Site icon مجلة المنارة

التدبير العمومي الترابي الجديد على ضوء القوانين التنظيمية للجماعات الترابية

التدبير العمومي الترابي الجديد على ضوء القوانين التنظيمية للجماعات الترابية

د. رشدي عبد العزيز

دكتور في الحقوق –  جامعة محمد الخامس.

 باحث في قضايا العقار والإدارة المحلية.

مــــــقــــــــدمة :

  تعتبر سياسة اللامركزية في الوقت الحاضر ضرورة من ضروريات الدولة المعاصرة وحجرة رئيسية في بناء دولة الحق والقانون، تمكن من مساهمة المواطنين في تدبير شؤونهم المحلية وتسيير قضاياهم اليومية، غير أن مفهوم اللامركزية لم يكن وليد الصدفة بل قادت إليه  التطورات الاقتصادية والسياسية التي صاحبت مفهوم الدولة.

     قد اتجهت جميع الدول ، ومن بينها المغرب نحو إرساء دعائم الإدارة المحلية، وتكريس التنمية الترابية ونهج أساليب التنظيم الإداري الحديثة، والمتمثلة أساسا في اللامركزية إلى جانب اللاتركيز، ولم تأت تلك الأهمية لهذين الأسلوبين بمحض الصدفة، ولا من فراغ، خاصة في الدول النامية، بل نتيجة حتمية لتطورات وطنية ودولية أملتها ظروف ومعطيات معينة، استوجبت إحداث وحدات ترابية مبادرة ونشيطة وفعالة وساهرة على التدبير الشأن العام المحلي ومساهمة في تحقيق التنمية الترابية.

   وهكذا بعد أن فشلت المقاربة المركزية في تكريس التنمية الشمولية المستدامة والمنشودة، اتجهت أغلب الدول نحو اللامركزية التي اعتبرت مند الاستقلال من المدخلات الأساسية للمنظومة التنموية الحديثة، وهي وسيلة لتحديث التدبير العمومي المغربي، ووصفة لمعالجة اختلالات التنمية ، وذلك من خلال ضمان القرب والفعالية والتوازن بين حضور السلطة العامة للدولة وإقرار الحريات للمواطنين في سياق البحث عن التنمية الترابية كبديل للمقاربة المركزية والأحادية.

  وإذا كانت فترة التسعينات والعشرية الأولى من الألفية  الثالثة تعتبر مرحلة للإصلاح والاتجاه نحو التنمية الترابية بامتياز، حيث عرفت الإدارة المحلية إصلاحات عدة على جميع الأصعدة والمستويات ( خاصة في شقها المتعلق باللامركرية) فإن الفترة الراهنة وبعد كل التجارب التي  راكمها المغرب مند الاستقلال ، يبدو أن الدولة أضحت أكثر حرصا على تكريس التنمية الترابية، وتبويئها المكانة  الوازنة  في منظومة التدبير العمومي المغربي.

  يعتبر التنظيم الجماعي من أهم أشكال التنظيم اللامركزي التي عرفها المغرب غداة الاستقلال  من أهم النصوص القانونية التي يمكن الإشارة إليها ، هو ظهير 23 يونيو 1960 ، وهو القانون الذي سيتم تطويره على إثر التعديلات التي أدخلت عليه بواسطة ظهير 30 شتنبر 1976 ، هذا الأخير الذي حل محله القانون رقم 78.00 والذي تم تعديله بمقتضى القانون رقم 113.14 الصادر بتاريخ 7 يوليو 2015 والمتعلق بالجماعات[1]، وحسب المادة 2 من القانون السالف الذكر، فإن الجماعة هي أحد مستويات التنظيم الترابي، بمعنى أنها جماعة ترابية تخضع للقانون العام، وتتمتع بالشخصية المعنوية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري.

 وإذا كانت   الجماعات الترابية ، بما فيها الجماعات الحضرية والقروية قد سبق تنظيمها بموجب قوانين عادية فإن دستور 2011 ارتقى من حيث الشكل بالنصوص القانونية المنظمة للجماعات على قوانين تنظيمية  طبقا للفصل 146 من الدستور المغربي. [2]

  إن الحديث عن التدبير العمومي الجديد يأتي في سياق تحول العلاقة القائمة بين المركز  والمحيط، بحيث لم يعد الاهتمام بالشأن العام مقتصرا على الدولة وأجهزتها المركزية واللاممركزة فقط ، بل بأطرف أخرى أصبحت مدعوة الآن لتساهم بصورة أو أخرى في صياغته والتأثير فيه، وخصوصا الجماعات الترابية والقطاع الخاص والمجتمع المدني،  والمواطنين،  في اتجاه تغيير التصور التقليدي للدولة ولأدوارها وتعديل أسس وقواعد مشروعيتها وطبيعة علاقتها مع مختلف مكونات المجتمع.

     وبالإضافة إلى الأركان التقليدية للتدبير المتمثلة في : التخطيط والتنظيم والتحفيز والمراقبة، فإن التدبير العمومي الحديث، يعتمد مفاهيم جديدة وهي : التدبير بالمشاريع، والتدبير بالأهداف، التدبير بالنتائج، التدبير التشاركي، ثم التدبير الاستراتيجي وترشيد الاختيارات الاستراتيجية . [3]

   يعتبر مسألة التدبير العمومي الترابي ، أساسا لبلوغ تنمية حقيقية ومتوازنة، بإمكانها الاستجابة لكل متطلبات المواطنين على الصعيد الترابي سواء من خلال الجماعات الحضرية أو القروية، الجهات، العمالات والأقاليم، غير أن هذا التدبير، لازالت تعترض تطوره مجموعة من الاختلالات التي أثرت على مردودية نتائجه وجودة خدماته،  وهي الاختلالات التي يمكن إجمالها في النقاط التالية:

– ضعف الموارد المالية المرصودة لتدبير الشأن العام الترابي، الأمر الذي لطالما أثر سلبا على جاذبية الاقتصاديات الترابية وهو ما يفسر قلة تهافت المستثمرين عليها؛

– ضعف تكوين المنتخبين واستمرار تدبيرهم للاقتصاديات الترابية بعقلية سياسية محضة عوض عقلية تدبيرية بحثة؛

– ضعف آليات وقنوات التسويق الترابي، مما حرم الميزانية العامة للدولة، وعبرها المواطنون، من جني أرباح مالية مهمة كانت ستكون لها انعكاسات ايجابية على مسلسل التنمية؛

– نقص في الموارد البشرية والمالية الكفيلة بالاستجابة الآنية للمرتفقين من جهة ، وتثبيت العدالة الخدماتية والجهوية من جهة أخرى الخ…

  وبناء على ما سبق، فإن معالجة  هذا الموضوع ،  يتطلب منا طرح تساؤلا أساسيا مفاده:

أين تتجلى مقومات  التدبير العمومي الترابي الجديد ؟ وماهي  أهم مظاهر  هذا التدبير في ظل القوانين اللتنظيمية الجديدة للجماعات الترابية؟.

   إن الهدف من اختيار هذا الموضوع، قصد والخوض في بعض إشكالاته يرجع إلى الأسباب التالية والتي من  أبرزها:

– رصد بعض الإشكالات التي يطرحها موضوع التدبير العمومي ، واقتراح الحلول الكفيلة بتفعيل دور حقيقي وفعال للجماعات الترابية، والتي بدونها لا يمكن الحديث عن تنمية ترابية شاملة تستجيب لانتظارات وتطلعات المواطنين بمعظم جهات ومدن المملكة،

– إن اتجاه المغرب نحو النهوض بسياسة ترابية ناجعة وإقرار لامركزية فعلية، يتطلب من الفاعلين المحليين تبني آليات ومقومات التدبير العمومي الترابي .

  لذا يكتسي هذا الموضوع أهمية وراهنية كبرى، تتجلى أساسا في شموليته، من حيث تركيزه على مجالات مختلفة سواء كانت قانونية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، إدارية …، كما  أنه يشكل آلية  لتحسين التواصل ودعامة أساسية  للسياسات التنموية للوحدات الترابية  باعتبارها شريكا رئيسيا للدولة في المبادرات الكبرى وإنعاش الاستثمارات .

ولتفكيك عناصر الإشكالية، سنحاول من خلال هذا المقال الإجابة على بعض الأسئلة من بينها:

 ولمعالجة إشكالية هذا الموضوع، ارتأيت تقسيمه إلى مبحثين أساسيين  :

 المبحث الأول : واقع  التدبير العمومي الترابي الجديد بالمغرب

   اعتمد المغرب اللامركزية كخيار استراتيجي من أجل تكريس الديمقراطية المحلية وتحقيق التنمية الترابية بكل أبعادها، وأصبحت الجماعات في السنوات الأخيرة إحدى المحددات الرئيسية للتدخلات العمومية  في مختلف مظاهر الحياة العامة وأصبح التدبير العمومي الترابي الإطار الأنسب لوضع خطط إستراتيجية تنموية لترسيخ سياسة القرب والحكامة الجيدة.

   يعتبر حسن إدارة وتدبير الشأن العام الترابي من أهم مداخل الرقي التنموي للدولة، وخاصة أن المقاربة المركزية في التدبير والتسيير لم تعد مواكبة للتطور السريع والمتزايد للحاجيات ، لذلك فإن اعتماد اللامركزية الإدارية كمخرج حرر الدولة من عبئ الكثير من الصلاحيات والاختصاصات والتي أسندت للهيئات المنتخبة، غير أن البناء اللامركزي عموما كانت تنقصه دعامة أسياسية تكمن في ضرورة اعتماد هذه الهيئات مقومات  التدبير الحديث . وعليه سنحاول إعطاء مفهوم التدبير العمومي الترابي في (مطلب أول ) تم بعد ذلك الوقوف على أهم نقائص ومحدودية التدبير العمومي الترابي الحديث ( مطلب ثان ).

      المطلب الأول :  الإطار المفاهيمي للتدبير العمومي الترابي

   ظهر مصطلح التدبير بداية في الولايات المتحدة الأمريكية مع نهاية الستينيات من القرن الماضي، وتم تعريفه كفن للتعامل، أو بكل بساطة فن الممكن، وحاليا يطبق مفهوم التدبير كفن أو طريقة لقيادة مؤسسة ما، من حيث إداراتها أو التخطيط لتنميتها ومراقبتها، بغية تحقيق أهدافها، سواء تعلق الأمر بمؤسسة في القطاع العام أو الخاص.[4]

    إذا كان التدبير  يهدف بشكل عام،  إلى التوظيف الكامل للإمكانات والموارد لأجل تحقيق الأهداف المخططة للمنظمة، فأن مضمونه يختلف بين التوجهين الأنجلوكسوني والفرنسي ، فالتدبير في ظل التوجه الأنجلوكسوني يتميز بمفهوم واسع ، يأخذ بعين الاعتبار تأثير المحيط الداخلي والخارجي للمنظمة، وله ثلاث  مدلولات عامة ومتكاملة يفيد مجموع المعارف التي   تهتم بتنظيم المقاولة ، ويفيد كذلك تطبيق هذه المعارف على  كل عملية تجارية أو مقاولاتية ، وتفيد في مرحلة ثالثة قيادة وإدارة عملية التدبير نفسها،[5] أما التدبير حسب التوجه الفرنسي، فهو يحيل على مجموع الوسائل المعتمدة والإجراءات والقواعد القانونية  الواجب الالتزام بها عند مزالة مهمة التدبير، وهو بهذا المعنى له بعد أحادي وهو المطابقة، عكس مفهوم التدبير لدى المدرسة الأنجلوكسونية، فهو رباعي الأبعاد يشمل المطابقة  conformité ، والاقتصاد  L’économie ، والفعاليةl’efficacité  والنجاعةL’efficience .[6]

    عموما يمكن القول أن مفهوم التدبير، هو مرحلة متقدمة على مجال التسيير، على اعتبار أن مدلوله لا يتوقف عند مجرد الاهتمام بمجال التسيير، بل يشمل مجموع تقنيات التنظيم والتسيير والقيادة داخل المنظمة[7]

   أما عن  مفهوم التدبير العمومي  فهو يحيل بشكل عام  على ” مجموعة من عمليات تخطيط وتنظيم وتنشيط ورقابة الأشخاص العامة بهدف تطوير أداءها وقيادة تطورها في إطار يحترم خصوصياتها ، ويرتكز على مفهوم أساسي هو  تكيف مناهجه مع تنوع الوضعيات والرهانات. [8]

فمفهوم التدبير العمومي  لازال غامضا من الناحية النظرية ويحيل على معاني متعددة  ولقد تم تعريفه من قبل  العديد من الباحثين ، فقد  جاء في إحدى تلك التعاريف بأنه عبارة عن ” مجموعة من المناهج المساعدة على اتخاذ القرار تتكيف في جزء منها مع المجال العمومي، وكذا مناهج  للتسيير  مستقاة مباشرة القطاع الخاص ( تدبير، محاسبة تحليلية ، رقابة طرق التسيير …) مع إدماج الأنظمة المعلوماتية[9].

  فقد اعتبر التدبير العمومي ” بأنه مقاربة عقلانية شمولية لصنع القرار وتدبير المنظمات العمومية، تستوحي من الاقتصاد  ومن تدبير  المقاولات الخاصة أهم المبادئ والمفاهيم  التي تقوم عليها ، فيقوم على فكرة أساسية مفادها : أن تقنيات التدبير المعتمدة بالقطاع الخاص يمكن نقلها وتطبيقها بالقطاع العام ومجال السياسات العمومية وذلك عبر تبنيه للمقاربة الثلاثية أو أسس ومبادئ ما يسمى بالتدقيق والافتحاص ، وهي الاقتصاد والفعالية والفاعلية، بشكل يختلف عن المقاربة الكلاسيكية للتدبير العمومي التي تتميز بترسيخ القاعدة القانونية كنموذج للتحليل ولتسيير النشاط العمومي، وخاصة أن القطاع العام أصبح غير فعال وأكثر بيروقراطية وصلابة  وفق التصور الفيبري الذي يستند على التسيير الإداري المنضبط للقواعد والمساطر والتطبيق الصارم للقانون[10].

  وعليه جاء التدبير العمومي الحديث بمجموعة من الوسائل والتقنيات والآليات الحديثة من أجل النهوض بالعمل العمومي بشكل عام والعمل الإداري بشكل خاص، ورفعه إلى مستوى المردودية الذي تعرفه المقاولات الخاصة الناجحة التي تعتمد طرق تدبيرية جد فعالة.فالتدبير العمومي الحديث جاء بوسائله ومجالاته التدبيرية بعد الفحص الدقيق لأهم العراقيل التي تحول دون تحقيق أهداف وغايات الجهاز الإداري العمومي، وهي عراقيل ترتبط بمستوى العلاقات الإنسانية داخل الوحدة الإدارية وبعقليات القيادات الإدارية .
                فإن تحسين مناهج العمل داخل الإدارة العمومية هو الهدف الرئيسي للتدبير العمومي الحديث، وذلك من خلال تحسين جودة الخدمات المقدمة للجمهور وأخذ المواطن بعين الاعتبار كزبون أساسي للإدارة العمومية  بشكل عام واعتبار رضاه، المعيار الرئيسي لنجاح تنمية إدارية في أي بلد .

   فإصلاح مناهج الإدارة من وجهة العلوم الإدارية يقوم على عقلنة العمل الإداري، وعقلنة طرق اتخاذ القرار ومفهوم القيادة، ونعتقد أن هذه الجوانب الثلاثة تصب كلها في تبني مفهوم تحديثي للتدبير، والذي يشمل عقلنة طرق تسيير الموارد البشرية والمادية، وذلك وفق مبدأ أساسي من مبادئ التدبير العمومي وهو مبدأ المسؤولية كأمانة، تعني إضفاء الطابع الأخلاقي والديني على ممارسة الوظائف والمسؤوليات .

المطلب الثاني  : محدودية التدبير العمومي الترابي

     يعتبر التدبير العمومي الترابي الحديث بمثابة آلية  تعتمد الوسائل والتقنيات والآليات الحديثة من أجل النهوض بالعمل العمومي داخل مختلف الهيئات العمومية بشكل عام، والهيئات المحلية  بشكل خاص،  فهو يهدف  أساسا  إلى بلوغ تنمية حقيقية ومتوازنة، بإمكانها الاستجابة لكل متطلبات المواطنين على الصعيد الترابي سواء من خلال الجماعات الحضرية أو القروية، الجهات، العمالات والأقاليم.

   إن تراكم الوسائل والطرق التقليدية في العمل الإداري ، وما أثبتته عبر مرور الوقت من عدم فعاليتها وعدم مردوديتها وعدم مسايرتها لمتطلبات المرتفقين والتطورات العالمية السريعة في ظل العولمة جعلت التدبير العمومي، يعرف مجموعة من الاختلالات والنواقص التي أثرت على مردودية نتائجه و جودة خدماته، ويمكن  إجمالها على عدة الإشكاليات التالية :

  أولا: إشكالية الحكامة :  

   إن  الحكامة هي  مجموعة من التدابير التي تهدف إلى  ترشيد الموارد المالية والبشرية قصد تحقيق التنمية المجتمعية في شموليتها فهي آلية فعالة لإدارة موارد المجتمع وتوجيهها نحو التنمية الشاملة ، تتأسس على مجموعة من المبادئ كالمشاركة والشفافية والمحاسبة.

غير أن الملاحظ أن الاهتمام بحكامة  الشأن العام لدى  الفاعل المحلي  ما يزال دون مستوى الطموحات، فالعديد من الجماعات بالمغرب لاسيما  بالجماعات القروية تعيش فعلا أزمة حكامة[11] بشكل كبير، حيث أن هناك موارد مالية مهمة  تصرف من قبل المجالس الجماعية دون تحقيق الهدف الأساسي ألا وهو التنمية. كما نجد أيضا أن مبادئ هذه الحكامة كالشفافية والمحاسبة والمراقبة والمشاركة تغيب على مستوى تدبير الشأن المحلي، لهذا نجد أن مختلف الجماعات الترابية بالمغرب تعاني مجموعة من المشاكل مرتبطة أساسا بأزمة التدبير الرشيد ومن بين هده المشاكل : تفشي السكن العشوائي  والأحياء السرية، أزمة تدبير النفايات الصلبة والسائلة، أزمة النقل العمومي، أزمة الحفاظ على البيئة الحضرية…، كل هذه المشاكل أصبحت اليوم الشغل الشاغل لجماعات مما يستدعي من هذه الأخيرة نهج أسلوب فعال للتدبير والتسيير يعتمد على مبادئ الحكامة من أجل التغلب علبها وركب مسار التنمية الترابية المستدامة.[12]

      ثانيا: إشكالية العنصر البشري

 لاشك أن نجاح حكامة الشأن العام المحلي  والنهوض بالتدبير العمومي الترابي  يعني بالدرجة الأولى المنتخبين والذين يتحملون قيادة وتدبير الجماعات الترابية ، وهو ما يفرض عليهم ضرورة التفاعل مع متطلبات التدبير الجيد من خلال رفع مستوى الجماعات من وحدات لامركزية للتسيير الإداري إلى مقاولات تعطي الأولوية لتدبير التنمية  وفق متطلبات الحكامة المحلية، فالمنتخب يعتبر المسؤول الأول عن التدبير العمومي للمدينة، ويعتبر في المقابل المستفيد الأكبر  في حالة التجويد والارتقاء بالشأن العام الترابي .[13]

  يتبين من خلال أشكال التدبير المحلي بجميع مستوياته  أن  العديد من المجالس الجماعية  والمجالس الإقليمية والجهوية  لا تأوي نخبا  قادرة على بلورة سياسة تنموية تنبثق من مقاربة تشاركية مبنية على الحوار وإشراك الساكنة المحلية، ولهذا غالبا ما نجد أن المشاريع التنموية التي تتبلور على مستوى المدن المغربية يكون مصدرها سلطات الوصاية وتتبناها هذه المجالس.[14]

من هنا  يثير موضوع النخب المحلية الكثير من الأسئلة المرتبطة بمظاهر العجز في عمل النخب المحلية في تدبيرها للشأن الترابي  ، وبكيفية تحقيق الفعالية في نشاط هذه النخب وعن المبادئ التي يتعين الالتزام بها في تدبيرها للشأن المحلي، تم عن دور المجتمع المدني في تتبع نشاط النخب المحلية وتقييم أدائها، فالقانون التنظيمي مثلا 113.14  المتعلق بالجماعات يتضمن إمكانيات هائلة للارتقاء بالأداء المحلي و لكن المشكل  سيظل مرتبطا بالمدبرين التي سيترجمون هذه الإمكانيات إلى أرض الواقع .

    لقد جاء القانون التنظيمي  السالف الذكر  بمجموعة من  المبادئ كمبدأ التدبير الحر الذي يخول لكل جماعة تسير أمورها بكيفية ديمقراطية إلى جانب أيضا مبدأ التضامن والتعاون بين الجماعات وبينها وبين الجماعات الأخرى ، علاوة على نقل مجموعة من الصلاحيات والاختصاصات  الذاتية والمنقولة  المرتبطة في مجملها بالتنمية الترابية من قبيل تدبير المالية المحلية والجبايات والتعمير و تدبير المرافق المحلية وإنعاش الاستثمارات والبيئة والتخطيط …إلخ ، لكن  الإشكالية التي تطرح كيف يمكن بلورة هذه المبادئ والاختصاصات إلى  أرض الواقع ، في ظل  الاكراهات والصعوبات التي تعاني منها الجماعات  وفي ظل عدم توفر  معظم هذه الأخيرة على موارد بشرية كفأة ، أو على مستوى الموظفين بالإدارات الجماعية.

إن بناء الجماعات الترابية وفق مقومات التدبير العمومي الجديد يقوم أساسا على العنصر البشري، الذي يضع الرؤية الاستراتيجية للمسار التنموي طبقا للمعايير التدبيرية الجديدة ، الذي تستدعي دخول فاعلين جدد ا في إطار حكامة الفعل العمومي، بحثا عن المردودية والإنتاجية ، تجعل من ذلك التدبير الذي تقوده قيادات سياسية منتخبة وأطرا إدارية لتحسين نوعية حياة المواطنين، وتحقيق رفاهيتهم، برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم، في إطار من التعاون والتضامن والتكامل الوظيفي.

    ثالثا – إشكالية الموارد المالية:

 لا شك أن  أي عملية تنموية مرتبطة أساسا بالموارد المالية، حيث تشكل هذه الموارد عماد المشاريع التي تتوخى تحقيق التنمية الترابية والرفع من مستوى التنافسية، وتختلف الجماعات الترابية في المغرب من حيث توفرها على الإمكانيات المالية، فهناك جماعات تتوفر على إمكانيات مالية مهمة وهناك جماعات خصوصا القروية تفتقر إلى كل شيء، حيث لا تكفي ميزانيتها حتى لتغطية مصاريف التسيير، قبل الحديث عن التجهيز الذي يتطلب أغلفة مالية ضخمة.  [15] لقد جاء القوانين التنظيمية  للجماعات  الترابية الثلاث  بمقتضيات مهمة تكرس مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام الترابي، من بين هذه المبادئ ، مبدأ التدبير الحر، الذي يخول للجماعات سلطات حقيقية للتداول بكيفية ديمقراطية وسلطة تنفيذ مقرراتها ومداولاتها، لكن السؤال الذي بطرح بإلحاح هما هو كيف يمكن أن يسود التدبير الحر في الجماعات إذا كانت لا تتوفر على  الموارد المالية اللازمة والكافية لذلك؟.

 وبعبارة أخرى ، تعتبر الوسائل المالية حجر الزاوية لتكريس مبدأ التدبير الحر، فمهما تعددت الاختصاصات التي تعطى لجماعة ترابية معينة ، ومهما كانت صلاحياتها التقريرية على مجالات اختصاصها، فإن عدم توفرها على الوسائل المالية اللازمة للنهوض بهذه الاختصاصات يفرغ الاستقلال المالي المعترف به من كل محتوى، ويجردها من أي دور مستقل في مجال التنمية. لذا فالعبرة ليست بما تخوله النصوص القانونية من اختصاصات وصلاحيات للمؤسسات، بل إن مسالة التدبير الحر للجماعة الترابية مرهونة بمدى توفرها على الوسائل المالية من أجل ترجمة تلك الاختصاصات على أرض الواقعجل ترجمة تلك ت

 تتتتت .[16]

لقد أصبح التدبير المالي الجيد لشؤون الجماعات ، في إطار السعي نحو التكريس  الفعلي لمبدأ التدبير

الحر الذي جاء به القانون التنظيمي، يفرض على الدولة تعزيز الموارد المالية للجماعات، ويفرض على المسؤولين نهج أسلوب عقلاني يفضي إلى البحث الدائم  في خلق موارد جديدة من شأنها أن تساهم في تنمية الجماعات الحضرية والقروية ، ولعل تجاوز الأسلوب الكلاسيكي في التمويل وفي التمكين المادي الذي رافق التجارب المحلية السابقة، والذي جعل التحصيل والإنفاق محكوما بهاجس الاستهلاك دون الإنتاج، يعتبر مسألة ضرورية في هذه المرحلة الراهنة.

              المبحث الثاني:المقاربات والآليات الحديثة في التدبير العمومي الترابي بالمغرب .

إن العمل بالمقاربات  والآليات الحديثة لها أهمية بالغة للنهوض بمستوى ادوار الجماعات في تدبير السياسات العمومية الترابية ، نظرا لانعكاسها المباشر على تبسيط المساطر ومساهمتها في مواكبة التحولات التي عرفها العالم ، هذه التحولات جعلت تدبير السياسات العمومية الترابية تعرف نوعا من التغيير في بلورة القرار العمومي الترابي وجعله تدبيرا معقلنا يستجيب لمتطلبات التنمية الترابية ، وذلك من خلال  عمل الجماعات  بمقاربات حديثة لتحديث طرق عملها ( مطلب أول ) تم اعتماد الجماعات الترابية على آليات حديثة لأجل تدبير عمومي ترابي جيد يتوخى تحقيق الفعالية والمر دودية المطلوبة في تدبير السياسات العمومية الترابية ( مطلب ثان).

  المطلب الأول : المقاربات الحديثة في التدبير العمومي الترابي

           لقد أصبح للجماعات الترابية من الوظائف الجديدة ما يؤهلها للبروز كجماعات مقاولة تسخر كافة الإمكانيات قصد تدبير شؤونها على أساس النتائج والأهداف ، غير أنه لتحقيق هذا التحول النوعي فمن الضروري تغيير طريقة تدبير السياسات العمومية الترابية ، وذلك بالانتقال من النظرة التسييرية الضيقة إلى المقاربة التدبيرية المتجددة. [17]

هذا التوجه العمومي الجديد يعززه تحول الجماعات الترابية لاسيما الجهات من وحدات إدارية تدبر الشأن اليومي، إلى وحدات تعمل بالفكر المقاولاتي وفق المبادرات والتوجهات التنموية الكبرى، لتكون شريكا حقيقيا للدولة وباقي الفاعلين الاقتصاديين لتحقيق تنمية اقتصادية  حقيقية، ولعل الهدف المتوخى من اعتماد المقاربات الحديثة في التدبير الترابي، هو تشجيع الجماعات كل حسب اختصاصاها على تنظيم نفسها في إطار ترابي تضامني ملائم لفرز واحتضان المشروع التنموي المناسب والمستدام، المساهم في مجهود هيكلة المجال الترابي ، وهو المطلب الذي يعتبر اليوم حيويا من أجل تقوية الحكامة والتنافسية الترابية .

وعموما فإن التدبير العمومي الحديث ، يعتمد  العديد من التقنيات والأساليب الجديدة وسوف نقتصر على أهمها :

     أولا – التدبير بالمشاريع  :

يقوم هذا التدبير على قيام المنظمة أو الفاعل الترابي بتحديد الأولويات ومحاور التنمية والمشاريع الكبرى ، مجموع هذه العناصر تكون الإستراتيجية التدبيرية للمنظمة أو الوحدة الإدارية الترابية.

يرتكز هذا الأسلوب على النظرة الشمولية لمجموع المشاريع المراد إنجازها من طرف   الجماعات ويعتمد في ذلك على عدة عناصر وهي ( تشخيص الأهداف، إبراز الأهداف، وضع خطة محكمة للعمل، توزيع العمل على العاملين بالإدارة، مرحلة الإنجاز والتنفيذ، التقويم والتتبع ).

ثانيا – التدبير بالأهداف :

وهي تحديد الأهداف حسب أولوياتها من الناحية الزمنية ومن حيث الإمكانيات المرصودة ، وبناء على ذلك تتم دراسة الإمكانات المادية والبشرية الواجب رصدها لإنجاز وأحسن الشروط لبلوغ الهدف الرئيسي  أي الجودة.

وهو أسلوب يعتمد على ما يلي ( الأهداف العامة ، الأهداف الإجرائية، مدى القابلية للإنجاز، الوسائل المعتمدة لإنجاز المشاريع والبرامج ).

 وتبعا لذلك فإن المنتخبين والعاملين بالهيئات الترابية   يتفقون على أهداف مشتركة ويتعاونون على تحقيقها، ولكي تكون النتيجة جيدة لابد من اتصاف الأهداف بالمواصفات التالية ( الوضوح، الدقة ، القابلية للإنجاز، الاستجابة للحاجيات، القابلية للقياس، تحديد مدة الإنجاز).

ثالثا- التدبير المبني على النتائج :

هو اتجاه إداري يقوم على تحسين كفاءة وفاعلية الأداء ، لاسيما في تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية عن طريق تحديد النتائج المتوقعة من تنفيذ البرنامج أو المشروع .

إن تبني هده المقاربة تهدف على تحسين أداء الجماعات الترابية والرفع من جودة الخدمات التي تقدمها، ومن أهم المقاربات هي تدبير الميزانية وفق منطق النتائج التي تهدف إلى تحديد مجموعة من الأهداف تلتزم الجماعات الترابية بتحقيقها خلال فترة زمنية محددة بعد تقسيمها إلى مجموعة من البرامج والمشاريع الواجب تحقيقها ، مع تحديد الكلفة المالية لتنفيذ كل البرامج أو المشاريع بالإضافة إلى تحديد معايير الإنجاز وقياس الكفاءة، يعتمد هذا النمط من التدبير على نتائج قابلة للوصف والقياس عوض الوسائل المتاحة  للجماعة.[18]

وعليه، فإن هده المقاربة تهدف إلى تحقيق الفعالية والنجاعة وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، لهذا تم التنصيص في القوانين الثلاث للجماعات الترابية على ضرورة تبني هذا النوع ، حيث نصت المادة 245 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات ” على أن  رئيس مجلس الجهة يتخذ الإجراءات الضرورية  من أجل اعتماد الأساليب الفعالة لتدبير الجهة ولاسيما : … تبني نظام التدبير بحسب الأهداف ” وهي نفس العبارة المتكررة في المادة 215 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، وفي المادة 271 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات.

إن التدبير وفق منطق النتائج سيحول الأدوار التنموية للجماعات الترابية إلى برامج ومشاريع حقيقية قابلة للتنفيذ ، خاصة وان الانتقال من البنية التقليدية للميزانية التي تعتمد على تبويبها على فصول وفقرات وأسطر إلى بنية حديثة للميزانية تقدم في أبواب وفصول مقسمة إلى مشاريع وبرامج أو عمليات، من بين الركائز الأساسية للدفع بالجماعات الترابية بالقيام بأدوارها التنموية ، باعتبار أن الانتقال سيساهم في تخصيص أفضل للموارد ، والتفكير في الأولويات والحاجيات الملحة وبالتالي تحسين الخيارات والتدخلات.

رابعا –  تبني المقاربة  التشاركية :

 أمام الحراك الكبير الذي شهده المجتمع المغربي على جميع الأصعدة، شكلت الديمقراطية التشاركية أحد الأركان الأساسية والمطالب الرئيسية لمرحلة جديدة من الحكامة وحسن التدبير، ولا أدل من ذلك أن الوثيقة الدستورية الجديدة نصت في ديباجتها على المقاربة التشاركية كمحدد للتدبير العمومي بكل أوجهه.

وقد ظهر أسلوب التدبير التشاركي في العديد من الدول المتقدمة ، ففي فرنسا مثلا فإن غالبية

المشاريع والبرامج الكبرى تتم في إطار شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، ولا يزال هذا الأسلوب التدبيري يلعب دورا مهما في تعزيز نجاعة والتدبير وتحقيق التنمية .  

تعتبر المقاربة التشاركية  (( approche participative آلية  من آليات الحكامة الجيدة بحيث تؤمن النجاعة والفعالية في تدبير الشأن العام الترابي، ويمر هذا التدبير عبر إشراك المواطنين في القرارات الحاسمة سواء بصفة مباشرة أو عبر انخراطهم في الجمعيات،  فهي تتطلب وضع المقترحات وإدماجها في إعداد وتنفيذ وتقييم البرامج التنموية المحلية والحضرية، وقد نص دستور 2011  في الفصل 139 على تحفيز المواطنين على المشاركة في القرار التنموي مشاركة فعلية حيث نص على أنه ” تضع مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنين والمواطنات والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها.”

فقد  نص مثلا القانون التنظيمي للجماعات الترابية 113.14 على شروط تقديم العرائض من قبل المواطنين والمواطنات والجمعيات ، كمدخل أساسي في المشاركة في صناعة القرار المحلي، والهدف من هذه العرائض مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله، ولقد حدد القانون التنظيمي للجماعات شروط تقديم هذه العرائض من قبل المواطنين والمواطنات والجمعيات وكيفية إيداعها . وهو نفس الأمر بالنسبة للقانون التنظيمي للجهات رقم 111.14 (المادة   119 )  وكذلك القانون التنظيمي رقم 112.14  الخاص بالأقاليم والعمالات  ( المادة 113).

فعلى المستوى الاقليمي والجهوي لم تعد التنمية شأنا مرتبطا بالدولة وحكرا عليها بل أصبحت مسألة تشاركية ، تتقاسم فيها الدولة المسؤولية مع الفاعلين المحليين من جماعات ترابية وقطاع خاص ومجتمع مدني، في إطار ترسيخ ثقافة جديدة قوامها التدبير الديمقراطي الشفاف بأدوات ناجعة بوسائل التقويم والتتبع   من  خلال إمكانية المشاركة الفعلية للمواطنين أو عن طريق ممثليهم في الأحياء في إطار ما يسمى بالحكامة المحلية ، بما يتماشى مع المقاربات الحديثة في التدبير التي توصي بإشراك الفاعلين في المشاريع التنموية واستشارتهم قبل الشروع في تنزيلها على أرض  الواقع (مشاريع البنيات التحتية، مشاريع السكن، مشاريع التهيئة والتعمير..إلخ).

ومن هذا المنطلق يمكن القول أن هذه المقاربة تعتمد في قيامها وتجسيدها على مبدأ الاستشارة الذي غدا اليوم من المفاهيم المعاصرة التي تحظى باهتمام خاص من لدن الإدارات العمومية بجميع دول العالم    فالتجارب المقارنة على سبيل المثال في كل من اسبانيا والبرتغال والدول الانجلوسكسونية تبنت تقنية البحث والاستماع كأسلوب استشاري، بهدف  إعطاء المشاركة فعالية أكثر وتوسيع مجال الاستشارة.[19]

         كما تجسدت المقاربة التشاركية في العديد من التجارب المجتمعية، لعل أهمها تلك شهدتها بلدان أمريكا اللاتينية من خلال المنتديات الاجتماعية،  وبشكل خاص تجربة مدينة بورتو ألغري، والتجربة الفنزويلية، حيث تقوم المجالس الجماعية في إشراك الأسر في تدبير السياسة العمومية  التي تهمها (صياغة، تنفيذ، مراقبة وتتبع)، وفي أوربا تظل بعض الدول الاسكندينافية رائدة في التأسيس لتجربة الديمقراطية التشاركية، بالاضافة إلى سويسرا التي تتوفر على صندوق لدعم مشاركة السكان في لجن مجالس أحياء، وفي الجمعيات.[20]

وتأسيسا على ما سبق،  فإن ترسيخ ثقافة التدبير التشاركي بمفاهيمه وقواعده وآلياته في إدارة الجماعة والإقليم والجهة  المقاولة  يعد مطلبا ملحا ، الأمر الذي يفرض على المنتخبين والموظفين والأطر المحلية ورجال السلطة وفعاليات المجتمع المحلي المشاركة في تنمية جماعاتهم الترابية بنفس الاهتمام والوعي .

 خامسا-  التخطيط الاستراتيجي :

إن التطور الذي عرفته الجماعات  ببلادنا والرهانات المختلفة التي تعلق عليها في إنعاش الاقتصاد المحلي، يفرض عليها ضرورة تجاوز فكرة التخطيط التقني، واعتماد آليات التخطيط الاستراتيجي في تدبير الشأن العام الترابي.

فالتخطيط الإستراتيجي ( la planification stratégique)  يعتبر الركيزة الأساسية للتدبير حيث يمكن من كشف الآليات الآنية والمستقبلية والتنبؤ بالمتغيرات تم تحديد رؤيا مشتركة للمستقبل ، إنه مقاربة لتحسين التدبير من خلال التنسيق وتدبير المداخلات  والتتبع وفق مؤشرات قابلة للمعاينة والقياس ، إنه كذلك إطار للتشاور حول التنمية الترابية بطريقة تشاركية، كما أنه مقاربة لتحسين التواصل بين الشركاء والسكان حول الأهداف الإستراتيجية.[21]

وإذا كانت الجماعات الترابية بالدول المتقدمة  قد استعانت بهذه التقنية مند بداية الثمانينيات من القرن الماضي، فإن التجربة  المغربية بدأت تهتدي إلى سياسة التخطيط الاستراتيجي وفقا للتصور الجديد للجماعة كمقاولة تنتج خدمات متنوعة ومتطورة مما يتطلب وجود  قيادة إستراتيجية  تعكس إرادة الفريق المسير للجماعة ،وقدرته على إنجاز البرامج المسطرة للوصول على الأهداف المحددة ، مع القدرة على المقارنة بين الوضعية الحالية والمكانة المنشودة.[22]

ورغم أن التخطيط  الاستراتيجي يعتبر  عنصرا أساسيا تساهم بواسطته الجماعات الترابية في إعداد المخططات انطلاقا من الجماعة باعتبارها القاعدة مرورا بالإقليم ومن بعده الجهة إلى أن يغطي كافة التراب الوطني ، فقد لوحظ مثلا أن القانون التنظيمي المنظم مثلا للجماعات تحت عدد 113.14 قد تراجع عن المخطط الجماعي للتنمية لينص على آلية برنامج العمل، وعكس ما يعتقده البعض أن ذلك يعد خطوة إلى الوراء ، فأكيد أن برنامج العمل هو أكثر واقعية وفاعلية من المخطط  لاسيما مع هزالة تجربة المخططات الجماعية للتنمية وكذا ارتباطه بخلفية التخطيط الوطني، من خلال المخططات الخماسية الثلاثية التي لا تتسم بطابع الإلزام فيما يخص تنفيذ أهدافها ، ولكن أيضا برنامج العمل ينسجم أكثر مع المفاهيم الجيدة للتدبير المالي القائم على منطق الأهداف والبرامج المتعددة السنوات، ولجعل الميزانيات المحلية ميزانيات برامج ونتائج وليس ميزانيات وسائل.[23]

وقد حددت  المادة 158 من القانون التنظيمي  رقم 113.14 بالمتعلق بالجماعات مفهوم البرنامج الذي هو “عبارة عن مجموعة متناسقة من المشاريع أو العمليات تقرن به أهداف محددة  وفق غايات ذات منفعة عامة وكذا مؤشرات مرقمة لقياس النتائج المتوخاة، والتي ستخضع للتقييم قصد التحقق من شروط الفعالية والنجاعة والجودة المرتبطة بالإنجازات… “، كما أن المادة 180 من نفس القانون  تنص “على أن توجه نفقات التجهيز لإنجاز برنامج عمل الجماعة والبرامج المتعددة السنوات…” ، والجدير بالإشارة أن التخطيط مستقبلا سيتم على مستوى أعلى وهو المستوى الجهوي، تفعيلا للجهوية الموسعة.

إن العمل  بالتخطيط  الاستراتيجي يسمح للجماعات الترابية على غرار الفاعلين الخواص  بترتيب اختياراتها وتوجيهها خاصة فيما يتعلق بتحديد طبيعة المشاريع التنموية والإمكانات  المالية وإنجاز الشراكات مع القطاع الخاص وتنظيم التعاون اللامركزي وكل ما يرتبط بالتنمية الترابية عموما. فالتخطيط  يشجع على تكوين نظرة مستقبلية ، وعلى تحديد الاستراتيجيات المناسبة لتكون دليلا  تستند عليه قرارات الاستثمار في  القطاعات الاقتصادية  بما يتطلبه ذلك من توفير بيئة ملائمة لطموحات  التنمية المستمرة على المدى البعيد.  محمد أحجام التخطيط الاستراتيجي .

       المطلب الثاني : آليات التدبير العمومي الترابي الجديد

إن المكانة الدستورية التي أصبحت تتمتع بها الجماعات الترابية في ظل دستور 2011، أعطت للتنظيم الترابي والجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث تصورا جديدا، يتلائم ومكانة كل مستوى ضمن الهندسة الترابية الجديدة، حيث أضحت أنظمتها ترسخ لمبادئ الحداثة في التدبير والنجاعة في التدخلات والجودة في الخدمات.[24]

 لذا فقد اعتمد المشرع آليات جديدة  لتدبير الشأن الترابي  لاسيما ضمن القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات ، على غرار القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، والقانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، حيث لا يمكن للمجالس المنتخبة القيام بالأدوار المنوطة بها ، في خضم الإكراهات المتعددة، إلا بالاعتماد على مقاربة تنموية شمولية جديدة في بعدها الترابي، معتمدة في ذلك على مبادئ التدبير العمومي الترابي الجديد ، والتي سنقتصر على أهمها :

أولا –  مبدأ التدبير الحر:

يمثل هذا المبدأ المنصوص عليه في الفصل 136 أحد تجليات الحكامة الترابية التي أقرها دستور 2011 ، فضلا عن كونه يشكل منعطفا في مسار تعزيز اللامركزية الإدارية، فهو يعد آلية هامة وفعالة لربح الرهانات المطروحة فيما يتعلق بالتدبير     الحديث للجماعات الترابية وتتوزع المظاهر العامة لمبدأ التدبير الحر إلى مظهرين أساسيين ، يمثل أحداهما شكلا من الحرية والاستقلالية في تدبير الجماعات الترابية لشؤونها بنفسها وتحديد وبلورة اختيارتها وبرامجها التنموية بكيفية مستقلة وديمقراطية ولا يسمح للمثلي السلطة المحلية التدخل في أنشطتها ومهامها إلا في الحدود التي يسمح بها القانون.[25] في حين يمثل إقرار ممارسة السلطة التنظيمية المحلية المظهر الثاني لها،  من خلال العمل  على اتخاذ القرارات والقيام بالإجراءات التي يتطلبها حسن سير المرافق العامة، وبغية الحفاظ على النظام العام .

  وقد كانت فرنسا سباقة لتكريس هذا المبدأ في دساتيرها ، بدأ بدستور 27 أكتوبر 1946 ، بمقتضى الفصل 87 ، قبل أن يتم تكريسه في دستور4 أكتوبر 1958 بمقتضى الفصل 34، والفصل 72 ، لتتم تقويته فيما بعد بمناسبة التعديل الدستوري ل 28 مارس 2003 من خلال المادة 72  التي تقر  بأن لجماعات الترابية تدبر شؤونها بشكل حر.

فالتدبير الحر هو حق أساسي للجماعات الترابية ، يهدف إلى ضمان استقلاليتها وحرية تصرفها وتدخلها من أجل إشباع الحاجات العامة في إطار الشروط الموضوعة من قبل المشرع، يرتبط الأول بالاعتراف لهذه الجماعات الترابية ، بموارد مالية ذاتية، من مجموع الموارد التي تتوفر عليها، وهو ما يعزز حرية تصرفها في هذه الموارد حسب أولويات وحاجيات الساكنة، أما الثاني يهم إلتزام الدولة عند نقلها لي اختصاص لهذه الجماعات بتحويل الموارد المالية المطابقة ، للحفاظ على هذا المبدأ وعدم المساس بجوهره ومضمونه.

ثانيا – مبدأ التفريع والتعاقد

يرتبط هذا المبدأ بإشكالية توزيع وتنظيم وتحديد الصلاحيات داخل الدولة، فهو مبدأ يهدف إلى ضبط وتنظيم العلاقة ما بين الدولة المركزية والجماعات الترابية و خاصة الجهات وفق علاقة تقوم على تقاسم السلطة بشكل متحضر وديمقراطي يضمن وحدة الدولة من جهة ويراعي الخصوصيات المحلية من جهة ثانية، كما يقوم هذا المبدأ على قاعدة أن كل مستوى ترابي من مستويات الحكامة ، يلزمه إعطاء أجوبة نوعية ومحددة لتساؤلات وقضايا مشتركة، وضرورة تجاوز التعارض التقليدي ، الذي يحد من فعالية ونجاعة التدخلات العمومية ، أي أن المبدأ  يقضي بضرورة توضيح الاختصاص بين مستويات الجماعات الترابية وتعبئة العلاقات بينها، كما أن التعاون بين هذه المستويات يصبح أساسيا ومركزيا في تشكيل هندسة الحكامة، وتتجلى بصفة عامة وظائف مبدأ التفريع في النقط التالية؛

– مبدأ تقاسم المسؤوليات المشتركة بين  جميع المستويات الثلاث أي بين الحماعات الترابية ، والبحث الدائم عن حلول لقضايا مشتركة فيما بينها؛

– مبدأ توزيع الاختصاص بين الدولة والجماعات على المستوى الأفقي والعمودي؛

– مبدأ ضابط ومؤطر لتداخل ولتنافس الاختصاصات بالنظر لتباين وتمايز واختلاف جهات وجماعات المملكة ومستويات نموها وتطورها وحركيتها ؛

– مبدأ يقطع مع ثقافة الاتكالية والارتجال في التدخلات الترابية ويقر ويحقق المسؤولية والمساءلة.[26]

– مبدأ يقوم  على فعالية تعدد التدخلات  في ظل وحدة التراب.

يعود ظهور  مبدأ التفريع بفرنسا  إلى تقرير ” olivier Guichard” وذلك سنة 1976 والذي أكد على أنه ” ليس من الضروري إسناد أي اختصاص إلى هيئة عليا وإن كانت  الدولة متى كانت جماعة ترابية أدنى وقرية من المواطن قادرة على ضمن الخدمة المتوخاة، وقد جاء في هذا التقرير أن مبدأ التفريع يقود إلى البحث عن المستوى الأمثل لممارسة الاختصاصات ، وقد تم التنصيص على هذا المبدأ في قانون 7 يناير سنة 1983 المتعلق بتوزيع الاختصاصات بين الجماعات والمحافظات والجهات والدولة، ولاحقا تم التنصيص عليه في القانون الصادر سنة 1992 ، وهو ما تم تأكيده أيضا من خلال التعديل الدستوري في 28 مارس 2003 ، حيث نصت المادة 72 من الدستور الفرنسي على أن ” الجماعات الترابية تمتلك صلاحية اتخاذ كل القرارات المتعلقة باختصاصاتها الذاتية والتي تعد الأقدر على تفعيلها داخل مجال نفوذها.

بينما نص عليه الدستور المغربي لأول مرة في الفصل 140 ” للجماعات الترابية ، وبناء على مبدأ التفريع اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة، وتظهر اهمية مبدأ التفريع في القوانين التنظيمية الثلاث ، من خلال التنصيص عليه في المادة 4 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات وهو نفس الأمر بالنسبة للقانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعملات والأقاليم  ( المادة 4) وكذا بالنسبة للقانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات ( المادة 6).

ويبقى مبدأ التفريع أحد المبادئ الحديثة ، الذي يفترض أن يشكل حضوره ضمن المنظومة التدبيرية للامركزية، وعموما يمكن إجمال خصائص مبدأ التفريع في الآتي :

إن أساس  إستراتيجية مبدأ التفريع تتماشى مع توجهات الدولة ، في إطار التشاور مع السلطة التي تمثل الدولة في الجهة وباقي المجالس الترابية. وهذا المبدأ يتطابق مع  مجموعة من المبادئ من حيث ممارسة الاختصاصات الذي يعني أن ما تستطيع الجماعة إنجازه يسند إليها ، وما لا تستطيعه يسند على المستوى الأعلى من الوحدات الترابية وصولا إلى  الدولة.[27]

ثالثا-  مبدأ التعاون والتضامن

يرتبط مبدأ التعاون والتعاضد بين الفاعلين المحليين، أكثر بطبيعة القدرات التي يتمتع بها الفاعل الترابي خاصة في مستواه الرسمي، فالتدبير العمومي الترابي وفق هذا المبدأ يتطلب من السلطات العمومية لاسيما الجماعات الترابية،  أن تعرف كيف تدخل في حوار وشراكة مع الفاعلين الآخرين أي القدرة على بناء علاقات تواصلية وتعاونية مع مختلف المتدخلين.

هذا التجديد التواصلي ، يستلزم تغييرا ثقافيا جذريا في مواقف الفاعلين الرسميين  وتغييرا كذلك في المساطر، ويمكن الإقرار في هذا الصدد بأن الدول التي نجحت في قيادة التنمية الاقتصادية ، هي تلك الدول التي تتوفر على القدرة والكفاءة في تنظيم وتعبئة كل الفاعلين حول مشروع مشترك.

 ومن أجل مجابهة الفوارق المجالية والاجتماعية، عمل دستور 2011  من خلال الفصل 136 على تكريس مبدأ مواز لمبدأ التدبير  الحر بالقوة والدرجة نفسيهما، وهو مبدأ التعاون والتضامن، لضمان حد أدنى من المرافق  والخدمات للمواطنين بغض النظر عن النطاق الترابي الذي يوجدون فيه في إطار من  التضامن والتآزر، من جهة، ولإيجاد آليات للتعاون في ما بين الوحدات الجغرافية المختلفة في إطار وحدة الدولة، من جهة ثانية.

في هذا الإطار، نصت الفقرة الثانية من المادة الرابعة من القانون التنظيمي للجهات على أن التنظيم الجهوي يرتكز على مبدأي التعاون والتضامن بين الجهات، وبينها وبين الجماعات الترابية الأخرى، من أجل بلوغ أهدافها وخاصة إنجاز مشاريع مشتركة وفق الآليات المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي.

وباستحضار التجارب المقارنة ، فمبدأ التضامن في إسبانيا، يشكل آلية حقيقية للإقلاع الاقتصادي ، حيث أن الدستور الاسباني ينص في مادته 138 على أن الدولة تضمن التحقيق الفعلي لمبدأ التضامن ، وتسهر على تحقيق التوازن الاقتصادي بين مكونات التراب الإسباني .[28]

 رابعا – مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ؛

   في ظل تنامي آفة الفساد و ما تحمله من تأثيرات سلبية ومن إضعاف لشروط ووسائل تحقيق التنمية المجتمعية في مستواها الترابي، يمكن اعتبار مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ” المبدأ الاستراتيجي ” في مجال الحكامة الترابية.

وفي هذا الصدد تعتبر الرقابة أحد المقومات الأساسية للحكامة  ووسيلة لضبط العمل والحرص على أدائه  تبعا للضوابط  والقواعد القانونية العامة ، وانسجام القرارات والأعمال الجماعية مع الشرعية، من خلال ممارسة مراقبة عادلة وجيدة ومزدوجة استقلال القرار المحلي من جهة ، وقياس الأداء الفعلي وتصحيح انحرافاته من أجل التدبير الفعال والمسؤول والشفاف والجيد لأعمال الجماعات الترابية من جهة ثانية. [29]

إن ارتباط المساءلة بالتدبير العمومي ، ناتج عن كون  هذه الأخير يستوجب وجود نظام متكامل 

يتوفر فيه عنصر المحاسبة ( المساءلة) ، فبعد الرقابة التي تتوخى التأكد من أي عمل قد تم وفق القوانين والأنظمة المعمول بها، تجب المساءلة بإقرار عنصر الجزاء الذي في غيابه تفقد الرقابة مصداقيتها وأهليتها.

والمحاسبة تعد من المبادئ الأساسية للحكامة، وتعني إخضاع أعمال وسلوك المسؤول عن تدبير الشأن العام الترابي بكل شفافية إلى المساءلة والتقييم ، من أجل تدبير سليم يراعي الحاجيات والتطلعات ويساير التحولات، لضمان تدبير عمومي جيد.

إن إعمال آليات الرقابة والافتحاص والتدقيق على أعمال الهيئات الترابية ، من شأنها تفعيل قيم الشفافية والمسؤولية والمحاسبة  تساعد على تخليق تدبير الشأن العام الترابي، وتهدف إلى  تنبيه المسؤولين والمدبرين المحليين إلى  رسالتهم النبيلة ومسؤوليتهم القيادية اتجاه الساكنة ،و تمكن من كسب رهان تدبير عمومي رشيد ومحكم.

              ونظرا لأهمية هذا المبدأ فقد جعله المشرع الدستوري[30] مقوما من مقومات النظام الدستوري للمملكة ،  حيث اعتبر أن ربط المسؤولية بالمحاسبة قاعدة أساسية ومن الركائز الأساسية لبناء دولة الحق والقانون ، مع تكريس قاعدة التلازم بين ممارسة المسؤوليات والوظائف العمومية بالمحاسبة.

                   في هذا الصدد، نجد المجالس الجهوية للحسابات وطبقا لمقتضيات الفصل 149 من دستور 2011، تتولى مراقبة حسابات الجهات والجماعات الترابية وهيآتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها. ولا شك أن إحداث المجالس الجهوية يدخل ضمن إطار مسلسل تقوية سياسة اللامركزية واللاتركيز الإداري،  فالرقابة التي تمارسها المجالس الجهوية للحسابات تتجلى في الفحص والتحقق من العمليات المالية للجماعات الترابية، وبالتالي فعملها يقتصر على النطاق المحلي.

 كما أن المفتشية العامة للإدارة الترابية تناط بها مهمة المراقبة و التحقق من السير الإداري و التقني و المحاسبي للمصالح التابعة لوزارة الداخلية و الجماعات الترابية وهيئاتها.

   والجدير بالذكر  أن القوانين التنظيمية  الثلاث للجماعات الترابية[31]  ، جاءت ببعض المستجدات لاسيما في  الجانب المتعلق بالتدبير المالي الحديث،  حيث تم التنصيص على مشروع نجاعة الأداء  المعد من قبل الآمر بالصرف ، هذا المشروع الذي يعد بمثابة لوحة القيادة ، يتضمن على غرار القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13  لقانون المالية[32]  أهداف برنامج معين والمؤشرات المتعلقة به.

خاتمة واستنتاج ؛

 إن  أكبر تحد يواجه التراب اليوم، يتمثل في صياغة  نموذجه التنموي القائم على استغلال الثروات والطاقات المحلية، وإشراك كل الفاعلين المحليين، وتوحيد تدخلاتهم وفق أهداف ومرتكزات  هذا النموذج التنموي، وتحقيق  الغايات المتوخاة  رهين بتوفير آليات تجعل من  المنتخبين بالمجالس الترابية فاعلين أساسيين في وضع استراتيجيات للتنمية المحلية، يحددون الأولويات والموارد على المدى المتوسط والبعيد ويسهرون  على تنفيذها، وإدارة محلية تتوفر على موارد  بشرية مؤهلة ومؤطرة كما وكيفا وموارد مالية كافية لتقديم الخدمات الضرورية للسكان وفق أساليب حديثة تستجيب لمتطلبات التنمية المستدامة .

                   وصفوة القول أن الجماعات أضحت مكونا رئيسيا للامركزية الإدارية بالمغرب وركيزة أساسية في  التدبير الترابي  ، ومن تم بمقدورها كسب رهان التنمية على أسس علمية بعيدة عن الارتجال والعشوائية التي طبعت مسار تدخلها في العديد من المناسبات، ولتحقيق هذا الهدف لابد من القطع مع الأنماط التقليدية للتدبير ، واعتماد آليات التدبير الحديث، ، من  خلال إقرار واعتماد آليات الحكامة والديمقراطية والمشروعية والفعالية ،  وكذلك من خلال  مواكبة مستمرة لتأهيل العنصر البشري الذي يعتبر الفاعل المركزي لنجاح أي تدبير، بالموازاة مع ترسيخ  ثقافة التدبير التشاركي وذلك لتجاوز الصراعات المصلحية (الشخصية والحزبية) السياسية وتغليب المصلحة العامة لإيجاد نوع من التوافق حول تصور وإعداد وتنفيذ المشاريع التنموية .

   وعموما ، يبقى التدبير العمومي  كتقنية أو مجموعة آليات ، تمكن من تطوير الجماعات الترابية والرفع من أداءها ونجاعتها ، رهين  بوعي المنتخبين بأهمية مختلف أدوات التدبير العمومي الحديث، ورهين أيضا بمدى قدرة هؤلاء الفاعلين على نهج المقاربات الفعالة التي تضمن حسن الأداء، وهو ما يتطلب في نظرنا تغيير قيم السلطة ، وتعزيز مبادئ التخليق ومحاربة الفساد من خلال  تطوير فلسفة الرقابة والمحاسبة المحلية.


1- الظهير الشريف رقم 1.15.85 صادر في 20 من رمضان   1436 ( 7 يوليو 2015) المتعلق بتنفيذ القانون التنظيمي 114.13 ، الجريدة الرسمية عدد 6380 – 23.

2-   ظهير شريف رقم 1 . 11 . 91 صادر في 27 من شعبان 1432. (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور. .

3-  نجيب المصمودي : القانون التنظيمي الجديد للجماعات( نحو تدبير عمومي ترابي جديد بالمغرب) سلسلة الحكامة الترابية ودراسة السياسات، مطبعة الأمنية ، الرباط 2017 ص  : 54.

 4 –  محمد بنطلحة الدكالي : محاولة لتشخيص ومعالجة الجوانب المالية والجبائية في التنظيم المالي الجماعي، منشورات  المجلة المغربية الإدارة المحلية والتنمية، سلسلة “مواضيع الساعة”، العدد 44 ،2003  ص: 172.

5-   سعيد جفري: الحكامة وأخواتها ( مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي)، طبع الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، الدارالبيضاء، 2010، ص: 18.  

[7] – Chevalier Gilles: « éléments  de management public  :le management public par la qualité ,éditions afnor, 2009,p: 6 et 7.

[8] – Annie Bartoli: «  le management dans les organisation publiques » , Editions DUNOD , 1997,P : 72.

9- د. عماد أبركان  : التدبير العمومي الترابي وإشكالية النخب السياسية، ضمن مؤلف جماعي حول  التدبير العمومي الترابي والحكامة الجيدة، منشورات مجلة العلوم القانونية، العدد السادس، مطبعة الأمنية، 2018، ص: 86.

10 –  نوال الهناوي: التدبير العمومي الجديد، أطروحة لنيل الدكتوراه  في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، أكدال، السنة الجامعية 2008/2009، ص:  56.

11 – تطالعنا الصحف الوطنية اليومية من حين لآخر عن مجموعة من مظاهر سوء التدبير التي تعيشه العديد من الجماعات ، فحسب صحيفة جريدة الأخبار اليومية بناء على تقرير  أعدته المفتشية العامة للإدارة الترابية التابع لوزارة الداخلية الذي رصد  جوانب مختلفة من الاختلالات المرتبطة بالتدبير المالي والإداري  بالجماعات الترابية،  خاصة على مستوى  الطلبيات العمومية وإنجاز الصفقات ، وكذا تسيير قطاع التعمير الذي يعرف بدوره العديد من الاختلالات تتعلق خصوصا بعدم احترام الضوابط القانونية كتسليم رخص  فوق بقع ناتجة عن تقسيم وتجزئ غير قانونيين ومنح رخص السكن رغم مخالفتها لتصميم التهيئة أو التصاميم الهيكلية أو التصاميم المرخصة….إلخ ( المصدر : جريدة الأخبار العدد 1842 بتاريخ 14 نونبر 2018 ص:  3

12 –    ذ . نورالدين أعيسا، المجالس الجماعية ومسالة التنمية الترابية ؛ حالة المجلس الجماعي لمدينة مارتيل، ضمن مؤلف جماعي حول المسألة الترابية ورهان التنمية المستدامة، منشورات مجلة العلوم القانونية، مطبعة الأمنية ، 2017، ص: 40. 

[13] – عماد ابركان؛  حكامة  المدن بالمغرب بين اشكالية النخب السياسية ورهانات التنمية ، مرجع سبق ذكره ن ص: 129

[14] – ذ. نور الدين أعيسا :  مرجع سبق ذكره، ص: 38/39.

15 – مكاوي نصير: تدبير مالية الجماعات المحلية ، مطبعة دار أ بي  رقراق للطباعة والنشر، الرباط، المغرب ص : 49      

16 –  ذ . عماد أبركان/ المصطفى قريشي: القانون التنظيمي للجماعات تنفيذ للخطاب السياسي وتقييم الواقع الممارساتي ،  ضمن مؤلف التدبير المحلي والحكامة الترابية على ضوء القوانين التنظيمية   منشورات مجلة العلوم القانونية، العدد السادس ، مطبعة الأمنية، 2015،ص: 93/94.

17 –  ذ. ياسير عاجل : تحديات الإدارة الجهوية في تدبير السياسات العمومية الترابية، ضمن مؤلف حول الجهوية  المتقدمة واللاتمركز الإداري : قراءات متقاطعة، منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد الخاص رقم 15، مطبعة الأمنية الرباط، 2019، ص: 132.

 

18 –  ذ. حمزة أعيلال : التدبير المالي الحديث على ضوء القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، ضمن مؤلف حول الجماعات الترابية وتدبير الشأن الترابي ،  منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد الخاص رقم 12، مطبعة الأمنية الرباط، ، 2019، ص: 144.

 19- محمد بوكطب ؛ التدبير الحكامتي للإدارة الترابية  بالمغرب ، مجلة مسالك للفكر والسياسة والاقتصاد العدد47/48  السنة 2017 ، ص: 75.

   محمد سكلى  : مدخل لدراسة علم السياسة، الطبعة الأولى 2015 ص : 194  .-   [20]

[21]  –  حميد القستلي ، حكامة المدن : نحو مستقبل حضري أفضل ، مطبعة المعارف الجديدة ، الرباط  2013  ص : 79 . 

22 –  بهيجة هسكر : الجماعة المقاولة بالمغرب، سلسلة اللامركزية والإدارة  المحلية، الطبعة الأولى، عدد 5، 2010  ص: 34.

23 –  إبراهيم كومغار؛ أي مستقبل للحكامة المحلية من خلال القانون التنظيمي للجماعات؟ مجلة مسالك للفكر والسياسة والاقتصاد العدد33/34  السنة 2015 ، ص: 163 .

24-  مصطفى بسي : ميزانية الجماعات الترابية على ضوء مبدأ استقلال القرار المالي الترابي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد 138/139 ، يناير/ابريل، 2018، ص: 275.

25 –   انظر المادة 3 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات رقم 113.14 وأيضا المادة 4 من القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات والمادة 3 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم. 

26- نجيب الحجيوي : مبدأ التفريع وتوزيع الاختصاصات بين الدولة المركزية والجهات بالمغرب، مجلة حوارات، العدد الأول ، 2015 ، ص: 83.

27-  ذة غزلان بوعبدلي:  مثياق اللاتمركز بين رهان التحديث ومتطلبات الجهوية المتقدمة، منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد الخاص رقم 15، مطبعة الأمنية الرباط، ، 2019، ص: 177 /178 . 

 – حمزة أعيلال : مرجع سبق دكره ، ص: 145  [28]

29- الشريف تيشيت : حكامة المدن ؛ أي دور لرؤساء الجماعات الحضرية؟ مجلة مسالك للفكر والسياسة والاقتصاد، العدد 47/48، مطبعة النجاح الحديدة الدارالبيضاء، 2017، ص: 47.

30-  يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
    ونص  الدستور على المبادئ العامة للحكامة الجيدة. وأكد في الفصل 154 على أن ” المرافق العمومية تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أفرزها الدستور.” كما ينص نفس الفصل على أن تنظيم المرافق العمومية يتم على أساس المساواة بين المواطنين والمواطنات في الولوج إليها والإنصاف في تغطية التراب الوطني والاستمرارية في أداء الخدمات

31-   أنظر  المادة 158 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات والمادة 171 من القانون التنظيمي رقم  المتعلق 111.14 للجهات  وأيضا المادة 150 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم .

–  جريدة رسمية عدد 6370، فاتح رمضان 1436 ( 8 يونيو2015) ص: 5810.[32]

Exit mobile version