الأسس المنهجية في تأويل القضاء الإداري المغربي لجدلية النظام العام والحريات العامة
“لحسن الحميدي “
باحث بسلك الدكتوراه، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سلا
تقديم
لا يمكن إنكار الخاصية الإمبريقية[1] empirique لعمل القاضي الإداري، فهو يواجه الوضعيات الواقعية بشكل دائم، دون أن تكون له تصورات سابقة حول سبل التكييف والتفسير والتأويل.ومرد ذلك إلى طبيعة القانون الإداري نفسه، والذي لم يبنى على فكرة النصِّية بقدر ما تأسس على قواعد اجتهادية تأويلية. مما يعطي الانطباع على أن القضاء الإداري هو قضاء مؤوِّل بالأساس[2].
لكن هذا المجهود التأويلي لا يمكن أن يتعدى الحدود المؤسساتية والقواعد الناظمة لفكرة الدولة وخاصة مسألة فصل السّلط[3].بل يبقى القضاء الإداري وفيا لهذه القواعد مما قد يفقده المبادرة والهجومية[4]، خصوصا فيما يتصل بامتيازات السلطة العامة.مما يعطي انطباعا أحيانا بأن القاضي الإداري هو ضمير الإدارة[5].
لكن، في المقابل، فالتحولات التي شهدها مفهوم الدولة، بتحوُّلها من دولة حماية الشرعية إلى دولة الحق، جعل القاضي الإداري بوصفه قاض للمشروعية يواجه تمرينا حقوقيا جديدا يتمثل في حماية المرتفق.
ولدى القاضي الإداري المغربي يمكن أن نتلمّس هذه الطفرة بوضوح، حيث تم الانتقال من حماية منطق الدولة[6]، إلى حماية الحق؛ خاصة ما يتعلق بالحريات العامة.
إن تتبع هذا الأمر يمكن أن يحصل بشكل أوضح عندما نكشف عن الأسس المنهجية التي تحكم عمل القاضي الإداري المغربي، والتي تفسّر العملية التأويلية[7]، مادام أن الخاصية المميِّزة لعمله هو طابعه القضائي، إضافة إلى أن القاضي الإداري -وعلى خلاف القاضي العادي- يسعى باستمرار لخلق التوازن بين مطالب متقابلة مبدئيا، كما هو الحال بالنسبة للموازنة بين مطلبي النظام العام والحريات العامة[8]. وبما أن حماية النظام العام هي من وظائف الإدارة الحصرية، وأن الحريات العامة هي مجال الحق الخاص بالمواطن، فإن هذا الفصل لا يخلو من التباس، عندما نعلم أن الحريات عندما تكتسب سمة العمومية publiques، فمعناه أن تمارَس كما حددتها السلطة العامة[9]، مما يجعلها-الحريات العامة-تعبير عن إرادة الدولة أيضا.
ومهما يكن من أمر، فالقاضي الإداري يحاول أن يضمن هذه الحريات من خلال معاكسة فكرة النظام العام والتوسيع من مجال الحرية العامة. وهذه الوظيفة يستند من خلالها القاضي الإداري المغربي على أسس منهجية ناظمة لعمله تحدد مداه التأويلي، بل تكشف أيضا عن توجهات العقل القضائي الإداري. إن حماية النظام العام تتم من خلال استناد القاضي الإداري على فكرة حماية الشرعية، وبالتالي اللجوء المكثف والمباشر للنص القانوني[10]، مما يحد من القدرات التأويلية. مقابل ذلك، يستند على فكرة ضمان الحق من أجل تكريس الحريات العامة، وما يعنيه ذلك من توسيع لدائرة التأويل. إلا أن تَقوِّي النزعة التأويلية للقاضي الإداري مشروطة أحيانا بنزعاته السياسية أو ما يمكن تسْميته بالاجتهاد السياسي، رغم ما قد تمارسه السياسة الاجتهادية –بوصفها خط اجتهادي يقدم أجوبة جاهزة للقاضي الإداري المغربي- من تقييد على هذه النزعة.
هذا سيدفعنا، ومن خلال التطبيقات القضائية، لإلقاء الضوء على هذه الأسس التي يستند إليها القاضي الإداري المغربي في تأويله لمفهومي النظام العام والحريات العامة (المطلب الأول)، ثم دور الاجتهاد السياسي في توسيع نطاق تأويل هذين المفهومين رغم مضايقات السياسة الاجتهادية(المطلب الثاني)
المطلب الأول :النزعة التأويلية بين هاجسي حماية النظام العام والحفاظ على الحريات العامة
تنبني النزعة التأويلية من خلال التطبيقات القضائية الإدارية، في باب الموازنة بين النظام العام والحريات العامة، على أساسين. فمن جهة، يظهر القاضي الإداري كحام للشرعية مما يعصف بالمجهود التأويلي ويقيده(الفقرة الأولى)، ومن جهة أخرى، لا يتوانى على تنصيب نفسه كقاض حقوقي مما يجعله مكرّسا لنزعته التأويلية(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : قاضي الشرعية كقيد على النزعة التأويلية
إن ملابسات نشأة القاضي الإداري، سواء في التجارب المقارنة أو في التجربة المغربية، تظهره أقرب للإدارة منه إلى المواطن؛ أي أقرب من حماية الشرعية منه إلى حماية الحق. والقراءة التفسيرية للفصل 110 من الدستور الجديد للملكة تعكس هذا الأمر “لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون، ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون”[11]،إضافة للفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية، والذي ينص بدوره أنه يجب على “القاضي خاصة أو المحكمة عامة أن تبت في حدود الطلبات ولا يسوغ أن تغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات “[12]. هذه القراءة تكشف عن ضرورة منهجية تقيد عمل القضاة بمن فيهم القضاة الإداريون.
في الوقت الذي يعتبر فيه القاضي الإداري مبدئيا قاض متحلّل من النص، بل إن مهمته الأساسية خلق القواعد القانونية والقضائية. وهذا يعني أنه يدخل في مواجهة مفتوحة مع النص، بحيث لا يخضع له، بل يُطوِّعه ليحقق أكبر قدر من العدالة الإدارية.
لكن تضخم تدخلات المشرع في مجال القانون الإداري؛ تجعل القاضي يجنح عن دوره الاجتهادي ليجد نفسه لصيقا بالنص، خاصة عندما يتعلق الأمر بحماية النظام العام[13].
يرتبط مفهوم الشرعية في اجتهادات القضاء الإداري، بعملية إخضاع الوقائع المعروضة للنص القانوني، وبالتالي اختبار مدى مطابقتها لمنطوق هذا النص. والنص هنا، هو القانون الإداري وكل المقتضيات التي أحال عليها هذا القانون، بما فيها القانون المنظم للمحاكم الإدارية والأحكام التي يحيل عليها وتدخل في دائرته، إضافة إلى النص الدستوري والنصوص المافوق دستورية كالاتفاقات الدولية في المجال الحقوقي.
إن حماية الشرعية ليس شيئا آخر إذن، سوى الخضوع للنص المدوّن والحرص على سيادة القانون. لكن هذا الخضوع للقانون هو خضوع مزدوج، فهو خضوع للالتزامات التي تقرّها الإدارة للمرتفقين، وفي الوقت نفسه، الخضوع للقوة المادية التي تعمل على تنفيذ نفس الالتزامات[14].
يتحول هاجس الحفاظ على الشرعية، بهذا المعنى، إلى قيد يحد من النزعة التأويلية للقاضي الإداري، ومما قد يزيد من هذا الأمر، هو أن تطبيقات القضاء الإداري أحيانا تفيد بأن مفهوم الشرعية يتم تناوله في إطار ما يسمى باللجوء المباشر للنص المدون، مستبعدا الأسس غير المكتوبة والتي قد تكون مصدرا أرحب للشرعية.
ويعكس الاجتهاد القضائي الإداري المغربي، فيما يتصل بحماية النظام العام على أساس فكرة الشرعية، ظاهرة اللجوء للنص القانوني بشكل مباشر كأساس منهجي. حيث يلغي القاضي أي مساحة للتأويل، ويبقى من الناحية المنهجية خاضعا لمنطوق النص، وإن كان الخضوع للنص بشكل مباشر يتعارض أحيانا مع الوظيفة الأصيلة للقاضي الإداري. وهكذا نجد أن الغرفة الإدارية لدى محكمة النقض[15] رفضت التحجّج بفكرة حماية الصحة العمومية وتوسيع دائرة تأويل هذا المبدأ الحامي للنظام العام “فاستقالة الطبيب لا تخضع لشروط أخرى غير التي أحالت عليه المادة 32 مكرر من المرسوم المتعلق بوضعية الطلبة الخارجيين والداخليين المعينين في المراكز الاستشفائية”[16].
وبه، يكون هذا القرار قد قدم تفسيرا ضيقا للنص القانوني، ومقلصا في نفس الوقت من التأويلات الواسعة لفكرة النظام العام.
وقد ذهب القاضي الإداري إلى محاولة تقديم تعريفا خاصا لمفهوم النظام العام، والذي يلاحَظُ عليه أنه تعريف ضيق، لا يأخذ أحيانا بالتحولات التي يعرفها مفهوم الإدارة، وخاصة من حيث تفويض بعض مهامها الأصيلة للشخص الخاص. وبذلك يلجأ القاضي الإداري للنص التشريعي والذي يبدو بدوره يفتقد المرونة. ومن ذلك أحد أحكام محكمة الدار البيضاء[17]،والتي اعتبرت من خلال حيثياته “أن المشرع أسند الاختصاص للشرطة الإدارية المحلية بما في ذلك تنظيم ومراقبة جميع محطات الوقود لرئيس الجماعي الذي يمارس اختصاصات الشرطة الإدارية من خلال المادة 50 من القانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، والتي لم تنظم أحكام تفويض هذه المهمة إلى نوابه أو موظفي الجماعة أو لغيرهم”. وبه يكون القاضي الإداري حاسما في منهجية التكييف والتفسير المباشر للنص القانوني.
إن القضاء الإداري يجعل من مهمة التأويل مغامرة غير محسوبة[18]، ما دام التأويل يمس بفكرة الشرعية بالمعنى الذي قدمناه آنفا، ومادام التفسير الضيق هو مجرد إظهار لألفاظ النص وما يقتضيه ظاهره؛ حيث الاحتكام للثابت من القانونية[19]، دون انزلاقات قد تضعف بالأمن القانوني. وهذا التوجه يجد له تبريرا في مراحل كان منطق الدولة هو الغالب، أما وقد عرفت الدولة المغربية تحولات واضحة على مستوى التوجهات الاقتصادية والتي صارت أكثر تحررا وانفتاحا على المبادرة الخاصة، يبدو الأمر غير مبررا؛ خاصة عندما يُعاكس المشرع أحيانا هذه التوجهات الجديدة. وفي هذا الإطار نجد أن المحكمة الإدارية بأكادير[20]، قضت برفض دعوى المتعاقد مع الإدارة المتعلقة بالتعويض عن قرار الفسخ بعد أن تبين لها أن الإدارة قد استوفت جميع الإجراءات القانونية المتطلبة في الفسخ كما هي منصوص عليها في الفصل 35 من كناش التحملات، وتكون الإدارة في حل من أي التزام”. فالأولوية في هذا الحكم، هي جعل النص القانوني المنظم أفقا وحيدا للتكييف والتفسير.وبهذا يظهر القاضي الإداري الحامي الأول للإدارة، رغم أن المجال الاقتصادي في المغرب في حاجة للقطاع الخاص من أجل المساهمة في خلق الثروة.
إن تقيد القاضي الإداري ينزع عنه الهوية التي طالما دافع عنها، وهي قدرته على تجاوز النص القانوني والاضطلاع بدوره الإنشائي، وهذا قد يفيد أن مفهوم دولة القانون لديه يُحمَل معناه على الظاهر؛ أي بالمعنى الضيق للعبارة[21]، خاصة عندما تنصبّ الرقابة على العيوب الداخلية لمشروعية القرار أو مطابقته للقانون. فعبارة “طبقا للقانون” تكاد تحظر بشكل دائم في هذا الشأن وبشكل متواتر، إلى درجة أن القاضي الإداري يصبح دوره الحصري هو النطق بالنص القانوني.
بهذا المعنى، يبدو أن القاضي الإداري –أحيانا- يكون قاض للشرعية مكْتَفٍ بالشرح على المتون، إلى درجة يصعب تمييزه عن القاضي العادي. ومن هنا نفهم بعض الدعوات لإعادة النظر في مؤسسة القاضي الإداري؛ والذي يبدو في مجال حماية النظام العام غير قادر على الحفاظ عن هويته[22].
الفقرة الثانية : القاضي الحقوقي كأساس للتأويل المفتوح
فكرة القاضي الحقوقي هي فكرة تُقابل فكرة قاضي الشرعية. ذلك أن الدفاع عن الحق يسمح للقاضي الإداري بتأويل القاعدة القانونية على ضوء الحقوق والتي تتميز بخاصيتين أساسيتين:
أولا :هو طابعها الكوني واستمرارها زمنيا، وهي بذلك حقوق لا زمنية ولا مكانية ولا شخصية. ومنه تنفلت من التحديد الذي قد نجده في القاعدة القانونية باعتبار هذه الأخيرة متغيِّرة، ويُدفع بعدم كِفايتها أمام التحولات السياقية. والقاضي الإداري بحكم موقعه من المفروض أن يذهب إلى أبعد مدى في حماية الحق، بالقدر الذي تتحقق معه العدالة بأكبر قدر، ولو كان ذلك على حساب فكرة النظام العام والتي قد لا يحتج بها أمام وجاهة الحق.
ثانيا :هو طابعها المحلي، حيث تتخذ الحقوق دلالتها من خلال احترام الهوية الوطنية والمرجعية الإسلامية والتي يلجأ إليها القاضي الإداري لتبرير تأويلاته الحقوقية، للحد من الآثار السلبية لفكرة النظام العام.
ولتتبع هاتين الخاصيتين، نجد أن قضاء الإلغاء، يوسِّع من نطاق تدخلاته متجاوزا النصٍّية والخضوع المباشر للنص القانوني بكل درجاته. حيث يلجأ لاعتماد المبادئ العامة للقانون للحد من فكرة النظام العام. ففي أحد حيثياثه ذهب حكم محكمة الدار البيضاء[23] إلى التأكيد على حق الملكية كمبدأ عام، لا يحتج أمامه بفكرة المصلحة العامة أو النظام العام “وحيث لئن كان الثابت أن الدولة الملك الخاص مالكة في الرسم العقاري،فإن ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحرم المدعي باعتباره أحد المالكين فيه من المطالبة بحقوقه والتي يضمنها حق الملكية،فضلا عن أن تخصيص العقار أو جزء منه يقتضي سلوك المسطرة القانونية اللازمة كما هي مقررة بموجب القانون رقم 2-78-539 بتاريخ 11 نونبر 1978”. وما يمكن ملاحظته عن هذا التوجه، هو أن القاضي الإداري من الناحية المنهجية يدفع بالمبادئ العامة للقانون أولا في البناء المنطقي لحكمه. ففي هذه النازلة يعدّ حق الملكية من المبادئ الفوق دستورية ذات الطابع الشمولي، والقانون الوارد لتقييدها يؤخذ على سبيل الاستثناء والاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره.
إن حماية الشرعية كأساس منهجي لعمل القضاء الإداري المغربي قد يؤدي وظيفة مضادة لمبدأ المشروعية[24]، مما يؤثر سلبا على مبدأ الفعالية في حماية الحق. فالقاضي الإداري مطالب بالقيام بحركة فكرية إلى جانب منهجيته الاستقرائية، حتى يستوعب التحولات المستمرة لفكرة الشرعية.
ويلجأ القاضي الإداري لتجاوز النص القانوني والاعتماد على التأويل المفتوح[25]؛ مستحضرا المبادئ العامة للقانون، في حال غياب النص أو عدم كفايته. مما يجعل القاضي الإداري ينتصب كمرافع عن الحق. وهذا هو الدور الأصيل للقاضي الإداري والذي من شأنه الحد من اندفاعات الإدارة.
وهكذا اعتبر القاضي الإداري أنه “وكما دفعت الجهة المطلوبة في الطعن بأنه لا ينبغي التمسك ضده بمقتضيات الفصلين 2 و 67 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية لكونها لا ترتبط بالطاعن بأية علاقة نظامية إلا أن هذا لا يعني أن سلطة التأديب مطلقة إذ أن ثمة قدرا من الضمانات الجوهرية يجب أن تتوفر كحد أدنى في كل محاكمة تأديبية وتستمد من المبادئ المقررة في المبادئ العامة للقانون ودون نص”[26].إن احترام ضمانات التأديب في الإطار النظامي نجد لها حضورا قويا ومتواترا في اجتهادات القاضي الإداري، لكن أن تنسحب على الحالات التي لا تجمع الطرفين علاقة نظامية؛كما هو الحال بالنسبة لهذه النازلة، يجعلنا نقتنع بالدور الفعال للقاضي الإداري في حماية الحقوق الأساسية حيث عبّر فيها عن كفايات تأويلية مهمة[27].
وأظهر القاضي الإداري التوجه نفسه بعد الدستور الجديد للمملكة. حيث اعتبر في مناسبات عدة أن هناك قصور للنص القانوني المحلي في تحديد المفاهيم ذات الصلة بالمسألة الحقوقية. ففي بادرة مهمة قدم القاضي الإداري قراءة خاصة لمفهوم الثقافة؛ مستعينا بالدلالات الكونية لهذا المفهوم، حينما لجأت المحكمة الإداري بالرباط[28] لتصويب مفهوم الثقافة، “والذي لا يعني بالضرورة الطابع الفلكلوري للكلمة والذي من شأنه أن يحد من نشاطات الجمعيات ذات الأنشطة الثقافية. حيث أحالت المحكمة على تعريف الثقافة الخاص بمنظمة اليونسكو معتبرة أن التعريف الضيق للثقافة وطنيا لا يسعف في تقديم تعريف شامل لهذا المفهوم. وأن التفسير المعَوَّل عليه في هذا المجال، هو الذي استقرت عليه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، UNESCO والتي بذلت جهوداً في مجال تعريف الثقافة كان أهمها عقد مؤتمر عالمي خاص بالثقافة سنة 1982 في المكسيك تمخض عن صدور “إعلان مكسيكو للثقافة ” الذي عرف الثقافة بأنها: “جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعاً بعينه أو فئة اجتماعية بعينها، وتشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات، والثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته، وتجعل منه كائناً يتميز بالإنسانية المتمثلة بالعقلانية والقدرة على النقد والالتزام الأخلاقي، وعن طريقها يهتدي إلى القيم ويمارس الاختيار وهي وسيلة الإنسان للتعبير عن نفسه والتعرف على ذاته كمشروع غير مكتمل وإعادة النظر في إنجازاته والبحث عن مدلولات جديدة وإبداع أعمال يتفوق فيها على نفسه”
من الملاحظ إذن، أن القاضي الإداري يسعى باستمرار إلى الحفاظ على هويته من خلال المعاكسة المباشرة للنص القانوني المحلي، وبناء أحكامه بنَفَسٍ حقوقي مقلصا من فكرة النظام العام؛ التي يحتج بها من طرف الإدارة في مواجهة اتساع فكرة الحق والتحولات التي يعرفها مبدأ المشروعية[29].
المطلب الثاني : السياسة الاجتهادية والاجتهاد السياسي كأساسين للنزعة التأويلية للقاضي الإداري المغربي
إذا كانت التطبيقات القضائية الإدارية حاولت الفصل بين مجال الحريات العامة والنظام العام، فإن الواقع السياسي والحقوقي والإيديولوجي فرض على القاضي الإداري الوصل بين المفهومين. بحيث إن الحد من الحريات العامة يكون من أجل الحفاظ على النظام العام، في الوقت الذي يكون فيه توسيع دائرة الحريات من أجل تقييد النظام العام.وهذه العلاقة الجدلية كان قد أقرها كثير من الفقه[30] نظرا للعلاقة الاستلزامية بين المفهومين.
وهكذا، فكلما سعى القاضي الإداري لتبرير هاجس الحفاظ على النظام العام، إلا واحتج بضرورة تقليص مجال الحريات العامة، معبرا عن ما يمكن أن نسميه السياسة الاجتهادية كأساس لتبنِّي أحكامه والإقناع من خلالها (أولا). وكلما وسَّع من دائرة الحريات العامة ،احتجّ بضرورة الحد من فكرة النظام العام، معبرا عن أساس منهجي مقابل؛ هو الاجتهاد السياسي، يعفيه من الخط الاجتهادي المحدد سلفا(ثانيا)
الفقرة الأولى : السياسة الاجتهادية كأساس للنزعة التأويلية
تحيل هذه الوضعية لمفارقة أثارت انتباه الفقه[31]،حيث يعتقد أن السياسة الاجتهادية[32] للقاضي الإداري يمكن أن ننظر إليها كبناءات استدلالية، تستهدف تحقيق غايات محددة سلفا من طرف مؤسسة القضاء. وفي هذه الحالة، يكون المجهود القضائي مقيدا بشروط قبْلية تمنع دوره الإنشائي. والحالة المقابلة، هي عندما ينطلق القاضي الإداري من الوقائع ليؤسس حكمه دون قيد سابق؛ مما يجعله متمتعا بأكبر قدر من التأويل[33]. وهذا ما ذهب إليه “هانز كلسن” عندما اعتبر أن رجل القانون عموما ليست له وظيفة عالم القانون ولكن يجسد السياسة القانونية، وبالاستلزام يكون دور القاضي الإداري تفعيل هذه السياسة.
هكذا، يكون الحد من الحريات العامة هو الغاية القضائية، ويكون القاضي الإداري بذلك قد وضع لنفسه حدودا ذاتية -ومؤسساتية أحيانا[34]– مما يجعل خدمة النظام العام مغامرة قد تعصف بمبدأ الفعالية وتكرس فكرة قاضي الدولة[35]. ويرجع هذا الأمر لطغيان الهاجس التيليلوجي[36] أو جعل العملية التأويلية في خدمة المآلات التي تحدد سلفا، ذلك أن السياسة الاجتهادية تقتضي اختيار البناءات الإقناعية الملائمة لمعالجة نازلة معينة، على ضوء نتيجة يحددها القاضي الإداري بشكل قبلي[37].
ونجد لهذا التوجه حضورا في الاجتهاد القضائي الإداري المغربي. فلقد ذهبت المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها الاستئنافي الخاص بمحضر 20 يوليوز[38] “وحيث إنه استنادا إلى ذلك فإن المحضر الصادر بتاريخ 20/07/2011 يكون فاقدا لقوته الإلزامية لتحقق مخالفته للقانون ساري المفعول إبان توقيعه، ذلك أنه لئن استند المدعي إلى قانون الالتزامات والعقود تأسيسا على إلزامية المحضر، فإن القانون المذكور نفسه يجعل في فصله الثاني و الستين الالتزامات التي يكون محلها مخالفا للقانون أو النظام العام في حكم العدم، وعليه يبطل كل التزام منصب على القيام بتوظيفات عبر مساطر مخالفة للقانون، لئن كان الجهاز الإداري عبر رئيسه المتمثل في الوزير الأول آنذاك يبقى هو الآخر ملزما بالخضوع لمقتضياته باعتباره التعبير الأسمى عن إرادة الأمة، ولذلك لا يمكن للإدارة بإرادتها المنفردة أن تمنح حقا أو تسحبه خرقا للتشريعات الجاري بها العمل، ولا أن توقع التزاما أو تتحلل منه إلا وفقا لما قرره القانون بمختلف مراتبه، وأنه لئن كان الوزير الأول آنذاك قد أصدر مرسوما بتاريخ 08/04/2011 ينظم فيه مساطر التوظيف المباشر بشكل استثنائي، فإنه لا يصح اعتماده أساسا لتوقيع المحضر المستدل به ما دام أن السلطة التشريعية قد أصدرت بعد ذلك قانونا سابقا على تاريخ المحضر المذكور، يجعل التوظيف وفقا للمساطر الواردة بالمرسوم غير ممكن”.
وهكذا، يكون القاضي الإداري قد عبّر على توجه حاسم، مؤداه جعل النص القانوني كأفق لا يمكن تخطيه وإن مس بالعدالة الإدارية؛ التي يفترض أن تكون الغاية التي يضعها القاضي الإداري نصب عينيه. فاحترام فكرة تدرج القانون باعتبارها أساس الدولة القانونية، لا يحتج بها أمام وجاهة الحق، ويتعلق الأمر هنا بالحق في الشغل. ثم إن تتبع البناء الإقناعي في هذه النازلة، يجعل القاضي الإداري معبّرا بشكل واضح عن السياق السياسي الذي ينتمي إليه. بل يضع لنفسه سياسة اجتهادية؛ الثابت فيها حماية الإدارة من أي توسع محتمل لفكرة الحرية العامة.
إن الشعور الذي يتولد لدى المتقاضي، هو أن التأويل المفتوح لا يعتمده القاضي الإداري إلا بانتقائية[39]. ثم إن القاضي الإداري يحمل جوابا سابقا على النظر في القضية المعروضة، وهذا الأمر يمكن الاستدلال عليه في قضية أخرى. حيث ذهبت محكمة الرباط الاستئنافية في القرار المتعلق بحزب الأمة بتاريخ 29 نونبر 2012[40]، وقضت من خلاله بإلغاء إجراءات إنشاء الحزب وحقه في التواجد، ورفضت بالتالي التصريح له بالتأسيس. ففي هذا الحكم اعتمد القاضي الإداري على بناء إقناعي مُوغِلٍ في التِّقنَوية la technicalité، حيث بحث عن قصور مسطري في إجراءات التأسيس؛ مع العلم، أن الحكم المتعلق بحل الحزب الأمازيغي[41] استندت فيه المحكمة على منهجية تأويلية أوسع لأدوار الحزب السياسي، مركزة على المرجعية الحقوقية المانعة من تأسيس الحزب على أساس عرقي أو على منطق الأقلية.
وهكذا اعتبرت “تركيز الحزب المدعي على فئة من المواطنين دون سواهم، استنادا على أساس لغوي أو عرقي ينطوي على دعوة صريحة إلى تجزيء المجتمع والنيل من اندماجه وتلاحمه، والحال أن الأحزاب السياسية مدعوة إلى تعبئة جهود وطاقات جميع مكونات المجتمع وقواه الحية لرفع التحديات الداخلية والخارجية للبلاد عن طريق تفعيل المواطنة الايجابية بهدف تحصين المسار الديمقراطي في المجتمع يشيع الحرية والمساواة. كما أن أسس الحزب وأهدافه كما هي موسومة في برنامجه السياسي توحي؛ أن هناك فصل بين المكونات البشرية للمجتمع، والحال أن الدستور المغربي يؤكد مبدأ المساواة المواطنين أمام القانون، ومن تم فإن المواطنة من خلال رابطة الجنسية هي التي تحدد الحقوق والتزامات الجميع، وليس هناك أي نص تشريعي أو تنظيمي يعتبر تمييزا سلبيا تجاه أي أحد من المواطنين بسبب دينه أو عرقه أو لغته أو توجهاته، مما يجعل ما تمسك به الحزب في غير محله لعدم وجود مفهوم الأقليات في بنية المجتمع المغربي بالشكل الذي تحدده الاتفاقيات والمعاهدات الدولية”
إن التأويل المفتوح على ضوء المبادئ العامة للقانون والمبادئ الدستورية والمواثيق الدولية؛ أدى في المحصلة، للنتيجة نفسها في حالة حزب الأمة، ومعنى هذا أن الدعاوى المتعلقة بالأحزاب السياسية يتم تناولها بحذر أكبر. إن تأسيس حزب سياسي جديد ليس حدثا عاديا، بل يُغيِّر في الخريطة التمثيلية، ويمس بذلك باستقرار التوازنات الاجتماعية. مما يجعلنا نقتنع بأن القاضي الإداري ينطلق من جواب جاهز لمثل هذه النوازل، وبعد ذلك يبحث عن المصَوِّغات التي تُسعفه؛ ولو اقتضى الأمر البحث عن ثغرات قانونية شكلية؛ لا تؤثر على المسطرة العامة لتأسيس الأحزاب،كما هو الحال بالنسبة لحزب الأمة، بل تضيق من مجال الحرية العامة والذي يفترض في القاضي الإداري الحامي الأول لها، أو اللجوء المكثف للحجاج الحقوقي من أجل بلوغ النتيجة المحددّة سلفا، كما هو الحال بالنسبة للحزب الأمازيغي.
يمكن القول، أن القاضي الإداري المغربي لا يستند للتأويل بغاية الاضطلاع بدوره الإنشائي، ولكن غايته هو خدمة السياسة الاجتهادية، التي يحاول الحفاظ على نسقها في إطار تكريس ستاتيكية مفهوم النظام العام.
ويمكن تلمُّس هذا التوجه أيضا في “قضية المعطي منجب”، فلقد ذهبت المحكمة في أمرها الاستعجالي[42] “وحيث إنه بالرجوع للنازلة يتبين أن الطالب تم منعه فعليا من السفر خارج أرض الوطن دون تبليغه قبل ذلك بقرار المنع، ودون أن تدلي به الجهة المطلوبة أثناء الجلسة حتى تتأكد المحكمة من تاريخ صدوره وتاريخ تنفيذه…وحيث نصت المادة 49 من قانون المسطرة الجنائية على ان الأمر بسحب جواز السفر وإغلاق الحدود محدد في الزمن بعدم تجاوز مدة سريته شهرا واحدا، ولا يتم تمديده إلا استثناء إذا كان المعني بالأمر هو المعرقل لعملية البحث…إلا أن عدم إفصاح الوكيل القضائي الحاضر بالجلسة عن أوجه العرقلة متمسكا بسرية البحث يبقى موقفا وجيها…ويبقى استمرار المنع من طرف النيابة العامة وتمديده في الوقت الراهن غير متسم بأي غلو او تعسف أو خطإ جسيم يبرر قاضي المستعجلات…وقرار المنع لم يتجاوز الثلاثة أشهر التي تقرر المحكمة في ظل الفراغ التشريعي تبقى مدة معقولة من أجل الأبحاث التمهيدية…”.
يبدو أن هذا الحكم القضائي قد انتصب فيه القاضي الإداري كمدافع عن النظام العام، بل وأعمل سلطته التقديرية في تحديد مدة البحث التمهيدي، بحيث ينتج عن هذا التأويل استمرار قرار المنع؛ والذي يمس أهم الحريات العامة المثمثلة في حق التجول. ويلاحظ أن القاضي الإداري لم يستحضر أيّا من المبررات الحامية لهذا الحق، بل حاول الإقناع على ضوء هواجس حماية النظام العام وفي ظل الدستور الجديد للمملكة. في حين نجد أن الأحكام في ظل دستور 96 كانت أكثر ارتباطا بفكرة الحق. وفي هذا الإطار، نجد أن محكمة أكادير ذهبت إلى اعتبار”سحب الإدارة لجواز سفر الطاعنة إضافة على طابعه المستمر يعتبر من قبيل الاعتداء المادي على الحريات العامة الذي تعتبر القرارت الصادرة في إطاره من قبيل القرارات المنعدمة التي لا يتحصَّن طلب إلغائها بمرور أجل الطعن…وحيث إن مقتضيات حقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي تعهد المغرب بموجب التصدير الدستوري بالالتزام بما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات وتشبّته بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا…”[43]. إن هذا الحكم القضائي؛ وإن كان قبل الدستور الجديد؛ يبين اعتماد القاضي الإداري على الأساس الحقوقي، كما أن البناء الإقناعي للحكم جاء في شكل مرافعة حقوقية، تذهب إلى أبعد مدى في التأويل؛ عندما اعتبر المساس بالحريات العامة يجعل القرار من قبيل الاعتداء المادي، وبالتالي يخرجه من شكلية أجل الطعن المحددة قانونا.
وما يستفاد على ضوء كل ذلك، أن القاضي الإداري يفتقد النسق التأويلي أو التواتر الكافي في أحكامه، مما يدلّل على أن الوضعيات التي يواجهها محكومة بهواجس السياسة الاجتهادية المرتبطة بفكرة قاضي الإدارة. ومنه يبدو أن السياسة الاجتهادية للقاضي الإداري قادرة على الكشف عن كيفية اشتغال العقل القضائي، خاصة عندما يتعلق الأمر بحماية النظام العام.
إن القاضي الإداري مبدئيا يسعى لتحقيق أكبر قدر من العدالة، لكن لا يمكن إنكار ارتباطه بطبيعة الدولة التي ينتمي إليها؛ الدولة كمؤسسة حاضنة للمؤسسة القضائية نفسها، والتي تجعل منها وسيلة للحفاظ على التوازنات الاجتماعية[44]، وبالتالي ضمان قدر كاف من الأمن القضائي والقانوني. وأفضل تعبير عن هذا الأمر، هو رسم سياسة اجتهادية واضحة لدى القاضي الإداري المغربي تحاول أن تتعامل بحذر تأويلي؛ خاصة عند المساس بفكرة النظام العام.
الفقرة الثانية : الاجتهاد السياسي كأساس لتوسيع نطاق الحريات العامة
يثير مفهوم الاجتهاد السياسي[45] التباس لدى كثير من الفقه[46]، لأنه يفضي بالمحصلة لفكرة دولة القضاة[47]. لكن الطبيعة الخاصة للقضاء الإداري تجعل من الأمر حقيقة واقعية. فالقاضي الإداري يستشعر قربه من الإدارة مما يجعله دائم المقاومة لهذه البداهة، حيث يسعى لأن يؤسس تصوراته الخاصة المتصلة بفكرة الحريات العامة والنظام العام، مما يجعله في محاولات مستمرة لتقييد هذا الأخير، تحقيقا لاستقلاله عن المضايقات المؤسساتية والمعاكسات التشريعية التي تحاول النَّيْل من دوره الأصيل[48]. وإذا كان القضاء المقارن قد حقق تقدما في هذا الشأن[49]، فإن القاضي الإداري المغربي لم يخرج بدوره عن هذا التوجُّه، متجاوزا معرفته القانونية مقابل اعتماده على معرفته الحقوقية[50]، مما يجعل تأويله محترما للتَّشَكُّلات الجديدة لمبدأ المشروعية[51].
وقد تذهب هذه النزع التأويلية إلى حد الرقابة على الأجهزة القضائية، خاصة قرارات النيابة العامة الماسة بالحريات العامة والحقوق الأساسية. ولقد أسس المجلس الأعلى لهذا التوجه قبل الدستور الجديد؛ حينما عرض قرارات النيابة العامة للرقابة القضائية. ومن ذلك قرارات التعرض الاستثنائي على مطلب التحفيظ العقاري، حيث كانت المادة 29 من التحفيظ العقاري؛ آنداك؛ تمنح للنيابة العامة إمكانية فتح آجال جديدة للتعرض قبل تبني القانون 07-14[52]، والذي وضع حدا لهذا الوضع بحصر هذه المهمة لصالح المحافظ العقاري، ففي أحد قراراته[53] الفارقة جاء فيه”… حيث تمسك الطاعن في استئنافه بأن الحكم المستأنف لم يوضح في حيثياته العناصر والأركان التي اعتمدها، وأنه لكي يكون قرارا إداريا يجب أن يصدر عن السلطة التنفيذية بوصفها إحدى السلطات العامة في الدولة وأن يتخذ في إطار الوظيفة الإدارية لتنفيذ القوانين وحماية النظام العام وإشباع الحاجيات العامة في إطار أحكام وقواعد القانون العام بهدف تحقيق مصلحة ذات طبيعة إدارية ومنها قرار فتح أجل جديد للتعرض بناء على الفصل 29 من الظهير المتعلق بالتحفيظ العقاري…، وحيث في نازلة الحال فإن القرار المطعون فيه ينصب على إجراءات التعرض على مطلب التحفيظ التي تعتبر مرحلة إدارية ومن ثم كان قرار النيابة العامة في هذا الشأن إداريا خاضعا لرقابة القضاء الإداري الأمر الذي يكون معه الحكم المستأنف في محله”.
إن تعريض قرارات النيابة العامة للطعن القضائي من شأنه أن يقلص من دائرة تحصين القرارات الإدارية، كما يعكس الدفع باتجاه استقلال السلطة القضائية كمطلب سياسي.
وعبّر القاضي الإداري عن هذا التوجه في أحكام أخرى منها حكم المحكمة الإدارية بالرباط[54]، حيث اعتبرت المحكمة “أن عدم تنفيذ النيابة العامة لمقرر المحكمة بإحضار المتابعين لجلسات المحكمة بالمخالفة للأسس الدستورية والقانونية الوطنية والدولية، ألحق ضررا ماديا ومعنويا للمدعي”. إن الاحتكام للمرجعيات الكونية والتي تلتقي تلقائيا مع الأسس الدستورية والقانونية يجعل القاضي الإداري مكتسبا لحرية أكبر. وهنا وجب التنبيه لعبارة الأسس التي وردت في هذه النازلة، والتي تحيل على المبادئ العامة للقانون والطبيعة الخاصة للدعوى في القانون العام، والتي قد تتعارض أحيانا مع النص القانوني بكل درجاته[55].
وفي حكم آخر، ذهبت المحكمة الإدارية بالرباط في إطار القضاء الاستعجالي[56] إلى اعتبار “أن الإدارة لم تفصح عن الأسباب الداعية لإصدار القرار المطعون فيه كتابة ولم تمكن الطاعنة أو تدل للمحكمة بأي قرار مكتوب يتضمن العناصر التي ارتكز عليها،ويبقى ما تمسكت به من اندراج القرار المذكور ضمن نطاق القرارات التي يقتضي الأمن الداخلي والخارجي للدولة عدم تعليلها في إطار الاستثناء المنصوص عليه المادة الثالثة من القانون أعلاه، غير ذي أساس، ما دام أنها لم توضح وجه التهديد الذي يطال الأمن الداخلي أو الخارجي نتيجة الإفصاح عن أسباب قرار عدم تجديد بطاقة الإقامة، حتى تتبين المحكمة من سلامة ما سارت عليه الإدارة من عدم التعليل، على أساس أن القرارات الصادرة في إطار رفض الترخيص بإقامة الأجانب وإن كانت غايتها حماية النظام العام”.
فالملاحظ في هذه النازلة، أن القاضي الإداري رفض فكرة تحصين القرار الإداري بحجة الأمن الداخلي والخارجي للدولة، مطالبا الإدارة بتوضيح هواجسها المانعة من تمكين الطاعنة من تجديد إقامتها. فالقاضي الإداري أخذ على عاتقه تقدير مجال وحدود النظام العام، وهذه المهمة لا تخلو من صعوبة ومن مواجهة واضحة للإدارة، والتي استغلت مسألة إمكانية عدم التعليل عندما يتعلق الأمر بالمساس بالنظام العام. هذه النزعة الهجومية هي ما يُدَلّـِلُ على النزعة السياسية للاجتهاد القضائي.
وفي نازلة أخرى، ذهب القاضي الإداري إلى إقرار المسؤولية الإدارية[57]، ورفض التحجج بالقوة القاهرة، فذهب في أحد حيثياته إلى “أنه انطلاقا من المبدأ الدستوري القاضي بلزوم تحمل الدولة والمواطنين بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد-الفصل 40 من الدستور- ورعيا لما للمحكمة من سلطة تقديرية في تحديد التعويض استنادا إلى الأضرار المادية اللاحقة بالمدعي وتبعا لتقرير الخبرة وإعمالا لتشطير المسؤولية التي تفرضها قواعد التضامن قررت تحديد التعويض المستحق له في القدر الوارد بمنطوق الحكم”[58]. وهكذا نجد أن القاضي الإداري قد استنجد بدسترة مبدأ التضامن الوطني لتحميل الدول المسؤولية الإدارية بدون خطأ، مما يُبيِّن أن الاجتهاد القضائي الإداري؛ إلى جانب تحقيق أكبر قدر من العدالة؛ فهو يعبر عن تصوره الخاص دون تقييدات سابقة عاكسا اجتهادا سياسيا.
وهكذا، يستفاد أن هناك خيط ناظم لهذه الأحكام القضاء الإداري، حيث سعت دائما إلى توسيع نطاق رقابتها على القرار الصادر في المجال الإداري، بغض الطرف عن الجهة المصدرة للقرار، حفاظا على الحريات العامة والحقوق الأساسية. إن التأويل في هذه الحالة يتحول لدى القاضي الإداري لمهمة فصل المحكمة عن القانون. فالقاضي الإداري ليس من وظائفه النطق بالقانون كمعرفة قانونية سابقة على وجود النازلة، وإنما يذهب لتحقيق قناعاته الحقوقية وموقعه السياسي داخل بنية الدولة[59].
خاتمة
يبدو أن مهمة القاضي الإداري المغربي لا تخلو من تعقيد، نظرا للدور المزدوج الذي يلعبه. فهو من جهة يسهر على ضمان التطبيق السليم للقانون وبالتالي يقترب من عمل السلطة التنفيذية، ومن جهة أخرى، يحاول ضمان الحق وبالتالي الانتصاب كقوة مضادة لعمل هذه السلطة. مما يجعل الأسس المنهجية التي يعتمدها تتأرجح بين هاجسين متناقضين؛ الحفاظ على النظام العام، وفي نفس الوقت، ضمان ممارسة الحريات العامة.
هذه الوضعية الإبستيمولوجية تثير بالاستلزام إشكالية الفعّالية، وتجعلنا نقتنع بوجود كوابح موضوعية لمؤسسة القاضي الإداري تمنع من الاضطلاع بدوره الأصيل، وهو ضمان فكرة دولة الحق والقانون.
وبالمحصلة يبدو أن الأصوات المنتقدة لأداء القاضي الإداري المغربي، لا تلتفت لخصوصية المهمة التي يقوم بها، مما يجعلها -في نظرنا- تطلق أحكام قيمة حول طبيعة الأداء القضائي. دون أن ننسى أن التجربة المغربية في هذا الإطار، لا يمكن قراءتها على ضوء الاجتهادات القضائية الإدارية المقارنة، فكلما اقتربنا من ميتودولوجيا اشتغال العقل القضائي الإداري المغربي، إلا ونزيد اقتناعا بأن مهمة القاضي الإداري؛ مهمة متميِّزة، ينبغي قراءتها على ضوء طبيعة الدولة المغربية ومرجعياتها الهوّيّاتية، وكيف يتم تلقي فكرة القاضي الإداري من الناحية السوسيوثقافية.
وللاشتغال على هذه المهمة، ينبغي تغيير زاوية نظر الباحثين في هذا الشأن؛ فالحاجة اليوم لدراسات تبتعد عن التقنوية la technicalité وتهتم بجوهر تجربة القاضي الإداري المغربي، بوصفها تجربة خاصة تحتكم لأسسها المنهجية المتفرّدة في التفسير والتأويل. وتحقيق هذا المطلب لن يتأت إلا عندما يتم اعتماد مقاربات متعددة للموضوع polydisciplinaire ، لتحقيق أكبر قدر من الموضوعية.
[1] -SAUVE (J.M.), « Un corridor de Vasari au Palais-Royal. Autoportraits du juge en son office », AJDA, 2013, p. 1669.
من أجل التوسع في الطبيعة الإمبيريقية للقانون الإداري، يمكن مراجعة نظرية هانس كلسن”النظرية الخالصة للقانون” والتي يعتبر فيها؛ أن المشتغل في القانون والقضاء ليست له وظيفة عقلانية وتوجيهية تقوم على تأسيس الأحكام على ما ينبغي أن يكون وفق مبدأ السببية، ولكن الوظيفة الحقيقية هي وظيفة وصفية مرتبطة بالمعطيات الواقعية؛ حيث تعبر القاعدة القانونية على هذه المعطيات وينبغي النطق بها دون إضافات أو تأويلات؛ فرجل القانون أو القاضي دوره الأساسي هو النطق بالقانون.وهذه النظرية امتداد طبيعي للتصور الوضعاني بألمانية والذي أسس معالمه “أوغيست كونت” وكرسه “هانس كلسن” في فلسفة القانون.
[2]-في هذا الإطار مراجعة تصور جاك شوفاليية من خلال:Jack CHEVALIER ,L état de droit ,Montchrestien, 4 édition.
[3]-Wendy LELLIG- Office de juge administratif de légalité , Thése de Doctorat, UNIVERSITE DE MONTPELLIER, Soutenue publiquement le 14 décembre 2015,p,26.
[4] -Danièle Lochak « Quelle légitimité pour le juge administratif »,Droit et politique, PUF, 1993 ,p.141.
[5]-Ibid ,p143.
[6] – في الحوار الذي أجرته معه الأسبوعية الفرنسية “Le Nouvel Observateur ” بتاريخ 14 يوليوز 1992، اعترف الملك الراحل الحسن الثاني أنه في السنوات الفوضوية والمتقلبة التي شهدها المغرب، تبين أن منطق الدولة تفوق على الحقوق المشروعة للأفراد.
انطلاقا من هذا القول الحكيم، يمكن أن نجزم بأن مفهوم الدولة بالمغرب عرف تحولات عدة بدأت بتقوية السلطة المركزية وما يعنيه ذلك من تكريس دولة القانون.ثم بعد ذلك حاول المغرب تحديث مؤسساته وإنشاء أخرى، للتحول نحو دولة الحق؛ خاصة مع نضوج فكرة تقوية القضاء الإداري وما يعنيه ذلك من تقوية الأمن القضائي بدل الاقتصار على هاجس الأمن القانوني.
[7]– مرتضى جبار كاظم “اللسانيات التداولية في الخطاب القانوني-قراءة استكشافية للتفكير التداولي عند القانونيين” منشورات ضفاف لبنان 2015. ص 118 119.
[8]– Bernard Stirn, Ordre public et libertés publiques, Intervention le 17 septembre 2015, président de section au Conseil d’Etat, professeur associé à Sciences Po. www.conseil-etat.fr , 13/3/2017.
[9]-Bernard Chenot, La notion de service public dans la jurisprudence économique du Conseil d’Etat, EDCE 1950, p.77.
[10]-Jack CHEVALIER « les fondements idéologiques du droit administratif français » ,Publications du centre universitaire de recherches administratives et politiques de Picardie,1976,(texte imprimé),p.5.
[11] -الفصل 110 من نص الدستور الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 الصادر في شعبان 1432 الموافق ل 29 يوليوز 2011. ج.ر عدد: 5964 مكرر الصادر بتاريخ 30 يوليوز 2011.
[12] -الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 الموافق ل28 شتنبر 1974 كما تم تتميمه وتعديله.عن موقع وزارة العدل والحريات الرسمي قانون المسطرة المدنية الصيغة المحينة بتاريخ 20 مارس 2014.
[13] – Bernard Stirn, Ordre public et libertés publiques, op cité.
[14] -M.Hourio. Précis du droit administratif et droit public.1927.11éme édition. P: 7
[15] -محكمة النقض الغرفة الإدارية القرار القضائي عدد 1-344 الصادر بتاريخ 25 فبراير 2016 في الملف رقم 302-1-4-302.
[16] -مرسوم رقم 2.91.527 صادر في 21 من ذي القعدة 1413(13 ماي 1993) يتعلق بوضعية الطلبة الخرجيين والمقيمين بالمراكز الاستشفائية.ج ر عدد 4205 بتاريخ 02/06/1993 الصفحة 904.
[17] -المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حكم عدد 1-344 الصادر بتاريخ 2016/02/25 في الملف رقم 302.غير منشور.
[18] -يعتبر “مونتسكيو من كتابه روح القوانين من الفصل السادس، الكتاب الثاني المعنون “من الدستور الإنجليزي”، أن الدور الحصري للقضاة عموما هو النطق بالقانون بحرفيته دون التخفيف من قوته ولا فعاليته، وأن أي تدخل للذاتية سيعصف بمطلب تحقق العدالة.
[19] -مرتضى جبار كاظم، اللسانيات التداولية في الخطاب القانوني-قراءة استكشافية للتفكير التداولي عند القانونيين، منشورات ضفاف لبنان، 2015، ص ص. 118-119.
[20]-المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 04 يناير 1996، منشور بمجلة المحاكم الإدرية، العدد الأول، ص855، أورده محمد القصري في مقاله “القاضي الإداري ومنازعات الصفقات العمومية”، بالمجلة العربية للفقه والقضاء،العدد 46، ص 108.
[21] -يمكن مراجعة في هذا الصدد :
REDOR (M-J.), De l’Etat légal à l’Etat de droit, Economica-PUAM, 1992
[22]– BAILLEUL (D.), « Les nouvelles méthodes du juge administratif », AJDA, 2004, p. 1626.
[23] -المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 22 محرم 1430 موافق 19 يناير 2009،بين الجوهري حفيظة والجوهري فائزة ضد وزارة التعليم ووزارة المالية في شخص الوزير الأول،ملف رقم 2006/524 بتاريخ2009/01/09.غير منشور.
[24]– Danièle Lochak « Quelle légitimité pour le juge administratif »,pré cité, PUF, 1993 ,p.141.
[25] – En ce sens, Jean-Jacques Bienvenu, L’interprétation juridictionnelle des actes administratifs et des lois : sa nature et sa fonction dans l’élaboration du droit administratif, th. Paris II, dactyl., t. 1, pp. 9 à 15.
[26] -المحكمة الإدارية الدار البيضاء عبد الرحيم ميمي ضد وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في شخص الوزير الأول ملف عدد 2008/4/196،بتاريخ 2009/10/26.غير منشور.
[27] -الحجاج في الخطاب القانوني-مشروع القراءة،الدكتور عز الدين ناجح،تقديم خالد ميلاد،دار بوجميل للطباعة والنشر،كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس،ص245/246،ط1،.2012
[28] – حكم المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 16/01/2015، ملف رقم : 988-7112-2014، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ضد وزارة الداخلية.غير منشور.
في هذا الحكم القضائي لجأت المحكمة للخطاب الملكي أيضا كمصدر للمشروعية: في بنائها القانوني للحكم القضائي احتجت بمقتطف من الرسالة الملكية السامية الموجهة للأمة بمناسبة الذكرى الواحدة والخمسين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث جاء فيها: “إن إشاعة ثقافة حقوق الانسان تفترض إشاعة نور العلم، إن دور المدرسة يظل مركزيا في غرس قيم حقوق الانسان لدى الناشئة حتى تضحى حقوق الانسان جبلة وطبعا ولذلك فإن من أولى الأولويات التي تشغل بالنا هي محاربة الأمية لأن القضاء على الجهل هو انتصار للمعرفة ولحقوق الانسان. ونهيب بمجتمعنا المدني الانغمار في قضايا مجتمعنا والعمل على الرقي بمختلف شرائح شعبنا، ومما يثلج الصدر روح المسؤولية التي أبان عنها والدينامية التي أظهرها”
وهنا يثير تساءلا حول حجية الرسائل والخطابات الملكية في بناء الحكم القضائي. ونعتقد أنه يمكن اعتبار الخطب الملكية خارطة طريق بالنسبة لمجموع الاستراتيجات التنموية للبلد. خاصة في المجال الحقوقي، ويعتبر توظيف هذا المقطع لإثارة انتباه الطرفين وخاصة المدعى عليه، باعتبار أن التوجه العام في المغرب هو حماية وتشجيع ثقافة حقوق الإنسان. ورغم ما يمكن أن يقال حول آثار اعتماد الخطاب الملكي أو الرسالة الملكية في نازلة الحال،. فإن هذه الإحالة إلى الخطاب الملكي قد يكون مصدرا ملائما للمشروعية وتوسيعا منهجيا نعتقد بأهميته لتكريس السياسة التشريعية العامة، والتي تنحو شيئا فشيئا نحو اعتماد كونية الحق. مع العلم، أن الإحالة على الاتفاقيات الدولية والمواثيق والمعاهدات التي من شأنها أن تكون لها حجية إضافية، تنسجم ومقتضيات الدستور الجديد والدور المنشئ للقاضي الإداري.
[29] – Danièle Lochak « Quelle légitimité pour le juge administratif »,pré cité.p.142.
[30] -بمكن مراجعة غي هذا الصدد “ميشيل تروبي” خاصة كتابه القانون والضرورة و”دانيال لوشاك” من خلال كتابها الدور السياسي للقاضي الإداري الفرنسي و”جاك شوفالييه” من خلال كتابه دولة القانون.وهي أطاريح تعتقد أن القاضي الإداري يعاني من ازدواجية المفاهيم التي ينبني عليها القانون الإداري. مما يطرح باستمرار صعوبة تحقيق مطلب الموازنة.
[31] – Maryse Deguergue. politique jurisprudentielle et jurisprudence politique. AJDA 1995 p. 211
[32] -أعتقد أنه يمكن اعتناد التعريف الذي قدمه “جي كنيفيه” الرئيس الأول لمحكمة النقض و “نيكولاس مولفيسيس” الأستاذ بجامعة “بانتيون اساس،بارس2” في مقال بعنوان “السياسة الاجتهادية” ورد ب Mélange en l honneur de Jack Boré , la création du droit jurisprudentiel, Dalloz, 2007, p. 79 à 97.
حيث يعتبران أن: السياسة الاجتهادية ليس هي الاجتهاد القضائي؛ إنها الخط الواجب الاتباع من طرف القاضي في مجال معين أو حول سؤال محدد. إنها بهذا المعنى، الأساس الاجتهادي، أو الخيط الناظم الذي يلهم القاضي، إنه النَّفس الذي يوجه الاجتهاد القضائي. إنه يقدم بهذا المعنى من خلال مفعوله الإيجابي حيث يساهم في تكريس الأمن القانوني والقضائي، لأن غياب السياسة الاجتهادية هو ترك الباب مفتوحا أمام التعارضات على مستوى الأحكام والقرارات. إنها بهذا المعنى الآلية التي توحه الاجتهاد القضائي، وتذكر القاضي وباستمرار بالخط الواجب الاتباع، حتى لا نكون أمام الاجتهاد بمعناه العام. من هذا المنطلق هناك حاجة للسياسة الاجتهادية التي ترسم الطريق وتجعل العمل القضائي قابلا للفهم والتقبل بل وقابلة للتتبع.
[33] – Hans Kelsen, Théorie pure du droit, traduction Ch. Eisenmann, Dalloz, 1962, p. 463.
[34] -تشير “دانييل لوشاك” في مقالها “أية مشروعية للقاضي الإداري” المشار إليه أعلاه، أن القاضي الإداري اليوم أصبح في مواجهة المنافسة التي أصبحت تمارسها المؤسسات التي تخلقها الدولة من أجل الحفاظ على المشروعية، مما جعل مهمة الحفاظ على المشروعية ليست وظيفة حصرية خاصة بالقضاء الإداري.
[35] – Daniéle Lochak, Le rôle politque du juge administratif français, LGDJ, 1972, p. 46.
[36]-Bernard Chenot, La notion de service public dans la jurisprudence économique du Conseil d’Etat, EDCE 1950, p. 77.
[37] – IBID,P.74.
[38] -حكم المحكمة الإدارية بالرباط، رقم: 898 ،ملف عدد: 2015/7112/، الصادر بتاريخ 26 فبراير 2016 ،غير منشور.
[39] – Daniéle Lochak « Le rôle politque du juge administratif français », pré cité, p. 46.
[40] -محكمة الاستئناف الإدارية قرار عدد 4736 بتاريخ 29 نونبر 2012.غير منشور.
[41] – حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 637 بتاريخ 17 فبراير 2008، بين وزير الداخلية ضد الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي، اورده يونس الشامخي، تطور المرجعية الكونية في الاجتهاد القضائي الإداري المغربي، مجلة الأنظمة القانونية والسياسية،العدد العاشر،أكتوبر 2016،ص 8.
[42] -أمر قضائي رقم 2446 بتاريخ 28 شتتنبر 2015 عن المحكمة الإدارية بالرباط.غير منشور.
[43] -حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد 2004/28 بتاريخ 2 فبراير2004 ملف عدد 2003/98 اورده عبد الواحد قرشي “القضاء الإداري ودولة الحق والقانون بالمغرب” الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، الدار البيضاء ،2009، ص 108.
[44] – جورج بورديو”الدولة”، تقديم وترجمة الدكتور محمد العدلوني والأستاذ يوسف عبد المنعم، دار الثقافة، الدار البيضاء، 2009،ص47.
[45] -إذا كانت السياسة الاجتهادية تفترض وجود تحديدات قبلية؛ يستلهمها القاضي الإداري للنظر في الدعوى، فإن الاجتهاد السياسي يعني غياب أي تقييد سابق للقاضي الإداري، مما يجعل العملية التأويلية مفتوحة على عدة احتمالات؛ بل تكون مجالا للذاتية، ويمكن أن تهدد الأمن القانوني، لكن توظيفها بالشكل المطلوب يجعل القاضي الإداري قادرا على إعادة بناء مفهوم المشروعية بشكل مستمر؛ مما يساهم في دينامية القضاء الإداري وفعاليته.في هذا الإطار، يمكن مراجعة كتاب” دانييل لوشاك” حول “الدور السياسي للقاضي الإداري الفرنسي” المشار إليه أعلاه.
[46]-جورج بورديو،الدولة، مرجع سابق، ص177.
[47]TROPER (M.) et PFERSMANN (O.), Existe-t-il un concept de gouvernement des juges ?, in Gouvernement des juges et démocratie, Publications de la Sorbonne, 2001, p. 21, spéc. P. 42 .
[48]-Danièle Lochak « Quelle légitimité pour le juge administratif »,pré cité, PUF, 1993 ,p.142.
[49]– TROPER (M.) et PFERSMANN (O.), pré cité ,p.28.
[50]– Wendy LELLIG « Office de juge administratif de légalité » op cité.p.154.
[51]– Danièle Lochak, pré cité, PUF, 1993 ,p.142
[52] -ظهير شريف رقم 1.11.117 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 الموافق ل 22 نونبر2011 بتنفيذ القانون رقم 14.07 المغير والمتمم بمقتضاه الظهير الشريف الصادر في رمضان 1331 الموفق ل 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري.ج.ر عدد 5998.
[53] -القرار المجلس الأعلى عدد 477، المؤرخ في 28 أبريل 2004، الملف الإداري عدد 645/4/1/2004، قرار غير منشور، وبعد ذلك توالت الأحكام في المحاكم الإدارية تؤكد هذا التوجه من ذلك حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 1752 بتاريخ 20 ذو القعدة، الموافق لـ 19 نونبر 2009، ملف رقم 203/08/، غير منشور.
[54] – حكم قضائي المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 25 يوليوز 2013 ملف رقم 613/12/2012
[55]– Jean-Marc Sauvé, vice-président du Conseil d’Etat, Justice administrative et Etat de droit , Intervention à Institut d’études judiciaires ,Université Panthéon-Assas ,Lundi 10 février 2014,p.2. www.conseil-etat.fr 14/04/2017.
[56]-المحكمة الإدارية بالرباط، القضاء الاستعجالي،ملف رقم:3026/7101/2013 أمر رقم:2917،بتلريخ،05 غشت 2016،غير منشور.
[57] -للتوسع أكثر أنظر : يونس الشامخي، تطور أسس المسؤولية الإدارية في ضوء الاجتهاد الإداري المغربي والمقارن، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، جامعة محمد الخامس الرباط، السنة الجامعية 2014/2015.
[58] -المحكمة الإدارية بالرباط، قسم القضاء الشامل،حكم رقم: 251، بتاريخ،23 يناير 2014.غير منشور.
[59]-. Stirn, Les libertés en question, Paris, Montchrestien, 7e éd., 2010, p. 78.