Site icon مجلة المنارة

التدخل العسكري في اليمن على ضوء مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية في القانون الدولي  والممارسة الدولية

التدخل العسكري في اليمن على ضوء مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية في القانون الدولي  والممارسة الدولية

جمال عبد القادر عجلان

باحث يمني في سلك الدكتوراه،

 جامعة الملك محمد الخامس. كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- سلا

ملخص

تطمح هذه الدراسة إلى بيان الأساس القانوني الذي يستند عليه التدخل العسكري للتحالف العربي باليمن، وهو الأساس الذي يندرج ضمن نطاق الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول من خارج ميثاق الأمم المتحدة، والمتمثل بالتدخل بناءً على طلب الحكومة الشرعية، وهو الاستثناء الذي أقره الرأي الراجح بالفقه الدولي ، وعززته الممارسة الدولية في الواقع. كما تتوخى الدراسة  إعطاء مقاربة تركز على طغيان الاعتبارات السياسية لتدخل التحالف العربي في اليمن وتجاوزها المقتضيات القانونية  التي تشرعن تدخلها على النحو الذي جعلت من التدخل في اليمن يرتقى في بعض حالاته لأن يعد عملاً من أعمال العدوان.

كلـــمات مفـتـــاحيـــة: التدخل في الشؤون الداخلية للدول، الاستثناءات الواردة على المبدأ، التحالف العربي في اليمن، الاستناد على طلب الحكومة الشرعية.

This study seeks to clarify the legal basis for the military intervention of the Arab coalition in Yemen.

This basis falls within the scope of the exceptions to the principle of non-interference in the internal affairs of States outside the Charter of the United Nations, represented by intervention at the request of the legitimate Government. It is the exception recognized by the most likely view of international jurisprudence and reinforced in practice by international practice.

 The study also aims to give an approach that focuses on the tyranny of political considerations for the intervention of the Arab Alliance in Yemen and exceeded the legal requirements that legitimize its intervention, which intervened in Yemen’s rise in some cases to be considered an act of aggression.

Keywords: Interference in the internal affairs of states, Exceptions to the principle, Arab coalition in Yemen, Based on the request of the legitimate government.

مقدمة:

عرف التاريخ اليمني الحديث مساراً عاصفاً من الاضطرابات  والصراعات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي، وضعف الأداء الاقتصادي، والتدخل الإقليمي في شؤونه الداخلية، فاليمن انتقلت  منذ بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة  من وضع معتم إلى آخر أشد عتمة وقتامة، حيث كثفت التطورات الأخيرة وخصوصاً إثر أحداث 2011م، من المخاطر التي تحيط به، وزادت من الضبابية، وحالة “اللايقين”، وانتقلت معها البلاد خطوات واسعة نحو المجهول، خصوصاً مع ازدياد حدة التدخل الإقليمي المباشر في أزماته.

لقد كان واضحاً في اليمن منذ بداية الأزمة الراهنة و بعد مضي أكثر من ثماني سنوات على اندلاع أحداث2011م، إن مقاليد السياسة فيها ومعها بطبع كل دواعي الاستقرار، تحددها غالباً توازنات من خارج حدود الدولة، و يرجع ذلك إلى أن المحدد الخارجي يتشابك مع العوامل الداخلية، ويمتلك الكثير من وسائل التأثير، وبإمكانه أن يرجح مساراً ما من المسارات المستقبلية، لاسيما في ظل الانقسام والصراع بين القوى الداخلية، وصعوبة الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها اليمن.

فبعد الحالة المائعة التي شهدها اليمن بسبب تداعيات أحداث عام 2011م، حيث عجز المحتجون عن الإطاحة بالنظام، ولم يكن هذا الأخير قادراً بدوره على وأد حركة الاحتجاجات الشعبية،  بفعل التصدعات الكبيرة التي أصابت بنيته، بسبب انشقاق بعض قيادته السياسية العسكرية وتأيدها لمطالب المحتجين برحيل النظام، جاءت مبادرة مجلس التعاون الخليجي كحل وسط يضمن عدم انزلاق البلاد في أتون الصراعات والاحتراب الداخلي. وحاولت تلك المبادرة رسم ملامح انتقال آمن([1])، وارتكزت أهم تلك الملامح  على انتقال السلطة لنائب الرئيس، وتعين رئيس حكومة من قبل المعارضة، وإزالة أسباب التوتر وعدم والاستقرار من مظاهر مسلحة ونحوها من الشارع، ثم الانتقال إلى مؤتمر الحوار الوطني بمشاركة كافة الأطراف السياسية الفاعلة في المجتمع والأخرى التي لم تكن طرفاً في المبادرة الخليجية بغية التوافق على القضايا المحورية محل الخلاف وإقرار دستور جديد للبلاد. وبصرف النظر عن السياق الجيوسياسي الذي دفع مجلس التعاون الخليجي إلى اقتراح  مبادرة لحل الأزمة في اليمن([2])(المبادرة الخليجية)، فقد مثلت هذه الأخيرة منطلقاً لتدويل الأزمة وفتحت باباً واسعاً للتدخل في البيئة السياسية الداخلية.

وعلى عكس ما كان مأمولا أنتج  الوضع الانتقالي ضعفا في بنيان الدولة َّمكن من توسع التدخل الخارجيّ، وحـول اليمن إلى ساحة صـراع، وبخاصة الصراع الإقليمي بين دول الخليج الـعـربـي و إيــران، الـتـي وجـدت فـي جماعة الـحـوثـي فرصة لتوسيع نفوذها في اليمن([3]) فبعد الانتهاء من مؤتمر  الحوار الوطني الشامل تسارعت الأحداث بصورة دراماتيكية، جراء تعقد المشهد السياسي الداخلي، وتفاقمت الأعمال التي قوضت أهداف المرحلة الانتقالية، وازدادت الأوضاع سوءاً بعد سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء في 21 أيلول /سبتمبر 2014م،([4]) ليعقبها بعد فترة اندلاع مواجهات في عدن بعد فرار الرئيس هادي إليها من إقامته الجبرية في صنعاء،  وقيام الحوثيين بإعلانهم الدستوري في تاريخ 6 فبراير 2015م، والذي كان بمثابة إعلان وفاة المبادرة الخليجية والمرحلة الانتقالية في اليمن([5]).

على إثر ذلك دشنت المملكة العربية السعودية تحالفاً عربياً وإسلامياً أعلنت من خلاله انطلاق عملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين، من أجل استعادة الشرعية السياسية والدستورية للبلاد، والتي تتمثل بالرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته. ففي ساعة مبكرة من فجر يوم الخميس الموافق26 آذار،/مارس 2015م، أعلن عادل الجبير سفير المملكة العربية السعودية آنذاك لدى الولايات المتحدة الأمريكية من واشنطن عن بدء عملية عاصفة الحزم، بقيادة السعودية ومشاركة عدد من الدول الخليجية و الإقليمية،وذلك بناءً على طلب مباشر من عبد ربه منصور هادي الرئيس الشرعي لليمن، الذي ناشد دول الخليج بتقديم المساندة الفورية بكافة الوسائل والتدابير اللازمة لحماية اليمن وشعبه من عدوان المليشيات الحوثية المدعومة من إيران، وذلك كما جاء في الرسالة التي للقيادات الخليجية([6]).

و مثل تاريخ 26 من آذار/ مارس 2015م، مرحلة فاصلة بين زمنيين  من التدخل الإقليمي في الشأن اليمني، حيث أقتصر التدخل الإقليمي  إلى ما قبل ذلك التاريخ على لعب الأدوار الدبلوماسية ومحاولة تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، مع ما شاب تلك الأدوار من الغموض وعدم الوضوح، في حين اتخذ التدخل بعد ذلك التاريخ طابعاً عسكرياً مباشراً في الأزمة اتخذ في البداية شكل التلبية لنداء الحكومة الشرعية ومساعدتها على استعادة العاصمة صنعاء من قبضة الانقلاب الحوثي قبل أن ينتهي به الحال، إلى الانغماس المباشر في تفاصيل  الحرب  الداخلية، واتجاه بعض دول التحالف نحو بناء تشكيلات عسكرية مليشاوية خارج إطار مؤسسات الدولة بأجندات متباينة و بدوافع برغماتية ، و التي مثلت أحد أكبر العوامل المهمة في إضعاف ما يفترض به الجبهة المقاومة للانقلاب وإضعاف شرعية الحكومة المعترف بها دولياً.    

وأمام سهولة اختلاق الذرائع المتخلفة لشر عنة التدخل وتعدد وسائلها يعيش اليمن اليوم مأزقاً حقيقياً ينذر بالمزيد من التهديد باستقراره الداخلي وتفاقم مأساته الإنسانية جراء استمرار الصراع  وتصاعد نفوذ التدخل الخارجي في شؤونه، وإيغاله  في تغذية عوامل الانقسام بين الأطراف الداخلية للصراع، وتباين أجندات أطرافه، وتحاول هذه الدراسة بيان مشروعية التدخل العسكري وموقف القانون الدولي منه من خلال المحددات الآتية.

إشكاليــة الدراسة:

استند التدخل العسكري للتحالف العربي في اليمن في تبرير شرعيته، بالقول بأن ذلك التدخل قد جاء استجابة لطلب الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً،من أجل مساعدتها على استعادة شرعية مؤسسات الدولة التي استولى عليها الانقلاب جماعة الحوثي،  غير أن ذلك  التدخل اتخذ بعد مضي أربع سنوات من الحرب طابعاً مغايراً لذلك الهدف، فإلى أي حد يتمتع ذلك التدخل العسكري بالمشروعية في القانون الدولي؟

ويثير هذا السؤال الذي يمثل جوهر المشكلة البحثية لهذه المقال  العديد من الإشكاليات على صعيد القانون الدولي والعلاقات الدولية،  فما هو جوهر مبدأ عدم التدخل في ميثاق الأمم المتحدة؟ ، وما أساسه القانوني؟، وما هي الاستثناء الواردة عليه في  الميثاق والممارسات الدولية؟ وأنواع تلك الاستثناءات، ثم البحث في مدى مشروعية التدخل العسكري بناءً على طلب من الحكومة ، وعن أساسه القانوني؟ وذلك من خلال المحاور التالية:

أولاً: جوهر مبدأ عدم التدخل في القانون الدولي

بصرف النظر عن الدقة أو عدم التحديد والغموض الذي يشوب التعرفيات المختلفة التي أعطيت لمفهوم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فأن معناه يكاد ينصرف بطريقة أو بأخرى إلى كل الأعمال والسلوكات والتصريحات التي تصدرها أو تقوم بها جهات أجنبية(دول، أو منظمات دولية)، بشأن قضايا ومشاكل تندرج ضمن الاختصاص الداخلي لدولة أخرى ذات سيادة، بما من شأنه الأضرار بمصالحها وتهديد سيادتها، ويزاد الأمر خطورة عندما يتعلق بالتدخل العسكري المباشر([7]).

إن  مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، يعد من أهم مبادئ القانون الدولي  ومن أكثرها أثارةً للجدل، فهو من أكثر المبادئ تأكيدا وأكثرها انتهاكا، وتكمن أهمية هذا المبدأ في قيمته بالحفاظ على شخصية واستقرار الدول، وارتباط احترامه باحترام مبادئ أخرى تسهم في  ترسيخ الاستقرار على صعيد العلاقات الدولية مثل مبدأ المساواة في السيادة بين الدول.

غير أن تلك الأهمية تاريخيا لم تكن هي الدافع  وراء ظهور هذا المبدأ و إقراره في إطار العلاقات الدولية، حيث يفصح السياق التاريخي الذي جاء في ظله هذا المبدأ عن الدافع الأصلي الذي اقتضى الأخذ به وإقراره في إطار العلاقات الدولية. فعندما نادت الثورة الفرنسية عند قيامها في أواخر القرن الثامن عشر عام1789م، بالتحرر من سطوة النظام الملكي الفاسد واستبداد الكنسية، والانتقال للنظام الجمهوري  في محيط أوروبي تسود فيه أنظمة الحكم الملكية المطلقة، واجهت الثورة العديد من التهديدات بالتدخل في شؤونها الداخلية والخارجية من طرف الدول الأوروبية لإعادة النظام الملكي المهزوم للعرش، مخافة انتقال عدوى الثورة إلى بلدانها، فأسفر عن تدخلها في شؤون الجمهورية الوليدة([8]).,وبعد تضاؤل طموح الثورة الفرنسية بتصديرها للشعوب الأوروبية بسبب ضعف الجيوش الفرنسية،  تمسكت فرنسا بمبدأ عدم التدخل ضمانا لعدم الاعتداء عليها، حيث جاء في دستور عام 1793 النص في المادة 118على ” يمتنع الشعب الفرنسي عن التدخل في شؤون حكومات دول أخرى، ولا يقبل أن تتدخل الحكومات الأخرى في شؤونه الداخلية”([9]).

 ويمكن القول أنه و منذ تلك الفترة وبعد صيرورة تاريخية عاصفة اكتسب مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول صفته المفهومية وطابعه الاصطلاحي كمبدأ في القانون الدولي، ومن ثم جرى التأكيد عليه وإقراره في العديد من المواثيق الدولية والإقليمية، ومنها ميثاق الأمم المتحدة الذي فرض كوابح تحد من قدرة المنظمة الدولية على التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء فيها، إلا في حدود ضيقها نص عليها الميثاق كاستثناء ولأغراض تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، ورسخت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا المبدأ في جانب الدول التي يجب عليها الامتناع بكل شكل من الإشكال عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض.

فقد جاء في الفقرة السابعة من المادة الثانية من الميثاق النص على أنه”ليس في هذا الميثاق ما يسوغ ”للأمم المتحدة“ أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن ‏هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع([10]).‏

ومثل التأكيد على هذا المبدأ هاجساً سيطر على تصورات الجمعية العامة للأمم المتحدة للسلام والاستقرار العالمي، على اعتبار انتهاك مبدأ عدم التدخل يعد المصدر الأساسي للخطر على صون شخصية وسيادة الدول وسلطتها على كيانها واستقلالها وحرية شعوبها . حيث جاء التأكيد على مبدأ عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول في العديد من الإعلانات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ففي عام 1965م، صدر عنها الإعلان الخاص بعد جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحماية استقلالها وسيادتها، وذلك بالقرار رقم(20/ 2131/xx)، ذلك القرار الذي صدر بأغلبية ساحقة بلغت 109 عضواً مع تغيب عضو واحد عن التصويت هو المملكة المتحدة. وقد جاء بالمادة الرابعة من هذا الإعلان أن الأمم المتحدة تدعو جميع الدول الأعضاء لأن يكون رائدهم في علاقاتهم الثنائية مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لي سبب كان اقتصادياً أم سياسياً أم عقائدياً أم ثقافياً([11]).

وفي الدورة الـ25 للجمعية العامة عام 1970م ، جاء قرارها الشهير رقم 2526 المتعلق بإعلان  المبادئ العلاقات الودية والتعايش السلمي بين الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، والذي أكد على مبدأ عدم التدخل . وفي عام 1982م أكد قرار الجمعية العامة رقم  ” رقم 103/36، على هذا المبدأ مجدداً ، حيث نص على” إذ تؤكد من جديد، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، أنه لا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر، ولأي سبب كان، في الشئون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى”([12]).

غير أن تلك المرجعية القانونية التي تمنع  التدخل على ما فيها من غموض في بعض مفاهيمها، إلا  أنها تمنع بشكل قاطع وبأي صورة من الصور هذا التدخل في الشؤون الداخلية للدول، سواءً من قبل المنظمة الدولية أو من قبل الدول نفسها، ومع ذلك فالممارسة الدولية التي عرفها النظام الدولي وخصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة وحتى يومنا هذا حفلت بتكريس العديد من السوابق التي تعد في مجملها خرقاً واضحاً لقواعد ومبادئ القانون الدولي، ومنها مبدأ عدم التدخل إلى الحد الذي اتجهت فيها بعض تلك السوابق إلى تجسيد استثناءات على الضوابط التقليدية.

حيث تبين السياقات التاريخية للممارسة الدولية في إطار هذه المبدأ، أن التجاوزات  الواردة على مضمونه انتقلت من مجرد استثناءات طفيفة ووجيها في بعض الأحيان على الاستثناءات المشروعة بنص الميثاق (مثل التدخل لدواعي إنسانية بحتة والتدخل لمكافحة الإرهاب الدولي)، إلى تكريس تلك الخروقات  كقواعد جديدة خارق سياق الميثاق، و دل عليها تواتر الاستعمال المتأرجح بين مبررات بعضها معقولة وأغلبها تعسفية. وما يعزز ذلك التواتر في تكرار حالات الخرق لتلك المبادئ لترتقي لمرتبة الاستثناءات العرفية ، هو ما رافقها من  صمت أو احتشام المواقف المجسدة للقانون الدولي، وذلك راجع بالأساس إلى أن جل الفواعل ترتكب فعل الخرق هي من القوى الكبرى المنضوية تحت مجلس الأمن.

 وعلى غرار الضوابط التي وضعها القانون الدولي على الحالات التي يمكن استثناءها من مبدأ عدم التدخل، حاول الفقه الدولي تأطير الاستثناءات العرفية التي كرستها الممارسة الدولية بضوابط من شأنها تقيد التدخلات الوجيه والتي لم يرد بها نص حتى لا تخضع لتأويلات المنحرفة من قبل  الدول الكبرى.

وكاستجابة لمعاير البحث العلمي وتفكيك التساؤلات المتعلقة بإشكالية هذا البحث، يقتضي الأمر التطرق إلى الاستثناءات الواردة على المبدأ وفقاً للميثاق، ثم الاستثناءات التي رأى الفقه الدولي أنها وجيها ووضع لها ضوابط تحد من اتساعها وتقيد استخدامها.

ثانياً: الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم التدخل وفقاً للميثاق

إن من المقاصد الرئيسة لإنشاء الأمم المتحدة هو  التزامها بالمحافظة على صون السلم والأمن الدوليين من أي تهديدات من شأنها الإخلال بها أو انتهاكها، وهذا المقصد النبيل والالتزام الرئيس يعد بمثابة المرجعية الموجهة لعمل المنظمة، والذي تتوخى تحقيقه  في كل تصرفاتها، فإذا ما أقر النظام القانوني للأمم المتحدة بعض الاستثناءات الواردة على الضوابط التي وضعتها صوناً للسلم والأمن فإنه يبتغي تجاوز حالات الجمود التي قد تقف  بطريقة ما عائقاً أمام مهمتها الرئيسية.

وانطلاقاً من ذلك تضمن نص الفقرة السابعة من المادة الثانية من الميثاق الذي فرض قيداً عاماً على جميع أجهزة  وأنشطة الأمم المتحدة  يمنعها من التدخل في الشؤون التي تعد من صميم السلطان الداخلي للدول الأعضاء، تضمن استثناء غايته حفظ السلم والأمن الدوليين، حيث اعتبر النص أن تدابير القمع الواردة في الفصل السابع من الميثاق، والتي قد تجيز في أقصى حالاتها للأمم المتحدة استخدام القوة  حفاظاً على السلم والأمن الدوليين اعتبرها النص لا تخل بتطبيق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إذا ما اقترفت هذه الأخير فعلاً ما في نطاقها الداخلي ومن شأنه تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر، (على أن ‏هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع).

                        ويوفر  الفصل السابع من الميثاق(المواد 39-51)، الإطار القانوني الذي يسمح لمجلس الأمن باستخدام التدابير القمعية التي هي من اختصاصه، ويتعين عليه اللجوء إليها تحقيقاً لذات الغاية في حفظ السلم والأمن الدوليين، إذا ما تعذر عليه تسوية النزاعات أو الصراعات وفقاً للوسائل السلمية المنصوص عليها في الفصل السادس، وكان من شأنها تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر أو التهديد أو الإخلال أو كان قد وقع عملاً من أعمال العدوان وفق تقدير مجلس الأمن بناء على السلطة التقديرية الواسعة التي يتمتع بها وفقاً للمادة 39من الميثاق.

وفي الواقع يرتبط مبدأ عدم التدخل بمفاهيم متداخلة وفضفاضة ما انفكت تثير جدلاً  واسعاً بسبب غموض دلالاتها وعدم تحديدها، مثل مفهوم السيادة ومفهوم السلطان الداخلي للدولة( المجال المحفوظ)، ويثير العديد من المشاكل التي  قد تجعل من تطبيقه في إطار العلاقات الدولية يصطدم باكراهات كفيلة بإزالة التراتبية الصارمة المفترضة في تأويل وتطبيق الاستثناء الوارد على المبدأ حفاظاً على السلم والأمن الدوليين، و تنهي به إلى الحيدة عن الغرض من إقراره، وجعله  أكثر مرونة في قبول صيغ جديدة للتدخل مبنية على تبريرات لا تخلو في مضمونها من تأثير الاعتبارات الجيوسياسية وتوازن القوى عليها وخصوصاً من قبل الدول الكبرى، الأمر الذي يخل بصورة أو بأخرى  بجوهر مبدأ عدم التدخل ويؤثر من ثم على شخصية وسيادة الدول.

فمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول يثير مسائل بالغة الحساسية على صعيد العلاقات الدولية، فهو بمثابة الخيط الرفيع الذي يفصل بين الحفاظ على سيادة الدولة وشخصيتها، وبين تعسف هذه الأخيرة في ممارسة سيادتها بصورة لا تراعي سيادة وشخصية الدول الأخرى، فمن ناحية يعتبر مفهوم  السلطان الداخلي للدولة أو المجال المحفوظ، مظهراً من مظاهر ممارسة الدولة لسيادتها على نطاقها الداخلي، وعدم وجود ضوابط تؤطر هذا السلطان الداخلي للدولة على نحو يمنع التعسف والأضرار بالوحدات الدولية الأخرى، يعيد إلى الأذهان فكرة السيادة في صورتها المطلقة والتي تبدو في العصر الحديث فكرة غير مقبولة لعدم توافقها مع تطور القانون الدولي والعلاقات الدولية، كما تستخدم في كثير من الأحيان لتبرير الاستبداد الداخلي وإعاقة تطور القانون الدولي([13])، وهو الأمر الذي يستلزم ضرورة إيجاد صيغة للتوفيق بين سيادة الدولة وخضوعها للقواعد الدولية.

ومن ناحية أخرى  يبدو من الصعوبة بمكان وضع حد فاصل بين المساحة التي تندرج ضمن السلطان الداخلي للدولة، و الذي لا يجوز التدخل فيه، وبين ما يخرج عن هذه المساحة إلى الفضاء الذي يسمح بالتدخل الدولي الأممي في إطار تطبيق تدابير القمع حفاظاً على السلم والأمن الدوليين.

وذلك راجع بالأساس لعدم وجود معيار يبين ماهية السلطان الداخلي للدولة، ويبدو أن غموض هذا المفهوم وعدم تحديده كان مقصوداً من جانب واضعي الميثاق لعله ظاهره وأخرى خفية، أما العلة الظاهرة من عدم تحديد السلطان الداخلي بمجالات معينة هي الحفاظ على مرونة القواعد الدولية ومسايرتها للمستجدات التي تشهدها الساحة الدولية، إلا إنه ومع ذلك لا يمكن إنكار الأبعاد الخفية من وراء عدم التحديد، حيث إن غياب التحديد القانوني يقود غالباً إلى سقوط القواعد الدولية في تطبيقاتها بيد السياسة وتفضيلاتها التفسيرية، فهذه الإرادة السياسية تبقى المسئولة عن حالة الغموض وغياب الوضوح في القواعد، بالنظر إلى إن حالة عدم التحديد تبقى في الأخير سياسة قصدية متعمدة من جانب الدول لتحمي بها مصالحها من تقييدات وحدود القانون.

وبين غاية مبدأ عدم التدخل في الحفاظ على سيادة الدولة وخضوعها للقواعد الدولية وبين عدم التحديد لماهية السلطان الداخلي للدولة برزت صيغ جديدة للتدخل  حفلت بها الممارسة الدولية وسيقت لها مبررات بشروط مختلفة وبعيدة عن الإطار القانوني الذي يمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول بكل إشكاله وصوره.

ثالثاً: الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم التدخل في الممارسة الدولية

لا شك إن التدخل بأي صورة من الصور في الشؤون الداخلية للدول هو انتهاك خطير للقواعد المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة، ومع ذلك لا يحتاج تبيان مدى شيوع انتهاك الممارسة الدولية، لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول إلى برج رقابة عالي يمد بصره بعيداً لمراقبة التزام الدول بالضوابط التقليدية التي أكدها القانون الدولي لمنع التدخل،  فهذا الأخير غدا سمة بارزة ميزت  فترات تحول تاريخية على صعيد العلاقات الدولية، بل أكثر من ذلك حفلت الممارسة الدولية بتكريس حالات عديدة للتدخل خارج سياق الميثاق وخارج إطار الاستثناءات التي وضعها الميثاق الأممي لهذا المبدأ، ليس هذا وحسب بل أخذت  تلك التدخلات في الممارسة الدولية تكتسي ــ على ما تنطوي عليه من تكييفات منحرفة وخطيرة وخاضعة في الغالب لميزان الحسابات الجيوسياسية وعامل المصلحة ــ تكتسي طابع الممارسة العرفية المحكومة برغبات القوى الكبرى، على ما في هذا  الأمر من خطورة على استقرار العلاقات الدولية وبالتي حفظ السلم والأمن الدوليين.

اتخذ التدخل في الشؤون الداخلية للدول  إشكال و صور متعددة، وصيغت لها العديد من المبررات النظرية من قبل الفقه الدولي لمحاولة إضفاء الشرعية عليها فمن التدخل لحماية حقوق ورعايا الدولة، إلى التدخل للدفاع عن حقوق الإنسان، والتدخل لحماية الديمقراطية،والتدخل لمكافحة الإرهاب الدولي، والتدخل بناءً على طلب الحكومة الشرعية([14]). وكل ذاك التنوع والتعقد في الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول في الممارسة الدولية، يفرض علينا قبل أن نذهب بعيدا في بيان تفاصيل ومدى مشروعية التدخل العسكري في اليمن، أن نختار النموذج النظري الذي يتطابق مع اختبار مبررات التدخل في اليمن، حيث استندت دول التحالف العربي في تبرير شرعية تدخلها العسكري في اليمن بأنه جاء بناءً على طلب الحكومة الشرعية. فما مدى مشروعية التدخل بناءً على طلب الحكومة الشرعية في القانون الدولي.؟

رابعاً: مشروعية التدخل بناءً على طلب الحكومة الشرعية:

أن حرية الدولة في طلب تدخل دولة أخرى واستخدام القوة فوق إقليمها كانت مطلقة بمقتضى القانون الدولي التقليدي فالرضاء كان من ضمن الأسباب المعترف بها كأساس لاستخدام القوة العسكرية، وبعد إقرار ميثاق الأمم المتحدة وتحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية وفقا للفقرة الرابعة من المادة الثانية من الميثاق، يجري التساؤل حول حق الدول بطلب تدخل دول أخرى لمساعدتها عسكرياً فوق إقليمها خاصة عندما تكون الدولة المختصة إقليمياً مسرحاً لحروب أهلية ونزاعات داخلية([15]).

لم يتضمن ميثاق الأمم المتحدة أي نص يشير إلى طلب الدولة المختصة إقليميا كاستثناء من المادة 2/4 من الميثاق، ويعزو البعض ذلك إلى أن الميثاق اقتصر في حكم المادة 2/4 على النزاعات والحروب الدولية بسبب الظرفية التي كانت محيطة بوضع النص وهي الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى أن الاتجاه السائد آنذاك كان يستثني النزاعات الداخلية من دائرة القانون الدولي ويعدها شأناً داخلياً تنفرد الدولة المختصة إقليماً وحدها بمعالجته، إلا أن الوضع لم يصبح على هذه الحالة بعد أن أصبح المجتمع الدولي معولماً إلى حد ما، كما أن الممارسة الدولية([16]) لا تمنع في الواقع قيام دولة بالتدخل عسكرياً في دولة أخرى بناء على طلب هذه الأخيرة لمساعدتها في إعادة النظام داخلها وفي وضع نهاية للحروب والنزاعات الداخلية الدائرة فوق إقليمها([17]).

ويذهب جانب من الفقه الدولي إلى القول بمشروعية تدخل دولة ما في الشؤون الداخلية لدولة أخرى بناء على دعوة صريحة من حكومة الدولة الأخيرة، فالحكومة الشرعية بما تمتلكه من سيادة منبثقة عن شرعيتها الشعبية يمكنها طلب استدعاء دولة أخرى لمساعدتها عسكرياً من أجل حل أزمة ما تهدد بقاء الدولة أو صد عدوان عليها.  كما يرى الاتجاه الفقهي الراجح أنه لا يجب التسليم بمشروعية التدخل الأجنبي بمجرد طلبه من حكومة دولة ما،  وإنما يلزم توافر ضابطين أساسين لاعتبار مثل هذا النوع من التدخل مشرعاً:

أولهما: أن تكون الحكومة طالبة التدخل شرعية وتمثل إرادة شعبها تمثيلاً حقيقياً.

ثانيهما: أن يهدف التدخل إلى تحقيق مصالح الشعب. 

ووفقا لهذا الاتجاه فإنه إذا ما قامت حكومة غير شرعية بدعوة دولة أجنبية للتدخل في أي شأن من شؤون بلادها وبما لا يحقق مصالح شعبها، فإن هذا التدخل يعد تدخلاً غير مشروعاً([18]). فمشروعية التدخل الأجنبي هنا وخصوصاً العسكري تتوقف على مشروعية السلطة أو الحكومة طالبة التدخل، والذي يجب عليها أن تلتزم بشروط شرعيتها،  ومن ناحية أخرى يعد انحراف الدولة المتدخلة عن المسار و الهدف الذي  رسمته الدولة طالبة التدخل عملاً غير مشروعاً، ويرتقي إلى كونه عملاً من أعمال العدوان. وهذا النوع من التدخل الذي يكون مبني على الطلب يجب أن يكون بدون ضغط، ويكون من طرف الحكومة الفعلية.  والاعتراف للحكومات القائمة بحق الحصول على المساعدات العسكرية الخارجية أمر لا يتفق مع مبدأ عدم التدخل، لأن الشرعية الدولية لا تبقى دائما إلى جانب الحكومة القائمة، ففي حالة حق الشعب في تقرير المصير تعود الشرعية إلى الشعب، لذلك يجب مراقبة الشرعية القائمة من قبل الدول الأجنبية([19]).

خامساً: مشروعية التدخل العسكري في اليمن:

يعد البحث في مشروعية عاصفة الحزم من الحالات التي  يجد معها القانون الدولي نفسه في مواجهة وضعيات يصعب تكييفها بشكل لا يثير الجدل، فهي توجد في الحدود بين المشروعية واللامشروعية. وتبدو ردود الفعل الممثلة للقانون الدولي محتشمة تترجم صعوبة تأويل مثل هذه التصرفات. فالأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كيمون اكتفى في رد فعله على هذا التصرف بالإحالة إلى البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في 22 مارس2015م، والذي كان قد أكد على شرعية الرئيس هادي وعلى عدم المساس بوحدة وسيادة واستقلال اليمن، وضرورة احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في اليمن([20]).

أن ميثاق الأمم المتحدة جاء ليؤكد ن القاعدة الأصل هي منع اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية، وأنه لا يجوز استخدام القوة المسلحة من طرف الدول إلا في أضيق نطاق مثل حالة الدفاع الشرعي لدرء خطر العدوان الخارجي، وأيضا حالة الحفاظ على الأمن الجماعي بقرار يصدر من مجلس الأمن (الفصل السابع)، حتى أن ميثاق الأمم المتحدة تجنب الإشارة إلى كلمة الحرب وركز بالمقابل على وسائل فض النزاعات بالحلول السلمية([21]) وفي الآونة الأخيرة تعالت أصوات تنادي بوجوب الاعتراف بحالات أخرى ــ وجيهة في بعض الأحيان ــ يمكن فيها اللجوء إلى استخدام القوة وهي المسألة التي تتعارض مع صريح قواعد وضمانات ميثاق الأمم المتحدة، ويتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب الدولي، والتدخل لدواعي إنسانية، أو بطلب من الحكومة الشرعية، أو الحروب الوقائية([22]).

في الواقع لا يمكن إرجاع تدخل التحالف العربي العسكري في اليمن إلى أياً من الاستثناءات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة التي تعطي الحق في التدخل واستخدام القوة العسكرية، فلسنا أمام عمل جماعي من قبل مجلس الأمن ولسنا أيضاً إزاء حالة من حالات الدفاع الشرعي لصد العدوان، ويبقى التبرير القانوني الوحيد لتدخل التحالف باليمن هو الاستناد على طلب الحكومة الشرعية.

فالتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن يستند في تبرير شرعية تدخله على طلب الرئيس عبد ربه هادي منصور المعترف بشرعيته دولياً وأممياً، والذي كان قد وجه رسالة إلى قادة مجلس التعاون الخليجي في 7 مارس 2015، والذي يطلب منها المساندة في مواجهة الحوثيين الذين استولوا على السلطة بكل الوسائل بما فيها القوة العسكرية.

وبناء على ذلك يمكن القول إن الاستناد على طلب الرئيس هادي من قبل التحالف العربي ( تحالف عاصفة الحزم ) في تبرير شرعية تدخله وشرعية عملياته  العسكرية في اليمن  يمثل الحجة القانونية الأساس لهذا التدخل، فالرئيس هادي وحكومته  يتمتعا بالشرعية الدستورية الداخلية،  وهما الممثل الشرعي  المعترف به دولياً، حيث جاء في بيان مجلس الأمن بتاريخ22 آذار/ مارس 2015م، ” ويؤيد مجلس الأمن شرعية رئيس اليمن، السيد عبد ربه منصور هادي، ويُهيب بكل الأطراف وبالدول الأعضاء  أن تمتنع عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها تقويض وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية، والمس بشرعية رئيس اليمن([23]).

وعليه فإن تدخل التحالف العربي في اليمن يعد عملاً مشروعاً في القانون الدولي، ومبرر شرعيته كونه ذلك التدخل قد جاء بناءً على طلب حكومة الرئيس هادي المعترف بشرعيته دولياً، ليس هذا وحسب بل أن الموقف الممثل للقانون الدولي والمتجسد في قرار مجلس الأمن  رقم (2216)،قد ساند هذا التدخل وإضفاء عليه شرعية أممية، فعلى غرار الموقف المؤيد والداعم من مجلس الأمن لدور دول مجلس التعاون الخليجي في اليمن، لم يتخلف موفق مجلس الأمن تجاه التدخل  الخليجي، على الرغم من التحول الكبير الذي عرفته الأزمة اليمنية، من فشل لعملية الانتقال وفشل المسار السياسي، وتحول طبيعة الدور الخليجي اتساقاً مع تلك التحولات وانخراطه العسكري المباشر في اليمن.

 حيث أكد مجلس الأمن دعمه لما يبذله مجلس التعاون الخليجي من جهود لمؤازرة عملية الانتقال السياسي في اليمن ويثني على مشاركته في هذا الصدد.وهو بذلك يتبنى الرؤية الخليجية على اعتبار أن التدخل العسكري جاء في سياق الوقوف ضد من قوض العملية الانتقالية ويسعى إلى إعادة العملية السياسية إلى وضعها السابق. فالقرار (2216)، لم يبدي أي تذمر لمجلس الأمن من العمليات العسكرية للتحالف العربي بسبب طبيعة رؤيته للحل في اليمن الذي يجب أن يكون سياسياً، بل على العكس من ذلك فالقرار كان كفيلاً بإطفاء الشرعية على تلك العمليات، وذلك لعدة اعتبارات يمكن تفصيلها من واقع القرار في الآتي:

أولاً: إشارة ديباجة القرار إلى رسالة الرئيس هادي لمجلس الأمن بأنه طلب من دول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية تقديم الدعم السريع بكل الوسائل بما فيها التدخل العسكري.

ثانياً: من خلال تأكيد مجلس الأمن دعمه لجهود مجلس التعاون الخليجي على النحو المبين سابقاً.

ثالثاً: كما أن إعادة تأكيد مجلس الأمن على تأييده لشرعية الرئيس هادي، التي هي أساساً هدف عملية عاصفة الحزم حسب دول التحالف، ومن خلال دعوة جميع الدول الأعضاء أن تمتنع عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها تقويض وحدة اليمن وسادته واستقلاله الإقليمية، والمس بشرعية رئيس اليمن.

رابعاً: والأكثر من ذلك هو أن مجلس الأمن عبر عن شعوره بالجزع إزاء التصعيد العسكري الذي يقوم به الحوثيون في كثير من أنحاء اليمن بما ذلك في محافظات تعز، ومأرب، والجوف، البيضاء وتقدمهم نحو عدن، واستيلائهم على الأسلحة، بما فيها منظومات القذائف من المؤسسات العسكرية والأمنية اليمنية([24]).

خامساً: والاهم من ذلك إن القرار يعطي قوى التحالف العربي الحق في مراقبة الأجواء اليمنية والموانئ لمنع دخول سلاح للحوثيين، وهو الأمر الذي يعني التأيد الضمني لعملية عاصفة الحزم حيث نصت الفقرة 15)) من القرار على ” يهيب بجميع الدول، ولا سيما الدول المجاورة لليمن، أن تتولى، بما يتفق وسلطاتها وتشريعاتها الوطنية ويتسق مع القانون الدولي، وبخاصة قانون البحار واتفاقات الطيران المدني الدولي ذات الصلة، القيام في أراضيها، بما يشمل موانئها ومطاراتها، بتفتيش جميع البضائع المتجهة إلى اليمن والقادمة منه، متى كان لدى الدولة المعنية معلومات توفر أساسا معقولا للاعتقاد أن البضائع تتضمن أصنافا يُحظر توريدها أو بيعها أو نقلها بموجب الفقرة 14)) من هذا القرار، بغرض كفالة التنفيذ الصارم لتلك الأحكام”.

غير أن الأمور بالنسبة للتحالف لم تجري وفق ذلك المسار دائماً، فالدوافع  التي  على أساسها مُنح التحالف شرعية التدخل العسكري لم تكن هي نفسها هدف التحالف  الرئيس، وهذا القول يجب ألا يفهم منه أن ثمة زاوية دافئة في القلب لمعادة طرفا ما بالتحالف، بل إن ممارسة هذا الأخير على الأرض تؤكد أن التحالف العربي في اليمن جلب معه نقيض الهدف المتمثل باستعادة الشرعية، والحفاظ على كيان الدولة اليمنية. وبما أن استمرار شرعية ذلك التدخل مرهون باستمرار شرعية الرئيس هادي، التي وإن كانت ما تزال تحظى بدعم وتأيد قطاعات واسعة من الشعب والقوى السياسية في البلد، إلا أنها تتآكل وتتعرض للضعف بسبب السياسات التي تنتهجها  أطراف التحالف، والتي تخالف كل الأطر القانونية والسياسية التي تمثل المرجعية في إضفاء الشرعية على ذلك التدخل.

وبسبب طغيان الاعتبارات الجيوسياسية  وحمولتها ذات الطابع البرجماتي على طبيعة تدخل التحالف باليمن، فإن الكثير من ممارسات التحالف في اليمن تجعل شرعية تدخله على المحك، بل وترتقي في بعض الحالات لأن تصنف باعتبارها عملاً من أعمال العدوان، فمثلاً تمارس الإمارات العربية المتحدة في اليمن ما يمكن تسميته بالقانون الدولي بالسيطرة الشاملة، من خلال دعمها وتسليحها لمليشيات انفصالية خارج إطار الدولة والشرعية اليمنية في جنوب البلاد، تحقيقاً لمآرب برجماتية تتعلق بالسعي للسيطرة على الموانئ والجزر المهمة في البحر الأحمر، مستغلة فكرة اللعب على تعميق الجراح اليمني المثخن بفائض النزعة الانفصالية لبعض التيارات في جنوب البلاد، ووصل بها الأمر إلى حد المساس بالسيادة الوطنية و بشرعية الرئيس هادي، من خلال قصف طيرانها العسكري للجيش اليمني على مداخل مدينة عدن ابان المعارك التي دارت بينه وبين ما مليشيات ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي التي حاولت الانقلاب على شريعة الرئيس هادي، مخالفة بذلك  المرجعيات الأممية بشأن الأزمة في اليمن من بيانات وقرارات مجلس الأمن ، و كل ذلك بلا شك  ينتهك سيادة الدولة وشرعية الرئيس هادي الذي اتهم الإمارات العربية بدعم المليشيات الانفصالية وقصف قوات الجيش اليمني في نقطة العلم عند المدخل  الشمالي لمدينة عدن([25]). كما طالبت الحكومة اليمنية الشرعية مجلس الأمن رسمياً بعقد جلسة خاصة لمناقشة ما وصفته بالاعتداءات والتدخلات الإماراتية في اليمن.

فالعمل العسكري الذي قامت به الإمارات ضد وحدات من الجيش اليمني، يعد عملاً من أعمال العدوان طالما اعتبرت الوحدة الدولية (اليمن)، التي أذنت بالتدخل ابتدأ بأن ذلك العمل لم يكن بموافقتها ويعد مساساً بكيانها، غير أن ذرائع  التدخل وكما جرت العادة في الممارسة الدولية كثيرة وجاهزة لتبريره، حيث ردت الإمارات على بيان الرئاسة اليمنية بالقول بأن قصف طيرانها جاء متفقاً مع قواعد الاشتباك في القانون الدولي،  وأنه جاء في سياق الدفاع عن النفس حيث تركز الاستهداف بالأساس وبضربات محدودة على تنظيمات إرهابية هاجمت قوات التحالف والمدنيين([26]). ومع ذلك لم يكن خافياً على أحد أن القصف استهدف قوات الجيش اليمني، وأنه جاء في سياق دفاع الإمارات على المليشيات التي تمولها في جنوب اليمن، غير أن التذرع بمحاربة الإرهاب هو الجدار القصير  دائما للدول التي تتدخل في شؤون الدول الأخرى.

خاتمة

مع التسليم نظرياً إن التدخل في الشؤون الداخلية للدول وبأي صورة من الصور يعد عملاً غير مشروعاً في القانون الدولي، وبخاصة التدخل ذو الطابع العسكري لاصطدامه بمبدأ آخر من مبادئ الأمم المتحدة وهو مبدأ عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، ومع ذلك فقد حفلت الممارسة الدولية باستثناءات عديدة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول خارج إطار القانون الدولي جرى إضفاء الشرعية عليها، وبعضها وجيهاً مثل التدخل لحماية حقوق الإنسان والذي لا يخلو هو الآخر من طغيان الاعتبارات السياسية عليه، والتدخل بناءً على طلب الحكومة الشرعية الذي أقره الفقه الدولي، هو من ذلك النوع بلا شك، أي أنه استثناء خاضع بطريقة أو بأخرى لسطوة الاعتبارات السياسية عليه،  وهذا  النوع من التدخل هو ما يتوسله و يستند عليه التدخل العسكري للتحالف العربي باليمن وهو ما يمنحه الشرعية في القانون الدولي كاستثناء على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو أيضاً ما  يبدو أن الموقف الممثل للقانون الدولي(مجلس الأمن) يتَّكئ عليه في إضفاء الشرعية على التدخل كما هو واضح في صلب قرار مجلس الأمن رقم (2216)،  ويعني ذلك أن مشروعية التدخل العسكري للتحالف العربي باليمن تبقى رهينة استمرار شرعية الرئيس هادي الذي طلب التدخل، وأن أي عمل من قبل التحالف من شأنه زعزعة شرعية الرئيس هادي أن يحيل التدخل العسكري في اليمن إلى عملاً غير مشروع،  غير أن ممارسة التحالف على الأرض تشير بوضوح إلى  تعمد أطراف بالتحالف إلى إضعاف شرعية الرئيس هادي من خلال دعمها لميليشيات انفصالية انقلبت بقوة السلاح على شرعية الرئيس هادي في العاصمة المؤقتة عدن.  وشرعية التدخل في اليمن ككل تصبح على المحك بطرح السؤال التالي: إذا سمح التحالف بنشوء ودعم سلطة انقلاب ضد الحكومة الشرعية في جنوب اليمن بقوة السلاح، فلماذا ترفض الانقلاب على الشرعية بالقوة في الشمال؟ كما تنهار شرعية ذلك التدخل أيضا بطرح السؤال بصيغة أخرى وهو

كيف يمكن أن يكون التدخل  لأغراض استعادة الشرعية في جزء من البلد مشروعاً وفي جزء أخر من البلد غير مشروع؟


([1] أحمد سعيد نوفل وآخرون : التداعيات الجيوستراتيجية للثورات العربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،  بيروت ، الطبعة الأولى، 2014، ص 31.

([2]على مر التاريخ السياسي اليمني الحديث، لعبت دول الجوار الخليجي وخصوصاً المملكة العربية السعودية أدوار بالغة  الحساسية والتأثير على مجريات الأحداث في الشأن اليمني، بل ساهمت في صنع بعضها أحياناً، فلم تخلو معظم الأحداث التي مثلت منعطفات تاريخية بارزة في مسيرة التاريخ اليمني من تدخل دول الجوار الجغرافي. لمزيد من التفاصيل راجع مذكرات أحمد محمد نعمان: سيرة حياته الثقافية والسياسية مكتبة مدبولي، 2003.

([3] عبد الملك المخلافي: اليمن إلى أين  حرب ودمار أم تسوية وحوار ، مجلة المستقبل العربي، العدد  439 سبتمبر2015  ، مركز دراسات الوحدة العربية، ص 95.

([4] ألكسندر ميتريسكي : الحرب الأهلية في اليمن صراع معقد وآفاق متباينة، تقيم حالة ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، سبتمبر 2015، ص1.

([5] ماجد المذحجي: كيف انتهت المرحلة الانتقالية في اليمن عقب 2011م، إلى الحرب، ورقة سياسات ، مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، مايو 2016م، ص 10.

([6] جمال عبدالله: السياق الجيوسياسي لعاصفة الحزم وموقف الدول الخليجية منها، تقارير، مركز الجزيرة للدراسات ،أبريل 2015م، ص 2،3.

([7] إدريس لكريني: القانون الدولي العام مبادئ ومفاهيم أساسية،مكتبة المعرفة -مراكش، الطبعة الأولى2017، ص51.

([8] الانباري محمد خضير: مبدأ عدم التدخل واستثناءاته في القانون الدولي المعاصر، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت- لبنان، 2016،  ص43.

([9] رابحي لخضر :التدخل الدولي بين الشرعية الدولية ومفهوم سيادة الدولة، أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في القانون العام ،جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان – كلية الحقوق والعلوم السياسية 2014-2015، ص25.

([10]على الرغم من وضوح هذه الفقرة في إلزام الأمم المتحدة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، إلا أن المعيار الذي وضعته الفقرة كحد فاصل بين ما يمكن أن يخضع للقانون الدولي، وما يمكن اعتباره شأناً داخلياً خاصاً يحظر التدخل فيه باعتباره من صميم السلطان الداخلي للدولة، يكتنفه جانب كبير من الغموض وعدم التحديد كما هو شأن العديد من المفاهيم الواردة في الميثاق بعبارات فضفاضة تترك مساحة كبيرة للتأويلات المنحرفة والتي تخضع في غالبها لتأثير موازين القوى الدولية في تكييفها.

([11] سامح عبد القوي السيد عبد القوي: صور التدخلات الدولية السلبية وانعكاساتها على الساحة الدولية، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع،الجيزة- مصر، الطبعة الأولى 2015، ص 92.

([12] قرار الجمعية العامة رقم 103/36 رمز الوثيقة: A/RES/36/103.

([13] بوبر طخ نعيمة: عوامل تحول مفهوم السيادة من الإطلاق  إلى التقييد وانعكاساته على االمادة 2/7  من ميثاق هئية المم المتحدة، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة الخوة منتوري- قسنطينة، العدد 46 ، 2016م، ص 410.

([14]الحركة، علي حلمي سلمان:” حالات التدخل المشروع في الشؤون الداخلية للدول في القانون الدولي العام، أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق، كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية، جامعة بيروت العربية، 2016م، ص 37 وما بعدها.

([15]محمـد خليــــــــل الموســـــــى: استـــــــــخدام القوة في القانون الدولــــي المعاصــــــــر، مرجع سابق.

([16]شهدت الساحة الدولية العديد من هذه الممارسات ، مثل تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في لبنان عام 1958 ، وقد تم ذلك بأن أنزلت قوات من مشاة البحرية الأمريكية على الأراضي اللبنانية ، بناء على دعوة صريحة من حكومتها التي كانت تتهم الجمهورية المتحدة في فيتنام عام 1965 ، وتدخلها في بعض دول الخليج العربي إبان الغزو العراقي للكويت عام 1990 ، بناء على دعوة من حكومات هذه الدول لخشيتها من امتداد الغزو العراقي إليها ، كما تدخل الاتحاد السوفيتي في المجر عام 1965 ، وفي افغانستان عام 1979 بناء على طلب من الحكومة الشرعية في كل منهما ، ومن الأمثلة الحديثة في الوقت الحالي التدخل الروسي في سوريا من أجل دعم نظام الأسد الذي بناء على طلب من الأخير لروسيا ، وللمزيد من التفاصيل حول موضوع التدخل الروسي في سوريا أنظر . عزمي بشارة: روسيا الجيوستراتيجيا فوق الأيدلوجيا وفوق كل شيء، مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 17 تشرين الثاني / نوفمبر 2015، ص 5 وما بعدها.

([17]محمـد خليــــــــل الموســـــــى، مرجع سابق، ص 155.

([18]عاطـــف علي علي الصالحي: مشروعية التدخل الدولي وفقاً لقواعد القانون الدولي العام، مرجع سابق، 298 ــــ 299.

([19]زردومي عـــــــــــلاء الدين: التدخل الأجنبي ودوره في إسقاط نظام القذافي، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة محمد خضير بسكرة، الجزائر، 2013، ص 27.

([20]الحــــــــسن بوقنطار: عاصفة الحزم بين الشرعية القانونية والاعتبارات الجيوسياسية، مقالة من موقع جريدة هس برس الإلكترونية المغربية، بتاريخ 2 أبريل 2015، تاريخ الولج، 11/ 6 / 2016، على الرابط: http://www.hespress.com/orbites/259720.html

([21]يـــــــــوسف البحيري: القانون الدولي العام في محك التحولات الدولية الراهنة، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 2015، الطبعة الأولى، ص50

([22]طاهر الرياحي: حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية بين مشروعية النص وشرعية الضرورة، مجلة التواصل في الاقتصاد والإدارة والقانون، الجزائر، جامعة محمد الشريق مساعدية، العدد 38، جون 2014، ص 193  

([23] بيان مجلس الأمن بشأن اليمن بتاريخ 22 مارس 2015، رمز الوثيقة:  S/PRST/2015

([24]قرار مجلس الأمن رقم 2216: بتاريخ 14شباط/ أبريل 2015، الفقرات الأولى من ديباجة القرار، رمز الوثيقة:S/RES/2204(2015). ص 1ــ2.

([25] أنظر بيان الرئاسة اليمنية بشأن قصف الإمارات لقوات الجيش اليمني، المهرة بوست، 29 أغسطس 2019م،  على الرابط: https://almahrahpost.com/news.

([26] بيان وزارة الخارجية  والتعاون الدولي الإمارتية، الخميس 29 أعسطس 2019م، على الرابط: https://wam.ae/ar/details/.

Exit mobile version