Site icon مجلة المنارة

الاختصاصات الممنوحة للولاة تجاه المصالح اللاممركزة للدولة بين التصور الدستوري والتنزيل التنظيمي

الاختصاصات الممنوحة للولاة تجاه المصالح اللاممركزة للدولة بين التصور الدستوري والتنزيل التنظيمي

ايت الشيخ محمد كريم

طالب باحث بسلك ماستر العلوم الإدارية والمالية

مقدمة:

كما هو متعارف عليه أخَذَ اللاتمركز الإداري للمصالح الدولة بالمغرب، شكل الإجراء المواكب للتنظيم الترابي اللامركزي، الشيء الذي أدى إلى وجود مفارقة بين مسار اللامركزية واللاتمركز الإداري فعوض أن يسبق هذا الأخير ورش الجهوية فإنه أتى كنتيجة لها، مما جعله كإجراء للمواكبة وليس كإصلاح ضروري للحكامة الإدارية، لمسايرة تطور المجتمع والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، والاستجابة بنجاعة على أساس مبدأ القرب لتطلعات المواطنين والفاعلين الاقتصاديين[1].

ويعزى البطء الحاصل على مستوى مسار اللاتمركز الإداري، إلى القواعد التي كانت تحكم تدبير العلاقة القائمة بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة التابعة لها، حيث كان يتم توزيع الاختصاصات وفق تقنية تفويض التوقيع، عكس التجارب المقارنة التي كانت تعتمد تقنية التفريع في توزيع الاختصاصات ” التجربة الفرنسية نموذجا “، الشيء الذي انعكس بشكل سلبي على أداء المصالح اللاممركزة، وجعلها غير قادرة على التفاعل بشكل إيجابي مع متطلبات المواطنين، وشركاءها الاستراتيجيين، ونخص بالذكر الجماعات الترابية.

لكن الميثاق الوطني للاتمركز الإداري الصادر حديثا[2]، جاء ليغير القواعد التي سيطرت لوقت طويل على تدبير العلاقة القائمة بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة التابعة لها،  من خلال الانتقال الى تقنية التفريع في توزيع الاختصاصات عوض الاكتفاء بتفويض التوقيع.

من أجل ذلك نص الميثاق أن من بين المبادئ التي يقوم عليها اللاتمركز الإداري لمصالح الدولة ” التفريع في توزيع المهام وتحديد الاختصاصات بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة التابعة لها “. الشيء الذي سيمكن المصالح اللاممركزة من التوفر على السلط والوسائل، والاستفادة من تحويل الاعتمادات (أنظر التبويب الجديد للميزانية العامة وفق القانون التنظيمي رقم 130.13 المتعلق بقانون المالية).

وأمام هذا التحول الحاصل في علاقة الإدارات المركزية بالمصالح اللاممركزة، تظهر الحاجة لوجود مؤسسة ترابية قادرة على تنسيق بين مختلف المصالح اللاممركزة المتواجدة على المستوى الجهوي والاقليمي، وتتبعها والسهر على حسن سيرها، وقد أسند هذا الاختصاص وفق منطوق الفصل 145 من الدستور لولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم.

وعلى اعتبار أننا سنخصص موضوع هذه الدراسة للأدوار الممنوحة الولاة تجاه المصالح اللاممركزة المتواجدة على المستوى الجهوي، فمن البديهي أن نبحث في جدور هذه المؤسسة التي يعود ظهورها إلى سنة 1981 بالدار البيضاء[3]، ولم تحظى هذه المؤسسة بتأطير قانوني مباشر لمهامها على غرار العمال الذي يتوفرون على ظهير يحدد اختصاصاتهم[4]، بل حتى الدساتير السابقة لم تكن تشر لمصطلح الوالي، وإنما تكتفي بالإشارة لمصطلح العامل.

 ويحسب للدستور 2011 الإشارة أول مرة لمصطلح الوالي وبالتالي دسترة هذه المؤسسة[5]، وهذا فيه نوع من التبسيط والتوضيح، لكون مصطلح الوالي يختلف عن مصطلح العامل من حيث الدلالة القانونية، فالوالي لا يشكل إطار ولا درجة، وإنما هو مهمة يعين صاحبها إذا توفرت فيه الشروط اللازمة ، بواسطة ظهير شريف خلال المجلس الوزاري باقتراح من رئيس الحكومة أو بمبادرة من وزير الداخلية[6].

وتظهر لنا أهمية مؤسسة الوالي في علاقتها بالمصالح اللاممركزة، من خلال جعل سياسة اللاتمركز الإداري تقوم على مرتكزين أساسين، الأول يهم الجهة، والثاني يهم الدور المحوري لوالي الجهة، كما تزداد المكانة البارزة للمؤسسة الوالي، من خلال تكرار مصطلح الوالي ضمن الميثاق ما يقارب تسعة وعشرين (29) مرة، وهذا الأمر ليس من محظ الصدف، وإنما يمكن توظيفه كدليل على أهمية هذا المؤسسة ضمن معادلة اللاتمركز الإداري بالمغرب.

وأمام هذه المكانة البارزة للوالي، تظهر لنا معالم الإشكالية الرئيسية التي نود التصدي لها “اختصاصات الولاة تجاه المصالح اللاممركزة للدولة بين تحديد الدستوري والتنزيل التنظيمي وفق منظور الميثاق الوطني للاتمركز الإداري”.

ويتفرع عن هذه الإشكالية الرئيسة أسئلة فرعية:

ومن أجل محاولة معالجة الإشكالية الرئيسة والأسئلة الفرعية، سنحاول أن نبرز المرتكزات التي يقوم عليها اختصاص تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للدولة والسهر على حسن سيرها (المطلب الأول)، ثم سننتقل من أجل دراسة وتحليل منهجية تنزيل هذه الاختصاصات وفق منظور الميثاق الوطني للاتمركز الإداري (المطلب الثاني).

المطلب الأول: المرتكزات التي تقوم عليها اختصاصات الولاة تجاه المصالح اللاممركزة للدولة

سنحاول في الجزء الأول من هذه الدراسة، التمحيص في الجذور والمرتكزات التي يقوم عليها اختصاص الولاة في مجال تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للدولة (الفرع الأول)، ونفس الأمر بالنسبة لاختصاصهم في مجال السهر على حسن سير المصالح اللاممركزة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الجذور والمرتكزات التي يقوم عليها اختصاص تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة

 إن ممارسة الولاة لاختصاص تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للدولة، ليس وليد اليوم أو ظهر مع احداث هذه المؤسسة، فقد مورس هذا الاختصاص حتى قبل إحداث هذه المؤسسة، من طرف عمال العمالات والأقاليم، والسند الذي يؤكد طرحنا، النصوص القانونية التي صدرت من أجل تنظيم اختصاصات العمال ومتصرفي وزارة الداخلية.

هكذا نجد ظهير 20 مارس 1956 المتعلق بتحديد النظام الأساسي للعمال، ينص على مهمة العمال في وصل المصالح الخارجية (المصالح اللاممركزة حاليا) ببعضها البعض[7]، وجاء بعد ذلك ظهير فاتح مارس 1963 المتعلق بالنظام الأساسي الخصوصي للمتصرفين بوزارة الداخلية، ونص على مهمة العمال في تنسيق أعمال المصالح الخارجية (المصالح اللاممركزة حاليا)[8]، وكرس ظهير 15 فبراير 1977 المتعلق باختصاصات العمال، هذا الاختصاص للصالح عمال العمالات والأقاليم.

 كما يجب الإشارة الى أن اختصاص تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة قد تم دسترته منذ دستور 1962، لكن دستور 1996 جاء وحذف مصطلح التنسيق أعمال المصالح اللاممركزة وعوضه بمصطلح تدبير المصالح اللاممركزة، لكن ذلك لم يؤثر في النصوص المنظمة للاختصاصات العمال التي ظلت تضم في طياتها اختصاصهم في مجال تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة.

وعاد دستور 2011 بمصطلح التنسيق، ورهن تطبيق هذا الاختصاص من طرف الولاة والعمال، ويحسب للدستور 2011 كما سبق وأشرنا دسترة مؤسسة الوالي.

بعد تسليط الضوء على الإرهاصات الأولى لظهور اختصاص تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة، لا بد لنا الأن من الانتقال إلى تقديم المرتكزات التي يقوم عليها، اختصاص الوالي في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة.

يعتبر مفهوم التنسيق في مجال اللاتمركز الإداري، مفهوم مركبا، يضم في طياته عدة مفاهيم للدلالة على التنسيق، حيث يتم توظيف مفاهيم ذات صلة بأهداف التنسيق، وتارة مفاهيم تتصل بالمنسق ذاته، وتارة أخرى مفاهيم من أجل الدلالة على الأليات المستعملة من قبل المنسق لتحقيق الأهداف المرجوة من التنسيق[9].

فالمفاهيم المرتبطة بأهداف التنسيق، والقريبة من المفهوم الضيق له يمكن اختزالها في، الانسجام، التناغم، التناسق، التماسك، المطابقة، التنظيم، التوحيد، والتأطير. أما المفاهيم المتصلة بالمنسق ذاته، فيمكن ردها إلى مفاهيم، الرئاسة، القيادة، والولاية. في حين تتمحور المفاهيم التي تدل على أليات التنسيق، والمستخدمة من قبل المنسق لتحقيق أهداف التنسيق، حول مفهوم السلطة، أي سلطة التوجيه، والتقرير، والتنفيذ، والوصل، والربط، والاطلاع، والمراقبة، والمواكبة، والإشراف، والتتبع، والتقييم والحث، والتقويم، والتأديب[10].

وأساس إسناد هذه الاختصاص للولاة، جاء للضمان وحدة وفعالية الدولة على المستوى الجهوي، فالمصالح اللاممركزة لا يمكن أن تشتغل بدون تناسق في التدخلات الإدارية الترابية، وهنا يظهر الدور المحوري للوالي، الذي سيؤمن من خلال التنسيق الحد الأدنى من الوحدة في التدبير الترابي للقطاعات الوزارية[11].

الفرع الثاني: الجذور والمرتكزات التي يقوم عليها اختصاص الولاة في مجال السهر على حسن سير المصالح اللاممركزة

يعتبر اختصاص السهر على حسن سير المصالح اللاممركزة، والمسند إلى الولاة، من الاختصاصات، التي ظهرت كذلك حتى قبل إحداث مؤسسة الوالي، حيث جاء في ظهير 15 فبراير 1977 المتعلق بتحديد اختصاصات العمال[12]، أن مهمة السهر على حسن سير المصالح اللاممركزة، ستسند للجنة التقنية. ويدخل في إطار حسن سير المصالح اللاممركزة، عمل ممثل السلطة المركزية (الوالي أو العامل) على ضمان السير العادي للمرافق العمومية في إطار القواعد الأساسية التي تنظم عمل المرافق العمومية، والمتمثلة في المساواة والاستمرارية والملائمة.

لكننا اليوم، مع دستور 2011 أصبحنا نتحدث عن المبادئ والمعايير التي تحكم عمل المرافق العمومية، وفي نظرنا من أجل التطبيق السليم لاختصاص الولاة في مجال السهر على حسن سير المصالح اللاممركزة للدولة، شيء طبيعي أن يتم تأهيلهم لتطبيق مقتضيات الفصل 154 من الدستور، والذي جاء فيه ” يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات. تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور“.

وبناء على ما سبق، يمكن للولاة في إطار ممارستهم لاختصاص السهر على سير المصالح اللاممركزة، أن يباشروا الاختصاصات التالية[13]:

بعد تحديد المرتكزات التي يقوم عليها اختصاص الولاة في مجالي تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة والسهر على حسن سيرها، سننتقل في الجزء الثاني من هذه الدراسة، للكشف عن الطريقة التي نزلت بها هذه الاختصاصات وفق منظور الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

المطلب الثاني: منهجية تنزيل الاختصاصات الدستورية الممنوحة للولاة تجاه المصالح اللاممركزة للدولة وفق منظور الميثاق الوطني للاتمركز الإداري

اعتمد الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، على أليات مؤسساتية، من أجل مساعدة الولاة في ممارسة اختصاصي تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة والسهر على حسن سيرها، والحديث هنا، عن اللجنة الجهوية للتنسيق، والكتابة العامة للشؤون الجهوية.

والحقيقة التي يجب الإشارة إليها، أن هذه الأليات المؤسساتية، مقتبسة من التجربة الفرنسية، حيث تضع رهن إشارة المحافظ بفرنسا، وتحت سلطته أليات مؤسساتية دورها مواكبة وتنسيق أعمال المصالح اللاممركزة، والأمر يهم اللجنة الإدارية الجهويةcomité de l’administration régionale (CAR)، والكتابة العامة للشؤون الجهويةsecrétariat général pour les affaires régionales   (SGAR)  [14]، لدى سنقوم بدراسة مهام وبنية اللجنة الجهوية للتنسيق (الفرع الأول)، ونفس الأمر بالنسبة للكتابة العامة للشؤون الجهوية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: دراسة في مهام وبنية اللجنة الجهوية للتنسيق

من خلال المرتكزات التي يقوم عليها اختصاص الولاة في مجالي تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة والسهر على حسن سيرها، والتي أظهرناه في الجزء الأول من هذه الدراسة، يمكننا من خلال قراءة المقتضيات المنظمة لمهام اللجنة الجهوية للتنسيق، أن نميز بين المهام التي تصب في قناة تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة، والمهام التي تصب في قناة السهر على حسن سير المصالح اللاممركزة[15].

ومن أجل ضمان مشاركة صناع القرار الأساسيين على المستوى الترابي، والشركاء الاستراتيجيين، فقد حدد الميثاق تركيبة اللجنة الجهوية للتنسيق في[16]:

1 عمال العمالات والاقاليم التابعة لدائرة نفوذ الترابي للجهة؛

2 الكاتب العام للشؤون الجهوية؛

3 رؤساء مصالح الدولة اللاممركزة على مستوى الجهة؛

4 المسؤولون عن المراكز الجهوية للاستثمار والمسؤولون الجهويون للمؤسسات العمومية المعنية.

لكن نود الإشارة لملاحظة، والتي في الحقيقة سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن أشار اليها في تقريره الموضوعاتي حول متطلبات الجهوية المتقدمة وتحديات إدماج السياسات القطاعية، حيث أشار التقرير المذكور لضرورة إحداث أجهزة الحكامة الترابية(تحت رئاسة ولاة الجهات) من أجل تنسيق ومواكبة أعمال المصالح اللاممركزة على المستوى الجهوي، الشيء الذي تحقق اليوم بإحداث اللجنة الجهوية للتنسيق، التي تضم في تركيبتها (العضوية الدائمة)، أبرز صناع القرار الأساسيين على المستوى الترابي، لكن واضعوا النص في نظرنا قد خالفوا رأي المجلس، بخصوص تخصيص مكانة في هذا الجهاز لممثلي الجماعات الترابية، ونخص بالذكر رؤساء المجالس الجهوية[17].

لكن الميثاق مكن الولاة من تدارك الأمر، من خلال تمكينهم من توجيه الدعوة لأي شخص ذاتي (رؤساء المجالس الجهوية نموذجا) أو اعتباري، من أجل حضور اجتماعات اللجنة بصفة استشارية، إذا كان هناك فائدة في حضوره.

الفرع الثاني: دراسة في المهام المسندة للكتابة العامة للشؤن الجهوية

تعتبر الكتابة العامة للشؤون الجهوية، من الأليات المؤسساتية الموضوعة من أجل مساعدة الولاة في القيام باختصاصاتهم تجاه المصالح اللاممركزة للدولة، فقد نص الميثاق أنه هذه البنية يرأسها تحت سلطة والي الجهة، كاتب عام للشؤون الجهوية يعين من قبيل وزير الداخلية[18].

وقد حدد الميثاق مهام ثابتة تمارس من قبل الكاتب العام للشؤون الجهوية، ومهام متغيرة تنجز وفق طلب الوالي.

بخصوص المهام الثابتة فهي على النحو التالي:

ووفق لما أشرنا له سابقا، فإن فكرة إحداث الكتابة العامة للشؤون الجهوية بالمغرب، مستمدة من التجربة الفرنسية، حيث يعود تاريخ إحداث هذه البنية بفرنسا إلى سنة 1964 وكانت تحمل تسمية المهمة الجهوية (mission régionale)، وخلال سنة 1982 طرأ تحول على مستوى التسمية لتصير الكتابة العامة للشؤون الجهوية – secrétariat générales pour les affaires régionale – SGAR –، وتلتقي الكتابة العامة للشؤون الجهوية في التجربة المغربية، مع نظيرتها الفرنسية، في طبيعة المهام المسندة للكاتب العام للشؤون الجهوية، حيث في التجربة الفرنسية يمارس الكاتب العام هو الاخر، مهمة الكتابة الدائمة للجنة الإدارية الجهوية، وتنسيق ومواكبة أعمال المصالح اللاممركزة…إلخ[19].

وقصد مد يد المساعدة للكاتب العام للشؤون الجهوية في المهام المسندة إليه، وضع الميثاق تحت رهن إشارته أطر وأعوان، على أن يتم تنظيم الكتابة العامة للشؤون الجهوية بقرار صادر عن السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، بعد عرضه على تأشيرة السلطة الحكومية المكلفة بالمالية والسلطة الحكومية المكلفة بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية.

 وفي هذا الصدد نرى أنه يرجح بقوة الأخذ بنهج الذي اتبعته التجربة الفرنسية في تنظيم الكتابة العامة للشؤون الجهوية، فمثلا تضم الكتابة العامة للشؤون الجهوية لجهة hauts de France، الى جانب الكاتب العام ومساعديه، قطبين أساسين، القطب الأول يختص بتحديث عمل المصالح اللاممركزة، وقطب ثاني يختص بتتبع تنفيذ السياسات العمومية على المستوى الجهوي وتنسيق أعمال المصالح اللاممركزة.

وقد أسند المشرع للكتابة العامة للشؤون الجهوية، مهمة إعداد تقرير سنوي للجنة الجهوية للتنسيق، الذي يبعثه والي الجهة بعد المصادقة عليه من طرف اللجنة الجهوية للتنسيق، إلى اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري، على أن تقوم هذه الأخيرة بإصدار تقرير سنوي حول حصيلة أعمالها، يضم في جزء منه الحصيلة المنجزة من طرف اللجان الجهوية للتنسيق، ومن خلال الاطلاع على التجربة الفرنسة، تبين لنا أن كل جهة تقوم بنشر تقرير منفرد عن حصيلة الأعمال المنجزة من قبل اللجنة الإدارية الجهوية.

ويمكن القول أن هذه الأليات المؤسساتية (الكتابة العامة للشؤون الجهوية، اللجنة الجهوية للتنسيق) ستشكل إطار للتنسيق، وإبداء الرأي حول الاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بالجهة، وتقديم الاقتراحات اللازمة حول مخططات المديرية للعدم التركيز، وعقود البرامج وتتبع تنفيذ مختلف مشاريع التنمية الجارية بتراب الجهة[20].

غير أن اختصاص الولاة في مجالي تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة والسهر على حسن سيرها، لا يمارس فقط داخل هذه الأليات المؤسساتية، بل يمارس حتى خارجها، فقد ضم الميثاق في طياته مقتضيات تدل بشكل ضمني على اختصاص الولاة في مجال السهر على حسن سير المصالح اللاممركزة، ونذكر في هذا الصدد المقتضى الذي يسمح للولاة بتقديم مقترح إحداث التمثيليات الإدارية الجهوية[21]، والذي يعرض على أنظار اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري، كون هذه الأخيرة هي صاحبة الاختصاص في الدراسة والمصادقة على طلبات ومقترحات إحداث التمثيليات الإدارية الجهوية[22].

وفي نظرنا يمكن فهم منح الولاة هذا الاختصاص، بالرجوع للمرتكزات التي يقوم عليها اختصاصهم في مجال السهر على حسن سير المصالح اللاممركزة، حيث قد بينا سلفا أن هذا الاختصاص يرتكز تطبيقه على ضمان احترام القواعد الأساسية التي تنظم عمل المرافق العمومية، والمتمثلة في المساواة والاستمرارية والملائمة، ولكن اليوم بموجب الوثيقة الدستورية لسنة 2011 أصبحنا نتحدث عن المبادئ والمعايير التي تحكم عمل المرافق العمومية، ولعل أبرز هذه المبادئ الإنصاف في تغطية التراب الوطني، الشيء الذي يؤهل الولاة من أجل ضمان الإنصاف في تغطية التراب الوطني، تقديمهم لمقترحات احداث تمثيليات إدارية جهوية، من أجل خدمة مصالح المواطنين، وعموم الفاعلين الاقتصاديين.

وتظهر لنا كذلك صورة من صور اختصاص الولاة في السهر على حسن سير المصالح اللاممركزة، والتي تمارس دائما خارج الأليات المؤسساتية الموضوعة تحت رهن إشارة الولاة في هذا المجال، إمكانية رفعهم لمقترحات إلى السلطات الحكومية المعنية، قصد اتخاذ كل تدبير ذي طابع قانوني أو مالي أو إداري أو تقني أو بيئي، من أجل تحسين أداء المصالح اللاممركزة على المستوى الجهوي[23].

وفي نفس الاتجاه، يمكننا القول أن إشراف الولاة على كل أشكال الدعم والمساعدة المقدمة من طرف المصالح اللاممركزة للدولة لفائدة الجماعات الترابية[24]، يندرج ضمن اختصاصاته في مجال التنسيق، كون الإشراف كما بين سابقا يستخدم كألية من أليات التنسيق .

كما يراهن على الميثاق، من أجل مساعدة الولاة في ممارسة اختصاصهم في مجالي تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة والسهر على حسن سيرها، من خلال جعل إحداث تمثيليات المشتركة أولوية في سياسة اللاتمركز الإداري، حيث كان الوالي يمارس مهمة تنسيق بين تمثيليات جهوية تنتمي للنفس القطاع الوزاري، ومثال ذلك التمثيليات الجهوية التابعة للوزارة الاقتصاد والمالية، لدى من المرجح بنسبة كبيرة، لتطبيق مقتضيات الميثاق، أن يتم ضم المديريات الجهوية التابعة للوزارة الاقتصاد والمالية في جهاز واحد، عوض تمثيلية إدارية جهوية مستقلة للإدارة الضرائب أو للخزينة العامة…إلخ.

خاتمة:

يبدو لنا من خلال ما سبق أن الميثاق قد وسع من اختصاصات الولاة تجاه المصالح اللاممركزة، مع تمكينهم من أليات مؤسساتية للاشتغال تعمل تحت إشرافهم، لتذليل الصعوبات المحتملة أثناء ممارسة اختصاصاتهم تجاه المصالح اللاممركزة للدولة.

ونتفق مع الطرح الذي سار عليه أستاذنا عبد الحافظ ادمينو، والذي نبه لكون هذه الاختصاصات الممنوحة للولاة قد تؤدي إلى إنتاج مركزية جديدة ولكن من نوع جهوي، فمظاهر إنتاج هذه المركزية على المستوى الجهوي يمكن أن تظهر انطلاقا من مساهمة الولاة في تقديم مقترحات احداث تمثيليات إدارية جهوية، إلى غاية مشاركتهم في تقييم أداء المصالح اللاممركزة.

لكن لا يمكننا أن نسارع في تقييم الاختصاصات الممنوحة للولاة، والقول جزما أنها ستؤدي إلى إنتاج مركزية جديدة، وسنترك الأمر للممارسة القادرة وحدها على إظهار المكتسبات والإخفاقات التي ستصاحب تطبيق نص الميثاق. هذا النص الذي أدرجته الحكومة الحالية ضمن ورش إصلاح الإدارة، وتراهن عليه بقوة إلى جانب مشاريع أخرى من أجل مراجعة وتطوير البنيات الإدارية التنظيمية بما يمكن القطاعات الوزارية والإدارات العمومية، على الصعيدين المركزي واللاممركز، من تحقيق الفعالية والنجاعة في وضع وتنفيذ السياسات العمومية وفي تقديم الخدمات العمومية.

ويبقى أي إصلاح إداري كما ذهب إلى ذلك الأستاذ مولاي ادريس الحلابي الكتاني مهما كانت أهميته عملا ناقصا، إذ لم يرافقه تطهير ومعالجة السلوكيات المنحرفة، وتنقية العقول والنفوس من الفساد.

لدى يجب على الوالي أن يدرك مدى أهمية الاختصاصات المسندة له على مستوى الجهة، ويجب أن يتحلى بالصفات المطلوبة في شخصية القائد، كما يجب على رؤساء المصالح اللاممركزة للدولة، أن ينزحوا عن التفكير السلبي الذي سيطر لمدة طويلة على علاقتهم بالولاة، حيث اتسمت هذه العلاقة إلى وقت قريب بالتحفظ والحذر، لدى يجب على جميع صناع الاساسين للقرار الترابي أن يتحدوا، لتحقيق هدف رئيسي وهو التنمية المجالية.


[1]  تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول متطلبات الجهوية المتقدمة وتحديات إدماج السياسات القطاعية، صادر سنة 2015، ص 17.

[2] مرسوم 2.17.618 بمثابة الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، الصادر بتاريخ 18 ربيع الأخر 1440 (26 دجنبر 2018)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6738، الصادرة بتاريخ 19 ربيع الأخر 1440 (27 دجنبر 2018)، ص 9787.

[3]  سعيد النازي، الوالي في إطار الجهوية المتقدمة، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الأولى سنة 2016، ص 8.

[4]  ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.75.168 المتعلق باختصاصات العمال، الصادر بتاريخ 25 صفر 1397 (15 فبرير 1977)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3359، الصادرة بتاريخ 16 مارس 1977، ص 767.

[5]  ذة إيمان الداودي، الولاة والعمال والإصلاح الدستوري بالمغرب، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 108 يناير ـ فبراير 2013، ص 69.

[6]  جاء في المادة الأولى من الظهير الشريف رقم 1.08.67 في شأن هيئة رجال السلطة، الصادر بتاريخ 27 رجب 1429 (31 يوليوز 2008)، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5677، الصادرة بتاريخ 27 شوال (27 أكتوبر 2008)، ما يلي:

تحدث بوزارة الداخلية هيئة لرجال السلطة تضم أربعة أطر ٬ موزعة على الدرجات التالية: 1 – إطار العمال ٬ ويضم درجة عامل ممتاز ودرجة عامل؛ 2 – إطار الباشوات ٬ ويضم درجة باشا ممتاز ودرجة باشا؛ 3 – إطار القواد ٬ ويضم درجة قائد ممتاز ودرجة قائد؛ 4 – إطار خلفاء القواد، ويضم درجة خليفة قائد ممتاز ودرجة خليفة قائد من الدرجة الأولى ودرجة خليفة قائد من الدرجة الثانية.

[7]  جاء في الفصل الثاني من ظهير الشريف رقم 1.56.046 المتعلق بتحديد النظام الأساسي للعمال، الصادر بتاريخ 7 شعبان 1375 (20 مارس 1956):

” إن العمال يمثلون سلطتنا التنفيذية في الأقاليم وهم بهذه الصفة يشرفون بوجه خاص على أعمال الباشوات والقواد ويراقبون مراقبة إدارية الجماعات الإقليمية ويصلون عند الاقتضاء المصالح الخارجية بعضها ببعض التابعة لمختلف الوزارات”.

[8]  جاء في الفصل 29 من ظهير 1.63.038 المتعلق بالنظام الأساسي الخصوصي للمتصرفين بوزارة الداخلية:

“يمثل العمال السلطة التنفيذية بأقاليم وعمالات مملكتنا الشريفة. فهم يسهرون على تطبيق القوانين والأنظمة ومقررات وتعليمات السلطة المركزية ويراقبون تحت سلطة الوزراء المختصين النشاط العام لموظفي الدولة كما ينفذون مقررات المجالس العمالية والإقليمية وينسقون أعمال المصالح الخارجية للوزارات ومكاتب الاستغلال والمؤسسات العمومية الأخرى”.

[9]  د. المكي السراجي، مركز وسلط الولاة والعمال في دستور 2011، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 111، يوليوز ـ غشت 2013، ص 40.

[10] نفس المرجع ص 40ـ 41.

[11]  ذة إيمان الداودي، مرجع سابق، ص 74.

[12]  الفصل السادس من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.75.168 المتعلق باختصاصات العمال، الصادر بتاريخ 25 صفر 1397 (15 فبراير 1977.

[13]  د. المكي السراجي، مرجع سابق، ص 45.

[14] Wassim Kamel, LA NOUVELLE ORGANISATION DE L’ETAT EN RÉGION, Revue française d’administration publique, n° 136, 2010/4, p 1014-1015.

[15] المادة 30 من المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[16] المادة 31 من المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[17]  تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول متطلبات الجهوية المتقدمة وتحديات إدماج السياسات القطاعية، صادر سنة 2015، ص 82.

[18]  المادة 33 من المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[19]  Wassim Kamel, op, cit, p 1014.

 [20] عبد الرفيع زعنون، الأفاق المرتقبة لميثاق اللاتمركز الإداري، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 141، يوليوز ـ غشت 2018، صد 149.

[21]  المادة 11 من المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[22]  المادة 38 من المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[23]  المادة 28 من المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[24]  المادة 36 من المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

Exit mobile version