الجهة والمراكز الجهوية للاستثمار : أي علاقة في تنمية الاقتصاد الترابي؟
ياسر عاجل باحث بسلك الدكتوراه جامعة محمد الخامس الرباط.
عبد الله غازي باحث بسلك الدكتوراه جامعة مولاي اسماعيل مكناس.
مقدمة :
لقد أصبح دور اللامركزية واللاتمركز في عصرنا الحاضر يتزايد يوما بعد آخر في البناء الديمقراطي العام للدولة. فتشعب مهام الدولة وتكاثر مسؤولياتها أدى بها إلى ترك جزء من الوظيفة الإدارية والاجتماعية و خاصة الاقتصادية إلى وحدات إدارية وترابية.
كما أن زيادة الطلب على الخدمات المختلفة بصورة تعكس استجابة سريعة وحقيقية لاحتياجات المواطنين و تمثيلهم و نقل وجهة نظرهم و مشاركتهم في رسم السياسات العامة التي تخدم المجتمع و المواطنين، الأمر الذي ساهم في إنشاء و بروز مؤسسات الدولة كشريك أساسي للحكومة، وذلك من منطلق أن الاهتمام والعناية بالأمور المحلية ستؤدي إلى المساهمة في أدوار تنموية جادة.
ويعد المغرب من الدول التي أولت منذ الاستقلال اهتماما خاصا بتوفير المناخ الملائم لجلب الاستثمار عبر الانخراط بشكل تدريجي في مسلسل من الاصلاحات الهادفة إلى توفير البنية التحتية الملائمة والإطار القانوني والمؤسساتي المناسب وتحسين عمل الادارة وأجهزتها وأساليبها باعتبارها واجهة النظام السياسي والأداة الرئيسية للدولة لتنفيذ السياسات العمومية .
ومع تبني الحكومة لسياسة ليبرالية تعتمد على محاولة جذب رؤوس الأموال الأجنبية، مع اقحام المستثمرين المحليين ضمن الاستثمارات الخارجية، و عليه تم إصدار قانون إستثماري جديد سنة 1960 تميز بتحول كبير فيما يخص التوجهات الاستثمارية . و بالرغم من حذو هذا القانون حذو سابقه في تشجيع التوزيع الجغرافي للاستثمار بتنصيصه على منح مكافأة التجهيز بنسبة 15 في المائة من المبالغ المستثمرة خارج منطقة الدار البيضاء، و 20 في المائة بمنطقة طنجة ، إلا انه لم يستطع القضاء على تمركز الاستثمارات، حيث بقيت الدارالبيضاء- المحمدية تستحوذ على أكبر عدد من المشاريع الإستثمارية، بحوالي 782 مشروع في الفترة الممتدة بين 1960 و 1971، مقابل 562 لباقي المناطق الأخرى، و 102 لمنطقة طنجة.
إن تجربة قوانين الاستثمار التي عرفها المغرب منذ الاستقلال، بالرغم من كل الحوافز المتضمنة بها، لم تؤثر بالشكل المطلوب في التوزيع الجغرافي للاستثمارات على الصعيد الترابي، إذ انها لم تساهم في تحريك الرأسمال الخاص الوطني، إضافة إلى ما تميزت به القوانين من الطابع التجزيئي جعل بعض القطاعات أقل إستفادة من الأخرى .
ومع التحولات الاقتصادية التي ميزت السياق الدولي مع بداية التسعينيات، و المتجه نحو الانفتاح و الاندماج و رفع الحواجز بين الاقتصاديات الوطنية في إطار العولمة، جراء انهيار المعسكر السوفياتي و بزوغ اللبيرالية الجديدة، اضطر المغرب معه إلى إعادة النظر في اقتصاده وجعله قادر على الاندماج في النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
أمام رغبة الدولة في التراجع عن بعض القطاعات المهمة لصالح القطاع الخاص من جهة، وضعف المردودية المالية و الفعالية الاقتصادية للسياسات التحفيزية المتضمنة في قوانين الاستثمار السابقة من جهة أخرى، وباعتبار المجال الترابي الفضاء الأمثل لتحقيق التنمية الاقتصادية عبر تكريس اللاتمركز واللامركزية كأسلوبين يكمل أحدهما الآخر، عمل المغرب مباشرة بعد صدور تقرير البنك الدولي على توحيد تلك القوانين في قانون موحد، و هو ما تبلور من خلال إصدار قانون الإطار بمثابة ميثاق الإستثمار في شهر نونبر 1995 . كما أن دستور 13 شتنبر 1996 الذي يمكن اعتباره نقطة تحول كبرى في مسار نطاق تطبيق اللامركزية، إذ أعطى انطلاقة جديدة للجهوية بمنظور التنمية الجهوية المتوازنة واعتبرها فضاء خصبا للتنمية الشاملة، وتكرس هذا الأمر في قانون 96.47 المنظم للجهات حيث أصبح لها كيان مستقل يتمتع بالشخصية المعنوية ولها وسائل مالية خاصة بها واختصاصات قانونية و استشارية.
واستمرت التجربة على هذا النحو في التحديث المؤسساتي تماشيا مع تطور مناخ الأعمال، حيث عملت السلطات العمومية بموجب الرسالة الملكية الموجهة إلى السيد الوزير الأول حول التدبير اللامتمركز للاستثمارات، تم إحداث المراكز الجهوية للاستثمار منذ 2002. وتعد هذه المراكز من بين الوسائل التي اعتمدتها السلطات العمومية من أجل تشجيع الاستثمار على الصعيدين الوطني والجهوي. حيث لا ينحصر دورها في القيام بمهام “الشباك الوحيد” بل تتعداه إلى أدوار أخرى كتسهيل المعلومات ووضعها رهن إشارة الفاعلين الاقتصاديين، والمساهمة في التعريف بالإمكانات الاقتصادية للجهات التي تتمركز فيها.
وفي ظل تعزيز التدبير اللامتمركز للاستثمار، عمل دستور 2011 أنه أطر الجماعات الترابية من الناحية الكمية ب 12 فصلا مجمعا ضمن الباب التاسع ( من الفصل 135 إلى 146) وبموجبه أصبحت للمسألة الترابية أهمية خاصة و متميزة وأعطاها رؤية جديدة ومغايرة لتعامل الدولة مع مختلف المستويات الترابية خاصة منها الجهات و هي الشيء الذي دفع بالمشرع الدستوري للتأكيد على صدارة الجهة على باقي الجماعات الترابية الأخرى وألزام المشرع بإصدار مجموعة من القوانين التنظيمية والعادية المرتبطة بالموضوع، التي منحت العديد من الاختصاصات التنموية للجهات. بالإضافة إلى تطوير النظام القانوني للجهات مقابل عجز المراكز الجهوية للاستثمار منذ إنشائها في توفير مناخ ملائم للاستثمار وتتبع حياة المقاولات بعد انشائها خاصة بعد اصدار المجلس الأعلى للحسابات تقرير يلامس قصور ومكامن الخلل في تدبير المراكز الجهوية للاستثمار وتماشيا مع ذلك تمت بلورة قانون جديد لهذه المراكز رقم 47.18 .
وعلى مستوى أهمية الموضوع تتضح من خلال رغبة المغرب في تحسين مناخ الأعمال سواء على المستوى القانوني والمؤسساتي المؤطر له، إضافة إلى تمكين البعد الترابي اختصاصات تنموية تهدف إلى انعاش التنمية الاقتصادية الترابية، سواء على مستوى اللامركزي واللامتمركز.
وانطلاقا مما سبق تبرز الاشكالية الرئيسية لهذه المقالة كالتالي : ما مدى تكريس مداخل الالتقائية على صعيد الاختصاصات التنموية اللامركزية واللامتمركزة في التدبير الأمثل للاقتصاد الترابي؟
المبحث الأول: الأدوار الإقتصادية للجهة وفق القانون التنظيمي 111.14.
لقد أصبحت الجهوية من الإستراتيجيات الأساسية لتحقيق التنمية الإقتصادية الترابية بالمغرب لا لشيء إلا أن السياسات العمومية الإقتصادية المعاصرة، أصبحت تعتمد على التنطيم الجهوي بإعتباره الإطار الأنسب لوضع كل الإستراتيجيات التنموية وكل تخطيط اقتصادي طموح، ومن ثمة تم الجزم بأن الدافع الإقتصادي هو الأساس نحو اقرار التنمية الجهوية على كافة المستويات، الأمر الذي أصبح يكتسب أهمية قصوى في الوقت الراهن والمستقبل، خاصة بعد ما أكدته الإختصاصات المنوطة بالجهة كألية لتنمية ترابها من الناحية الإقتصادية، ومن هنا سوف نحاول الوقوف عند اهم الاختصاصات التي تمارسها الجهة في المجال الإقتصادي (مطلب اول )، وكذا التطرق لأهم اليات تدخل الجهة في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية (مطلب ثاني).
المطلب الأول: إختصاصات الجهة في الميدان الإقتصادي
جاء القانون التنظيمي للجهات 111.14 بمستجدات على مستوى قواعد وأحكام إختصاصات الجهة تنزيلا لمقتضيات دستور 2011، فأناط بها مجموعة من الإختصاصات في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية وتتوزع هذه الأخيرة بين الإختصاصات الذاتية (أولا) والإختصاصات المنقولة والاختصاصات المشتركة (ثانيا) .
أولا : الإختصاصات الذاتية للجهة في الميدان الإقتصادي
تناط بالجهة وفي حدود مواردها مهام النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة في مجالها الترابي، وذلك بتطبيقها وتنسيقها وتتبعها مع مراعاة السياسات والإستراتجيات العامة، والقطاعية للدولة في هذا المجال ولاسيما في ما يتعلق ب:
– تحسين جاذبية المجال الترابي للجهة وتقوية تنافسيته الإقتصادية.
– تحقيق الإستعمال الأمثل للموارد الطبيعية وتنميتها والحفاظ عليها.
– إعتماد التدابير والإجراءات المشجعة للمقاولة ومحيطها والعمل على تيسير توطين الأنشطة المنتجة للثروة والشغل.
– الإسهام في تحقيق التنمية البشرية المستدامة.
وتتلخص أهم الأدوار المنوطة بالجهة في الميدان الإقتصادي فيمايلي:
– دعم المقاولات وتنظيم مناطق للأنشطة الإقتصادية.
– إنعاش أسواق الجملة وجذب الإستثمار.
– إنعاش الإقتصاد الإجتماعي والمنتجات الجهوية.
– إنعاش الأنشطة غير الفلاحية بالوسط القروي.
– تحديد المشاريع الجهوية وبرمجة إجراءات تنميتها.
– إحداث مراكز جهوية للتشغيل .
ومن هنا يظهر لنا أن المشرع أناط بالجهة مهام النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة وذلك بتنظيمها وتنسيقها وتتبعها ولاسيما فيما يتعلق بتحسين جاذبية المجال الترابي للجهة وتقوية تنافسيته الإقتصادية، مع اعتماد التدابير والإجراءات المشجعة للمقاولة ومحيطها والعمل على تيسير توطين الأنشطة المنتجة للثروة والشغل. بل تعتبر التنمية الإقتصادية من أهم الاختصاصات الذاتية التي تمارسها الجهات من خلال العديد من الإجراءات منها دعم المقاولات وتوطين وتنظيم مناطق للأنشطة الإقتصادية بالجهة وتهيئة الطرق والمسالك السياحية. إضافة الى إختصاصات هامة في مجال للتكوين المهني والتكوين المستمر والشغل والنقل والبيئة .
فالجهات التي التي تعزز موقعها بإختصاصات ذات طبيعية إقتصادية أساسا، نظرا للموارد الهامة التي منحت إياها، إضافة للموارد التي يمكن تعبئتها، مطالبة بالإظطلاع بدور أكثر نجاعة يتكامل مع ما تقوم به الدولة والقطاع الخاص في مجال تنشيط دينامية التنمية، ويتعين على الجهة أيضا أن تدمج في إستراتجيتها التنموية مسألة توفير بيئة مناسبة للاستثمار الخاص، كرافعة أساسية للنمو ولخلق الثروات وفرص الشغل.
ثانيا : الإختصاصات المشتركة والإختصاصات المنقولة للجهة في المجال الإقتصادي
إن من شأن منح الجهة إختصاصات واسعة تتماشى والأهداف المسطرة أن يمكنها لامحال من التدخل في جميع الميادين التي ترتبط بصفة مباشرة وغير مباشرة بجميع المجالات التي لها علاقة بتنمية الجهة على الصعيد الاجتماعي، البيئي والإقتصادي. الأمر الذي سيمكنها من القيام بأدوار طلائعية من خلال خلق كل الشروط الملائمة لوضع نشاط إقتصادي كفيل بالنهوض بالجهة للمستوى الذي تتطلع إليه.
وعلى هذا المنوال سار القانون التنظمي 111.14 المتعلق بالجهات بالنص على مجموعة من الإختصاصات المشتركة بين الدولة والجهة على المستوى الإقتصادي. اذ نجد المادة 91 نصت: تمارس الجهة الإختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في المجالات التالية:
التنمية الاقتصادية:
-تحسين جادبية المجالات الترابية وتقوية التنافسية
-التنمية المستدامة،
-الشغل،
-البحث العلمي التطبيقي.
التنمية القروية:
-تنمية العالم القروي
-تنمية المناطق الجبلية
-تنمية مناطق الوحات
– إحداث أقطاب فلاحية .
وعلى هذا الأساس يمكن للجهة بمبادرة منها وإعتمادا على مواردها الذاتية، أن تمارس تمويل أو تشارك في تمويل إنجاز مرفق أو تجهيز أو تقديم خدمة لا تدخل ضمن إختصاصاتها الذاتية بشكل تعاقدي مع الدولة إذا تبين أن هذا التمويل يساهم في بلوغ أهداف تحقيق التنمية الإقتصادية .
وتمارس الجهة الإختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة بشكل تعاقدي إما بمبادرة منها أو بإقتراح من الجهة.
وإلى جانب هذه الاختصاصات تمارس الجهة إختصاصات منقولة، وذلك إعتمادا على مبدأ التفريع وتم تحديدها على سبيل المثال :
-التجهيزات والبنيات التحتية ذات البعد الجهوي
– الصناعة، التجارة، الطاقة، الماء، والبيئة….
وتجدر الإشارة أن ممارسة الجهة للاختصاصات المنقولة رهين بنقل الإعتمادات المالية الكافية لممارستها.
المطلب الثاني: آليات تدخل الجهة في تنمية الإقتصاد الجهوي
أصبح تدبير السياسات العمومية الترابية ببلادنا يحظى بأهمية أقصوى، هذه الأهمية جعلت الدولة تعتمد على استراتيجيات ناجعة لتنمية التراب، لذلك فإن اعتماد سياسات تنموية ترابية كأسلوب لتدبير فعال للشأن الترابي يتوقف على مجموعة من الآليات والوسائل، التي من شأنها أن تساعد على اضفاء طابع الفعالية و الدينامية، التي من خلالها يمكن قياس مدى نجاعة الجهة في تدبير السياسات العمومية الترابية التي تعتمدها في المجال الإقتصادي وتنقسم هذه الأليات إلى أليات قانونية (أولا) وأليات مؤسساتية (ثانيا) .
أولا : الاليات القانونية
خول القانون التنظيمي 111.14 للجهات مجموعة من الأليات القانونية تمكنها من التخطيط لاجل تنمية الإقتصاد الجهوي، متمثلة في برنامج التنمية الجهوي (1)، ثم التصميم الجهوي لإعداد التراب(2).
1- برامج التنمية الجهوية
يعتبر برنامج التنمية الجهوية الوثيقة المرجعية لبرمجة المشاريع والأنشطة ذات الأولوية المقرر أو المزمع إنجازها بتراب الجهة بهدف تحقيق تنمية مندمجة ومستدامة، تهم على وجه الخصوص تحسين جاذبية المجال الترابي وتقوية تنافسيته الإقتصادية .
وحيث يتخد رئيس مجلس الجهة خلال السنة الأولى من مدة إنتذاب المجلس قرار إعداد مشروع برنامج التنمية الجهوية بعد إجتماع إخباري وتشاوري يدعو له أعضاء المكتب ورؤساء اللجان الدائمة ونبوابهم وكاتب المجلس ويحضر والي الجهة أو من يمثله هذا الاجتماع.
ويتم تفعيل برنامج التنمية الجهوية، عند الإقتضاء في إطار تعاقدي بين الدولة والجهة وباقي المتدخلين كما يتعين على الجهة مراعاة مضامينه عند وضع الميزانية في الجزء المتعلق بالتجهيز، ويمكن تحيين البرنامج ابتداءا من السنة الثالثة من دخوله حيز التنفيذ . ويجب أن تقوم منهجية إعداد برنامج التنمية على المقاربة التشاركية، مع ضمان إلتقائيتها مع التوجهات الإستراتيجية والسياسية للدولة ومع التصميم الجهوي لاعداد التراب، وذلك بالتنسيق مع والي الجههة بصفته ممثل السلطة المركزية ومنسق المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية.
2- :التصميم الجهوي للاعداد التراب
يعتبر التصميم الجهوي لإعداد التراب وثيقة إستراتيجية أقرها الدستور الجديد في فصله 143، وكرسها القانون التنظيمي رقم 14.111 المتعلق بالجهات. ويقدم هذا التصميم تشخيصا مجاليا تحدد من خلاله أهم العوائق الترابية، كما يقترح رهانات للتهيئة والإعداد وحلولا عملية للتنمية الجهوية على المدى البعيد (25سنة). ويتعلق الامر هنا برؤية استراتيجية تترجم إلى مشاريع مهيكلة يتم تحديدها بتوافق مع جميع الفاعلين المحليين حتى تكون في مستوى تطلعات وحاجيات الساكنة الراهنة والمستقبلية. كما أنه يشكل إطارا مرجعيا يمكن من إلتقائية وإنسجام بين الدولة والجماعات الترابية .
ويتم إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب عبر المراحل التالية، اولا وضع تشخيص لتراب الجهة يتضمن على وجه الخصوص تقارير قطاعية وموضوعاتية حول مؤهلات الجهة ومجالها الطبيعي والبيئي، ومعطيات حول التنمية البشرية بالجهة والفوارق الترابية بها، ومقومات وإكراهات التنمية بالجهة، والحاجياتها الضرورية فيما يخص البنيات التحتية الأساسية، وأهم التجهيزات المنجزة بالجهات المجاورة. ثانيا إعداد إستراتجية تهيئة المجال وتأهيله وفق رؤية إستراتيجية مع مراعاة الإطار التوجيهي للسياسة العامة للدولة لإعداد التراب على مستوى الجهة. ثالثا انجاز تقرير تركيبي حول التصميم الجهوي لإعداد التراب يعتبر ميثاقا للتهيئة والتنمية الماجالية للجهة .
ويمثل إعداد أو مراجعة التصميم الجهوي لإعداد التراب فرصة لإتخاد قرارات حاسمة في مجال التنمية المستدامة وحماية البيئة في الجهة. ويتعين أن تصبح هذه القرارات ملزمة لكل المتدخلين في باقي الجهات، وان تتخد في ظل إنسجام تام مع المخطط الوطني لإعداد التراب، ومع مقتضيات ميثاق البيئة.
ثانيا : الأليات المؤسساتية
بالإضافة إلى الاليات القانونية لتنمية الإقتصاد، جاء القانون 111.14 بمجموعة من المؤسسات تساعد الجهة على تتنقيذ المشاريع الإستثمارية ، من قبيل الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع(1)، ثم شركات التنمية الجهوية(2).
1- الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع
لمساعدة المجالس الجهوية على القيام بإختصاصاتها على أحسن وجه ودعما للمؤهلات البشرية بتوفير الإمكانيات الإدارية، فقد تم التنصيص على أجهزة جديدة على الصعيد الجهوي، من أهمها الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع التي تهدف إلى تدعيم الإدارة التنموية بتراب الجهة، و ذلك لتصحيح الثغرات التي لا زمت تدعيم الإدارة التنموية التي عرفتها الجهة في تدبير المجال الترابي، و تمثل الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع جهاز تنسيقي بين مختلف الفاعلين الثانويين والمتدخلين في إدارة المجال الترابي على مستوى الجهة وذلك من أجل وضع مشروع مندمج لتحقيق تنميتها .
تضطلع الوكالة بتنفيذ المشاريع و البرامج التنموية التي يقرها المجلس الجهوي، وعلاوة على ذلك يمكن لمجلس الجهة أن يعهد لها باستغلال أو تدبير بعض المشاريع لحساب الجهة طبقا لشروط و كيفيات تحدد بمقرر.
وتقوم الوكالة أيضا بمهام استشارية تتجلى وكما أشار لها القانون التنظيمي بالمساعدة، ومد مجلس الجهة كلما طلب رئيسه ذلك بكل أشكال المساعدة القانونية والهندسية التقنية المالية عند دراسة و إعداد المشاريع وبرامج التنمية، ومن جهة أخرى يمكن أن تقترح على المجلس الجهوي إحداث شركة من شركات التنمية الجهوية تشتغل تحت اشرافها.
وتتوفر الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع على ادارة تديرها لجنة للإشراف و المراقبة ويسيرها مدير.
2- :شركات التنمية الجهوية
نظم القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات، شركات التنمية الجهوية ضمن المواد 147-146-148، حيث نص أنه يمكن للجهة ومجموعاتها ومجموعات الجماعات الترابية المنصوص عليها إحداث شركات مساهمة تسمى “شركات التنمية الجهوية” أو المساهمة في رأسمالها باشتراك مع شخص أو عدة أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام أو الخاص وتحدث هذه الشركات لممارسة الأنشطة ذات الطبيعة الاقتصادية التي تدخل في اختصاصات الجهة أو تدبير مرفق عمومي تابع للجهة .
ولا يجوز، تحت طائلة البطلان، إحداث أو حل شركة التنمية الجهوية أو المساهمة في رأسمالها أو تغيير غرضها أو الزيادة في رأسمالها أو تخفيضه أو تفويته إلا بناء على مقرر المجلس المعني تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية .
لا يمكن أن تقل مساهمة الجهة أو مجموعاتها أو مجموعات الجماعات الترابية في رأسمال شركة التنمية الجهوية عن نسبة %34. وفي جميع الأحوال، يجب أن تكون أغلبية رأسمال الشركة في ملك أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام.
والملاحظ أن المشرع حاول أن يحصر غرض شركة التنمية الجهوية عندما حصرها في الأنشطة ذات الطبيعة الصناعية والتجارية التي تدخل في إختصاص الجهة، ما يعني أن الأنشطة الثقافية والفلاحية التي تختص بها أيضا بصريح المادة 82 من قانون 111.14 كإختصاصات ذاتية أو منقولة بناء على المادة منه لا يمكن باي حال أن تكون محلا لشركة التنمية الجهوية.
اذ كانت الغاية من احداث هذه الشركات كوسيلة لترشيد وإحداث جهوية وتسيرها بتكلفة قليلة من خلا شركات تعود ملكيتها للجهة عوض التعاقد مع شركات لهذا الغرض بمقابل قد يثقل كاهلها .
وتجدرالإشارة ان الجهات تتوفر أيضا على اليات مؤسساتية أخرى تتمثل في مجموعة الجهات حيث نص القانون التنظيمي يمكن للجهات أن تؤسس فيما بينها، بموجب اتفاقيات يصادق عليها من قبل مجالس الجهات المعنية، مجموعات تتمتع بالشخصية الإعتبارية والاستقلال المالي، وذلك من أجل إنجاز عمل مشترك أو تدبير مرفق عمومي ذي فائدة عامة للمجموعة . هذا بالإضافة الى مجموعات الجماعات الترابية اذ يمكن لجهة أو اكثر أن يؤسسوامع جماعة أو أكثر أوعمالة أو اقليم تحمل اسم “مجموعات الجماعات الترابية ” تتمتع بالشخصية الإعتبارية والإستقلال المالي، بهدف إنجاز عمل مشترك أو تدبير مرفق ذي فائدة عامة للمجموعة .
المبحث الثاني : دور المراكز الجهوية للإستثمار في انعاش الاقتصاد الترابي.
لقد شكلت مرحلة إعادة النظر في مهام المراكز الجهوية ، نتيجة عدم استمرار أغلب المقاولات في الحياة الاقتصادية، وضعف جاذبية بعض الجهات في استقطاب المقاولات، والهدف من هذه المراجعة تحقيق نقلة نوعية في اتجاه تفعيل أسلوب جديد للتدبير الاقتصادي. وعليه سنحاول إبراز اختصاصات المراكز الجهوية للإستثمار (المطلب الثاني)، ثم سنعمل على توضيح الهيكلة الجديدة لهذه المراكز (المطلب الأول).
المطلب الأول : تحديث هيكلة المراكز الجهوية للإستثمار.
للإستثمار و بإحداث اللجان الجهوية الموحدة للإستثمار في إعادة هيكلة هاته المراكز وجعلها مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالإستقلال المالي والإداري ويعكس نفوذها النفوذ الترابي لجهات المملكة، وفيما يخص تحديث تنظيمها وإدارتها يفترض على هذه المراكز إنشاء قطبين إحداهما معنون ب” دار المستثمر” والآخر ب”التحفيز الترابي”. وعليه سنحاول في هذه النقطة الوقوف على المستجدات التي حبل بها المركز الجهوي للإستثمار فيما يخص هيكلته، سواء على مستوى المجلس الإداري الذي يدير المركز (أولا)، أو اللجان الجهوية الموحدة للإستثمار (ثانيا)، أو على مستوى اللجنة الوزارية للقيادة (ثالثا).
أولا : مجلس إدارة المركز الجهوي للإستثمار.
ويسير المركز مجلس إدارة ويسيره مدير يعين طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل . ويتألف المجلس، تحت رئاسة والي الجهة المعنية، من رئيس مجلس الجهة المعني أو أحد نوابه، الممثلون الجهوين للإدارات العمومية المعنية بتنمية الاستثمارات والمحددة بنص تنظيمي وممثلو المؤسسات العمومية ورؤساء غرف التجارة والصناعة والخدمات والفلاحة والصيد البجري والصناعة التقليدية بالجهة المعنية والممثل الجهوي للمنظمة المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية وثلاث شخصيات مستقلة مشهود لها بالكفاءة في المجالات المرتبطة بالمهام المخولة للمراكز، يتم تعيينها من قبل رئيس مجلس الإدارة .
ويمارس مجلس إدارة المركز الجهوي للإستثمار العديد من الإختصاصات ومن بينها ما يلي :
يصادق على برنامج العمل السنوي.
يحصر الميزانية والبيانات التوقعية المتعددة السنوات للمركز، وكذا كيفية تمويل برامج أنشطته.
يحصر الحسابات السنوية للمركز ويصادق عليها ويبث في تخصيص النتائج.
يحصر المخطط التنظيمي الذي يحدد بيانات المركز التنظيمية واختصاصاته.
يحصر النظام الذي تحدد بموجبه شروط وأشكال إبرام الصفقات العمومية.
يتخذ قرار اقتناء الأملاك العقارية أو تفويتها أو كرائها.
يصادق على تقرير التسيير السنوي والتقرير السنوي عن الأنشطة الذين يعدهما مدير المركز.
ويجتمع مجلس الإدارة بدعوة من رئيسه كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وعلى الأقل، ثلاث مرات في السنة: قبل 31 مارس لدراسة حصيلة أنشطة المركز خلال السنة المالية المختتمة والنتائج المحصل عليها، قبل 30 يونيو لحصر القوائم التركيبية للسنة المالية المختتمة، قبل 31 أكتوبر لدراسة الميزانية والبرنامج التوقعي للسنة المالية وحصرهما.
ثانيا : اللجنة الجهوية الموحدة للإستثمار.
إن إحداث اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار يأتي ضمن مستجدات القانون المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار و التي ستقوم مقام اللجان الجهوية والمحلية المتدخلة في تدبير الاستثمار مشكلة بذلك الإطار الوحيد لاتخاذ القرارات المتعلقة بملفات الاستثمار وإبداء الرأي فيما يخص طلبات الاستفادة من التحفيزات والامتيازات الاقتصادية، وكذا طلبات الرخص والأمور الإدارية اللازمة لانجاز المشاريع الاستثمارية. وتتشكل هذه اللجنة تحت رئاسة والي الجهة من عمال العمالات والأقاليم، رؤساء المجالس الجماعية، ممثلي السلطات الإقليمية، الممثلين الجهويين للإدارات والمؤسسات المعنيين بالمشاريع الاستثمارية والمدير العام لمصالح الجهة . وتعقد اجتماعاتها كلما دعت الضرورة إلى ذلك وعلى الأقل مرة واحدة كل أسبوع بهدف الاستجابة بسرعة وفعالية لطلبات المستثمرين.
ووفق المادة 29 من القانون رقم 47.18 تتولى اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار بالرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية المخالفة، القيام بما يلي على صعيد نفوذها الترابي :
1- إجراء تقييم مسبق لمشاريع الاستثمار المعروضة عليها من الجانب الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والعمراني، وكذا فيما يتعلق بإحداث مناصب الشغل، والتحقق عند الاقتضاء، من قابليتها لاستفادة من النظام التحفيزات والامتيازات التي تمنحها الدولة كما هو منصوص على ذلك في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
2- البت أو إبداء رأيها أو رأيها المطابق، حسب الحالة وفق الشروط والمساطر المحددة بموجب النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في جميع القرارات الإدارية الضرورية لإنجاز مشاريع الاستثمار.
ثالثا : اللجنة الوزارية للقيادة.
يشير القانون في قسمه الثالث إلى اللجنة الوزارية للقيادة التي توجد تحت رئاسة رئيس الحكومة وهدفها تتبع عمل المراكز في مجال تنفيذ سياسة الدولة على المستوى الجهوي الرامية إلى إنعاش الاستثمارات والتحفيز عليها وتنميتها، بتنسيق مع الإدارات والهيئات المعنية.
وتتولى اللجنة الوزارية قيادة إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وتتبع تنفيذه والنظر في اقتراحات المراكز الرامية إلى تسوية الصعوبات التي قد تعترضها أثناء القيام بمهامها المتعلقة بتبسيط المساطر الإدارية المتعلقة بالاستثمار وتلك المتعلقة بتوفير عرض مندمج وجذاب للاستثمار على صعيد الجهة والبت في الطعون ودراسة تقارير تقييم الأداء.
المطلب الثاني: مهام المراكز الجهوية للاستثمار.
تشمل مستجدات القانون 47.18 بتوسيع نطاق اختصاصات المراكز الجهوية للإستثمار قصد تمكينها من الاضطلاع بمهام طلائعية بما يتقاطع ويتلاقى مع أهداف الجهوية المتقدمة وتعزيز ميثاق اللاتمركز الاداري، إضافة إلى الحد من العراقيل التي تواجه المستثمرين، ولتحقيق هذا الغرض ستقوم المراكز بتسهيل الاستثمار عبر تكريس دورها كشباك وحيد للمعالجة المندمجة لملفات المشاريع الاستثمارية وفق مقاربة شمولية في كافة مراحلها .
فالدور الذي تلعبه هذه المراكز لا ينحصر في مهام الشباك الوحيد بل تقوم بادوار أخرى تتعدى ذلك وتتمثل في تسهيل الولوج إلى المعلومة ووضعها رهن إشارة مختلف الفاعلين الاقتصاديين، وكذا التعريف بالإمكانيات الاقتصادية والمؤهلات التي تتوفر عليها الجهة ، وفي هذا الاطار تناط بالمراكز الجهوية للاستثمار تحت سلطة الولاة بالمهام التالية:
أولا : فيما يخص عرض الخدمات المقدمة لفائدة المستثمرين ومواكبة المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا، تقوم المراكز باعتبارها شبابيك وحيدة بما يلي :
• شباك المساعدة على خلق المقاولات حيث تتحدد اختصاصاته في خلق المقاولات باعتباره المخاطب الوحيد بالنسبة للأشخاص الذين يرغبون في إنشاء مقاولات، يضع رهن إشارتهم مطبوع موحد يتضمن كل المعلومات القانونية الضرورية لإحداث أي مقاولة، وبالتالي يقوم بإنجاز كافة الاجراءات اللازمة للحصول على الوثائق والشهادات من طرف الإدارات المعنية والتي تقتضيها التشريعات داخل أجل يحدده الوالي وذلك بالنسبة لإثبات وجود المقاولة .
• شباك مساعدة المستثمرين الذي يتولى تزويد المستثمر بكل المعطيات الضرورية المتعلقة بالاستثمار على صعيد الجهة، ثم دراسة طلبات الترخيص الاداري وتحضير الوثائق الضرورية لإنجاز مشاريع الاستثمار في قطاعات التصنيع الفلاحي، السياحة، المعادن، الصناعة التقليدية والسكن والتي لا تتجاوز كلفتها مائتي مليون درهم وذلك لتمكين والي الجهة من تسليم الرخص أو توقيع القرارات الإدارية المتعلقة بالاستثمار.
• تلقي ملفات الاستثمار وطلبات وطلبات التراخيص والقرارات الادارية المتعلقة بها، ودراستها بتنسيق مع الإدارات والهيئات العمومية المعنية طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
• إعداد القرارات الادارية الضرورية لإنجاز مشاريع الاستثمار، التي يكون تسليمها أو توقيعها موضوع تفويض يمنح لولاة الجهات أو يدخل ضمن اختصاصاتهم، وذلك طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
• تتبع المقاولات، خاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا، ومواكبتها بطلب منها، خلال مدة مزاولة نشاطها، لاسيما من خلال تقديم الاستشارة والمساعدة لها قصد تمكينها من تجاوز الصعوبات التي قد تعرقل حياتها الاقتصادية.
• السهر على نزع الصفة المادية عن المساطر والاجراءات المتعلقة بدراسة ملفات مشاريع الاستثمار.
• تطوير الإدارة الإلكترونية المتعلقة بالاستثمار على المستوى الجهوي، حتى يتمكن المستثمرين والمقاولات من الولوج إلى المعلومات المرتبطة بمناخ الاستثمار بالجهة، والفرص المتاحة والإمكانات التي تتوفر عليها الجهة، إضافة إلى توضيح المساطر الواجب اتباعها لإنجاز المشاريع الاستثمارية ومراحل تتبع دراسة الملفات المتعلقة بالاستثمار.
• القيام تحت اشراف عامل العمالات والأقاليم المعننين وبتنسيق مع الادارات المعنية والهيئات العمومية والجماعات الترابية المعنية، بمواكبة المشاريع الاستثمارية سواء التي في طور الإنجاز أو تلك المنجزة، وتتبع تنفيذ عقود اتفاقيات الاستثمار المبرمة مع الدولة وذلك طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. وأيضا تتبع الاتفاقيات المتعلقة بتهيئة مشاتل للأنشطة الاقتصادية والصناعية، كما يعد العامل تقريرا يتعلق بتتبع مراحل تقدم إنجاز المشاريع المذكورة، ويعرضه على والي الجهة بصفته رئيس اللجنة الموحدة للاستثمار .
ثانيا : التحفيز الاقتصادي والعرض الترابي المتعلق بالاستثمار، تقوم المراكز بما يلي :
• ضمان يقظة اقتصادية، لا سيما من خلال جمه المعطيات الماكرواقتصادية للجهة المعنية، واحداث قاعدة معلوماتية تتعلق بفرص الاستثمار المتاحة بالتراب الجهوية وتحويلها إلى مشاريع استثمارية تضع رهن إشارة المستثمرين.
• بلورة وتنفيذ استراتيجيات انعاش الاستثمار وتنميته وتشجيعه طبقا لتوجها السياسات العمومية للحكومة، وذلك من خلال تنزيل الاستراتيجيات القطاعية المتعلقة بالاستثمار على الصعيد الجهوي.
• المساهمة في بلورة الرأي بشأن المشاريع الإستثمارية الجهوية ذات البعد القتصادي، وكذا في إعداد المخططات الجهوية للتنمية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، والتي يتم وضعها باستشارة مع المجالس الجماعية والإدارات اللاممركزة القطاعية والمؤسسات العمومية وممثلي الهيآت االقتصادية والنقابات المهنية والغرف المهنية المعنية والمجتمع المدني .
• القيام بإعداد دراسات قبلية إلى جانب باقي الفاعلين الترابيين لتهيئة المناطق الصناعية والاقتصادية وعند الإقتضاء المساهمة في تطويرها.
• القيام تحت اشراف والي الجهة بتقديم مقترحات تهم تدابير مرتبطة بتشجيع وجذب الاستثمار على صعيد الجهة وتبسيط المساطر الإدارية المتعلقة به.
ثالثا : حل النزاعات بين الإدارات والمستثمرين وفق طرق ودية.
• القيام بمساعي التوفيق بين المستثمرين والادارات العمومية المعنية خلال إنجاز المشاريع وكل ذلك بناء على طلب من المستثمرين. وفي حالة عدم التوصل إلى حل يرفع المركز الجهوي للإستثمار اقتراحاته إلى والي الجهة قصد تسوية الخلاف وذلك باحترام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
• إعداد تقارير دورية ترفع إلى والي جهة ترتبط بمجالات شطط في استعمال السلطة شريطة اثباتها بصورة قانونية التي تعترض مسار معالجة الملفات الاستثمارية أو معرفة سبب التأخير في معالجتها. وفي هذا الاطار يقوم الوالي بإتخاذ الاجراءات الضرورية ويحيلها إلى السلطة المختصة.
انطلاقا مما سبق، يمكن القول أن مهام المراكز الجهوية للإستثمار تشمل تسهيل الاستثمار وتطوير العرض الترابي وجذب الاستثمارات المنتجة للثروة والمحدثة لمناصب الشغل، بالإضافة إلى المواكبة الشاملة للمقاولات، خصوصا الصغرى والمتوسطة، والتي تواجه صعوبات في أنشطتها، وذلك بهدف جعل هذه المراكز قوة اقتراحية لتطوير جاذبية تراب الجهة، أو لتجويد المساطر المتعلقة بالاستثمار والخدمات المقدمة للمستثمرين ، إضافة إلى ذلك يمكن للمراكز الجهوية للإستثمار عقد اتفاقية شراكة مع القطاع العام أو الخاص وطنيا أو دوليا، تندرج ضمن مهامه وتهدف إلى الاستفادة من التجارب والخبرات، وأيضا إجراء كل بحث له علاقة بمهامه سالفة الذكر.
المبحث الثالث : تدبير الاستثمار الترابي بين تدخل الجهة والمراكز الجهوية للاستثمار.
تشكل الجهوية الإطار الملائم لبلورة إستراتيجيات تنموية وتوجيه سياسات عمومية مندمجة وتشاركية لتدبير المجال الترابي، تجعل منها عنصرا مفتاحيا لكل تنمية ترابية ويبقى وضع استراتجيات إستثمارية منسجمة، رهين بفعالية التنسيق والإلتقائية بين مختلف الأجهزة اللامتمركزة المعنية بالإستثمار على المستوى الترابي (مطلب الأول). وكذا ضرورة تفعيل مبدأ التدبير الحر للإستثمار بين الجهة والمراكز الجهوية للإستثمار( مطلب ثاني).
المطلب الأول: مظاهر الإلتقائية بين الجهة والمراكز الجهوية للإستثمار في تنمية الإقتصاد الجهوي
تعد إلتقائية السياسات العمومية الترابية أحد التحديات الكبرى المطروحة على مستوى التنمية وخلق الثروات على الصعيد الجهوي، وقبل اجرأة هذه الإلتقائية في برامج ومشاريع محددة، يجب أولا إستحضارها على مستوى الإستراتجيات والبرامج التنموية. وتتيح الجهوية اليوم فرصة ثمينة لتحقيق الإلتقائية بين السياسات العمومية في المجال الإقتصادي بطريقة قبلية عند اعداد برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب (أولا)، كما تظهر الإلتقائية أيضا من خلال دعم الجهة والمراكز الجهوية للإستثمار لجدب وتشجيع الاستثمارات داخل النفوذ الترابي للجهة (ثانيا).
أولا: التنسيق خلال مرحلة إعدا برامج التخطيط الإستراتجي للجهة.
إن الوصول إلى التنزيل الفعال للجهوية المتقدمة، يتطلب الإعتماد على رؤية الأطراف المتدخلة في تدبير السياسات العمومية الترابية وخاصة في المجال الإقتصادي، بإعتبارها ركيزة اساسية لتحسين مردودية كل الفاعلين، وبالتالي فإن نجاح السياسات التنموية على المستوى الجهوي وتفعيلها يستدعي التنسيق بين الفاعلين المؤسساتين في الجهة للوصول إلى المردودية والنجاعة المرتقبة من الاجهزة المتدخلة في تدبير السياسات العمومية الترابية في المجال الإقتصادي. لأن سياسة الجهوية وفق ما تم تنزيله من مقتضيات دستورية وتنظيمية، تتطلب إلتقائية جهود جميع الفاعلين الترابين، وذلك لأجل ضمان التنسيق في رسم السياسات العمومية الإقتصادية على المستوى الترابي وتفادي التداخل بين الجهة والمراكز الجهوية للإستثمار في تنمية الإقتصاد الجهوي . ومن خلال القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهة، والقانون رقم 47.18 المتعلق بالمراكز الجهوية للإستثمار يظهر يوجد مظاهر الإلتقائية عند مرحلة إعداد كل من برنامج التمنية الجهوي والتصميم الجهوي لإعداد التراب.
وبناء على هذا يقوم الوالي بدور التنسيق بين جميع المتدخلين على المستوى الجهوي وذلك بإعتباره ممثلا للإدارة الترابية على مستوى الجهة، لذلك كان من الطبيعي أن يمنح الميثاق الوطني للاتمركز الإداري دورا محوريا عنذ تنظيمه للعلاقة بين الإدارة المركزية والمصالح اللاممركزة للدولة من جهة وبين هذه الأخيرة والجماعات الترابية وهيئاتها وباقي الهيئات والمؤسسات الأخرى ذات الإختصاص الترابي من جهة ثانية، وهذا لأجل ضمان تنفيذ وإنجاز البرامج والمشاريع التي تعكس التوجهات العامة للسلطات الحكومية خاصة في مجال تنشيط الإستثمار وخلق المناخ الملائم لتشجيعه وتنميته . وهذا بالإضافة إلى ضمان التقائيتها وتجانسها وتكاملها والتعاضد في وسائل تنفيذيها داخل هندسة ترابية تتطلب وظائف جديدة للقيادة والتنسيق قوامه تأمين تنفيذ إختيارات إقتصادية في المجال الترابي.
وإستنادا الى النصوص المنظمة ولأجل الإستجابة لتطلعات وحاجيات المواطنين بالجهة لا بد وأن تكون هناك إلتقائية في البرامج التنموية بين مجالس الجهوية وباقي المتدخلين في تديبر الشأن الإقتصادي الجهوي وخاصة المراكز الجهوية للإستثمار، وضرورة قيام الولاة بالدور الأساسي في تحقيق تناغم وإلتقائية توجهات المتدخلين على الصعيد الجهوي.
لهذا يمكن القول إن نجاح مسسلسل إعداد هاتين الوثيقتين( برنامج التنمية الجهوي، التصميم الجهوي لإعداد التراب ) يشكل في الحقيقة مدخلا اساسيا لنجاج الجهة في تحقيق المشاريع المهيكلة، والمشاركة في الجهود الشاملة المبذولة من أجل تحقيق التنمية المتسقة للمجال الجهوي.
وبالتالي فالمجلس الجهوي هو القائد المخطط، والبناء الإستراتجي للتنموية الجهوية، وذلك لتوفره على صلاحيات وضع وتتبع البرامج التنموية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، وهذا ما جعل الجهة مجلسا للتدبير، خاصة بعد التنصيص على التنسيق بين القطاعات اللاممركزة، الذي يقوم به الولاة على الصعيد الجهوي، وهذا الأمر سيودي إلى تفعيل ونجاح الجهوية المتقدمة وتحقيق مطلب التنمية الإقتصادية على المستوى الجهوي.
ثانيا: الإلتقائية في جذب وتشجيع الإستثمارات الجهوية
كرس المشرع البعد الإقتصادي في سياسة اللاتمركز الإداري لإزاحة كل العوائق الإدارية التي من شأنها أن تقف أمام خلق خلق مناخ ملائم للإستثمار، وذلك عند تنظيمه لعلاقة المصالح اللاممركزة للدولة بولاة الجهات، وكذا مجالس الجهات والمؤسسات العمومية على المستوى الجهوي، وهي علاقة تدبيرية جديدة مؤسسة على حسن الأداء والنتائج، ومنح الأسبقية للأنشطة والوظائف الإدارية التي لها بعد إقتصادي وتنموي، وغاية ذللك هو ضمان تنفيذ مختلف البرامج والمشاريع ذات الإختيارات الوطنية في مجال الإستثمار وتقوية جاذبية الجهات تجاه المجالات الإقتصادية، وتعبئة كل القوى سياسية، إدارية، أو ممثلة للسلطة المركزية على المستوى الجهوي لتحقيق الفعالية الإقتصادية.
ومن الأليات التي تعزز التقائية جدب وتشجيع الإستثمارات هو دعم نسقية التواصل كمقاربة فعالة تأسيسية لبناء تبادل المعلومات والتأثير الإعتمادي المتبادل الذي يؤول إلى تجسير الفجوة والهوة بين المؤسسات الجهوية والمواطنين، إذ يتيح وجود المعلومات وتوافرها وتدفقها وانسيابيتها في شكل مرتب ومنتظم، ترشيد وعقلنة الفعل الجهوي في مختلف المجالات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، بمعنى توفر بيئة معلوماتية تؤول إلى حسن تدبير الشأن الجهوي عكس نشوء الخصاص المعلوماتي الذي يفضي إلى الجنوح عن تحقيق الأهداف والغايات. وهذا سيتأتى بإستثمار تكنولوجيا المعلوميات والإتصال، أي توفر بنية معلوماتية للمؤسسات الجهوية . وفي هذا الإطار يمكن للإعلام الجهوي التعريف بالمؤهلات الإقتصادية للجهة عبر اتاحة الفرصة للنخب المحلية في التعبير عن رؤيتها وتصورها لقضايا المجتمع وتسويق هذه المؤهلات للخارج.
وفي هذا الإطار يحضر التسويق الترابي بإعتباره رهانا للدولة الحديثة والية تمنح الجهات القدرة على المنافسة وجدب الإستثمار، حيث نصت المادة 80 من القانون التنظيمي للجهات على أهمية “إعتماد الجهة للتدابير والإجراءات المشجعة للمقاولة ومحيطها والعمل على تسير توطين الانشطة المنتجة للثروة والشغل”، وهذا ما يتطلب سياسات عمومية قادرة على إنتاج بيئة جدابة للمستثمرين. غير أن هذا الرهان لن يتحقق الا من خلال مزيد من التنسيق بين المصالح اللاممركزة للدولة والمجالس الترابية من جهة ثانية، وباقي المتدخلين من جهة ثالثة، لتحقيق الإلتقائية والنجاعة المطلوبين. وهذا الامر الذي تفطن له ميثاق اللاتمركز الإداري، حيث نص على إحداث لجنة جهوية للتنسيق لدى والي الجهة .
إن مسألة الإلتقائية في التدبير العمومي للجماعات الترابية يفرض نفسه كضرورة لتعاضد مؤسسات الدولة والجماعات الترابية من أجل كسب رهان التنمية المستدامة، كما تؤكد ذلك الخطب الملكية، رهين بقدرتها على تفعيل اليات التعاون والتضامن فيما بينها، وتعزيز قنوات التشاور وتبادل الافكار والخبرات، وذلك من خلال الإنخراط الهادف في تحقيق التنمية على المستوى الجهوي.
المطلب الثاني : جدلية تنزيل مبدأ التدبير الحر في مجال الاستثمار بين الجهة والمراكز الجهوية للاستثمار.
إن التدبير اللامتمركز واللامركزي للاستثمار، يعرف تفاوتا من خلال تقوية دور ممثل السلطة الحكومية على المستوى الترابي مقابل اضعاف سلطات رؤساء الجهات، حيث ان التدبير اللامتتمركز للاستثمار كرس البعد المركزي في تدبير السياسات العمومية الترابية عبر الانتقال إلى جدلية العلاقة بين المركز والمحيط في التدبير العمومي الترابي.
هذا المنظور يجعل المراكز الجهوية للاستثمار تتبوأ مكانة الصدارة في تدبير الاستثمار الجهوي على حساب الجهة، وهذا الأمر يخدم رهان الحد من الأدوار التنموية للجهات، وهو ما من شأنه أن يساهم في في تكريس إشكالية تداخل اختصاصات مراكز القرار على المستوى الترابي ، ويشكل بذلك ضرب عرض الحائط لمبادئ التدبير الحر والتفريع.
أولا : محددات تدخل الوالي في تدبير الرؤية الاستثمارية للجهة.
بالنظر إلى المؤثرين في القرار الجهوي إلى جانب مؤسسة رئيس المجلس الجهوي وباقي المنتخبين، نجد أن هناك أجهزة خول لها المشرع عدة صلاحيات في مجال تدبير الشأن العام المحلي، و يتعلق الأمر بوالي الجهة الذي أسند له دورتنسيق السياسات التنموية نظرا للمعرفة التي يتمتع بها، فالقانون التنظيمي المنظم للجهات يقدم دور رئيس الجهة وتارة يؤخره في نسق يضمن اتخاذ القرارات تحت مراقبة والي الجهة.
انطلاقا من هذا الطرح يمكن أن نتساءل ما إذا كان هذا الإزدواج مناسبا لتدبير السياسات التنموية على صعيد الفعل الترابي وملائمة لميكانيزم البناء القراري الناجع أم العكس؟ وهل يمكن القول أن تدبير التراب دائما معرض لتدخل المركز ؟
انطلاقا من هذه التساؤلات نلاحظ أن مؤسسة الوالي تحضى بمكانة متميزة ضمن النسق الاداري اللامركزي، وتقوم بدور مهم في الدفع بعجلة التنمية الترابية عموما، و تشجيع الاستثمار الترابي على وجه الخصوص، وعليه فالوالي مدعوم بصلاحيات دستورية واسعة ، واختصاصات قانونية تنص على الدور المحوري للوالي في الاشراف و تقديم المساعدة لرئيس الجهة أثناء إعداد وتنفيذ المخططات والبرامج التنموية، بصفته المشرف على تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة.
مما لا شك فيه أن مكانة الوالي ضمن العلبة القرارية داخل تراب الجهة، مرده إلا المكانة التي أصبح يحظى بها بعد التأسيس للمفهوم الجديد للسلطة ، حيث تم تخويلهم العديد من الوظائف في إطار التدبير اللامتمركز للاقتصاد الترابي، على سبيل المثال لا الحصر في المجال الفلاحي يرأس اللجنة التقنية للمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي .
وحتى تضمن السلطات الحكومية إنجاز برامج الاستثمار وأشغال التجهيز التي تود الدولة أو المؤسسات العمومية أو المقاولات العمومية على المستوى الجهوي، تم منح سلطات للولاة في المجالات المرتبطة بالأنشطة الاستثمارية، مثلا : الترخيص بإحداث أنشطة زراعية وصناعية أو استغلالها، الترخيص بإقامة مؤسسات سياحية، إبرام عقةد البيع والكراء المتعلق الوعاء العقاري الخاص للدولة.
بالموازاة مع هذه الاختصاصات يشرف الوالي على المراكز الجهوية للاستثمار، هو الأمر الذي يمنحه سلطات في رسم توجهات الإستثمار الجهوي، والتدخل في كل التدابير الاستثمارية التي تتخذها الجهة، نظرا لرئاسة والي الجهة لتركيبة إدارة المراكز الجهوية للاستثمار.
فبالرغم من منح المشرع التنظيمي سلطة التقرير للمجلس الجهوي في الشؤون المرتبطة بالشأن العام الترابي، إلا أن ذلك يبقى محدودا،حيث ندخل في مسألة من يقرر؟ لأن المقتضيات المنظمة للرقابة نصت على مجموعة من المقررات التي لا يمكن تنفيذها بالرغم من تصويت المجلس الجهوي إلا بعد مصادقة السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية عليها.
و مايزيد من تكريس الهيمنة القرارية في شأن الجهوي للوالي هو تأشيره المسبق على ميزانية الجهة، و بالتالي لا يمكن للجهة أن تتخذ قرارات تنموية وليس لها وقع مالي، وهذا الأمر يضعنا أمام تساؤل من له مهمة تحقيق التنمية الجهوية هل الجهة أم والي الجهة؟ و بالتالي نكون أمام تقييد للجهة في ممارسة مهامها بناءا على المقتضى الدستوري المتعلق بمبدأ التدبير الحر.
ويرى بعض الباحثين، بأن التأشير المسبق قد يتعارض في مضمونه مع مبدأ التدبير الحر، و المحاسبة على النتائج مما يحتم ضرورة اعمال المواكبة البعدية على الجانب المالي، حتى لا يترك الباب أمام المجالس الجهوية مفتوحا على مصراعيه و تفاديا لوقوع أزمات مالية قد يترتب عنه اثقال كاهل الدولة من الناحية المالية، و الزام هذه الأخيرة بتسديد تكاليف المشاريع المبرمجة من طرف الجهة .
و عموما يمكن القول أن الهيمنة القرارية لوالي الجهة على السياسات الاستثمارية بالجهة، راجع لمسألة أساسية مفادها حنكة الولاة وخبرتهم التقنية والمعرفية التي جعلتهم يلعبون الدور المحوري في تفعيل سياسات تنموية على الصعيد الترابي للجهة، في ظل غياب مستوى معرفي لباقي النخب، ، و بالتالي من الضروري اقرار التوفيق بين مبدأ التدبير الحر و مراقبة الشأن العام الجهوي إلى أن نصل لنخب قادرة على تحصيل المعلومات اللازمة من أجل بلورتها في شكل سياسات عمومية ناجعة و فعالة.
ثانيا : معيقات تنزيل مبدأ التدبير الحر للجهة كآلية لتحصين من هيمنة المراكز الجهوية للاستثمار.
إن التنزيل القانوني، وإن كان قد أقر بعض الاليات المساعدة لتكريس نجاعة وفعالية عمل الجهات، فإنه لم يعكس الأهداف الدستورية المرتقبة من إقرار مبدأ التدبير الحر، حيث تم ربطه بإجراءات شكلية، في ظل تكريس الرقابة إلادارية المسبقة للإدارة على أهم المقررات التي تتخذها المجالس الجهوية، وخاصة فيما يتعلق بالميزانية والتنمية والاستثمار التي تشكل مربط الفرص لتنمية المستويات اللامركزية.
غير فيما يخص رقابة المشروعية فإن تحريك الرقابة القضائية يبقى بيد ممثلي السلطة المركزية، وبالتالي تملك الإدارة المركزية السلطة التقديرية في اللجوء إلى القضاء، وهل يحق لرئيس الجهة اللجوء إلى القضاء الإداري إذ تبين له أسباب الرفض غير موضوعية وتتعارض مع التوجهات التنموية للجهة وسياستها الاستثمارية، أم أن الأمر سيقتصر على بقبول الرفض والانصياع لتوجهات سلطة التأشير مع القيام بتعديلها وملاءمتها مع ما تقتضيه أجندة السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية ، وهذا نفس ما تضمنته قوانين اللامركزية في فرنسا في بداية الثمانينات، حيث أن تحريك الرقابة القضائية كان مرتبطا بإرادة المحافظ. وقد عرف هذا النظام عدة إختلالات، كقلة الإحالة على القضاء الإداري، والتركيز على فئة من القرارات دون الأخرى لإخضاعها للرقابة القضائية، وبالتالي تحولت الرقابة القضائية إلى رقابة إدارية لممثل الدولة، حيث لوحظ أن السلطة المحلية اللامركزية وممثل الدولة غالبا ما يفضلان الحوار التفاوضي لإرساء قواعد المشروعية عوض المنازعة القضائية، مما حدا ببعض الفقه إلى الدعوة إلى سحب الرقابة عن ممثل الدولة وتخويلها لسلطة مستقلة .
ويلاحظ على صعيد آخر مبالغة المشرع في التأسيس لسلطة تقديرية واسعة وغير مبررة لفائدة ممثلي سلطة الرقابة، الشيء الذي لا ينسجم قطعا مع مقتضيات مبدأ التدبير الحر ومع ضرورة صيانة حق الجهات في ممارسة شؤونها بشكل مستقل ومسؤول. ذلك أن ربط القانون بين حق السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية باللجوء إلى القضاء وتحقق واقعة المساس بمصالح الجهة وتهديدها نتيجة أسباب تمس بحسن سير المجلس الجهوي ، وإن كان من حيث المبدأ يؤسس لثقافة حقوقية متوازنة قوامها الاحتكام للقضاء، إلا أن الواقع يجافي إلى حد كبير منطق الشفافية والانضباط المؤسساتي للنسق الترابي.
كما أن آفاق تنزيل التدبير الحر للجهة في مجال الاستثمار انصهرت من خلال جعل الجهات تحت سلطة الوالي باعتباره المدبر للمراكز الجهوية للاستثمار رغم الإختصاصات الممنوحة للجهة وفق القانون 111.14، في انعاش وتحفيز الاستثمار وخلق فضاء اقتصادي على صعيد النفوذ الترابي للجهة.
ولمجابهة كافة التحديات التي تعرقل الجهة في بلورة تصورتها الاستثمارية يتعين عليها تبني مناهج التدبير العمومي الترابي قصد مواكبة الكفاءة العلمية للولاة وأهداف تحديث المراكز الجهوية للاستثمار من خلال تعزيز التسويق الترابي، والذكاء الترابي ومضاعفة المبادرات من أجل المساهمة في خلق الثروة وتحقيق التنمية إضافة إلى بلورة نوذج تنموي خاص بتراب الجهة مستمد من النموذج التنموي الوطني.
خاتمة :
نافلة القول، إن إنخراط المغرب في إطار الليبرالية الاقتصادية التي إتبعها، جعلته يقوي النسق الترابي من خلال تحويل جل الاختصاصات التنموية للجهات بمساعدة المراكز الجهوية للاستثمار بصفة خاصة.
غير أن دراسة البعد العلائقي في تدبير الاستثمار الترابي، أفضت إلى التوصل للعديد من الاقتراحات :
أن سياسة التدبير اللامتمركز للاستثمار تعد سياسة كفيلة بمعالجة كافة الاكراهات التي تقف في وجه المستثمر من جهة، وفي وجه التنمية الجهوية المندمجة.
ضرورة إشراك المراكز الجهوية للاستثمار أثناء بلورة برنامج التنمية الجهوية خاصة في شقه المرتبط بتشجيع الاستثمارات كبديل لمكاتب الدراسات.
العمل على خلق توازن بين بين سلطات المراكز الجهوية للاستثمار والجهة في تدبير الاقتصاد الترابي.
تعزيز الالتقائية من خلال تشجيع المقاولات الصغرى والموتسطة التي بإمكانها خلق ثروة محلية مساهمة في تدعيم الاقتصاد الجهوي.