Site icon مجلة المنارة

التدقيق الداخلي ورهان حكامة التدبير الترابي دراسة تحليلية في المقاربة المفاهيمية والبعد الوظيفي

التدقيق الداخلي ورهان حكامة التدبير الترابي دراسة تحليلية في المقاربة المفاهيمية والبعد الوظيفي.  

عبد الاله طلوع: باحث بسلك الدكتوراه مختبر الحكامة والتنمية المستدامة

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات

جامعة الحسن الأول

ملخص الدراسة:

ارتبط تطور الوظيفة الرقابية بتطور الأداء العمومي واتساع مجالات تدخلاته والرغبة في الحفاض على المال العام، و بتطور اللامركزية الترابية بالمغرب خصوصا بعد 2011، وبغية تجويد الأداء التنموي الترابي ضل جل الفاعلين الترابيين والاجتماعيين والاقتصاديين ينادون بضرورة تبني وتفعيل مبادئ وأليات التدقيق الداخلي بالجماعات الترابية بالنضر للأهمية البالغة التي يتمتع بها في حماية المال العام و ضمان فعالية ونجاعة السياسة الترابية وتدبير المخاطر التدبيرية على المستوى المالي والبشري و العقود الشراكة عام/ خاص، و لتحقيق التنمية الترابية و مواكبة القفزة النوعية من وظيفة الرقابة الكلاسيكية إلى وظيفة تعتمد على الجانب التدبيري والوقائي كقيمة مضافة سواء تعلق الأمر بالأداء الإداري أو الأداء المالي.

وتتمحور الدراسة بالأساس حول إبراز الدلالة المفاهيمية للتدقيق الداخلي وتعدد أهدافه وغاياته واستحضار بعده الوظيفي من أجل حكامة تدبيرية الترابية أكثر فعالية ونجاعة وضمان التقائية السياسات العمومية الترابية، وتقارب المقالة مجالات تدخل التدقيق الداخلي ودوره في تجويد كفاءة التدبير المالي والبشري داخل الجماعات الترابية ويرتبط التدقيق العملياتي الداخلي بكل بنيات تدبير الشأن الترابي.

كما تعكس المقالة مدى مساهمة أليات التدقيق الداخلي في تطوير أليات وبرامج التنمية الترابية، وتفعيل مبادئ الحكامة الإدارية والمالية على المستوى المحلي.

الكلمات المفاتح.  التدقيق الداخلي، الحكامة الترابية، التدبير الترابي.

المقدمة:

يتميز الفكر القانوني والتدبيري الحديث بربطه بين شرعية الإدارة العمومية ومصداقيتها ووجوب التزامها بمستويات معينة من الرقابة والمحاسبة وذلك من خلال مسائلة الإدارة على نشاطها وسلوكياتها، سواء في المحيط الداخلي أو الخارجي المتعلق بمرتفقيها والمستفيدين من خدماتها، وتطوير أدائها الوظيفي.

وقد تبنى النظام الإداري المغربي المقترب الرقابي الفرنكفوني القائم على الرقابة والضبط والمحاسبة وعلى التسيير القانوني وعلى تعدد لأنظمة الرقابية على المال العام، التي تختلف طبيعتها باختلاف الأجهزة المكلفة بها، ويتعلق الأمر بمراقبة الخزينة العامة للمملكة، ومراقبة المفتشية العامة للمالية، والمفتشية العامة للإدارة الترابية، والمفتشيات العامة للوزارات والرقابة القضائية والرقابة السياسية.

ويبقى الهدف المشترك لكل الأنظمة الرقابية هو ضمان سلامة المال العام والتصدي للانحرافات والاختلالات والتجاوزات التي يمكن أن تعتري عمليات إدارته، والسعي إلى تصحيحها وتوفير ضمانات فعالة لحمايته من التبذير والإسراف.

وبالرغم من تعدد الأنظمة الرقابية إلا أنه على مستوى الممارسة الميدانية تتبدى هشاشة وضعف أدائها وفعاليتها لعدة أسباب متعلقة بسوء التنظيم وغياب التنسيق بين الأجهزة وثقل الرقابة الوصائية على الجماعات الترابية وتأثيرها على الهامش المتاح لها من الاستقلالية من جهة، والقدرة على التصرف في مواردها الذاتية والحد من مبادراتها التنموية على الصعيد المحلي بفضل المركزية المفرطة وتجميع المهام بين يدي وزارة الداخلية من جهة أخرى، مما ينعكس بشكل سلبي على تطور العمل الجماعي.

هذا بالموازاة مع بلورة توجيهات كبرى في مجال تدبير الميزانية المرتكزة على النتائج، فالإصلاحات في هذا الجانب لم تأت من العدم بل هي نتيجة حتمية للسيرورة التي تسود المجتمعات في كل دول العالم.

فالحاجة إلى ألية التدقيق الداخلي كأداة رقابية حديثة جاءت في سياق التحولات الداخلية والخارجية التي عرفها المغرب بعد مرحلة التسعينيات والاختلالات التي تعرفها الإدارة وسوء تدبير المال العام وانفتاح النظام التدبيري على الأليات الحديثة، و يرجع كدلك إلى مجموعة من الأوراش التي انخرط فيها المغرب فرضت عليه تبني خيار الحكامة كآلية تدبيرية لتحسين و تجويد أداء الإدارة المركزية واللامركزية على جميع المستويات، و من منطلق أن الهدف من الحكامة هو التحسين ووضع آليات للتدبير المعقلن و الجيد فإن أهمية التدقيق الداخلي كوظيفة داخل الهيكلة الإدارية للجماعات أضحى ضرورة ملحة و لا مناص منها خصوصا إلى أدواره الرائدة في معالجة نقاط الضعف و تجويد الأداء عبر التخطيط الفعال و القيادة الناجعة ودرء المخاطر و تنمية القدرات كما يعتبر أنسب وسيلة رقابية للإدارة العمومية والجماعات لأنه يؤدي وظائفه التقويمية بشكل يخدم نسقها العام، علاوة أنه يعتبر بوظائفه التنظيمية والتحليلية و التقويمية و أهدافه المتنوعة وسيلة ضرورية لفحص دينامية تدبير الإدارة. 

وتمتد تطبيقات التدقيق لتشمل مجالات متعددة (التدقيق المالي، التدقيق العملياتي، التدقيق الاستراتيجي، التدقيق الاجتماعي والتدقيق البيئي …)، نظرا لكون التدقيق أصبح علما للتدبير الإداري والمالي وأداة لعقلنة وتقويم الوظائف واتخاذ القرارات المناسبة.

فحاجات الجماعات لوجود مصالح الافتحاص الداخلي يجد مبرره في تحول أوضاعها إلى حالة أفضل وأكثر تقدما سنحاول خلال هذه المقالة مقاربة سؤال البعد المفاهيمي والوظيفي للتدقيق الداخلي ودوره في تكريس حكامة التدبير الترابي وذلك من خلال النقاط التالية:

أولا: مقاربة مفهوم ومميزات التدقيق الداخلي.

ثانيا: استحضر البعد الوظيفي للتدقيق الداخلي من أجل حكامة التدبير الترابي.

المبحث الأول: الإطار المفاهيمي للتدقيق الداخلي.

الحاجة إلى التدقيق الداخلي، كنشاط رقابي مستقل يساعد الإدارة على القيام بوظيفتها الرقابية بفعالية و كفاءة، و ضرورة أملتها ازدياد حجم الإدارات و تعقد الوظائف التي تقوم بها، و مراقبة مدى الالتزام بالسياسات و المساطر و التحقق بدقة من السجلات المحاسبية و ما تحتوي عليه من بيانات و تقييم كفاءتها التدبيرية، مما نتج عنه اعتراف بالدور الهام الذي يلعبه التدقيق الداخلي كوظيفة مستقلة و فعالة تشمل كل الجوانب المالية و البشرية و العملياتية داخل الجماعات، و اتسع مجال استخدامها حتى أصبحت أداة لفحص و تقييم مدى نجاعة مختلف أساليب واليات التدبير، و أصبحت تشكل في حد ذاتها أحد الوسائل الرقابية بالنسبة للتدقيق الخارجي([1]). ومنه ما المقصود بالتدقيق الداخلي وماهي أهدافه وأهميته.

المطلب الأول: تعريف التدقيق الداخلي وأهدافه.

يعمل التدقيق الداخلي على تطوير وتجويد أنظمة الرقابة الداخلية، وذلك بتقييمها تماشيا مع تطبيق الإجراءات والمساطر الموضوعية من طرف الإدارة.

واكتسب التدقيق الداخلي إشعاعا ونجاحا هامين عكستهما فعاليته ونجاعته وذلك بفعل العوامل الأربعة الأساسية ([2]):

الفقرة الأولى: تعريف التدقيق الداخلي بين الدلالة اللغوية والاصطلاحية.

يتميز مفهوم التدقيق بتشعب المفاهيم والمقاربات التي حاولت تقديم تعريف له وذلك راجع بالأساس إلى الاختلاف الحاصل بين القطاع العام والخاص على مستوى الوظائف ثم تقنيات الرقابة والمردودية، كما أن الافتحاص يختلف بتقنياته ومناهجه ووسائله عن باقي الآليات الرقابية الأخرى، ويتميز مجاله بالشمولية حيث يمكن إجراء آلية الافتحاص على المستوى المالي والقانوني ثم إفتحاص الأداء والتدبير، سنعمل خلال هده الفقرة على مقاربة الدلالة اللغوية والاصطلاحية لمفهوم التدقيق.

أولا: المعنى اللغوي لمفهوم التدقيق.

التدقيق بمعناه اللفظي مشتق من اللغة اللاتينية من كلمة (Audit) والتي تعني يستمع، حيث أنه في العصور القديمة كان صاحب العمل (المالك) عندما يشك في وجود خيانة، يعين شخصا للتحقق من الحسابات وكان هذا الشخص يجلس مع محاسب رب العمل، ليستمع إلى ما يقوله المحاسب بخصوص الحسابات الخاصة بالعمل ([3]).

 ثانيا: المعنى الاصطلاحي.

هناك عدة تعاريف قدمت لوظيفة التدقيق، منها اعتبار التدقيق فحص المستندات والحسابات والسجلات الخاصة للمنشأة فحصا دقيقا حتى يطمئن المدقق من أن التقارير المالية، سواء أكانت تقريرا عن نتيجة المشروع خلال فترة زمنية أو تقرير عن المركز المالي في نهاية فترة زمنية أو أي تقرير آخر يظهر و تطبع فيه صورة واضحة و حقيقية و دقيقة الغرض الذي من أجله أعد هذا التقرير” ([4]).

ويتبين من خلال هذا التعريف أن وظيفة التدقيق تشمل الفحص والتحقق والتقرير.

وعرفه معهد المدققين الداخليين (I I A) بالولايات المتحدة الأمريكية على أنه: “نشاط مستقل وموضوعي و استشاري، مصمم لأجل إضافة قيمة إلى عمليات المؤسسة و تحيينها، كما يساعدها على تحقيق أهدافها من خلال منهجية منتظمة لتقييم و تطوير فعالية إدارة المخاطر، و ضبط و ترشيد حكامة العمليات الإدارية”([5]).

و عرفته جمعية المحاسبة الأمريكية ( AAA) كما يلي: “التدقيق بأنه عملية نظامية و منهجية لجمع و تقسيم الأدلة و القرائن بشكل موضوعي، و التي تتعلق بنتائج الأنشطة و الأحداث الاقتصادية، و ذلك لتحديد مدى التوافق و التطابق بين هذه النتائج و المعايير المقررة و تبليغ الأطراف المعنية بنتائج التدقيق” ([6])، ومن خلال التعريف أعلاه يتضح أن عملية التدقيق هي:

وعرفه المعهد الفرنسي للتدقيق والمستشارين الداخليين (IFACI) والذي عرفه بأنه نشاط مستقل وموضوعي يهدف إلى إعطاء الإدارة فكرة حول درجة تحكمها في العمليات التي تقوم بها، مع توجيهها لتحسين أدائها والمساهمة في خلق قيمة مضافة ([7]).

ومن خلال التعريف أعلاها يمكن استخراج الخصائص التالية:

وعرفته المنظمة الدولية للرقابة الأنتوساي، التدقيق الداخلي على أنه وظيفة لمساعدة القيادة، ويتعلق الأمر داخل الجهاز بنشاط مستقل لتقديم و تقييم مراقبة العمليات المنجزة و بالتالي فهو في خدمة الجهاز و له مجموعة من الأهداف ([8]):

ويتم ممارسة التدقيق الداخلي بناء على توكيل أو تفويض من الإدارة أو القيادة من أجل فحص نقطة أو نشاط للمنظمة أو فرع، وذلك من أجل إعداد:

1: تشخيص يشهد بالسير الجيد من عدمه.

2: التوقعات التي تنذر المسؤولين والقيادة.

3: وصفة علاج لحماية الأصول وصحة المعلومات المنتجة أو المتداولة وفعالية العمليات وتنافسية الجهاز.

وتأسيسا على التعاريف السابقة يمكن القول بأن التدقيق الداخلي أنه عبارة عن مقاربة شمولية وتقييمية تشمل ميادين واختصاصات واسعة للإدارة موضوع التدقيق بالإضافة إلى أنه فحص انتقادي يعتمد تحليل وتشخيص وتقديم اقتراحات. وفي هذا السياق يمكننا التساؤل عن أهداف التدقيق الداخلي اعتبارا لتوسع نطاقه؟ سنحاول دراسته معالجته في الفقرة الثانية.

الفقرة الثانية: أهمية وأهداف التدقيق الداخلي.

أولا: أهمية التدقيق الداخلي.

تعد وظيفة التدقيق الداخلي وظيفة لها دور مهم في عملية الحكامة الإدارية على اعتبار أنها تعزز هذه العملية من زيادة المصداقية، العدالة، تحسين مستوى سلوك العاملين أو الموظفين في الإدارة، تقليل مخاطر الفساد المالي والإداري، بالإضافة إلى ذلك، فمسؤولية المدقق الداخلي تكمن بالإضافة إلى اكتشاف الغش والتزوير في مراقبة الخطط ومتابعة تنفيذها وتقييم الأداء ورفع مستوى الكفاءة والفعالية في المؤسسات موضوع التدقيق.

ولتحقيق هذه الوظيفة كان لزاما الاعتداد بمطلب الاستقلالية التي لا تتأتى إلا بآلية لرفع تقارير إلى قيادة الإدارة بشكل مباشر بالإضافة إلى استناد التدقيق لتشريع خاص يؤطره ([9])، ويمكن إجمال أهمية التدقيق في:

ولقد ازدادت أهمية وظيفة التدقيق الداخلي باعتبارها أداة تتيح للإدارة إصلاح    وتطوير نفسها ذاتيا من خلال تقييم وتحليل عملها، حيث اعتبرت هذه الوظيفة مثل صمام أمان بيد الإدارة، وتم وصفها بأنها (عيون الإدارة وآذانها) ([10]).

وفي نفس السياق يمكن أن تستند أهمية وجود وظيفة التدقيق الداخلي في الهيكلة الإدارية للجماعات الترابية بالمغرب، إلى مضمون الرسالة الملكية التي وجهها الملك الراحل الحسن الثاني لوزيره الأول آنذاك “محمد كريم العمراني” بتاريخ 22 يوليوز 1993 ([11])، حيث تحددت أهمية التدقيق الداخلي بالدور الذي يؤديه في تدعيم وظيفة الرقابة داخل الإدارة، ويتضح ذلك بصورة خاصة في الاتجاه المتزايد نحو المناداة بضرورة تحسين الأداء الرقابي داخل الإدارات العمومية والجماعات الترابية نتيجة عوامل عدة يذكر منها:

ثانيا: أهداف التدقيق الداخلي.

من خلال الأهمية التي يحظى بها التدقيق الداخلي حسب ما ذكر سالفا، يمكن تحديد أهم الأهداف المرجوة منه، من جهة، والأهداف المرسومة لعناصر إدارة التدقيق الداخلي من جهة أخرى، ويمكن القول بأن الهدف الرئيسي في أي تنظيم هو تحقيق الأهداف الكلية، ولهذا يسعى المدققون الداخليون بصفة أساسية إلى تحقيق الأهداف التالية ([12]):

ويمكن القول أن نطاق التدقيق الداخلي و أهدافه يختلفان بشكل كبير بين المؤسسات و الإدارات، لأنهما يعتمدان على حجم و طبيعة هذه المؤسسات و الإدارات كما أن مجال عمله لم يعد يقتصر على ما هو مالي فقط، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، بل امتد ليشمل كافة أنشطة الإدارة، حيث تناولت وظيفة التدقيق الداخلي هذه الأنشطة بالفحص و التحليل و التقييم كخدمة واضحة للمنظمة، لهذا فإن نطاق التدقيق الداخلي يرتكز على ما يلي ([13]):

المطلب الثاني: مجال اشتغال التدقيق الداخلي.

تقود تحديد طبيعة وضيفة التدقيق الداخلي إلى ملاحظة جوهرية ان هناك تغير تدبيري عرفته الإدارة، حيث تجاوزت كونه مجرد مهمة رقابية مالية و محاسبية إلى خلق قيمة مضافة مهمتها تدبير المخاطر و المساهمة الفعالة في تجويد الإدارة بشقيه الإداري والمالي، و تطوير عملياته بشكل مستمر([14])، هو الأمر الذي نتج عنه تطور نظرة الرأي العام للسنوات الأخيرة لمهنة التدقيق الداخلي، حيث برزت مع هذه الوظيفة مهام معينة متعددة ساهم في أدائها عدة أنواع من التدقيق الداخلي، كل من زاوية معينة استلزمت هي الأخرى مجموعة من المعايير ضمانا لتحقيق الأهداف المتوخاة منه و هذا ما سنتناوله في هذا المطلب من خلال تبيان  التدقيق الداخلي وتجويد كفاءة التدبير المالي والبشري (الفقرة الأولى)، التدقيق الداخلي العملياتي. (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التدقيق الداخلي وتجويد كفاءة التدبير المالي والبشري.

شكل تطور مفهوم التدقيق الداخلي أهمية بالغة، تمثل في القفزة النوعية من وظيفة الرقابة الكلاسيكية إلى وظيفة تعتمد على الجانب التدبيري والوقائي كقيمة مضافة مبحوث عنها داخل المهمات الإدارية، سواء تعلق الأمر بالأداء الإداري أو الأداء المالي.

لذلك تجلت أنواع التدقيق الداخلي في ثلاث أنواع رئيسية دقيقة شكلت لبنة أساسية لاستكمال صورة نهائية للأدائيين الإداري والمالي بإدارات الدولة والهيآت التابعة لها.

أولا: التدقيق الداخلي المالي.

يقصد به الفحص المنتظم للعمليات المالية و مجموع السجلات المحاسبية المرتبطة بها، ومدى مطابقتها للقوانين المتعارف عليها داخل المنظومة، و كذا السياسات الإدارية ذات الصلة بالشق المالي، و يتضمن هذا النوع صنفين من التدقيق، الأول هو تدقيق داخلي مالي قبل الصرف، و الثاني تدقيق مالي بعد الصرف، حيث يشير النوع الأول إلى إحدى مراحل الرقابة الداخلية الذاتية ضمانا لسلامة الإجراءات واكتمال المستندات، لتصل إلى الموافقة النهائية للسلطة المختصة بالتنفيذ، أما النوع الثاني فوظيفته تتجلى في التأكد من سير العمليات المالية وفق القوانين و الأنظمة المعمول بها، و كذا مطابقته للأهداف المتوخاة من هذه العمليات ([15]).

وإجمالا، يعتبر التدقيق الداخلي المالي أداة مهمة تمكن الإدارة من دقة البيانات    والحفاظ على أصولها وحمايتها من التلاعبات والاختلاسات.

ثانيا: التدقيق الداخلي للموارد البشرية.

من مهام مصلحة التدقيق الداخلي العمل على تدقيق النشاط الاجتماعي للإدارة وفقا للمسؤوليات التي تتحملها هذه الأخيرة تجاه المجتمع والبيئة المحيطة بها.

وقد اعتبرت الدراسات أن التدقيق الاجتماعي دراسة وفحصا وتقييما منظما للأداء الاجتماعي بالإدارة مهما كانت وظيفتها تحقيقا للسلامة البيئية والمساهمة في تحقيق الرفاهية العامة للمجتمع. 

وعموما، فإن هذا التنوع الذي يعرفه التدقيق الداخلي لا علاقة له بجوهر عملية التدقيق، أي أن مفهوم التدقيق ومعناه وأصوله لا تتغير بتغيير الزاوية التي ينظر منها إليه ([16]).

الفقرة الثانية: التدقيق الداخلي العملياتي.

يعد نظاما حديثا في هذا المجال، جاء نتيجة للتطورات التي عرفها مجال التدقيق الداخلي بشكل عام، ومن مهامه تقييم جميع العمليات الإدارية والرقابية الداخلية ومطابقتها، إلى جانب النجاعة الاقتصادية والكفاءة والفعالية مع الوظائف الداخلية للإدارة.

فهو يعتبر بمثابة تدقيق شامل وعام لتقييم جميع هياكل الإدارة أو الوحدة ومستوى أدائها، وربط نتائجها مع الأهداف المسطرة ([17]).

ومن مهام المدقق الداخلي في هذا الإطار تقديم التقارير التي تمكن الإدارة من الوصول إلى المستوى المطلوب للأداء الجيد، كما يلبي الاحتياجات الأخرى للإدارة       والتي من ضمنها ([18]):

وعموما، فإن أهم وظيفة للتدقيق الداخلي العملياتي، هي إيجاد طرق جديدة ناجعة وفعالة للتواصل بين المستويات المختلفة داخل الإدارة، واستخدام الموارد المتاحة بكفاءة وفعالية، وهذا ما يعرف بمفهوم الشمولية في التدقيق الداخلي الحديث ([19])، وبانه مقترب رقابي يشمل مختلف العمليات التدبيرية داخل الإدارة العمومية على مستوى التسيير المالي والإداري والبشري.

المبحث الثاني: التدقيق الداخلي ورهان حكامة التدبير الترابي.

يعتبر التدقيق وسيلة لا غاية تهدف إلى إرساء نظام تدبيري يرتكز على الشفافية والمساءلة ([20]). وقد شهد النشاط الاقتصادي تطورا نوعيا، ومهما ألزم الجماعات أن تواكب هذا النمو الذي انبثقت منه عدة وظائف أخرى يصعب عليها التحكم فيها جميعا، كما تعددت الأطراف المتعاملة معها في ذلك، مما أدى إلى دفعها إلى البحث عن وسيلة تضبط وتقيم وتحمي ممتلكاتها من الضياع وتضمن لها الاستمرار لتحقيق الأهداف المسطرة مسبقان وبالتالي تنظيم شامل لطرق أداء التدبير الترابي والإشراف عليه وتوجيهه ومحاسبة القائمين على الأعمال لضمان صحة التنفيذ والتطبيق.

والجماعات باعتبارها فاعلا أساسيا في للتنمية، تستطيع الاستفادة بشكل كبير من مواردها المتاحة سواء منها المالية أو البشرية والتغلب على المشاكل وتصحيحها، ومن تم فلا بد من التوفر على مقومات الإدارة الناجحة إدارة مبتكرة ومدبرة لمخاطرها وقادرة على القيادة المتأقلمة مع المتغيرات الداخلية والخارجية، إدارة متحررة من القوالب الإدارية الجامدة الكلاسيكية ([21]).

و أضحت الجماعات بالمغرب إحدى المحددات الرئيسية للتدخلات العمومية في مختلف مظاهر الحياة العامة للمواطنين، و لم تأت هذه الأهمية بمحض الصدفة و لا من فراغ بل كانت نتيجة لتطورات وطنية و دولية أملتها ظروف ومعطيات معينة، أفرزت مبادرات و أنشطة فعالة و ناجعة و ساهرة على تدبير الشأن المحلي و المساهمة في القضايا الكبرى للبلاد.

المطلب الأول: مكانة التدقيق الداخلي داخل الهيكلة التنظيمية للجماعات

يعتبر التدقيق الداخلي أداة من أدوات الحكامة ومن المرتكزات الأساسية للتدبير العمومي الجديد، وتكمن أهميته في كونه عبارة عن مبادرة وليست تقنية مفروضة من الخارج ([22])، حيث إن الجماعات هي صاحبة القرار في إنشائه والاستعانة بخدماته.

الفقرة الأولى: البنية التنظيمية لمصلحة التدقيق الداخلي،

يعتبر التدقيق الداخلي بنية داخل الهيكلة التنظيمية للجماعات،

أولا: موقع التدقيق الداخلي في الهيكل التنظيمي.

إن موقع مصلحة التدقيق الداخلي في الهيكل التنظيمي يختلف من مؤسسة لأخرى وذلك حسب الحجم وطبيعة النشاط وكذلك وجهة نظر الإدارة العليا إلى أهمية التدقيق الداخلي ([23]).

وقد تكون مصلحة التدقيق الداخلي تابعة لمسؤول مالي كالمدير العام المكلف بالشؤون المالية أو مسؤول غير مالي كالمدير العام للمؤسسة أو رئيس المؤسسة أو رئيس المجلس الجماعي بالنسبة للجماعات الترابية.

فمن مزايا أن يكون تابعا لمسؤول مالي أن يقدم توجيهاته وإشرافه للقسم وبشكل يؤدي إلى دعمه ويساعد على إنجاز مهمته بشكل مرض ([24])

لكن النقد الموجه إلى هذه التبعية تؤثر على درجة استقلال وحياد المدقق باعتبار أن محور عمل المدقق الداخلي بدرجة عالية.

هو النشاط المالي ثم النشاط الإداري وهو يقع تحت نطاق إشراف هذا المسؤول الذي يعد المدقق الداخلي تابعا له.

وفي بعض المؤسسات تشكل لجنة من مجلس الإدارة يتبعها بصورة مباشرة قسم للتدقيق الداخلي وذلك لضمان تحقيق الاستقلالية والتي تعتبر من المبادئ الأساسية للتدقيق الداخلي الناجع والفعال والشفاف.

وفي مؤسسات أخرى يتبع قسم التدقيق الداخلي مجلس الإدارة مباشرة إذ أن هذا المستوى يضمن للمدقق الداخلي حرية أكبر للتحرك والاقتراب أكثر من الإدارة ([25]).

ثانيا: علاقة نشاط التدقيق الداخلي بالمصالح الأخرى في المؤسسة.

يمكن توضيح علاقة مصلحة التدقيق الداخلي مع المصالح الأخرى في المنشآت بالآتي:

إن الضبط الداخلي والإجراءات المالية يعدان من النشاطات التي يتناولها المدقق الداخلي بالتدقيق والتحليل والتقييم وذلك بهدف اكتشاف نقاط الضعف وعلاجها.

في مجال علاقة مصلحة التدقيق الداخلي مع المصالح الأخرى في المؤسسة يجب على المدقق الداخلي أن يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الإجراءات وأهمها:

الفقرة الثانية: مكونات فريق التدقيق الداخلي وإشكالية الاستقلالية.

يرأس مصلحة التدقيق الداخلي من قبل موظف ويشترط توفره على المعايير الأخلاقية والعلمية وفي هدا الإطار يتطلب حصوله على ديبلومات عليا بالإضافة إلى الخبرة الكافية ويجب عليه أن تكون له دراية مهمة ومهارات في الجانب الإداري وبعض الصفقات والقدرة على التعامل مع المشرفين على الأعمال الخاضعة لتدقيقه كما يجب أن يتصف بالنزاهة والموضوعية.

ويتبع رئيس مصلحة مجموعة من أعضاء ويطلق عليهم مجموعة من التسميات منها “مدققين” و “معاونين مدققين” ويكون معظم من الحاصلين على شواهد البكالوريا وديبلومات في المحاسبة والتدبير الإداري ([27]).

وهذا ويزاول فريق المدققين أو فريق التدقيق الداخلي بموجب برنامج على مدار السنة بحيث يصمم وبشكل يغطي كل مرافق وأنشطة المؤسسة.

المطلب الثاني: التدقيق الداخلي وتفعيل مبادئ الحكامة الإدارية والمالية.

تتعدد رهانات التدقيق الداخلي وأبعاده الوظيفية داخل الجماعات الترابية، فهو بمثابة صمام الأمان ويعتبر نظاما وقائيا وتقييميا وعلاجيا ضد كل المخاطر والاختلالات التدبيرية على المستوى المالي والإداري والبشري، ويهدف إلى تكريس مبادئ الحكامة الإدارية والمالية على مستوى تدبير الشأن الترابي.

الفقرة الأولى: التدقيق الداخلي وتكريس مبادئ الحكامة الإدارية.

تتجلى المهمة الأساسية للحكامة الإدارية في تقوية وظيفتي ومبادئ الشفافية والمساواة وتبسيط التدبير الإداري والمراقبة من طرف الدولة والمجتمع المدني اتجاه من يتولى تسيير الجماعات، وذلك في إطار قانوني ومؤسساتي[28]).

والتدقيق الداخلي يعمل على ضمان سلاسة تدفق المعلومات الدقيقة أمام المسؤولين عن وضعية التسيير بالجماعات، وتوفيرها بشكل جيد ومرن للفاعلين والمتدخلين في التدبير الشأن الترابي، كما يقدم اقتراحات قصد الزيادة من فعالية النظم ([29]).

ويأتي التدقيق الداخلي على المستوى المحلي لإرساء المزيد من الوضوح في المساطر المتبعة كمرحلة اللائحة بعد إقرار الإصلاح في سبيل تقييمه.

فكلما اتسمت الإجراءات الإدارية بالشفافية والوضوح كلما حدت من استغلال السلطات، وقدمت مساعدتها للمواطنين في مجال التعامل مع الأجهزة الحكومية، وكذا مجال التواصل وحل المشاكل والحصول على الخدمات في الوقت المناسب و بالجودة المطلوبة، فتعقيد القوانين و التشريعات يعمل على بطء الإجراءات في تنفيذ النشاطات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الخدماتية ([30]).

وتعتبر آلية التدقيق الداخلي تقنية تساعد على توفير المعلومات الكاملة والشاملة للأداء الإداري من خلال تقييم الأهداف المسطرة وتقديم الاقتراحات لتحسينها والرفع من كفاءتها وفعاليتها مما يترك هامشا واسعا للمسؤولين باتخاذ القرارات والإجراءات وفق مناهج علمية وواضحة تجنبهم من الوقوع في الأخطاء والأخطار وسوء التقدير للأمر، وبالتالي ضياع فرص تحسين الأداء في المؤسسة.

فالعلاقة المنسجمة بين تجويد الأداء الإداري وخدمات التدقيق الداخلي تجعل من الحكامة الإدارية ضرورة ذاتية وموضوعية ([31])، بحيث أن الجماعات هي في الحقيقة عنصر من عناصر استمرارية وامتداد السلطة الإدارية والسياسية، والبعد الخدماتي.

وقد أقر الملك محمد السادس بأن الإدارة قد عرفت نقلة نوعية من خلال مسلسل من الإجراءات تنادي بالتحديث والعصرنة، حيث استمرت المناظرات الوطنية حول الإصلاح الإداري وعدم اللاتمركز، وركزت على أولويات الإصلاح الإداري، بحيث يشكل مشروع تحسين الأداء بالقطاع العام محورا استراتيجيا ورهانا مهما وأساسيا بالنسبة لدولة المغرب بغية التوفر على إدارة عصرية مواطنة تتسم بالفعالية والشفافية ومؤهلة لمواكبة ومسايرة التغيير والتحويل لتحقيق الأهداف الكبرى التالية: 

فتحقيق مستوى الأداء بكفاءة وفعالية، يبقى المهمة الرئيسية التي تأسست من أجلها المؤسسة ([33]) هو ما نجده في الحكامة الإدارية والتي بدورها تعمل على التوظيف العقلاني والقانوني لقواعد المرفق العام ولوظائف الدولة، فأسس الحكامة يمكن الحديث عنهم في مرتكزات أساسية:

والتدقيق الداخلي بالنسبة للجماعات يعد أحد المؤشرات الهامة من أجل قياس وتقييم الفعالية وتنميتها الاقتصادية والاجتماعية بما أن من بين أهدافه إظهار وكشف العيوب ووقف الأخطاء وتدبير المخاطر ([35]).

كما يعد التدقيق الداخلي أداة من أدوات الحكامة حيث يعنى بالجانب المالي و المحاسبي في بدايته كما سبق، و أشرنا إلى ذلك قبل أن ينتقل إلى مجال المقاولة والإدارة حيث أصبح من الركائز الرئيسية للتدبير العمومي المحلي فهو تقنية حديثة تقدم الكثير من المزايا و الإيجابيات في كل الجوانب سواء المالية أو الإدارية، و يختلف التدقيق الداخلي عن مراقبة التسيير في كونه لا يكتفي بنقل المعلومات إلى المقررين بل يتفحص أيضا مدى صحتها و يدقق في نتائج الرقابة ذاتها كما يعمل على تقييم الأداء العام بها و مدى نجاعة نظامها التدبيري و التنظيمي([36]).

فالموارد الجبائية المتاحة والمحدودة بطبيعتها بالنسبة للجماعات الترابية جعلها تفكر في عقلنة و ترشيد استعمالها لهذه الموارد عبر إدماج مجموعة من التقنيات و الوسائل الحديثة في التدبير محليا من قبيل مراقبة التسيير التي لها مزايا لا تقل أهمية عن تقنية التدقيق الداخلي.

فأهميتها تتجلى في قدرتها على تقييم المشاريع ومراقبة استخدام الأموال العمومية، والمساعدة على التقييم النوعي والتقييم الكيفي فضلا عن أنها مراقبة قائمة على مفاهيم من قبيل الكفاءة والاقتصاد والنجاعة ومدى تحقيق الأهداف المرجوة من التسيير أو من المشاريع، وتسمح مراقبة التسيير بتنظيم وتعظيم الأثر الرجعي للمعلومات أو حلقات التغذية العكسية التي تزود إدارة الجماعة بالمعلومات الضرورية حول تطور وظائفها.

الفقرة الثانية: التدقيق الداخلي وتجويد الأداء المالي المحلي.

الاستناد على آلية التدقيق الداخلي كأسلوب رقابي حديث، مع اعتماد فروعه التي تهم كل مستويات العملية الإدارية في جوانبها العملياتية والمالية، تعتبر الوسيلة الأكثر نجاعة لضمان الرقابة الفعالة لأنشطة الإدارة سواء على المستوى المركزي والمحلي. 

إن الحاجة لترشيد استعمال المال العام في الجماعات الترابية جعل المغرب في حاجة إلى إصلاحات هيكلية مست تدبير المالية العمومية، حيث شرعت وزارة المالية في اعتماد مقاربة جديدة في تدبير الميزانية منذ إعداد مشروع قانون المالية 2002 والذي تلته بعد ذلك مجموعة من النصوص تضمنت مقتضيات مهمة خصصت لترشيد سبل تحضير وتنفيذ الميزانية العامة للدولة وفق المقاربة الجديدة ([37]).

وهو هدف استراتيجي ولتحقيقه يجب تبني مقترب الحكامة المالية والتي تعسى الى تحقيق الشفافية والعدالة، تم منح حق مساءلة الجماعات الترابية خصوصا في مجال الصفقات العمومية، وتدبير عقود الشراكة عام/خاص.

وظهرت الحاجة إلى استخدام تقنية التدقيق الداخلي بالمؤسسة باعتبارها آلية لاحقة ومكملة لتنظيم المراقبة الداخلية وإدارة المخاطر والحكامة، حيث تعمل على إضفاء الشفافية المؤثثة لمساءلة حقيقية في كل ما يتعلق بالمال العام ([38]).

ومن أبرز تجليات ومبادئ الحكامة المالية على المستوى الترابي يمكن رصدها في العناصر التالية:

التدبير الاستراتيجي، التدبير التشاركي والشفافية والمحاسبة والمساءلة، وفي إطار التحولات التي يشهدها العالم بأكمله أضحت ثقافة المحاسبة والمساءلة ضرورة ملحة في التدبير المحلي لكون الأدوار المنوطة بهذه البنيات تغيرت بتغيير مجالات التدخل، وعليه فقد ارتبطت مفاهيم الشفافية والمحاسبة والمساءلة بالحكامة المالية، فما المقصود بهذه المفاهيم؟ وما علاقتها بوظيفة التدقيق الداخلي؟

تعرف الشفافية المالية على أنها انفتاح الإدارة على المرتفقين من حيث هياكلها        ووظائفها، ونوايا السياسة المالية وحسابات القطاع العام والتوقعات المالية ([39]).

وفي تعريف للأمم المتحدة، فالشفافية هي حرية تدفق المعلومات أي توفير المعلومات والعمل بطريقة منفتحة تسمح لأصحاب الشأن بالحصول على المعلومات الضرورية للحفاظ على مصالحهم واتخاذ القرارات المناسبة ([40]).

ولا تستقر فعالية الرقابة المالية إلا بإقرار الشفافية في تدبير المالية المحلية فهي سياسة تسمح للعموم بالاطلاع على المعلومات المتعلقة بالحسابات العمومية ([41]).

ويرى الفقه أن الإدارة المالية الجيدة تعتمد على أربعة عناصر أساسية هي:

وقد عمد صندوق النقد الدولي سنة 1988 إلى إصدار ” ميثاق الممارسات الجيدة حول الشفافية المالية ” ينبني في مجمله على أربع عناصر أساسية تقدم الضمانات الكافية حول نزاهة وشفافية استخدام المال العام وهذه المبادئ هي:

1: وضوح الأدوار والمسؤوليات.

2: توفير المعلومات للعموم.

3: ضمان علنية التقارير حول إعداد وتنفيذ ورقابة الميزانية.

4: ضمان قيام أجهزة مستقلة من أجل مراقبة صدق المعلومات المالية.

لتقوية وتحسين رهان الحكامة المالية لابد من تعزيز شفافية الإدارة المالية خاصة من خلال تطوير جودة وفعالية الميزانية المحلية والارتقاء بآليات تتبعها وتقييمها، وبالرغم من فعالية تقييم وتتبع تنفيذ الميزانية وترسيخ قواعد الشفافية والمساءلة والمنافسة في تدبير الصفقات العمومية وتدعيم آليات التدبير المفوض وهذا ما استقر عليه رأي الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ([43]).

المساءلة حسب إعلان طوكيو لسنة 1985 هي إلزام الأشخاص والسلطات المخولة بإدارة الأموال والموارد بالإدلاء بالمعلومات المتعلقة بإدارة تلك الموارد بحيث يكون عرضة للاستجواب بخصوص قيامهم بالمسؤوليات التي يديرونها والمخولة لهم في الجوانب المالية ([44]).

و يتضح من خلال هذا التعريف أن المساءلة تساهم في تدعيم الشفافية عبر استجواب المسؤولين عن إدارة المال العام حيث يتضح بالملموس العلاقة الطردية التي تجمع بين المفهومين كلما زاد معدل المساءلة زاد مستوى الشفافية و انخفضت المخاطر المرتبطة بالفساد…([45]).

في السياق ذاته فإن اتساع نطاق السلطات المخولة للجماعات الترابية استوجب تكريس مراقبة متقدمة عن ما هو كلاسيكي للوصول إلى الأهداف التي وجدت من أجلها الجماعة بشكل متطور بالموازاة مع ربط المسؤولية بالمحاسبة مما يسمح بالتقليل من مخاطر الفساد بكل أنواعه سواء الإداري أو المالي.

و يعكس القانون رقم 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات الترابية حيث تشير المادة 16 إلى أن الميزانية تعرض مرفقة بالوثائق الضرورية لدراستها على اللجنة المختصة في أجل 10 أيام على الأقل قبل تاريخ افتتاح الدورة المعلقة بالمصادقة على الميزانية من طرف المجلس([46]).

ومن نفس القانون 45.08 أشارت المادة 55 إلى وجود التقيد بالمنافسة الحرة كما نصت المادة 56 إلى التوجه العام نحو إرساء الشفافية في التدبير المالي للجماعات الترابية…

وبناء على ما جاء في الفقرة الأخيرة من نفس المادة ومن منطق تداول المعلومات، فقد نصت على وجود قيام الآمر بالصرف بعرض تقارير التدقيق على المجلس التداولي خلال انعقاد الدورة العادية الموالية وتوجيه نسخة منه إلى وزير الداخلية ([47]).

الخاتمة.

أضحى التدقيق في وقتنا الراهن آلية ووسيلة تدبيرية لا غنى عنها لتجاوز قصور الأنظمة الرقابية الكلاسيكية التي أبانت عن محدوديتها، ومن أجل تطوير وتحسين الأداء الإداري بالجماعات الترابية، فالتدقيق ذو طابع تقييمي وعلاجي وتصحيحي يتجاوز المنطق التسييري أي المطابقة بين النص القانوني والتسيير الفعلي و  مراقبة المشروعية إلى اعتماد الأليات التدبيرية الحديثة المستمدة من القطاع الخاص لضمان حماية المال العام وتطوير الكفاءة التدبيرية للمصالح الأمرة بالصرف، وقد استجابة التطورات التي عرفتها وظيفة التدقيق الداخلي لتوسع عمل الإدارة وتطوير الأداء العمومي، و يعتبر التدقيق الداخلي حلقة رقابية مهمة داخل الجماعات الترابية يساعدها على بلوغ أهدافها المسطرة من خلال ما تتوفر عليه هذه العملية من إمكانيات مهمة.

وتتسم أهداف التدقيق الداخلي بالمرونة والتجديد، ولا يقتصر نطاق نشاطه على نشاط معين من وظائف الجماعات واختصاصاتها المتعددة، بل يمتد ليشمل كل العمليات التي تقوم بها الجماعات من إبرام وتنفيذ البرامج التنموية وإبرام وتنفيذ الصفقات العمومية وعقود الشراكة، وإعداد الميزانية وتنفيذها، وتدبير الموارد البشرية، سواء أكانت عمليات إدارية أم عمليات مالية، كما يعكس التدقيق الداخلي ضمانة لنجاح عمل المدقق الخارجي.

ومما لا شك فيه، أن تعدد مدلول ومجال التدقيق، ورهان حماية المال العام دليل واضح على أهميتهما داخل النسق الإداري والمالي للدولة، ثم وجود علاقة اتصال بينهما في التطوير الإداري وحماية المال العام وخاصة إذا كان التدقيق الداخلي يُمارس بموضوعية وحياد واستقلالية وفق معايير وإجراءات التدقيق الدولية.  


[1]إدريس خدري: الإسلام وافتحاص المال العام، مطبعة دار النشر المغربية الدار البيضاء عين السبع، الطبعة الأولى سنة 2002،ص 40.

[2] – نجيب صبري، “تحديث الفعل الرقابي، رهان السياسات العمومية بالمغرب (نحو تقوية رقابة الحكامة)”، منشورات مجلة العلوم القانونية، العدد الأول، ماي 2013، دار المعارف الجديدة، الرباط، ص: 53.

[3] – غسان فلاح المطارنة، “تدقيق الحسابات المعاصر ( الناحية النظرية)”، دار المسيرة للنشر و التوزيع، عمان، الطبعة I  2006، ص: 13.

[4] – عبد الفتاح الصحن، “مبادئ و أسس المراقبة علما و عملا، مؤسسات شباب الجامعة، الإسكندرية، الطبعة 1994 ص: 04.

[5] -Internal auditing is an independent, objective assurance and consulting actroity designed to add  value and improve an organisation operation, it helps an organization operation. it helps an organization  accomplish  its objectives by bringing , disciplined approach ti evaluate and improve the effectiveness of risk menagement, contrôl and governance processes I I A  2004.

[6] : فاتح غلاب، ” تطور وظيفة التدقيق في مجال حوكمة الشركات لتجسيد مبادئ و معايير التنمية المستدامة         – دراسة لبعض المؤسسات الصناعية-“، منشورات مؤسسة الفكر العربي، الطبعة الاولى سنة 2005 ص 47.

[7] – « l’audit interne est une activité indépendante et objective qui donne a une organisation une assurance sur le degré de maîtrise de ses opérations, lui apporte les conseils pour les améliorer et contribuer à créer de la valeur ajoutée » ; Institut Français d’audit et des consultants intenses, IFACI, 2004.

[8] – منشورات الأنتوساي استقلالية التدقيق الداخلي في القطاع العام، ص: 24.

http://www.intosai.org

[9] – فاتح غلاب، مرجع سابق، ص 50.

[10] – إدريس خذري، مرجع سابق، ص: 21.

[11] – انظر الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير محمد كريم العمراني سنة 1993.

[12] – فتحي رزق السوافري و آخرون، “الرقابة و المراجعة الداخلية”، الدار الجامعية الجديدة ، الإسكندرية 2002، ص: 46.

[13] : محمد عبد الله حامد العبدالي، مرجع سابق، ص: 32.

[14] – ادريس خدري، مرجع سابق، ص: 37.

[15] – محمد التهامي ظواهر و مسعود صديقي: “المراجعة و تدقيق الحسابات”، ديوان المطبوعات الجامعية 2003، الجزائر، ص: 09.

[16] – محمد عبد الله حامد العبدلي، مرجع سابق، ص: 33.

[17] – محمد التهامي ظواهر و مسعود صديقي، مرجع سابق،10.

[18] – ادريس خدري: 22 .

[19] – Donald Taylor and G. William. Glozen. Aubiting: An assertion approach. New York, 1997. P.P: 40 – 41.

[20]عبد الرزاق محمد عثمان: أصول التدقيق والرقابة الداخلية، الدار النموذجية صيدا بيروت الطبعة الثانية سنة 2008 ص 40.

[21] – نجيب جيري ” الرقابة المالية بين الحكامة المالية و متطلبات التنمية”، طبعة 2011، دار النشر للمعرفة، ص: 25.

[22] – عبد الحق عقلة، مرجع سابق، ص: 113.

[23] – عبد الرزاق محمد عثمان، ” أصول التدقيق و الرقابة الداخلية”، مرجع سابق، ص: 156.

[24] – عبد الرزاق محمد عثمان، ” أصول التدقيق و الرقابة الداخلية”، مرجع سابق، ص: 156.

[25] : عبد الرزاق عثمان: مرجع سابق، ص: 156.

[26] – عبد الرزاق محمد عثمان، ” أصول التدقيق و الرقابة الداخلية”، مرجع سابق، ص: 158.

[27] – عبد الرزاق محمد عثمان، ” أصول التدقيق و الرقابة الداخلية”، مرجع سابق، ص: 159.

[28] – حيمود محمد، ” إشكالية تقييم التدبير المحلي، مقارنة نقدية على ضوء التوجيهات الرقابية الحديثة”، أطروحة لنيل الدكتوراه، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، عين الشق، البيضاء، السنة الجامعية: 2001 – 2002 ، الصفحة : 101.

[29] – للمزيد انظر التوجه الثاني في البرنامج الحكومي لسنة 2012.

[30] – زهير الكايد، ” الحكمانية، قضايا و تطبيقات”، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 2003، الصفحة 239 – 240.

[31] – سعيد جفري، “الحكامة و أخواتها مقارنة في المفهوم و رهان الطموح المغربي”، الشركة المغربية لتوزيع الكتاب  الطبعة الأولى 2010، الصفحة 160.

[32] – التوجيهات و الأساليب لتحسين أداء القطاع العام – المملكة المغربية – أوراق عمل أشغال المؤتمر الدولي للتنمية الإدارية نحو أداء …في القطاع الحكومي، الرياض المملكة العربية السعودية، 1- 4 نونبر 2009 ، الصفحة 13.

[33] – The essential handboot of internal auditing 5 H spener Pichet  BIP , page: 26.

[34] – للمزيد حول أسس الحكامة الإدارية، انظر حيمود المختار ” الحكامة الإدارية أسسها و عوائقه”، المجلة المغربية للإدارية المحلية و التنمية”، العدد 92، ماي – يونيو 2010، الصفحة 87 – 88 – 89.

[35] – ويسي الخرشي، مرجع سابق، الصفحة: 62.

[36] – إدريس خذري، مرجع سابق، ص: 92.

[37] – محمد حنين، ” المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية”، الطبعة الأولى، مطبعة دار القلم، الرباط 2007، ص: 2.

[38] – ويسي الخرشي، مرجع سابق، ص: 70.

[39] – محمد حركات، ” الاقتصاد السياسي والحكامة الشاملة”، ص: 288.

[40] – زينب العدوي، “مراقبة المال العام من طرف المحاكم المالية و دورها في الفساد الإداري”، سلسلة ندوات محكمة الاستئناف بالرباط، العدد الرابع 2012، ص: 59.

[41] – محمد المصطفى، “دراسة في مدونة المحاكم المالية”، المجلة المغربية للإدارة و التنمية، عدد مزدوج 51 – 52 يوليوز- أكتوبر 2003، الصفحة 145.

[42] – محمد حركات، “الاقتصاد السياسي والحكامة الشاملة”، ص: 293.

[43] – للمزيد انظر الملخص التنفيذي لتقرير الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة 2010 – 2011.

[44] – عبد الرزاق جابر، ” دور رقابة ديوان المحاسبة، دراسة قانونية مقارنة”، مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع، عمان الأردن، الطبعة الأولى، ص: 192.

[45] – زينب العدوي، “مراقبة المال العام من طرف المحاكم المالية و دورها في محاربة الفساد المالي”، م. س، 2012       ص: 61.

[46] – محمد حيمود، ” الحكامة المالية المحلية بالمغرب على ضوء الإصلاحات القانونية والمالية” مقال منشور بالمجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية العدد 57سنة 2007، الصفحة: 11.

[47] – للمزيد انظر الظهير الشريف رقم 1.09.02 الصادر في 22 صفر 1430 بتنفيذ القانون رقم 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية و مجموعاتها بتاريخ 23 فبراير 2009.

Exit mobile version