التدريس عن بعد وتعليم الأشخاص في وضعية إعاقة في ظل “جائحة كوفيد 19”

التدريس عن بعد وتعليم الأشخاص في وضعية إعاقة في ظل “جائحة كوفيد 19”

tele teaching and teaching peole in a position of disability ander a pandenmiec «  covid 19 »

شيراز زيان 

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه بكلية علوم التربية بالرباط. جامعة محمد الخامس بالرباط

[email protected]

ملخص :

     يعرف التدريس عن بعد وتعليم الأشخاص في وضعية إعاقة في ظل جائحة كرونا (كوفيد 19) تحديا حقيقيا لمؤسسة الدولة والجمعيات الشريكة لها، لأن استكمال هذه الفئة تعليمها عن بعد يتطلب سياسة تربوية دامجة، كما أنه يتطلب دعما أكثر تركيزا وترتيبات تيسيرية معقولة من أجل ضمان حقوق هذه الفئة في التعليم وضمان تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص الذي نص عليه الدستور، ونظرا إلى أن الإعاقة هي أنواع مختلفة ومستوياتها مختلفة،  هو ما يطرح صعوبات في تمكين هذه الفئة من التعليم عن بعد ومن هذا المنطلق تنبع أهمية هذه الورقة البحثية في طرح وتفكيك آثار جائحة كوفيد19 على تعليمهم وفي تسطير مميزات وصعوبات التعليم عن بعد لهذه الفئة؛ وقد جاءت هذه الورقة  البحثية أيضا  لتجيب عن الأسئلة التالية: ما الآثار التي خلفتها وضعية التعايش مع فيروس كرونا على تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة وعلاقة ذلك بذويهم؟ ما هي مميزات وصعوبات التعليم عن بعد في مجال تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة؟ كيف يمكن الارتقاء بالتعليم عن بعد في مجال تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة في مثل أزمة جائحة كرونا بالمغرب؟

الكلمات المفتاحية: التعليم عن بعد – الأشخاص في وضعية إعاقة- التربية الخاصة – فيروس كرونا – الثقافة الرقمية.

Summary :

   Tele teaching and teaching people with disabilities in a pandemic are a real challenge to state institutions and their partner societies.because completing this category of distance education requires an inclusive educational policy,just as it requires more focused support and reasonnable accommodation in order to guarantee the rights of this group in education and to ensure the achievement of the principle of equal opportunities stipulated in the constitution,  the importance of this pure paper stems from the presentation and dismantling of the effects of the pandemic « covid19 » on their education and in underlining the advantages and difficulties of distance education for this category ;this paper come to answer the following questions :what are the effects that the status of co existence with the « corona virus » has had on educating people in a disability situation and their relationship with their family ?-what are the advantages and difficulties of distance education in the fieled of education for person with disabilities ?

Key words :distance education-people with disabilities-special education-corona virus-digital culture.

مقدمة

   يمثل تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة ، مهما كانت درجة الإعاقة أو نوعها ، و مهما اختلفت أعمار هؤلاء الأشخاص و أصلوهم السوسيو إقتصادية و الثقافية ، تحديا كبيرا ثلاثي الأبعاد: فهو أولا تحد ذاتي بالنسبة للشخص في وضعية إعاقة؛ إذ يتطلب منه عزما ثابتا لتخطي وضع الإعاقة و تعبئة الطاقات و الإمكانات الكامنة لديه ، و مواجهة المعيقات الخارجية التي تواجهه، وثانيا فهو تحد موضوعي بالنسبة للمجتمع؛ إذ يتطلب من كافة مكوناته و شرائحه تغيير التمثلات السلبية التي تحملها حول الإعاقة كيفما كان نوعها ورفع كل الحواجز التي يمكن أن تعترض استفادة هذه الشريحة من حقها في التعليم و التكوين،  وولوجها مجالات المعرفة ، وارتقاءها الاجتماعي في إطار الإنصاف و تكافؤ الفرص. وهذا يعني أنه على السياسات التربوية أن تعمل على استدعاء وتنزيل المضامين التي أعلنتها المعاهدات و المواثيق الدولية ، وصادقت عليها الدول ، و نص عليها دستور المملكة المغربية، لأجل ضمان حقوق الأشخاص  في وضعية إعاقة، من ضمنها الحق في التربية و التكوين و الاندماج الاجتماعي.[1]

   ولقد  قطعت الدولة و الجمعيات الشريكة معها أشواطا في قضية تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة و تمكينهم من الحق في التعليم و التعلم على قدم المساواة و في حصولهم على تعليم عصري ميسر الوجود وذي جودة و عند تفحصنا الفقرة الأخيرة من الدستور المغربي نجده يؤكد صراحة على هذا الحق بقوله ” التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة و الدولة “.[2]

   واليوم تجد مؤسسة الدولة و جمعيات الإعاقة الشريكة تحديا جديدا في الاعتناء بهذه الفئة في ظل ظهور جائحة كرونا (كوفيد 19) التي يمر منها العالم الآن ،  سواء في استكمال تعليمهم أو على مستوى إذكاء الوعي و التحسيس من هذا لفيروس  الذي لم يكن متوقعا حيث عرفته المنظمة الصحة العالمية ، فصيلة كبيرة من الفيروسات التي قد تتسبب بالمرض للإنسان و الحيوان معا ، و هو يسبب لدى البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها بين نزلات البرد المعروفة إلى الأمراض الأشد وخامة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية و المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة و هي التي تعرف “السارس” و هو مرض معد لم يكن هناك أي علم بوجوده ،و قد أعلنت جل دول العالم عن فرض “حالة الطوارئ ” الصحية في البلاد بسبب القوة القاهرة التي تسبب بها فيروس كرونا القاتل.[3]

ولخطورة هذا الفيروس صدر في المغرب مرسوم قانون رقم 2.20.292 صادر بتاريخ 28 من رجب 1441 ( 23 مارس 2020) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراء الاعلان عنها، و مرسوم رقم 2.20.293 صادر بتاريخ 29 رجب 1441 ( 24 مارس 2020) بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني المغربي لمواجهة تفشي فيروس كرونا كوفيد19.

    وبذلك أعلنت وزارة الداخلية المغربية، في بلاغ رسمي يوم الخميس 19/03/2020 ، عن فرض “حالة الطوارئ “الصحية في البلاد ، و فرض حظر التجول ، للحد من تفشي “فيروس كرونا ” ، من 20/03/2020 إلى 20 أبريل في الساعة السادسة مساء.

   فتماشيا مع التدابير الاحترازية و الاجراءات الوقائية المتخذة على المستوى الوطني و الرامية إلى الحد من تفشي فيروس كرونا المستجد و بعد التوقف الاحترازي لأنشطة مختلف المراكز المعنية  بتمدرس الأطفال في وضعية إعاقة ، صدر بلاغ  عن وزارة التضامن و التنمية الاجتماعية و المساواة و الأسرة يوم 27 مارس 2020.[4]

 فجاء في البلاغ ما يلي: “تماشيا مع التدابير الاحترازية و الاجراءات الوقائية المتخذة على المستوى الوطني و الرامية إلى الحد من تفشي فيروس كرونا المستجد و بعد التوقف الاحترازي لأنشطة مختلف المراكز المعنية  بتمدرس الأطفال في وضعية إعاقة ، تدعو فيه الجمعيات الشريكة في إطار دعم تمدرس الأشخاص في وضعية إعاقة إلى الحرص على ضمان استمرارية  بعض الخدمات عن بعد في إطار ” مداومة تربوية  تنخرط فيه جميع الأطر من خلال برنامج عمل يتم تصريفه عن بعد بغية إنجاز العمليات التالية” :

-التواصل مع الآباء و الامهات و الأطفال في وضعية إعاقة ، و مدهم بأنشطة تربوية يمكن إنجازها داخل المنازل

– التواصل مع مختصي الترويض و إعادة التأهيل الوظيفي من خلال تقديم إرشادات و توجيهات في الترويض لفائدة الأشخاص ذوي الصعوبات الحركية .وكذا إرشادات لتصحيح النطق و التخاطب للأشخاص ذوي الصعوبات الذهنية و التواصلية .

– تقديم الدعم النفسي للأطفال ، و تقديم إرشادات و توجيهات للأباء و الامهات لتجاوز بعض الصعوبات النفسية ذات صلة بفترة الحجر الصحي داخل المنازل

– إعطاء النصائح و الإرشادات الوقائية وفق البروتوكول الصحي المعتمد من وزارة الصحة. و ذلك بطرق  ووسائل و أشكال الاتصال المعززة و البديلة ، مع استعمال تقنية الفيديو بالنسبة للأشخاص الصم .

   لذلك كان لزاما خلال هذه الأزمة الصحية العالمية و مع وجود الحجر المنزلي و إغلاق المدارس و الجامعات و مراكز الإعاقة و أقسام الدمج أن تتبنى الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة بتوجيهات من التعاون الوطني و مؤسسة الدولة  ووزارة  الأسرة و التضامن و وزارة التربية الوطنية على عاتقها اتمام تعليمهم عن بعد مما طرح مجموعة من الإشكالات سنعالجها ونقاربها عبر اعتماد التصميم التالي:

* المحور الأول: ما آثار الأزمة التي خلفتها وضعية فيروس كرونا على تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة وعلاقة ذلك بذويهم؟

 * المحور الثاني: ما هي مميزات و صعوبات التعليم عن بعد في مجال تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة؟

* المحور الثالث :  كيف يمكن الارتقاء بالتعليم عن بعد في مجال  تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة  في مثل أزمة كرونا  بالمغرب؟

المحور الأول: آثار الأزمة التي خلفتها وضعية فيروس كرونا على تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة وعلاقة ذلك بذويهم 

عندما نتحدث عن الجائحة فمن البديهي أن نتحدث عن آثار الأزمة التي خلفتها هذه الجائحة لذلك نسعى من خلال هذا المقال  إلى رصد أثر فيروس كرونا على تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة وذويهم  بعدما نقارب مفهوم الإعاقة و مفهوم التعليم عن بعد :

أولا: مفهوم الاعاقة 

    يمكن تعريف الشخص في وضعية إعاقة باعتباره ” الشخص الذي تعرض الى اختلال وظيفي فيزيولوجي أو سيكولوجي أو هما معا، ونتج عنه قصور أو عجز وظيفي أثر على نمو إمكانات وقدرات هذا الطفل الجسدية أو الحسية أو العقلية أو التواصلية، وعلى كفاياته وقدراته في القيام بالأنشطة الفردية اليومية الاعتيادية أو المدرسية”.[5]

ومن المعلوم أن هناك عدة تعريفات للإعاقة وللشخص في وضعية إعاقة، تختلف بحسب المؤسسات أو الهيئات التي تصدر عنها، أو بحسب المقاربات التي اعتمدت في تناولها. وقد نظر إلى مفهوم الإعاقة من زوايا مختلفة بحسب الباحثين والدارسين والخلفيات الفلسفية أو الحقوقية أو  السوسيوتربوية التي انطلقوا منها. ويمكن تلخيص أهم التعاريف والمقاربات التي حددت مفهوم الإعاقة في الجدول التالي:

الجدول (1) :تعريفات الإعاقة

التصنيف الدولي للوظائف 2001/CIFالتعريف حسب سيرورة إنتاج الإعاقة PPHتعريف منظمة الأمم المتحدة 2006/ON
الإعاقة ناتجة عن مشاكل صحية مرض أو اضطراب تؤثر على بنية الجسم ووظائفه، وتحد من نشاط، الفرد وتقلص من إمكانات مشاركته في محيطه الاجتماعي.الإعاقة ناتجة عن مشاكل صحية ( مرض أو اضطراب ) تؤثر على بنية الجسم ووظائفه ، و تحد من نشاط الفرد و تقلص من إمكانات مشاركته في محيطه الاجتماعي .الإعاقة قصور ناتج عن اختلال أو فقدان أو غياب أو اضطراب في الأعضاء الفيزيولوجية أو العقلية أو الحسية للفرد ينتج عنه عجز وظيفي. وقد تضيف العوائق الاجتماعية حواجز أخرى تعمق العجز الذي تسببه الإعاقة.  

المصدر : (الإطار المرجعي للهندسة المنهاجية لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة (2017) ، وزارة التربية الوطنية، مديرية المناهج، بدعم من منظمة اليونيسيف)

الجدول (2) :  المقاربات التي تناولت الإعاقة

المقاربة الطبيةالمقاربة الاجتماعيةالمقاربة الحقوقية
الإعاقة اختلال وظيفي جسدي حسي ، أو ذهني ينتج عنه قصور في الأداء البشري . هذا الاختلال له أسباب  و نتائج عضوية مرتبطة بالذات و بالعوامل الخارجية . و هذا ما يستدعي مقاربة علاجية تخصصيةالإعاقة لا تقرن بالشخص في وضعية إعاقة بل بمحيطه الاجتماعي و العوائق و الحواجز الاجتماعية في المؤسسات و في المحيط الاجتماعي :  كانعدام الولوجيات و الميسرات و الخدمات المدرسية و الاجتماعية الدامجة .تنظر الى الاعاقة و الطفل في وضعية إعاقة باعتباره الشخص الذي يعاني من قصور في الوظائف الذهنية و الجسدية نتج عنه تعرضه لنظرة و أفعال و ممارسات تمييزية سلبية ، و الحرمان من الحقوق الأساسية كالحق في المتمدرس الدامج .[6]

المصدر : (الإطار المرجعي للهندسة المنهاجية لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة (2017) ، وزارة التربية الوطنية، مديرية المناهج، بدعم من منظمة اليونيسيف)

إذا ما تفحصنا بتمعن هذه التعريفات للإعاقة فنجد أن كل تعريف له مرجعياته و في هذا السياق  لا ينبغي فهم الإعاقة انطلاقا من رؤية طبية محظة أو رؤية إجتماعية  فقط و إنما باعتبارها تفاعلا ديناميا بين الظروف الصحية و العوامل الشخصية الأخرى ، بحيث أصبح الشخص يعبر عن الاختلاف و أصبحت الإعاقة مسؤولية مجتمعية ناتجة عن المعيقات التي تتولد داخل التفاعل بين هذا الشخص والبيئة الاجتماعية.

ثانيا: التعليم عن بعد و فلسفته

  1. مفهوم التعليم عن بعد

    إذا كان التعليم، بمختلف مستوياته، يواجه تحديات لتتمة المناهج والبرامج التعليمية المقررة الموجة للتلاميذ والطلبة، في وضعية غير وضعية إعاقة، داخل سنة دراسية معينة فإن الأمر يصير أكثر تعقيدا وتحديا حين نتحدث عن العمليات التعليمية المرتبطة بمن هم في وضعية إعاقة، الخاضعين لنظام التربية الخاصة، وذلك من قبيل الإعاقة الذهنية، أو الإعاقة البصرية أو التوحد. إن المؤسسات المسؤولة عن تعليم مثل هؤلاء الأشخاص، الذين هم في وضعية إعاقة، لم تجد بديلا في التغلب على توقف سير عمليات التدريس إلا من خلال الاعتماد على التعليم عن بعد شأنها، في ذلك، شأن سائر المؤسسات التعليمية بالبلاد. وبشكل مبدئي يتم التعليم عن بعد عندما تفصل المسافة الطبيعية ما بين المعلم والطالب أو الطلاب خلال حدوث العملية التعليمية، حيث تستعمل التكنولوجيا مثل الصوت، الصوت والصورة؛ المعلومات؛ والمواد المطبوعة.[7] إضافة لعملية الاتصال التي قد تتم وجهاً لوجه، لسد الفجوة في مجال توجيه التعليمات.

ولقد تم تعريف التعليم عن بعد طبقا لما جاء في إصدارات الجمعية الأمريكية للتعليم عن بعد ” هو تقديم التعليم أو التدريب من خلال الوسائل التعليمية الالكترونية و يشمل ذلك الأقمار الصناعية ، الفيديو ، و الأشرطة الصوتية المسجلة ، و برامج الحاسبة الآلية ، و النظم و الوسائل التكنولوجية التعليمية المتعددة ، بالإضافة إلى الوسائل الأخرى للتعليم عن بعد[8]  “.  

ومجمل القول إن التعليم عن بعد هو توفير تعليم لأي فرد من أفراد المجتمع لديه الرغبة في التعليم و القدرة المالية على ذلك ، و يتم ذلك عن طريق التواصل من خلال الوسائط المتعددة ووسائل الاتصال المتنوعة تحت رقابة إدارية و تنظيمية تنتهي بالحصول على شهادة معترف بها.[9]

 ويعرف التعليم عن بعد أيضا “أنه تعليم نظامي منظم تتباعد فيه مجموعات التعلم و تستخدم فيه نظم الاتصالات التفاعلية لربط المتعلمين و المصادر التعليمية و المعلمين سويا”.[10]

و هناك أربعة مكونات أساسية لهذا التعريف:

المكون الأول: إن هذا النوع من التعليم يقوم على فكرة المؤسسات  النظامية ، و هذا ما يميز مفهوم التعليم عن بعد عن مفهوم  التعلم الذاتي ، أو الدراسة المستقلة و المؤسسات المشار إليها في التعريف  قد تكون تقليدية ، أو كليات .

المكون الثاني: هو مفهوم  التباعد بين المعلم و الطالب ، و قد يظن البعض أن هذا التباعد هو تباعد مكاني فقط ، فالمعلم يكون في مكان و الطلبة في مكان آخر ولكن هذا المكون يتضمن أيضا  التباعد الزمني بين المعلم و الطلاب ، فالتعليم غير المتزامن عن بعد يعني تقديم التعليم في وقت ما ، و استقباله من جانب الطلبة في وقت آخر ، أو في أي وقت يختارونه، فلا بد من تحديد واع لدرجة التباعد الزمني أو المكاني بين المعلم و الطلاب .[11]

المكون الثالث :و هو الاتصالات التفاعلية و هذا التفاعل قد يكون متزامنا أو غير متزامن و في نفس الوقت أو أوقات مختلفة ، و هذا التفاعل  هام للغاية و لكن ليس على حساب المحتوى  التعليمي ، و بمعنى آخر فمن المهم أن نوفر تفاعلا مناسبا للمتعلمين لكي يتفاعلوا مع بعضهم البعض أو مع مصادر التعلم أو مع معلميهم. وإذا كان هذا التفاعل ليس من أولويات التعلم ، إلا أنه يجب أن يكون متاحا للمتعلمين ، و شائعا فيما بينهم ، بل و مناسبا للاستخدام ، و متاحا في أي وقت.

المكون الرابع: هو الربط بين المتعلمين و المصادر و المعلمين سويا ، بمعنى أن هناك معلمين يتفاعلون مع الطلبة  و مع تلك المصادر التعليمية المتاحة لجعل التعليم ممكنا . و هذه المصادر لا بد و أن تخضع لإجراءات التصميم التعليمي المناسبة حتى يمكن استعابها ضمن خبرات التعليمية للمتعلم و بالتالي تعزيز التعلم ، وقد تتضمن هذه المصادر مصادر مرئية ، أو محسوسة ، أو مسموعة . [12]

ويتضمن مفهوم التعليم عن بعد هذه المكونات الأربعة، وإذا غابت إحدى هذه المكونات أو بعضا منها فسوف يختلف الوضع عما هو مفروض أن يكون عليه التعليم عن بعد ، و من المهم أن نلاحظ أن التعليم عن بعد يتضمن عمليتي التعليم و التعلم عن بعد في آن واحد ، ولذلك فإن تطوير و تصميم و إدارة و تقييم التعليم يقع تحت مفهوم التعليم عن بعد ، بينما تقع الاستفادة من كل الخبرات التعليمية في مجال التعلم تحت مفهوم التعلم عن بعد.

وطبقا لمفهوم التعليم عن بعد بمعناه الأشمل فإن التعلم عن بعد لن يكون ممكنا بدون هذه المكونات الأربعة . [13]

  • المحددات الفلسفية للتعليم عن بعد:

    كما هو معلوم فإن أي نظام تربوي له محددات و مرجعيات فلسفية ناظمة له؛ و بالتالي تؤثر في جميع عناصره تأثرا تفاعليا بحيث  تحدد النسق الفلسفي للنظام التربوي. و فلسفة التعليم عن بعد تنطلق في جوهرها من الحق في التعليم و التعلم وفق المبادئ المؤسسة للمجتمع و القيم الناظمة له ، ووفق هويته الحضارية و الإنسانية و من هذه المنطلقات فمن الضرورة مراعاة الفروق الفردية بين الأفراد من أجل توفير الوسائل التعليمية لكل مكون تعليمي ولكل احتياج خاص للأفراد ، ومن ناحية أخرى فإن التعليم عن بعد تؤكد فلسفته ضرورة اشتغال الافراد الراشدين أو الأطفال المتعلمين باستقلالية ، إلا أن هذه الاستقلالية لن تأتي إلا بالتمرن و التدريب عليها و هي نابعة من فلسفة براغماتية نفعية. وخلاصة القول إن فلسفة التعليم عن بعد تنطلق من المحددات  التالية:

  1. حق الفرد في التعلم و الوصول إلى المعرفة و المعلومة حتى و لو كان بعيدا عن مؤسسته التعليمية .
  2. حق الفرد في إعطاء الفرصة للتعلم حتى و إن تجاوزها الزمن .
  3. التوصل بالمعلومات و المعارف عن بعد سواء بالمشاهدة أو بالتفاعل عبر التطبيقات المتعددة .
  4. الانتقال من التعليم إلى التعلم الذاتي و المستمر. [14]

ثالثا :  الآثار التي خلفتها وضعية فيروس كرونا على تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة

  قبل رصد الآثار التي خلفتها جائحة كرونا على تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة لا بد لنا أن نذكر بواقع تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب ، فبرغم المجهودات الكبيرة للمملكة المغربية في تأهيل و تدريس الأشخاص في وضعية إعاقة إلا أن  واقع حال تعليم هؤلاء لا يزال يعرف العديد من الإختلالات و الصعوبات ، يمكن إبرازها من خلال المؤشرات الدالة التي كشف عنها البحث الوطني الثاني حول الإعاقة بالمغرب (2014)[15]:

  • 66.1 ٪ من الأشخاص في وضعية إعاقة دون تعلم ، و تمثل الإناث الغالبية العظمى 66.6 ٪.
  • تقارب نسبة الأشخاص في وضعية إعاقة غير المتمدرسين المنتمين للوسطين الحضري و القروي 50.6 ٪ بالوسط الحضري و 49 ٪.  بالوسط القرووي .
  • لا تتعدى نسبة الأشخاص في وضعية إعاقة ممن لديهم مستوى الابتدائي 15 ٪
  • لا تتجاوز نسبة الأشخاص في وضعية إعاقة ممن لديهم مستوى التعليم الثانوي 9.5٪ [16]

  إذن هذه هي الصورة العامة حول  واقع تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب. واليوم يعرف تعليم هذه الشريحة من المجتمع تحديا جديدا في ظل آثار جائحة كرونا على تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة؛ و التي كان لها تأثير على مجموعة من الجوانب الأخرى منها السلوكية و النفسية والاجتماعية علما أن هذه المستويات الثلاثة مرتبطة و مؤثرة و متفاعلة مع  بعضها البعض .

   فقد تسبب فيروس كرونا في إغلاق جميع المدارس و المؤسسات و الجمعيات الشريكة للدولة في تمدرس الأشخاص في وضعية إعاقة مما أدى ذلك إلى توقف التعليم الحضوري و الاستعانة بالتعليم عن بعد .

   وفي هذا الإطار، وعلى مستوى قطاع التربية الوطنية، ومنذ إطلاق البوابة الإلكترونية TelmidTICE والتي توفر مضامين رقمية مصنفة حسب الأسلاك والمستويات التعليمية وكذا المواد الدراسية، بلغ معدل المستعملين لهذه المنصة حوالي 600 ألف مستعمل ومستعملة يوميا، كما بلغ مجموع الموارد الرقمية المصورة التي تم إنتاجها 3000 موردا. [17]

  فإذا تمعنا نجد أن التربية الدامجة لم تنل حظها الوافر من كل هذه الإجراءات المحمودة، التي إتخذتها الدولة، حيث أسفرت هذه العملية عن تحقيق نتائج أولية إيجابية على عدة مستويات بعد فرض حالة الطوارئ و دخول الحجر الصحي حيز التنفيذ؛ وذلك ضمانا للاستمرارية البيداغوجية.

 كما أن عملية التعليم عن بعد أغفلت التلميذات و التلاميذ  في وضعية إعاقة و لم توفر لهم الوسائل الضرورية و الكفيلة بتقديم عرض تربوي مندمج يتماشى مع القدرات النفسية و الصحية و العقلية لهذه الفئة أسوة بالتلاميذ الذين هم في وضعية غير وضعية إعاقة، مما يضعنا أمام علامات استفهام كبيرة حول هذه الفئات التي كفل لها الدستور حقها في التعليم ، و كذا من حقنا أن نتساءل عن الطرق و الكيفيات الكفيلة بتنزيل البرنامج الوطني للتربية الدامجة الذي بدل مجهود كبير جدا من أجل إعداده و الاستعداد لتنزيل أوراشه جهويا و إقليميا ، و الذي ربما ترك فراغا فرضته الظروف الحالية يتعلق بمسألة التربية الدامجة عن بعد، التي أكيد سينتبه المسؤولون على هذا القطاع إلى ضرورة تداركها و إيجاد الحلول الآنية و المستعجلة لتجاوزها .[18]

كما أن التوقف عن سير عمليات التدريس له آثار وخيمة خاصة على الأشخاص التوحديين؛ لأن التوحد بطبيعته مغاير على باقي الإعاقات الأخرى؛ فالشخص التوحدي هو شخص يحب الرتابة، و هذا التغيير المفاجئ في حياته سيؤثر لا محالة على جانبه  السلوكي و إلى ظهور سلوكات عدائية  .

 وتعرف منظمة الصحة العالمية اضطرابات طيف التوحد باعتبارها مجموعة من الاضطرابات المعقدة في نمو الدماغ. ويتناول هذا المصطلح الشامل حالات من قبيل مرض التوحد واضطرابات التفكك في مرحلة الطفولة ومتلازمة آسبرغر وتتميز هذه الاضطرابات بمواجهة الفرد لصعوبات في التفاعل مع المجتمع والتواصل معه، ومحدودية وتكرار خزين الاهتمامات والأنشطة التي لديه.[19]

كما يمكن أيضا لهذا التوقف أن يؤدي إلى نكوص في المستوى التعليمي سواء للأشخاص التوحديين أو للإعاقة الذهنية؛ فالأشخاص في وضعية إعاقة يحتاجون إلى تجديد النشاط الذهني أكثر من غيرهم نظرا لقصور في الجانب المعرفي.[20]  كما أن مشاكل التواصل لدى الأشخاص التوحديين قد تؤدي إلى عدم فهم هذه الوضعية الراهنة و بالتالي خلق مشاكل سلوكية لا حصر لها تنتصب عائقا أمام استكمال هذه الفئة تعليمها.

  و عندما نتحدث عن التعليم عن بعد بالنسبة للأشخاص في وضعية إعاقة فإننا نتحدث عن مسؤولية حقيقية تتحملها أسرة الأشخاص في وضعية إعاقة، فإذا كانت مسؤولية الأسر مضاعفة بالنسبة للأشخاص ممن هم في وضعية غير وضعية إعاقة في زمن كرونا ،  فإن مسؤولية أسر الأشخاص في وضعية إعاقة أكثر بكثير، خاصة عندما نتحدث عن إعاقة  تعيق الشخص عن استخدام الوسائل التكنلوجية بشكل مباشر .

   فنجد الأسر نفسها مضطرة إلى تمكين الأشخاص في وضعية إعاقة من حقهم في التعليم  عن بعد، هذا التعليم الذي يعد أمانة و مسؤولية على عاتقها ، و هذا التمكين ليس سهلا على هؤلاء الأشخاص، خاصة عندما نتحدث عن  إعاقات مثل الإعاقة الذهنية  و التوحد فلا  يحتاج الأشخاص في وضعية إعاقة إلى استكمال  تعليمهم، فقط، بل يحتاجون إلى استكمال تتبعهم في المواكبة الشبه الطبية من تقويم نطق و  التربية الحس- الحركية زيادة على الجانب السلوكي  و الجانب النفسي، و بذلك تجد الأسر نفسها في وضعية ليست سهلة في تتبع جميع هذه الحصص عن بعد  .

  لذلك يصبح نجاح التعليم عن بعد للأشخاص في وضعية إعاقة مرهونا أكثر من غيره بمدى جدية أولياء الأمور في هذه الوضعية الراهنة  و السعي لإنجاحها من خلال الحرص على تنفيذ كافة تعليمات  الأساتذة و الأطر الشبه الطبية .

و في السياق ذاته يمكن أن نقول إن هذه الظرفية تعد أكبر فرصة لأولياء الأمور، للتعرف إلى نقاط القوة لدى أبنائهم، ونقاط الضعف التي تحتاج إلى تحسين و استغلال هذه الوضعية في  تطوير التواصل مع المشرفين على العملية التعلمية لأبنائهم فضلاً عن خلق فرص متنوعة لتلقي المعلومة .هذا إذا افترضنا أن الآباء والأمهات وأولياء الأمور متمكنين من الحد الأدنى على الأقل للتفاعل الإيجابي في مثل هذه الظرفية مع أطفالهم في وضعية إعاقة.

المحور الثاني: مميزات و صعوبات التعليم عن بعد في مجال تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة

أولا: مميزات استعمال التعليم عن بعد في مجال تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة

   أولا قدرته على توصيل التعليم لكل أولئك الذين حرموا من الوصول إليه في أمكانه المعتادة سواء كان ذلك لأسباب تعليمية ، أو لأسباب جغرافيا أو بسبب إعاقة جسدية و غيرها  و على سبيل المثال :  معظم الأشخاص في وضعية إعاقة حركية لا يقومون بدورهم الفعال في المجتمع بسبب عدم وجود الولوجيات التي تسمح بتنقلهم بسهولة ؛ حيث معظم المباني والطرقات ووسائل النقل في أغلب مدن المغرب  تكون غير مهيأة للأشخاص في وضعية إعاقة،  وخاصة المدارس والجامعات،  لذلك يمكن الاستفادة من التعليم عن بعد  كنوع من التعليم حيث يستطيع الشخص من منزله متابعة تحصيله العلمي.

  و بطبيعة الحال تعتبر الدراسة في الكلية أو الجامعة خطوة كبيرة لأي شخص، أما بالنسبة للأشخاص في وضعية إعاقة حركية فإن تفكيرهم يكون في إمكانية الوصول إلى  المؤسسة التي  يدرسون بها قبل التفكير في التحصيل العلمي.

   ويجد الاشخاص في وضعية إعاقة حركية تحديات كبيرة  في التنقل بين المواصلات مما يمكن أن يؤخرهم عن وقت المحاضرات لذلك  يمكن للتعلم عن بعد أن يكون هو الحل البديل لهم بسبب عدم الحاجة إلى التنقل في المواصلات .

ثانيا لإعتباره أقل تكلفة من نظام التعليم التقليدي من حيث الاقتصاد في النفقات خاصة إذا كان الأشخاص في وضعية هشاشة. [21]

 كما يمكن إعتماد التعليم عن بعد كسياسة تربوية في تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة فإن تدريب الطلبة  في وضعية إعاقة على وسائل تكنولوجيا التعليم المختلفة، يعتمد على أكثر من وسيلة نقل المعلومات للمتعلمين  كأجهزة الحاسوب و(أي باد) وغيرها،  و قد أسهم هذا الاعتماد  في الكثير من الإيجابيات التي تعود عليهم سواء أكان ذلك من الناحية النفسية أم الأكاديمية أم الاجتماعية أم الاقتصادية.

   و من أهم مميزاته  أيضا إمكانية وجود تكنولوجيا التعليم خاصة للأشخاص في وضعية إعاقة تستعمل في التعليم عن بعد و تعرف تكنولوجيا تعليم الطلبة  في وضعية إعاقة بأنها «النظرية والتطبيق في تصميم وتطوير واستخدام وإدارة وتقويم البرامج الخاصة بالأفراد  في وضعية إعاقة لتيسير عملية التعليم والتعلم، والتعامل مع مصادر التعلم المتنوعة لإثراء خبراتهم وسماتهم وقدراتهم الشخصية  على سبيل المثال ما يلي :

  • الوسائل التعليمية  المساندة للأشخاص في وضعية إعاقة  بصرية :
  • التسجيلات الصوتية: مثل (تعليم اللغات، تسجيل القصص والنصوص المقررة في المنهج).
  • البرامج الإذاعية التعليمية: تُعد من أنسب الوسائل التعليمية السمعية للطلبة  في وضعية الإعاقة البصرية. [22]
  • الكتب الناطقة: وهي عبارة عن تسجيل نص الكتاب على الأشرطة الصوتية أو الاسطوانات.
  • الرسومات البارزة: وهي اكثر الوسائل انتشاراً في مدراس الطلبة  في وضعية الإعاقة البصرية.
  • الصور اللمسية: يمكن من خلالها تفسير العلاقات بين الأشياء والأحداث بفاعلية.
  • الوسائل التعليمية السمعية البصرية:
  • التلفزيون التعليمي خاصة للطلبة  في وضعية الإعاقة السمعية.
  • الوسائل المتعددة الكمبيوترية الناطقة.

  كما تُعرف التقنيات التعليمية الخاصة بالطلبة في وضعية إعاقة بأنها: أي مادة أو قطعة، أو نظام منتج، أو شئ معدل أو مصنوع وفقاً للطلب بهدف زيادة الكفاءة العلمية والوظيفية للطلبة  في وضعية الإعاقة و يمكن لهذه التكنولوجبا أن تكون ميسرة لعملية التعليم عن بعد بالنسبة لهذه الفئة .

ومن المميزات التي يمنحها التعليم عن بعد نجد، أيضا، إمكانية الإعتماد على  مجموعة من وسائل التواصل و العمل التشاركي خاصة أنه في مجال الإعاقة يتم العمل في إطار المقاربة التشاركية لذلك يتيح لنا امكانية القيام بالاجتماع عن بعد بين الفريق متعدد التخصصات عبر مجموعة من التطبيقات منها تطبيق zoom   و تطبيق team إحدى أفضل التطبيقات للاجتماعات  الافتراضية أو الاجتماعات عبر الأنترنت نظرا لسهولة إستخدامها.

ثانيا: صعوبات و تحديات التعليم عن بعد في مجال تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة

   هناك مجموعة من المعيقات التي تحول  دون نجاح التعليم عن بعد لدى الأشخاص في وضعية إعاقة و خاصة في ظل وضع غير مستقر يتميز بالحجر الصحي و يتطلب إمكانيات ربما ضخمة لتوفير منتوج تربوي خاص بالأشخاص في وضعية إعاقة،  و في هذه الورقة البحثية سنرصد  بعضا من هذه الصعوبات؛ وهي كالآتي:

  • إختلاف نوع و مستويات الإعاقة و الأوضاع الصحية و صعوبة تأقلمهم و مدى استجابتهم للعملية التعليمية التعلمية، فمن المعروف أن الأشخاص في وضعية إعاقة ليست مجموعة متجانسة وإنما كل شخص مختلف من حيث إعاقته و من حيث شدتها.[23]
  • عدم القدرة على استخدام  الوسائل التكنولوجية مثل الحاسب الالكتروني أو الهاتف خاصة عندما نتحدث عن الإعاقة الذهنية العميقة أو المتوسطة فمن البديهي كلما كانت الإعاقة عميقة كلما ستنتج صعوبة في التعامل مع هذه الأجهزة خاصة إذا استحضرنا عدم التدريب عليها سابقا ، علما أن الجمعيات الشريكة للدولة في تمدرس الأشخاص في وضعية إعاقة، ليس جميعها،  لديها أجهزة تكنولوجيا خاصة بتعليم هذه الفئة.
  • كما يمكن أن تلعب الحواجز المادية، كالفقر، معيقا حقيقيا في تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة خاصة بسبب عدم تمكينهم من إقتناء هذه الأجهزة، وفي هذا الإطار قالت مقررة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، كاتالينا ديفانداس أغيلار(Catalina Devandas Aguilar)، ” إن واحدا من بين كل سبعة أشخاص في العالم يعاني من إعاقة. وتعيش الغالبية العظمى منهم في البلدان النامية وأكثر من 80 في المائة من ذوي الإعاقة هم من الفقراء”.[24]
  • كما يمكن للحواجز النفسية، مثل الإتجاهات السلبية  للأسر نحو الإعاقة أو نحو التعليم عن بعد، أن تشكل عائقا حقيقيا في استكمال تعليمهم عن بعد خاصة و أن لهم دورا حيويا في عملية التعليم كما يجمع الأخصائيون في الصحة النفسية أن الحجر الصحي المفروض على أكثر من مليار شخص حول العالم بسبب جائحة فيروس كورونا، و هذا الوضع  يمكن أن يتسبب بمشاكل نفسية للعديد من الأشخاص من بينهم الأشخاص في وضعية إعاقة ، خاصة بالنسبة للذين يفشلون في التعاطي بشكل إيجابي مع هذا الظرف ومن أبرز “التأثيرات النفسية” التي تنتشر في مثل هذه الحالات؛ فإن الأشخاص  الذين هم في وضعية نفسية هشة معرضون أكثر من غيرهم للإصابة بمشاكل نفسية من قبيل  القلق والتوتر والانفعال، كما أن فقدان التفاعل الاجتماعي مع المجتمع يمكن أن يؤثر بقوة في نفسية الأشخاص الموجودين رهن الحجر الصحي و بذلك يؤثر على جودة تعليمهم و تركيزهم في تفاعل العملية التعليمية التعلمية.

المحور الثالث : كيفية الارتقاء بالتعليم عن بعد في مجال  تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة  في مثل أزمة كرونا  بالمغرب

إن الارتقاء بعملية التعليم عن بعد في مجال الإعاقة يتطلب تدبير على مجموعة من المستويات منها ما هو سياسي و منها ما هو مادي و منها ما هو منهجي و من بين هذه التدابير نقترح ما يلي :

  • بلورة سياسة و تدابير خاصة بتعليم الاشخاص في وضعية إعاقة في الأزمات الطارئة مثل جائجة كرونا وفق مبدأ التمييز الإيجابي .
  • تمويل الاشخاص في وضعية إعاقة على مستوى الأدوات التكنولوجية و الانترنت في ظرف جائحة كرونا في إطار التضامن الإجتماعي .
  •  استخدام منصات تعليمية  خاصة بالأشخاص في وضعية إعاقة و لقد كانت وزارة التضامن و التنمية الاجتماعية والمساواة حكيمة في إصدارها  .
  • صياغة برامج تعليمية رقمية خاصة بالاشخاص في وضعية إعاقة بأنواعها  على طريقة التعليم المدمج   حتى تكون موجودة في ظرفية مثل هذه الظرفية الطارئة .
  • أن يلعب الإعلام دوره بمحاربة الإتجاهات السلبية نحو التعليم عن بعد بصفة عامة و التعليم عن بعد و تدريس الأشخاص في وضعية إعاقة بصفة خاصة .
  • أن يلعب الإعلام دوره أيضا في توجيه خطاب حاسم للأسر حتى تتحمل مسؤوليتها في العملية التعليمية التعلمية سواء لأشخاص في وضعية إعاقة أو بصفة عامة .
  • تقديم الدعم النفسي و الخطوات الأساسية  للتحقيق التوازن النفسي للأسر و للأشخاص في وضعية إعاقة و مرافقتهم  خلال إستكمال تعليمهم عن بعد .
  •  و في هذا السياق فقد أوصى  المجلس  ببلورة خطة وطنية تستهدف تحقيق ما يلي حتى قبل ظهور هذه الأزمة (كوفيد 19 ) :
  • الولوج إلى التكنولوجية الرقمية
  • ملائمة و تكييف  التكنولوجية  للمحتوى التربوي و المناهج و البرامج الخاصة للإشخاص في وضعية إعاقة .[25]

    و نقصد هنا بالوسائل التكنولوجية ليست وسائل للاستعمال التقني بل أكثر من ذلك لدى الاشخاص   في  وضعية إعاقة على أساس أنها وسائل تمكين و تيسسير تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة .

  • إعداد القواميس و الدلائل الإلكترونية لمساعدة على فهم لغة الإشارة و البرايل و باقي صيغ المكيفة مع وضعيات الإعاقة و هذه القواميس ليست فقط في الحالات الطارئة مثل أزمة كرونا و إنما هي سياسة دامجة يقترحها المجلس في رأيها لسنة 2019  بالنسبة لهذه الفئة .
  •  تمويل البحث العلمي في ما يخص صنع تطبيقات خاصة بالتواصل  الأشخاص في وضعية إعاقة حتى تكون من الترتيبات التيسيرية المعقولة في تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة سواء في ظل الأزمات الطارئة أو في إطار سياسة الدمج على مستوى التكنولوجيا . 
  • توفير تكوينات للأسر و للعاملين في مجال الإعاقة من أساتذة و مكونين و الفاعلين التربويين في التكنولوجيات الخاصة بالأشخاص في وضعية إعاقة .
  • الإعتماد على الخطوات الأساسية لضمان نجاح  التعليم عن بعد من خلال إحترام  الفصول الافتراضية  للمكونات الأربعة للتعليم عن بعد من إحترام  إطار مؤسساتي وبعد زماني في إطار تفاعلي بين المعلم و المتعلم أو مع الوسيط ( الأسر) في إطار فلسفة التمكين.

خلاصة

  إن التعليم عن بعد قد يكون حلا حقيقيا في تعليم فئة الأشخاص في وضعية  إعاقة، وأن يتخذ منحى سايسة تربوية داعمة ودامجة لتعليم هذه الفئة. كما ينبغي أن نثير فقط عناية المسؤولين على قطاع التربية والتكوين، وخاصة ذوي الاختصاص بمجال التربية الدامجة، أن يفكروا في إعداد استراتيجية تعلمية عن بعد تهدف إلى إنتاج موارد رقمية وطرائق تعليمية يستفيد منها الأطفال في وضعية إعاقة، وأن يؤسسوا لمرحلة جديدة قوامها تربية دامجة تستجيب لشروط ومعايير التعليم عن بعد بغية تحقيق الهدف المبتغى وهو تلميذ مندمج في مجتمعه.


[1] المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة: نحو تربية دامجة منصفة وناجعة،المغرب ،  يونيو 2019، ص5.

[2] الدستور المغربي(2011).

[3] منظمة الصحة العالمية https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/nove

[4] بلاغ  عن وزارة التضامن و التنمية الاجتماعية و المساواة و الأسرة يوم 27 مارس 2020.

[5] وزارة التربية الوطنية، مديرية المناهج،الإطار المرجعي للهندسة المنهاجية لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة (2017) ،بالمغرب ،  بدعم من منظمة اليونيسيف، ص 34.

[6] نفس المرجع السابق ، ص 35

[7] فضيلة لكزولي، التدريس عن بعد ورهانات الإصلاح في ظل “جائحة كوفيد 19، مقال صدر سنة 2020، المغرب  ، مجلة باحث ،  ص 63 .

[8] نفس المرجع السابق ، ص 63.

[9] عميرة جويدة ، عثمان طرشون و آخرون ،(2019) ، خصائص و أهداف التعليم عن بعد و التعليم الالكتروني –دراسة مقارنة عن تجارب بعض الدول العربية ، المجلة العربية للآداب و الدراسات الانسانية ، العدد(2 ) يناير ص278 .

[10] نفس المرجع السابق ، ص 279.

[11]  سيمونس، شلوسر  ،التعليم عن بعد و مصطلحات التعليم الإلكتروني ، الجمعية الأمريكية للتكنولوجيا و الاتصالات التربوية ، مكتبة بيروت ، ط 2 ، سنة 2015  ،ص 3.

[12] نفس المرجع السابق ، ص4.

[13] نفس المرجع السابق ، ص4.

[14] عامر طارق  ، التعليم عن بعد و التعليم المفتوح ، دار اليازوري العلمية للنشر و التوزيع  ، سنة  2013، ص 16.

[15] البحث الوطني التفصيلي  الثاني حول الإعاقة بالمغرب (2014).

[16] البحث الوطني التفصيلي الثاني (2014).

[17] بلاغ وزارة التربية الوطنية الصادر بتاريخ 2 أبريل 2020 بشأن الحصيلة المرحلية لعملية التعليم عن بعد ،2019.

[18] نبيل خرشي ، مقال ، أي وضع للتربية الدامجة في زمن كرونا المستجد ، سنة (2020)  مقال إلكتروني منشور 2020/05/ على ساعة 7 مساء ، الموقع الالكتروني :

https://www.al3omk.com/528422.html 01.

[19] منظمة الصحة العالمية.

[20] الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين  ، الدليل التشخيصي لللإضطرابات النفسية و الأمراض العقلية ، 1992.” إقتباس”

[21] عامر طارق ، التعليم عن بعد و التعليم المفتوح  ، دار اليازوري العلمية للنشر و التوزيع  ، 2013، ص 16.

[22] حسن الباتع عبدالعاطي، التعليم التكنولوجي لذوي الاحتياجات الخاصة ،  موقع مجلة المعرفة 12/7/.2010 net تاريخ الاطلاع 3/5/2016.

[23] الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، الدليل التشخيصي لللإضطرابات النفسية و الأمراض العقلية،  1992.) إقتباس)

[24] مركز أنباء الأمم المتحدة، مقال لكتروني منشور في موقع الامم المتحدة  ، أكثر من 80 في المائة من ذوي الإعاقة من الفقراء منشور 1/08/2015 و تم الإطلاع عليه 2020/05/ 10 على ساعة 5 زوالا على الموقع الالكتروني :

https://www.un.org/development/desa/disabilities-ar/2015/08/31/%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D9%85%D9%86-80-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A6%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%B0%D9%88%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81 /.

[25] المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي ، تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة  نحو تربية دامجة  ، منصفة وناجعة  ، المغرب ، 2019، ص5 .

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *