الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية للموثق و حدودها

الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية للموثق و حدودها

 

إعداد الطالب الباحث: وائل تيسية

 

تعد مهنة التوثيق من بين المهن القانونية التي لها ارتباط وثيق بزمرة من المؤسسات و القوانين، إذ أن نطاق تعامل الموثق مع المتعاقدين وبعض المؤسسات يتسع ليشمل مجموعة من المراحل، ومن بينها مرحلتي قبل تحرير العقد موضوع تراضي الأطراف وبعده، ومن ثم فالموثق عند قيامه بمهامه التوثيقية وبمناسبتها يمكنه أن يقترف مجموعة من الأفعال المجرمة سواء في ظل القواعد العامة للقانون الجنائي أو في إطار القوانين الخاصة مما يتم بذلك مساءلته مساءلة جنائية (المحور الأول)، غير أن هناك مجموعة من الحالات التي يتم فيها تضييق المؤاخذة الجنائية على الموثق،(المحور الثاني).

المحور الأول: الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية للموثق و حدودها

 

إن دراسة الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية للموثق يدفعنا بشكل مباشر لمعرفة الجرائم التي يمكن أن يقترفها الموثق الناتجة عن ممارسته لمهنته ، فتلك الجرائم نجد مرجعتها في مجموعة من النصوص التشريعية، كالمدونة العامة للضرائب، مدونة استخلاص الديون العمومية …

إن دائرة التجريم و العقاب التي تخص الموثق واسعة تشمل ليس فقط النصوص القانونية أو القوانين السابقة ذكرها، بل ترتبط بأفعال مجرمة من لدن القواعد العامة للقانون الجنائي       (1)، ثم بعض القوانين الخاصة كقانون التوثيق الجديد، و قانون مكافحة غسل الأموال (2).

1/ الإطار القانوني للمسؤولية الجنائية للموثق على ضوء القواعد العامة للقانون الجنائي

تقوم المسؤولية الجنائية للموثق على خطأ توثيقي أثناء ممارسته لمهنته يعاقب عليه القانون الجنائي. هذا الخطأ يمكن حصره في نوعين: الخطأ العمدي و الخطأ غير العمدي، فالأول يتمثل في كل الأفعال الإجرامية التي يرتكبها الموثق عن بينة و اختيار، ولقد أورد القانون الجنائي مجموعة من  الجرائم التي تستوجب المسؤولية الجنائية كالتزوير و الاختلاس و إفشاء السر المهني و غيرها. أما الثاني، فيتمثل في ذلك الخطأ الذي يرتكبه الموثق و الذي ينتج عنه ضرر لكن دون نية إحداثه، ويكون ذلك غالبا نتيجة للإهمال.[1]

في هذا الإطار فإنه يجب تحديد أهم الجرائم التي يرتكبها الموثق مع التفصيل في الأركان المكون لها.

1-1: أهم الجرائم المرتكبة من لدن الموثق الواردة في القانون الجنائي

تم التنصيص في القانون الجنائي على مجموعة من المقتضيات القانونية المحددة للجرائم المرتكبة من لدن الموثق إما آخذا بعين الاعتبار الصفة المهنية للموثق، و إما متجاهلا تلك الصفة.

  • الجرائم الناتجة عن صفة الموثق:

قبل الخوض في مناقشة الأفعال التي تستوجب المسائلة الجنائية للموثق باعتبار صفته، يتعين القول أن جريمة التزوير تساءل مباشرة صفة الموثق، إلا أن هناك بعض الجرائم كالاختلاس و الغدر و إفشاء السر المهني، التي يتم فيها حصر المجرم و صفته في شخص الموظف العمومي، وكل أمين عن الأسرار بحكم مهنته أو وظيفته.

  • جريمة التزوير: تعتبر جريمة التزوير من أخطر الجرائم التي يرتكبها الموثق، إذ أن الأفعال المكونة لهاته الجريمة كإقحام توقيعات مزورة تعبر عن مدى تحايل ومكر الموثق وكذلك النية الكاملة لهذا الأخير من أجل خيانة الأطراف المتعاقدة إما عن طريق:
  • وضع توقيعات مزورة
  • تغيير المحرر أو الكتابة أو التوقيع
  • وضع أشخاص موهومين أو استبدال أشخاص بآخرين
  • كتابة إضافية أو مقحمة في السجلات أو المحررات العمومية، بعد تمام تحريرها أو اختتامها.

كل تلك الوسائل التي يستخدمها الموثق قصد القيام بجريمة التزوير تم التنصيص عليها في المادة 352 من القانون الجنائي المغربي.

عرف المشرع المغربي تزوير الأوراق في المادة 351 من القانون الجنائي باعتباره :         ” تغيير الحقيقة فيها بسوء نية، تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون”.

ويعتبر هذا التعريف قاصرا بالمقارنة مع التعريف الوارد في القانون الجنائي الفرنسي، الذي يعرف بمقتضاه التزوير بأنه كل تغيير احتيالي للحقيقة من شأنه إحداث ضرر، ويتم بأي وسيلة كانت تقع على محرر أو أي دعامة للتعبير عن الأفكار يكون موضوعها أو يكون من آثارها إقامة الدليل على حق أو واقعة ذات نتائج قانونية ( الفصل1-441 من القانون الجنائي الفرنسي)[2].

جاء النص الفرنسي في رأينا شاملا بحيث أن محل الجريمة يمكن أن يكون أي دعامة تقيم الدليل على إثبات حق، غير أن النص المغربي قد تناول فقط المحرر المكتوب محل الفعل الجرمي.

و بموازاة ذلك، نجد أن هناك ركنين أساسيين لا يمكن أن تتحقق جريمة التزوير بدونهما و هما إدارة الموثق الاحتيالية قصد تغيير حقيقة الدعامة ثم الضرر الناتج عن عملية التزوير، إذ أن تلك الوسائل يجب أن تصدر عن شخص الموثق، لتتأتى جريمة التزوير وفق المادة 1-441 من القانون الجنائي الفرنسي، بالتالي فإن صفة الموثق تيسر إثبات الفعل الجرمي[3].

هذا الإثبات الذي يمكن أن يتضح بأي وثيقة صادرة عن الموثق كالعقود التي يحررها أثناء ممارسته لمهنته من أصل العقد « minute »، نسخة أصل العقد « expédition »، ملحقات العقد « Annexes »، فالموثق بإعتباره مفوض عن القوة العمومية يتحمل تبعات تغييره لحقيقة المحرر بسوء النية، وباحتيال منه قاصدا الضرر الحاصل على إثر ذلك الفعل.

تجدر الإشارة إلى أن الفعل المادي المكون لجريمة التزوير قد يصدر كما أسلفنا الذكر في شكل مجموعة من الصور ومن بينها ” وضع توقيعات مزورة، تغيير المحرر أو الكتابة أو التوقيع، كتابة إضافية أو مقحمة في السجلات أو المحررات العمومية بعد تمام تحريرها أو اختتامها، وضع أشخاص موهومين أو استبدال أشخاص بآخرين.

في حالة وضع توقيعات مزورة، فإن كاتب المحرر، يقوم بإيراد اسم شخصي أو عائلي غير حقيقي.

يمكن أن يتحقق تغيير المحرر أو الكتابة أو التوقيع بواسطة تغيير تاريخ العقد بغية الاستفادة من الآجال المحددة في القوانين الضريبية، إيراد ثمن أدنى من ثمن البيع الحقيقي في العقد، وكذلك تتأتى صورة تغيير المحرر أو الكتابة أو التوقيع عن طريق وضع توقيعات مزورة للشهود بعد تحرير العقد عندما تتوقف صحة العقد على توقيعات هؤلاء الشهود[4].

يلاحظ على مقتضيات المادة 352 من القانون الجنائي أنها تطرقت إلى صور التزوير الصادرة عن الموثق ولم تشر إلى أن تلك الوقائع المادية التي وقعت على وثيقة حررها الموثق بذاته، بينما جاءت المادة 353 من القانون الجنائي بعدها لتبرز بعض الأفعال الناتجة عن تحرير الموثق للمحرر الصادر عنه  وهي: (كتابة اتفاقات تخالف مارسمه أو أملاه الأطراف المعنية و إما بإثبات صحة وقائع يعلم أنها صحيحة، و إما بإثبات وقائع على أنها اعترف بها لديه، أوحدثت أمامه بالرغم من عدم حصول ذلك، وإما بحذف أو تغيير عمدي في التصريحات التي يتلقاها).

يستنتج من خلال ما سبق أن المادة 352 من القانون الجنائي سردت صور التزوير الصادرة عن الموثق في محررات عمومية دون تحديد كاتب تلك الوثيقة إلا أن المشرع الجنائي في المادة 353 بعدها تدارك صفة الموثق محرر العقود حينما بين أن التزوير الصادر عن الموثق قد وقع في جوهر المحرر.

فيما يتعلق بالركن المعنوي للجريمة، فتزوير الموثق للمحرر بسوء نية مع علمه بذلك وأن تتجه إرادته الخالصة لاقتراف الفعل الجرمي مخالفا بذلك قواعد القانون الجنائي، يعتبر قصدا جنائيا عاما، أما القصد الجنائي الخاص يتمثل في كون أن إرادة الموثق متجهة لتحقيق النتيجة المتوخاة من الفعل الجرمي [5].

يتضح من خلال شرح الركن المادي و المعنوي لجريمة التزوير أن هاته الأخيرة هي من الجرائم ذوي الصفة، بحيث لا يمكن أن تتحقق إلا من موثق وقاضي وغيرهم ممن أشير إليهم في المادتين 352و 353 من القانون الجنائي.

  • جريمة الاختلاس: يستنتج من أول وهلة أن المادة 241 ق.ج لم تعرف جريمة الاختلاس على خلاف جريمة التزوير، بل حصرت الصورالممكنة لتأتي الجريمة. في هذا الصدد، فالمادة السابقة ذكرها (241 ق.ج) أشارت أن صور عديدة تتحقق مع جريمة الاختلاس إما عن طريق: اختلاس، تبديد، إحتجاز ثم إخفاء أموال عامة أو خاصة وكذلك سندات تقوم مقامها أو حجج أو عقود أو منقولات موضوعة تحت يد الموظف العمومي أو من في حكمه كالموثق الذي يقوم بتلك الأفعال المشار إليها آنفا إما بحكم وظيفته أو بسببها.

ابتداء يمكن القول أن الفعل المادي الذي يتجلى في إخفاء المنقولات أو العقود أو ما شابه ذلك يثير إشكالا مهم بحيث أنه لا يمكن أن نتصور عملية الإخفاء من لدن الموثق لعقود قد أبرمها بصفته المهنية أو لأموال قد تلقاها أثناء ممارسته لمهامه التوثيقية، على سبيل المثال الموثق عندما يقوم بتحرير عقد هبة لا يمكن أن يخفي العقد المبرم لأن أصل العقد موجود بقوة القانون و مؤشر عليه لدى مكتب التسجيل و التنبر التابع لوزارة الاقتصاد و المالية، كما أن الثمن الموضوع تحت يد الموثق بعد إبرامه لعقد بيع لا يمكن أن يكون محلا للإخفاء لأن العقد المبرم من لدن الموثق تكون له قوة تبوثية و حجية اتجاه الأطراف المتعاقدة واتجاه الغير، وذلك ما يستفاد من المادة 419 من قانون الإلتزامات و العقود المغربي.

اعتمادا على ما سبق هناك ثلاثة أفعال مادية تؤدي إلى ارتكاب الموثق لجريمة الاختلاس، وهي الاختلاس، التبديد ثم الاحتجاز.

فيما يتعلق بالاختلاس كفعل مادي مكون لجريمة الاختلاس، يتحقق عندما تتحول حيازة الموثق للأموال العامة أو الخاصة أو العقود إلى غيره من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة، فالأطراف يأتمنون الموثق باعتباره نائب عن الدولة فيما يتعلق بتحرير العقود، بحيث يحتفظ هذا الأخير بالعقود و المنقولات و الأموال قصد حفظ الحقوق العامة للدولة و الحقوق الخاصة للأفراد، غير أن خيانة الثقة الممنوحة للموثق قد تعرضه إلى جزاءات زجرية بحكم تحويله للأشياء السالفة الذكر إلى ملكيته الخاصة.

أما فيما يخص الفعل المادي المتمثل في التبديد ، فالخطأ التوثيقي الصادر عن الموثق، ينبغي أن يتخذ شكل إهلاك كلي للعقود و للحجج و للسندات المنصوص عليها في المادتين 241و 242 من مجموعة القانون الجنائي، وبالتالي فهذا الإهلاك إما أن يتخذ صورة إحراق أو إهلاك للأشياء من لدن الموثق وذلك أثناء قيامه بوظيفته أو بسببها.

فيما يتعلق بالإحتجاز كفعل مادي مكون لجريمة الاختلاس، فالموثق يقوم بإتيان الفعل الجرمي بواسطة الحجز و الاحتفاظ بالأموال أو العقود أو المنقولات، وعمليا تقع هاته الجريمة حينما يتماطل الموثق في إرجاع ورد المبالغ المستحقة لأحد الأطراف في حالة عدم إكتمال الإجراءات القانونية المتعلقة ببعض العقود[6] كالحالة التي يتم فيها فسخ عقد الوعد بالبيع عندما يحتفظ الموثق بالتسبيق أو العربون بخزينته دون إرجاعه.

تعتبر جريمة الاختلاس من الجرائم العمدية التي يتطلب لقيامها توافر قصد جنائي عام و خاص، وتبعا لذلك فإن الموظف أو من في حكمه كالموثق، عليه أن يعلم أن الأشياء المختلسة هي مملوكة للغير و أنها دخلت في حيازته بسبب وظيفته. كما يشترط بالإضافة إلى ذلك أن تتجه إرادته إلى الاستيلاء على المال و التصرف فيه تصرف المالك إما بحيازته لنفسه أو بنقل حيازته للغير[7].

  • جريمة الغدر: يستنتج من مقتضيات المادة 243 من القانون الجنائي أن الغدر يصدر عن الموثق إما بالفعل المادي المتمثل في طلب أو تلقي أو فرض أوامر بتحصيل أموال يعلم أنها غير مستحقة أو تفوق المستحق إما لفائدته الشخصية أو لفائدة الغير، وبالتالي يمكن أن نتصور حالة طلب الموثق لأموال يعلم أنها غير مستحقة مثل طلب أداء رسم الأراضي الغير المبنية مع علم الموثق أن الشخص الذي يمتلك الأرض معفى من أداء ذلك الرسم، كذلك هو الشأن بالنسبة للحالة التي يفرض فيها الموثق على المشتري في عقد بيع عقار دفع أكثر من المستحق أداءه مثل فرض مبلغ متعلق بالتنبر أو النسخ الممنوحة للمشتري تفوق بكثير المبلغ الواجب أداءه، أو طلب مبالغ متعلقة بمصاريف التنقل تتجاوز الحد المألوف عند القيام بنفس العملية.

علاوة على ذلك نخلص إلى أن الغدر هو جريمة عمدية يهدف الموثق بالأساس أو أي موظف عمومي بارتكابه لتلك الأفعال المادية المشار إليها آنفا إلى خرق مقتضيات المادة 243 من ق.ج . إذ أن البواعث من وراء اقتراف الجريمة لا تؤخذ بعين الاعتبار، بل يكفي أن يكون ضمير الموثق واعيا و أن يكون عالما بالأعمال التي يؤتيها بغية ترتيب المسؤولية الجنائية عليه، وأن تكون إرادة الموثق متجهة إلى تحقيق النتيجة المحظورة من طرف المشرع الجنائي[8] .

  • جريمة إفشاء السر المهني: كما هو معلوم فالموثق على غرار مجموعة من المهنيين يتحمل أعباء ومن أهمها وأقدسها الإلتزام بكتمان السر المهني، واستنادا من مقتضيات المادة 446 من ق.ج فإن الأمناء عن الأسرار بصفة دائمة ومن بينهم الموثقين يعاقبون على جريمة إفشاء السر المهني المودع لديهم بحكم وظيفتهم ، غير أن المشرع الجنائي استثنى بعض الحالات التي أجاز فيها للموثق خصيصا إفشاء السر المهني وهي الحالة التي يأذن فيها القانون للموثق القيام بذلك، أو بالتبليغ المسموح به قانونا.

أي جريمة من الجرائم يفترض فيها توافر الركن المادي و الركن المعنوي، فالركن المادي يتمثل في قيام الجاني بفعل الإفشاء أي نقل الواقعة من السرية إلى العلنية بحيث يطلع عليها الغير بعد أن كانت محصورة بين الملتزم و المعني بالأمر. أما الركن المعنوي: هو أن يقوم الجاني بإفشاء السر عن بينة و اختيار، يعني دون إكراه، فالركن المعنوي هنا يحتاج إلى القصد العام دون القصد الخاص، بحيث لا يشترط المشرع فيه نية الإضرار بالغير[9].

إن كان القانون الجنائي قد تعرض للجرائم التي يقترفها الموثق بناءا على صفته ” جريمة التزوير” و باعتباره أمينا عن الأسرار ” جريمة إفشاء السر المهني”، وبصفته موظفا عموميا ” جريمتي الغدر و الاختلاس”، فإن هناك جرائم لم يتم الإشارة في طياتها إلى صفة الموثق وإن ارتكبها الموثق أثناء ممارسته لمهامه التوثيقية.

  • الجرائم الخارجة عن إطار صفة الموثق

كما أسلفنا الذكر إن الفعل الجرمي يمكن أن يصدر عن الموثق دون أن تكون صفته مؤثرة، وعليه فإن النصب و خيانة الأمانة جريمتين تعبران عن مدى خيانة الموثق للأمانة الملقاة على عاتقه.

  • جريمة النصب: تم التنصيص في المادة 540 من ق.ج على ثلاثة أفعال مادية تصدر عن الشخص النصاب الذي يستعمل وسائل احتيالية قصد إيقاع الغير في الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره ويدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر، إذ أن الاحتيال الصادر عن الموثق يتخذ صورة تأكيدات خادعة مثلا في الحالة التي يؤكد فيها الموثق للمشتري أثناء إتمام عقد البيع أن المساحة الإجمالية للشقة هي مائة متر مربع (100 م²) في حين أن المساحة الحقيقية تناهز تسعين متر مربع (90 م²). في نفس السياق، تتحقق جريمة النصب من لدن الموثق عندما يخفي وقائع صحيحة مرتبطة بتحملات و تكاليف واقعة على العقار كما هو الشأن بالنسبة للعقار المرهون رهنا رسميا، إلا أنه يخفي ذلك الأمر للمشتري بغية الحصول من البائع على مبالغ مهمة. ففي كلتا الحالتين، الموثق يهدف من وراء تلك العمليات الحصول إما على منفعة شخصية أو لضمان منفعة الغير.

فيما يتعلق بالركن المعنوي للجريمة، فالفعل الجرمي الصادر عن الموثق يكون بإرادته الحرة و عن يقين تام بالتأكيدات الصادرة عن قصد إقناع الغير بوقائع غير صحيحة، من أجل طمس الوعي لدى الضحية، إذن فجريمة النصب هي عمدية تتطلب لقيامها توافر القصد الجنائي العام فقط دون القصد الخاص [10].

  • جريمة خيانة الأمانة: نستنتج من المادة 547 من ق . ج، أن مناط جريمة خيانة الأمانة هو فعل الاختلاس و التبديد الصادر عن المجرم بسوء نية لمجموعة من الأشياء كالنقود و الأوراق التي سلمت إليه، قصد إرجاعها أو إستعمالها، و من ثمة فإن الفعل المادي المكون لجريمة خيانة الأمانة يمكن أن يصدر عن الموثق بتحويل حيازته الناقصة للنقود و السندات و الأوراق إلى حيازة كاملة قصد الإضرار بالمالك أو الحائز أو واضع اليد، و تتحقق هذه الحالة مثلا عندما لا يرد ثمن البيع الموضوع بخزينته إلى البائع بعد إتمام عقد البيع، و في نفس السياق فإن جريمة خيانة الأمانة تقع عندما لا يقدم الموثق شهادة الإبراء الضريبي الصادرة عن مؤسسة الخزينة العامة للدولة التي تثبت خلو العقار من كل الضرائب المستحقة لدى الدولة، شريطة الحصول على الإذن من البائع لاستكمال إجراءات للحصول على الإبراء الضريبي.

أما التبديد فيصدر عن الموثق عند إحراقه أو إتلافه لسندات، وصولات أو اوراق قد سلمت له من طرف الضحية لاستخدامها لغرض معين، على سبيل المثال إعطاء نظير الرسم العقاري « duplicata du titre foncier » أو أصل رسم إراثة للموثق قصد تسجيل عقد البيع مثلا في السجلات العقارية غير أن هذا الأخير يقوم باتلاف أو إحراق تلك الوثائق بسوء نية، قصد الإضرار بالأطراف المتعاقدة.

وعلى العموم فإن القصد الجنائي في خيانة الأمانة يتحقق كلما قام شخص بتبديد أو إختلاس منقولات موضوعة بين يديه على سبيل الأمانة أو سلمت إليه من أجل استعمالها – أو استخدامها-  لغرض معين عن علم واختيار، فإذا تحقق هذان العنصران قام القصد الجنائي عند الفاعل و إذا انتفى أحدهما أو كلاهما تخلفت الجريمة بسبب غياب القصد الجنائي العام عنده، ولا حاجة لاشتراط توفر قصد خاص لدى هذا الأخير [11].

اعتمادا على كل ما سبق تجدر الإشارة إلى أن جريمتي النصب و خيانة الأمانة تبين عن غدر، مكر و خداع من لدن الموثق الذي يفترض فيه صفة النزاهة و خصلة الأمانة و الشرف باعتباره مستمدا للقوة العمومية و حارسا على الأمانة الموكولة إليه من عقود و نقود ضامنا في ذلك استقرار المعاملات بين الأطراف.

2-1: العقوبات المترتبة عن إقتراف الموثق للجرائم

بعدما تطرقنا إلى أهم الجرائم الصادرة عن الموثق بمناسبة ممارسته لمهامه و المجرمة بنصوص القانون الجنائي، سنتولى مناقشة ماهية العقوبات المترتبة عن الجرائم ، ثم الإشكالات المرتبطة بها.

  • ماهية العقوبات المقترفة من طرف الموثق:

في بادئ الأمر، نشير إلى أن أخطر جريمة يقترفها الموثق، وهي الوحيدة التي تذكر صفته هي جريمة التزوير التي عاقب عليها المشرع الجنائي في المادتين 352 و 353 من ق.ج بعقوبة السجن المؤبد ضد الموثق.

و تتجلى علة تشديد العقاب على الموثق في كون أن التزوير كجناية التي يقترفها هي أشد وطأ و ضررا بالغير من التزوير الصادر عن غيره. فمسؤوليته هنا هي مسؤولية كاملة نابعة من صفته المستمدة من الدولة، إذ ان ممارسته القانونية و حرصه على المساواة بين الأطراف تجعل منه رجل قانونيا استثنائيا لا يفترض أو يستحيل ارتكابه لمثل تلك الأفعال، لكونه ممثل للقانون ذاته.

فيما يتعلق بجريمة الإختلاس، فلقد اعتبرها القانون الجنائي في المادة 241 جناية معاقب عليها بالسجن من خمس إلى عشرين سنة و بغرامة من خمسة آلاف إلى مئة ألف درهم.

و تجدر الإشارة أن المشرع المغربي تدرج في تحديد العقوبة على أساس القيمة المادية للمال المختلس. فإذا كانت قيمة الأشياء المختلسة أو المبددة أو المحتجزة أو المخفاة تساوي أو تزيد عن مائة ألف درهم فإن الجريمة تعد جناية يعاقب عليها بالسجن من خمس إلى عشرين سنة و غرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف درهم. أما إذا كانت قيمة تلك الأشياء المختلسة تقل عن مائة ألف درهم فإن العقوبة هي الحبس من سنتين إلى خمس سنوات و غرامة من آلفي درهم إلى خمسين ألف درهم [12].

أما فيما يرتبط بالغدر، فإن القانون الجنائي قد اعتبره جنحة معاقب عليها بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و بغرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف درهم (المادة 243 ق.ج). يظهر جليا أن إرادة المشرع اتجهت للتخفيف من العقاب ضد الموثق الذي إرتكب الغدر مقارنة مع الاختلاس لكون أن الضرر الذي يصدر عن هذا الأخير أثناء حصوله على اموال غير مستحقة تفوق المستحق تكون نتيجة طلب أو إصدار أمر وليس على إثر إختلاس أو تبديد من طرف الموثق. في نفس المضمار فإن كلتا الجريمتين (الاختلاس و الغدر) قد تضمنتا عقوبة الغرامة بسبب أن الأفعال المادية تهدف على إثراء الموثق ماديا و تتعلق مباشرة بالأموال.

بالنسبة لجريمة إفشاء السر المهني التي يقترفها الموثق باعتباره أمينا عن الأسرار بحكم وظيفته الدائمة، إعتمادا على مقتضيات المادة 446 من ق.ج، فإنه يعاقب بجنحة ضبطية تتراوح بين شهر و ستة أشهر و غرامة من ألف و مئتين إلى عشرون ألف درهم.

أما فيما يتعلق بجريمتي النصب و خيانة الأمانة، فإن الجريمة الأولى (النصب) يعاقب الموثق على إثر إرتكابها بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة من خمسمائة إلى خمسة آلاف درهم و ذلك وفق المادة 540 ق . ج، وفيما يتعلق بالجريمة الثانية و هي خيانة الأمانة فالموثق يتعرض لعقوبة من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و غرامة من مائتين إلى ألفي درهم، و نلاحظ أن المشرع لم يذكر صفة الموثق أثناء تجريمه و عقابه لجريمتي النصب و خيانة الأمانة، و إن كان من الأجدر إدراج تلك الصفة للتشديد في العقاب على الموثق الذي يرتكب بعض الأفعال المخلة للأدب و الأخلاق الحميدة و التي لا تمت لا من قريب ولا من بعيد بأخلاقيات مهنة التوثيق.

  • الإشكالات المرتبطة بجرائم الموثق الواردة في القانون الجنائي

من بين النقاط التي تثير إشكالا وخاصة فيما يتعلق بتوقيع العقوبة على الموثق بناءا على قواعد القانون الجنائي، نجد الإشكال المرتبط بالموثق ” الموظف العمومي”، وتجدر الإشارة في هذا الباب أن القانون الجديد لمهنة التوثيق العصري رقم 32-09 الصادر لسنة 2011 تطرق إلى التوثيق باعتباره مهنة حرة دون ذكر صفة الموظف العمومي على خلاف القانون القديم المنظم لمهنة التوثيق لـ : 04 ماي 1925، غير أن تعريف الموظف العمومي الوارد في القانون الجنائي المادة 224 يشمل الموثقين إذ ينص على ما يلي: ” يعد موظفا عموميا، في تطبيق أحكام التشريع الجنائي، كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه، في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر و يساهم بذلك في خدمة الدولة، أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية، أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام.

وتراعي صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة، ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته، إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها”.

إنطلاقا مما سبق نخلص أن القانون الجديد للتوثيق وإذا أسقط على الموثق صفة الموظف العمومي فإن تلك الصفة الأخيرة تبقى لصيقة به بناءا على مقتضيات المادة 224 ق.ج السالفة الذكر، و بالتالي فتطبيق العقوبة على الموثق المرتكب لجرائم الاختلاس و الغدر استنادا للمواد 241 إلى 243 ق.ج يسري مفعوله، ولا يمكن للموثق الاحتجاج بعدم تطبيق مبدأ الشرعية الجنائية تطبيقا سليما في هذه الحالة.

خلاصة القول، إن القانون الجديد للتوثيق الذي أسقط بشكل صريح صفة الموظف العمومي من التعريف الذي أعطاه للموثق، قد أكد على صفة هذا الأخير أمام القانون الجنائي، وذلك من خلال المادة 92 التي تنص على أن ” الموثق يتمتع أثناء مزاولة مهامه أو بسبب قيامه بها بالحماية التي تنص عليها مقتضيات الفصلين 263 و 267 من القانون الجنائي” . و بالرجوع إلى مقتضيات هذه الفصول يتضح بأنها واردة في الفرع الأول من الباب الرابع الخاص بالجنايات و الجنح التي ترتكب من قبل الأفراد ضد الموظفين العموميين[13].

علاوة على ذلك تبقى عقوبة إفشاء السر المهني الصادرة ضد الموثق زهيدة بالمقارنة مع خطورة ذلك الفعل وكذلك بالنظر لمدى تأثيرها على بعض المصالح الشخصية للأفراد، و بالتالي يجب إعادة النظر في تلك العقوبة التي تتكون من الحبس المتراوح بين شهر و ستة أشهر، و الغرامة من ألف و مائتين إلى عشرين ألف درهم، بالزيادة على الأقل في قيمة الغرامة لزجر الموثقين التي سولت لهم أنفسهم إفشاء سر زبنائهم.

بموازاة ذلك كان من الأجدر في رأينا التنصيص على صفة الموثق في كل من جريمتي النصب و خيانة الأمانة مشددين في العقاب عليه لكونه يمثل القانون و الدولة على السواء في مجال حفظ حقوق الأطراف المتعاقدة مالية كانت أم شخصية.

2/ الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية للموثق على ضوء القواعد الخاصة

بعدما تطرقنا إلى أهم الجرائم المرتكبة من لدن الموثق و التي تدخل ضمن إطار القواعد العامة للقانون الجنائي و المختصة بالتجريم و العقاب سنعرض بعضا من القوانين الخاصة التي تختص بمساءلة الموثق جنائيا و ذلك أثناء قيامه بمهامه التوثيقية أو بمناسبتها، وفي هذا الصدد فإن قانون التوثيق الجديد الصادر سنة 2011 و قانون مكافحة غسل الأموال الصادر سنة 2007، كلاهما جاء بمجموعة من القواعد الزجرية قصد متابعة و معاقبة الموثقين اللذين يخلون بمسؤولياتهم و يقومون أثناء ممارستهم لوظيفتهم بمجموعة من الخروقات التي تهدد و تؤثر على النظام العام و المصالح الخاصة للأفراد.

اتباعا لما سبق، سنحاول دراسة أهم الجرائم التي يقترفها الموثق في ظل قانون التوثيق الجديد ، ثم على ضوء قانون مكافحة غسل الأموال.

 

1-2: الإطار القانوني للمسؤولية الجنائية للموثق في ظل قانون التوثيق الجديد

تجب الإشارة أولا إلى أن ظهير 4 ماي 1925 لم ينص على عقوبات جنائية، بل كل ما نص عليه هو عقوبات تأديبية أو مالية انفرد الفصل التاسع و العشرون منه بالإشارة إليها، ثم جاءت الفصول التالية لتأسيس طرق تطبيقها و المخالفات المستحقة لهذه العقوبات. وهكذا كانت المخلفات التي تهم الجانب الجنائي موكولة إلى قواعد القانون الجنائي وما يحدده لبعض الأفعال من عقوبات كالنصب و خيانة الأمانة[14].

ويظهر أن القانون الجديد المنظم لمهنة التوثيق رقم 09-32 الصادر لسنة 2011 تضمن مجموعة من المقتضيات الزجرية الهادفة إلى حماية مهنة التوثيق من كل الممارسات التي تمس بأخلاقيات المهنة و الإطار العام لهذه الأخيرة. ومن تم وجب دراسة المستجدات الزجرية التي جاء بها القانون الجديد ثم محاولة تحليل الأبعاد المرتبطة بالمساءلة الجنائية للموثق.

  • مستجدات قانون التوثيق الجديد المرتبط بالمسؤولية الجنائية للموثق

نص المشرع في القانون الجديد للتوثيق على مجموعة من العقوبات الزجرية في حالة إخلال الموثق بالتزاماته، حيث يعاقب هذا الأخير في حالة امتناعه عن تسليم الوثائق بعد صدور عقوبة العزل أو الايقاف في حقه بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة من 20.000 إلى 40.000 أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط -المادة 87 من القانون المذكور- كما يعاقب الموثق وفق المادة 89 من القانون الجديد للتوثيق عن كل تصرف مخالف لقرار العزل أو الإيقاف الصادر ضده طبقا لمقتضيات الفصل 381 من مجموعة القانون الجنائي [15].

وفي سياق آخر فإن القانون الجديد المنظم لمهنة التوثيق في مادته 90 قد عاقب الموثق عندما يقوم بأي عمل يدخل في نطاق سمسرة الزبناء أو جلبهم بالحبس من سنتين إلى أربع سنوات و بالغرامة من 20.000 إلى 40.000 درهم مع مراعاة العقوبات التأديبية التي قد تطبق على الموثق سواء كان فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا .

وأخيرا في المادة 91 من القانون السالف الذكر تعاقب الموثق في حالة تضمين اللوحة التي يضعها هذا الأخير خارج البناية التي يوجد بها مكتبه معلومات غير تلك التي سمحت بها الفقرة الثانية من نفس المادة [16] بغرامة من 1200 إلى 5000 درهم. و يعاقب على مخالفة الأحكام المتعلقة بإحداث الموقع الإلكتروني المذكورة في الفقرة الأولى من المادة 91 بغرامة من 2000 إلى 10.000 درهم.

  • أبعاد المساءلة الجنائية للموثق

إتجه المشرع المغربي في القانون الجديد المنظم للتوثيق إلى نهج سياسة تشريعية جديدة على غرار القوانين الأخرى المنظمة للمهن الحرة، بحيث تم إدراج مجموعة من القواعد الزجرية التي من شأنها أن تضفي على مهنة التوثيق مصداقية أكبر من التي كانت تحتلها في ظل القانون القديم لمهنة التوثيق، وكذلك كان الهدف أسمى من وراء سن مقتضيات جنائية وخصوصا تلك المقتضيات التي تتعلق بأحكام و أخلاقيات المهنة، بحيث أن تجريم بعض الأفعال التي قد يرتكبها الموثق أثناء ممارسته لمهنته كوضع معلومات غير المسموح بها في اللوحة وكذلك جلب وسمسرة الزبناء هي أعمال تنم عن عدم أمانة الموثق وتثبث على أن مزاولته للمهنة هي من جراء جني الربح ليس إلا.

هناك أيضا جرائم نص عليها قانون رقم 09-32 التي يرتكبها الموثق بعد عزله وإيقافه من المهنة، وهي عندما يمتنع عن تقديم بعض الوثائق إلى الموثق الخلف على سبيل المثال: سجل التحصين ، نظائر و نسخ أصول العقود و نظائر أصول الوثائق المحلقة بها، فمناط التجريم في هذه الحالة وهدفه يكمنان في أن كل الوثائق المحررة من طرف الموثق و المودعة لديه تعتبر أرشيفا للدولة، ولا يمكن أن يحتفظ بها لأنها وثائق ضامنة لحقوق الدولة و الأفراد على السواء.

2-2: الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية للموثق في ظل قانون مكافحة غسل الأموال

إن نطاق المسؤولية الجنائية للموثق لا يشمل فحسب القانون الجنائي و قانون التوثيق الجديد بل يتضمن إلى جانب تلك القوانين قانون قمين بالأهمية ألا وهو قانون مكافحة غسل الأموال الذي أعد ليحل مشكلات عديدة منها ما يرتبط بالتوازن الاقتصادي للدولة ومنها ما يصب في اتجاه محاربة كل أشكال الجرائم المتصلة بالإتجار في المخدرات وفي البشر إلى غير ذلك. غير أن ما يهمنا في هذا الإطار هو تسليط الضوء على دور الموثق في الحيلولة دون ارتكاب جرائم غسل الأموال  و كذلك تبيان المسؤولية المترتبة عن اخلال هذا الأخير أي الموثق بالالتزامات الناشئة في إطار ممارسته لوظيفته.

  • دور الموثق في الكشف عن الجرائم المتصلة في غسل الأموال

يستنتج من مقتضيات المادة 2 من قانون مكافحة غسل الأموال رقم 05-43 أن هناك مجموعة من الأشخاص الذاتيين و المعنويين خاضعين لأحكام هذا القانون و يلتزمون في إطاره بمجموعة من الواجبات و من بينها الالتزام باليقظة وتقديم التصريح بالاشتباه و الالتزام بالرقابة الداخلية.

تجدر الاشارة أن الموثق يدخل ضمن إطار الأشخاص المنتمون لمهنة قانونية مستقلة، عندما يشاركون باسم زبونهم و لحسابه الخاص في معاملة مالية او عقارية او عندما يقومون بمساعدته في إعداد و تنفيذ العمليات المتعلقة بـ:

  • شراء أو بيع عقارات أو مقاولات تجارية

هناك أيضا أشخاص اخرون ذاتيون و معنويون يخضعون للالتزامات السالفة الذكر و المنصوص عليها في قانون رقم 05-43 محددين على سبيل الحصر وهم:

  • مؤسسات الائتمان
  • الأبناك و الشركات القابضة الحرة
  • الشركات المالية
  • مقاولات التأمين
  • مراقبو الحسابات و المحاسبون الخارجيون و المستشارون في المجال الضريبي
  • الأشخاص اللذين يستغلون أو يسيرون كازينوهات أو مؤسسات ألعاب الحظ.
  • الأشخاص المنتمون لمهنة قانونية مستقلة، عندما يشاركون باسم زبونهم و لحسابه الخاص في معاملة مالية أو عقارية.

كما ألزم المشرع المغربي الأشخاص الخاضعين الآنف ذكرهم بجمع كل المعلومات التي تمكن من تحديد هوية الزبون المعتمد أو العرضي، و إذا كان الشخص معنويا التحقق من الوثائق أو البيانات اللازمة من المعلومات الخاصة باسمه و شكله القانوني و نشاطه و عنوانه و رأس ماله و هويته و هوية مسيريه و السلطة المخولة للأشخاص المؤهلين لتمثيله إزاء الغير أو للتصرف باسمه بموجب وكالة.

كما ألزم المشرع الأشخاص الخاضعين بعدم القيام بأية عملية إذا لم يتحقق من الهوية الكاملة للأشخاص المعنين بها أو عندما تكون الهوية غير كاملة.

وعليه فإن التزام اليقظة كما توحى بذلك تسميتها تنصرف إلى جميع الإجراءات العملية الهادفة إلى إتخاذ تدابير الحيطة و الحذر الاستيباقي من أجل صد كل المحاولات الرامية إلى وضع أو تنفيذ اللبنات الأولى لجرائم غسل الأموال، وفي هذا الصدد تناط بالأشخاص الخاضعين مسؤولية الضبط و التحري عن الهوية الحقيقية لزبناء مؤسساتهم[17].

كما أن الموثق عند استقباله للزبناء يجب عليه أن يتأكد من هويتهم ومن أصل المبالغ و الأموال المودعة لديه، على هذا الأساس يجب أن يتأكد من مهنة هؤلاء الزبناء بغية معرفة الأهداف الحقيقة المتوخاة من العمليات المطلوب تنفيذها من لدن الموثق، كما ألزم المشرع المغربي في إطار مدونة التجارة وفق المادة 488 منها فئة معينة من الأشخاص ومن بينهم الموثقين، حفظ طيلة عشر سنوات الوثائق المتعلقة بهوية زبنائهم المعتادين أو العرضيين ابتداء من تاريخ إغلاق حساباتهم و إنهاء العلاقة معهم.

بموازاة ذلك تعتبر مرحلة التصريح بالاشتباه من أخطر المراحل و أدقها على الإطلاق في سياق مواجهة مسلسل مجابهة جرائم غسل الأموال إذ تترتب عنها عواقب قانونية و آثار مالية على مستوى و قدر كبير من الأهمية، كما تعتبر تحديا حقيقيا لأحد و أهم المبادئ الكلاسيكية المتعامل بها في المجال المالي و المصرفي، و نقصد بذلك مبدأ سرية التعامل مع الزبون الذي يشكل قاسما مشتركا لدى العديد من التشريعات الدولية [18].

يقدم الأشخاص الخاضعين كلما ظهرت لهم معالم مبالغة تحوم حولها شكوك بخصوص هوية الزبون أو هوية المستفيدين منها أو مصدرها على التصريح بالاشتباه إلى مؤسسة مخول لها تلقي التصاريح بالاشتباه، ولا يمكن أن تخضع العمليات المالية و المصرفية أيا كان نوعها أو طبيعتها أو صفة الأشخاص أو مصدرها للتصريح بالإشتباه إلا بتوافر الشروط و الشكليات الأساسية المحددة من طرف القانون، حيث يلتزم الأشخاص الخاضعين بانتداب أطراف متمتعة بأهلية مباشرة التصريح بالاشتباه سواء كانوا مسيرين أو مستخدمين لهم من الخبرة و الكفاءة العملية في عملية التحري و اليقظة [19].

وعليه فإن الموثقين أثناء ممارستهم لمهامهم تناط بهم مهمة التحقيق و الكشف عن أصول المبالغ و أن يطلبوا من الزبناء مثلا الإدلاء بالبيانات و الوثائق التي تثبت حصولهم على المبالغ إما نتيجة إرثهم لتلك الأموال أو منحهم إياها بهبة أو صدقة.

إن المشرع من خلال سنه لقانون 05-43 أقر أسلوب الإلتزام بالمراقبة الداخلية لفعالية هذا الأسلوب في مواجهة جرائم غسل الأموال، من خلال إلزام الأشخاص الخاضعين بوضع تدابير داخلية لليقظة و الكشف و المراقبة بشأن الأشخاص الخاضعين أنفسهم، وذلك بجمع المعلومات الضرورية حول العمليات التي لها طابع غير إعتيادي أو معقد، وعليهم إخبار مسيريهم كتابة بصفة منتظمة حول العمليات التي لها طابع غير إعتيادي أو معقد، وعليهم إخبار مسيريهم كتابة بصفة منتظمة حول العمليات المنجزة من لدن الزبناء اللذين يظهر أنهم يشكلون درجة كبيرة من المخاطر، كما عليهم إطلاع المؤسسة المخول لها تلقي التصريح بالاشتباه وسلطات الاشراف و المراقبة الخاصة بهم على جميع الوثائق و المعلومات الضرورية لإنجاز مهامهم، ولا يمكن للأشخاص الخاضعين الاعتراض على عمليات البحث و التحري التي تأمر بها المؤسسة المخول لها تلقي التصريح بالاشتباه، ولا يمكن الإحتجاج بكتمان السر المهني أمامها و أمام سلطة الإشراف و المراقبة المكلفين من طرفه [20].

في هذا السياق، تتحقق المراقبة الداخلية من طرف الموثق عندما يقوم هذا الأخير في التشكك في الهدف المتوخى من هبة عقار أو اموال من أب لا يتوفر على وظيفة لفائدة ابنه قصد إخفاء حقيقة الأموال و العقارات موضوع الهبة.

نشير في هذا الصدد أن مهمة الموثق تبقى صعبة بالنظر إلى كثرة الزبناء الوافدين على مكتبه، و كذلك بالنظر للدور الدركي الذي يسند إليه و الذي يؤثر في بعض الأحيان على علاقته مع زبنائه.

يمكن القول أن التصريح بالاشتباه الذي يحرره الموثق أثناء عمله واستقباله لأشخاص مشبوهين يجب أن يرسل إلى وحدة معالجة المعلومات المالية و ذلك استناد لمقتضيات القانون رقم 05-43 لمكافحة غسل الأموال.

  • العقوبات المترتبة عن إخلال الموثق بالتزاماته

إذا كان قانون مكافحة غسل الأموال رقم 05-43 في الفصل 2-574 نص على الأفعال التي تعتبر جرائم أولية أو أصلية لغسل الأموال و من بينها الاتجار في البشر الاتجار غير المشروع في العقاقير المخدرة و المؤثرات العقلية، الجرائم الإرهابية، الرشوة و الغدر و استغلال النفوذ و اختلاس الاموال العامة و الخاصة، التي تنتج منها المال غير المشروع و المسماة بالشرط المفترض للجريمة [21]، فإن جريمة غسل الأموال لا تتحقق إلا بتحويل الأموال الصادرة عن الجريمة الأولية و طمس مصدر الأموال القذرة و إظهارها على انها متأتية من مصدر مشروع، و بالتالي فهذا المصدر المشروع يأتي بواسطة جريمة أخرى والتي تتعلق بنشاط غسل الأموال و الذي يتكون من الركن المادي و المعنوي للجريمة، و تتعدد صور الركن المادي وفق ما نصت عليه المادة 1-574 من القانون رقم 05-43 من ” اكتساب وحيازة أو استعمال أو استبدال أو تحويل الممتلكات لهدف إخفاء أو تمويه مصدرها لفائدة الفاعل أو لفائدة الغير، عندما تكون متحصل من إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 2- 574 :

  • مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 2-574 على الإفلات من الآثار التي يرتبها القانون على أفعاله.
  • تسهيل التبرير الكاذب بأية وسيلة من الوسائل لمصدر ممتلكات أو عائدات مرتكب إحدى الجرائم المشار إليها في الفصل 2-574 بعده، التي حصل بواسطتها على ربح مباشر أو غير مباشر .
  • تقديم المساعدة و المشورة في عملية حراسة أو توظيف أو إخفاء أو إستبدال أو تحويل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من ارتكاب إحدى الجرائم المذكورة في الفصل 2-574.
  • إن جريمة غسل الأموال هي جريمة عمدية، قوامها القصد الجنائي العام و الخاص.

من خلال تفسير المراحل التي يمر بها إتيان جريمة غسل الأموال نستنتج أن الموثق أثناء ممارسته لمهامه يمكنه أن يقترف بعض الأفعال قصد تمويه مصدر الأموال الغير المشروعة ومن بينها:

– تسهيل التبرير الكاذب، بأية وسيلة من الوسائل، لمصدر ممتلكات أو عائدات مرتكب إحدى الجرائم المشار إليها في الفصل 2-574، التي حصل بواسطتها على ربح مباشر أو غير مباشر.

تقديم المساعدة أو الشروع في عملية حراسة أو توظيف أو إخفاء أو استبدال أو تحويل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من إرتكاب إحدى الجرائم المذكورة في الفصل 2-574 .

تلك الجرائم التي ينتج عنها مساءلة الموثق مسائلة جنائية يعاقب هذا الأخير على إثرها بعقوبات أصلية و إضافية. تتمثل العقوبات الأصلية بجريمة غسل الأموال في الحبس و الغرامة حيث نصت الفقرة الأولى من الفصل 3 -574 على عقوبة حبسية من سنتين إلى خمس سنوات و غرامة تتراوح بين 20.000 و 100.000 درهم بالنسبة للشخص الطبيعي. أما بالنسبة لمبلغ الغرامة فيلاحظ أنه بسيط مقارنة بالمبالغ الكبيرة التي يجنيها مقترفو جريمة غسل الأموال، مما يجعلها عقوبة غير رادعة خصوصا لو قام بدفعها غير المشتبه فيه أو احد أفراد أسرته [22] .

تجدر الإشارة إلى أنه ترفع العقوبة ضد الموثق استنادا للفصل 4-574 إلى الضعف عندما يرتكب الجرائم باستعمال التسهيلات التي توفرها مزاولة نشاطه المهني، و على سبيل المثال حينما يقوم الموثق بتسهيل إبرام عقد البيع لفائدة المشتري مع علمه بأن مصدر الاموال غير مشروعة.

أما فيما يتعلق بالعقوبات الإضافية التي يتحملها الموثق أثناء اقترافه لجريمة غسل الأموال هي نشر المقررات المكتسبة لقوة الشيء المقضي به الصادرة بالإدانة بواسطة جميع الوسائل الملائمة على نفقة المحكوم عليه، بالتالي فإن الموثق على إثر إقترافه لجريمة غسل الأموال فإنه يؤدي مصاريف نشر المقرر الصادر ضده.

وفي نفس الإطار، فإن هناك إمكانية منع الموثق منعا مؤقتا أو نهائيا من مزاولة مهنته بصفة مباشرة أو غير مباشرة، تلك العقوبات الإضافية نستشفها من مقتضيات المادة 5-574 من قانون مكافحة غسل الأموال المذكور.

وقد قررت عقوبة المنع المؤقت أو النهائي من مزاولة بصفة مباشرة أو غير مباشرة المهن أو الأنشطة التي ارتكبت الجريمة أثناء مزاولتها ,لأجل حماية المهن التي تسهل القيام بغسل الأموال من أن تصبح ستار يختفي وراءه الجناة لأجل قيامهم بغسل الأموال خصوصا وأن مهنة التوثيق تعتبر وجهة أساسية تشجع المجرمين على تدارك مواقفهم الإجرامية بغية إستثمار المال القذر وإدماجه داخل المنظومة الاقتصادية بالدولة.

ومن خلال كل ما تم تحليليه من واجبات ملقاة على عاتق الموثق ثم المسؤولية الجنائية المترتبة عن ذلك، فوجوب تظافر الجهود بين الموثق و وحدة معالجة المعلومات المالية يعد من أولوية الأولويات التي ستمكن من التقليل من ظاهرة غسل الأموال وهذا رهين بحضور الضمير الحي لدى الموثق و نيته في التبليغ عن كل ما من شأنه أن يضر بمصالح الدولة و الأفراد.

بعدما تطرقنا إلى أهم الجرائم المقترفة من طرف الموثق في القانون الجنائي و قانون التوثيق الجديد ثم قانون مكافحة غسل الأموال، فإن السؤال الذي يجب طرحه هو ما هي الحدود المؤطرة للمسؤولية الجنائية للموثق؟ و كيف يمكن متابعة هذا الأخير قصد محاكمته؟.

المحور الثاني: حدود المسؤولية الجنائية للموثق و المسطرة المتبعة ضده

من بين النتائج التي تترتب عن مؤاخذة الموثق مؤاخذة جنائية هو إيقافه عن أداء وظيفة التوثيقية بشكل نهائي، من هذا المنطلق فإن باب المساءلة الجنائية غير مفتوح على مصراعيه وتخضع في كثير من الأحيان تلك المساءلة إلى معايير وضوابط تحد من مداها ومن تأثيرها على الموثق. في سياق آخر نجد أن المساءلة الجنائية للموثق هي رهينة بتوافر مجموعة من الشكليات المسطرية وذلك منذ اكتشاف الفعل الجرمي إلى حين النطق بالحكم ضده.

1/  حدود المسؤولية الجنائية للموثق

إن الآثار الناجمة عن التوثيق لا يمكن أن ترخي بظلالها على كل الوقائع الجرمية التي تدخل ضمن نطاق المسؤولية الجنائية، إذ هناك حالات استثنائية يجوز معها التضييق من المسؤولية الجنائية أو انعدامها بالمرة.

1-1 الحدود المرتبطة بشخص الموثق و العقوبة

أورد قانون التوثيق الجديد شروطا لا يمكن بدونها أن ينخرط الموثق تحت لواء مهنة التوثيق، فعلى سبيل المثال هناك شرط أساسي نصت عليه المادة 3 من القانون رقم 32-09 قصد ولوج مهنة التوثيق، ألا وهو تمتع الموثق بقواه العقلية و الفكرية مثبتة بشهادة طبية صادرة عن مصالح الصحة التابعة للقطاع العام، غير أنه ما دام ان الموثق إنسان، فإنه إذا ثبت انه كان وقت ارتكابه الفعل المجرم في حالة يستحيل عليه معها الإدراك نتيجة خلل في قواه العقلية، فإنه يجب الحكم بإعفائه، كما أن مسؤوليته تكون ناقصة إذا كان وقت ارتكابه الفعل المجرم مصابا بضعف في قواه العقلية من شأنه أن ينقص إدراكه و يؤدي إلى تنقيص مسؤوليته جزءيا[23].أما بالنسبة للعقوبة الصادرة عن المحاكم الابتدائية و محاكم الاستئناف تحدد بشكل كبير التوجه القضائي المعتمد بالمملكة و الرامي إلى التقليص من العقوبة المتخذة ضد الموثق.

  • حالة الدفع بالجنون وضعف القوى العقلية:

تعد حالتا الجنون وضعف القوى العقلية من بين الأسباب التي تؤدي إما إلى إنعدام المسؤولية الجنائية أو نقصانها.

إذا أثيرأمام المحكمة دفع يتعلق بكون الموثق كان عديم المسؤولية تماما وقت ارتكابه الفعل بسبب اختلال عقلي، فإن هذا الدفع يلقي إلتزاما على عاتق المحكمة و التي يجب أن تقوم بالرد عليه بأسباب سائغة وكافية سواء بالقبول أو بالرفض، فإن هي لم تفعل كان حكمها موجبا للنقض كما أن عدم الرد على الدفع  كليا يجعل الحكم معيبا بالقصور في التعليل [24].

و العبرة في تقدير شعور الموثق واختباره لتقرير مسؤوليته الجنائية، هي بما تكون عليه حالته العقلية وقت ارتكابه الجريمة لا بما كان عليه قبل ذلك كما أنه لا يحق لمحكمة الموضوع أن تستند في إثبات عدم الجنون إلى القول أن المتهم لم يقدم دليلا، بل إن من واجبها في هذه الحالة أن تثبت هي أنه لم يكن مجنونا وقت ارتكاب الحادث[25].

نستند من أجل إقامة الإعفاء أو النقصان من المسؤولية الجنائية للموثق إلى المواد 134 و 135 و 136من مجموعة القانون الجنائي، فبالنسبة للحالة التي ثبت فيها للمحكمة جنون الموثق فإنه يجب الحكم بإعفاء هذا الاخير من المسؤولية الجنائية ويجب الحكم عليه بالإيداع القضائي في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية وفق ما تم التنصيص عليه في الفصل 134 من ق.ج [26].

انطلاقا مما سبق يمكن القول أن مجال تطبيق حالة الجنون و الإعفاء من المسؤولية الجنائية للموثق عندما يستحيل على الموثق إدراك و تمييز العقود المبرمة من طرفه وكذلك الأعمال المترتبة بمناسبة قيامه لوظيفته التوثيقية. أما فيما يتعلق بحالة ضعف الموثق لقواه العقلية فإنه يستنتج من مقتضيات المادة 135 من ق ج أن مسؤوليته الجنائية تكون ناقصة إذا كان وقت ارتكابه الجريمة مصابا بذلك الضعف العقلي. في هذا الباب، فإن قاضي التحقيق يمكن أن يأمر إيداع الموثق المصاب بالجنون أو بضعف قواه العقلية بمؤسسة لعلاج الامراض العقلية غير أن الأمر يجب أن يكون معللا وذلك استنادا للفصل 136 من ق ج.

  • محدودية الآثر الزجري للعقوبة الصادرة ضد الموثق

تتسع دائرة تجريم الأفعال المقترفة من لدن الموثق كما سبق الذكر لتتصل بجملة من النصوص التشريعية وذلك بحكم وظيفة الموثق داخل المجتمع التي تعتمد بالأساس على ضمان استقرار المعاملات المدنية و العقارية و التجارية. في هذا الصدد فإن كل خرق لقدسية الوظيفة التوثيقية الصادرة عن الموثق يعرضه لمسؤولية جنائية كاملة ولا عبرة بظروف التخفيف إلا في حالات استثنائية، غير أنه سنحاول في هاته النقطة دراسة مجموعة من القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف المغربية و التي تعطينا رؤية حقيقية للفلسفة الزجرية المتخذة ضد الموثق.

بناءا على قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط و الصادر بتاريخ 28 /11/2011 [27]، تمت مؤاخذة موثقين من أجل ارتكابهما الجرائم التالية: تكوين عصابة إجرامية و المشاركة في تزوير محرر رسمي عن طريق إثبات صحة وقائع يعلمان أنها غير صحيحة واستعمال وثيقة مزورة و النصب و المشاركة فيه وخيانة الأمانة، وكنتيجة للأفعال الإجرامية المنسوبة إلى الموثقين تمت إدانتهما بعقوبة حبسية ابتدائيا واستئنافيا مدتها ثلاثة سنوات وغرامة نافذة قدرها خمسة آلاف درهم و تتضح من مدة العقوبة أن الأثر الزجري يبقى محدودا بالنظر لخطورة الأفعال المرتكبة من طرف الموثقين خصوصا وأن جريمة التزوير بمحرر رسمي هي وحدها تعتبر جناية يعاقب عليها القانون الجنائي بالسجن المؤبد وفق المادتين 352و  353 من ق.ج.

في نفس المضمار نجد أن قرارا صادرا عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 10/01/2013 [28]، قضى بعقوبة موثق متهم بإتيانه جناية التزوير بمحرر رسمي بعشر سنوات، إلا أن بالاطلاع على حيثيات القضية نستنتج أن سبب تغليظ هذه العقوبة مقارنة مع العقوبة الأولى ( 3سنوات و غرامة 5000 درهم)  هو تحرير الموثق لعقد البيع دون الحصول على رفع اليد على الرهون التي تمكن من تيسير ابرام العقد النهائي بشكل سليم و صحيح.

نلاحظ أن هذا القرار على غرار القرار الأول لم يعاقب بالسجن المؤبد على إثر ارتكاب جناية التزوير بمحرر رسمي وهذا يثير إشكالا في مجال السياسة الجنائية المتخذة بشأن الموثقين.

هناك أيضا قرار حديث العهد صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 24/02/2014 [29]، أدين فيه موثق باقترافه الجرائم التالية: النصب خيانة الأمانة و المشاركة في النصب عن طريق التصرف في أموال عقارية غير قابلة للتفويت بحيث عوقب بأربع سنوات حبسا، هذه العقوبة التي تتلاءم و الحال مع كل تلك الجرائم و العقوبة الأشد وذلك حسب مقتضيات المادة 120 من مجموعة القانون الجنائي التي تنص على ما يلي: ” في حالة تعدد جنايات أو جنح إذا نظرت في وقت واحد أمام محكمة واحدة، يحكم بعقوبة واحدة سالبة للحرية لا تتجاوز مدتها الحد الأقصى المقرر قانونا لمعاقبة الجريمة الأشد …” ، و بالتالي فالقاضي أثناء النظر في الجرائم السابقة ذكرها لم يأخد بالحد الأقصى لعقوبة الجريمة الأشد. من خلال تلك القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف، نخلص إلى أن العقوبة تظل محدودة وتطرح علامات استفهام مع العلم أن أداء اليمين من لدن الموثق قبل الشروع في القيام بوظيفته تكون بمثابة عبئ على عاتقه وعهد لا يمكن لأي حال من الأحوال أن يخلفه.

1-2 الحدود التشريعية المسؤولية الجنائية للموثق

لا تقتصر ظاهرة حدود المسؤولية الجنائية للموثق على حالة الدفع بالجنون أو ضعف القوى العقلية وكذلك قصور مدة العقاب المطابقة للجريمة المقترفة بل تتعداها لتنصب على أوضاع مرتبطة خصيصا بالشق القانوني سواء تعلق الأمر بقواعد القانون الجنائي أو بقواعد قانون مكافحة غسل الأموال.

  • حدود المسؤولية الجنائية للموثق في القانون الجنائي

تضمن القانون الجنائي جملة من الجرائم التي يمكن أن يعاقب بشأنها الموثق بمناسبة قيامه بالإجراءات القانونية القبلية و البعدية المرتبطة بتحرير العقد، إلا أن تلك الجرائم في نظرنا تحتاج إلى تفسير وإلى شرح خصوصا وأن العبارات الفضفاضة و الشاملة المستعملة من لدن المشرع الجنائي تترك ثغرات قانونية من شأنها أن تحد من إمكانية مساءلة الموثق جنائيا. على هذا السبيل فتحصيل الموثق لأتعابه يتجاوز الحد المعقول لا يعتبر جريمة غدر، على خلاف مبالغ الرسوم الضرائب التي يطالب بها الموثق الأطراف لاستخلاصها لفائدة الدولة و التي تكون موضوع تحصيل غير مستحق و المكون للركن المادي لجريمة الغدر [30].

في سياق آخر فإن القصور التشريعي الخاص بالمسؤولية الجنائية للموثق يطال جريمة النصب، إذ أن هذه الجنحة تم المعاقبة عليها بشكل عام وكان بالأحرى إدراج مواد تخصص لمعاقبة المهنين كالموثقين بشكل خاص تم تغليظ العقوبة الأصلية على هاته الفئة. وفي نفس الاطار تثير جريمة خيانة الأمانة نفس الإشكال بحيث أن رفع العقوبة ارتبط بالعدل ولم يتم ذكر الموثق الذي يمارس بدوره مهنة عدل عصري و يعد أمينا عن الأسرار بحكم وظيفته.

 

 

  • حدود المسؤولية الجنائية للموثق في قانون مكافحة غسل الأموال

منح قانون مكافحة غسل الأموال رقم 05-43 للأشخاص الخاضعين له مجموعة من الامتيازات و الحصانات فعلى سبيل المثال لا يمكن أن تقام ضد الموثق أي متابعة جنائية عندما يقوم بالمهام المخولة له كتقديم التصريح بالاشتباه لدى المؤسسة المختصة، وذلك استنادا للمادة 27 من القانون المذكور آنفا. في نفس المضمار لا يجوز ان تجرى أية متابعة جنائية ضد الموثق الذي يقدم التصريح بالاشتباه بمناسبة مبالغ أو عمليات قد قدم التصريح بالاشتباه بشأنها ولا تطبق في هاته الحالة مقتضيات المادة 446 من مجموعة القانون الجنائي الخاصة بإفشاء السر المهني، وبالتالي إذا أرسل الموثق التصريح بالاشتباه متضمنا مبالغ أو عمليات خاصة بالزبناء إلى الوحدة لمعالجة المعلومات المالية، فلا يمكن للزبائن أن يتحججوا بالمقتضى الجنائي الخاص بكتمان السر المهني أمام القضاء.

هناك استثناء وحيد يرد على حالة تقديم التصريح بالاشتباه و قد نصت عليها المادة 1-2-562 Lالفقرة 2 من المدونة المصرفية و المالية الفرنسية التي تنص على أن الموثقين شأنهم في ذلك شأن المحامين أثناء مزاولتهم لمهامهم ليسوا مطالبين بتقديم التصريح بالاشتباه عندما تصدر المعلومات عن أحد الزبناء إما في إطار استشارة قانونية أو في حالة فتح مسطرة قانونية [31].

تجدر الاشارة في آخر المطاف أن الأسباب التي تحول دون مساءلة الموثق مساءلة جنائية تتعدد، فتقادم الدعوى العمومية ضد الموثق استنادا إلى الفصل 5 من قانون المسطرة الجنائية هو سبب مسقط للدعوى العمومية الرامية إلى متابعة الموثق، إذ تتقادم الدعوى العمومية بمرور 15 سنة من يوم ارتكاب الموثق الجناية و بمرور 4 سنوات من يوم ارتكابه الجنحة.

 

 

 

2/  الاجراءات المسطرية المتبعة لمعاقبة الموثقين

بعدما خصصنا المحور الاول لدراسة الإطار القانوني للمسؤولية الجنائية للموثق و نطاق تطبيقها، كان لزاما علينا في هذا الشق مناقشة الجانب المسطري الرامي إلى معاقبة الموثق، ثم تبيان الأثار الناجمة عن فتح مسطرة المتابعة ضد الموثق.

2-1: الإجراءات المسطرية المتبعة لمعاقبة الموثق

أسند القانون المنظم لمهنة التوثيق العصري إلى النيابة العامة مهمة السهر على تطبيق القانون المذكور وذلك من حيث مراقبة مكاتب الموثقين مراقبة مستمرة قصد ضمان سير العمليات المبرمة من لدن الموثق بشكل قانوني وكذلك للوقوف على الاختلالات الحاصلة داخل مكاتب الموثقين و التي يمكن أن تؤدي إلى متابعة جنائية ضد الموثق. في هذا الصدد تعمل النيابة العامة عملا مزدوجا إما على مستوى قبلي لضبط وكشف المخالفات التي يمكن أن تكون موضوع مسؤولية جنائية ، وإما على مستوى بعدي وذلك بعد اكتشاف الجريمة التي تكون موضوع فتح مسطرة المتابعة الجنائية ضد الموثق.

  • الاجراءات الخاصة بمراقبة مكاتب الموثقين

جاء القانون المنظم لمهنة التوثيق الصادر سنة 2011 بمستجدات مهمة تهم الشأن العام لمهنة التوثيق وخصوصا فيما يرتبط بإدراج هيئة خاصة ألا وهي المجلس الجهوي للموثقين الذي أوكل له مهام حضور المراقبة التي تخص مكاتب الموثقين وذلك استنادا للمادة 65 من القانون المذكور آنفا، و تجدر الإشارة أن هذه المراقبة هي مزدوجة تتولاها السلطة القضائية في شخص الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أو من ينوب عنه التي يوجد بدائرة نفوذها مكتب الموثق من جهة، و السلطة التنفيذية المتمثلة في الوزارة المكلفة بالمالية من جهة أخرى.

بالرجوع للمستجد المرتبط بدور المجلس الجهوي للموثقين نلاحظ أن تغييرا جذريا حصل مع القانون رقم 09/32، حيث أن رئيس المجلس الجهوي للتوثيق أصبح شخصية محورية في التأديب و المراقبة و نظن أن النيابة العامة لم تعد لها تلك السلطة المطلقة على مؤسسة الموثقين، وهذا ليس على سبيل الإخبار ولا الاستئناس فقط بل هذا الرجوع جوهري [32] .

فيما يتعلق بمراقبة مكاتب الموثقين فنطاقها يشمل كل العمليات الحسابية و القيم المودعة لدى الموثق أو التي يتولى حساباتها أو فيما يخص صحة عقوده و عملياته و احترامه للقانون المنظم للمهنة.

بموازاة ذلك، فإن المراقبة المذكورة يمكن أن تتخذ صورة لجنة تضم رئيس المجلس الجهوي بصفته رئيسا و موثقين يتوفران على أقدمية خمس سنوات على الأقل وذلك وفق ما تم التنصيص عليه في المادة 65 من القانون رقم 32-09.

كما أن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أو من ينوب عنه حسب مقتضيات المادة 67 من القانون المذكور له حق مراقبة المحفوظات و سجلات النظامية وسجلات المحاسبة و التأشير عليها مع بيان تاريخ إجراء المراقبة وكل هذا سيمكن لا محالة من الكشف عن الجرائم التي يؤتيها الموثق.

فيما يتعلق بالمراقبة المالية للنيابة العامة، فللوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف دور محوري في هذا المجال وهو مراجعة صناديق الموثقين و حالة الإيداعات لديهم مرة في السنة على الأقل ويضع تأشيرته على السجلات الخاصة بذلك مع الإشارة إلى التاريخ الذي قام فيه بالمراجعة، وللوكيل العام أن يراقب أيضا بشكل مفاجئ مكاتب الموثقين، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الأهمية البالغة التي أولاها المشرع المغربي للسلطة القضائية للتثبت من وقوع الجرائم الخاصة بالموثقين.

علاوة على ذلك فإن المادة 70 من القانون المذكور منحت الحق من أجل إجراء أي تفتيش يهم موضوع معين أو مجموع النشاط المهني للموثق، وفي هذه المادة لم يشر المشرع إلى الجهاز المكلف بالتفتيش ولو أن المادة 65 من نفس القانون قد أشارت صراحة أن المراقبة تسند للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أو من ينوب عنه و إلى الوزارة المكلفة بالمالية.

  • المسطرة المتخذة لمتابعة الموثق جنائيا

إن مسطرة متابعة الموثق تبتدأ عادة بواسطة شكاية من طرف أحد المتعاقدين أو الغير ضد الموثق إلى السيد الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف التي يوجد بدائرتها مقر الموثق و بتقرير النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية أثناء التفتيش الذي تقوم به في إطار صلاحيتها لمكتب الموثق. والاستماع للموثق يتم غالبا من طرف السيد الوكيل العام للملك أو نائبه وهي ضمانة للموثقين [33].

على هذا الأساس فإن الوكيل العام للملك يتوفر على اختصاص أصيل يكمن في أن له أن يفتح مسطرة المتابعة موجها بذلك تقريرا في الموضوع مرفقا بالوثائق اللازمة إلى وزارة العدل قصد عرض الأمر على اللجنة المنصوص عليها في المادة 11 من القانون رقم 32-09 [34] ويخبر المجلس الجهوي بذلك وكل تلك المقتضيات قد تضمنتها المادة 80 من القانون السالف الذكر.

علاوة على ذلك فإن النظر في المتابعة الجنائية للموثق تستلزم استدعائه قبل خمسة عشر يوما من التاريخ المحدد للنظر في المتابعة برسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل أو بواسطة النيابة العامة وذلك طبقا للمادة 82 من القانون رقم 32-09 ، كما يحدد في الاستدعاء يوم وساعة و مكان اجتماع اللجنة المشار إليها سلفا و المشار إليه إلى الوقائع المتابع من أجلها الموثق مع إشعاره بإمكانية اختيار موثق أو محام أو هما معا لمؤازرته، وحقه في الاطلاع على جميع وثائق الملف و الحصول على نسخ منها. كما أنه حسب المادة السابقة الذكر يجب على الموثق المتابع المثول شخصيا أمام اللجنة، وإذا لم يحضر رغم استدعائه بصفة قانونية ولم يدلي بأي عذر مقبول بتت اللجنة في المتابعة بمقرر معلل. يتعين القول أن المادة السابقة جاءت بمستجد قانوني بالغ الأهمية يهدف بالأساس إلى ضرورة إستدعاء الموثق قبل النظر في المتابعة وهذا ما يعتبر ضمانة حقيقية للموثق بغية معرفة الافعال الجرمية المنسوبة إليه ومنحه حق الدفاع عن نفسه قبل فتح مسطرة المتابعة ضده.

2-2 الآثار المترتبة عن فتح مسطرة المتابعة ضد الموثق

بعدما تطرقنا إلى كيفية وشكليات بداية مسطرة المتابعة الجنائية ضد الموثق، و المستجدات التي اتصلت بمسطرة المتابعة، سنتولى في هذه النقطة تحليل النتائج المترتبة عن متابعة الموثق جنائيا من أجل جنحة ثم بعد ذلك سنتطرق إلى الآثار الناجمة عن متابعة الموثق من أجل جناية.

  • النتائج المترتبة عن متابعة موثق من أجل جنحة

عندما يتم متابعة الموثق من أجل جنحة تمس شرف المهنة قبل إدانته فإن النتيجة الأولى التي يترتب عليها هذا الإجراء هو إيقافه مؤقتا عن ممارسة مهامه التوثيقية، ومن تم فإن القانون رقم 32-09 قد منح للموثق بقوة القانون إمكانية استئناس مهامه بعد مرور أربعة أشهر من تاريخ إيقافه، بحيث يجب على الموثق أن يدلى بشهادة صادرة عن رئيس كتابة الضبط تفيد استئنافه لوظيفته، وكل تلك المقتضيات السابقة تم التنصيص عليها في المادة 78 من القانون السالف الذكر.

في حالة إدانة الموثق فإن الأثر المترتب عن هذه المسطرة ألا وهي الإيقاف عن العمل يبقى مستمرا إلى أن يبث في متابعته التأديبية.

  • الآثار الناجمة عن متابعة موثق من أجل جناية

فيما يتعلق بحالة متابعة الموثق من أجل جناية وذلك قبل إدانته، فإن إيقافه عن العمل يستمر إلى حين صدور أمر نهائي بعدم المتابعة، أو حكم ببراءته في الموضوع وفي كلتا الحالتين لا تتعدى مدة الإيقاف سنة، وفي حالة صدور قرار نهائي بإدانته بعد استئنافه عمله يمكن للوكيل العام للملك أن يوقفه مؤقتا عن عمله من جديد، ويستمر إيقافه إلى أن تبت اللجنة في متابعته التأديبية، وكل تلك القواعد القانونية يرجع أصلها إلى المادة 78 من القانون رقم 32-09.

من بين الآثار المترتبة عن متابعة الموثق وإدانته في الموضوع من أجل جنحة أو جناية، ضرورة إحالة المتابعة التأديبية على اللجنة المشار إليها سابقا داخل أجل ثلاثة أشهر.

من خلال كل ما سبق يظهر أن القانون الجديد المنظم لمهنة التوثيق الصادر سنة 2011 تضمن مجموعة من المستجدات القانونية الخاصة بمسطرة متابعة الموثقين من أجل الجنايات أو الجنح المرتكبة من لدنهم.

 

[1] – د. محمد الأمين، ” المسؤولية الجنائية للموثق”، مجلة القبس المغربية، للدراسات القانونية و القضائية، العدد الخامس، دار الآفاق المغربية للنشر و التوزيع، الدار البيضاء، يوليوز 2013، ص 36.

[2] – د. محمد الأمين، المرجع السابق ,صفحة 44

[3] -Jeanne de POULPIQUET, « Responsabilité des notaires, civile. disciplinaire, pénale ». Deuxième édition, Mai 2009. Dalloz, page 253.

« …deux éléments constitutifs identiques paraissent constants : le préjudice et l’intention dolosive, c’à d la volonté d’altérer sciemment le contenu de l’écrit authentique. Or, ces deux éléments constitutifs sont unis par un  point commun : la qualité d’officier public du notaire leur confère une spécificité certaine en facilitant la charge de leur preuve.

 

[4] – Me Med Fayçal EL AOUFIR, « la fonction notariale » imprimerie Beni Snassen, dépôt légal, 2008/0237, page 136 et 137.

« L’altération matérielle d’un acte résulte, soit de fausses signatures soit d’altération des actes, écriture ou signatures, soit d’interaction d’écritures sur des registres ou autres actes, soit de supposition de personnes.

Il y a fausse signature toutes les fois, que le souscripteur usurpe un nom ou un prénom que n’est pas le sien, même s’il s’agit du nom d’une personne imaginaire ou inconnue… constituent des faux par altération d’écriture, les surcharges, les substitutions par un notaire, dans le contrat reçu par lui, d’une date fausse à la date véritable dans le dessin de fraudes les lois fiscales, l’insertion après coup, dans le même dessin, dans un acte de cession d’un prix inférieur à celui convenu entre les contractants, l’addition après coup de la mention relative à la présence des témoins … »

[5]– Jeanne de POULPIQUET, « Responsabilité des notaires, civile. disciplinaire, pénale ». op cite. Page 254, 255.

« le dol général consiste dans la volonté de commettre un acte tout en sachant qu’en agissant ainsi on violera la loi pénale. Cette volonté ou dol général forme l’élément moral de l’infraction…

… Le  dol spéciale ajoute à l’intention de transgresser la loi pénale sanctionnant le faux, la volonté d’atteindre le résultat prohibé »

 

[6] –  Jeanne de POULPIQUET, « Responsabilité des notaires, civile. disciplinaire, pénale ». op cit. Page 272.

 

 

[7] – ذ. محمد الأمين، المرجع السابق، صفحة 37

[8] –  Jeanne de POULPIQUET, op cit, Page 268.

 

[9] – ذ. محمد الأمين، المرجع السابق ص 42

[10] – Jeanne de POULPIQUET, op cit, page 322.

[11] – ذ- عبد الواحد العلمي ” شرح القانون الجنائي المغربي” – القسم الخاص- مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثالثة 1432-2011 ص 436.

[12] – د. محمد الأمين، المرجع السابق، ص 38

[13] – د. محمد الأمين، المرجع السابق، ص34

[14] – محمد مصطفى الريسوني ” نظرة في مشروع القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق وبإحداث هيئة وطنية للموثقين، المقتضيات الجنائية- المواثيق الدولية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 69/2010، الطبعة الأولى ص 54.

[15] -ينص الفصل 381 من ق. ج على ” من استعمل أو ادعى لقبا متعلقا بمهنة نظمها القانون، أو شهادة رسمية أو صفة حددت السلطة العامة شروط اكتسابها دون أن يستوفي الشروط الازمة لحمل ذلك اللقب أو تلك الشهادة او تلك الصفة، يعاقب بالحبس من ثلاثة شهر إلى سنتين و غرامة من مئتين إلى  خمسة آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، مالم يوجد نص خاص يقرر عقوبة أشد”.

[16] – تنص الفقرة الثانية من المادة 91 من القانون الجديد للتوثيق رقم 09-32 على:”… لا يجوز للموثق أن يضمن في اللوحة البيانية الموضوعة خارج البناية التي بها مكتبه أو بداخلها سوى اسمه الكامل و صفته كموثق وكذا لقب دكتور في الحقوق عند الاقتضاء ويحدد شكل اللوحة بقرار لوزير العدل….”.

[17] – عزيز ندا على وحميد، ” المقاربة الوقائية و الزجرية لظاهرة غسل الأموال وفق قانون 05-43″ مجلة ” الملف” ، العدد 18/ أكتوبر 2011، ص: 42.

[18] – عزيز ندا على وحميد، المرجع السابق ص 43.

[19] – عزيز ندا على وحميد، المرجع السابق ص 44

[20] – عزيز ندى على وحميد، المرجع السابق ص 44 و 45

[21] – ذة- زكية عومري، ” حدود توافق القواعد الزجرية لمكافحة جريمة غسل الأموال مع المعايير الدولية و المبادئ العامة للقانون الجنائي”، دراسة مقارنة على ضوء القانون المغربي و المقارن، المجلة المغربية لدراسات و الاستثمارات القانونية. عدد مزدوج 2-3- السنة الثانية. 2012 ص 16.

[22] – ذة- زكية عومري، المرجع السابقّ، ص 31

[23]– ذ.بوشعيب بوطربوش،”المسؤولية الجنائية للموثق”، مجلة محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، العدد2/2012، صفحة.36و37

[24] – ذ.بوشعيب بوطربوش، نفس المرجع صفة 39

[25] – ذ.بوشعيب بوطربوش، نفس المرجع صفة 39

[26] – ينص الفصل 134 من ق ج على مايلي: ” لا يكون مسؤولا ، ويجب الحكم بإعفائه. من كان وقت ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه، في حالة يستحيل معها الادراك نتيجة لخلل في قواه العقلية .

وفي الجنايات و الجنح، يحكم بالإيداع القضائي في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية وفق الشروط المقرر في الفصل 76…”

 

[27] – قرار محكمة الاستئناف بالرباط. ملف عدد 330 -2011-26 الصادر بتاريخ 28/11/2011، غير منشور

[28] – قرار محكمة الاستئناف بالرباط- قرار عدد 23.ملف عدد: 453-11-26 الصادر بتاريخ 10/01/2013، غير منشور.

[29] – قرار محكمة الاستئناف بالرباط، قرار رقم 392، ملف رقم 1346/13/2601 الصادر بتاريخ 04/02/2014

[30] – JEANNE DE POULPIQUET ,opcit page 267

[31] – JEANNE DE POULPIQUET ,op cit page 286

[32] – ذ. نور الدين اسكوكد، ” مكانة النيابة العامة من التوثيق العصري”، مجلة محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، العدد 2، سنة 2012 ص 130

[33] – بوشعيب بوطربوش، ” المسؤولية الجنائية للموثق”، المرجع السابق ص 37-38

[34] – تنص المادة 11 من القانون رقم 32-09 على مايلي: تتكون اللجنة المكونة بإبداء الرأي في تعيين الموثقين ونقلهم و إعفائهم و إعادة تعينهم و البث في المتابعات التأديبية للموثقين المتمرنين من:

– وزير العدل بصفته رئيس أو من يمثله، الوزير المكلف بقطاع المالية أو من يمثله، الأمين العام للحكومة أو من يمثله، رئيس أول لمحكمة استئناف أو نائبه، وكيل عام للملك لدى محكمة استئناف أو نائبه، قاض بالإدارة المركزية لوزارة العدل من الدرجة الأولى على الأقل بصفته مقررا. يعين كل من الرئيس الأول و الوكيل العام للملك ونائبيهما و القاضي بالإدارة المركزية  من طرف وزير العدل”.

– رئيس المجلس الوطني للموثقين أو من ينوب عنه رئيسي مجلسين جهويين منتذبان من طرف رئيس المجلس الوطني. تحدد طريقة عمل اللجنة بنص تنظيمي .

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *