضل لكافة أفراد المجتمع على تنوع فئاتهم ومستوياتهم.
أما Jounes Speth Qustave فيرى أن تويج الحكامة لا يعني تقوية قدرات الدولة لتحكم فقط، بل أيضا روح المشاركة المدنية في كافة الشؤون العامة، وبذلك فالحكامة معنية بتفاعل المجتمعات والمؤسسات المدنية المحلية في تحمل المسؤولية، والمشاركة في رسم السياسات العامة[26].
وهكذا، يظهر أن البعد أو المرتكز السياسي حاضر بشكل كبير في موضوع الحكامة، وذلك من خلال التأكيد على دور الدولة في الحفاظ على حقوق المواطنين، وحكم القانون. وهذا ما سنتناوله في الفقرة الأولى. ومن خلال الحث على مشاركة المجتمع المدني من أجل دعم دور الحكومة وتصحيح مسارها في حالة الخطأ وهذا هو موضوع الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: دولة الحق و القانون
شكلت نهاية الثمانينات بداية عهد جديد في الأدبيات السياسية على المستوى الدولي، وهمت بالخصوص موضوع في غاية الأهمية، وهو موضوع احترام حقوق الإنسان، والمواطن وسيادة القانون، بل شكل هذا الموضوع مبررا تستخدمه الدول الحاكمة على الصعيد الدولي، وكذلك مؤسسات الاقتراض الدولي (البنك العالمي، صندوق النقد الدولي…)، للضغط على الدول الفقيرة والنامية، وكذلك التدخل في شؤونها الداخلية، من خلال محاصرة حكوماتها، بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية تعيق مسيرة التنمية بهذه البلدان المتعثرة في الأصل.
وفي هذا الإطار، برز مفهوم الحكامة أو الحكم الصالح كمفهوم حاول إيجاد حلول ناجعة لمعضلة الديمقراطية، وحقوق الإنسان في الدول الثالثية على وجه الخصوص، وذلك من خلال ضمانه لاحترام كرامة المواطنين، وتلبية طموحاتهم في التقدم والرفاه الإنساني، وكذلك في أن تكون السياسات المنتهجة ملبية لمصالح المواطنين، وتحقيق تمتعهم بجميع الحقوق والحريات على قدم المساواة ودونما تمييز، وتوفير آليات مناسبة لتقويم السياسات وتصحيحها، والتصدي لإساءة استخدام السلطة والنفوذ، إن الحكامة تهدف من ضمن ما تهدف إليه المساواة والعدالة بين المواطنين بغض النظر عن الدين أو اللون أو العرق.
إن تحقيق الديمقراطية، وضمان حقوق الإنسان، وسيادة القانون، لن يتأتى إلا من خلال إصلاحات دستورية وقانونية، يجب أن تهتم بالخصوص الفصل الحقيق للسلطات، ففي ظل هيمنة السلطة التنفيذية عن باقي السلطات الأخرى (التشريعية والقضائية)، وعلى الخصوص سيطرة الحكومات على وسائل الإعلام لن يضمن أي حق من الحقوق التي تحدثنا عنها قبل. ولهذا، لابد من وضع حد احتكار الأيدي للسلطة ولابد من إعادة التوازن في العلاقة بين السلطات، وضمان استقلال كل واحدة عن الأخرى، ووضع حد لسيطرة السلطة التنفيذية على باقي السلط الأخرى والحيلولة دون تدخلها في شؤون العدالة والتزامها باحترام القضاء والخضوع للقانون، ولابد من القيام ببعض الإجراءات التشريعية التي تؤدي إلى إعمال آليات الشفافية و المحاسبة سواء فيما يتعلق بالحق في المعرفة والنفاذ إلى المعلومات وتلقيها وتداولها، أو فيما يتعلق بحرية الصحافة والإعلام، وحريات التعبير عموما. محاصرو بكم هائل من النصوص العقابية و العقوبات السالبة للحرية والتي تقف عائقا أمام النقاش الحر لسياسات والسلوك العمومي وتجعل من تصدي وسائل الإعلام للانحراف استغلال النفوذ مغامرة غير مضمونة العواقب.
وتهدف الحكامة كذلك إلى تحقيق الانسجام والعدالة وذلك بتحديد الحد الأدنى لمستوى معيشة كافة المواطنين وتحقيق مستوى الحياة الكريمة لهم، وجعل المواطن محور اهتمام متخذي القرار وبناء البرامج المجتمعية على سماع المواطنين، والأهم هو تحقيق وإدامة حالة الشرعية في المجتمع.
فالأزمة التي تعيشها معظم دول العالم الثالث تكمن في العقلية السوسيولوجية التي تنتج وتعيد إنتاج تلك الأزمات والإخفاقات السياسة، وكذلك في انعدام تعددية سياسية وديمقراطية حقيقية، وعدم قبول الاختلاف، وغياب الإنتاج المجتمعي وعدم تفعيل مؤسسات المجتمع المني.
إن تطبيق الحكامة هي الوسيلة الوحيدة لمحاربة الفساد والرفع من فعالية الحكومة والطريق الأمثل الاشراك مختلف الفعاليات في تدبير الشأن العام.
الفقرة الثانية: فعالية الحكومة و المشاركة
إن الحديث عن نجاعة وفعالية الحكومة في تسيير وتدبير الشأن العام يمر عبر اشراك المواطنين في اتخاذ القرارات الحاسمة سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة، فإن السياسة العامة والعمل العام للحكومة أو الإدارة يستهدف خدمة المواطن، فإنه بالأحرى يلزم أن يتم بإشراك هذا المواطن.
المشاركة السياسية هنا لا تقتصر على المشاركة السياسية للمواطنين، والتي تعني حق المرأة والرجل في التشريع والتصويت، وإبداء الرأي ديمقراطيا في البرامج والسياسات والقرارات وقد تعددت، بل لابد من إشراك فعاليات المجتمع المدني في إيجاد القرارات الحاسمة، وخاصة على المستوى المحلي، حيث تلعب اللامركزية بالنسبة إلى العمل المحلي بشكل خاص دورا مهما في توفير خدمات أكثر فعالية، وتأمين المشاركة في التنمية، كما يجب التقليل أو الحديث من هيمنة الدولة على منظمات المجتمع المدني، بل يجب تفويض السلطات إلى هذه الأخيرة كي تساهم بفعالية في الخطط التنموية، وترسيخ الشرعية السياسية[27].
فتوسيع المجتمع المدني واستقلاله الذاتي النسبي يشير إلى نمو قدرة المجتمع على إدارة الكثير من القضايا بشكل مستقل عن الدولة ومؤسساتها، كما أنه يمارس بعض الرقابة الشعبية على العمل الحكومي و الوكالات الحكومية، إضافة إلى القطاع الخاص. إن مبدأ المجتمع المدني حديث ولا يمكن تطبيقه على البنى الاجتماعية التقليدية التي عوقت قبل تشكيل الدولة الحديثة، ويتضمن المجتمع المدني منظمات ومؤسسات غير حكومية، ونقابات مهيمنة، وجمعيات مهنية وثقافية وتعاونية ووسائل الإعلام خاصة، إضافة إلى الأحزاب غير ممثلة في مؤسسات الدولة. فهذه المنظمات المجتمعية تناضل ضد التمييز وتساهم في عملية التنمية من خلال العمل على تحقيق توزيع عادل للموارد، كما تستفيد المجمعات المهمشة والفقيرة من عمل المنظمات غير الحكومية أكثر من غيرها، وتعمل هذه المنظمات على تحقيق التكافل الاجتماعي وبعث المواطنة على وجه الخصوص، وتوزيع مستوى المشاركة الشعبية في المجال العام، وتلعب دورا مهما في وقع السياسات الاجتماعية والاقتصادية على المستويات المحلية والقطاعية والوطنية.
أما فيما يخص دور الحكومة، فهي معنية بوضع الإطار العام القانوني والتشريعي الثابت والفعال لأنشطة القطاع العام والقطاع الخاص على حد سواء، ومثلما تكون معنية بتأكيد الاستقرار والعدالة في المجتمع، وتعمل على الاهتمام بتحسين الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.
إن المؤسسات الحكومية يجب أن تعمل على تمكين الناس الذين تقوم بخدمتهم بتزويدهم بالفرص المتساوية، وتأكيد شمولهم في الأمور الاقتصادية الاجتماعية والسياسية وفتح المجالات لحصولهم على الموارد المتوفرة في المجتمع. لكننا نعلم بأنه لا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا كانت السلطات التشريعية والعمليات الانتخابية وسلطة القضاء تعمل بشكل جيد ومناسب. فالحكومات مطالبة بلامركزية الأنظمة الاقتصادية والسياسية بشكل سريع. إذ الحكامة الجيدة للقرن الواحد والعشرين تحتم على الحكومات أن تعيد النظر في تعريفها لدورها في جميع الأنشطة التي تقوم بها ليس فقط على المستوى السياسي، وإنما الاقتصادي و الاجتماعي أيضا، وهذا هو موضوع المطلب الثاني من هذا المبحث من خلال الحديث عن البعدين الاقتصادي والاجتماعي للحكامة.
المطلب الثاني:المرتكزات الاقتصادية والاجتماعية
نظرا لصعوبة الفصل على الأقل نظريا، بين ما هو اقتصادي، وما هو اجتماعي، واعتبارا للتأثير المتبادل بين هذين المجالين، سنحاول من خلال هذا المطلب توضيح بعض الآليات المهمة التي تعتمدها الحكامة كشروط لتحقيق التنمية المستدامة، وتحقيق التطور المنشود من طرف المجتمعات الثالثية على الخصوص. وبما أن هذه المجتمعات تعرف انتشار ظواهر معتلة الفساد مثلا، وتعاني كذلك من غياب رؤى واضحة للتحقيق التنمية. فإننا سنناقش في فقرة أولى الكيفية التي يجب إتباعها لمحاربة ظاهرة الفساد، والآثار المترتبة عنه، ثم ننتقل للحديث عن آلية أخرى في غاية الأهمية وهي مرتبطة بالرؤيا الاستراتيجية في فقرة ثانية.
الفقرة الأولى: السيطرة على الفساد
لا يختلف اثنان في كون المجتمعات تحتوي على قدر معين من الفساد، إذ لا يوجد ذلك “المجتمع الفاضل” الخالي من ظواهر فاسدة، ولكن القضية التي تأرق بال المجتمعات في دول العالم الثالث على العموم (المغرب واحد منها)، ليست وجود قدرة من الفساد في المعاملات، بل حجم الفساد واتساع دائرته، وتشابك علاقاته، وترابط آلياته بدرجة لم يسبق لها مثيل[28]. حيث أصبح ينظر إلى الفساد بالعد والمتعدد الرؤوس، يتسلل إلى كل جزء من النسيج الاجتماعي، ويضعف الجسد السياسي، معرضا آفاق النمو الاقتصادي للخطر، وكثيرا ما يبدو وأن خطر الفساد لا يقهر، ولكن مؤخرا، وبعد التحسن الذي طرأ على التنظيم والإدارة، وأصبح صناع القرار أكثر شفافية، من خلال جهود الحكومات والأفراد والضغوط ممارسة من طرف الصناديق المقرضة، وكذلك في إطار المساعدات الممنوحة، حدث تقدم ملحوظ في كبح الفساد واعتماد أكبر لقواعد الحكم الجيد، فجهود البلدان عادة لمناهضة الفساد تتم برفع الوعي، وإجراء تغيرات لجعل الحكومات أقل قابلية للفساد، ثم التصدي لمشكلة الأنظمة الفاسدة[29].
لقد اختلفت التعاريف المقدمة لظاهرة الفساد، لكن على الرغم من ذلك ظلت تجمعها قواسم مشتركة، فمثلا البنك الدولي وضع تعريفا للأنشطة التي تندرج تحت تعريف الفساد “إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، فالفساد يحدث عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب أو ابتزاز رشوة لتسهيل عقد وإجراء طرح لمناقصة عامة، كما يتم عندما يقوم وكلاء أو وسطاء شركات أو أعمال خاصة، تقديم رشاوي الى سياسين أو إجراءات عامة للتغلب على المنافسين، وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية، كما أمكن للفساد أن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب أو سرقة أموال الدولة مباشرة”.[30]
إلا أن لمثل هذا التعريف فائدة محدودة في محاربة ظاهرة الفساد بأوجهها المتعددة على الصعيد العالمي. لذلك، تجنب مناديب أعضاء الأسرة الدولية عندما اجتمعوا في إطار الأمم المتحدة لصياغة أهم المواثيق الدولية حتى الآن، بشأن الفساد تبين لهم تعريف شامل له، معتبرين أن مثل هذا التعريف غير ضروري وغير ممكن، نظرا للطبيعة المرنة لهذا المفهوم، والتي تشمل أعمال مختلفة، قابلة لتكيف في كل مجتمع على حدة. وهكذا فاتفاقية الأمم المتحدة ضد الفساد، والتي تبنتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وتم التوقيع عليها في المكسيك، في دجنبر 2003 لا تحتوي تعريفا شاملا تاركة للدول الأعضاء إمكانية معالجة أشكال مختلفة من الفساد قد تنشأ مستقبلا[31].
ولاشك أن لظاهرة الفساد آثار كبيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فالفساد يقوض الحوافز، ويقوض المؤسسات، ويعيد توزيع الثروة والسلطة لصالح غير المستحقين لها، وعندما يقوض الفساد حقوق الملكية، وحوافز الاستثمار، فإنه بطبيعة الحال يشل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد لفت “ممويل هنتجتون” النظر إلى أن “المجتمع الذي ينتشر فيه الفساد بالفعل ليس من المحتمل أن يتحسن لمزيد من الفساد”.
إن الآثار المدمرة للفساد ليست مجرد قضية أخلاقية، بل لها تكلفتها الاقتصادية والاجتماعية الباهضة، ووفقا لبعض الحسابات المبدئية للتكلفة الاقتصادية للفساد نلاحظ ما يلي:
* يؤدي ارتفاع حجم التهرب الضريبي، بفعل ممارسات الفساد إلى زيادة حجم عجز الموازنة العامة للدولة، وضعف مستوى الإنفاق العام على السلع والخدمات الضرورية؛
* ارتفاع تكلفة الخدمات إلى 10% نتيجة التكاليف الإضافية الناجمة عن ممارسات الفساد؛
* ارتفاع تكاليف التكوين الرأسمالي (المباني والمعدات) نتيجة العمولات التي تتراوح في بعض بلدان العالم الثالث مابين 20 و50% فوق التكلفة الأصلية.
على الصعيد الاجتماعي، يؤدي الفساد عادة إلى توزيع الدخول بشكل غير مشروع مما يحدث تحولات سريعة وفجائية في التركيبة الاجتماعية، الأمر الذي يكرس التفاوت الاجتماعي، ويزيد من احتمالات التوتر وعدم الاستقرار السياسي، ويعرض شرعية النظام السياسي للتآكل المستمر.
ويبقى الأمر الأكثر خطورة هو أن هناك بيئة خاضعة للفساد، بمعنى أن تلك البيئة غالبا ما تترك العنان للفساد كي يتفشى دون أن تمارس دورها في كبح جماحه، فتتهيأ له كل الفرص للنمو والانهيار، ليصبح مؤسسة[32].
إن ظاهرة الفساد بالحجم والآثار السلبية التي تعرضنا لها في هذا العرض، تستدعي أكثر من أي وقت مضى العمل على ممارسة هذه الظاهرة على جميع الأصعدة، فللإشارة فعملية مناهضة الفساد ليست محصورة على الصعيد الداخلي للدول، بل تقوم بها مؤسسات دولية كبرى، خاصة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي.
فعلى الصعيد الداخلي أو المحلي يجب العمل على محاور ثلاثة:
1- توسيع رقعة الديمقراطية والمسائلة: عن طريق توسيع الرقابة والمسائلة من جانب المجالس التشريعية والنيابية والأجهزة الرقابية، ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق درجة أكبر من الشفافية، كما يجب العمل على تداول السلطة حتى لا يعيش الفساد لمدة طويلة، ويتم توارثه والتستر عليه؛
2- الإصلاح الإداري والمالي: لابد من وضع القواعد اللازمة تمنع التداخل بين الوظيفة العامة وممارسة النشاط التجاري بالوكالة، لمنع اختلاط المال العام بالمال الخاص[33]. بالإضافة إلى مراقبة النفقات العمومية، الإنصاف الجبائي، الشفافية في إبرام الصفقات العمومية، ثم التنافسية…..؛
3- إصلاح هيكل الأجور والرواتب: من أجل تحسين أوضاع صغار الموظفين كخدمة عامة من حيث مستويات الأجور والمرتبات، وما يتمتعون به من مزايا عينية حتى تصبح الأجور والرواتب أداة للعيش الكريم، هذا ما يساعد على محاصرة الفساد على مستوى القاعدة على الأقل[34].
وللإشارة، ولتحقيق نتائج ايجابية يجب العمل على هذه المحاور الثلاثة في وقت واحد.
أما على الصعيد الدولي، فمنذ 1996 تبنى البنك العالمي خطة لمحاربة الفساد يمكن أن نجملها في ما يلي:
- منع الاحتيال والفساد في المشاريع التي يشترك البنك في تمويلها؛
- مساعدة الدول الأعضاء بالخبرات إذا ما طلبت المساعدة؛
- أخذ مسألة الفساد في عين الاعتبار في خطط التنمية التي يضعها البنك بشأن الدول الأعضاء؛
- إعلان البنك عن تأييده ومشاركته في كل الجهود الدولية لمكافحة الفساد[35].
وعليه، يمكن القول أنه إذا تظافرت جهود الحكومات، ومؤسسات المجتمع المدني، والأفراد في محاربة الفساد، فإنه سيتم القضاء الفساد تاركا المجال أمام انبعاث روح جديدة قوامها العمل الجاد والمثمر. هذا العمل يتطلب ضمن ما يتطلبه حضور رؤية كفيلة بتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية.
الفقرة الثانية، الرؤية الاستراتيجية
إن الرؤية الاستراتيجية تقضي الاعتماد على مجموعة من الآليات والدعائم الأساسية ونذكر منها، التخطيط الجيد، والتنظيم الفعال، وكذا التوفر على قيادة واقعية تتمتع ببعد النظر في اتخاذ القرارات، ثم تحفيز العاملين، وكذلك الخضوع للرقابة الصارمة، وتبني مبدئي الجودة والفعالية في إنجاز المشاريع….، وذلك بهدف الابتعاد ما أمكن عن دوامات الفساد. وسنكتفي في هذا العرض بالتركيز على التخطيط، التنظيم، ثم المراقبة باعتبارها الدعامة الأساسية لتحقيق التطور المنشود .
يعتبر التخطيط ذو أهمية قصوى من عهد “تايلور” حتى يومنا هذا. ولابد من تقديم التعريف له وذلك بهدف التمييز بين مفهوم التخطيط وبعض المفاهيم الأخرى المشابهة له، كاتخاذ القرارات، والخطة….
فـ”Kontz” يرى أن ” التخطيط هم التقرير المسبق لما يجب عمله؟ وكيف يتم؟ ومتى؟ ومن الذي يقوم به؟ في حين يعرف “H-Fayol” التخطيط بأنه في الواقع: عملية تنبؤ بما سيكون عليه المستقبل مع الاستعداد الكامل لمواجهته”. ويقول “Billy Goetz” أن التخطيط هو “اختيار في جوهره وتظهر الحاجة إليه عندما يتم العثور على بدائل من التصرفات الممكنة”[36].
إن التخطيط كإحدى وظائف الإدارة يسعى من خلالها إلى تحقيق مجموعة من الأهداف كتحديد البرامج الرمزية التي تنظم تنفيذ العمليات، تحديد المميزات التقديرية….
والتخطيط له أنواع عديدة، أهمها التخطيط الاستراتيجي المعمول به في القطاع الخاص، والتخطيط الوطني المطبق في القطاع العمومي.
بالنسبة للنوع الأول يقتضي العمل بنظام تدبيري يعتمد على وضع تصاميم تمكن المقاولة من رؤية واضحة المعالم تجعلها تتبنى ممارسة معينة تجعلها تتبوأ مركز الريادة داخل ميكانزمات السوق.
وهذا الاتجاه المسمى بالاستراتيجية المميزة، يحتم على المسؤول احترام قواعد محددة لتدبير شؤون المؤسسة، كما يعد التخطيط الاستراتيجي علما وفنا وطريقة مميزة للتحليل وكسب رهان التنافس، واتخاذ القرارات، وانتهاز الفرص وتجنب المخاطر، وممارسة تدبير أفضل وأمين، وبذلك يتميز هذا النوع من التخطيط بحكم موقفه المعتدل ما بين التخطيط الطويل المدى والتخطيط القصير المدى. حينما يتعلق الأمر بضرورة إنجاز أعمال آنية وطارئة. كما يعرف بقدرته على التوفيق ما بين النظرة البعيدة والأعمال الآنية، حيث يخلق انسجاما يهدف إلى تحقيق تنمية تراعي عدة عوامل واكراهات كثيرا ما قد تعترض سير المقاولة، وبذلك يتعين حتما مراعاة تقلبات التغيير والبيئة واستعمال الوسائل التي من شأنها أن تساعد في تحقيق النجاح.
فيما يخص النوع الثاني، فبعد تقدم تقنيات الإحصائيات والحسابات الوطنية، أصبح ممكنا حصر التوقعات، الشيء الذي سمح بتهييئ ووضع خطط بالنسبة للاقتصاد الوطني للبلدان التي أصبح فيها هذا النوع من المخططات الاقتصادية يسمى بمخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، باعتباره مخططا وطنيا يأخذ بعين الاعتبار ليس فقط توجهات القطاعات المنتجة، بل وكذلك القطاعات الاجتماعية بشكل عام. وفي هذا الاتجاه، يمكن العمل بنوعين أساسيين من التخطيط بالنظر إلى نوع الحكم المحلي وهما: التخطيط الالزامي، والتخطيط المؤشر[37].
- التخطيط المؤشر: يكتفي برسم الخطوط العريضة دون إلزام الفاعلين بإتباع نهج محدد، وبالتالي يمكن وصفه بكونه تخطيط مرن، وهذا النوع هو السائد في الأنظمة الأنجلوساكسونية.
- التخطيط الإلزامي: يقتضي ضرورة الالتزام المطلق للأوامر الواردة من طرف المسؤولين بالدولة وهو بذلك تخطيط جامد، وهذا هو المعمول به بشكل كبير في الدول الفرانكفونية.
أما فيما يتعلق بالتنظيم، فقد تم الشروع في العمل به في نهاية القرن 19، ويعتبر “F.Taylor” من أهم رواده. وقد تعددت التعاريف المقدمة له، باعتباره أكثر المصطلحات عرضة للتضارب في تحديد معناه. وهكذا نجد” Reily” و ” Moouney ” يعرفان التنظيم بكونه:”عبارة عن الشكل الذي تبدو فيه أي جماعة إنسانية لغرض تحقيق هدف مشترك”.
أما ” Chester Bernard “، فيرى أن التنظيم هو “نظام يعمل على التحديد الإداري للأنشطة أو القوى الشخصية المنسقة بين شخصين أو أكثر”. وهناك تعريف ثالث تبناه ” Georty Terryحيث اعتبر التنظيم بأنه ” في الأصل إقامة علاقات نشيطة للسلطة بين الأطراف التالية: العمل، الأفراد، ومراكز العمل بهدف تمكن كافة الجماعات من ممارسة العمل مع بعضها بكفاءة”.
إن التنظيم يعتبر حلقة ضرورية في ميدان التدبير. إذا لا يمكن العمل بشكل سليم دون تحديد المهم بدقة، ووضع المنظمة (قطاع خاص- قطاع عام) في هيكلة واضحة المعالم، ويقوم التنظيم على مقومات يمكن ذكر بعضها:
- تحديد واضح للعلاقات والسلطات، وهذه العلاقات هي الأساس في تحقيق الأهداف بكفاءة عالية؛
- يستند التنظيم على مجموعة من الأفراد لديهم الرغبة في توجيه جهودهم لتحقيق الهداف؛
- يقوم التنظيم على شبكة من الاتصالات تكفل ترابط وانسجامه، وتكفل تنمية العلاقات بين الأفراد والوحدات الإدارية[38].
وترتكز المراقبة على تحديد وتقييم ما تم إنجازه من أعمال، وعند الاقتضاء، اتخاذ التدابير التوجيهية الضرورية التي من شأنها جعل الإنجاز منسجما مع المخططات التي سبق تسطيرها[39]. وقد عرفها “H.Fayol” بأنها ” الإشراف الدائم أي الإشراف من قبل سلطة بقصد معرفة كيفية تنفيذ الأعمال والتأكيد من أن عناصر الإنتاج المتاحة مادية أو إنسانية داخل المنطقة تستخدما فعلا وفقا للخطة الموضوعة”. والرقابة وفقا لهذا المفهوم، هي تعبير شامل عن الإشراف والمتابعة وقياس الأداء وتحديد المعايير ومقارنتها بالإنجازات[40].
من هذا المنطلق، يتجلى الترابط المتين بين المراقبة وباقي الوظائف الأخرى، فهذا الترابط يجعل المراقبة أكثر فعالية، سيما فيما بينها وبين التخطيط، علما أن مشكل كل تخطيط يكون غالبا مرده إلى عدم المراقبة وضعف التتبع. ولذلك فنجاح كل تخطيط وبالتالي كل إنجاز لبرنامج عمل يكون رهينا بوضع آلية للمراقبة والتتبع والعمل بمقتضياتهما.
ويمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من المراقبة:
1- مراقبة مسبقة: وتعني الرقابة التي تسبق التنفيذ وحدوث الانحرافات عن المعايير الموضوعة، وتسمح باتخاذ الإجراءات التصحيحية قبل حدوث الاختلالات؛
2- مراقبة آنية أو متزامنة: تمارس هذه المراقبة في وقت متزامن مع تنفيذ المشاريع أو التصاميم الموضوعة أو المسطرة. وتهدف إلى الكشف عن انحرافات الأداء أثناء تنفيذ النشاطات؛
3- مراقبة لاحقة أو بعدية: تأخذ هذه المراقبة الخطوات التالية، قياس الأداء بعد حدوث التنفيذ، تحديد الانحراف، تصحيح الانحراف، تعديل الأداء الحالي، وتحديد الخطوات العلاجية للأداء في المستقبل[41].
الخاتمة
إن الحكامة تعتبر بمثابة ” إديال Ideal ” أو نموذج مثالي يجب الطموح لتحقيقه، رغم صعوبة ذلك خاصة في الدول الثالثية، ولكن رغم كل الصعاب فإنه يجب العمل على بلوغ هذا الاديال لجعله واقع، وبذلك ضمان التطور والتنمية الإنسانية مهما كلف ذلك، شرط عدم الخوف من الوقوع في الأخطاء، لأن الذي لا يخطئ هو الذي لا يبذل جهدا. وهنا نستحضر مقولة شهيرة للرئيس الصيني السابق “دونغ كيساوبينغ” حيث يقول” يجب أن نذهب بعيدا إذا رأينا بأنه الأفضل. أن نتوقف، ونتراجع إلى الوراء إذا تبين بأننا أخطأنا “.
[1] – سلوى شعراوي و آخرون: إدارة شؤون الدولة والمجتمع، مركز دراسات واستثمارات الإدارة العامة جامعة الأزهر، مطبعة القاهرة، طبعة 2001، ص: 10.
[2] – نقلا عن موقع:http://www.unesco.org/most/sd-arab/lexico.htm
[3] – على رأسهم الكاتب المصري محمد سيد أحمد و الكاتب الفرنسي R.A.ROHDES
[4] – التقرير الختامي لمؤتمر الإعلام و الحكمانية الرشيدة: الحكم الصالح والرشيد في البلدان العربية ضمانة أساسية لاحترام كرامة المواطنين، المنعقد بالعاصمة الأردنية عمان ما بين 14-16 فبراير 2005، جريدة الزمان العدد 2038، 16/02/2005، ص: 12.
[5] – زهير عبد الكريم الكايد، الحكمانية، قضايا و تطبيقات، منشورات المنظمة العربية للتنمية الإدارية، بحوث و دراسات العدد 372، طبعة 2003 ص: 7.
[6] – التقرير العالمي حول التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية 1997.
[7] -عبد الكريم الكايد، مرجع سابق، ص: 3.
[8] – تمثل هذه التحديات في العولمة، التجارة العالمية الحرة، الأسواق التجارية المفتوحة، سرعة انتشار المعلومات و التهديدات الأمنية.
[9] – التحديات المحلية: التنافسية، تشجيع الاستثمارات الخارجية و الداخلية، الفقر، البطالة، الأمن.
[10] -برنامج المم المتحدة الإنمائي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002: خلق فرص للأجيال القادمة (نيويورك: البرنامج ، المكتب الإقليمي للدول العربية 2002) ص: 101.
[11] – حسن كريم، الفساد والحكم الصالح في البلدان العربية، مجلة المستقبل العربي، العدد42، طبعة 2004، ص: 40.
[12] -Omar Belkheiri : gouvernance et économie : une lecture du concept, publications de revue marocaine d’audit et de développement, série Management stratégique 2004.
[13] – التقرير السنوي لمرصد الانتقال الديمقراطي لسنة 2002-2003. التحول الديمقراطي بالمغرب: الرهانات والمعوقات والحدود طبعة 2003، ص: 3.
[14] – حسن كريم، الفساد والحكم الصالح في البلدان العربية، مرجع سابق، ص 50.
[15] – محمد غربي، مفهوم الحكم الصالح بين مثالية الخطاب الدولي واكراهات الدولة في الجنوب، المجلة المغربية للتدقيق والتنمية سلسلة “التدبير الاستراتيجي” عدد 5، 2004.
[16] – زهير عبد الكريم الكايد، الحكمانية، قضايا و تطبيقات، منشورات المنظمة العربية للتنمية الإدارية، مرجع سابق، ص: 28.
[17] – Abdelatif Benmansour, Mondialisation et enjeux d’intégration –cas du Maroc-, les éditions magrébines Ain Sbaâ – Casablanca, 2002, page 20.
[18] – مختار مطيع، مشاكل سياسية كبرى وقضايا دولية في القرن العشرين، طبع مكتبة الشباب، الرباط، طبعة 2000، ص: 393.
[19] – تطور الاتجاهات الاستثمارية في الدول العربية- “مجلة ضمان الاستثمار” الكويت السنة الثانية و العشرون 3/2004. نشرة فصيلة تصدر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار.
[20] – محمد غربي، مفهوم الحكم الصالح بين مثالية الخطاب الدولي واكراهات الدولة في الجنوب ، مرجع سابق، صفحة 19.
[21] -حسن كريم، مرجع، سابق، صفحة 62.
[22] -WWW.BANKDAWLI.COM
[23] – محمد بنطلحة الدكالي: محاولة تشخيص ومعالجة الجوانب المالية و الجبائية في التنظيم المالي والجماعي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، “سلسلة مواضيع الساعة”، عدد 44، 2003، ص: 165.
[24] – WWW.ALKHALEEJ.AE/
[25] -WWW.ARABYNET.COM
[26] – زهير عبد الكريم الكايد، الحكمانية ، مرجع سابق، ص: 16.
[27] – حسن كريم، محمود عبد الفضيل – داود خير الله: ندوة الفساد و الحكم الصالح بالبلاد العربية – ، مرجع سابق، ص57.
[28] – محمود عبد الفضيل: مفهوم الفساد ومعاييره، المستقبل العربي، العدد 609 ، نوفمبر 2004،ص: 34.
[29] – محمد عربي: مفهوم الحكم الصالح بين مثالية الخطاب الدولي واكراهات الدولة في الجنوب، من الحكومة إلى الحكامة، دروس مغربية، أشغال المناظرة الوطنية التي نظمتها جامعة عبد الملك السعدي، أيام 21 و22 مارس 2003، العدد 5 2004،ص: 14.
[30] – داود خير الله: الفساد كظاهرة عالمية وآليات ضبطها، المستقبل العربي، العدد 309، نوفمبر 2004،ص: 67.
[31] – داود خير الله: المرجع (أعلاه)، ص: 68.
[32] – محمد عبد الفضيل، مرجع سابق، ص: 38 .
[33] – محمد عبد الفضيل، نفس المرجع السابق، ص: 39.
[34] – محمد عبد الفضيل، نفس المرجع أعلاه، ص: 38.
[35] – داوود خير الله، مرجع سابق، ص: 90.
[36] – كامل بربر، الإدارة عملية ونظام، المؤسسات الجامعية للدراسات، والنشر والتوزيع، ص: 55 و56.
[37] – أحمد الادريسي: الأركان الأساسية للتدبير، رسالة الأمة، العدد 6854، ص:11.
[38] – كامل بربر: مرجع سابق، ص: 83.
[39] – محمد الادريسي، مرجع سابق، ص: 11.
[40] – كامل بربر، مرجع سابق، ص: 147 وبعدها.
[41] – كامل بربر: مرجع سابق، ص: 147 وبعدها.