Site icon مجلة المنارة

الحكامة الأمنية بعد دستور 2011 

 »الحكامة الأمنية بعد دستور 2011 « 

إبراهيم أيت عبد BRAHIM AIT-ABED          

brahim.ait.abed.90@gmail.com

) طالب بسلك الدكتوراه في القانون الدولي العام والعلوم السياسية، جامعة محمد الخامس ـ الرباط ـ كلية سلا (

ملخص :

تعرف المنطقة المتوسطية وشمال إفريقيا، التي ينتمي إليها المغرب جغرافيا، عدة تحولات وتطورات سياسية وأمنية، جعلته هدفا للحركات المناهضة للاستقرار الإقليمي بالمنطقة، خصوصا بعد ما عرف بالربيع العربي، وتوسع نشاط التنظيمات الإرهابية، ما جعل من المغرب الإسراع من وثيرة انشغالاته الأمنية لمواجهة كافة التهديدات التي تعيق التحولات العميقة والإصلاحات التي يعرفها في كافة المجالات..؛ وتحديدا في المجال الأمني من خلال اعتماد حكامة أمنية هادفة إلى إحداث التغيير في الخدمات الأمنية وتطويرها..

Abstract :

The Mediterranean and North African region, to which Morocco belongs geographically, is characterized by several political and security developments that have made it a target for movements opposed to regional stability in the region, especially after the so-called Arab Spring, and by the terrorist organizations, which has led Morocco to accelerate the pace of security concerns, to face all the threats that hinder the profound transformations and reforms it knows in all areas, specifically in the field of security through the adoption of good security governance aimed at bringing about changes in security and development services.

المقدمة:

ارتفعت وتيرة الانشغالات الأمنية المغربية، بعد ما شهدته المِنطقة المحيطة بالبلد من تطوّرات سياسية وأمنية، جعلته هدفا للحركات المُناهضة للنظام السياسي الإقليمي المُضطرب منذ اندلاع الثورة التونسية وسقوط نظام القذافي .وتوسع نشاط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وكذا ما أصبح يعرف ب”تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)[1]، ليصبح قوة أساسية في صناعة الحدث في منطقة الصحراء، والإقليم تاليا بعد أن تسارعت الأحداث في مالي ووقوع جزء منها بأيدي قوى متشدِّدة .وإذا كان الهم الأمني المغربي ظل متمحورا لسنوات على تأمين حدود البلاد الجنوبية والانتباه لتداعيات النزاع الصحراوي على الوضع الأمني، فإن الرباط تعتبر، ومنذ إعلان الحرب على الإرهاب، أن دوره الأمني الإقليمي، بل والعالمي، يفرض عليه تغييرات في إستراتيجيته الأمنية، في ظل امتناع شقيقته اللّدود، الجزائر، عن إشراكه في التنسيق بين دول الإقليم.

يعيش المغرب اليوم العديد من التحولات والاقتصادية، الاجتماعية، السياسية والدستورية والحقوقية، المرتبطة بتعاظم الأوراش الإصلاحية التي تشهدها بلادنا منذ ما يزيد 10 سنوات، والتي تكتسي جرأة متميزة منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس سدة الحكم، وتوالت هذه الوثيرة من الإنجازات والإصلاحات الهامة، بدأ بإصلاح العلاقة بين السلطة والمجتمع، من خلال إقرار المفهوم الجديد للسلطة، مرورا بإصلاح قانون الأسرة، قضايا الإرهاب (خاصة منذ أحداث الدار البيضاء سنة 2003) ، وكذا لنجاح تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة التي توجت بتقرير هام جدا تضمن عدة توصيات في المجال الدستوري والسياسة والحكامة الأمنية…وغيرها.

ويعتبر مفهوم الحكامة الجيدة من أهم المفاهيم التي التي جاء بها الدستور المغربي لسنة 2011، كتعبير عن الجهود والفلسفة العامة الرامية إلى إحداث التغيير المنشود والحد من الفساد وسوء التدبير الذي تعاني منه بعض مؤسسات الدولة والمجتمع، ولقد خصص الدستور الجديد للحكامة الجيدة بابا كاملا (الباب 12) والمكونه من (17 فصلا: الفصول من 154 إلى 171)، والذي ينقسم إلى شقين، يتعلق الأول بالمبادئ العامة والثاني بتحديد المؤسسات والهيئات العامة المعنية بتفعيل تلك المبادئ. وبالتالي فالحكامة الأمنية تشكل ذلك الأسلوب الحديث الهادف لتأهيل المجتمع والدولة لضمان استمرارية الحكامة التي تعنى بالجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية..، وهي سياسات تختلف من حيث آليات تنفيذها، لكنها تلتقي وتتوحد من حيث الهدف والغاية.[2]

أهمية الدراسة:

إن مجموع الخدمات المرفقية التي يستفيد منها المواطنون تكون مؤدى عنها، وعلى غرار هذه الخدمات تظهر خدمة الأمن التي بدورها تعتبر خدمة يؤدي عنها المواطن من خلال دفعه للضرائب، وكنتيجة لتراكمات سنوات ماضية تميزت بمجموعة من الانتهاكات الحقوقية التي شهدها المغرب، عزمت بلادنا على طي صفحات الماضي من خلال تبني نهج وأسلوب جديد اجتاح مرفق الأمن يوفق بين الضرورات الأمنية وبين الحقوق الإنسانية وتكريس دولة الحق والقانون وإعطاء لكل ذي حق حقه، ألا هو الحكامة الأمنية الجيدة.

إشكالية الدراسة:

في البداية يمكن تحديد الإشكالية من خلال التساؤلات التالية:

وعليه، فان إشكالية هذه الدراسة ستكون على الشكل التالي : إلى أي حد أصبحت أهمية تطبيق الحكامة الأمنية الجيدة كرافعة لتحقيق الأهداف الأمنية المنشودة والرقي بالمؤسسات الأمنية وتحديثها ؟

المحور الأول: الإطار المفاهيمي لموضوع الدراسة

سنتطرق في هذا المحور للتعريف بمفاهيم الدراسة كالحكامة، الأمن (الأمن الوطني)، الحكامة الأمنية، وذلك لتقريب الصورة لقراء هذه الدراسة المتواضعة أمام شساعة موضوعها الرئيسي المتمثل في الحكامة الأمنية، هذا المفهوم الذي يعكس مستوى ومسار تطور السياسة الأمنية لبلادنا بعد دستور 2011.

أولا: مفهوم الحكامة، أركانها وأبعادها

          يصعب إيجاد تعريف شامل لمفهوم الحكامة، إذ نجد عدة مصطلحات تحيل إلى معنى كلمة الحكامة (الحكامة الرشيدة، الحكم الرشيد، الحكم الصالح، الإدارة المجتمعية..)، وتبقى الحكامة هي أكثر هاته الألفاظ شيوعا، وقد استعمل مفهوم الحكامة لأول مرة في مجتمع القرون الوسطى الإنجليزي الذي تميز بالتعاون بين مختلف مصادر السلطة (الكنيسة، النبلاء، التجار، الفلاحون) وقد أعيد استخدامه من طرف البنك العالمي أثناء عقد الثمانينيات وبداية التسعينات لتحديد الطريقة التي تمارس بها السلطة في تسيير الموارد الاقتصادية في بلد معين.[3]

يرجع أصل مصطلح الحكامة إلى الأصل اللاتيني « Gubernance »  الذي يعني قيادة السفينة وهو المعنى الذي يبين لفظ الحكامة كحسن تدبير وتسيير، إدارة الحكم، الإدارة المجتمعية، الحكم، إدارة شؤون الدولة والمجتمع ولقد اختلف استعمال هذا المصطلح بين الهيئات والمنظمات الدولية، بحيث أن كل جهة قدمت تعريفا من منطلق الزاوية التي نظرت إليه منها، كما يلي:[4]

كما تعرف الحكامة بأنها ذلك الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة، وأطر إدارية لتحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم، وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم، وهي تهدف إلى زيادة مستوى دخل الفرد وتقليل حدة الفقر، والعناية بحقوق المواطنين، مما يجعلنا نعتبر الحكامة نسقا في المؤسسات المجتمعية المعبرة عن حاجات الناس تعبيرا سليما، تربطها شبكة متينة من علاقات الضبط والمساءلة، تهدف تحقيق المصلحة العامة بواسطة الاستعمال الأقصى للوسائل البشرية، والمالية والتقنية وكذا المؤسساتية للدولة، بغية إقامة دولة ديمقراطية نافعة تضمن حقوق المواطنين، وتوفر آليات مناسبة لتقويم السياسات، وتصحيحها والتصدي الإساءة في استخدام السلطة والنفوذ وإهدار المال العام.[5]

لقد تطرقت الأمم المتحدة لتعريف الحكامة الجيدة من خلال تعريف يختزل في شمولية تامة جميع المكونات والمجالات الأساسية لهذا المفهوم، باعتباره، الأسلوب التشاركي للحكم ولتدبير الشؤون العامة الذي يرتكز على تعبئة الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، سواء من القطاع العام أو من القطاع الخاص وكذلك من المجتمع المدني، بهدف تحقيق العيش الكريم المستدام لجميع المواطنين. ولابد للتذكير أن الحكامة الجيدة تتأسس على أربع دعامات:[6]

-1 أركان الحكامة الجيدة:

 ينبني مفهوم الحكامة الجيدة على عدة أركان أساسية وهي:[7]

إن اعتماد الحكامة كأسلوب لإدارة المجتمع يتضمن ثلاث أبعاد مترابطة فيما بينها، تتجلى أساسا في البعد السياسي المتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثلها، وأيضا في البعد التقني المتعلق بعمل الإدارة العامة وكفاءتها وفعاليتها، والبعد الاقتصادي الاجتماعي المتعلق بطبيعة بنية المجتمع المدني ومدى حيويته واستقلاله عن الدولة من جهة، وطبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وتأثيرها في المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة، وكذا العلاقات التي تربطها مع الاقتصاديات الخارجية والمجتمعات الأخرى من جهة ثانية.[8] وإن مفهوم الحكامة بأبعاده الثلاثة هنا يتوافق وتطوير مفهوم التنمية، وذلك أن هذه المفاهيم قد تغيرت من التركيز على النمو الاقتصادي إلى التركيز على التنمية البشرية ثم التنمية المستدامة أي الانتقال من الرأسمال الاجتماعي وصولا إلى التنمية البشرية.

-2التأصيل الدستوري لقواعد الحكامة الجيدة (دستور 2011):

حدد الدستور الجديد معالم نظام الحكم بالمغرب، بتوصيفه بالملكية الدستورية الديمقراطية البرلمانية والاجتماعية، التي تتأسس على فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية التشاركية، ومبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة مع التأكيد على أن التنظيم الترابي للملكة تنظيم لا مركزي يقوم على الجهوية المتقدمة.[9]

ووفق هذه المرجعية جاء الدستور الجديد بإشارات وإجابات واضحة ومحكمة على إشكالية الحكامة الجيدة بمعناها الواسع كما تبين من خلال هذه القراءة البسيطة لمختلف مضامينه، بما يتأكد معه أن التأصيل الدستوري لقواعد الحكامة الجيدة يشمل عدة جوانب يمكن اختزالها فيما يلي:[10]ـ الفصل بين السلط وتوازنها وتعاونها؛ ـ التكريس الدستوري لدولة الحق والقانون؛ ـ إستقلالية القضاء (خدمة وحماية الحقوق والحرص على احترام القوانين)؛ ـ ربط المسؤولية بالمحاسبة؛ ـ الديمقراطية التشاركية والمواطنة؛ ـ التخليق والحكامة الجيدة؛ ـ الحكامة الترابية.

-3وتتأسس الحكامة الجيدة على أربع دعامات وهي:[11]

ـ النزاهة، كمنظومة للقواعد والقيم المؤطرة لمسؤولية الحفاظ على الموارد والممتلكات العامة وحسن استخدامها؛ ـ الشفافية، كمدخل أساسي لتوفير المعلومات الدقيقة في وقتها إتاحة الفرص للجميع للإطلاع عليها ونشرها؛ ـ التضمينية، كالتزام جماعي يضمن توسيع دائرة مشاركة المجتمع بجميع فعالياته في تحضير وتنفيذ السياسات العمومية؛ المساءلة، التي تربط المسؤولية بالمساءلة وإعطاء الحساب لضمان التدبير الأمثل للموارد المادية والبشرية وربط المنجزات والأهداف المتوخاة.

ثانيا: اعتماد الحكامة الجيدة في الإدارة المغربية:

ومن أجل إصلاح الإدارة قصد الوصول للمستوى المنشود من الحكامة الجيدة، شكل المغرب سنة 1981 لجنة وطنية للإصلاح الإداري، إذ فحصت المشاكل التي تواجه الإدارة، وأصدرت مجموعة من التوصيات إلا أن غالبيتها تمحورت حول المشاكل القانونية، كمراجعة القانون الأساسي للوظيفة العمومية وإصلاح الهياكل الإدارية، وجاء تقرير البنك الدولي لسنة 1995 صادما لواقع الإدارة المغربية ودعا إلى إصلاحات مستعجلة، معتبرا أن طرق تسيير الإدارة جد عتيقة، فضلا عن روتينية العمل الإداري وجمود المساطر وغياب النزاهة والشفافية، دون أن يغفل المركزية المبالغ فيها، إضافة للإشكالية الحقيقية التي عرفتها الإدارة المغربية آنذاك وهي إشكالية الحكامة، من خلال غياب ثقافة التقويم والمحاسبة والتدبير العقلاني للسياسات العمومية التي تعتبر من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها مفهوم الحكامة الجيدة، فبالرغم من أن الإدارة العمومية قد راكمت بعض المكتسبات الهامة التي تم تحقيقها في مجال تحديث الإدارة، من تغيير وتجديد في بنيات الإدارة العمومية من خلال تطوير الآليات القانونية والمؤسساتية والعلمية، بما يحقق أسلوب الإدارة الحديثة العصرية أساسه عمل الإدارة بالأهداف، والتدبير بالنتائج، وجعل الموظف في قلب عملية الإصلاح باعتباره فاعلا ومؤثرا في إنجاح أي عملية للإصلاح.[12]

ومع بداية العهد الجديد بتولي الملك محمد السادس نصره الله وأيده عرش المملكة، أصبح خطاب إصلاح الإدارة وتحديثها أكثر جدية مما قبل، ولقد تم تكريس هذا التوجه في دستور 2011 ، الذي حث على تغيير أنماط التدبير الإداري والمالي، والالتجاء إلى التقنيات الحديثة للتنظيم المتمثلة في الحكامة الجيدة، والاستغناء عن الطرق البيروقراطية العتيقة، وانطلاقا من هذه المحطة الدستورية أصبح موضوع الحكامة أكثر اهتماما من قبل الباحثين والمهتمين بمجال التدبير. وبناء على ذلك، فإن تحديث الإدارة المغربية يتطلب حكامة جيدة، إلا أن هذا لا يستقيم إلا بتبني طرق وأساليب جديدة للتدبير، كخدمة الزبائن والتدبير المرتكز على أساس النتائج وتبسيط المساطر والمحاسبة، إضافة إلى تدبير الموارد البشرية. وعليه، ما يمكن أن نستنتج من هذه الفكرة المطروحة انه لا يمكن الحديث عن حكامة جيدة في ظل غياب هذه العناصر الأربع السالفة الذكر، والمرتبطة بمفهوم الحكامة وعلاقتها بالتنمية الإدارية.[13]

وعليه أصبحت الحكامة ضرورة ملحة تفرض نفسها على البلدان السائرة في النمو، ومن بينها المغرب، هذه العوامل التي شكلت قاسما مشتركا بين مختلف دول العالم، والتي أدت إلى التفكير جليا في تطبيق مبادئ الحكامة الجيدة من أجل تحديث الإدارة وتنميتها (ومن بينها الحكامة الأمنية)، وخاصة أنها أصبحت تعاني من مجموعة من المشاكل والمتمثلة في التنافسية والفقر والبطالة والفساد الإداري.

ثالثا: ماهية الأمن والحكامة الأمنية

سنتطرق في هذه الفقرة لمفهوم الأمن باعتباره مفهوم رئيسي في هذه الدراسة، وكذا لمفهوم الأمن الوطني، باعتبار هذا الأخير يشكل أحد أهم تصنيفات الأمن ولارتباطه بالسياسة الأمنية لأي دولة.

1 ـ مفهوم الأمن، خصائصه ومقوماته

أما عن تعريف الأمن لغوياً فإنه نقيض الخوف ويعني السلامة وهو مصدر الفعل أمن والذي يعني اطمئنان النفس وسكون القلب، أما من حيث تعريفه الاصطلاحي فقد عرفته دائرة المعارف البريطانية بـ »حماية الأمه من القهر على يد قوة أجنبية«، إلى جانب ذلك فقد عرف هنري كيسنجر الأمن بأنه »أي تصرفات يسعى عن طريقها المجتمع إلى حفظ حقه في البقاء «.[14] ويعرف الأمن أيضا بكونة ” جميع الوسائل الخاصة بحماية المواطنين من الأخطار الناتجة عن الأنشطة البشرية، الصناعية، العلمية، البيئية، الحضرية، الصحية، الغدائية، الإرهابية وغيرها.[15]

عموما يمكن القول أنه من أحدث تعريفات الأمن التي تأخذ في الحسبان المشهد الأمني لما بعد الحرب الباردة والأكثر تداولا في الأدبيات الأمنية المتخصصة تعريف “باري بوزان”  « Barry Buzan »أهم مفكري مدرسة “كوبنهاجن” وأحد أبرز المتخصصين في الدراسات الأمنية، بحيث يعرف “بوزان” الأمن بأنه “العمل على التحرر من التهديد”، وفي سياق النظام الدولي فإن الأمن هو ” قدرة الدول والمجتمعات على الحفاظ على كيانها المستقل وتماسكها الوظيفي ضد قوى معادية“.[16]

             وقد شهد مفهوم الأمن تعريفات عدة؛ فأمكن تقسيمه من حيث شموليته إلى الأمن العام والأمن الخاص، ويشمل الأمن العام كل مناحي الحياة الإنسانية؛ حيث هناك الأمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والبيئي والثقافي وغير ذلك ويعرف أيضاً هذا النوع من الأمن بالأمن الشامل، وهذا المفهوم يعد أحد المفاهيم التي تتداخل مع مفهوم الأمن القومي، وعلى الجهة الأخرى هناك الأمن الخاص والذي يختص بعلوم الأمن ذاتها كأمن المعلومات على سبيل المثال.[17] وعلى الجانب الآخر فإن مفهوم الأمن أيضاً قد تم تصنيفه على أساس جغرافي فأصبح لدينا الأمن الإقليمي والأمن الدولي و أيضاً هناك الأمن القومي أو الوطني، وبما أن هذا الأخير له ارتباط بموضوع الدراسة، نجد أن له عدة خصائص نذكر منها:[18]

النسبية: فالأمن الوطني نسبي بشكل عام و لا يوجد أمن وطني كامل لأي دولة، فالشعور بالأمن المطلق هو بداية التهديد. ـالمرونة: فتحقيق الأمن الوطني عملية مستمرة تبعا للظروف المحلية والإقليمية والدوليةـ الشمولية: فالأمن الوطني ليس هو الأمن الداخلي والنظام العام فقط، بل هو أمن الدولة بجميع مكوناتها الجغرافية والسكانية ونظامها السياسي بما في ذلك أمن المجتمع وثقافته واقتصاده ـ الوضوح: بحيث يجب أن تكون هناك إستراتيجية وطنية محددة ومفهومة لكل القائمين على الأمن الوطني في مفاصل الدولة، مما يعني أنها ليست حكرا على الأجهزة الأمنية والعسكرية، كما أن هذه الإستراتيجية يجب أن تكون متوافقة مع تطلعات الشعب ومطالبه الوطنية.

         وعموما فإن هوية الإنسان تتحدد بثلاثة عناصر أساسية هي الولاء، الانتماء ثم الاعتزاز بالأمة فكرا وتراثا وحضارة، وهذه العناصر لن تتحقق إلا بتوفر ركائزها ومقوماتها الأساسية وهي:[19]

ـ الحرية: باتت الحرية على مستوى الفرد والدولة محور الاهتمام في هذا العصر، لذا تستقطب مشكلة الحرية كل الأحداث الاقتصادية والسياسية. ومن حيث المبدأ فالحرية غير محدودة، يقول المنفلوطي: “يعيش الإنسان رهين المحبسين محبس نفسه ومحبس حكومته من المهد إلى اللحد، وإن الإنسان الذي يمد يديه لطلب الحرية ليس بمتسول ولا مستجد، وإنما هو يطلب حقا من حقوقه التي سلبته إياها المطامع البشرية فإن ظفر بها فلا منَة لمخلوق عليه، ولا يدا لأحد عنده”. وهناك مجموعة من معوقات الحرية من قبيل الظروف الصحية والاقتصادية، وكذا أن حرية الفرد مقيدة بحرية الآخرين والحل لذلك هو أن تنسجم حريات الأفراد بعضها البعض. المساواة: تعرف المساواة في الاصطلاح بأنها ” تماثل كامل أمام القانون وتكافؤ كامل إزاء الفرص، وتوازن بين الذين تفاوتت حظوظهم من الفرص المتاحة للجميع، وتعني المساواة في صورتها المجردة عدم التمييز بين الأفراد بسبب الأصل أو اللغة أو العقيدة أو الجنس لأن البشر كلهم متساوون في التكاليف والأعباء العامة والحقوق والحريات العامة. ويعتبر مبدأ المساواة من المبادئ العامة للقانون ويرتكز على أساس من الفلسفة السياسية للديمقراطية باعتبار أن الحرية لا توجد ما لم تكن متاحة للجميع. العدالة: تعتبر من أهم المواضع قدسية وشيوعا في السلوك الاجتماعي، ويمكن أن تتخذ وجوها متضاربة جدا حتى في المجتمع الواحد، فأينما كان هناك أناس يريدون شيئا، ومتى ما كانت هناك موارد يراد توزيعها، فإن العامل الجوهري المحرك لعملية اتخاذ القرار سيكون أحد وجوه العدالة التي من شأنها ضمان الاستقرار الاقتصادي الذي بدوره يضمن استقرار النظام العام والأمن العام. وبالتالي فالعدالة جزء مهم لا يمكن فصله عن الأمن الوطني في أي بلد.

مما سبق، يتضح أن هذه العناصر الثلاثة هي الضامن الأبرز لحصول الأفراد على حقوقهم، وفي نفس الوقت تلزم الفرد أن يمتثل لما هو مطلوب منه من واجبات خلقية، اجتماعية، عائلية، وطنية التي تعتبر واجبات المواطن اتجاه وطنه، فإذا تحققت وأمنت للمواطن فإنه سيقابل ذلك مواطن صالحا، تنعكس بشكل مباشر نتائجها على الأمن والاستقرار بشكل إيجابي، أما إذا سلبت ولم تتحقق فسيسعى الأفراد والمجتمع إلى تحقيقها باستخدام كافة الطرق سواء السلمية منها أو غير السلمية مما سيؤثر بشكل سلبي كبير على أمن المواطن والوطن، ويقود بالتالي إلى تهديد النظام العام والأمن العام.

2 ـ مفهوم الحكامة الأمنية وضباطها

            يقصد بالحكامة الأمنيةكونها حركة إبداع وملائمة التي تسمح بطرح وتفكير الأسئلة التدبيرية الكاشفة والإستراتيجية لتطور الأمن ليس فقط على مستوى المهام والفعالية بل على مستوى القيم واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين.[20]

أما Serge Barbeau فقد عرفها بالمسلسل الديموقراطي في اتخاذ القرار والتنسيق والمسائلة الجماعية والذي يتم إقراره من قبل الشرطة والمؤسسات السياسية والمجتمع المدني ( المواطنون ، الشركات، الجمعيات…) بغية إنتاج تدبير فعال للأمن العمومي.[21]وانطلاقا من هذين التعريفين يمكن الخروج بتعريف أكثر شمولية للحكامة الأمنية الجيدة فهي إذن إعمال مبادئ حقوق الإنسان داخل المنظومة الأمنية وفق سياسة عمومية أمنية، وإيجاد توازن بين الحقوق والحريات والأمن العام للدولة مع إخضاع القرارات الأمنية للرقابة التشريعية.

           وفيما يخص ضوابط الحكامة الأمنية، أصبحت مأسستها ضرورة ومطلبا دوليا ووطنيا و مجتمعيا، فبعد المصادقة على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة (كما سنتطرق إليها في ما بعد)، أضحت هذه التوصيات إلزامية. زد على ذلك أن تحقق دولة الحق والقانون بالمغرب كما سبق القول، يفرض وضع الجميع تحت القانون، ولو تعلق الأمر بمجالات ذات طبيعة حساسة. وبالتالي سيتطلب ذلك تحقيق ما يلي:

ـ تدعيم قنوات التواصل، بدأ بتبيان النية في الرغبة في إقرار مبدأ التشارك من خلال حسن استقبال المواطنين وإشاعة ثقافة الإرشاد والتوجيه مرورا باعتماد ثقافة التشاور والحوار وصولا إلى إعمال مبدأ الشفافية وتكريس الحق في الولوج إلى المعلومة.

إضافة للمساءلة التي ترتبط بالمسؤولية وإعطاء الحساب وترتيب العقاب في حالة وجود إخلال يمس التدبير الأمثل للموارد.

وكذا حسن التدبير أو الرؤيا الإستراتيجية: بحيث هناك مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الإدارة الأمنية توجب عليها رصدها وتحديدها باستمرار، وعليه وجب اعتماد مقاربة شمولية، إستراتيجية تبدأ بالتشخيص، وتحديد الأهداف، مرورا بالتخطيط، وصولا إلى التنفيذ. وأخيرا نجد التقويم المستمر للأجهزة الأمنية : وذلك من خلال تقييم أعمال موظفيها ومراقبة سلوكياتهم داخل المرفق الأمني و خارجه، وعليه وجب الاستثمار في العنصر البشري باعتباره رأسمال استراتيجي.

علاوة على هذه المبادئ التي تشكل مأسسة لضوابط الحكامة الأمنية، خول دستور 2011 للبرلمان مجموعة من الآليات التي من شأنها أن تساهم بشكل كبير في ترشيد وحوكمة الأجهزة الأمنية.

وتنقسم الأسئلة هنا إلى نوعين الأسئلة الشفوية والأسئلة الكتابية، فمن خلال هذه الأسئلة، يتمكن نواب الأمة من الحصول على معلومات و إيضاحات، بحيث أنها تشكل طريقة مهمة للاستفسار عن الأوضاع والعمليات الأمنية، زد على ذلك أن الأسئلة تسمح بتتبع السياسات الأمنية، وتمكن من كشف المخالفات والتجاوزات التي تخلفها قرارات الحكومة للمحافظة على النظام العام.[25] 

وتشكل هذه اللجان بناء ا على طلب من جلالة الملك، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين، بقصد تقصي الحقائق بجمع المعلومات والبحث والتأكد من وقائع معينة، وتنتهي أعمال هذه اللجان فور إيداع تقرير البحث. وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أنه لا يجوز تشكيل لجان تقصي الحقائق بشأن الأحداث والوقائع التي تكون موضوع متابعات قضائية.[27]

وتجدر الإشارة إلى أنه تم بالمغرب تشكيل ستة لجان لتقصي الحقائق طيلة خمسين سنة، الأولى سنة 1979 حول تسرب امتحانات الباكالوريا، والثانية حول أحداث 14 دجنبر 1990 ، والثالثة حول المخدرات سنة 1995 ، والرابعة حول مؤسسة القرض العقاري والسياحي سنة 2000 من قبل مجلس النواب، و الخامسة حول صندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2001 من قبل مجلس المستشارين، أما السادسة فقد أحدثت من قبل مجلس النواب للتحقيق في أحداث سيدي إفني.[28]

وينص الفصل 105 من دستور 2011، على أن لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤولياتها، بالتصويت على ملتمس الرقابة، شريطة أن يوقعه على الأقل خمس أعضاء المجلس، ولا تصح الموافقة عليه إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء، ولا يقع التصويت إلا بعد مرور ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس، وتؤدي الموافقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية.[30]

-3 محددات السياسة الأمنية المغربية بالمنطقة:

في خضم التحولات الدولية المتسارعة، التي تطرح ضرورة برمجة صيغ أمنية إستراتيجية بين المغرب والدول العربية والإفريقية والمغاربية  والأوربية، بتنويع الشعب الأمنية بصفة عامة  وذات الصلة بأمن شعوب المنطقة المتوسطية ومصالحها الاستراتيجية بصفة خاصة، وذلك بإدراج القضايا الأمنية ضمن الأولويات الكبرى، بحكم أن الإدراك الدولي لأهمية الأمن في هذه المناطق أصبح إكراها وتحديا بسبب اتساع رقعة المحن والمتاعب الأمنية ذات الارتباط بعدة عوامل داخلية، وعليه فإن التحولات التي تشهدها المنطقة المغاربية بعد ثورات ما عرف بالربيع العربي في تونس وليبيا..، جعلت المغرب يراقب الوضع في البداية، لينتقل إلى المساندة والدعم لكل ما جرى من تحولات، وأنتج في هذا المجال العديد من المبادرات (استقبال جرحى الثورة الليبية،…)، لكن يبدو أن الإستراتيجية الأمنية المغربية في منطقة المغرب العربي ومنطقة الساحل، مرتبطة بثلاث محددات أساسية:[31]

وعليه، فإن الحماس والتنسيق، اللذين عرفتهما منطقة المغرب العربي خلال مرحلة ثورات الربيع العربي انتهيتا الآن، وبات لكل دولة حساباتها السياسية البعيدة عن الهوية الإقليمية لفكرة المغرب العربي( السياسية والجغرافية والتاريخية)، فليبيا الرسمية مَثلا، باتت تنغلق تدريجيا عن دول المنطقة، رغم تأثيرها فيه من خلال بقايا أسلحة  القذافي، أضف إلى ذلك أن مشكل منطقة الساحل، يتجه نحو التدويل، الشيء الذي سيؤثر على المنطقة، التي يبدو أنها مُقبلة على تحولات إستراتيجية عميقة، لا مكان داخلها على الأقل في المدى القريب أو المتوسط، لكيان اسمه اتحاد المغرب العربي، فليبيا مثلا لجأت بعد الثورة إلى استيراد بعض مناهج التعليم من اندونيسيا ولم تنفتح على جارتها تونس، التي اعتبرت فيها المناهج التعليمية متقدّمة، والمغرب يُغيِّر إستراتيجيته الدبلوماسية ويتجه نحو دول الخليج[32]، في الوقت الذي تُعيد فيه الجزائر ترتيب أوراقها مع فرنسا.

المحور الثاني: الأسس الجوهرية للحكامة الأمنية بالمغرب:

تعتبر الحكامة الأمنية أهم المواضيع الجديدة، وذلك من الناحية السياسة والحقوقية والمؤسساتية..، كما أصبحت تحظى باهتمام متزايد على المستوى الوطني والدولي، سواء من خلال بلورة المعايير أو تحديد المفاهيم أو وضع الخطط والإستراتيجيات، وذلك ارتباطا مع متطلبات ضمان الأمن والاستقرار وحماية حقوق الإنسان والحريات تحت إطار دولة الحق والقانون.ولقد انخرط المغرب في هذه الحركية من خلال التطوير الذي حققه في مجال حقوق الإنسان على المستوى العملي والتشريعي وكذا المؤسساتي.

كما شكلت التحديات التي طرحتها قضايا الإرهاب (خاصة منذ أحداث الدار البيضاء بتاريخ 16 ماي 2003)، والهجرة السرية، والاتجار في المخدرات والبشر..، ضرورة ملحة للاهتمام بالموضوع بصفة خاصة وجعل الحكامة الأمنية رهانا مجتمعيا، كما نجد أن تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي اعتبرت محطة بارزة في هذا المجال، من خلال توصياتها التي شكلت مدخلا مهما في هذا الباب، وهذا ما يعكس المكانة الخاصة للموضوع ضمن أوراش الإصلاح في المغرب وخدمة لضمان متطلبات الأمن وترسيخ الاختيار الديمقراطي ومواجهة تحديات العصر، واحترام حقوق الإنسان.[33]

ولقد وضع المجلس الوطني لحقوق الإنسان[34] في إطار تفعيل توصيات “هيأة الإنصاف والمصالحة”، خارطة طريق للحكامة الأمنية لتأهيل منفذي القوانين حقوقيا ولتفادي وقوع انزلاقات شبيهة بما حدث في “سنوات الرصاص”، وتتضمن التصورات التي جرت مناقشتها في عدة لقاءات وندوات شارك فيها جميع المتدخلين، سبعة محاور رئيسية تتفرع عنها مجموعة من الاقتراحات، وهي: اعتماد المسؤولية الحكومية في مجال الأمن، والمراقبة والتحقيق البرلماني في مجال الأمن، وتحديد وضعية وتنظيم أجهزة الأمن، والمراقبة الوطنية للسياسات والممارسات الأمنية، والمراقبة الإقليمية والمحلية لعمليات الأمن وحفظ النظام، وتحديد معايير وحدود استعمال القوة، والتكوين الممنهج لأعوان السلطة والأمن في مجال حقوق الإنسان.[35]

ولا بد لنا من الإشارة الى عدد مهم من التدابير التي لها علاقة بالصيرورة التي عرفها المغرب منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، من قبيل مراجعة قانون المسطرة الجنائية وتعيين مسئولين جدد على المؤسسات الأمنية، ومراجعة نظام التكوين في المعهد الملكي للشرطة، وتعزيز مجال حقوق الإنسان ضمن التكوين والتكوين المستمر لموظفي الأمن والدرك والجيش..، والتدابير المؤسساتية والتأديبية والتحسيسية، إضافة إلى التدابير التشريعية والعملية التي تجعل من موضوع الحكامة الأمنية موضوع الساعة، ولعل نصوص وقوانين مكافحة الإرهاب والمقتضيات المتعلقة بالتصنت على المكالمات الهاتفية والتقاطها، مؤشرات على هذا الاتجاه، وكما أشرنا سابقا فإن أحداث سنتي 2003 و2007 الإرهابية، التي عرفتها مدينة الدار البيضاء، طرحت بحدة بالغة إشكالية تأمين الأمن مع احترام حقوق الإنسان.[36]

أولا: آفاق الحكامة الأمنية بالمغرب على ضوء الإصلاحات الدستورية لسنة 2011:

إذا كان الملك الراحل الحسن الثاني، قد سبق إلى فتح ملف انتهاكات حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة من حكمه، من خلال الإفراج عن الأحياء المختفين قسريا، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتكليف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أنداك، بالبحث في مسألة تعويض الضحايا، فإن الملك محمد السادس قد تبنى مقاربة متقدمة أساسها المصالحة مع الماضي بكل أبعاده ومكوناته، حين استجاب لتوصية المجلس الاستشاري، بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة[37]، التي تم تنصيبها سنة2004 [38]، من قبل الملك محمد السادس الذي ألقى أمام أعضائها خطابا جاء فيه: ” تجسيدا لإرادتنا الملكية الراسخة، في تحقيق المزيد من المكاسب، للنهوض بحقوق الإنسان، ثقافة وممارسة، ها نحن اليوم، بتنصيب لجنة الإنصاف والمصالحة، نضع اللبنة الأخيرة للطي النهائي لملف شائك، ضمن مسار انطلق منذ بداية التسعينيات، والذي شكل ترسيخه أول ما اتخذناه من قرارات، غداة اعتلائنا العرش[39]

شكلت هيئة الإنصاف والمصالحة مؤسسة وسطية بين الدولة والمجتمع، هدفها العمل على تحقيق مصالحة وطنية من خلال تقدمها بتوصيات الهدف منها الانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل الانتقال الديمقراطي خاصة في المجال الأمني، ولقد شكلت توصياتها لبنة أساسية لطي صفحات الماضي ورسم تطلعات المستقبل ، كما عهد إليها مجموعة من الاختصاصات التي من خلالها بلورة توصيات شكلت لبنة أساسية في تحقيق انتقال ديمقراطي لقي استحسان وطنيا ودوليا، هذا فضلا عن المطالب التي قادتها مجموعة من فعاليات المجتمع المدني، والتي بدورها قدمت تصورا موازيا، من خلاله تم اعتماد دستور جديد يرسم ملامح دولة الحق والقانون بالمغرب. كما قد شكل إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة تجربة غير مسبوقة في العالم العربي، وتكمن أهميتها كآلية للعدالة الانتقالية في توصياتها التي تكشف أن الهيئة قد اعتبرت إصلاح القطاع الأمني من مواضيع العدالة الانتقالية، حيث شددت أن هذا الإصلاح هو جزء من متطلبات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الحاضر أو المستقبل، وبعبارة أخرى فقد اعتبرت الهيئة أن “العدالة الانتقالية ” بدون إصلاح قطاع الأمن عدالة ناقصة وغير مكتملة.[40]

ثانيا: توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في المجال الأمني:

اعتماد المعايير الدولية في تعريف وإقامة العقاب الذي يترتب عن كل مس بحقوق الإنسان، وإعمال حكامة أمنية، من خلال تحيين وتجديد النصوص القانونية المنظمة للأجهزة الأمنية، وتبيان وتنظيم مساطر اتخاذ القرار الأمني أثناء التدخل القيام بعمليات و تقييم أعمال هذه الأجهزة الأمنية وتلك السلطات الإدارية التي لها الحق في استعمال القوة العمومية… وأخيرا، تم التأكيد على ضرورة إعمال المسؤولية الحكومية في مجال الأمن باعتبار أن الحكومة مسئولة بشكل تضامني عن كل العمليات الأمنية لحفظ النظام العام.[41]

وفي نفس السياق، فلقد تضمنت توصياتها برنامجا كاملا فيما يخص ترشيد الحكامة الأمنية، بمرجعية تجعل من حقوق المواطن في صلب السياسات العمومية، وبمنهجية ديمقراطية وآليات دقيقة وشاملة، فالهيئة أوصت بتعزيز المسؤولية الحكومية في مجال الأمن من خلال تفعيل قاعدة ” الحكومة مسؤولية بشكل تضامني“، عن العمليات الأمنية وحفظ النظام العام، وحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإلزام الحكومة بإخبار الجمهور والبرلمان بأية أحداث استوجبت تدخل القوات العمومية، وبمجريات ذلك بالتدقيق، وبالعمليات الأمنية ونتائجها والمسؤوليات، وما قد يتخذ من تدابير تصحيحية، وهذا ما تسير عليه الأجهزة الأمنية حاليا.[42]

كما أوصت الهيئة على ضرورة تعزيز الرقابة والتحقيق البرلماني في مجال الأمن، من خلال التزام الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان بتفعيل مسؤولياتها السياسية والتشريعية فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات الأساسية للمواطنين، كلما تعلق الأمر بادعاء ات حول حدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو حدوث أفعال تهدد قيم  المجتمع واختياره الديمقراطي، ومن خلال تقوية أداء لجان تقصي الحقائق البرلمانية بالخبرة الأمنية والقانونية، وتقوية آليات المساءلة والاستماع المباشر من قبل البرلمان بشأن المسؤولية عن الأمن والنظام العام. كما أوصت بالنهوض بالأجهزة الأمنية، تنظيما وتكوينا ومهنيا، وبتوضيح ونشر الإطار القانوني والنصوص التنظيمية المتصلة به فيما يتعلق بصلاحيات وتنظيم مسلسل اتخاذ القرار الأمني، وطرق التدخل أثناء العمليات، وأنظمة المراقبة وتقييم عمل الأجهزة الإستخباراتية، والسلطات الإدارية المكلفة بحفظ النظام العام، وسلطة استعمال القوة العمومية، والتكوين على مبادئ حقوق الإنسان.[43]

وبصفة عامة، إن تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، تشكل نقطة تحول كبرى في انفتاح السلطات على التصور الأمني المعاصر، من خلال عملية التعلم والتدريب الجماعي، مؤسسات ومجتمعا وأفرادا، على كيفية معالجة التجاوزات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الماضي، فخضوع الأجهزة الأمنية، لما عرف بعمليات التحري والبحث عن الحقيقة التي باشرتها الهيئة، سواء باستجواب مسئولين أمنيين سابقين، أو السماح بالإطلاع على الأرشيف بالنسبة لبعضها، والدخول إلى مقرات وثكنات عسكرية وأمنية، وإلى مراكز اعتقال سابقة مثل معتقل “تزمامارت”.

على غرار التوصيات التي تقدمت بها هيئة الإنصاف والمصالحة، عمل المجتمع المدني بدوره على بلورة مجموعة من التصورات التي من شأنها تكريس دولة الحق والقانون من خلال الارتقاء بالحقوق الإنسانية وإعمال حكامة أمنية، ونذكر منها ما يلي:[44]

ـ مسؤولية حماية حقوق وحريات المواطنين تقع على عاتق الحكومة، ـ التأكيد على مبدأ فصل السلط و المساواة أمام القانون من خلال تكافؤ الفرص، ـ الحقوق والحريات مضمونة لجميع المواطنين والمواطنات، ـ ضمان مشاركة المواطنين والمواطنات في كافة المجالات بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ـ تساهم الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والمنظمات المهنية في تنظيم المواطنين والمواطنات وتمثيلهم. ـ التأكيد على سمو القوانين الدولية على القوانين الوطنية.

ثالثا: دستور 2010 وتكريس مرجعية الحكامة الأمنية:

باعتبار أن المغرب كغيره من البلدان العربية الأخرى، عاش موجة الاحتجاجات الشعبية لسنة 2011، في سياق ما أطلق عليه “الربيع العربي”، فلقد اعترف الملك محمد السادس في خطابه الشهير يوم 09 مارس 2011، إبان الحراك الشعبي الذي تزعمته “حركة 20 فبراير”، بالحاجة إلى عقد اجتماعي جديد، معلنا بذلك تشكيل لجنة استشارية لمراجعة الدستور. [45]

وإذا كانت “هيئة الإنصاف والمصالحة” قد أدخلت مفهوم الحكامة الأمنية، إلى القاموس السياسي والحقوقي المغربي، فإن دستور 2011، قد عمل على دسترة هذا المفهوم، كما نص، لأول مرة مقارنة بالدساتير السابقة، على الأمن كحق من الحقوق إلى جانب الحرية والكرامة والمساواة، وربط الحرية والأمن..، وهذا ما يجعلنا نقول أن دستور 2011 تعاطى مع متطلبات الحكامة الأمنية من خلال تقوية البعد الحقوقي في الدستور، وتعزيز الآليات المؤسساتية في إطار إقرار مبدأ فصل السلط وتوازنها وتعاونها.

وعموما، فلقد تضمنت فصول الباب الثاني من الدستور المتعلق “بالحقوق والحريات الأساسية” إحالة على مختلف أجيال حقوق الإنسان، لكن هناك نصوص لها صلة مباشرة بعمل واختصاصات الأجهزة الأمنية، المكلفة في النهاية بحاية سلامة الأشخاص والممتلكات، وحفظ النظام والأمن العام، وأمن الدولة، وهي الفصول 20، 21، 22، 23 و 24. وتعتبر هذه الفصول بمثابة نصوص مؤطرة وموجهة للتشريع الأمني ولعمل الأجهزة الأمنية، وبخاصة منها تلك المكلفة بالمحافظة على النظام وسلامة الأفراد والممتلكات، كإدارة العامة للأمن الوطني، الدرك المكي، ومديريات الإسخبارات، ذلك بحيث أن مضامين الفصول (201، 21، 22، 23، 24، 27، 28 و 29)، تدور حول ثلاث أولويات كبرى، تتمثل في:[46]

وتعتبر هذه الوظائف مترابطة في منطقو الدستور الجديد، ويفترض أن تكون كذلك على مستوى الممارسة في الواقع، ويمكن القول أنها تصلح لأن تكون مجتمعة عناوين رئيسة في العقيدة الأمنية الجديدة للأجهزة الأمنية.

 -1  من الحكامة الجيدة إلى الإصلاحات الأمنية :

قام المغرب بتقوية بنيته الأمنية الداخلية وتزويدها بالوسائل الضرورية لاستباق العمليات الإرهابية، فعلاوة على الأجهزة التقليدية المتمثلة في أعوان السلطة، إضافة إلى جهازي الشرطة والدرك، اتخذ المغرب عدة إجراءات لتحصين بنيته الأمنية أهمها: إحداث شرطة القرب، إطلاق برنامج “حذر” في أكتوبر 2014 ، وإحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية سنة 2015 كهيكل جديد متخصص في جرائم الإرهاب[47] تابع لإدارة مراقبة التراب الوطني بشراكة بين وزارة الداخلية ووزارة العدل، تم تدشينه سنة 2015 بمدينة سلا، والذي أتى في إطار تعزيز الحكامة الأمنية الجديدة، طبقا لمقتضيات الدستور التي تكرس القانون، معززا بذلك يقظة الأجهزة الأمنية المدنية بفرقة وطنية للشرطة القضائية، وهذا الإطار التنظيمي كان له الفضل في تتبع وتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية وكذا الحد من الجرائم العادية.[48] وهو ما مكن المصالح الأمنية المغربية من استباق الأحداث وإحباط مجموع الأعمال التي تستهدف أمن المغرب واستقراره، حيث جرى تفكيك 132 خلية إرهابية بين سنة 2002 ومارس 2015؛ وإحباط 276 مخططا إرهابيا، وإيقاف 2720 مشتبها في علاقتهم بتنظيمات إرهابية.[49]

ومن الناحية القانونية، عمل المغرب على تعزيز ترسانته القانونية في هذا المجال، حيث قام مباشرة بعد تفجيرات الدار البيضاء بإصدار القانون رقم 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، الذي تمت مراجعته سنة 2014 في إطار القانون رقم 86.14 . هذا الأخير أضاف فصلا جديدا يجرم الالتحاق أو محاولة الالتحاق بالمعسكرات التدريبية الإرهابية بالخارج. هذا بالإضافة إلى إصدار قانون لمحاربة غسل الأموال سنة 2007، يسهّل تجميد الحسابات المشكوك بها، وإنشاء ِوحْدَة استخبارات مالية للتحري والتحقيق في القضايا المالية والإرهابية.[50]وهذا ما يعكس إرادة المغرب لضمان الأمن والاستقرار داخليا وخارجيا، وهذا ما جعل تجربته محط أنظار بعض الدول التي سجلت التنويه من جهة، وعبرت عن الرغبة في التعاون من جهة ثانية. كما أن أن هناك العديد من الإنجازات المهمة في المجال الأمني جعلت الإتحاد الأوربي ينأى عن اعتبار المغرب مصدر تهديد إلى اعتباره مصدر مشارك لإزالة التهديدات.

 _2 الإصلاحات الأمنية على المستوى الدستوري:

وبالرغم من أن دستور 2001، أقر خيار الحكامة الأمنية، إلا أن التذكير بالمفهوم الجديد للسلطة ظل قائما باستمرار باعتباره المفهوم الذي أسس لمنجية اعتماد حكامة أمنية جيدة، وهذا ما يجعل من الخطاب الأمني محاولة الإدماج بينهما، فمن خلال العدد الخاص بمجلة “الشرطة” الصادرة عن المديرية العامة للأمن الوطني بمناسبة مرور 60 سنة على تأسيسها (1956 ـ 2016)، جاء في افتتاحية العدد خطاب الملك محمد السادس حول “المفهوم الجديد للسلطة”، ( أسس لمرحلة جديدة في تطور العمل الأمني، تكون فيها الشرطة “مرفق عمومي”.. أقوى فعالية في الأداء، وأكثر قربا من المواطن).[51]

وخلال سنة 2017، رفعت المديرية العامة للأمن الوطني، “حكامة الأمن” شعارا لها، فاعتبرت أن “الإصلاح العميق للنظام الشرطي هو أساس من أسس الحكامة الأمنية الجيدة، وأكدت أن حكامة الأمن في المجال الشرطي تقوم على “تحيين مقاربة الشرطة، وتكييفها مع الطلب العمومي في مجال الأمن، ومع التحديات الجديدة المرتبطة بمكافحة الجريمة، ومع رهانات الحفاظ على النظام العام والضرورة الملحة على حماية حقوق الإنسان.[52]

تم إحداث المجلس الأعلى للأمن[53] كمؤسسة أمنية سامية، تسند إليها مهمة وضع استراتيجيات ناجعة، قوامها الحكامة الأمنية الشاملة ذات الامتداد والاهتمام الوطني والدولي، وطبقا للفصل 54 من دستور 2011، فإن هذا المجلس ” بصفته هيئة للتشاور بشأن إستراتجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة، ويرأسه الملك، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد. كما يضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية والشؤون الخارجية والعدل وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسئولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس، ويحدد نظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسييره“.

ويتولى هذا المجلس وضع الاستراتيجيات الأمنية وتدبير الملفات الأمنية الكبرى، من خلال جمع المعلومات وتبادلها بين مختلف مكونات المجال الأمني والعسكري والرفع من مستوى التنسيق من أجل حكامة أمنية ناجعة في تدبير الملفات ذات الصلة. كما أن المجهودات الأمنية المبذولة من كافة الأجهزة المعنية (والتي سنشير لبعضها في هذه الدراسة)، من أجل مكافحة الجريمة سواء منها العادية أو العابرة للحدود، رهينة بخلق تنسيق أمني على مستوى جميع المصالح والأجهزة المعنية، الشيء الذي يمكن من خلق حكامة تدبيرية سواء على مستوى اللوجيستيك أو الموارد البشرية من حيث الاختصاص والنجاعة في الأهداف أو التدخلات.[54]

لتحليل نسق هذه المؤسسة كان واجبا التطرق لتشكيلة هذه المؤسسة:[55]

جلالة الملك: هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، يرأس المجلس ويمكن له أن يفوض هذا الاختصاص لرئيس الحكومة.

بالإضافة إلى جلالة الملك، يمكن التمييز بين مكونات مدنية وأخرى عسكرية:

أـ الشخصيات المدنية:

رئيس الحكومة: يرأس المجلس الأعلى للأمن بموجب تفويض من الملك، إلا أن هذا التفويض مقيد بوضع جدول أعمال محدد.

رئيس مجلس النواب: يعتبر عضوا أساسيا في المجلس، بحكم صفته، مما سيمكنه من الاطلاع والمشاركة في مختلف الاستراتيجيات والخطط الأمنية.

رئيس مجلس المستشارين: يعتبر عضوا في المجلس الأعلى للأمن، مما سيمكنه هو الأخر من الاطلاع على مختلف الملفات الأمنية.

وزير العدل والحريات: يعد عضوا أساسيا في تركيبة المجلس الأعلى للأمن، نظرا لعلاقة الجانب الحقوقي بالشق الأمني.

وزير الخارجية: يعد عضوا أساسيا في تركيبة المجلس، باعتبار أن من بين مهام المجلس الأعلى للأمن رسم الإستراتيجيات الأمنية الخارجية للمملكة.

ممثل المجلس الأعلى للسلطة القضائية: يمثل الجهاز القضائي داخل المجلس الأعلى للأمن، ومن شأن حضوره إلى جانب وزير العدل أن يمنح أشغال المجلس قيمة مضافة من الناحية القانونية.

وزير الداخلية: يعتبر وزير الداخلية من الأعضاء الأساسيين لتشكيلة المجلس، بحكم أن عددا من الأجهزة الأمنية تكون تابعة لوزارة الداخلية، وتشكل قاعدة معطيات أمنية.

وتجدر الإشارة إلى أن تركيبة هذا المجلس، قد خلت من عضوية وزير المالية، باعتبار أن وزارة المالية من الوزارات التي يعتمد عليها لتمويل السياسات والاستراتيجيات الأمنية للبلاد.

ب الشخصيات العسكرية:

علاوة على ما سبق، يضم المجلس في تركيبته شخصيات تمثل إدارة الدفاع الوطني وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية ومجموعة من قيادات الأجهزة الأمنية (كالمدير العام للأمن الوطني وإدارة مراقبة التراب الوطني، المرشح المتوقع لرئاسة هذا المجلس).

           من أبرز الاختصاصات التي أسندت للمجلس الأعلى للأمن[56] : وضع الاستراتيجيات الأمنية للبلاد سواء تلك الداخلية أو الخارجية، من قبيل تدبير الأزمات كارتفاع معدلات الجريمة وتهريب المخدرات…، وكذا السهر على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية. من خلال هذه الاختصاصات الموكولة للمجلس الأعلى للأمن. ولقد حدد الفصل 54 من الدستور طبيعة هذه المؤسسة بوصفها “هيئة للتشاور”، كما أحال نفس الفصل على كيفية تنظيمه من خلال نظام داخلي بدل قانون أو مرسوم، ومن مهامه أيضا نجد:[57] ـ التشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد؛ ـ تدبير حالات الأزمات؛ ـ السهر على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة.

          ويظهر لنا من خلال مهام المجلس وطبيعة تركيبته أن الدستور يعتبر تحقيق متطلبات الأمن والتصدي للتهديدات لا يعني الأجهزة الأمنية لوحدها، بل يعني قطاعات حكومية أخرى مثل وزارة المالية، والقضاء، والبرلمان، علاوة على وزارتي الداخلية والخارجية الذي يقع في صلب اختصاصاتهما النهوض بمهام الأمن الداخلي بالنسبة للأولى، ومهام الأمن الخارجي بالنسبة للوزارة الثانية. كما أن الفصول التي تناولت أبعاد الحكامة الأمنية في الدستور الجديد، فقلد وزعت الاختصاصات في ذلك بين السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية والسلطة القضائية.

وأخيرا فيما يخص الإختلالات في مجال الحكامة فإننا نقول أن الإدارة المغربية كغيرها من إدارات الدول السائرة في النمو، تعرف عدة اختلالات ولو كانت شهبه معزول، تتجلى بالخصوص في:[58]

خاتمة

كما أشرنا في بداية هذه الدراسة، أن التهديدات الأمنية التي تحدق بالمنطقة المتوسطية وشمال إفريقيا، متعددة ومتنوعة وذات أسباب مختلفة ومتجددة باستمرار، هذا ما يحثم على الأجهزة الأمنية أن تكون في مستوى يمكنها من التعامل مع هاته التهديدات بفعالية والنجاعة المهنية المطلوبتين، وهذا ما يجعل تحقيق الحكامة الأمنية من أكبر وأهم التحديات التي تواجه بلادنا في الوقت الراهن، كما أن هذا المفهوم لم يعد مقتصرا بعد دسرور 2011 على حماية الدولة..، بل أضحى يضع خدمة المواطنين وأمنهم في مقدمة الأولويات، وعليه فلقد باتت المؤسسات الأمنية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالعمل على الموازنة بين ضمان حماية النظام .. من جهة، وكذا ضمان الأمن اليومي للمواطن العادي، وهنا يمكن طرح مجموعة من التدابير والإجراء ات التي من شأنها النهوض بالحكامة الأمنية، ونذك منها:

غير أنه يجب التأكيد على أن نجاح ورش الحكامة الأمنية، رهين بوجود إرادة سياسية حقيقية تضع صوب أعينها المصلحة العليا للبلاد، بعيدا كل البعد عن كل الحسابات الضيقة مهما كانت طبيعتها.

لائحة المراجع

مراجع باللغة العربية:

 -ألكسندر مايير، العدالة الإنتقالية وإصلاح قطاع الأمن، في الكتاب الجماعي؛ الحكامة الأمنية الجيدة، د.ن.

http://www.sawtaladala.com/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%85%D8%A9- /

https://www.swissinfo.ch/ara/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-

http://www.mcmd.ma/news.php?extend.79.9

https://weziwezi.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85- / 

المراجع باللغة الأجنبية :


-[1]جاء تأسيس تنظيم ” الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام ” والذي اشتهر إعلامياً باسم ( داعش ) في خط تراكمي تمثلت تدريجياً بإعلان أبو مصعب الزرقاوي تأسيس جماعة ” التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين ” ومن ثمَّ قام الزرقاوي بمبايعة ( أُسامة بن لادن ) وأعلن عن قيام ” تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ” ، تلى ذلك الإعلان عن ” دولة العراق الإسلامية ” والتي انتهت إلى بضع خلايا نائمة بعد أن قامت العشائر العراقية بمحاربة التنظيم والقضاء عليه تقريباً، ثم عاد التنظيم مرة أُخرى إلى الواجهة بعد الثورة السورية بفترة ليغير اسمه إلى ” الدولة الإسلامية في الشام والعراق ” تحت إمرة ( أبو بكرٍ البغدادي ) الذي نصَّب نفسه خليفةً للمسلمين فيما بعد ،  تلى هذا الإعلان خلافاً بين التنظيم الأُم ( تنظيم القاعدة ) وبين التنظيم الفتي أفضى إلى مواجهة بالسلاح بين تنظيم النصرة التابع لتنظيم القاعدة وبين ” داعش ” في سوريا بعدما أعلن ( أيمن الظواهري ) تبرأه من تنظيم ” داعش “.

-[1] السيد المعتصم، محاولة في المسألة الإرهابية وأبعادها الدولية، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق أكدال، الرباط 2004، ص25.

-[2]خالد الدهبي، الحكامة الأمنية والسياسة الأمنية بالمغرب والمفهوم الجديد للسلطة، مقال منشور على الرابط أسفله، آخر زيارة بتاريخ 21.10.2019، الساعة 23.45.

http://www.sawtaladala.com/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%85%D8%A9- /

-[3] سلوى شعراوي وأخرون: إدارة شؤون الدولة والمجتمع، مركز دراسات واستثمارات الإدارة العامة جامعة الازهر، مطبعة القاهرة، طبعة 2001، ص 10.

-[4]هشام خلفادير، الحكامة الأمنية بالمغرب تدبير الأزمات الأمنية نموذجا، بحث نهاية التكوين بسلك الماستر الحكامة المحلية، جامعة الحسن الأول، 2012ـ2013، ص 16.

-[5] إنصاف حسن سركالي، تكريس مفهوم الحكامة كرافعة لتحديد وتنمية الإدارة العمومية، التجربة المغربية نموذجا، مجلة “شجون عربية”، بدون ذكر السنة، ص 1.

-[6] دراسة بعنوان، الحكامة الجيدة، بين الوضع الراهن ومقتضيات الدستور الجديدة 2011، صادرة عن الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، يونيو 2011، ص 4.

-[7] مقال بدون ذكر الكاتب، بعنوان؛ مفهوم الحكامة الجيدة، منشور بالرابط أسفله، آخر زيارة بتاريخ 27.10.2019، الساعة 22.55.

https://weziwezi.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85- / 

-[8] إنصاف حسن سركالي، مرجع سابق، ص 4.

-[9] الفصل 1 من الدستور المغربي الجديد لسنة 2011.

-[10] دراسة بعنوان، الحكامة الجيدة، بين الوضع الراهن ومقتضيات الدستور الجديدة 2011، ص 9.

-[11] الحكامة الجيدة، بين الوضع الراهن ومقتضيات الدستور الجديدة، نفس المرجع، ص 4.

-[12] إنصاف حسن سركالي، مرجع سابق، ص 5.

-[13] إنصاف حسن سركالي، مرجع سابق، ص 6.

[14]  -أحمد أمين عبد العال – كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسيةء جامعة الإسكندرية، مقال بعنوان “الأمن القومي العربي بين النظرية والتطبيق”، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، مصر، المركز الديمقراطي العربي، 18 شتنبر 2018.

[15] – Ali Sedjari ; Les Enjeux Juridiques et Politique de la sécurité à l’heure des droits de l’homme, Droit de l’Homme et Gouvernance de la sécurité, Edition 2007, p 125.

[16] -Barry Bazan, People, State and fear, the national security problem in international relations, London, Wheatsheaf, 1983, p24.

[17]  أحمد أمين عبد العال، نفس المرجع.

[18] هشام خلفادير، مرجع سابق، ص13

-[19] هشام خلفادير، نفس المرجع، ص 14.

-[20] محمد بوزيت : الحكامة الأمنية ، الأمن العمومي نموذجا رسالة لنيل دبلوم الماستر كلية حقوق سطات 2009-2010 ص 15.

[21] Sedjari Ali , les enjeux juridiques et politiques de la sécurité à l’heure des droits de l’homme , OP ,Cit p 129.

-[22] رشيد السعيد وكريم لحرش، ” الحكامة الجيدة بالمغرب ومتطلبات التنمية البشرية المستدامة “، الطبعة الأولى،2009 ، مطبعة كوب بريس الرباط، ص37.

[23] هشام خلفادير، مرجع سابق، ص 114.

[24]  محمد الرضواني، ” مفاهيم أساسية في القانون العام “، الطبعة الثانية، 2009، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ص 71.

-[25] الفصل 100 من دستور 2011 : ” تُخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة. تُدلي الحكومة بجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال إليها. تُقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتُقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة”.

-[26] محمد الرضواني، مرجع سابق، ص 71.

-[27] لمزيد من المعلومات راجع المادة 67 من دستور المملكة لسنة 2011.

[28] هشام خلفادير، مرجع سابق، ص 115.

-[29] محمد الرضواني، مرجع سابق، ص 72

-[30] راجع الفصل – 105 من دستور المملكة لسنة . 2011

-[31] محمود معروف، “مرتكزات الإستراتيجية الأمنية في المغرب تغيّرت بشكل كبير”، مقال منشور على الرابط أسفله، آخر زيارة بتاريخ 24.10.2019، الساعة 21.46.

https://www.swissinfo.ch/ara/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-

-[32] إجمالا يبدو أن المغرب يتوجه استراتيجيا نحو الخليج لتجاوز مخاطر عزلة متوقعة وليُعيد إحياء زمن العلاقات المغربية الخليجية، بغض النظر عن الحالة السياسية لكل دولة من الدول الخليجية، فالدبلوماسية المغربية يبدو أنها تنتقل نحو النظر إلى الخليج كمنظومة دول متكاملة داخل مجلس التعاون، وليس النظر إليها كدول فرادى، لها استراتيجياتها الخاصة.

[33] خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان 2011ـ2016، ص 10.

-[34] يعتبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين،  أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال. كما يساهم المجلس في تعزيز منظومة حقوق الإنسان والعمل على حمايتها والنهوض بها وتطويرها مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء وتشجيع إعمال مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني.

-[35] وضوان حفياني، تفاصيل خارطة طريق الحكامة الأمنية بالمغرب، مقال منشور على الرابط أسفله، آخر زيارة بتاريخ 21.10.2019، الساعة 23.05.

[36] خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان 2011ـ2016، مرجع سابق، ص 11.

-[37]تعتبر هيئة الإنصاف والمصالحة لجنة وطنية للحقيقة والإنصاف والمصالحة، أنشأت بناء على القرار الملكي بالموافقة على توصية صادرة من المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان وعلى الظهير الشريف المتضمن للنظام الأساسي للهيئة الصادر ب 12 أبريل 2004 ، ذات اختصاصات غير قضائية في مجال تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من مهامها البحث والتحري والتقييم والتحكيم والاقتراح. ويشمل اختصاصها الزمني الفترة الممتدة من أوائل الاستقلال 1956 إلى تاريخ المصادقة الملكية على إحداث هيئة التحكيم المستقلة للتعويض 1999، أما الاختصاص النوعي فيشمل أكثر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي اتسمت بالطابع الممنهج و/ أو الكثيف. علما بأن اختصاص التحري والكشف عن الحقيقة يخول الهيئة التحقق من نوعية ومدى جسامة الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان.

-[38] ظهير شريف رقم  1.04.42 صادر في 10 أبريل 2004 بالمصادقة على النظام الأساسي لهيئة الإنصاف والمصالحة، ج.ر عدد 5203 ، 12 أبريل 2004، ص 1639.

-[39] إسماعيل حمودي، السياسة الأمنية للمغرب الراهن؛ دراسة في المحددات والفاعلين والقضايا، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، كلية الحقوق ـ سلا الجديدة، 2017 ـ 2018، ص 185.

-[40] ألكسندر مايير، العدالة الإنتقالية وإصلاح قطاع الأمن، في الكتاب الجماعي؛ الحكامة الأمنية الجيدة، د.ن، ص 25.

-[41] هشام خلفادير، مرجع سابق، ص 88.

-[42] إسماعيل حمودي، مرجع سابق، ص 186.

-[43] إسماعيل حمودي، نفس المرجع، ص 187.

[44] هشام خلفادير، مرجع سابق، ص 97

-[45] إسماعيل حمودي، مرجع سابق، ص 188.

-[46] إسماعيل حمودي، مرجع سابق، ص 190 ـ ص 192.

-[47] كريمة لهلالي، التعاون الأمني بين المغرب والاتحاد الأوروبي، مقال منشور على الرابط أسفله، آخر زيارة 05.11.2018 على الساعة 22.07

http://www.mcmd.ma/news.php?extend.79.9

-[48] نور الدين قربوع، التعاون الأمني المغربي الأوربي في ظل المتغيرات الإقليمية الجديدة، بحث لنيل سةاهدة الماستر، كلية الحقوق سلا الجديدة، 2015، ص 79.

-[49] كريمة لهلالي، مرجع سابق.

-[50] كريمة لهلالي، نفس المرجع.

-[51] افتتاحية مجلة الشرطة، المديرية العامة للأمن الوطني، في خدمة الوطن والمواطن والمؤسسات، العدد 17، يونيو ـ يوليوز 2016، ص 3.

-[52] افتتاحية مجلة الشرطة، حكامة الأمن؛ شعار المديرية العامة للأمن الوطني، العدد 22، فبراير ـ مارس 2017.

-[53] إن التركيز على الفصل 54 من الدستور 2011  (الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29  يوليوز 2011 ، بتنفيذ دستور المملكة المغربية الجديد، والمنشور بالجريدة الرسمية في 30 يوليوز ) كناظم بنيوي بحيث ارتقى الفصل المذكور بالمجلس الأعلى، للأمن فأصبح مؤسسة دستورية، بالإضافة إلى توليه الإستراتيجيات الأمنية، وتدبير الملفات الأمنية الكبرى التي تعرفها البلاد، فالتنصيص الجديد على هذه المؤسسة التي تم إحداثها لأول مرة في الحياة الأمنية والسياسية المغربية نظرا لأهميتها وحساسيتها، تم مباشرة في الوثيقة الدستورية مما أعطاه مصداقية وصبغة دستورية محضة. فقراءة نص الفصل 54 من دستور المملكة المغربية توضح الاختصاصات الأولية للمجلس الأعلى للأمن في: هيأة للتشاور بشأن إستراتيجيات الأمن الداخلي و الخارجي للبلاد؛ تدبير حالات الأزمات؛ السهر على مؤسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة.

-[54] خالد الدهبي، مرجع سابق.

-[55] هشام خلفادير، مرجع سابق، ص 107 ـ 109.

-[56] هشام خلفادير، نفس المرجع، ص 110.

-[57] إسماعيل حمودي، مرجع سابق، ص 193.

-[58] دراسة بعنوان، الحكامة الجيدة، بين الوضع الراهن ومقتضيات الدستور الجديدة 2011، مرجع سابق، ص 05.

Exit mobile version