الإشكاليات القانونية والعملية للحساب البنكي وحماية حقوق المستهلك
عبدالكريم المصباحي
دكتوراه في القانون الخاص شعبة منازعات الأعمال
وأستاذ للأشغال التوجيهية بجامعة عبد المالك السعدي كلية الحقوق بطنجة
يعتبر عقد الحساب البنكي من أهم العقود التي تبرمها الأبناك مع عملائها، بالنظر إلى أنه يلبي حاجة مؤسسات الائتمان من الأموال اللازمة لتمويل المشاريع، كما يلبي حاجة العملاء الذي يبحثون عن فتح حسابات بنكية من أجل الاستفادة من مختلف الخدمات التي تقدمها الأبناك لأصحاب الودائع النقدية، وخاصة ما يتعلق بخدمات الصندوق، واستخلاص ووفاء الأوراق التجارية، وعمليات التحويل البنكي…
وإذا كان المشرع المغربي قد عمل على تنظيم عقد الحساب البنكي بكل من مدونة التجارة والقانون البنكي، فإن الأعراف والعادات المهنية البنكية قد أثرت عليه لا من حيث إبرامه، وتنظيم مختلف العمليات التي يشملها، ولا من حيث إثباته.
لدالك فإن المشرع المغربي ألزم مؤسسات الائتمان باحترام مجموعة من الالتزامات التي من شأنها أن تؤدي إلى حماية المودع باعتباره الطرف الضعيف في عقد الوديعة النقدية. كما أن القضاء بدوره اعتاد على التشدد في التعامل مع المؤسسات البنكية باعتبارها مودعا لديه محترفا ومهنيا.
ولهذا السبب فقد أسند المشرع المغربي لوالي بنك المغرب عددا من السلطات التي تمكنه من بسط رقابته على المؤسسات البنكية العاملة تحت رقابته، من أجل ضمان حسن سيرها وإدارتها بغية الحفاظ على سمعة وثقة العملاء في النظام البنكي المغربي.
و هو ما جعل نظام ضمان الودائع أمرا لا مناص منه من أجل تعزيز ثقة الزبناء في النظام البنكي، عن طريق قيامه بدور وقائي يكمن في مساعدة مؤسسات الائتمان التي تعاني من صعوبات، إضافة إلى دوره العلاجي المتمثل في تعويض المودعين في حالة تصفية المؤسسة البنكية المودع لديها.
لدالك فإن المشرع المغربي عمل على إحاطة عقد الحساب البنكي بعدة ضمانات لتوفير الحماية اللازمة للمستهلكين.
لكن الواقع المعاش أبان عن مجموعة من الإشكاليات العملية التي تنشأ بين مؤسسة الأثمان والمستهلك والمتعلقة بالحساب البنكي، فما هي هده الإشكالات وكيف تعامل معها التشريع والقضاء ؟
إن الطريقة التي نهجها المشرع المغربي في تنظيمه للحسابات البنكية، تفرز نتائج نظرية وعملية في غاية الأهمية في تفسير ماهية الحسابات البنكية وصورها(المبحث الأول)، فإعطاء المؤسسة البنكية حرية قبول أو رفض فتح الحساب البنكي، يتير النقاش حول إمكانية قيام مسؤولية البنك اتجاه المستهلك عن تعسفه في استعمال حقه عندما يمتنع عن فتح الحساب البنكي ؟ وهل يحق للبنك نقل الحساب من وكالة إلى أخرى؟ (المبحث الثاني).
المبحث الأول: ماهية الحساب البنكي وصوره
سنتحدث في هذه المبحث عن تعريف الحساب البنكي (المطلب الأول) ثم بعد ذلك سنتطرق إلى صور الحسابات البنكية التي تخضع لقواعد قانونية محددة، وترتب على الأبناك والمستهلك بعض الالتزامات الخاصة، والتي تؤدي مخالفتها إلى تحمل المسؤولية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تعريف الحساب البنكي
إذا كان الحساب يفيد عموما جدول الديون والحقوق التي تكون لكل من الطرفين اتجاه بعضهما البعض أو جرد الأصول أو الخصوم التي تحدد الوضعية المالية للمقاولة، فإن الحساب البنكي له معنى آخر غير ذلك، فهذا الحساب يشكل في صورته العامة أداة لتسوية العمليات التي تتم بين البنك وزبونه حيث يمكن لهذين الأخيرين استعمال هذه الأداة لوفاء ديونهما المتقابلة بكيفية تشبه عملية الوفاء بواسطة المقاصة.
فالحساب البنكي إذن وإن كان يفتح بالأساس لإيداع النقود لدى البنوك ، فإنه عادة ما يستعمل كوسيلة لإجراء العديد من العمليات البنكية الأخرى، ذلك أن الحساب البنكي قد يسمح للمستهلك بالحصول على الائتمان في الحالة التي يرخص له فيها البنك صراحة أو ضمنيا بإمكانية تحول رصيده بالحساب إلى رصيد المدين، وذلك استثناء من القاعدة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 524 من مدونة التجارة والتي مؤداها ” الرصيد المدين العرضي لا يعتبر فتحا للاعتماد “.
ولا يقتصر الحساب البنكي على ما ذكر، بل إنه أيضا أساس لإجراء بعض العمليات البنكية الأخرى كتحصيل أو استخلاص مبالغ الأوراق التجارية المودعة من طرف المستهلك المعني بالأمر وتقييد هذه المبالغ في الجانب الدائن للحساب، والوفاء بالأوراق التجارية التي يسحبها هذا المستهلك على البنك المفتوح له الحساب، وتنفيذ أوامر التحويل البنكي التي يصدرها صاحب الحساب للبنك، وغير ذلك من العمليات البنكية التي لها علاقة إما بتلقي الودائع أو بتقديم الخدمات المرتبطة بهذه الودائع .
فالمشرع المغربي و على غرار باقي التشريعات المقارنة لم يعرف الحساب البنكي و إنما قسم الحسابات البنكية في المادة 487 من مدونة التجارة إلى حسابات باطلاع وحساب لأجل، ولم يعرف الحساب البنكي بشكل عام ولكنه قام بتعريف الحساب بالاطلاع في المادة 493 من مدونة التجارة، حيث جاء في هذه المادة ” الحساب بالإطلاع عقد بمقتضاه يتفق البنك مع زبونه على تقييد ديونهما المتبادلة في كشف وحيد على شكل أبواب دائنة ومدينة والتي بدمجها يمكن في كل حين استخراج رصيد مؤقت لفائدة أحد الأطراف ” .
بناءا على ما سبق يتبين لنا بجلاء أن المشرع المغربي جمع في تعريفه للحساب بالإطلاع بين خصائص الحساب الجاري وحساب الودائع النقدية، بحيث أن مفردات الحساب تندمج فيما بينها، وأن الديون تخضع لمبدأ التجديد وتجري المقاصة بينهما، وأن الديون بصورة دورية، ويمكن استخراج الرصيد المؤقت في أي وقت، وهذا شيء بالغ الأهمية حيث يوحد الأحكام المطبقة على جميع الحسابات البنكية.
وبالتالي لا توجد ضرورة للبحث عن قصد الأطراف عند توقيع اتفاقية الحساب، والأصل أن يكون هذا الحساب دائنا ولا يؤدي الاتفاق على فتحه على منح اعتماد للمستهلك، كما تنص على ذلك المادة 499 من مدونة التجارة، وهذا من أهم خصائص حساب الوديعة.
وفي مقابل ذلك أجازت المادة 501 من م. ت أن يكون هذا الحساب مدينا، هذه الإمكانية ترجع إلى اتفاق كل من البنك والمستهلك.
ومن هنا يمكن أن نستنتج أن المشرع المغربي لم يقم بتعريف حساب الوديعة النقدية كوعاء تفرغ فيه هذه الوديعة، واكتفى بالإشارة إلى هذه الوديعة في المادة 509 من مدونة التجارة، وأشار إلى الالتزام بالرد في المادة 510 من نفس المدونة، وجمع خصائص كل من عقد الحساب الجاري في حساب واحد وأطلق عليه الحساب بالإطلاع.
وبالتالي لا يمكن معرفة المسؤولية المترتبة عن الوديعة النقدية دون التعرض لأحكام والتزامات البنك بالحساب بالاطلاع والتي يترتب عنها الإخلال بمسؤولية البنك في إطار هذا الأخير.
المطلب الثاني : صور الحساب البنكي
إن ما يلاحظ على مستوى الواقع العملي أن الحساب البنكي لا يقتصر فقط على العلاقة المألوفة المتمثلة، من جهة في فتح هذا الحساب لشخص طبيعي أو معنوي واحد، ومن جهة أخرى، في اقتصار المستهلك على فتح حساب بنكي واحد لدى نفس المؤسسة البنكية ذلك إن الثابت عمليا أنه يمكن فتح حساب بنكي جماعي أو مشترك لعدة أشخاص بصرف النظر عن كونهم متساوين أو غير متساوين في الحقوق على هذا الحساب، كما أن الشخص الواحد يمكنه أن يفتح عدة حسابات بنكية لدى نفس البنك حيث يكون والحالة هذه لكل حساب على حدة مال خاص به وفي ذات الوقت تظل له علاقة ضيقة بباقي الحسابات الأخرى المفتوحة باسم نفس الزبون (المستهلك) .
وقد تعرضت مدونة التجارة لحالة تعدد الحسابات البنكية المفتوحة لشخص واحد لدى نفس البنك في المادة 489 منها والتي تنص على أنه ” في حالة تعدد الحسابات المفتوحة لنفس الزبون وفي نفس الوكالة أو في عدة وكالات لنفس المؤسسة البنكية، فإن كلا هذه الحسابات يعمل مستقلا عن الأخر، إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك “.
هذا النص وكما هو واضح منه ينظم العلاقة بين البنك والمستهلك عند توفر هذا الأخير على عدة حسابات بنكية لدى نفس المؤسسة، سواء كان في وكالة واحدة أو عدة وكالات بنكية تابعة لنفس للبنك، فقد تكون هذه الحسابات من نفس الطبيعة أي قد تكون جميعها مثلا حسابات بالإطلاع أو حسابات لأجل أو حسابات لوديعة الأوراق المالية، فمهما كان نوع هذه الحسابات وطبيعتها فإن كل واحد منهما يخضع للقواعد الخاصة بها فيما يتعلق بتشغيله ووقفه ، وهذا ما يعبر عنه باستقلال الحسابات ويستند المبدأ إلى فكرة جوهرية مؤداها أن المستهلك عندما يقدم على فتح عدة حسابات بنكية في فرع مؤسسة بنكية واحدة أو عدة فروع لدى نفس المؤسسة البنكية فإنه يكون قد عبر عن إرادته في أن يستقل كل حساب عن الأخر بطريقة تشغيله، وبالتالي يجب على المؤسسة البنكية احترام إرادة المستهلك وكذلك الغير الذي يتعامل معه .
كما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه فقاعدة استقلال الحسابات البنكية، المفتوحة لنفس الزبون (المستهلك) لدى نفس البنك، عن بعضها البعض ترتكز على انفراد كل واحد من هذه الحسابات بأمر وطريقة تشغيله، ومن هنا فإن أي من الحسابات المتعددة التي يكون فاتحها لدى نفس المؤسسة البنكية شخص طبيعي أو معنوي واحد لا يتأثر بغيره ولا يؤثر فيه، ولو كان ذلك في مصلحة المستهلك المعني بالأمر، إلا إذا تم الاتفاق صراحة على مخالفة هذه القاعدة.
إلا أن التساؤل الذي يطرح في هذا الإطار حول ما إذا كان بإمكان المؤسسة البنكية المفتوح لديها عدة حسابات بنكية لنفس الزبون، أن تقوم في حالة عدم توفر مؤنه كافية حساب المسحوب منه الشيك المقدم لها، للوفاء بأداء هذا الشيك من رصيد الدائن المسجل بأحد الحسابات الأخرى المفتوحة باسم هذا الزبون، وذلك لكفاية هذا الأخير شر ما يمكن أن يتعرض إليه من جزاءات مدنية وجنائية، نتيجة عدم توفر المؤنة الكافية لأداء شيك عند التقديم .
الواقع أنه بالرغم من كون التساؤل عن مدى جوازه يعتبر في صالح الزبون ذي الحسابات البنكية المتعددة لدى نفس المؤسسة البنكية، فإن مؤدى مبدأ استقلال الحسابات في هذه الحالة عن بعضها البعض يقتضي أن لا يتم وفاء الشيك إلا من رصيد الحساب الذي سحب منه، وأن لا يتم كذلك نقل الرصيد الدائن لأحد الحسابات إلى حساب آخر إلا بناء على أمر بذلك صادر من الزبون صاحب هذه الحسابات .
فمن خلال تتبع العمل القضائي للمحاكم التجارية بالمغرب يلاحظ أنها لامست قضايا من النوع المذكور أثيرت بين عدة بنوك وأصحاب الحسابات البنكية المفتوحة لديها، ذلك أن هؤلاء الآخرين لم يتوانوا في التمسك بالدفع بعدم الاختصاص النوعي للمحكمة التجارية بالبث في النزاع المعروض عليها بهذا الخصوص وذلك بدعوى عدم تجارية الحساب البنكي من زاوية الزبون/ المستهلك المدعى عليه .
وهذا ما يفسر أن المستهلك يعد حلقة ضعيفة في هذه العلاقة التعاقدية بينه وبين البنك وبالتالي هناك إهدار وتقصير لحقوقه، وهذا ما يجعلنا ندعو المشرع لتوفير حماية كافية للمستهلك في علاقته مع البنك.
إلا أنه بالرغم من التبريرات المتعددة المقدمة من طرف المدعى عليه المستهلك بالدفع بعدم اختصاص المحكمة التجارية بالنظر في الدعوى الناشئة عن الحساب البنكي، فإن بعض المحاكم التي تمكنا من الاطلاع عن عملها القضائي طبقت القانون تطبيقا سليما في الاتجاه الذي أكدنا عليه أعلاه وقضت بالتالي بكون المحكمة التجارية مختصة نوعيا بالنظر في الدعوى المترتبة عن الحساب البنكي باعتباره عقدا تجاريا بطبيعته وذلك بصرف النظر عن صفة صاحبه وعن الغرض المفتوح من أجله .
وفي مقابل ذلك تنص المادة 490 من مدونة التجارة على أنه ” يمكن للمؤسسة البنكية فتح حسابات جماعية مع أو بدون تضامن “.
فمن خلال المادة 490 السالفة الذكر يتبين أنه يقصد بالحساب البنكي الجماعي أنه الحساب المفتوح لعميلين أو أكثر، ولكن الحساب الجماعي يختلف في طريقة إنشائه وفي أنواعه فقد تتدخل إرادة عدة أشخاص في إنشاء مثل هذا الحساب ، وقد لا يكون للإدارة أي دور في إحداث مثل هذا الحساب فقد يتحول الحساب الفردي إلى حساب جماعي نتيجة وفاة صاحب الحساب وتصفيته وبالتالي لا يمكن أن يستمر البنك في تشغيل الحساب بهذه الصفة، وما يجرى به العمل أن يقوم البنك بفتح حساب جديد (حساب جماعي) باسم هؤلاء الورثة ينقل إليه رصيد كل منهم بحسب نصيبه في حساب المورث ويقفل هذا الحساب بحكم وفاة هذا الأخير .
ولكن من خلال استقراء المادة 490 من مدونة التجارة نلاحظ أنها لم تتطرف إلى جميع أنواع الحسابات وإنما اكتفت بذكر الحساب الجماعي أو تضامن.
وبناءا على ذلك يثور التساؤل حول ما إذا كانت عبارة ” الحساب الجماعي ” المستعملة من قبل المشرع المغربي في المادة 490 من مدونة التجارة تؤدي معنى عاما وتغني بذلك عن استعمال عبارات ” الحساب الشائع ” و” الحساب المشترك ” و” حساب التركة ” أم أن لكل واحد من هذه العبارات معناها الخاص بها باعتبارها تدل على مؤسسة قانونية قائمة بذاتها ؟.
فبخصوص هذا التساؤل يذهب أحد الباحثين إلى أن المشرع في هذا المجال تعود الدقة وأن مصطلح الحساب الجماعي المنصوص عليه في المادة 490 م ت يشتمل جميع أنواع الحسابات لأشخاص متعددين، كما يذهب الأستاذ امحمد لفروجي في نفس الاتجاه بقوله بأن المشرع المغربي وهو بصدد الحديث عن الحساب البنكي المفتوح لعدة أشخاص قد تجاوز بمقتضى المادة 490 م ت التعابير المستعملة في التشريع الفرنسي، ذلك أن المتداول في فرنسا تشريعا وفقها وقضاءا هو نعت هذا الحساب البنكي بالحساب الشائع أو المشترك، في حين أن استخدام مصطلح الحساب الجماعي أسلم لما لهذا المصطلح من معنى شمولي.
وهناك رأي آخر يقول بأن إلى أن الحساب الشائع هي الصورة التي قام المشرع المصري بالنص عليها في المادة 308 من القانون التجاري المصري حيث أنها تمثل الحساب المشترك الغير قائم على التضامن السلبي أو الإيجابي، حيث جاء في الفقرة الأولى من هذه المادة أنه ” يجوز أن يفتح البنك حساب مشترك بين شخصين أو أكثر بالتساوي فيما بينهم ما لم يتفق على غير ذلك “.
اعتقد أن هذه المقتضيات تنسحب على التشريع المغربي مع أن هذا الأخير كان أكثر وضوحا بالنص في المادة 490 م ت على أن تفتح حساب جماعي بدون تضامن وبالتالي فإن الحساب الأخير يمكن أن يشمل حساب الشركة أو الحساب الذي يفتح باسم الشركاء في شركة المحاصة أو أي حالة من الحالات المشابهة لهذه الحسابات.
المبحث الثاني: بين حرية البنك في فتح ونقل الحساب البنكي وحق المستهلك في ذلك
يوجب المشرع على بعض الفئات ضرورة التوفر على حساب بنكي والتعامل من خلاله، ومن جانب آخر أعطى المشرع المؤسسات البنكية حق احتكار ممارسة العمليات البنكية بنصوص صريحة، فكيف وفق هذا الأخير بين الإلزام المفروض على تلك الفئات، وبين حرية البنك برفض فتح الحساب البنكي؟ (المطلب الأول)، كما أن المشرع أعطى المؤسسة البنكية حق إغلاق الوكالة التي يفتح فيها الحساب البنكي، والتي اختارها صاحب الحساب وفق ما يحقق مصالحه، مما قد يلحق العديد من الأضرار بالمستهلك الذي لا يعلم بنقل حسابه البنكي (المطلب الثاني).
المطلب الأول: حق المستهلك في الحساب البنكي
حسب النظرية التقليدية فإن حق الزبون في الحساب البنكي رهين بإرادة المؤسسة البنكية، الذي له القبول كما له الحق في الرفض على أساس أن الرفض مسألة اختيارية بالنسبة له، بناءا على حق البنك في اتخاذ الحيطة والحذر في انتقاء زبنائه، نظرا لمخاطر الكبيرة المرتبطة بالمهنة، إلا أن هذا المبدأ تطور مع مرور الزمن، وأدى إلى تقييم نسبي لإرادة البنك في هذا المجال، وهو ما أكده قانون 1993 الخاص بمؤسسات الائتمان والذي أحدث في المادة 65 مبدأ ” الحق في حساب الإيداع ” ومعنى هذا المبدأ أنه يمكن لكل شخص لا يتوفر على حساب إيداع بنكي وطلب دالك-فتح حساب بنكي- وثم رفض طلبه بفتح هذا الحساب من طرف عدة مؤسسات ائتمان أن يطلب من بنك المغرب أن يعين له البنك الذي يمكنه فتح حساب لديه .
صحيح أنه ليس هناك نص قانوني يلزم البنك بفتح حساب لكل شخص راغب في ذلك، غير أن ما يلاحظ في الواقع العملي أن هذا المبدأ يتعارض مع بعض النصوص القانونية التي تلزم فئات من الأشخاص المعنويين بإيداع الأموال الناتجة عن عمليات أو تصرفات معنية في حساب بنكي، مما يقتضي أن يتوفر هؤلاء الأشخاص المخاطبون بهذه النصوص على حسابات إيداع لدى البنوك، وإلا استحال عليهم الامتثال لما أمر به القانون في هذا الإطار ، وإذا كان المشرع المغربي لم يضع قانونيا يلزم بواسطته المؤسسة البنكية بفتح حساب بنكي لكل شخص راغب في ذلك، فإنه في المقابل أوجد نصوصا قانونية تجبر التجار على فتح حسابات لدى البنوك، من ذلك مثلا المادة 22 من قانون شركة المساهمة المغربي لسنة 1996 والتي تنص على ضرورة إبداع الأموال المحصلة من عملية الاكتتاب في رأسمال هذه الشركة ، وأيضا المادة 18 من مدونة التجارة المغربي التي تفرض على التجار ضرورة فتح حسابات بنكية أو في مراكز الشبكات البريدية لأغراضهم التجارية ، وذلك تمهيدا لإخضاعهم لمقتضيات المادة 306 من م ت، التي تلزم التجار بأن يوفوا بشيك مسطر أو بتحويل إذا زاد المبلغ عن عشرة آلاف درهم، وذلك تحت طائلة غرامة لا تقل عن 6% من قيمة المبلغ الموفا .
وهكذا يلاحظ أن هناك مصلحتين مختلفتين تتجاذبان، طلب فتح الحساب لدى المؤسسة البنكية المقدم من طرف الشخص المعني بالأمر – المستهلك – ورفض هذا الطلب من قبل المؤسسة البنكية مع العلم أن كلتا هاتين المصلحتين مشروعتين مبدئيا من الناحية القانونية، فالمؤسسة البنكية ترى أن من حقها أن ترفض فتح حساب بنكي لأي شخص لا يقدم لها الضمانات الكافية أولا تتوفر فيه الشروط اللازمة أو كانت شخصيته أو سلوكه لا توحي بالاطمئنان فكانت ترفض الدخول في هذه العلاقة حتى لا تترتب مسؤوليتها الجنائية على بعض العمليات التي يعتبر الحساب البنكي بداية لها، والأساس التي تعتمده هو حرية التجارة، ومن جهة أخرى كان التجار المستهلكين يرون من حقهم أن يتوفروا على حسابات في البنك مادام القانون في صفهم.
ومن تم يطرح تساؤل ما هو مصير المستهلك الذي رفض البنك فتح حساب بنكي له ؟
فهذا التساؤل يجد سنده القانوني في المادة 150 من قانون 12-103 المتعلق بمؤسسات الأثمان و الهيآت المعتبرة في حكمها لسنة 2014 والتي قررت الحق في الحساب البنكي لكل شخص لا يتوفر على حساب تحت الطلب ورفض له فتح هذا الأخير أن يلتمس من بنك المغرب تعيين مؤسسة ائتمان تفتح له مثل هذا الحساب، فالمادة السابقة جاءت بالكثير من التعديلات على المادة 65 من ظهير 1993، و كدالك المادة 112 من قانون رقم 03-34 المتعلق بمؤسسات الأثمان والهيآت المعتبرة في حكمها لسنة 2006 , من بينها إصدار المشرع المغربي العديد من التغيرات جاءت بها المادة 150 من قانون 103.12 لكن لم تصل إلى مستوى التغيرات التي كان ينادي بها الفقه، فأبقت على العديد من المقتضيات التي تثير صعوبات تحول دون تطبيق مبدأ الحق في الحساب البنكي ومن أهم المستجدات التي جاءت بها المادة 150 السالفة الذكر إلغاؤها لمصطلح حساب الإيداع ونصها على نوع جديد وهو الحساب تحت الطلب.
إلا أنه رغم الصعوبات التي كانت تترتب على المادة 65 من ظهير 1993 و المادة 112 من قانون 03-34 السالف ذكره أعلاه نصطدم مرة أخرى بصعوبات من طبيعة مختلفة ويتمثل هذا النوع من الصعوبات في تلك النظرة الخاصة التي ينظرها عامة الناس إلى المؤسسة البنكية على أنها مصلحة ذات النفع العام أو مرفق عام من مرافق الدولة وبالأخص بالنسبة للأبناك التي تساهم فيها الدولة بنسبة مهمة وبالتالي فإن هذه الأبناك لا يفترض فيها مبدئيا مبدأ التعسف في استعمال السلطة.
بالرغم من تقرير الحق في امتلاك حساب بنكي فإن بعض السلوكيات تفرز من حيث الواقع العملي دلك أن البنوك لا زالت تسلك نهجا انتقائيا لزبنائها، فالبنوك تعتمد في الغالب إتباع إجراءات عند فتح الحساب تعرقل إلى حد ما تطبيق المبدأ المشار إليه أعلاه كأن تستوجب من طالب الحساب ( المستهلك)، ضرورة إيداع قدر مالي في هدا الحساب.
وبالتالي فإن المؤسسات البنكية تعتمد إيجاد طرق ووسائل للحد من فتح الحساب للودائع الصغيرة التي قد يبدو تسيرها مكلفا مقابل ما قد تجنيه من أرباح بعمولات وفوائد الشيء الذي يجعل الزبناء يبحثون عن مؤسسات أخرى أقل تعجيزا دون أن يستخدموا حقهم المتمثل في طلب الائتمان من بنك المغرب من أجل تعيين مؤسسة لفتح الحساب، حيث لم يثبت لجوء أي شخص لبنك المغرب من أجل أن يعين له المؤسسة البنكية التي يفتح لديها حسابه، ذلك أنه بالرغم من وجود حالات عديدة لرفض فتح الحساب من لدن الأبناك لصغار المودعين الذين تتم مواجهتهم بشروط تعجيزية وغير قانونية بهدف إجبارهم على التراجع على طلباتهم لفتح الحساب، وهدا راجع بالأساس إلى جهل غالبية المستهلكين بالقانون مما يتركهم عرضة للشروط التعسفية البنكية.
المطلب الثاني: حرية البنك في نقل حساب المستهلك من وكالة إلى أخرى
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 117 من قانون 03-34 التي جاءت بالكثير من المستجدات التي توفر حماية أكبر للزبون –المستهلك- في حين كانت المادة 42 من الظهير المغربي لسنة 1993 والمتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها، والتي كانت تقضي بإعطاء المؤسسات البنكية الحرية الكاملة في فتح فروع أو وكالات أو شبابيك في أنحاء المملكة المغربية أو إغلاقها أو نقلها من مكان إلى أخر داخل نفس الجماعات الحضرية أو القروية وتحديد أيام وساعات فتح فروعها أو وكالاتها، أو شبابيكها دون أن يتوقف ذلك على الحصول على الإذن المسبق لوزير المالية والذي كانت تشترطه سابقا المادة 6 من قانون 1967 حيث تم الاستغناء عن هذا الإذن في القانون البنكي لسنة 1993، ومما لا شك فيه أن المشرع المغربي يهدف من وراء إعطائه للمؤسسات البنكية الحرية الكاملة في فتح أو إغلاق أو قفل وكالاتها أو فروعها أو شبابيكها، دون أن يتوقف ذلك على الحصول على رخصة بهذا الشأن من الجهات المختصة، إلى تمكن هذه المؤسسة من مزاولة نشاطها بكيفية تسمح لها بالتقرير فيما تراه مناسبا لسير مصالحها الخارجية وفق ما تتوفر عليه من إمكانيات مادية وتقنية وبشرية، وبالرغبة التي يقتضيها التأقلم مع الظروف الاقتصادية والمالية التي تعرفها البلاد باختلاف المواسم والسنوات ، وقد تنبه المشرع المغربي لهذه المسألة وأحسن صنعا بذلك حيث نص في المادة 155 من القانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها على أنه ” يجب أن يبلغ كل إغلاق تقوم به مؤسسة ائتمان لإحدى الوكالات إلى العملاء بأية طريقة ملائمة قبل تاريخ الإغلاق الفعلي بشهرين على الأقل ويجب على مؤسسة الائتمان المعنية أن تخبر العملاء بالمعلومات المتعلقة بالوكالة التي تتحول إليها حساباتهم”.
وتلزم بأن تتيح إلى العملاء الراغبين في إقفال حساباتهم أو تحويل أموالهم إمكانية ذلك بدون مصاريف إما لدى أية وكالة أخرى من وكالات شبكاتها وإما لدى مؤسسة ائتمان أخرى”.
فالمادة 155 من قانون 103.12 جاءت بالكثير من المستجدات التي توفر حماية أكبر للمستهلك، فإعطاء المؤسسة البنكية الحرية الكاملة بنقل أو إغلاق شبكاتها أو وكالاتها قد تمارس بطريقة تعسفية لا يراعى فيها مصلحة المستهلكين المرتبطين بعقود مختلفة من بينها عقد الحساب البنكي، فالمؤسسة البنكية بإمكانها أن تعمد إلى تحويل الوكالة التابعة لها لنقل حسابات المودعين لديها دون أن تأخذ رأيهم أو حتى أن تشعرهم، مما قد يتسبب بأضرار كبيرة لهؤلاء المستهلكين لعدم معرفتهم بتحويل الوكالة البنكية التي يتعاملون معها.
وتأسيسا على ما سبق يتضح أن تنظيم المؤسسة البنكية لشبكة وكالاتها عن طريق فتح وكالات جديدة أو إغلاق أو نقل الوكالات الموجودة، قد تصاحبه عملية تحويل حسابات بعض المودعين من وكالات بنكية إلى أخرى الأمر الذي لا يقبله هؤلاء المودعون في غالب الأحيان ويعتبرونه إجراءا تعسفيا في حقهم وخرقا سافرا لمبدأ ” العقد شريعة المتعاقدين ” الذي يفرض توفر إرادة الطرفين معا لتعديل بنود العقد ، كما يمكن أن يتقرر لأصحاب هذه الحسابات من نقل الوكالات البنكية المتواجدة فيها حساباتهم إلى أماكن بعيدة عن محل سكناهم، ولكن التساؤل المطروح ألا يعد تحويل الحساب البنكي إلى وكالة أخرى غير التي فتح فيها للمرة الأولى تعديلا لبنود عقد فتح الحساب ويجدر بالمؤسسة البنكية الحصول على موافقة الزبون ؟.
نعم يعتبر تحويل الحساب البنكي من وكالة إلى وكالة أخرى تعديلا في بنود العقد الرابط بين المستهلك والبنك، مما يخلق تناقضا واضحا بين المقتضيات التي تعطي الحرية الكاملة للبنك في نقل أو إغلاق الوكالات البنكية وبين العقد الرابط بين المستهلك الذي لا يمكن إلغاؤه أو تعديله إلا برضاهما .
لكن في الوقت ذاته جعل تحويل الحساب البنكي من وكالة إلى أخرى رهينا بموافقة كل الزبائين من شأنه أن يعرقل تسيير المؤسسات البنكية، التي ترى في هذا التحويل ما يحقق مصالحها ويجعلها تواكب التغييرات الاقتصادية لأنه يستحيل أخد موافقة جميع أصحاب الحسابات المفتوحة داخل الوكالات المنوي إغلاقها ، هذه الصعوبات التي تطرحها المادة 42 من ظهير 3 يوليوز 1993، دفعت المشرع إلى إدخال العديد من التعديلات من أجل الموازنة بين حماية الزبائن من تعسف البنك في نقل الوكالة البنكية دون أخذ رأيهم، وحق البنك في إعادة النظر في شبكة فروعه وفق ما يحقق مصالحه بمقتضى المادة 155 من قانون 103.12 التي أوجبت على المؤسسة البنكية أن تبلغ العملاء بكل إغلاق تقوم به لإحدى وكالاتها بأية طريقة ملائمة قبل شهرين من الإغلاق على الأقل.
إلا أن المشرع لم يتعرض للحالة التي يتم فيها نقل الحساب البنكي نتيجة فتح وكالة جديدة ودون إغلاق الوكالة الأصلية ويتم نقل جزء من الحسابات البنكية إلى الوكالة الجديدة دون الجزء الأخر.
اعتقد أن نقل الحسابات في هذه الحالة يعتبر خرقا للعقد الرابط بين الطرفين إذا تم دون موافقة أصحاب الحسابات يعتبر البنك مسؤولا عن الأضرار الناشئة عن هذا النقل في حال حدوثها .
كما أن النقل في حد ذاته قد يشكل ضررا بالمستهلك في حال نقل الحساب إلى وكالة بعيدة عن محل سكنى صاحب الحساب، وبالتالي فإن البنك يكون متعسفا في استعمال حقه في هذه الحالة، ويمكن للمستهلك الزبون الإستناد إلى الفصل 94 من ق ل ع لإثارة مسؤولية البنك.
بناءا على ما سبق يتضح أن تنظيم المؤسسة البنكية لشبكة وكالاتها عن طريق فتح وكالات جديدة أو إغلاق أو نقل الوكالات الموجودة قد تصاحبه عملية تحويل حسابات بعض المودعين من وكالة بنكية إلى أخرى، الأمر الذي لا يقبله هؤلاء المودعين في غالب الأحيان ويعتبرونه إجراء تعسفيا في حقهم، وخرقا سافرا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين مما يدعو إلى التساؤل حول الصيغة التي ينبغي اعتمادها في هذا الإطار للتوفيق بين مصلحة البنك في إعادة هيكلة شبكة وكالاته وبين مصلحة المستهلك صاحب الحساب الذي يقتضي أخد موافقته على الإجراء الرامي إلى تحويل حسابه إلى وكالة بنكية أخرى غير تلك التي فتح فيها حسابه لأول مرة.
خاتمة
وإذا كان المشرع المغربي يرمي إلى تعزيز ثقة الزبناء في آليات العمل البنكي وتشجيعهم على التعامل مع الأبناك عن طريق إيداع أموالهم بها، فإن الممارسة العملية أثبتت أن تلك الضمانات ما تزال قاصرة عن تحقيق الغاية المرجوة.
لذلك فإننا ندعو إلى اتخاذ التدابير التالية:
-إعطاء السلطة القضائية حق التدخل من أجل تعديل الشروط التعسفية التي قد تلجأ إليها الأبناك عند إبرام عقد الوديعة النقدية، وخاصة ما يتعلق بالتوقيع على نموذج عقد معد سلفا، إضافة شرط الإعفاء من المسؤولية الذي تستعمله الأبناك كحجة من أجل التنصل من مسؤولياتها.
_ ندعو المشرع المغربي لتدارك عدم التوازن الموجود بين إرادتين إحداهما قوية متمثلة في سلطة البنك، وأخرى ضعيفة متمثلة في خضوع المستهلك الزبون، أن ينهج نهج المشرع الفرنسي فيما يخص إحداث لجنة عملاء البنك”Comité des usagers” .
إقرأ أيضاً
التأطير الدستوري لمقتضيات الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011
التأطير الدستوري لمقتضيات الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس باحث في سلك الدكتوراه …