الجماعات الترابية وسؤال الجهوية المتقدمة في ظل جائحة كورونا كوفيد-19-أزمة علاقة أم علاقة الأزمة-
عبد الغني فايدي
باحث في سلك الدكتوراه بكلية الحقوق بسطات
جامعة الحسن الأول بسطات
ملخص:الكل يعلم اليوم مدى تسبب فيروس كورونا في قلب موازين قوى العالم وخصوصا في على المستوى الاقتصادي، حيث شل إقتصادات الدول وحركيتها، نتيجة مجموعة من الإجراءات الإحترازية حفاظا على الصحة العمومية بسبب الحجر الصحي، والمغرب انخرط بكل حزم، في مسلسل مواجهة جائحة كورونا، عبر مجموعة من الإجراءات والتدابير، حيث نتج عنها توقف العديد من المقاولات والشركات والأنشطة التجارية والمهنية، كل هذا أدى بلا شك في طرح مجموعة من الأسئلة الملحة والآنية عن دور الجماعات الترابية في ظل فيروس كوفيد19 المستجد، الأمر الذي سنحاول الإجابة عنه من خلال هذا المقال العلمي المتواضع.الكلمات المفاتيح: الجماعات الترابية- الجهوية المتقدمة- جائحة كورونا- سؤال العلاقةAbstract :Everyone knows today to what extent the Corona virus has caused the upheaval in the balance of power in the world, especially at the economic level, as it paralyzed the economies of countries and their movement, following a set of precautionary measures to preserve public health due to quarantine, and Morocco has firmly committed itself to the series of confrontation with the Corona pandemic, through a group. Among the procedures and measures, which resulted in the termination of many contracts, companies and commercial and professional activities, all this has undoubtedly led to a series of urgent and crucial questions about the role of territorial groups in light of the emerging virus Covid 19, which we will try to answer through this modest scientific article.Keywords: territorial units – advanced regional – Corona pandemic – question of relationship |
مقدمة:
الجماعات الترابية حسب دستور 2011[1] هيٍ الجهات، العمالات والأقاليم والجماعات وكل جماعة أخرى تحدث بقانون” وهي وحدات ترابية داخلة في حكم القانون العام تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. وتعتبر الجماعات الترابية عبارة عن وحدات يتم تعيين حدودها الجغرافية بشكل دقيق، تبعا لاعتبارات تاريخية وسوسيو قبلية وثقافية ومؤسساتية أو سعيا لتحقيق تعاون وتكامل بين مكونات المنطقة ، تدخل في حكم القانون العام وهي تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. كما أنه يمس نظام اللامركزية بالأساس الجماعات الترابية التي تتكون طبقا لدستور 2011 من الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات. وتحدث كل جماعة محلية جديدة بقانون.
وتسير الجماعات الترابية شؤونها بشكل ديمقراطي، ويقوم رؤساء مجالسها بتنفيذ مداولات هذه المجالس ومقرراتها. وللجماعات الترابية اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة وأخرى تنقلها إليها هذه الأخيرة. كما تتوفر على موارد مالية ذاتية وأخرى ترصدها الدولة. وحسب المرسوم رقم 2.15.10 الصادر في 20 فبراير 2015 بتحديد عدد الجهات وتسمياتها ومراكزها والعمالات والأقاليم المكونة لها، الذي نشر في الجريدة الرسمية عدد 6340 بتاريخ 5 مارس 2015، فإن تراب المملكة ينقسم إلى 12 جهة تضم 75 عمالة وإقليم (13 عمالة و 62 إقليما).
فمما لا شك فيه أن الاهتمام المتزايد في الوقت الحالي بالجماعات الترابية من قبل مختلف دول العالم، إنما يجد مبرره في كون هذه الوحدات غدت الإطار الملائم للمساهمة في بلورة استراتيجيات جديدة للتنمية. إذ تشكل إحدى الركائز الأساسية للعمل والتدبير الاقتصادي والاجتماعي وتكريس الديمقراطية، وفي هذا السياق تشكل الجهوية المتقدمة أحد الركائز الأساسية والمحورية في تكريس البعد الترابي وتحقيق التنمية المنشوذة على مستوى الوحدات الترابية للمملكة.
فتطوير التنظيم الترابي كان هاجس المغرب منذ استقلاله، حيث كانت الخاصية الأساسية التي طبعت تطوره، هي ترسيخ بنيات لا مركزية قادرة على إدارة الشؤون المحلية بأسلوب ديمقراطي، حر وشفاف، ويسمح للسكان بالمشاركة الواسعة والفعلية في صنع القرار التنموي، وبناء سياسات تنفيذية بناءا على الرؤية والاحتياج المحلي، مع العمل على ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، التي تستلزم إيجاد أساليب حديثة وكفيلة بخلق إقلاع تنموي مندمج ومستديم، يعطي مكانة أكبر للامركزية والديمقراطية المحلية وبناء جهوية متقدمة تعتمد على حكامة ترابية تقوم على مجموعة من المبادئ والمرتكزات. فمما لا شك فيه أن أزمة فيروس كورونا أدت إلى تفاقم الأوضاع خصوصا على المستوى الترابي مما يطرح معه مجموعة من التساؤلات الملحة من قبيل: إلى أي حد يمكن القول بأن أزمة فيروس كورونا عرت عن مجموعة من الإشكالات الترابية والجهوية؟
سنحاول مقاربة هذا الموضوع من خلال التصميم التالي:
المحور الأول: المقاربة الترابية وإشكالاتها العملية في ظل أزمة فيروس كورونا
المحور الثاني: المقاربة الترابية والجهوية المتقدمة أزمة تفعيل أم تفعيل للأزمة
المحور الأول: المقاربة الترابية وإشكالاتها العملية في ظل أزمة فيروس كورونا
على عكس ما عرفه المغرب في مجال اللامركزية من تطور كبير، إلا أن الإدارة المركزية لم تستطع التخلص من بعض الممارسات ذات النزوع المركزي، وظلت تنتهج المقاربة العمودية، واعتماد المنطق البراغماتي في تدبير الأزمات تجاه مسلسل اللاتمركز.
فمنذ إعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد 19، بواسطة مرسوم رقم 2.20.293 صادر في 24 مارس 2020[2]، وتلتها مجموعة من المراسيم تستهدف نفس الغرض، إلا أنه يلاحظ أن القرارات كلها مركزية المصدر، حتى وإن كانت تدخل في نطاق السلطة التنظيمية المحلية.
tبعد تفشي فيروس كورونا المستجد في جل مناطق العالم، اختلفت طرق التصدي له من دولة إلى أخرى. حيث اعتمدت الدول قرارات متفاوتة من حيث الصرامة في ظل الحد من تفشي هذا الوباء. وفي نفس الصدد، اتُخذت عدة قرارات لدعم المواطنين لكي يتاح لهم المرور من هذه الأزمة بأقل الأضرار الممكنة في مختلف القطاعات والمجالات من أجل تحقيق نقلة نوعية تتسم بالصمود والإنصاف والعدالة المجالية.
وقد شكلت هذه التدابير والإجراءات المتخذة لمواجهة الجائحة على المستوى الوطني والمحلي فرصة مهمة لفتح النقاش حول إشكالية محورية تتمثل أساسا في مكانة الجماعات الترابية في النسق السياسي والإداري، وأهميتها في تدبير الأزمة الوبائية الراهنة وتراتبيتها على المستوى المحلي، بالإضافة إلى العلاقة بين الفاعل المركزي والفاعل المحلي ومدى قدرة على الأخير على ممارسة صلاحيته الدستورية والتنظيمية لمواجهة مثل هذه الأزمات.
إن حساسية واستثنائية الظرفية جعل السلطة المركزية تستأثر بالاختصاص العام لتدبير المرحلة، كدورية وزير الداخلية التي تمنع انعقاد دورة شهر ماي في ظل التدابير الاحترازية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي، دون ترك هامش الحرية للجماعات الترابية للتفكير في بدائل إلكترونية أخرى أو اقتراحها وذلك ضمانا لمبدأ التدبير الحر وتأمينا لقاعدة الترابية ومبدأ سمو الدستور طبقا لمقتضيات المواد 33و34 من 113.14 المتعلق بالجماعات[3]. إضافة إلى دورية وزير الداخلية في 11 ماي 2020 التي تدعوا فيها رؤساء الجماعات الترابية إلى وقف أجال أداء وإيداع الإقرارات الخاصة بالرسوم المحلية التي تقوم بتدبيرها هاته الجماعات الترابية، وكذا بالنسبة للآجال المتعلقة بمختلف المستحقات المترتبة على المهنيين. وتعطيل وتوقيف العمل ببعض مقتضيات القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية.
زيادة على كون هناك نقاش قانوني عن مدى قانونية دورية وزارة الداخلية بإيقاف دورات الجماعات الترابية، والتي وجهتها للولاة والعمال، حتى يحيطوا علما مجالس الجماعات الترابية بذلك، حسب رأينا المتواضع في هذا الإطار، فالدورية قانونية، رغم أن العديد من الباحثين اعتبروا أنها مخالفة للدستور والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية (111.14-112.14-113.14)[4]، لكننا نعتبرها قانونية، والسبب في ذلك، أنه بالرجوع للمرسوم بقانون 2.20.292[5] المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، وبالضبط في مادته الثالثة، نجد أنه يجيز للحكومة إتخاذ جميع الإجراءات حتى وإن كانت مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، وهذا ما نجده حسب مدلول المادة الثالثة التي تنص على ما يلي:”على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض”.
الإشكال الذي تم إثارته، أن مرسوم بقانون هو بمثابة قانون عادي، والدورية إستندت عليه، فكيف لقانون عادي أن يلغي قانون تنظيمي، نعلم أن القاعدة المعمول بها عادة هو أن القانون لا يمكن إلغاءه إلا بقانون، والمرسوم إلا بمرسوم، والقرار إلا بقرار، وعليه كيف يمكن لقانون عادي(مرسوم بقانون) أن يلغي قانون تنظيمي(القوانين التنظيمية للجماعات الترابية)، مع العلم أن القانون التنظيمي أعلى درجة من القانون العادي، وبالتالي لا يمكن إلغاء دورات مجالس الجماعات الترابية إلا بقانون تنظيمي، لأنه إذا ما عدنا للقوانين التنظيمية للجماعات الترابية نجد إلزامية عقد دورات المجلس والتي هي في الأصل ثلاث دورات، كما أن هناك دورات إستثنائية، لكن الدورية الصادرة عن وزارة الداخلية، أكدت على أنه لا يمكن عقد الدورات الإستثنائية إلا بعد رفع حالة الطوارئ الصحية،وبالتالي هناك احتمالين إما أن الدورية قانونية أو غير قانونية، فإنه حسب رأينا، أنها قانونية، والدليل في ذلك، أولا أنها استندت للمادة الثالثة من المرسوم بقانون 2.20.292، ثم من ناحية ثانية حتى وإن اعتبرها بعض الباحثون أنها لم تحترم التراتبية القانونية (القانون التنظيمي أعلى درجة من القانون العادي”مرسوم بقانون”)، فإننا نذكر الجميع بالمثل الفرنسي الشهير “في الأزمات الغير المتوقعة ينبغي إيجاد حلول غير متوقعة”Dans les crises inédites il faut trouver des solutions inédites”، وهذا ما أكد عليه أيضا الباحث فرانسوا لوشير عندما قال إن رئيس الجمهورية الفرنسية وإن عمد إلى تجاوز المقتضيات الدستورية، إلا أن هذه الأخيرة لا تكون قد تعرضت للخرق، يكفي فقط أن يكون رئيس الدولة والأغلبية البرلمانية والوزير الأول متفقين على هذه الإجراءات[6].
إن الدور المنوط بالجماعات في ظل اتساع اختصاصاتها وارتفاع منسوب وعي الناخبين وتعاظم أدوارها في تحقيق التنمية ومواجهة الأزمات، أصبح من الضروري إعادة النظر في اختصاصاتها ومواردها المادية والبشرية والعمل على الرفع من الخدمات التي تقدمها هذه الجماعات. وبالطبع لن يتأتى ذلك إلا بتفعيل دور الدولة والجماعات الترابية والأحزاب السياسية في تأهيل الموارد البشرية وكذا تخليق الحياة الجماعية والتخفيف من صرامة الرقابة التي تمارسها سلطات المراقبة المتمثلة في العامل ورجال السلطة. حيث أن الاهتمام بتكوين المنتخب الجماعي والرفع من مستواه يشكل خطوة أساسية لتطوير التجربة اللامركزية بالمغرب وسيساهم لامحالة في ممارسة صلاحيته في مثل هذه الأزمات، حيث أن استفادة المنتخب الجماعي من سياسة تكوينية متكاملة ستمكنه أساسا من اكتساب المعارف الأولية والتدبيرية ليكون مؤهلا لتسيير الشأن العام المحلي.
ويعتبر تفعيل دور الدولة والجماعات الترابية في هذا المجال من الشروط الضرورية والاجبارية، وذلك عن طريق إحداث مؤسسات متخصصة في سياسة التكوين والتأطير وكذا تنظيم دورات تكوينية وتدريبية لفائدة المنتخبين الجماعيين لتأهيليهم لممارسة صلاحياتهم الدستورية وتأهيليهم لموجهة مثل هذه الأزمات الصحية الطارئة. بالإضافة الى ضرورة اشتراط مستوى تعليمي محترم لممارسة المهام الانتدابية خصوصا رئيس المجلس ونوابه، حيث أن حجم الصلاحيات والسلط الممنوحة للرئيس ولأعضاء المجلس في ضل القوانين التنظيمية الجديدة، تستدعي أن يكونوا على إلمام كبير بالنصوص التنظيمية والقانونية التي تساعدهم على ممارسة صلاحياته بشكل صحيح وبالتالي ضمان جودة التسيير المحلي.
لقد أصبحت الجماعات الترابية بشكل عام والجماعات في الوقت الراهن من الضرورية الأساسية في التدبير التنموي، وحجرة أساسية في بناء الدولة الحديثة، وقد كرس الدستور المغربي لسنة 2011 هذه الفلسفة من خلال تخصيص بابا كاملا في ديباجته للجماعات الترابية وعيا منه بأهمية الفاعل الترابي في تنزيل السياسات التنموي وتحقيق العدالة المجالية. وقد ثم تأكيد هذا الخيار الاستراتيجي من خلال إصدار القانون التنظيمي الجديدة للجماعات رقم 113.14 والذي يتأسس على مبادئ التدبير الحر والتعاون والتضامن، وتأمين مشاركة السكان في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية.
فالجماعات الترابية مطالبة بضرورة انخراط الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث في تنفيذ التدابير الاحترازية والوقائية التي أعلنتها السلطات العمومية الوطنية بتنسيق مع ممثلي السلطات الإقليمية والمحلية التي خول لها القانون اتخاذ جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ الصحية المعلنة انسجاما مع المادة الثالثة منمرسوم رقم 2.20.269، فإن مجالس ورؤساء الجماعات الترابية مطالبون ايضا باتخاذ مبادرات محلية شجاعة تتناسب مع الظرفية التي تعيشها جماعتهم، ومطالبون بتعبئة الموارد المادية والمالية والبشرية الكافية للمساهمة في محاصرة الوباء من جهة وضمان المعيش اليومي للأسر التي فقدت مناصب شغلها بسبب توقف عدد من الأنشطة الاقتصادية من جهة ثانية، ومن اجل ذلك يجب على الجماعات إعادة النظر في الأولويات والأهداف المسطرة وتكييف ميزانية الجماعة مع هذه الظرفية، والتخلي عن بعض المشاريع المبرمجة مؤقتا لكي تجيب عن حاجيات مستجدة وغير متوقعة، ومن اجل تسهيل مأمورية الجماعات في اتخاذ مثل هذه المبادرات وبالسرعة التي تتطلبها الظرفية، أرسلت وزارة الداخلية بتاريخ 26 مارس 2020 منشور للجماعات لإجراء تعديلات في الميزانية وتحويلات في الفصول لتوفير الاعتمادات المالية اللازمة والمطلوبة لمواجهة تداعيات وباء كوفيد 19، وبناء على ذلك فان الجماعات مطالبة باتخاذ كل الإجراءات التي أملتها الظرفية الخاصة كاقتناء الحاجيات والمتطلبات اليومية للمواطنين عبر صفقات سندات الطلب أو التفاوض في حالة الاستعجال القصوى، أو اتخاذ أي إجراء آخر يساهم في المجهود الوطني لمحاربة” وباء فيروس كورونا” ونذكر منها:
- المساهمة في “الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيرويس كورونا كوفيد 19” طبقا للمرسوم 269.20.2 الصادر بتاريخ 16مارس 2020 المتعلق بالحساب الخصوصي المحدث لهذا الغرض. [7]
- اقتناء مواد التعقيم والمطهرات ومواد التنظيف والكمامات والقفازات للاستعمال الذاتي أو توزيعها على المواطنين، الذين لا تسمح لهم ظروفهم الاجتماعية باقتنائها.
- اقتناء المواد الغذائية والتموينية وتوزيعها على الفئات الفقيرة أو التي فقدت مصدر عيشها خلال فترة الطوارئ الصحية.
- التوفير المجاني لسيارتي الإسعاف ونقل الأموات لنقل المرضى والحوامل الى المستشفيات والمراكز الصحية، بعد توقف النقل الحضري وسيارات النقل العمومي، وتقييد حركة تنقل الخواص.
- اقتناء لوحات الكترونية لمساعدة تلاميذ الوسط القروي والأحياء الهامشية في متابعة دراستهم عن بعد وتوفير خدمة الاشتراك في الانترنيت لهم.
- توفير أماكن لإقامة الأشخاص المشردين والمختلين عقليا بدون مأوى، وتوفير حاجياتهم في الأكل والملبس والنظافة والتطبيب.
- المساهمة في تحسين ظروف اشتغال الأطباء والممرضين ورجال السلطة والأمن والوقاية المدنية عبر توفير وسائل التنقل من والى مقرات عملهم أو توفير السكن طيلة مدة سريان حالة الطوارئ الصحية.
- الانخراط في الحملات التحسيسية والتوعوية الهادفة إلى شرح مخاطر الوباء وكيفية الوقاية منه، ومساعدة الاسر في ملأ استمارات او إجراء الاتصالات الهاتفية والرسائل القصيرة للاستفادة من دعم الدولة المخصص لفاقدي العمل، وذلك بخلق مكتب خاصة ورقم هاتفي للطوارئ بالجماعة لاستقبال المكالمات الهاتفية والرسائل الالكترونية.
المحور الثاني: المقاربة الترابية والجهوية المتقدمة أزمة تفعيل أم تفعيل للأزمة
إن اللامركزية ليست فقط منح الحريات اللازمة للهيئات المحلية لاتخاذ القرارات التي تهم تدبير الشؤون المحلية، وإنما هي بالإضافة إلى ذلك إعطاء الهيئات المحلية والسلطات الإمكانيات المالية للقيام بالمهام المسندة إليها على الوجه المطلوب وفق الخطة المحددة من طرف الأجهزة المختصة، وأن تتحمل التنظيمات الجهوية كافة مسؤولياتها[8] خصوصا على مستوى تدبير الأزمات كأزمة فيروس كورونا المستجد.
وتشكل الموارد المالية أحد ركائز اللامركزية ووسائل تطويرها، فهذه الموارد لها من الأهمية إلى درجة توقف القيمة العملية لأي تجربة من تجارب اللامركزية عليها، فكل خلل أو يلحقها ينعكس بشكل سلبي على اللامركزية ويفرغها من كل محتوى[9].
إن أبرز مشكل يعترض الجماعات الترابية بصفة عامة، والجهات بصفة خاصة هو مدى وجود موارد بالحجم الذي يمكنها من أن تتكفل بما أوكل إليها من صلاحيات بمقتضى القوانين، والتي تعد في الحقيقة تكليفا قبل أن تكون تشريفا، فوجود لامركزية جهوية دون التوفر على الاعتمادات الذاتية والكافية لتدبير الأزمات من قبيل الفيروس التاجي، يجعلها مجرد أوهام مهما كان سخاء النصوص القانونية.
ورغم توفر الجهة على مجموعة من الموارد المالية سواء تعلق الأمر بالموارد الذاتية أو الموارد الخارجية، إلا أن مجموع هذه الموارد لا يشكل القدر الكافي لتغطية مختلف نفقات الجهة وهو ما أثبتته الممارسة العملية، فالجهة في وضعية خصاص مالي.
فلكي تتمكن الجهة باعتبارها جماعة ترابية من ممارسة الاختصاصات المنوطة بها في ميدان التنمية الجهوية، لا بد من توفرها على إمكانيات ووسائل مالية للقيام بمهامها، فتأسيس العمل بنظام جهوي ترابي يستلزم منح الجهة الأدوات والوسائل المالية اللازمة لتفعيل الاستقلالية الجهوية، فلا يمكن الحديث عن قرار تنموي جهوي ترابي مستقل في ظل غياب تمتيع الجهة بالموارد المالية الكافية[10].
فنظام التمويل الجهوي بالمغرب يعتمد على شقين من الموارد، وهي الموارد الذاتية أو العادية تم الموارد الخارجية أو الاستثنائية وتتشكل هذه الأخيرة خاصة من الإعانات والقروض والمساعدات العمومية. في حين تتكون الموارد الذاتية من جزئين بحيث هناك موارد ذاتية جبائية وهي مجموعة من الرسوم المستحقة لفائدة الجهة، وكذا حصة من حصيلة ضرائب محولة من الدولة إلى الجهة بموجب القوانين المالية السنوية، وبالأخص الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة.
فمحدودية الوسائل المالية الذاتية يكون بسبب ضعف الجباية المحلية نظرا لضعف أسعارها أو فرضها على أوعية ثابتة وغير مرنة، وأحيانا انعدام أوعية بعض الضرائب والرسوم. إن تطوير العمل الجهوي ودعمه يتطلب تبني توزيعا جيدا للموارد المالية بين الدولة والجهة من ناحية وبين الجهة والجماعات المحلية الأخرى من ناحية ثانية حتى تتمكن الجهة من تحقيق استقلالها المالي ولعب أدوارها في مكافحة الأوبئة والكوارث، والاستقلال المالي يعتبر حجر الزاوية للامركزية، لذلك فقد وضع المشرع إطارا عاما بواسطة الإصلاح الضريبي يربط فيه بين مالية الدولة والمالية الترابية [11].
ففي جميع الدول تحتل الموارد الجبائية المحولة نسبة عالية في بنية تمويل الميزانيات الجهوية، غير أن طبيعة هذا التحويل تختلف من دولة إلى أخرى، فإذا كانت الجهات بألمانيا تقسم مع الإتحاد الفيدرالي أغلب الموارد الضريبية ذات المردودية المرتفعة، وهذا التقسيم للموارد المالية محدد دستوريا، ونفس الشيء بالنسبة للمجموعات المستقلة بإسبانيا، حيث نجد توزيعا دستوريا للموارد المالية بين الإدارة المركزية وهذه الأخيرة ، في حين بإيطاليا وفرنسا، فإن القانون التنظيمي للجهة هو الذي حدد الموارد الضريبية المحولة لفائدة الجهات[12].
على اعتبار أن الجهة مطالبة بتحمل مسؤولية أكبر في تنظيم وتدبير السياسات العمومية والتدخل بشكل فعال في مواجهة الأوبئة والكوارث، وأمام التراجع التدريجي للدولة وبسبب الثغرات التي تشوب القانون المالي المحلي، لا بد من اعتماد إصلاحات تذهب في اتجاه التدبير الأفضل للموارد المالية الجهوية. فالفوارق الجهوية بين مختلف مناطق البلاد، جعلت من تدخل الدولة مسألة ضرورية لإعادة التوازن بإحداث التجهيزات الاقتصادية وإقامة برامج وأدوات مؤسساتية.
و مثلت وسيلة التقسيم الترابي وتطوير اللامركزية الأداة الفعالة لتحقيق هذه السياسة التي تهدف إلى تصحيح اللاتوازن الجهوي، من خلال توزيع عقلاني للمشاريع والعمليات التنموية والموارد المالية.
إن الفوارق الكبيرة المتعلقة بالمساحة والسكان والاختلال في الأسس الضريبية واللاتناسب بين التحويل للاختصاصات والموارد، تستلزم البحث عن التخفيض من حدة الفوارق. فمن الصعب جدا تصور إمكانية تصحيح التفاوت دون إحداث آليات توازنية مالية تعيد التوزيع بين الدولة والجماعات الترابية، فلكي تستطيع الجهات القيام بالدور المنوط بها في السياسة التنموية، بات من الضروري اعتماد صيغ توزيع مالية جديدة لدعم التوازن الجهوي، ثم الرقي بالجهوية إلى جهوية متقدمة في خدمة البشرية وذلك من خلال الاعتماد على صندوقي التأهيل الاجتماعي والتضامن بين الجهات الذي يحتاج إلى تفعيل فوري خصوصا في ظل الأزمة التي تتخبط فيها المالية الترابية ومالية الدولة على وجه العموم.
خاتمة:
لقد أظهرت أزمة الفيروس التاجي المستجد الضعف الذي تعاني منه الجماعات الترابية والذي نحمل مسؤوليته للأحزاب السياسية، لأنها وحدها المسؤولة عن إفراز النخب، فإذا كان العقل السياسي المركزي أبان عن حكمته وفطنته وشجاعته في مواجهة فيروس كورونا، فإن العقل السياسي الترابي ظل عاجزا ومصابا بالشلل في مواجهة هذا الفيروس، ولم يساهم في اقتراح حلول ناجعة في تدبير هذه الأزمة، وهذا شيئ طبيعي، لأنه لا يمكن لرؤساء مجالس منتخبة أميون أن يساهموا في مقترحات، فكما يقال “فاقد الشيئ لا يعطيه”، وبالتالي يجب على الأحزاب السياسية ما بعد أزمة كورونا أن تفكر في تأطير وتكوين نخبها حتى يكونوا في حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وحتى يساهموا بشكل إيجابي في إنجاح النموذج التنموي الجديد، وسنختم بمقتطف من الخطاب الملكي السامي لمولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2017، إذ قال جلالته:”… إننا نستطيع أن نضع أنجع نموذج تنموي، وأحسن المخططات والاستراتيجيات. إلا أنه :
– بدون تغيير العقليات؛
– وبدون توفر الإدارة على أفضل الأطر؛
– وبدون اختيار الأحزاب السياسية لأحسن النخب المؤهلة لتدبير الشأن العام؛
– وفي غياب روح المسؤولية، والالتزام الوطني، فإننا لن نحقق ما ننشده لجميع المغاربة من عيش حر كريم”[13].
[1] – دستور المملكة المغربية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91، الجريدة الرسمية عدد 5964، مكرر الصادر بتاريخ 27 شعبان 1432 الموافق ل 29 يوليوز 2011.
[2] – مرسوم بقانون رقم 292.20.2 صادر في 28 من رجب 1441، 23 مارس 2020، يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.
[3] – ظهير شريف رقم 1.15.85 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات.
[4] – ظهير شريف 1.15.83 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات،بتاريخ 7 يوليوز 2015، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، الصفحة: 6585.
– ظهير شريف 1.15.84 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، بتاريخ 7 يوليوز 2015، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، الصفحة: 6625.
– ظهير شريف 1.15.85 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 113.14، بتاريخ 7 يوليوز 2015، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، الصفحة: 6660.
[5] — مرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020، الصفحة:1782.
[6] – المنتصر السويني،”المؤسسة التشريعية في مواجهة فيروس كورونا”، منشور في جريدة هسبريس، تاريخ التصفح: يوم الجمعة 12 يونيو 2020، على الساعة السابعة صباحا.
[7] – المادة الثالثة من مرسوم رقم 2.20.269. صادر بتاريخ 21 رجب 1441 الموافق 16مارس 2020 متعلق بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم “الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيرويس كورونا “كوفيد 19” الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6865 بتاريخ 17 مارس 2020.
[8] – بنيحي حسن، الدولة والجماعات المحلية بالمغرب (توزيع الاختصاصات وتمويل الموارد)، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – الرباط، السنة الجامعية 1991 – 1992، ص: 150
[9] – علي أمجد: ” الموارد المالية والبشرية: مقومات أساسية للامركزية الجهوية ووسيلة لتطويرها”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 74- ماي- يونيو2007 ص: 109
[10] – مصطفى معمر: ” إكراهات النظام المالي للجهة بالمغرب”، المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، عدد خاص، يونيو 2005، ص: 174
[11] – رشيد السعيد، مدى مساهمة اللاتمركز الإداري واللامركزية في دعم الجهوي، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط أكدال، السنة الجامعية 2001-2002 ، ص: 234 .
[12] – فاطمة السعيدي مزروع: “الإدارة المحلية اللامركزية بالمغرب،” مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2003، ص: 259 .