Site icon مجلة المنارة

التوجهات الجديدة في التعاملات التدبيرية الإستراتيجية الجهوية

التوجهات الجديدة في التعاملات التدبيرية الإستراتيجية  الجهوية

عبد الرزاق لعقابي

باحث في القانون العام

مـــــــــــقــــــــــدمــــــــة

إن تعدد الرهانات التنموية الملقاة على عاتق الجماعات الترابية، لاتستطيع هذه الأخيرة لوحدها مجابتها وبإمكانياتها الحالية، لاسيما وأن الوعاء الترابي الجهوي ، لم يعد أصلا يقبل اشتغال طرف واحد ضمنه، خصوصا في مجالات تتطلب نوعا من الخبرات والتقنيات ، أو تتطلب نوعا من الكفاءات أو المؤهلات، وفي أحيان أخرى يستوجب العديد من الموارد ، أو القدرة والإستطاعة ،وهو ما يحتم بالضرورة دخول هذه الجماعات في مسار تدبيري جديد يأخذ بمعطيات جديدة ومن خلال اعتماد مقاربات وأليات حديثة ، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن أهم التوجهات المستجدة في التعاملات التدبيرية الإستراتيجية؟ ، ووعيا من المشرع بهذا الشأن، فقد سمح للوحدات الترابية، إنجاز بعض البرامج ، أو الأعمال التي تحتاج لأنجازها ما تم سرده عن طريق إبرام تعاقدات سواء فيما بين هذه الوحدات ، أو بينها وبين الدولة ، أو مع فاعلين أخرين خواص، لتحقيق أهداف وأثار تنموية أو تدبيرية من هذه التعاقدات.

فإذن يعتبر من بين التوجهات الجديدة في التعاملات التدبيرية الاستراتيجية تقوية سياسة التعاقد الترابي، وذلك لتأهيل المجال الترابي الجهوي من خلال تحسين العلاقات التعاونية داخله، لا سيما أن هذا التعاقد يجعل من الوحدات الترابية وحدات منفتحة على كل الفاعلين في طريقة تدبيرها لخدمات التنمية التي يتلقاها الفرد، هذه الخدمات التي يجب أن تقدم له وفق معيار مهم ألا وهو الجودة، الذي يعتبر المقياس الوحيد على فعالية تلك الخدمات ونجاعتها، (المحور الأول).

لذلك تعتبر الوظيفة التدخلية التدبيرية  عملية  جد مهمة ضمن العمل الجهوي ، وهكذا فالجماعات الترابية قد طورت من أساليبها التدخلية ،  ضمن المنظور الإستراتيجي ، فلم يعد ذلك التدخل الكلاسيكي الذي لايكون محكوما برؤية معينة ، وبأهداف مسطرة مسبقا، وبإستعمال جيد للموارد والإمكانيات ، كما هو الشأن بالنسبة للمقاولة، فهذه الأخيرة تعتمد في تدبيرها على إستراتيجية محكمة ، تتوخى التدبير العقلاني لكل ما من شأنه أن يساهم في تحقيق المردودية والربحية، وإذا كانت الجماعات الترابية لاتقوم على هذه الهواجس ، فإنها بالمقابل تستطيع أن تشتغل بنفس مضمون التدبير الذي تعتمده المقاولة، لما أظهره من نتائج ، على مستوى تحقيق الأهداف بجودة عالية وبتكلفة أقل ، وبإستغلال جيد للإمكانيات والكفاءات،  وإلى جانب تبني منطق التدبير المقاولاتي في العمل الجهوي ، فإنه يبقى من اللازم على الجماعات الترابية لتحسين وظيفتها التدبيرية أن تشتغل بمبدأ الشراكة ، والذي قد يساعدها على تفعيل مجموعة من مشاريعها التنموية،  وبالضبط تلك البرامج التنموية التي تتطلب نوعا من التمويلات المالية الكبيرة ، أو تتطلب تجارب وخبرات معينة، أو كل استفادة تبقى ضرورية لإخراج بعض من الأهداف لأرض الوجود(المحور الثاني).

المحور الأول: التعاقد والوصول للجودة آليات تدبيرية حديثة

يعد التعاقد الترابي، من بين التوجهات التي تطمح الجهات والجماعات الترابية إلى تكريسها في تعاملاتها التدبيرية مما يوفر لها التعاملمع شبكات وفاعلين عموميين أو خواص جدد لغرض إنجاز بعض المشاريع أو البرامج، فهو إذن يسمح بانفتاح الوحدات الترابية الأخرى على تجارب وكفاءات أخرى، يمكن في بعض الأحيان أن لا تتوفر عليهاهذه الوحدات، إما نظرا لقلة خبراتها في مجال معين،  أو أن تنفيذها يتطلب الدخول في تعاقد قد يهم جهات أخرى ، وبالتالي تنسيق الجهود وتوحيدها .

وفي جميع الأحوال، فإن التعاقد الترابي، يعد مكتسبا مهما بالنسبة للجماعات الترابية وجب استغلاله، كذلك فإن هذه الممارسة تنم عن توجه جديد سيتم تطويره في ظل أفق الجهوية المنشودة،ويعتبر كذلك مؤشرا هاما من مؤشرات التدبير الحر الذي جاء به دستور 2011، فعندما تختار الجماعات الترابية لنفسها ، ويترك لها حرية إختيار الطرف الذي تراه هي مناسبا للتعاقد معه ، فهذا يشكل في الحقيقة توجها جديدا ، ومعطى لم يكن الحديث عنه في السابق، فالتعاقد الترابي يشكل في الحقيقة إمتيازا لصالح الجماعات الترابية ، يمنحها إنفتاحا كبيرا على محيطها ، لإستغلال كل المؤهلات التي قد لا تتوفر عليها في مباشرة بعض الأعمال، إلا أنه في المقابل فالجماعات الترابية ، لن يتم إعذارها ، إن قصرت في مجهوداتها التنموية التي تتطلب تعاقدات معينة، فلقد تم منحها الحق الكافي لممارسة نشاطات تعاقدية، مع أي جهة أرادت، فالمهم هو تفعيل التنمية الترابية الجهوية (أولا).

غيرأنه لم يعد يكفي فعل التدخل في بعضالانشطة فقط قصد إنجازها أو تحقيقيها على المستوى الواقعي، بل أصبحت الجماعات الترابية في جميع تدخلاتها، تتوخى تحقيق الجودة ، لا سيما منها الخدماتية، بل أكثر من هذا فقد أضحت هذه الوحدات الترابية مسؤولة عن جودة خدماتها، وإعتبار ذلك من ضمن أولوياتها، وهذا كذلك ما أثر حتى على مفهوم الإدارة الترابية الجهوية، فلم تعد كما كانت في السابق ، إدارات تسدي مهمات معينة لمرتفقيها ، فقط لتفعيل وتحقيق تلك المهمات ،بل أصبحت إدارة تقدم خدمات وفي إطار عال من الجودة ، التي قد تعبر عن مجموعة من الأمور، كالفعالية ، وتسريع المساطر، وتحسين بنيات الإستقبال …إلخ،(ثانيا).

أولا:التعاقد الترابي

أصبح مصطلح التعاقد أكثر شيوعا في مجال السياسات العمومية للإشارة إلى الاتفاقيات التي تعقد بين الدولة وباقي المستويات الترابية الأخرى، أو المقاولات الخاصة، وتعتبر هذه الاتفاقيات التي تنظمها عقود ثمرة للتفاوض والشراكة والتعاون، وبالتالي أيضا يعتبر هذا العقد المنظم للعمل العمومي بمثابة اتفاق للإدارات يتضمن التزامات متبادلة للأطراف.

ويحيل التعاقد الترابي أيضا إلى تلك العقود التي تجمع بين فاعلين عموميين أو خواص، من مستويات مجالية متعددة، بهدف إعداد وتنفيذ وتتبع برنامج يتضمن إجراءات موضوعاتية وتكون له نتائج على التنمية الشاملة لمجال ترابي معين، ويختلف محتوى البرنامج باختلاف الخصائص والإدارات والتحديات على المستوى الترابي،وفي ظل التوجه الحالي لتقوية اختصاصات الجماعات الترابية، يصبح التعاقد أداة للمراقبة بالنسبة للدولة، وأداة لتنسيق الاختصاصات بالنسبة للوحدات الترابية، حيث لم يعد بمقدور الدولة لوحدها بلورة وتنفيذ السياسات العمومية والاختصاصات المنقولة إلى الجماعات، التي تظل معقدة ومتداخلة، مما يتطلب ضرورة تنسيق العمل،وفي هذا السياق يمكن العقد من تعبئة تمويلات إضافية ووضع سياسات أقرب إلى الحقائق الترابية، موازاة مع الاستجابة لمطلب التنسيق الأمثل بين مختلف العمليات الجارية.

إن الجماعات الترابية مدعوة لتنسج علاقات تعاون وتبادل واتصال مع الطاقات الاقتصادية على المستوى الإقليمي أو الوطني أو الدولي، وهذا المقتضى يمكن أن يتحقق عن طريق مجموعة من الطرق التي أتاحها المشرع أمام هذه الجماعات ، نجد من أبرزها تقنية التعاقد، وعندما نتحدث عن مفهوم التعاقد، فليس هو نفس المعنى بالنسبة لمفهوم العقود الإدارية.

  فالتقنية الأولى، نكون بصددها أمام أشخاص معنوية عامة تتعاقد فيما بينها قصد تحقيق مصلحة عامة، وتنظمها قواعد القانون العام، ويتم ذلك بمقتضى اتفاقية شراكة أو تعاون يتم بمقتضاها تحديد حقوق وواجبات الأطراف المتعاقدة، في حين أن التقنية الثانية أي العقود الإدارية، كما هو معلوم ينبغي أن يكون أحد أطرافها المتعاقدة شخصا من الأشخاص المعنوية العامة التي تمثل السلطة العامة، في حين الطرف الآخر يمثل شخصا معنويا خاصا، وقد تكون الأهداف والمصالح في العقود الإدارية غير متساوية ما بين الأطراف المتعاقدة، فغالبا ما تكون الغاية الأساسية للأشخاص المعنوية الخاصة هو تحقيق الربح أكثر مما هي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة.

ونجد أن الغرض من التعاقد في أغلب الأحيان يرمي إلى التخفيف من سلطة الهيئات المركزية على الهيئات اللامركزية من جهة، وتوزيع المهام وكذا مشاركة أطرا مختلفة في نفس المشروع من جهة أخرى،ومن حيث الشكل ينبغي توفر ثلاثة شروط في الكيفيات المسطرية للتعاقد:

 ويتسم نطاق تطبيق العقود عموماباتساعه وإمكانية شموله لجميع قطاعات السياسة العمومية، فقطاعات مثل العمل الجماعي، الصحة، التعليم، التعمير، السكن، الثقافة، الرياضة، التكوين المهني، البيئة، وسائل النقل العمومي، التزود بالماء الشروب، والكهرباء والتطهير كلها قطاعات يمكن أن تشكل موضوع تعاقد ما بين الفاعلين العموميين.

تأخذ الممارسات التعاقدية أو الإتفاقية في المغرب أشكالا متنوعة ينخرط فيها في نفس الوقت الشركاء العموميون والخواص، وتنقسم هذه الأشكال إلى عقود برامج قطاعية، وعقود بين الدولة والجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية، وآليات للتمويل الاتفاقي الخاص بالمنظمات غير الحكومية، وعقود تجمع بين الدولة والجماعات الترابية والمستثمرين الخواص،ومن خلال دراسة متأنية لهذه التجارب، يتضح لنا  أنها لا تستند دائما على إطار مؤسساتي دقيق، ولا تحدد سياسة واضحة ذات أهداف قابلة للقياس، تكون موضع تتبع وتقييم، بالإضافة إلى كونها لا تضمن المشاركة الفعالة لجميع المتدخلين.

إلا أن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ، نلحظ أنها أعطت لهذا الأسلوب قيمة كبيرة، ومن تم الاهتمام به في العديد من المواضيع والقضايا، حيث تكرر ذكره في عدة مواد داخل القانون التنظيمي الواحد الخاص بكل وحدة ترابية ، وهكذا ففي القانون التنظيمي للجهات رقم 111.14 مثلا، نجد أنه تم الحديث عن هذا الأسلوب في المادة 83 فيما يخص برنامج التنمية الجهوية:” …يتم تفعيل برنامج التنمية الجهوية، عند الإقتضاء، في إطار تعاقدي بين الدولة والجهة وباقي المتدخلين”، كذلك ذكر أسلوب التعاقد مابين الدولة والجهة في المادة 93:” يمكن للجهة ، بمبادرة منها، أن تتولى تمويل أو تشارك في تمويل إنجاز مرفق أو تجهيز أو تقديم خدمة عموميةلا تدخل ضمن الاختصاصات الذاتية بشكل تعاقدي مع الدولة إذا تبين أنهذا التمويل يساهم في بلوغ أهدافها المتوخاة… “.

و في إطارالعمل للجهوية المتقدمة يقتضي الأمر توزيع المهام بين الدولة والجماعات الترابية، تنسيقا أكبر في تنفيذ السياسات العمومية، والمزيد من التقارب في عمل مختلف المتدخلين، وكذا توحيد الجهود والوسائل تحقيقا للمزيد من الفعالية في الإنجاز.

لهذا فإن التعاقد الترابي يمثل أداة حديثة لتحديد قواعد “العيش المشترك” بين الشركاء، ومساءلة الفاعلين سواء تعلق الأمر بالمنتخبين أو ممثلي الدولة أو المصالح اللامركزية، وتطوير التدبير العمومي وتبسيط الإجراءات. وهكذا، فإن التعاقد يعتبر آلية منسجمة مع هدف الفعالية والمصداقية المطلوب في التدخلات العمومية.

كما أن تحديث العمل العمومي في إطار الجهوية الفعالة، يشجع على مزاوجة مفهوم التعاقد الترابي مع اللامركزية، مما يسمح بظهور شبكات جديدة وفاعلين عموميين جدد، ويتطلب هذا النهج التعاقدي حسب اللجنة الأستشارية للجهوية، التي نصبها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، توفر ثلاثة شروط: ممثل وحيد للدولة، وسياسة حقيقية وإنشاء هيئة وطنية مستقلة مكلفة بتتبع وتقييم السياسات الترابية.

إن الجهات هي الفضاء الرئيسي لبورة السياسات العمومية في بعدها الجهوي، وهكذا، فالعلاقة التعاقدية بين الدولة والجهة يجب أن تندرج في إطار منظومة تمكن الجهة من لعب دور محاور لا غنى عنه في تأطير الأنشطة البنيوية، التي يتعين على الأقاليم والجماعات القيام بها، سيصبح إذن من مهام الجهة إبرام تعاقدات مع الدولة، من جهة، ومع المستويات الأخرى من الجماعات الترابية، من جهة ثانية، وستكون الجهة بذلك مركزا لتنسيق وصياغة واستكمال المقترحات المشتركة ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قبل رفعها إلى الدولة.

وعلى نفس المنوال، يمكن للجهات تنفيذ سياسات تعاقدية مع المؤسسات العمومية، لا سيما التي تسهر معها على تنفيذ برامج وطنية تغطي التراب الوطني – مثل برنامج الكهربة القروية الشاملة، وبرنامج تعميم و تزويد الساكنة القروية بالماء الشروب، والبرنامج الوطني لبناء الطرق  مدن بدون صفيح، وبرنامج تعميم الاستفادة من الاتصالات القروية،… إلخ،وتحقيقا لهذه الغاية سيتعين على الجهات القيام بالتشاور مع المستويات الجهوية الأخرى، بإعداد استراتيجيات تنموية خاصة بمنطقة نفوذها تعطي معنى حقيقيا لسياسات التعاقد.

إن فعالية هذه المقاربة التعاقدية تستدعي تحقيق شرطين: تعيين ممثل وحيد للدولة على الصعيد الجهوي وتبني سياسة لاتمركز موسعة، من أجل ضمان تجانس ووحدة العمل العمومي، ويجب بناءا على ذلك أن يحتفظ ممثل الدولة بدور التنشيط والدعم والمتابعة والمواكبة.

وينبغي لهذه المقاربة التعاقدية دائما حسب تقرير اللجنة الاستشارية الجهوية:

وفي إطار هذه المقاربة التعاقدية وكما تقدم، فإن عملية المتابعة والتقييم يجب أن تسند إلى هيئة وطنية مستقلة عن السلطة السياسية من أجل تمكينها من ممارسة مهامها بكل موضوعية وحياد،ويتعين على هذه الهيئة رفع تقرير سنوي للتقييم إلى الهيئات الوطنية المعنية، وإلى جانب ذلك توصي اللجنة بإخضاع حسابات الجهات المصادقة إلى متفحصين خارجيين مستقليين.

وتفرض هذه العملية مجموعة من الشروط:

إن أسلوب التعاقد الترابي هو أحد الحلول لتحقيق الأهداف المسطرة في برامج الجماعات الترابية أو الإدارات العمومية التي تهم المجال الحضري على وجه الخصوص، فهو من جهة يعمل على إقرار نوع من التوازن بين الدولة والجماعات، ومن جهة أخرى يشكل وسيلة فعالة للتنسيق بين مختلف المتدخلين على المستوى الجهوي،وهكذا، فأمام العدد الكبيرمثلا للمؤسسات المعنية بتدبير المدينة، وما يترتب عنها من مشاكل التنسيق أصبح من الضروري البحث عن الوسائل الفعالة المعقلنة لتدخلات مختلف المؤسسات العمومية، يمكن أن يشكل هنا الوسيلة التي بإمكانها الانتقال إلى أسلوب التسيير الجيد والمعقلن للمجال الحضري.

 إن تنمية العلاقات التعاقدية من شانها أن تدفع بالجماعة الترابية إلى تعديل تصورها حول تدبير المجال الحضري، وتحفزها على التدبير الاستراتيجي، لأن السياسات الحضرية الجديدة ترى في الإتفاقية الأسلوب الأمثل لتحقيق التمفصل بين تدخلات مختلف الفاعلين سواء تعلق الأمر بالدولة أو الجماعات الترابية أو باقي المتدخلين، وقد أصبح نظام التعاقد بفرنسا بديلا عن القرار الانفرادي بفعل تعميم المسطرة التعاقدية. 

أما بالنسبة للمغرب فإن خصائص النظام التعاقدي لم تكتمل بعد، وذلك بفعل تبعية الجماعات الترابية للدولة والحضور القوي للدولة على المستوى الجهوي من خلال تدبيرها للمشاريع التنموية بصفة مباشرة،فإذا كان نظام التعاقد الذي يتعلق أسسا بالصفقات العمومية وعقود الامتياز والتدبير المفوض…، يهدف إلى تسيير المرافق الترابية الجهوية، إلا أن الهدف من الشراكة والتعاقد هو ضمان استقلالية التدبير الجهوي في جميع التدخلات.

لقد أثبت مفهوم التعاقد جدواه وفائدته، لذلك لقي إقبالا على كافة المستويات، الدولية، الوطنية، الجهوية والمحلية، بل أصبح هو الأسلوب المفضل لدعم نسيج البنيات التحتية الأساسية وتوفير الخدمات العمومية الضرورية بالنسبة للدولة والجماعات الترابية.

وقد أكد المشرع المغربي في التجربة السابقة على تنزيل القوانين التنظيمية للجماعات الترابية من خلال تعديل قانون رقم78.00 بالقانون رقم 17.08 ، على خلق شراكات ناجعة من شأنها أن تنعش التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجماعة وذلك من خلال ثلاث مستويات:

  يلاحظ من خلال هذه المواد أنه تم تكريس البعد التضامني بين الجماعات الترابية على المستوى القانوني، بشكل يركز أساسا على تفعيل المواطنة الحقة الرامية إلى توزيع عادل للثروات على الجميع، غير أن تفاوت الإمكانيات الاقتصادية والاجتماعية بين الجماعات بشكل قوي، قد يضعف بعضها أو يشكل عائق أمام إضعاف علاقاتها مع بعضها البعض، كأن تصبح جماعات المحيط تؤثر سلبا على جماعات المركز، فإلى أي حد يمكن تحقيق تعاقدات داخلية من شأنها تجاوز ذلك؟

إن أسلوب التعاقد جاء نتيجة تعقد المشاكل عل مستوى الدولة والجماعات الترابية، وكذا على مستوى باقي المتدخلين، ولضرورة إعطاء معالجة المشاكل الترابية بعدا شموليا، كما أنخلق تعاقدات بين الجماعات الترابية ومؤسسات الدولة يساعد على تمويل المشاريع التنموية على المستوى الجهوي، حيث مهما كان التدبير محكما للجماعة، فإنه في غياب شركاء أقوياء خصوصا على المستوى المالي لا يمكنها بلورة تنمية جهوية مستدامة.

ثانيا :هاجس الجودة

   أصبح مفهوم الجودة يحظى باهتمام متزايد من لدن الباحثين والفاعلين، وبدأ يأخذ مكانه الطبيعي في قلب النقاش، وطرح التساؤلبشأن جودة الخدمات العمومية المحلية، ذلك أن التقدم الذي تم إحرازه في مجال اللامركزية تمت ترجمته بنقل بعض اختصاصات الدولة إلى المجالس الترابية،وقد  تم تدعيم نقل الاختصاصات بتحديث الهياكل،من خلال تشجيع استعمال التكنولوجيا الحديثة في الإعلاميات والاتصال داخل الجماعة،والتخفيف من الإجراءات وتقليص المواد الخاضعة للرقابة القبلية، وتبسيط القوانين التنظيمية، وكذا من خلال تكوين المنتخبين والأطر في مجال تقنيات التسيير حسب الأهداف التعاقدية والشراكة.

وبناء عليه،أصبحت تتحقق الفاعلية في التدبيرالترابيالجماعي،وبشكل تدريجي، أصبح هذا الأخير يقوم على ثقافة النتائج،التي تفرض فعالية متزايدة في الخدمات المقدمة للمواطنين، وعلى الأخلاق في المعاملات[1].

يحمل مفهوم  الجودة العديد من المعاني والدلالات،تختلف باختلاف الحقول المعرفية والجهات التي تستخدمه، أما الجودة كمفهوم فهو حديث نسبيا، وظهر في القطاع الخاص بفضل الأبحاث والدراسات التي قدمها مجموعة من الباحثين الأمريكيين،في مقدمتهم جوران  JORANوغروزبي GROSBY ودومينك DEMING،والتي لم تجد لها تجاوبا وإقبالا من لدن الشركات الأمريكية،لذلك عرفت هذه الأبحاث تطبيقاتها في اليابان،وحققت نجاحا كبيرا للشركات اليابانية،وانتشارا واسعا بعد ذلك في أوروبا وأمريكا،ويقصد بالجودة حسب تعريف المنظمة العالمية للمعايرة،أنها  : “مجموع خصوصيات منتوج أو خدمة التي من شأنها أن تؤهله لتلبية الحاجيات الضرورية أو الضمنية”[2]، فالجودة والإجادة إذن،منهج حضاري مخطط لإحداث تنمية ثقافية اقتصادية،اجتماعية،وهذا لا يتم إلا في وجود سياسة وأهداف وخطط للجودة تضعها الإدارة.

  ومن جانب آخر، فإن مفهوم إدارة الجودةهو أسلوب إداري ارتبط بالإدارة الحديثة في القطاع الخاص، وأصبح يجد تطبيقاته في كل القطاعات،وهو مرتبط بثقافة الجودة التي تخص المدراء التنفيذيين والأشخاص القياديين والمختصين في الجودة،ذلك أن مفهوم إدارة الجودة تطور وأصبحت له أبعاد متعددة،بحيث أصبحت الجودة إستراتيجية تنافسية وأساسا لفلسفة إدارية حديثة وشاملة،تقوم على أساس إحداث تغييرات إيجابية جذرية لكل شيء داخل المنظمة،الفكر،الأسلوب،القيم،المعتقداتالتنظيمية،المفاهيمالإدارية،نمط القيادة ،الأداء…إلخ، لأجل تحسين وتطوير كل مكونات المنظمة للوصول إلى أعلى جودة في مخرجاتها[3].

  وإذا كانت النظرية التقليدية للجودة تقوم على الإجراءات التقنية، فإن النظرية الحديثة تشمل كل أبعاد الجودة الإستراتيجية والتنظيمية والتجارية والمالية والبشرية، الشيئ الذي إنبثق عنه مفهوم جديدهو إدارة الجودة الشاملة الذي يخص جميع وظائف المنظمة وليس فقط المنتوج،فالجودةالشاملةعبارة عن أسلوب بسيط لكنه ذو أثر واقعي فيما يتعلق بأداء العمل[4]، وقد أكد العديد من الباحثين والمختصين بمرور إدارة الجودة الشاملة بخمس مراحل:

     فإدارة الجودة الشاملة هي طريقة لإدارة المستقبل،وهي مفهوم أوسع في تطبيقاته،منحيث كونه يضمن جودة الخدمة أو السلعة، كما تعتبر طريقة لإدارة الأفراد  والعمليات لضمان تحقيق الرضا التام،ويمكن القول بان مفهوم هذهالإدارة عرف تطورا من حيث التحديد المفاهيمي، فمن نظرة تقليدية كانت ترتكز على جودة المنتوج،ثم أصبحت ترتكز على إرضاء الزبون،مع إعطاء الأهمية للسعر والوقت، إلى نظرة حديثة تستند على هذاالمفهوم ، والتي لا تهدف إلى إرضاء الزبون فقط بل إلى إغرائه.

وبناء عليه، لم تعد إدارة الجودة أمرا يخص فقط منشآت القطاع الخاص،إذ انتقلت إلى الفضاء العمومي رغبة في تحقيق النجاعة الإدارية،بحيث أن إدخال مبادئ وآليات السوق على إدارة الخدمة

العامة سوف تحسن من كفاءة الخدمة وجودتها[5].

إن الجودة لم تعد مطلبا يجب تحقيقه، بل أصبحت شرطا أساسيا يجب استحضاره في تدبير الفعل العمومي الترابي الجهوي، لذلك فإن الخدمات التي تقدمها الجماعة للمواطنين،لا بد وأن تدخل في إعتبارها مفهوم الجودة وما يحيل عليه من فعالية وشفافية ومصداقية،لأن الإشكال الذي تعانيه الجماعات الترابية،هو تدني مستوى الخدمات وتفشي مجموعة من الأمراض البيروقراطية،التي تجعل المواطن غير راض عن منتجات المرافق العمومية الجهوية بصفة عامة.

وهذا كذلك ماقررته القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، ففي القانون التنظيمي للجهات رقم111.14، وعند الحديث عن قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر، وبخصوص جودة الخدمات، فالمادة 243تقر بهذا التوجه:” …الإستمرارية في أداء الخدمات من قبل الجهة وضمان جودتها…”.

     هذا وقد استفادت معظم الجماعات الترابية خصوصا البلديات من وسائل التكنولوجيا الحديثة، ووظفتها من أجل الرفع من فعالية الأداء،وبالتالي الرفع من قدرتها التنافسية،وقد كان هناك إجماع من طرف المتدخلين في أشغال الملتقى الوطني للجماعات المحلية باكادير لسنة 2006،على الكمية الحيوية لتوفر بلادنا على إستراتيجية شاملة ومتكاملة في هذا المجال،لتدارك التفاوت الكبير بين متطلبات المدن وبالخصوص الكبرى منها والتجهيزات المتوفرة حاليا،كما تم التركيز على ضرورة اعتماد مقاربة استشرافية مبنية على التخطيط البعيد المدى والبرمجة الدقيقة من أجل مسايرة الحاجيات،وتوفير خدمة عمومية عصرية في مستوى المقاييس العالمية لربح معركة التنافسية.

 إن تحديث وعصرنة التدبير الجماعيلاسيما في المرافق الإدارية يعتبر من أولويات الجماعة، لكونها وسيلة اتصال هذه الأخيرة بالجمهور، لتقوية بنية الاستقبال، وبالتالي فكلما قدمت خدمات بمستوى عال من الجودة، كلما كسبت ثقة واحترام المواطنين،وفي هذا الإطار تشكل الإدارة الالكترونية وسيلة راقية لتقديم الخدمات الإدارية، والتي تدخل في إطار النقلة النوعية التي بات يعرفها التدبير المحلي، وتعد مقاطعة”فاسأكدال”، أول مصلحة عمومية أدخلت الإدارة الالكترونية في مرفق الحالة المدنية، كما أن هناك تجربة أخرى أنشأتها جماعة الدار البيضاء، وسمتها”دار الخدمات”، وهي عبارة  عن شباك وحيد يقدم الخدمات الأساسية المتعلقة بالتعمير والبناء[6].

وإذا كان الهدف من وراء مكننة المصالح الإدارية الجماعية ، تحسين مستوى الخدمات، وبالتالي إعطاء صورة راقية للتدبير، تبعث على جو الإرتياح والثقة ما بين الإدارة الجماعية والمواطنين، فإن الأمرنفسه في تقديم الخدمات التي تهم المصالح التقنية تعد وسيلة لتقديم منتوجات ترضي المواطن/الزبون من جهة، وغاية تضمن بها الجماعة المقاولة توسعا لمجالها المالي، لمواجهة الحاجيات المتزايدة للاستثمار من جهة أخرى، دون المبالغة في فرض رسوم جديدة على المواطنين، وقد يكتسي النشاط الخدماتي في جزء منه طابعا تجاريا ،إذ لا تخلو في غالبية الأحيان جماعة ترابية من مجزرة بلدية، وسوقا للجملة ، وبذلكفإن الحرص على إنتاج خدمات إدارية أو تقنية ينسجم مع فلسفة التدبير المقاولاتي لأجل تنشيط الاقتصاد المحلي.

 وباعتبار الجماعة الترابية مسؤولة عن تحقيق الجودة في الخدمة العمومية بواسطة مصالحها وبوسائلها الخاصة، فإنها تسعى إلى تحقيقها وضمانها بوسائل أخرى، كآلية الصفقة العمومية المحلية،لكونها أداة لتنفيذ السياسة الاقتصادية والاجتماعية للمجالس المحلية[7]،إذ يتوقف نجاح الصفقات العمومية المحلية على كفاءة وحنكة الإدارة التي تشرف على تسييرها[8].

    وتحقيق مطلب الجودة في منتوج الصفقات العمومية المحلية، سواء تعلق الأمر بالأشغال او الخدمات أو التوريدات، هدفه خلق ميزة التنافسية في المنتوج،خصوصا مع الطفرة المعلوماتية والتحولات المتسارعة، الأمر الذي يفرض التجديد والإبداع، وتكتسي الجودة في تدبير الصفقات العمومية المحليةأهميتها من حجم الأموال التي تصرف في الصفقات،وأيضا باعتبارها وسيلة للاستثمار المحلي،وعلى هذا الأساس تعتبر الصفقات الجماعيةآليةإستراتيجية لتحقيق الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي.

  بناء عليه،يتجلى حرص إدارة الجماعة في ضمان الجودة للصفقة العمومية،إنطلاقا من إختيار طريقة التعاقد،إلى فحص الوثائق،إلى فتح الأظرفة والمداولات المنتهية بالمصادقة،وذلك عن طريق إشراك عدد من المقاولين في التنافس،وكذلك إعطاء الصفقة للأكفاء والأكثر جدارة[9].

  كما نجد للإدارة سلطات أثناء مرحلة التنفيذ قصد تحقيق الأهداف التي من أجلها تعاقدت ،والتي أصبحت إحدى الأولويات الأساسية التي تروم تحقيقها،وذلك من خلال مراقبة التزامات المقاول، فحرص الإدارة الجماعية على ضمان الجودة، يكمن في أن المشرع المغربي خول لها سلطات في المراقبة والتوجيه، وفي مقابل ذلك تبقى طرق ومساطر الإبرام للصفقات العمومية الوسيلة التي تشكل الضمانة الأساسية للوصول بهذه الأخيرة إلى الهدف المبتغى من جودة وفعالية ومردودية.

 في هذا الإطار، يعتبر طلب العروض، الطريقة الأولى لإبرام الصفقات العمومية، وقد مكنت هذه الطريقة من الانتقال من معيار واحد في إختيار نائل الصفقة، هو معيار الثمن، إلى معايير متعددة، اقتصادية ،اجتماعية،وحقوقية، مع إستحضار مبادئ الشفافية والعلنية.[10]

 إن المشرع المغربي حرص على إنتاج نظام قانوني[11]يستجيب لرهانات اقتصاد السوق، ويقوي من تنافسية الاقتصاد الوطني، لهذه الاعتبارات تعد الجودة شرطا أساسيا في إبرام الصفقات العمومية التي تراعي الملاءمة في الثمن،نتيجة للتقدم التكنولوجي، الذي جعل من الجودة إحدى الأسس الجوهرية التي يتم على أساسها تقييم الخدمات والأشغال وصناعة المعدات.

كذلك فإن الجودة في الجماعات الترابية ، تعد من الأبعاد الإستراتيجية للحكامة الترابية، في أفق تأهيل الجماعات الترابية ل2015،حيث اعتبر تطوير جودة الخدمات الترابية الجهوية  يتحقق من خلال ثلاث عناصر:

  1. وضع التصور: ويعتبر مرحلة هامة حيث يتم تحديد المفاهيم والرؤية، بالتشاور مع المستعملين المستقبلين،مع استحضار أسس القابلية في التنفيذ وإكراهات الجدوى.
  2. التجريب وتطوير الأدوات وتحديد المقاربة: حيث يتم العرض على عينة تمثيلية من الجماعات وتعرف هذه المرحلة مشاركة الجماعات المتطوعة.
  3. التعميم: اعتمادا على مرحلة التجريب،يتم استكمال مجموع الأدوات والمناهج وخطط التمويل بغية تعميمها على المستوى الوطني[12].

 لقد كانت الغاية من جعل الجودة بعد من الأبعاد الإستراتيجية للحكامة الترابية المحلية في أفق 2015،هو أن الجماعة الترابية أضحت تتواجد في فضاء تنافسي،خاصة على المستوى الأفقي أي على مستوى جماعات من نفس الدرجة،متمتعة بنفس النظام القانوني حيث أن كل جماعة تسوق ترابها بإمكاناته ومؤهلاته،وكذا جودة تدبيره بشكل شمولي، وأن المساهمة التي يمكن أن تقدمها الجماعات المحلية للتنمية الاقتصادية لا يمكن أن تأخذ مكانها إلا عبر المنافسة[13]، .مما يتطلب منها التحديث على

مستوى التنظيم ومناهج وآليات التدبير.

     فالجودة في التدبير الذي يضمن مردودية أفضل للمرافق العمومية الترابية يقوي من فرص جلب الاستثمارات الخارجية، وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية، وهو ما نلمسه من قانون 62.99 المتعلق بالمحاكم المالية، فمن خلال مواده75و147 يؤكد على مراقبة تسير المرافق العامة للجماعات الترابية،وذلك بالتأكد من جودة  التسيير، ومراقبة النتائج الاقتصادية والمالية للمجالس الجماعية الترابية.

المحور الثاني: تغير الوظيفة التدخلية التدبيرية

إن إرهاصات التدبير المقاولاتي جاءت متضمنة للميثاق الجماعي لعام 1976، لاعتباره الجماعة إطارا وخلية للتنمية المحلية، لكن تفعيل ذلك لم يتم بالشكل المطلوب، إذ جاء النص القانوني متطورا ومتقدما إن صح التعبير على الوعي بالتدبير الجهوي من جهة، وتواضع الوسائل المالية والبشرية من جهة أخرى. ومع ذلك فقد راكمت الجماعات المحلية تجربة لا بأس بها أهلتها للدخول في مرحلة جديدة لمواكبة التحولات النوعية التي فرضتها العولمة من تنافسية وتحديات.

ولأجل ذلك، تمت صياغة الميثاق الجماعي السابق ولاسيما قانون رقم17.08 في حلة جديدة تختزل مؤشرات رفع رهان هذا التحدي، وتسجل بذلك منعطفا حاسما لمسار اللامركزية القاعدية، وتدشن مرحلة جديدة تترجم عبر منظومتها القانونية وما تتسم به من تأصيل وتدقيق وتعكس الرؤيا الاستراتيجية للمشرع المغربي،  باعتباره الجماعة الترابية مقاولة تنتج خدمات بكفاءة وجودة، معتمدة في ذلك على أساليب مستمدة من القطاع الخاص، وتكييفها وملاءمتها لضوابط المرفق العام ، الذي يبقى من أهم غاية وجوده هو تحقيق الصالح العام، وليس تحقيق الربحية ، وكذا العمل بمقتضيات التدبير المقاولاتي ، سواء فيما يتعلق بتسخير جميع الوسائل المادية والبشرية في الوصول للأبعاد التنموية، فمن المعلوم أن حسن إستعمال هذه الوسائل وعقلنتها في التدخلات التدبيرية ، وكذلك تحديد رؤية واضحة في العمل ، وتسطير برامج أهداف، فكل هذا يشكل في نهاية المطاف، فلسفة مرجعية تتأسس عليها المقاولة في تدبيرها، وعليه يبقى من اللازم،  أن تكون كذلك الإدارة الجماعية الترابية المسيرة على دراية تامة ، ومعرفة بهذه الخصائص، وأن تكون لديها روحا وحسا مقاولاتيا ،(أولا).

 كذلك فإن الجماعات الترابية وهي تقتحم القطاع الخاص ، فإن هذه الأخيرة لم تكتفي فقط بنقل المناهج التدبيرية التي يتم يعتمدها في إطارعالم المقاولة ، بل عملت على الدخول مع هذا القطاع في شراكات قصد تحقيق التنمية ، مستفيدة بذلك مما يقدم هذا القطاع من تجارب وإمكانيات، غير أن هذه الشراكات، نوعت الجماعات الترابية من الأطراف التي تدخل معها في هذا النوع من التدبير التنموي الجهوي ، بحيث أنها يمكن أن تدخل في شراكات حتى مع أشخاص معنوية عامة، وهكذا يمكن كذلك أن تعقد الجماعات الترابية فيما بينها شراكات ، أو ما بين الجماعات الترابية والدولة، وقداخترنا للحديث عن هذه الشراكات نوعا بارزا، ونموذجا يمكن المراهنة عليه في أفق التدبير الجهوي،ألا وهي شركات التنمية الجهوية(ثانيا).

أولا :العمل بتدبير المقاولة

قبل الخوض في ثنايا هذه المقاربة الجديدة للتدبير الجهوي، يتعين الوقوف عند بعض الجوانب المفاهيمية لهاته المقاربة، ولعل أبرزها مفهومي التدبير، ومفهوم الجماعة المقاولة، فمفهوم التدبير يتجاوز اعتباره تقنية حديثة في إدارة المقاولات بصفة عامة إلى اعتباره فلسفة جديدة استوحت من التطورات الفنية والاقتصادية، وضرورة التكيف معها، فهي كيفية جديدة يستغل بها العقل، وتمرين جديد للبنيات، فالتدبير هو عملية معقدة تكمن في تحويل الموارد البشرية والتقنية ورؤوس الموال إلى مقاولة فعالة.

 فالتدبير إذن، يعتبر مرحلة متقدمة في مجال التسيير، على اعتبار أن مدلوله لا يتوقف عند مجرد الاهتمام بمجال التسيير، بل يشمل التنظيم والتسيير داخل المنظمة في أفق تدعيم مقومات المردودية، فالتدبير يفيد معنى التنظيم،وإدارة الشأن المقاولة، بينما التدبير المقاولاتي يعني تقنيات التنظيم والتدبير والتسيير والاستثمار في مشاريع مقاولاتية.

ومن أجل تحديد مفهوم الجماعة المقاولة، فليس المقصود أن تصبح الجماعة كالمقاولة بمفهومها الضيق، كون أن الجماعة تتوفر على أهداف اجتماعية واقتصادية وثقافية محددة، وترمي إلى تحقيق الصالح العام، في حين أن المقاولة لها هدف وحيد هو تحقيق الربح المادي، وبالتالي فإن مفهوم الجماعة المقاولة يتجاوز المفهوم الشكلي للجماعة كجهاز، ليقوم بالتركيز على طبيعة النشاط الذي تقوم به هذه الأخيرة بمنظور مقاولاتي، أي ينظر إلى الكيفية التي يتم بها إنجاز المهام الموكولة للجماعات.

 فالجماعة المقاولة هي تلك الجماعة التي تتمكن من وضع وتحديد الرؤيا لتحقيق أهدافها التنموية في إطار مخطط استراتيجي، بتوظيفها لمجموع الوسائل والآليات التدبيرية الحديثة التي تكفل النجاح للمقاولة في القطاع الخاص، سواء من حيث نظاما الإداري والتنظيمي، أو من حيث  مواردها المالية ورأسمالها البشري.

يعتبر التدبير المحلي مجالا خصبا يمنح فرصا لتطوير طرق التدبير التقليدية للشأن العمومي المحلي، فتطبيق “المقاربة التدبيرية” Approche management  على هذا المستوى أصبح ضروريا لتمكين الجماعة الترابية من الآليات الكفيلة بتحقيق دورها التنموي، وتحقيق هذا المطلب يعتمد على الذات، الذي يرتكز على المقاولة، والتي بدونها لا يمكن الحديث عن تراكم اقتصادي أو تكوين رأسمالي، وليست المقاولة الكبرى التي تتجلى في الدولة، ولكن المقاولة بمفهومها الحديث التي تتجلى في مقاولة الجماعات الترابية في إطار الجهوية[14].

 حيث أن النظريات الاقتصادية الحديثة تأخذ بعين الاعتبار الإطار الاقتصادي الجهوي، كعنصر أساسي للتحليل الاقتصادي ولتطبيق المخططات الاقتصادية، ولأجل ذلك فقد أصبحت الجماعات المنشط الرئيسي للدورة الاقتصادية على الصعيد المحلي، والميادين والمجالات التي أضحى علم الاقتصاد يهتم بها من كل الجوانب المرتبطة بالمجال الاقتصادي.

فقد نتج عن انكماش الدولة واتساع فضاء تدخل المبادرة المحلية والخاصة، تأسيس شراكات وإقامة علاقات، وتدخل فعاليات كثيرة، فأصبحنا نتحدث عن شركات  لاقتصاد المختلط، وشركة التنمية وشراكات مع مؤسسات مالية دولية، في إطار التنمية المحلية والحكامة على شكل تدبير مقاولتي،وهذا يفرض علينا مناقشة الجماعات الترابية كفضاء عام يتسم بتعقيد  المرفق العام وثقل مبادئه مقارنةبالمقاولة كفضاء خاص يتسم بالسرعة والمرونة وعلى تطبيق قواعد القانون الخاص.

في البداية يمكن ملامسة غموض خصوصيات الجماعات الترابية مقارنة بالمقاولة، سواء على بنية الجماعة نفسها أو على مستوى علاقة الجماعة بمحيطها، بشكل يصعب معه تبني لفكرة الجماعة المقاولة دون إصلاحات هيكيلة قانونية جذرية.

وهنا يمكن تسطير بعض الملاحظات:[15]

    فالأعمال المباشرة من طرف الجماعات الترابية تخضع لقرارات سياسية، والصراع السياسي يؤدي إلى ترسيخ مسار التقرير، فأجل الاستحقاقات الانتخابية تقطع الإيقاع العادي للاستراتيجيات وتوجه بالضرورة القرارات السياسية نحو الأعمال ذات القيمة الانتخابية المضافة القوية، فالخضوع للسياسة يطرح للجماعة تكاليف أعلى مما هو عليه الأمر في المقاولة الخاصة،ورغم هذه الملاحظات التي أظهرت عن اختلاف بنيوي بين المقاولة والجماعة، فإنها لا تحول دون الدفاع عن أطروحة الجماعة المقاولة، خصوصا عن الأشخاص المتبنين للمفاهيم المتطورة لا سيما “الإدخالات” الوسائل وتحويلها إلى “إخراجات” أو إنجازات وعلاقتها بالمحيط.

ولنا في ذلك التجربة الأمريكية، والتجربة الكندية، فالولايات المتحدة الأمريكية قد أعارت اهتماما كبيرا للتنظيم العمالي الإداري، وكرست نجاح أفكار فايولH.FAYOL[16]،  فالمذهب الأنكلوساكسوني للتدبير استمد بلا اكتراث أفكاره من المقاولات الخاصة دون أي حدود فاصلة بين الفضائين الخاص والعام،والتجربة الكندية التي تزكّي بإغراء إمكانية الدفاع عن أطروحة الجماعات الترابية المقاولة، ذلك أن قاعدة « La règle des trois E » الاقتصادية ، الفعالية ،النجاعة، التي تحرك الممارسات المالية للجماعات المحلية الكندية تحيل على أربعة أطوار متسلسلة حسب الأهمية:

إن الرهانات القادمة تستدعي دخول الجماعات الترابية منطق المقاولة أي الدخول في سباق التنافسية البينية على جذب الاستثمارات، وتحفيز وتعبئة مكونات التراب (القطاع الخاص، المجتمع المدني…) ، وتوفير البنيات التحتية، بعبارة أخرى التسويق سيجد مجالا جديدا للتطبيق داخل  الجماعات الترابية،وعموما فإن منطق التسويق الترابي، يفرض إعتماد مقاربات تمكن من تشخيص الحاجيات المواطن ، المرتفق ، الزبون قبل كل قرار وفعل عمومي ترابي جهوي.

ثانيا : شركات التنمية الجهوية

تعتبر شركات التنمية المحلية بالمغرب رافعة قوية لتطوير الشراكة المؤسساتية بين القطاعين العام والخاص، باعتبارها الشكل الوحيد الذي يمكن الجماعات المحلية من إنشاء شركة مجهولة الاسم مع الاحتفاظ بأغلبية الأسهم ،  بالاشتراك مع  شخص أو عدة أشخاص معنوية خاضعة للقانون العام أو الخاص،والتي حصر المشرع غرضها في حدود الأنشطة ذات الطبيعة الصناعية والتجارية التي تدخل في اختصاصات الجماعات المحلية ومجموعاتها ،باستثناء تدبير الملك الخاص الجماعي.

ولقد نصت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية على هذا النوع من الشركات، وهكذا نجد القانون التنظيمي للجهات رقم 111.14 مثلا، ينص في المادة 145 على مايلي: “يمكن للجهة ومجموعاتها ومجموعات الجماعات الترابية… إحداث شركات مساهمة تسمى ” شركات التنمية الجهوية” أوالمساهمة في رأسمالها بإشتراك مع شخص أو عدة أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام أوالخاص. وتحدث هذه الشركات لممارسة الأنشطة ذات الطبيعة الإقتصادية التي تدخل في إختصاصات الجهة أو تدبير مرفق عمومي تابع للجهة…” .

    وبما أن شركة التنمية الجهوية شركة مساهمة،فإنها تخضع من حيث المبدأ لقواعد القانون التجاري، وما يترتب عن ذلك من مسك الدفاتر التجارية، والخضوع للضريبة على الأرباح،واختصاص القانون التجاري فيما يخص المنازعات الناشئة عن مزاولة نشاطها،لكن دون الخروج عن المبادئ الأساسية والعامة التي تحكم المرافق العمومية.

وما دام الهدف الرئيسي لتدخل الجماعة يكمن في تحقيق المصلحة العامة، فإن نفس الهدف يمكن أن نتوخاه من نظام شركة التنمية الجهوية، لذلك فإن قواعد القانون العام تبقى الأحكام العامة لهذا النظام مع خضوعه لقواعد القانون الخاص، كلما استدعت ذلك طبيعة النشاط الاقتصادي للشركة،أما بخصوص القواعد المطبقة،فتخضعهذهالشركة لمقتضيات القانون رقم17.95 المتعلق بشركات المساهمة،ففي مادته الأولى يعرفها بأنها: “شركة تجارية بحسب شكلها وكيفما كان غرضها يقسم رأسمالها، إلى أسهم قابلة للتداول مماثلة لحصص نقدية أو عينية دون أية حصة صناعية، ويجب أن تتضمن العدد الكافي من المساهمين الذي يمكنها من تحقيق غرضها وتسييرها ورقابتها على أن لا يقل عدد المساهمين عن خمسة لا يتحملون أية خسارة إلا في حدود حصصهم”.

كذلك فإن شركة التنمية الجهوية يديرها مجلس إدارة يتكون من ثلاثة أعضاء على الأقل ومن اثني عشر عضوا على الأكثر،ويرفع هذا العدد إلى خمسة عشر عضوا إذا كانت الشركة مسعرة في بورصة القيم،أو يتم التنصيص في قانونها الأساسي على تبني مجلس الإدارة الجماعية ذات مجلس الرقابة،كما حددتها المادة 77 من قانون 17.95[17].

وفي هذه الحالة يتكون مجلس الإدارة الجماعية من عدد من الأعضاء محدد في النظام الأساسي، على أن لا يتجاوز خمسة أعضاء،غير أنه يجوز أن يرفع النظام الأساسي هذا العدد إلى سبعة حينما تكون أسهم الشركة مقيدة في بورصة القيم[18]، بالإضافة إلى جمعية المساهمين، المنظمة بالمادة  107 وما بعدها، التي يخولها القانون تعيين مراقب حسابات الشركة طبقا للمادة 159 من القانون السالف الذكر،هذا إلى جانب وجود رئيس توكل إليه الإدارة العامة،يساعد الكاتب العام في مهامه،فضلا عن المتصرفين الذين يحددهم النظام الأساسي للشركة.

ويحدد النظام الأساسي أيضا شكل الشركة ومدتها،التي لا يمكن أن تتجاوز 99 سنة، وتسميتها ومقرها الاجتماعي، وغرضها ومبلغ رأس مالها، وتبتدئ هذه الشركة من تاريخ تقييدها في السجل التجاري، ويبين القانون 17.08 أنه لا يجوز إحداث أو حل شركة التنمية المحلية أو المساهمة في رأس مالها أو تغيير غرضها أو الزيادة في رأس مالها أو خفضه أو تفويته،إلا بناء على مداولة المجالس الجماعية المعنية والتي تخضع لمصادقة سلطة الوصاية تحت طائلة البطلان.

وهذا كله كذلك أقره القانون التنظيمي للجهات رقم 111.14 في المادة 146: ” ينحصر غرض الشركة في حدود الأنشطة ذات الطبيعة الصناعية والتجارية ، التي تدخل في إحتصاصات الجهة ومجموعاتها ومجموعات الجماعات الترابية بإستثناء تدبير الملك الخاص للجهة. لا يجوز ، تحت طائلة البطلان، إحداث أو حل شركة التنمية الجهوية أو المساهمة في رأسمالها أو تغييرغرضها أو الزيادة في رأسمالها أو تخفيضه أو تفويته إلا بناء على مقرر المجلس المعني تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية…”.

كما تعتبر شركة التنمية الجهوية، شركة تجارية يقسم رأسمالها إلى أسهم قابلة للتداول، ويجب أن تتضمن العدد الكافي من المساهمين الذي يمكنها من تحقيق غرضها وتسييرها ورقابتها، وفي هذا الإطار نجد أن التجربة الأوروبية قد أوجدت طرقا مرنة لتقسيم رأسمال تلك الشركات،ففي دول مثل ألمانيا،النمسا،بلجيكا،إسبانيا،المملكة المتحدة، والسويد، لا نجد سقفا للمساهمة الجماعية،وفي إيطاليا فإن النسبة الدنيا لهذه المساهمة تصل إلى 20% ويترك تحديده للجماعة،أما فرنسا فتمثل مساهمة الجماعات الترابية الأغلبية أي بنسبة أكثر من 50% إلى غاية 85% من رأسمال الشركة.

ولعل هذا المنحى الذي استهدفه المشرع المغربي حيث أقرت المادة 140 من الميثاق الجماعي السابق على أن تكون أغلبية رأسمال الشركة في ملك أشخاص معنوية خاضعة للقانون العام، على أن لا تقل مساهمة الجماعة الترابية عن نسبة 34% ،وفي جميع الأحوال،يجب أن تكون أغلبية رأسمال الشركة في ملك أشخاص معنوية خاضعة للقانون العام.

وهو نفس التوجه الذي سارت عليهالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية، فالمادة 146 من القانون التنظيمي الجهات رقم 111.14 ، فيما يخص نسبة المساهمة :” لايمكن أن تقل مساهمة الجهة أو مجموعاتها أو مجموعات المجموعات الترابية في رأسمال شركة التنمية الجهوية عن نسبة %34، وفي جميع الأحوال ، يجب أن تكون أغلبية رأسمال الشركة في ملك أشخاص إعتبارية خاضعة للقانون العام…”.

كما أن مساهمة الجماعات المحلية في رأسمال شركات التنمية المحلية، تأخذ أشكالا متعددة من بينها:

إلا أنه في حالة تقديم عقارات خاصة،يتعين على مديرية الممتلكات بوزارة الداخلية التأكد من ملكية الجماعة للعقار، وأنه لا نزاع فيه،وكذا تحديد قيمته من طرف اللجنة الإدارية للتقييم،مع دراسة الجوانب المالية والتقنية ومشروع القانون الأساسي للشركة قبل إخضاع ذلك الملف للمصادقة.

ويفرض الاهتمام بمراقبة الشركات التنمية الجهوية،طبيعة الأنشطة التي تزاولها هذه الشركات،والتي غالبا ما تكون أنشطة تجارية وصناعية من قبيل التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، والتهيئة الحضرية،والسكن الاجتماعي،وكذا طبيعة القواعد التي تحكم هذه الأنشطة، والمتمثلة في قواعد القانون الخاص،وقواعد وأعراف التجارة[20].

وبما أن كذلك، شركات التنمية الجهوية تدير مرفقا عاما أو تمارس نشاطات تحقق المصلحة العامة،فهي تخضع للرقابة الداخلية والخارجية على أعمالها،بهدف التأكد من استمرارية التشغيل وإشباع حاجيات المواطنين.

فبالنسبة للرقابة الداخلية، فهي تكتسي أهمية بالغة في حياة المنظمات بصفة عامة،ذلك أن وجود نظام المراقبة الداخلية يعتبر أحد المقومات الرئيسية لفعالية منظومة الرقابة المالية،ويمكن اعتبار الرقابة الداخلية بأنها مجموع الضمانات التي تساهم في التحكم في تسيير الجماعة،وتهدف من جهة ، إلى حماية الممتلكات وقيمة المعلومات المقدمة،ومن جهة أخرى، ضمان تطبيق توجهات الإدارة من أجل تطوير مستويات الأداء[21]،وفي هذا الإطار،تخضع شركات التنمية الجهوية لرقابة داخلية في إطار، رقابة مراقب الحسابات ورقابة الجماعات الترابية المساهمة.

كما تنقسم الرقابة الخارجية على شركات التنمية الجهوية إلى رقابة إدارية وأخرى قضائية:

وتتجلى الرقابة الإدارية على شركات التنمية المحلية في الرقابة الممارسة من طرف سلطة الوصاية وفي مراقبة المفتشية العامة بوزارة المالية،وتعتبر المؤسسة القضائية من الدعامات الأساسية كذلك لتحصين أعمال الشراكة على المستوى المحلي،ذلك أن نجاح أي سياسة تروم إصلاح الوضع الاقتصادي والاجتماعي،لا يمكن أن تتحقق دون ضمانات حقيقية تتحدد في قضاء مجتهد ومساير للتطورات المتسارعة وقادر على رفع التحديات التي تقف في طريق تحقيق التنمية الشاملة[22].

وتتمثل فعالية شركة التنمية الجهوية في معرفتها الجيدة للمجال الترابي الذي تتدخل فيه،وفي مقدرتها على معالجة المشاكل ومواجهة رهانه المعروضة عليها،كما أنها تتميز عن المقاولات الخاصة، كونها لا تضم أجهزة قوية ووازنة أو مساهمين خواص يجعل منها شركات بديلة لشركات شبه إحتكارية،  كما أنها تتميز عن باقي العقود الأخرى،وهذا التمايز عن باقي العقود الأخرى التي تبرمها المجالس الترابية للخواص،لا ينفي وجود  أهداف مشتركة بينهما حيث أن شركة التنمية هي الأخرى تهدف إلى اعتماد دينامية تقوم على مبدأ تحقيق النتائج من خلال:

كما أنها تعتمد على الشراكة من خلال وضع ميثاق المساهمين،يضمن مشاركة فاعلين مهنيين وماليين في مشاريع التنمية الجهوية وإشراك عدة كفاءات وجهاز مالي مؤهل.

والجماعات المحلية، تتوفر لها البنية الأساسية لشركات التنمية المحلية،وذلك نظرا للتطور الذي عرفته شركات الاقتصاد المختلط، والتي ضمت عدة مجالات،وتتعلق أساسا بإنجاز وتحديد وإعداد تجهيزات وبنيات تحتية للتهيئة الحضرية،كما أنها أصبحت أحد الحلول المهمة للخروج من الفشل الذي عرفته التنمية الجهوية،خصوصا في الجانب المتعلق بتقديم الخدمة للساكنة المحلية[23].

إن شركة التنمية الجهوية، تعتبر وسيلة إستراتيجية على مستوى تدخل الجماعات الترابية، في مجال التنمية الترابية الجهوية،إلا أنها لم تصل بعد في المغرب إلى المستوى المطلوب،ذلك أن الميثاق الجماعي السابق لم يحدد التدابير التي من شانها ضمان الشفافية والمراقبة الفعالة المرتبطة بشركات التنمية الجهوية،كما أنه لم يصدر قانون خاص بها،إضافة إلى غياب التحسيس بأهمية هذه الشراكة سواء لدى المجالس الترابية أو القطاع الخاص، وكذا المزايا التي تضمنها هذه الشراكة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

ونتيجة لغياب هذا التحسيس، والإطار القانوني الخاص بشركات التنمية الجهوية،يجعل الإمكانات والمؤهلات التي تتوفر عليها المجالس الترابية غائبة عن كل عملية تنموية،خصوصا على مستوى الجماعات التي تتوفر على مؤهلات طبيعية هامة مثل الملك الغابوي أو مراكز اصطياف والتي يمكن استغلالها،في إطار هذه الشراكات لتوفير أرباح لتمويل ميزانياتها، ولتحقيق نسبة من النمو الاقتصادي المحلي.

وعموما فإن دعم الاستثمار الجهوي، لا يقتصر فقط عن الإطار المنتج للخدمة عن طريق شركات التنمية الجهوية،ذات الجودة العالية وإنما يتطلب ذلك الزبون أو المنتفع من تلك الخدمة،وذلك لتحقيق ثلاثية الاستثمار المتمثلة، في المنتج والجودة والمنتفع/الزبون،هذا الأخير الذي يعد أساسي في كل عملية إنتاج التنمية المحلية،فهو المعني بها والمنجح لها، ومن تم فإن الإنسان أصبح هو المحرك الأساسي لكل فعل تنموي،وذلك في إطار التعبئة وإشراك الجميع،في إطار المساواة والتعامل مع الجميع،خصوصا الفئات التي تعاني من الهشاشة والإقصاء، بالاعتماد على مقاربة النوع في المخططات التنموية الجماعية استنادا إلى المادة المؤطرة لتلك المخططات.


[1]‑  رسالة الجماعات المحلية :  ” الأخلاق والشفافية في التدبير الجماعي” .  أنجز بتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية العالمية  2007 ، ص 21 .

[2]رشيد أبو تور : ”  الخلفية الحضارية للجودة”، الطبعة الأولى، المغرب،منشورات  نادي الفكر الإسلامي الجديد،  مطبعة طوب بريس الرباط ، 2003، ص31 .

[3]‑عمر وصيفي عقيلي :  ” مدخل إلى المنهجية المتكاملة لإدارة الجودة الشاملة-وجهة نظر”، الطبعة الثانية، عمان-الأردن،  دار وائل للنشر ، 2009، ص 31 .

[4]‑ستيفن كوهين ورونالد براند : ” إدارة الجودة الكلية في الحكومة، دليل عملي لواقع حقيقي”، ترجمة عبد الرحمن بن أحمد هيجان ؛ مراجعة محمد إبراهيم التويجري، عبد الرحمن حمد الحميضي، الطبعة الأولى، المملكة العربية السعودية،منشورات معهد الإدارة العامة ، 1997،  ص7.

[5]كيرون ولش :  ”   الخدمات العامة وآليات السوق، المنافسة، إبرام العقود والإدارة العامة الجديدة   ”  ،   ترجمة محسن إبراهيم الدسوقي، الرياض= المملكة العربية السعودية، مركز البحوث و معهد الإدارة العامة، طبعة   2003، ص-129

[6]‑رسالة الجماعات المحلية:”الأخلاق والشفافية في التدبير الجماعي”  .  مرجع سابق، ص19 .

[7]‑عبد الله حداد:”مساهمة الصفقات الجماعية في تحقيق التنمية المحلية”.عدد مزدوج4-5 ، المغرب، منشورات المجلة المغربية الإدارة المحلية ، ،1993،  ص15.

[8]‑محمد النوحي  :  ”  دور الصفقات الجماعية في التنمية المحلية  ”  .عدد 19، المغرب،  منشورات المجلة المغربية الإدارة المحلية والتنمية  ،  سلسلة مواضيع الساعة، ،2000،  ص32 .

[9]‑عبد الله حداد : ”  صفقات الأشغال العمومية ودورها في التنمية ” .،   الطبعة الثانية ، المغرب،الرباط،  منشورات عكاض  ،  2002  ،  ص79.

[10]‑توفيق السعيد :  “الصفقات العمومية المبرمة من طرف الجماعات المحلية، النظام القانوني الجديد” .الطبعة الأولى، الرباط- المغرب، مطبعة طوب بريس، 2003 ، ص63.

[11]‑مرسوم رقم 388.06.2 صادر في 16  محرم  1428 هجرية،  الموافق ل 5 فبراير 2007   ، المتعلق  بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة، وكذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها.

[12]– الجماعة في أفق 2015 صادر عن وزارة الداخلية الرباط أبريل 2009.

[13]– SaidHinti   : « Les Dynamiques Economiques Des Collectivités Locales Une Logique Et Partenariat Et D’Organisation » . Imprimerie-Edition TAFOUKTE , 1998  , p 11 .

[14]– عبد الله شنفار: “الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية”.العدد 19، المغرب، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة –مؤلفات جامعية-  ، 2000، ص 186.

[15]–   Michel Bouvier : «  Les Finances Publiques  ». Librairie Générale De Droit Et De Jurisprudence,  Paris 1995, 3èmeEdition, p  20.

[16]‑هنري فايول أحد أشهر علماء الادارة والأب الحقيقي للإدارة، ولاسيما الكلاسيكية منها، ولعل أفضل ما يميز هذا العالم الادارى ويبين براعته الاداريه أن تفسيراته ونظرياته حول الاداره قد بنيت على أساس من الملاحظات والتجارب الشخصية حول ما يمكن أن يؤثر بفاعليه على المنظمات، حيث أسس كل تطلعاته الاداريه حول ما يمكن أن يصل بالمؤسسات إلى الاداره المثلى في أقرب الفرص الممكنة .

[17]– عبداللهبوراس: “تدبيرالشراكةوالتعاونعلىمستوىالجماعاتالمحلية – دراسةمقارنة – “. رسالةلنيلدبلومالماسترفيالقانونالعامالمعمق،جامعةعبدالمالكالسعدي،كليةالحقوقطنجة،السنةالجامعية : 2008 – 2009،ص102.

[18]– المادة 78 من قانون 17.95 ،  المتعلق بشركة المساهمة.

[19]-رشيد لصفر: ”  التدبير التشاركي للشأن العام المحلي،الجماعات القروية والحضرية نموذجا ” .  رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام،جامعة الحسن الأول،كلية الحقوق بسطات ، السنة الجامعية  : 2009‑2010 ،  ص173. 

[20]– عبداللهبوراس: “تدبيرالشراكةوالتعاونعلىمستوىالجماعاتالمحلية – دراسةمقارنة – ”  .مرجع سابق،ص221.

[21]بهيجةهسكر: “الجماعةالمقاولةبالمغرب – الأسس،المقوماتوالرهانات”.الطبعةالأولى، المغرب،مطبعةطوببريس، 2010، ص173.

[22]‑عبداللهبوراس: “تدبيرالشراكةوالتعاونعلىمستوىالجماعاتالمحلية – دراسةمقارنة – “،  مرجع سابق،ص215.

[23]‑بهيجةهسكر: “الجماعةالمقاولةبالمغرب – الأسس،المقوماتوالرهانات”. الطبعةالأولى، المغرب،مطبعةطوببريس، 2010، ص49 .

Exit mobile version