الجماعات الترابية أية قدرة على تنفيذ المشاريع الاستثمارية
Have the dusty groups any capacity to implement investment projects
محمد بومديان
طالب باحث بسلك الدكتوراه
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- سلا
سكينة اتحادي
طالبة باحثة بسلك الدكتوراه
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- عين السبع
الملخص:
في نشرتها الشهرية أصدرت الخزينة العامة للمملكة تقرير حول الجماعات الترابية التي فاقت ميزانيتها الغير المستعملة والمتراكمة 36 مليار درهم حسب المختصين هذه الأموال هي عبارة عن ميزانية مرصودة للاستثمار لم يتم استغلالها وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول قدرات الجماعات الترابية من جماعات وأقاليم وعمالات وجهات على تدبير شؤونها الاقتصادية في وقت تتجه فيه المملكة إلى إعطاء الجهات صلاحيات واسعة في إطار الجهوية الموسعة.
الكلمات الدالة: التنمية، الجماعات الترابية، الاستثمار، الجهوية.
Summary:
In its monthly publication, the Kingdom’s General Treasury issued a report on the dust communities that exceeded their unused and accumulated budget, the total value of the total assets is 36 billion dirhams, according to specialists, which is an untapped investment budget, This raises more than a question about the abilities of the dust groups, regions, workers and parties to manage their economic affairs at a time when the Kingdom is heading to give the authorities wide powers within the framework of the expanded regional system.
Keywords: Development, earthy groups, Investment, regional.
مقدمة:
في الوقت التي تعاني العديد من الجماعات الترابية من خصاص كبير في خدمات القرب ومشاريع التنمية المحلية، تظهر الأرقام الرسمية أن هذه الجماعات لا تستغل قسطا كبيرا من المبالغ المتاحة لها، فحسب نشرة إحصائيات المالية المحلية التي تصدرها الخزينة العامة للمملكة، سجلت الجماعات الترابية فائض قدره 4،4 مليار درهم خلال شهر يوليوز 2018، وبلغت المبالغ المتاحة من بداية السنة إلى متم يوليوز 2018 أكثر من 36 مليار درهم من بينها أزيد من 27 مليار درهم من فائض الحسابات السابقة، وتستأثر الجماعات بما يقرب من 66 في المائة من المبالغ المتاحة للجماعات الترابية تليها الجماعات بحوالي 18 في المائة ثم العمالات والأقاليم بأزيد من 16 في المائة.
وبخصوص نفقات الجماعات الترابية نجد أن حصة الأسد من نفقات الجماعات المحلية تذهب إلى تغطية نفقات الموظفين بأزيد من 41 في المائة ونفقات المعدات والخدمات بأكثر من 37 في المائة ولا تمثل نفقات الاستثمار سوى 16،5 في المائة، أما بالنسبة للأقاليم والعمالات فترتفع نفقات الاستثمار لتشكل أكثر من نصف النفقات 50 في المائة، تليها نفقات الموظفين بحوالي 39 في المائة ونفقات المعدات والخدمات ب 9 في المائة، وعلى صعيد الجهات يستحوذ الاستثمار بأكثر من 75 في المائة من نفقاتها متبوعا بنفقات المعدات والخدمات بحوالي 16 في المائة ثم كلفة الدين ب 5،6 في المائة.
فيما يتعلق بنوعية الاستثمار المنجز خلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 2018، فقد صرفت الجماعات الترابية ما مجموعه 2،4 مليار درهم في شكل إصدار لسندات خاصة بالبرامج الوطنية، و1،4 مليار درهم خصصت للمشاريع المندرجة و1،16 مليار درهم دفعت كإصدار للسندات الخاصة بالأشغال الجديدة والإصلاحات الكبرى.
وضع يطرح أسئلة ملحة حول الأسباب الكامنة وراء ضعف استغلال الموارد المالية المتاحة للجماعات الترابية وقدرة هذه الجماعات على النهوض بالأدوار المنوطة بها في إطار التنظيم الترابي اللامركزي المنشود والقائم على الجهوية المتقدمة.
أولا- تشخيص أسباب تراكم ميزانيات الاستثمار في خزائن الجماعات الترابية.
حقيقة أنه رغم الأدوار والصلاحيات المهمة المناطة بالجماعات المحلية، إلا أن هناك ميكانيزمات وبعض الوسائل مازالت غير مفعلة، الأمر الذي يجعلها غير قادرة على تدبير ميزانيتها بشكل فعال وسريع.
أ- الموارد البشرية:
كيف يمكن تنفيذ الميزانيات في غياب الكفاءات؟ كيف يمكن تنفيذ ميزانية معينة وهناك مشاكل متعلقة بالمساطر؛ بالوصاية، فجميع نفقات الجماعات لابد من تأشيرها من طرف ممثلين لوزارة المالية.
مسألة أخرى متعلقة بإجبارية إيداع كل أموال الجماعة في الخزينة وفي القباضة ولا تداع إذا كانت هناك كفاءات مهنية في الأبناك أو توظف مثلا في سوق للأسهم من أجل الحصول على فوائد وموارد إضافية.
وما يؤكد كلامنا هو أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خصص تقريرا بعنوان “تدبير وتنمية الكفاءات البشرية: رافعة أساس لنجاح الجهوية المتقدمة” أهم ما جاء فيه من محاور هو الشق المتعلق بالتوصيات.
قدم التقرير ثلاثة أنواع من التوصيات:
1.التوصيات ذات الطابع الاستباقي:
– العمل على أن ينص القانون التنظيمي المتعلق بالجهوي على تنمية الكفاءات البشرية بصفتها من بين الصلاحيات الخاصة بالجهات:
اعتبارا للأهمية الاستراتيجية للجهة كما كرسها دستور 2011 وخلاصات تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية ، يوصى بإلحاح بالاعتراف للجماعة الجهوية بمسؤولية كاملة وتامة في مجال تنمية الكفاءات البشرية على المستوى الترابي، وذلك لتمكينها من امتلاك الوسائل الضرورية لتوجيه وتدبير الرأسمال البشري المتوفر في الجهة حسب خصوصيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لتلك الجهة.
– تمكين الجهات من الموارد المالية الضرورية للقيام بتشخيص الكفاءات البشرية المتوفرة لديها:
يجب على هذا التشخيص، المنجز على ضوء الصلاحيات التي ستناط بالجهات الجديدة، أن يبين، بالنسبة إلى كل جهة على حدة، الحاجات في مجال الموارد البشرية كميا ونوعيا، على المدى المتوسط والبعيد، وأن يتيح للهيئات المسيرة المعنية تكوين صورة دقيقة عن المستوى العام لكفاءة الإدارة الجهوية، مع تحديد مجالات التدبير التي تتطلب للتكييف في مجال التكوين المستمر وإعادة انتشار المستخدمين وتحديث أدوات التوقع والتخطيط.
2. توصيات تخص تدابير لإصلاح منظومة تنمية الكفاءات
– تبني سياسة عمومية إرادية في مجال تنمية الكفاءات البشرية على المستوى الجهوي:
يجب أن تكون هذه السياسة شاملة، وأن تعنى بثلاثة مكونات أساس من مكونات منظومة الموارد البشرية على المستوى الترابي، هنا نقصد المنتخبين المحليين ومستخدمي الجماعات الترابية ومستخدمي المصالح اللاممركزة وأن يكون هدفها تحقيق مصالحة الإدارة مع محيطها والرفع من مستوى أدائها، وجعلها أداة حقيقية في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
– وضع ألية واضحة لقيادة وتنسيق مشروع تغيير الهيكلة التنظيمية للجماعات الترابية والمصالح الخارجية وكذا للتتبع وتقييم مختلف برامج وتنمية الكفاءات البشرية المقبلة.
ب- سوء حكامة في الجماعات الترابية
إن تحقيق الجماعات الترابية للفائض هو أمر سلبي في خضم المشاكل الكبيرة التي تعاني منها هذه الجماعات، فهذا الفائض كان سيكون إيجابيا لو أن الخدمات المقدمة للمواطنين في المستوى اللائق.
فالحاجة ماتزال قائمة لأساسيات كبيرة تعاني منها الجماعات الترابية على مستوى الخدمات الثقافية والاجتماعية والتنموية، تجعل تسجيل هذه الجماعات للفائض غير عملي، ودلالة على سوء تنفيذ الميزانية بل وضعف في التدبير وخلل في توقع التحصيل، وكذا ضعف التنفيذ بسبب ضعف إشكالات المتابعة وتعقيد المساطر.
وعندما نقارن هذا الفائض الذي تسجله الجماعات الترابية بميزانية الدولة، نجد أن الأخيرة دائما تعاني من العجز، بينما الجماعات الترابية عندها في العموم فائض، وهذا يدل على سوء حكامة في الجماعات الترابية، وهو مؤشر على أن الجماعة لها أموال ولا تعرف ما يمكن أن تفعل بها.
وبالتالي فعلى الجماعات أن تخلق برامج لها عائد على الساكنة، تستثمر فيه الفائض وتحسن تدبير الموارد، خصوصا وأن القانون التنظيمي للجهات، يقول في أحد بنوده أن على الجماعات الترابية أن تعمل مستقبلا على ما يسمى بميزانية البرامج، بمعنى أن الصرف مرتبط بالإنتاجية، وهذا توجه يخالف العمل على تحقيق الفائض أو صرف الجزء الأكبر من الميزانية على الاستهلاك وخصوصا أداء الأجور أو على نفقات الدين، لأن هذا يسهم في ضياع فرص حقيقية للتنمية بالجماعات الترابية، وهذا ما سنتطرق إليه بتفصيل في الجزء الثاني من تحليلنا.
ثانيا-الأليات الكفيلة بالرفع من قدرات الجماعات الترابية للنهوض بالأدوار المنوطة بها في إطار التنظيم اللامركزي الترابي
إن مستجدات التدبير المالي للجماعات الترابية، ينبغي أن تشكل فرصة سانحة التحديث وتقوية التدبير المالي المحلي وتغيير أنماط تدبير المالية المحلية، نحو ثقافة تدبيرية جديدة قائمة على النتائج والمساءلة عن اتخاذ القرارات، وذلك عن طريق برامج ومشاريع تنموية تستجيب لتطلعات المواطنات والمواطنين .
وبما أن إصلاح التدبير المالي يعد المدخل لكل إصلاح. فإن الفعل المحلي، ينبغي أن يتسم بقيم ومبادئ الحكامة المالية، بغية تعزيز نجاعة وفعالية التدبير المحلي، وترسيخ ثقافة التقييم والرقابة على مختلف أوجه صرف المال العام.
أ- ميثاق اللاتمركز الإداري وتنمية مالية الجماعات الترابية.
أمام فشل المقاربة الأحادية للتنمية المبنية على التدبير الممركز وعدم نجاحها في تحقيق تنمية حقيقية، كان لا بد من اعتماد أساليب حديثة من بينها أسلوبي اللامركزية واللاتركيز باعتبارهما من المدخلات الأساسية للمنظومة التنموية الحديثة، من خلال اعتماد سياسة القرب عبر إعادة توزيع السلطة والاختصاصات، وإحداث وحدات ترابية مبادرة ونشيطة وفعالة وساهرة على تدبير الشأن المحلي كشريك أساسي بجانب الدولة والقطاع الخاص في تدبير قضايا التنمية، وبالتالي خلق أقطاب للتنمية المحلية الشمولية.
إلا أنه في الواقع فقد سجلت سياسة اللامركزية تطورا ملحوظا بالمقارنة مع سياسة اللاتركيز في المغرب، وأمام هذا الوضع كان لابد من العمل على تطوير أسلوب اللاتركيز ليكون مواكبا للجهوية واللامركزية، وإعادة توزيع السلطة بين المركز ومصالحه الخارجية ونهج سياسة إدارية لا متمركزة مبنية على السرعة والفعالية ومشاركة جميع الفاعلين على المستوى المحلي لترسيخ حكامة ترابية على شتى المستويات.
وفي هذا الخصوص، أعلن جلالة الملك في أكثر من مناسبة على ضرورة تسريع مسلسل اللاتمركز وتوسيع صلاحياته باعتباره لازمة ضرورية لمواكبة ورش الجهوية المتقدمة خاصة مع اتساع مجال الصلاحيات المخولة للجماعات الترابية وخاصة منها الجهة وأهمية الموارد البشرية والمالية التي وضعت رهن إشارتها تتطلب النهوض باللاتمركز الإداري، وقد حدد في خطابه بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية سنة 2010، على المرتكزات الأربع للجهوية المنشودة ورابع هذه المرتكزات كان “اللاتمركز الواسع”، فكان لابد من مراجعة المقتضيات المعمول بها في مجال اللاتركيز ولتحقيق ذلك انكبت الدولة على إعداد تصور جديد للإدارة اللاممركزة، يواكب ما نص عليه دستور 2011 خاصة الفصل 145 الذي نقل الوصاية على الجماعات الترابية إلى دور المساعدة، و حصر تمثيلية الولاة والعمال في السلطة المركزية بعلاقته مع المجالس المنتخبة، إلى مستوى العلاقة بين سلط متوازية لا وجود لعلاقة تراتبية أو إشراف بينها خاصة مع إقرار الدستور بمبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية الذي يكرس استقلالها المالي والإداري.
وهكذا وجه جلالة الملك الحكومة إلى القيام بالعديد من الإصلاحات لتطوير نظام اللاتمركز حتى يكون في خدمة التنمية الترابية، على أن تراعى في ذلك مستلزمات الحكامة الترابية الجيدة، وكان ميثاق اللاتمركز الإداري الذي تم المصادقة عليه مؤخرا ثمرة هذه الجهود والذي يقوم على مبدأ نقل المبادرة لفائدة المصالح اللاممركزة في تنفيذ السياسات العمومية التي يتم إعدادها على المستوى المركزي من خلال تخويل الإدارة اللاممركزة صلاحيات أوسع لتمكينها من أخذ القرارات المناسبة في أفضل الظروف، خاصة القرارات التي تخص مالية الجماعات الترابية، موازاة مع دعم الجهة بالإمكانيات المالية اللازمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الكبرى للسياسات العمومية ومخططات العمل المعتمدة بالجهة.
لذلك فاللاتمركز الإداري لا يعني فقط نقل السلط من المركز إلى المصالح الجهوية، بل إنه عملية تحول أساسية في كيان الدولة فالأمر يتعلق بميزانية الدولة، بالاستثمار، بالبرامج القطاعية وبتدبير الموارد البشرية، لذلك فإن التدبير المالي اللامتمركز سيشهد تحديثات من قبيل:
– نقل الاختصاصات والموارد المالية للمصالح اللاممركزة واقتران نقل تلك الاختصاصات بتخصيص موارد مالية مطابقة لها.
– تخويل المصالح اللاممركزة صفة آمر بالصرف مع تفويض الاعتمادات والأوامر بتحويلها ما سيساعد في تبسيط المساطر والإجراءات.
– البرمجة والتعاقد مع الإدارة المركزية على أساس مخطط عمل استراتيجي جهوي.
كما ستتولى المصالح اللاممركزة للدولة على المستوى الجهوي تقديم مقترحات البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات المتعلقة بها ورفعها إلى السلطات الحكومية التابعة لها، وإعداد مشاريع تقارير نجاعة الآداء المتعلقة بمختلف المصالح التابعة لها على مستوى الجهة.
وفي هذا الصدد، فإن الجهة خاصة، ونظرا للمكانة التي تحتلها ستتوفر على إدارة جهوية تتمتع بسلطات تقريرية في إطار اللاتمركز من خلال إحداث مديريات جهوية معززة بموارد بشرية كفئة ووسائل مالية ومادية كافية تغني مالية الجهة، ويتعين أن تنتظم هذه الإدارة الجهوية في أقطاب إدارية لا ممركزة، من أجل ترشيد استعمال الوسائل وتقليص النفقات، الأمر الذي سيمكن هذه الإدارة الجهوية بمهام تدعم عمل الولاة في تنسيق تدخلات الدولة على المستوى الجهوي ، وتنفيذ البرامج التعاقدية بين الدولة والجهة وتدبير العلاقة بين المصالح اللاممركزة للدولة والجهة ما سيساهم في اندماج اعتمادات الميزانية المحددة على أساس المهام وبرامج الدولة المشتركة بين القطاعات وتعميق حضور المقاربة الترابية في برمجة قوانين المالية لذلك بدل أن يتم التنسيق على مستوى المركز سيتم ذلك على المستوى الجهوي عن طريق تفويض الاختصاصات والموارد المطابقة.
ب- شركات التنمية المحلية
انطلاقا من الفصل الثاني للميثاق الجماعي 78.00 ، يمكن للجماعات المحلية ومجموعاتها إحداث شركات التنمية المحلية، باشتراك مع شخص أو عدة أشخاص، معنوية خاضعة للقانون العام أو الخاص. وغالبا ما يكون التدخل في المجال الصناعي والتجاري، وهي خاضعة لمقتضيات القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، وتؤسس هذه الشركات بعد مداولات المجالس الجماعية، ومصادقة سلطة الوصاية. كما لايجوز أن تقل مساهمة الجماعات المحلية على نسبة 35في المئة، ويكون أغلب رأسمال الشركة في ملك أشخاص معنوية. كانت هذه إطلالة على البعد التشريعي لشركات التنمية المحلية.
إذن هذا إجراء قانوني يساعد الجماعات الترابية على تحقيق تنميتها المحلية. وتوسيع دائرة المتدخلين بطرق مشروعة، وهذا الإجراء يتطلب قرارا سياسيا يهدف إلى خدمة الصالح العام انطلاقا من عنصري الكفاءة والمردودية. والحكامة والعمل المندمج والمقاربة التشاركية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وهذه المبادئ تحتم على الهيئات المختصة وجمعيات المجتمع المدني التتبع والمراقبة لعمل هذه الآليات، وهذا يدخل في صميم المقتضيات الدستورية التي تنص على المساهمة في التنمية والتتبع والتقويم والتفعيل. والمؤشر هو الإنجازات بناء على احترام المقتضيات القانونية والتنظيمية ودفاتر التحملات..
لقد خاضت بعض الجماعات الترابية تجربة التدبير المفوض والاقتصاد المختلط، وشركات التنمية المحلية، والسؤال المطروح ومن خلال التقويم هو: إلى أي حد استطاعت هذه الشركات تحقيق كل من التنسيق بين المشاريع والفاعلين، والمراقبة الإدارية والمالية، والاندماج الترابي، والمأسسة، والتوازن، والعقلنة، والسرعة، واحترام الكفاءات وتنمية المردودية؟
وفي هذا الإطار يجب أن يكون دور السلطات العمومية واضحا، وأهمها احترام القوانين المؤطرة، لأن نجاح التنمية المحلية نجاح للدولة ، وبالتالي فالأمر يرتبط بالبعد الوطني والدولي رغم الطابع الترابي المحلي الذي يتسم به. وفي هذا الإطار نطرح سؤال الالتقائية، واللامركزية واللاتركيز، لأننا في حاجة إلى عمل مندمج ومتكامل وتشاركي ومسؤول. ومن أهم المؤسسات التي تلعب أدوارا طلائعية في هذا المجال المجالس الإدارية لهذه الشركات سواء من حيث المعايير الموضوعية التي تعرفها التمثيلية داخل هذه المجالس. والحركية والدينامية والفاعلية. ناهيك على القرارات السياسية والمتابعات الإدارية والتنظيمية والمالية.
إن الجماعات الترابية تتمثل في الجماعات الحضرية والقروية والجهات ومجالس العمالات والأقاليم، ولكل مخطط اقتصادي واجتماعي وثقافي وبيئي، إضافة إلى برامج السلطات المحلية والعمومية المباشرة “المراكز الجهوية للاستثمار” وتصاميم التهيئة ” التي تصدر على الوكالة الحضرية التابعة لوصاية الداخلية بالبيضاء مثلا إضافة إلى مجالس العمالات والأقاليم والجهات التي يشكل فيها الولاة والعمال الآمرين بالصرف، إذن كيف لشركات التنمية المحلية أن توفق بين كل هذه المعطيات من أجل تحسين خدمات سواء على مستوى النقل أو التطهير أو النظافة أو البنيان التحتية؟ وإذا أردنا أن نطور مجال تدخل هذا النوع من الشركات فإن الأمر سيصبح أكثر تعقدا.
نخلص مما سبق أن مشروع شركات التنمية المحلية خطوة مهمة على مستوى البنيات التحتية وتحسين الخدمات، لكن يجب تطوير هذا النموذج من خلال اعتماد إطارات قانونية تؤصل للتعاقد والشراكات، والتضامن، والافتحاص، وتحمل نتائج الأنشطة. ووضع استراتيجية للتكوين الملائم مع متطلبات شركات التنمية المحلية، من أجل تطوير العقلنة، والمردودية، والفاعلية. وإذا كانت دول متقدمة أصبحت تعتمد في هذا المجال على معالجة تحديات كبرى تشكل أوليات عالمية، فنحن ما زلنا نعاني داخل المدن الكبرى أدنى الخدمات ، وقد شخص جلالة الملك هذا الوضع في بعض المدن. إذن الأمر لا يتعلق بإطار الاشتغال، بل بتهيئة مناخ العمل المالي والبشري. وهذا ما سيشجع الفاعلين الآخرين إلى الانتماء إلى هذه البنيات المساهمة في التنمية المحلية.
إن هذا النوع من الشركات يدخل في إطار التجديد للآليات المساعدة على التنمية المحلية، ويمكن أن نبدع آليات أخرى والهدف واحد، ألا وهو تحسين البنيات التحتية التنموية المحلية على جميع المستويات. وهذا ما يتطلب توفير كل الضمانات من أجل إنجاح هذه البنيات التنموية.
ت- مكاتب الدراسات
لابد من التعاقد مع مكاتب دراسات لإجراء التشخيص المطلوب و الدقيق لتحديد حاجيات الجماعات المحلية وامكانياتها، اخذا بعين الاعتبار الأولويات وحسن استثمار الموارد وترشيد النفقات .
فالغاية من هذا التشخيص تبقى ذات أهمية أكبرى نظرا لشمول الدراسة، مجالات المشاريع التي تحظى بالأولوية، وتحديد التوجهات العامة الرامية إلى إدماج الجماعة في محيطها الوطني وتيسير مساهمتها في الاقتصاد الوطني من خلال العمل على بلورة استراتيجية تنموية وطنية تسعى إلى تحقيق الهدفين الآتيين :
الهدف الأول: خلق الظروف الملائمة لإنجاح المشاريع المهيكلة الواردة في البرنامج الخاص بتنمية الجماعات الترابية باعتباره حاملا لمبادئ التضامن الترابي والتماسك الاجتماعي والمحافظة على الثروات الطبيعية لها.
الهدف الثاني: فيتمثل في تبني مشاريع تكميلية غايتها تحسين جاذبية وتنافسية المجال الترابي، والعمل على ايلاء الاهتمام والعناية لتطوير آليات الادماج الاجتماعي في إطار تكامل الاستراتيجيات المشتركة بين الدولة والجماعات الترابية، من أجل إيجاد السبل الكفيلة بمواجهة، والحد من الفقر والهشاشة، وتقوية وتأهيل البنى التحتية .
خاتمة:
إن المغرب مقبل على نموذج اقتصادي مبني على الإنتاج والإنتاجية، يعوض النموذج الاقتصادي المبني على الاستهلاك، وهو تحول سيكون في مصلحة البلد، لذا يجب على الجماعات الترابية أن تنخرط في هذا الاتجاه وتدعم هذه الرؤية، بالابتكار وخلق لأفكار الجديدة على المستوى الترابي، والتي تسعى إلى تحقيق تنمية حقيقية وإيجاد فرص الشغل للعاطلين.