Site icon مجلة المنارة

الجماعات الترابية وتحديات أزمة كورونا

الجماعات الترابية وتحديات أزمة كورونا

د. أشرف ابن كيران

أستاذ باحث

جامعة محمد الأول / وجدة

كما يتفق الجميع فإن الجماعات الترابية تعتبر في الوقت الراهن بمثابة ضرورة من ضروريات الدولة الحديثة، حيث أصبحت تكتسي أهمية كبيرة في ظل التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمجالية التي تعرفها المجتمعات المعاصرة.

وقد طرحت الجماعات الترابية والجهوية المتقدمة في السياق المغربي كبدائل جديدة وآليات تدبيرية ناجعة، كان الهدف منها هو تخفيف العبء على السلطة المركزية، خاصة بعد فشل السياسات الفوقية والقطاعية للدولة التي تهم تسيير القضايا والشؤون المحلية في ظل تزايد المشاكل والطلبات الاجتماعية والاقتصادية على المستوى الترابي.

ويعتبر المغرب من الدول التي تبنت بعد الاستقلال خيار الديمقراطية التمثيلية ومن ثم دعمها بالديمقراطية التشاركية وكذا اللامركزية كخيارين استراتيجيين لا محيد عنهما، باعتبار ذلك نمطا يجسد الحكامة الترابية، بمنح السكان سلطة تدبير الشؤون المحلية بأنفسهم من خلال المجالس المنتخبة.

وقد مرت اللامركزية، على المستوى المؤسسي بمجموعة من المراحل الكبرى، انطلقت أولاها في بداية الستينات، وتطورت بعدها عبر محطات حاسمة، خصوصا سنة 1976، التي شكلت تحولا حقيقيا في مسار اللامركزية، تلتها مجموعة من الإصلاحات المنظمة والمتوالية سنوات 1992 و2002 و2009، حيث ظلت صفة الجماعات المحلية كشخص معنوي خاضع للقانون العام، مقتصرة على الجماعات والعمالات والأقاليم إلى أن جاء الدستور الذي ارتقى بالجهة إلى مصاف الجماعات الترابية.[1]

وفي نفس السياق فتح دستور 2011، والقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، آفاقا واسعة أمام بلوغ الأهداف المتوخاة من إقرار الجهوية المتقدمة، وإعطائها مكانة الصدارة، من خلال تكريس شرعيتها الديمقراطية، وتخويلها مجموعة من المهام والصلاحيات التي تمنحها الأولوية في مجال التنمية الاقتصادية وبالرفع من الموارد المرصودة لها كي تضطلع بأدوارها على أحسن وجه وكذا مواجهة التحديات الجديدة.

ولعل من بين أهم التحديات الراهنة التي أثارت دور الجماعات الترابية، هو انتشار فيروس كورونا “كوفيد 19″، هذه الجائحة التي باغتت العالم، ومن بينها المغرب. لكن بفضل الأدوار الاستباقية والتدابير الاحترازية التي نهجتها الدولة، ساعد على الأقل من التخفيف من انتشارها والحد من آثارها.[2]

وما يهمنا في هذه المقالة هو توضيح دور الجماعات ورؤسائها في مواجهة وتدبير أزمة كورونا والتساؤل حول مكانة وأهمية هذه الجماعات في مساعدة السلطات المركزية في الحد من انتشار وتفشي هذا الوباء، باعتبارها شريكا استراتيجيا في تنفيذ السياسات التنموية الترابية، وفاعلا مركزيا في خط المواجهة المباشرة مع طلبات المواطنين واحتياجاتهم اليومية، وفاعلا مهما ومحركا رئيسيا للقرار المحلي.

وإذا كانت للجماعات الترابية أهمية بالغة على جميع المستويات باعتبارها شريكا مهما للدولة على الصعيد الترابي، فإن المتتبع لأزمة كورونا وتداعياتها الكارثية على الحرث والنسل والتي اجتاحت المغرب منذ يوم 02 مارس 2020 تاريخ اكتشاف أو حالة، سيلاحظ بشكل ملموس وواضح بأن حضور هذه الجماعات في مواجهة وتدبير هذه الجائحة كان ضعيفا أو شبه منعدم، في مقابل تحمل الدولة والسلطات المركزية واللامركزية مسؤولية المواجهة المباشرة مع الوباء وطنيا ومحليا عبر إجراءات وتدابير ذات بعد مركزي.

وقد شكلت هذه الإجراءات والتدابير المتخذة فرصة هامة للعديد من الباحثين والمختصين في مجال الجماعات الترابية لإعادة فتح نقاش حول مكانة الجماعات الترابية في النسق السياسي المغربي وأهميتها في تدبير الأزمات.[3]كما ساهم أيضا في إعادة التفكير في العلاقة بين الفاعل المركزي والفاعل الترابي ومدى قدرة هذا الأخير على ممارسة صلاحياته الدستورية والتنظيمية لمواجهة مثل هذه الأزمات.

وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول دور الجماعات الترابية في تدبير هذه الجائحة، على اعتبار أن تدبيرها قائم على إدارة القرب؟ ولماذا تم تغييب هذه الجماعات وعقل أدوارها المنصوص عليها تنظيميا في الحد من انتشار هذا الفيروس؟ وهل هذا مجرد إجراء وقتي لتدبير المرحلة؟ أم غلبة النزعة المركزية المفرطة وجعلها عقبة أمام التدبير القائم على القرب؟ وهل يمكن أن تؤسس مرحلة كورونا لبداية أفول الجهوية المتقدمة وعجزها عن تدبير الأزمات المفاجئة؟

إن الجواب على هذه التساؤلات يقودنا للحديث بشكل مباشر عن اختصاصات وصلاحيات الجماعات الترابية والمرتبطة بالظرفية الصحية ومواجهة الأزمات في محور أول، ثم تأثير جائحة كورونا “كوفيد 19” على التدبير اللامركزي من خلال تعزيز حضور الفاعل المركزي في محور ثان.

المحور الأول: اختصاصات وصلاحيات الجماعات الترابية في مواجهة الظروف الطارئة

إن نهج اللاتمركز الواسع في نطاق حكامة ترابية ناجعة، واعتماد التناسق والتوازن في الصلاحيات بين مختلف الجماعات الترابية والسلطات والمؤسسات، في إطار وحدة الدولة والوطن والتراب، والذي تعد المؤسسة الملكية ضامنا له ومؤتمنا عليه، جعل سؤال دور الجماعات الترابية في ظل هذه الجائحة يتم طرحه بحدة وذلك بالنظر للاختصاصات المسندة إليها والمحددة لها في إطار القوانين التنظيمية، وتكريس مبدأ التدبير الحر في تسيير مجالسها، والذي يخول في حدود اختصاصات كل جماعة ترابية سلطة التداول بكيفية ديمقراطية وسلطة تنفيذ المداولات والمقررات.

فإذا سلطنا الضوء على الاختصاصات الموكلة للجهات بمقتضى القانون التنظيمي المنظم لها 111.14،[4] نجد بأن هذه الوحدات الترابية تتولى مجموعة من الاختصاصات (الذاتية، والمشتركة، والمنقولة)، وبالتمعن في الاختصاصات الذاتية للجهات يتبين بأنها لا تخول للجهات صلاحيات مباشرة في علاقة بمكافحة الأوبئة.

أما على مستوى الاختصاصات المشتركة، فالجهات تمارس بشكل تعاقدي مع الدولة مجموعة من الاختصاصات التي يمكن تفعيلها لمواجهة الجائحة، نذكر منها:

كما يمكن للجهات أن تتولى ممارسة بعض الاختصاصات المنقولة من طرف الدولة (إلا أن المبادرة تكون هنا للدولة)، ومنها: الصحة، التعليم، الطاقة والماء والبيئة … إلخ.

أما الجماعة فتناط بها تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين في إطار الاختصاصات المسندة إليها بموجب القانون التنظيمي للجماعات 113.14،[5] بحيث تتولى الجماعات تقديم خدمات القرب باعتبارها أقرب وحدة ترابية للسكان.

وذلك من خلال ممارسة اختصاصات ذاتية، واختصاصات مشتركة مع الدولة، واختصاصات منقولة إليها من طرف هذه الأخيرة.

تمارس الجماعة في إطار صلاحياتها الذاتية، مهمة تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها إلى المطارح ومعالجتها، كما تعمل أيضا على السعي على تنظيم السير والجولان وحفظ الصحة العامة ونقل المرضى والجرحى، ونقل الأموات وتنظيم عمليات الدفن، كما تختص أيضا في إحداث وصيانة المقابر.

أما في مجال تنظيم الأسواق الجماعية فتختص الجماعة بموازاة مع الفاعلين الآخرين من القطاع العام والخاص من تدبير أسواق البيع بالجملة وتنظيم المجازر والذبح ونقل اللحوم ومراقبة أسواق القرب.

كما يمارس رئيس المجلس الجماعي صلاحيات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور، بواسطة قرارات تنظيمية وفردية والمتمثلة في الإذن أو الأمر أو المنع. ومن أهم الصلاحيات التي يمارسها رئيس المجلس الجماعي، نذكر:

فإن هذه الاختصاصات تمارسها الجماعات إما بطلب منها أو بمبادرة من الدولة في إطار تعاقدي، فالجماعات بناء على هذه الاختصاصات تساهم في صيانة المستوصفات العمومية الواقعة في نفوذ ترابها بالإضافة إلى المساهمة في تنمية الاقتصاد المحلي للجماعة وإنعاش سوق الشغل والاهتمام بالبنيات التحتية والتجهيزات، والمساهمة في تحسين ظروف عيش المواطنين.

واستنادا أيضا لهذه الاختصاصات المشتركة فإن الجماعة ملزمة بالمساهمة بإحداث دور العمل الخيري، ومأوى العجزة ودور الحضانة ورياض الأطفال، وكذا إحداث المراكز الاجتماعي للإيواء، بالإضافة إلى السهر على احترام البيئة وتهيئة الشواطئ والممرات الساحلية وتدبير الساحل التابع لنفوذه الترابي.

ج- أما بالنسبة للاختصاصات المنقولة من طرف الدولة للجماعة:

هذه الاختصاصات والتي يتم تحديد مجالاتها مراعاة لمبدأي التدرج والتمايز بين الجماعات، بحيث تعتمد فيها الدولة سياسة التدرج في نقل بعض الاختصاصات للجماعات وذلك بغية تعزيز مكانتها في التدبير التنموي، وتقديم خدمات القرب للمواطنين.

وقد نص الدستور في الفصل 141[7] على أن كل اختصاص تنقله الدولة للجماعات الترابية يكون مقترنا بتحويل الموارد المالية المطابقة له لمساعدة الجماعات في ممارسة هذا الاختصاص المنقول. ومن بين الاختصاصات المنقولة التي جاء بها القانون التنظيمي 113.14 نذكر:

هذا بالإضافة إلى مجالس العمالات والأقاليم والتي نظمت بمقتضى القانون رقم 112.14.[8] رغم عدم وضوح الصورة المؤسسية لهذه المجالس التي تتمتع في الوقت نفسه بصفة الجماعة الترابية، وتشكل أحد مستويات ضبط وتنظيم الإدارة الترابية والإشراف عليها. الأمر الذي يتجلى في تداخل الوسائل والموارد المرصودة لها بهدف النهوض بالتنمية.

ومن بين هذه الاختصاصات ما تنص عليه المادة 78 من القانون التنظيمي 112.14:

وهكذا تساعد المنظومة القانونية التي تخضع لها الجماعات الترابية من الاضطلاع بالصلاحيات والاختصاصات المسندة إليها سواء الاقتصادية منها أو الاجتماعية والبيئية وذلك في إطار استراتيجية مندمجة ومنسجمة مع التوجهات الاستراتيجية للدولة، ومتناسقة مع المؤهلات والخصوصيات الجهوية، على الأقل على المستوى النظري. أما على مستوى الممارسة فقد أثبتت تجربة جائحة كورونا مدى تعطيل القدرات التدبيرية للجماعات الترابية في تدبير حالة لطوارئ خصوصا في الشق المتعلق بالحفاظ على الصحة العامة والأمن العمومي والاقتصار فقط على بعض التدخلات المحدودة للشرطة الإدارية الخاصة.

المحور الثاني: تأثير جائحة كوفيد 19 على التدبير اللامركزي في مقابل تعزيز حضور الفاعل المركزي

يعد المغرب من الدول السباقة إلى اتخاذ مجموعة من التدابير لمواجهة الجائحة والحد من انتشارها،[9]حيث صنفت هذه الإجراءات بأنها نموذج استثنائي للتفاعل مع الأزمة.

وبالرجوع إلى هذه الإجراءات والتدابير المتخذة في هذا الإطار ومن خلال التدقيق في مضامينها، سيلاحظ لنا بشكل ملموس غياب دور الجماعات الترابية بشكل عام والجماعات الحضرية والقروية بشكل خاص في عملية تدبير هذه الجائحة في مقابل حضور قوي للسلطات المركزية وممثليها.

وعلى عكس ما عرفه المغرب في مجال اللامركزية من تطور كبير، إلا أن الإدارة المركزية لم تستطع التخلي من بعض الممارسات ذات النزعة المركزية، حيث ظلت تنتهج المقاربة العمودية، واعتماد المنطق البراغماتي في تدبير الازمات اتجاه مسلسل اللاتمركز.

فعمل يرجع الأمر إلى فشل هذه الوحدات الترابية في ممارسة صلاحياتها الدستورية والتنظيمية؟ أم أن دورها قد تم تغييبه بشكل من الأشكال؟

فمنذ إعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني بموجب المرسومين رقم 2.20.292[10] المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والمرسوم 2.20.293[11] المتعلق بفرض حالة الطوارئ الصحية على صعيد التراب الوطني، وما تلتها قرارات وإجراءات تستهدف نفس المصدر، يلاحظ بأن هذه القرارات كلها مركزية المصدر، حتى وإن كانت تدخل في نطاق السلطة التنظيمية المحلية. حيث مارست السلطات المركزية صلاحياتها الاستثنائية وعبئت جميع وسائلها لمواجهة هذه الأزمة الوبائية، وقد اندرجت هذه الإجراءات والتدابير في إطار الامتيازات الاستثنائية للدولة والتي مارستها بناء على نظرية الظروف الطارئة وأعمال السيادة وحساسية الظرفية الاستثنائية، كلها عوامل جعلت السلطات المركزية تستأثر بالاختصاص العام لتدبير المرحلة، كدورية وزير الداخلية[12]التي تمنع انعقاد دورة شهر ماي في ظل التدابير الاحترازية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي، دون ترك هامش الحرية للجماعات الترابية للتفكير في بدائل إلكترونية أخرى أو اقتراحها وذلك ضمانا لمبدأ التدبير الحر وتأمينا لقاعدة التراتبية ومبدأ سمو الدستور طبقا لمقتضيات المواد 33 و34 من القانون 113.14 المتعلق بالجماعات، مما كان له كامل الأثر على إشكالية حذف المراقبة السياسية التي يمارسها المستشارون المنتخبون (أغلبية ومعارضة) على أعمال المجلس. كما أن هذه الدورية لم تنص على أي مقتضى يفيد عرض أعمال المجالس (أثناء فترة الحجر الصحي) ولو بشكل لاحق – بعد رفع حالة الطوارئ الصحية – من أجل المراقبة والتقييم، ومن أجل تعزيز المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة.

هذا بالإضافة إلى دورية وزير الداخلية في 11 ماي 2020،[13] والتي تدعوا رؤساء الجماعات الترابية إلى وقف آجال أداء وإيداع الإقرارات الخاصة بالرسوم المحلية التي تقوم بتدبيرها هذه الجماعات، وكذا بالنسبة للآجال المتعلقة بمختلف المستحقات المترتبة على المهنيين، وتعطيل وتوقيف العمل ببعض مقتضيات القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية.

إضافة إلى التتبع اليومي لمشاكل كورونا، نلاحظ بأن السلطة المحلية احتكرت التدبير اليومي لإجراءات التدابير الاحترازية طيلة أيام وشهور حالة الحجر الصحي، كما أن الإعانات والمساعدات المخصصة في ظل الجائحة، فالجماعات تعمل على تخصيص المبالغ المراد توزيعها ونوعية وطبيعة الإعانة المخصصة، غير أن الإشراف والتوزيع تتكفل به السلطة المحلية. وذلك حتى لا تتم المحاباة على أساس الولاءات السياسية والنزعة الانتخابية، وتفضيل طرف على آخر وإفراغ المساعدات من مضمونها الإنساني.

ويرجع ضعف ومحدودية تدخل الجماعات الترابية في تدبير هذه الازمة إلى مقتضيات المرسوم السالف الذكر والذي أسند المهمة بشكل شبه مطلق لوزارتي الصحة والداخلية، وكذا مذكرات وزير الداخلية (المشار إليها سابقا) والتي راسل من خلالها الجماعات الترابية وطلبها بعدم عقد الاجتماعات وتأجيلها إلى أجل غير مسمى، بالإضافة إلى محدودية الموارد البشرية والمالية للجماعات وكذا ضعف المستوى التعليمي والمعرفي لبعض الرؤساء المنتخبين وعدم قدرتهم على استيعاب صلاحياتهم الدستورية والتنظيمية.

ويمكن القول أيضا بأن الجماعات الترابية لم تكن على استعداد تام لمثل هاته الجائحة، على اعتبار أن برامج عمل الجماعات الترابية لا تتوفر على خطط وبرامج لمواجهة مثل هذه الظروف الطارئة ولم ترصد لها أي موارد مالية، كما ان تدخل الدولة أشعر الفاعل الترابي بعدم جدوى تدخله، هذا بالإضافة إلى هاجس بعض المنتخبين ورؤساء المجالس من إمكانية اتهامهم استغلال الازمة لتحقيق مصالح سياسية وانتخابية.

في حين أن هناك من اعتبر أن السبب الحقيق في الأمر يرجع بالأساس إلى جهل بعض المجالس ورؤسائها لاختصاصاتهم الدستورية والتنظيمية خصوصا ما يتعلق بمجال الضبط الإداري والحفاظ على النظام العام، وغالبا ما يتم تبرير ذلك بغياب سياسة تكوين وتأهيل المنتخبين الجماعيين والذي ساهم في ذلك بشكل كبير.

ومن الأسباب الرئيسية في ذلك أيضا عدم وضوح النص القانون المنظم لاختصاصات الجماعات ورؤسائها وعلاقتهم بالسلطة المحلية، ولاسيما ما يتعلق بمجال الحفاظ على النظام العام والذي يتدخل فيه العديد من الأطراف مما يفتح المجال في كثير من الأحيان أمام سوء التدبير وتنازع الاختصاص، ويتجلى ذلك بوضوح من خلال الفصل 100 من القانون التنظيمي للجماعات.

كما أن النطاق الوساع للاختصاصات الذاتية والمنقولة والمشتركة للجماعات الترابية مجمدا لصالح السلطة المحلية في ظل هذه الجائحة وسند ذلك هو الفصل 110 من القانون 113.14 المتعلق بالجماعات والتي تنص على أن رئيس مجلس الجماعة يمارس صلاحيات الشرطة الإدارية الجماعية باستثناء المواد التي تخول بحكم القانون التنظيمي إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه في الحفاظ على النظام العام والامن العمومي بتراب الجماعة.

وخلاصة القول، رغم الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد والذي يمكن أن يكون مسوغا لاحتكار السلطة المحلية لآليات التدبير والتنظيم، إلا ان هذا لا يمنع من إشراك الجماعات الترابية في تفعيل اختصاصاتها المرتبطة بالظرفية الصحية، ليكون على الأقل كتمرين للمنتخب الترابي لاختيار قدراته التدبيرية وكفاءته في إدارة الازمات وألا تكون الجماعة الترابية مجرد استنساخ للبنيات المركزية على المستوى الجهوي والمحلي، ما دام أن الدور المنوط بالجماعات الترابية في ظل اتساع اختصاصاتها وارتفاع منسوب وعي الناخبين وتعاظم أدوارها هو تحقيق التنمية المستدامة ومواجهة الأزمات.

ولأجل ذلك أضحى لزاما إعادة النظر في اختصاصات وموارد الجماعات الترابية سواء المادية منها أو البشرية والعمل على الرفع من الخدمات التي تقدمها هذه الوحدات الترابية للمرتفقين. وبالطبع لن يتأتى ذلك إلا بتفعيل دور الدولة والجماعات الترابية والأحزاب السياسية في تأهيل الموارد البشرية وتخليق الحياة الجماعية والتخفيف من صرامة الرقابة التي تمارسها سلطات المراقبة والمتمثلة في العامل ورجال السلطة.

كما ان تكريس الرقابة القضائية على مجالس الجماعات ورؤسائها يعتبر من الدعامات الأساسية لتعزيز حضور الفاعل الترابي في السياسات التنموية الترابية وفي تدبير الأزمات، وذلك من خلال تكريس المساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وكذا تفعيل إجراءات ومساطر العزل والتجريد من العضوية في حق الرئيس وأعضاء المجلس في حالة التقاعس والتهرب من المسؤولية أو الإخلال بالمهام الانتدابية.

لائحة الهوامش:


[1]الباب التاسع من دستور 2011، الفصل 135: “الجماعات الترابية للسلطة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، والجماعات الترابية أشخاص معنوية، خاضعة للقانون العام، وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطية”.

[2]تم إحداث لجنة اليقظة الاقتصادية بتاريخ 11 مارس وإصدار منشور حول التدابير الوقائية بمختلف المرافق العمومية في 16 مارس وإعلان حالة الطوارئ الصحية في 20 مارس، وإصدار منشور حول الخدمات الرقمية للمراسلات الإدارية، وإصدار منشور في شأن العمل عن بعد في 15 أبريل 2020.

[3]من أشغال ندوة عن بعد بعنوان: “تحديات تدبير أزمة كورونا على المستوى المحلي بالمغرب”، بتاريخ 16 يونيو 2020، من تنظيم مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد.

[4] القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، الجريدة الرسمية عدد 6380 الصادرة في 06 شوال 1436، 23 يوليوز 2015.

[5] ظهير شريف رقم 1.15.85 صادر في 20 رمضان 1436 الموافق لـ 7 يوليوز 2015 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات.

[6]Circulaire du ministre de l’intérieur n°6335 du 01 avril 2020 :

Sur la gestion des décès de cas suspects ou confirmés de covid 19.

[7]يكرس هذا الفصل قاعدة أساسية للمالية المحلية وذلك عندما يؤكد على ضرورة أن يكون كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له. وبذلك يكون واضع هذا الفصل قد رأى ضرورة دسترة المبدأ المنصوص عليه في المادة 8 من القانون 97/46 والمتعلق بالجهات.

[8]ظهير شريف رقم 1.15.85 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 112.14.

[9]مرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 رج 1441 الموافق لـ 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 29 رجب 1441 الموافق لـ 24 مارس 2020.

[10]مرجع سابق.

[11]مرسوم رقم 2.20.293 بتاريخ 24 مارس 2020 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا “كوفيد 19”.

[12] منشور وزير الداخلية 6743 بتاريخ 22 أبريل حول انعقاد الدورة العدية لشهر ماي للجماعات.

[13] منشور وزير الداخلية 7186 بتاريخ 11 أي 2020 حول انعكاسات حالة الطوارئ الصحية على تطبيق الجزاءات المتعلقة بالموارد المدبرة من طرف الجماعات الترابية.

Exit mobile version