Site icon مجلة المنارة

الأخطاء المهنية للأبناك في إطار عملياتالاعتماد البسيط

الأخطاء المهنية للأبناك في إطار عمليات الاعتماد البسيط

                                      أيت لمقدم سميرة

طالبة باحثة في سلك الدكتوراه

 مختبر العلوم الجنائية والحكامة الامنية

جامعة القاضي عياض- مراكش

يعد النشاط البنكي نشاطا أساسيا في الحياة الاقتصادية والمالية لأي دولة، لذلك يستوجب تعبئة المدخرات وتوزيع الائتمان في أحسن الظروف، وبالشكل الذي يحقق التنمية الشاملة للدولة.

فعمليات الائتمان تعتبر إذن من أهم عمليات البنوك لدرجة أن معظم التشريعات عدتها على رأس العمليات البنكية بسبب ما تحققه من مزايا، وهكذا تعتبر هذه العمليات بذاتها أو بطبيعتها ائتمانا بنكيا كما هو الشأن بالنسبة لالتزام البنك إزاء الزبون بوضع أموال رهن إشارته على أساس ردها في تاريخ لاحق أو بتوقيع كفالة أو أي ضمان آخر لفائدته([1]).

لذلك يمكن القول بأن عمليات الائتمان عبارة عن تقديم البنوك لزبنائها أو لمن يحدده هؤلاء نقودا أو وسائل أخرى للوفاء بديونهم أو مجرد التعهد بتقديم هذه النقود أو الوسائل وذلك مقابل فائدة محددة أو عمولة متفق عليها، ومن هنا تظهر لنا جليا واجبات البنك التي تفرضها المهنة والتي تكتسب أهمية بالغة إذا تعلق الأمر بطلب الحصول على ائتمان، لذلك على المؤسسات البنكية أن تمارس مهامها دون تعسف وإلا عدت مرتكبة للأخطاء البنكية التي تستوجب المساءلة.

 ولما كان البنك يمارس نشاطا مهنيا تحكمه قواعد وثوابت خاصة يتعين مراعاتها تماشيا مع الواجبات المهنية، فإن الخطأ المهني للبنك على مستوى   الاعتماد البسيط يتحدد على ضوء نقصان في واجب أو إخلال  بالتزام سابق، ويبقى من الصعوبة بمكان وضع قائمة بمختلف أنواع الأخطاء التي ترتكبها البنوك.

وهكذا تبرز لنا الأخطاء المهنية للأبناك بصدد عمليات الائتمان خصوصا على مستوى صور الائتمان المباشر الرئيسية، ويتعلق الأمر بالاعتماد البسيط الذي يشهد الخطأ البنكي من عدة جوانب منها ما يتعلق بفتحه ومنها ما يخص إنهاءه.

 وحيث ان فتح الاعتماد البسيط وبالخصوص – عند القيام  بإبرام عقد فتح الاعتماد وأثناء تنفيذه – تشهد هذه المراحل مجموعة من التجاوزات، كما هو الشأن عند عدم استحقاق الزبون للاعتماد أو في حالة عدم تناسب الائتمان مع مصلحة الزبون، ناهيك عن ما يشوب الاعتماد البسيط من خروقات عند إنهائه سواء كان هذا الاعتماد محدد المدة أو غير محدد.

كما يعمل الاعتماد البسيط[2] على خدمة مصلحة الزبناء، وذلك عن طريق فتح الاعتمادات من أجل منحهم النقود بدل أن تبقى معطلة في الخزائن، ناهيك عن كون الزبون المستفيد من الاعتماد البسيط لا تسري في مواجهته الفوائد إلا من تاريخ استثماره لمبلغ الاعتماد، ومن هنا تبرز إلزامية اتخاذ البنك للحيطة والحذر في إنجازه للمهام المنوطة به، وأي إهمال أو تهاون يرتب عنه مسؤولية، كما تجدر الإشارة إلى أنه كما للبنك صلاحية فتح الاعتماد البسيط له أيضا الحق في رفضه، أو إمكانية إنهائه بإرادته المنفردة، هذه الصلاحية تبقى مقيدة باحترام الإجراءات القانونية اللازمة حتى لا ينعكس ذلك عليه سلبا.

و بمحاذاة ما تقدم، فالأخطاء المهنية التي يمكن أن يتابع البنك بسببها توجب تحديد مفهومها، وبالرجوع إلى ما أشار إليه محمود مختار بريري([3]) حول الخطأ نجده يقول: “إن لكل مهنة أصولا يتعين احترامها تتمثل في الواجب منظورا إليه داخل الإطار الذي تتم فيه ممارسة هذا النشاط”.

وفي مجال النشاط البنكي، فإن الخطأ يتحدد على ضوء نقصان في واجب أو إخلال بالتزام سابق طالما أنه ليس هناك تحديد مسبق لأنواع الأخطاء التي  قد يرتكبها البنك عند ممارسته لنشاطه بصفة عامة وفيما يخص أنشطته الائتمانية بصفة خاصة. [4]

 و على العموم ،إذا ثبت بان البنك ارتكب خطا جسيما في منحه الاعتماد للمؤسسة فانه يتحمل المسؤولية، وكذا القول سواء كان الخطأ فادحا أو موصوفا، لكن مثل هذه العبارات غير دقيقة، مما يفرض تقييم الخطأ بصورة عملية وبطريقة أكثر دقة مما هو مفروض في القانون العام. 

أما في حالة إتباع مفهوم الخطأ العادي المطبق بموجب الأحكام القانونية العائدة للمسؤولية المدنية، نجد أن الخطأ هو الذي لا يرتكبه الشخص المعتدل و المتصف بالأب الصالح، مما يعود تقديره لقضاة الأساس، فالخطأ هو عمل غير شرعي يهدف إلى عدم إتمام قاعدة من التعامل الصحيح ، هذه القاعدة يمكن أن تحدد بواسطة عقد أو بنود قانونية  ترمي إلى احترام موجب العناية العامة، فالمسؤولية الشخصية تستند إلى الخطأ سواء كان ناتجا عن عدم تنفيذ موجب تعاقدي ام عن التعسف في استعمال الحق.

إن التركيز على الخطأ كمبنى للمسؤولية البنكية و استبعاد مسؤولية المخاطر عن التطبيق، يؤدي إلى تشجيع وتفعيل المبادرة الفردية وتعزيز الحرية في العمل البنكي، كما يقود إلى قيام البنك بدوره بالحد الأعلى من الحيطة والحذر، وهذا الخطأ هو الذي لا يرتكبه الرجل العاقل الموجود في الظروف الخارجية نفسها، فمعيار تحقيق الخطأ هو الخطأ الصادر عن الرجل الحذق، المتنبه والحذر([5]).

بالنتيجة كل خطا يصدر عن أي شخص حتى ولو كان طفيفا تقع تبعته على الفاعل، هذا المبدأ هو ثابت، غير انه يثير بعض التساؤل يعتبر بمثابة الخطأ، إقدام البنك على عدم احترام واجب اليقظة وعلى تمويه الحقيقة بتغطيته الوضع الفعلي للزبون، والسهو وعدم الاكتراث  لحظة تزويده بالاعتماد.

وفي مطلق الأحوال لا يعتبر البنك مانح الاعتماد، مخطئا إلا في حال ثبوت معرفته بواقع المستفيد من هذا الاعتماد، والذي تنتابه مساوئ من شانها إضفاء الشبهات حول تقديم التسليفات إليه([6]).      

وبالتالي فإن خطأ البنك عند فتح الاعتماد البسيط أو إنهائه يتحدد على ضوء نقصان في واجب أو إخلال بالتزام، وذلك ما سوف نتطرق إليه من خلال هذا المبحث وهو تحديد  الخطأ البنكي في حالة فتح الاعتماد البسيط (المطلب الأول) وإنهائه (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الخطأ البنكي في حالة عقد فتح الاعتماد

سنحاول إبراز الأخطاء البنكية في حالة فتح الاعتماد وذلك من خلال الوقوف على صور خطأ البنك عند إنجاز عقد منح الاعتماد (الفقرة الأولى) على أن نستعرض فيما بعد صور خطأ البنك أثناء تنفيذه عقد فتح الاعتماد (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: صور خطأ البنك عند إبرام عقد منح الاعتماد

إن المؤسسات البنكية بمجرد تلقيها لطلب فتح الاعتماد تعكف على دراسته بأن تستغل كل الإمكانيات المتاحة لديها، لتتمكن من تكوين قناعة كافية قبل الإقدام على منح الاعتماد، وذلك من خلال التحقق من كل المعلومات التي يقدمها الزبون، ولا يستطيع البنك في كل الأحوال الاختفاء وراء زعمه جهل وضعيته الحقيقية، مما يجعل إقرار أو نفي وجود خطأ صادر عن البنك مهمة عسيرة.

لذلك سنعمل على تحديد أخطاء البنك من خلال الوقوف على حالة عدم استحقاق الزبون للاعتماد البسيط (أولا) ثم عدم تناسب الائتمان مع مصلحة الزبون (ثانيا).

أولا: عدم استحقاق الزبون للاعتماد البسيط

لاشك أن المشرع المغربي كان حريصا على تكريس مبدأ الحرية التعاقدية عموما وفي المجال البنكي على وجه الخصوص، بل أكثر من ذلك فرض على البنوك التقصي عن مدى جدارة كل من يطلب الخدمات البنكية سواء البسيطة منها([7])، أو العقود البنكية([8])، أو العمليات العرضية([9]).

وبناء عليه فإن عدم قيام المؤسسة البنكية بالتدقيق في الوضعية المالية للعميل يعتبر سلوكا منافيا لمتطلبات اليقظة الواجب التوفر عليها، كما تتضاعف مسؤوليتها عند إبرام معاملات غير مضمونة([10])، وتشتمل على نسبة من المخاطر، فالمؤسسات البنكية تعتبر مخلة بهذا الواجب كلما تساهلت في منح الائتمان دون الحصول على ضمانات كافية، لأن الضمان المادي الذي يقدمه الزبون من أهم العناصر المؤثرة في اتخاذ القرار الائتماني([11]).

و يرى عبد الحميد الشواربي وجوب إدانة  البنك تأسيسا على تقصيره في التحري عن مدى استحقاق الزبون للاعتماد من عدمه، وتمتد هذه الإدانة حتى ولو ثبت عدم علم البنك الفعلي بحالة المشروع، إذ كان يجب أن يعلم، وكان ميسورا عليه ذلك لو بذل جهدا في تقصي حقيقة مركز المشروع.

وتزداد فرصة الدائنين في إثبات خطأ البنك، إذا اتضح أن الزبون سيء النية أو السمعة، أو ثبت أنه لجأ إلى فتح الاعتماد لاستخدام الحساب المفتوح في تغطية نشاط غير مشروع.

 أما في الحالة التي يكون فيها المشروع متوازنا مليئا استمر البنك في دعم الزبون حتى بعد تزعزع مركزه، لأن العبرة تبقى في مسلك البنك لحظة فتح الاعتماد([12]).

ثانيا: عدم تناسب الائتمان مع مصلحة الزبون

من خلال المادة 42 من القانون 2006 المتعلق بمؤسسات الائتمان و الهيئات المعتبرة في حكمها[13]  والتي تنص على أنه “رغبة في ضمان تنمية الاقتصاد والدفاع عن العملة وحماية المودعين والمقترضين، يجوز للوزير المكلف بالمالية أن يتخذ قرارات فيما يخص جميع مؤسسات الائتمان أو كل صنف أو صنف فرعي من هذه المؤسسات والشروط المتعلقة بجمع الأموال من الجمهور وتوزيع القروض بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان”.

يستدل من خلال هذا النص أن المشرع المغربي ربط حماية الاقتصاد الوطني والدفاع عن العملة، بما يحتلانه من أهمية بالغة في كيان الدولة، بحماية الزبناء مودعين أم مقترضين، وإذا كانت حماية المدين هي أقوى وأهم من حماية المودع، لما قد يتعرض له من مخاطر تتولد عن عمليات الاقتراض، فإن ضبط شروط منح الائتمان المنصوص عليها من مدة، وحجم وسعر فائدة وكذلك ضبط إجراءات منحه، تصب كلها في مصلحة المستفيد من أي دعم مالي.

مع العلم أن البنك يمد الزبون بائتمان يستجيب لكل حاجاته المعلنة، مراعيا توقيت وشروط وكيفية منحه، وكل إهمال أو مساس بذلك عن قصد أو غير قصد، يعتبر خطأ من طرف البنك المانح، يسأل عن مضاعفاته السلبية التي قد تعوق حسن سير المقاولة، بل قد يؤدي بها أحيانا إلى الاندثار وهي لا تزال في بداية خطوتها.

ويبقى الاختيار والاقتراح الأمثل لائتمان مناسب من بين مجموعة من الائتمانات، خاصة في بداية انطلاق نشاط المقاولة، وكذا حسن تحديد البنك لمبلغه، لهو أفضل من منح الائتمان مجردا من أية ضوابط وشروط، لكن سرعان ما أظهرت الممارسة أعداد كبيرة من المستثمرين أخفقوا في إنجاح مشاريعهم بسبب مدهم بقروض واعتمادات لم تتوافق أصلا مع الحاجات التي عبروا عنها.

وعلى العموم فاقتراح البنك ائتمانا لم يكن هو المناسب لسد الحاجة المعبر عنها يحمله مسؤولية ما ألم بالمستفيد من أضرار، أهمها توقف نشاطه والسير بالمقاولة نحو إخضاعها لمسطرة معالجة صعوبات المقاولة –تسوية أو تصفية قضائية- وذلك بحسب تدهور وضعيتها الاقتصادية.

لكن يبقى السؤال المطروح عن مدى إمكان الغير إثارة عدم سهر البنك على توجيه فتح الاعتماد في  الهدف الذي سبق وأن عين له؟

الظاهر أن البنك يتحمل المسؤولية متى ثبت عدم الملاءمة نتيجة ضعف الضمان العام للدائنين وأنه لا يمكن التمسك بأن طالب فتح الاعتماد هو الذي له الصلاحية لتقدير ذلك.

لذلك نجد أن القضاء قبل مساءلة البنك إذا كان ثمة مخاطر تحيط بعملية فتح الاعتماد البسيط، ولكنه لم يقم بتنبيه ولفت نظر الزبون إليها.

ومن أمثلة عدم تناسب الائتمان مع مصلحة الزبون والمعروضة على المحاكم التجارية بمراكش نجد الحكم الذي جاء فيه: “…أن أحد الأبناك منح لزبونه في بداية التعامل معه تسهيلات الصندوق بمبلغ 200.000 درهم مضمونة برهن على أصل تجاري، ولما أراد تقوية ما لديه من ضمانات، نصحه بشراء شقة بمبلغ 400.000 درهم، نصف ثمنها ممول بالسحب على اعتماد تسهيلات الصندوق، والجزء الثاني ممول بواسطة قرض مؤدى باستحقاقات قارة مضمون برهن رسمي.

وهكذا فإن البنك وهو من ذوي الاختصاص يساءل ثلاث مرات:

الفقرة الثانية: صور خطأ البنك أثناء تنفيذ عقد فتح الاعتماد

يتوجب على البنك بعد الموافقة على منح الاعتماد مراقبة طريقة تنفيذه بشرط ألا يتدخل في شؤون الزبون، ومع ذلك يتوجب على البنك التدخل كلما دعت الضرورة لذلك وإلا اعتبر مرتكبا للخطأ نتيجة إخلاله بالتزام ملقاة على عاتقه، كما هو الشأن عند إخلاله بواجب المراقبة (أولا) وتتجاوز سقف الاعتماد (ثانيا).

أولا: إخلال البنك بواجب مراقبة تنفيذ عقد فتح الاعتماد البسيط

إن دور البنك لا ينتهي بمجرد اتخاذ القرار بمنح الاعتماد ووضعه موضوع التنفيذ حيث في هذه المرحلة يبدأ دور جديد للبنك المتمثل في أخذه بواجب الحيطة والحذر في تنفيذ العقد، وكذلك في قطع الائتمان عن الزبون متى استدعت الضرورة ذلك، وهذا الواجب لا يقل أهمية عن الالتزامات السابقة، ويقوم البنك بمراقبة تنفيذ عملية القرض وفقا لأسس ومعايير محددة، سواء من حيث الشكل أو من حيث الموضوع، كما يجب على البنك أن يبقى يقظا من أجل التحري عن أي خلل قد يظهره استعمال الاعتماد وذلك احتياطا للمخاطر التي قد تنتج عنه.

  1. الخطأ المتصل بغياب المراقبة:

إن المتداول في الاعتقاد بأن المستفيد من الائتمان حرفي استعماله، ولم يكن لهذا الاعتقاد استثناء إلا عندما يتم التنصيص صراحة على اشتراط لمصلحة الغير.

هذا ما جعل موقف القضاء الفرنسي([15]) من مسألة مراقبة استعمال الائتمان سلبيا، وذلك راجع لكون تحديد الغرض من الاعتماد لا يمكن أن يتعدى كونه بيانا توجيهيا لا يلقي على البنك أي التزام بالتأكد من صرف مبالغ الاعتماد في تحقيق الغرض المذكور، خاصة وأن الفقه والعمل القضائي الفرنسي استحدث التزاما جديدا على البنك، يتمثل في تحميل البنك بالتزام المراقبة متى كان الائتمان مخصص الغرض، وقد علل أحد الأحكام موقفه من المراقبة كواجب بكونها التزاما متفرعا عن واجب الحرص واليقظة في تتبع حسابات الزبناء والتأكد من سلامة ما يتم في إطارها من عمليات بكيفية تنسجم مع وظيفة البنك الذي لا يجب أن تقدم مسؤوليته كمجرد وديع عادي لكونه يساهم في النشاط التجاري لزبنائه عبر ما تقدر لهم من أموال ضرورية لتنفيذ مشاريعهم.

وتجدر الإشارة إلى أنه ينبغي تمييز مراقبة استخدام الائتمان كواجب مفروض على البنك لحماية مصالح وحقوق الأغيار، عن مبدأ عدم جواز تدخل البنك في شؤون عمله والذي يمكن أن يحمله على إثرها المسؤولية([16]).

2- الخطأ المتصل بممارسة المراقبة من قبل البنك

إضافة إلى خطأ البنك المتمثل في عدم قيامه بواجب المراقبة، فإنه يسأل أيضا في الحالات التي يمارس فيها المراقبة بشكل غير سليم.

وفي هذا الصدد يمكن تصنيف أخطاء البنك انطلاقا من نقطتين:

أ- إسداء نصائح غير سليمة

الأصل أن بمجرد إعطاء نصائح لشخص ما نتج عنه ضرر ما لا يخول المتضرر الاستفادة من دعوى المسؤولية إلا إذا كان المركز الشخصي الذي أسدى تلك النصائح لا يسمح له بارتكاب خطأ من هذا القبيل وفقا للفصل 83 من ظهير 12 غشت 1993 (ق.ل.ع)، لذلك فإن البنك باعتباره من التقنيين المتخصصين في مجال التدبير والتسيير، يسأل عن النصائح الخاطئة التي يوجه بها زبنائه فيما يخص أوجه صرف وإدارة الأموال المقدمة لهم تنفيذا لعقد الائتمان.

ب- التدخل في قرارات المستفيدين من الائتمان

يعتبر مبدأ عدم تدخل البنك في إدارة المشروع أو في شؤون الزبون من المبادئ المستقرة والتي يتذرع بها البنك بنفي الخطأ، خاصة عند الرجوع عليه تأسيسا على عدم ملاءمة الاعتماد أو على تقصيره في واجب مراقبة استعماله، وقد جرى القضاء الفرنسي على عدم قبول هذا الدفع وحجته في ذلك أنه لا يعد تدخلا تقديم النصح أو المشورة، لأن القرار يظل دائما في يد الزبون، كما لا يعد تدخلا سعيه لكشف التلاعب أو الوسائل غير المشروعة في استخدام الاعتماد أو في مراقبة توجيه الاعتماد أو الغرض المخصص له، ذلك أن البنك في كل هذه المواقف يتعرض للمسؤولية قبل دائن المستفيد ولا يجديه التعليل بمبدأ عدم التدخل في الإدارة.

والبنك من حقه الاحتماء بمبدأ عدم التدخل في الإدارة، فلا يمكن إلزامه بالحلول محل من يتولى إدارة المشروع، أو تحميله مغبة سوء الإدارة أو قصور كفاءة المديرين، ولكن إذا بادر هو بالتدخل فإنه يمكن أن يتعرض للمساءلة، كما إذا أفلح الدائن أو السنديك في إثبات اكتسابه وصف المدير الفعلي، وعجز البنك عن إثبات سلامة تدخله.

ويمكن أن يؤدي تدخل البنك في شؤون الزبون إلى إمكان الرجوع عليه –بوصف شريكا فعليا- وهو أمر يثيره الدائنون، وفي هذه الحالة إذا تحققت ادعاءات الدائن يتحول البنك إلى شريك موصى أخذا بنظرية الوضع الظاهر([17]).

من المبادئ التي تحكم عمل البنوك في علاقتهم مع المستفيدين من الائتمان عدم التدخل في شؤون الزبون، ويقتضى هذا المبدأ ألا يتجاوز البنك واجب المراقبة إلى حد التأثير في قرارات الزبون، وإلا رتب ذلك مسؤوليته([18]).

وفي هذا السياق قضت محكمة النقض الفرنسية بأن البنك غير ملزم بمراقبة الشيكات في حساب الزبون، كما أنه لا يسأل عن سوء استخدامه بالاعتمادات التي حصل عليها، حيث تتلخص قضية هذا الحكم في أن محاسبا فتح حسابا باسمه باعتباره وكيلا بالعمولة في تجارة الجلود، وكانت تغذي حساباته بعمليات كلها تقريبا شيكات صادرة من شركة يعمل بها، وكان تخصصها تجارة المعادن لذا كان من السهل على البنك أن يلاحظ المفارقة وأن يتساءل عن علاقة تجارة الجلود بتجارة المعادن، بسبب هذه الشيكات، لكن محكمة النقض الفرنسية قضت أن انتظام المدفوعات كان من شأنه أن يطمئن البنك إلى سلامة الشيكات التي كان الزبون يقدمها للتحصيل، ولم يكن له أن يسأل عن سببها([19]).

ثانيا: تجاوز سقف الاعتماد

إن أهم ما يعنى الطرفان بتحديده في العقد هو الحد الأقصى للمبلغ الذي يضعه البنك رهن إشارة الزبون، يطلق عليه حد الائتمان أو الإذن “L’autorisation ou l’admission”، وقد عمدت كل التشريعات التي عرفت عقد فتح الاعتماد بالتنصيص على هذا الأمر صراحة ومنها المادة 524 من م.ت.

فتجاوز سقف الاعتماد هو إذن كل مبلغ يزيد عن المبلغ المحدد ضمن عقد فتح الاعتماد، سواء بطلب من الزبون، أو بمبادرة من البنك عندما يقدم على الوفاء بشيكات أو كمبيالات يزيد مبلغها على الحد المتفق عليه ضمن عقد فتح الاعتماد دون مراجعة الزبون، فإن البنك وحده يظل معنيا بالدرجة الأولى بكل تجاوز([20])، ونحن نرى أن كل تجاوز يعد خرقا من طرف البنك أو أحد تابعيه لأحد بنود عقد فتح الاعتماد من الناحية القانونية، وإهمالا من طرف من منحه، فقد كان من الواجب ان يتجه البنك بكل كفاءته وتقنيته واختصاصه إلى معالجة الأمور في الصميم حتى لا تتكرر تلك التجاوزات.

ففي هذا النطاق، يقع على عاتق البنك تحمل تبعة السماح للزبون بتجاوز سقف الاعتمادات المحدد في العقد، فهو لا يعفى من الناحية القانونية من نتائج خطئه سواء تجاه الزبون أو تجاه الغير من الدائنين.

هذا ما دفعنا إلى التساؤل حول ما هي إخلالات البنك عند تجاوز سقف الاعتماد تجاه كل من الزبون والغير؟

1- تجاوز سقف الاعتماد تجاه الزبون

لا يجوز للبنك تحت أي ذريعة كانت، أن يضع تحت تصرف زبونه مبلغا أقل من المبلغ المنصوص عليه في العقد، إلا في حالات استثنائية، كما لا يمكن للبنك أن يمتنع عن تنفيذ العقد بعدم منح الزبون مبلغ الاعتماد الوارد ذكره في العقد المصادق عليه من قبلهما، ولا يجوز كذلك للبنك قانونيا وتحت أي سبب كان، أن يضيف إلى المبلغ موضوع الاعتماد مبالغ أخرى زائدة من شأنها إذا ما فاقت حدا معينا، أن تنقلب ضد الهدف من رصدها، وتكون بالتالي وبالا على الزبون، الذي سوف لن يحسن تدبيرها، لأنه لم يحسن من قبل تدبير مبلغ الاعتماد مما يؤدي إلى زيادة ديون الزبون المدين.

مع العلم أن هناك حالات يتواطؤ فيها الزبون مع البنك، هذا الأخير الذي كان على علم منذ البداية بوضعية الزبون المتأرجحة فيمكنه من تجاوزات مهمة، لن يقوى على معالجتها.

وفي جميع الأحوال يظهر لنا خطأ البنك جليا تجاه الزبون بسبب السماح لهذا الأخير بتجاوز سقف الاعتماد، هذه التجاوزات تثقل كاهله، وبالتالي يعجز عن تغطيتها سواء كان الزبون حسن أو سيء النية، هذا الأخير الذي ينفق مبلغ الاعتماد ومبلغ التجاوزات في غير الغرض المخصص له، بالإضافة إلى تحمل البنك مسؤولية نتيجة إخلاله  بواجباته المهنية كعدم إسداء النصح له، وتوجيهه التوجه الصحيح ما دام أنه هو أدرى بشؤون مهنته.

إذ يكفي هذا الزبون أن يثبت للمحكمة أن البنك منحه أكثر مما يجب من المال عن طريق منحه اعتماد أو اعتمادات عادية مشمولة بضمانات مدروسة دراسة تزيد أو تنقص عما يستلزم بذل العناية، بالإضافة إلى السماح له بتجاوزات على أذون الاعتمادات الممنوحة له، الأمر الذي يعد خطأ تترتب عليه مسؤولية البنك.

2- تجاوز سقف الاعتماد تجاه الأغيار

سيكون البنك قد ارتكب خطأ إزاء الأغيار الذين خدعهم عندما أوهمهم بأن مدينهم في وضعية مالية مريحة، وتعاملوا معه بناء على هذا المظهر الخارجي للمقاولة، وعلى ثقة البنك فيه بمنحه الاعتماد.

فما بالك من إقدام البنك على منح الزبون الموجود في وضعية مالية جد صعبة، غير قابلة لتقويم تجاوزات على سقف الاعتماد، حيث لم تكن الغاية من منحها سوى إطالة أمد حياته التجارية، وجعله يبدو أمام الغير كما لو كانت أموره عادية فما يلبث أن يفاجئ دائنيه بافتتاح مسطرة الإجراءات الجماعية، كما قد يفاجئوا أيضا بضياع حقوقهم لقلة أصوله، وفي هذه الحالة يحق للأغيار مقاضاة البنك الذي كان وراء هذه الوضعية الشاذة، حيث يتعين عليهم بهذه المناسبة إثبات خطا البنك بمد مدينهم مبالغ مالية، وهو في وضعية غير مريحة، بالإضافة إلى تعمده تضخيم إمكانياته المادية اصطناعيا بواسطة منحه تجاوزات بناء على كشوفات حسابية، ومن ثمة يتبين للقاضي أن البنك لم يرشد زبونه إلى ما يجب فعله باعتباره خبيرا ومتخصصا في شؤون الائتمان وهذا ما سارا عليه القضاء الفرنسي([21]).

المطلب الثاني: تحديد الأخطاء البنكية عند إنهاء عقد فتح الاعتماد البسيط

يتجلى خطأ البنك بهذا الخصوص في إقدامه على إنهاء الاعتماد بصفة انفرادية دون سبب مشروع يسمح له بذلك، ومن بين هذه الأسباب إنهاء البنك للاعتماد البسيط تعسفيا ومن جانب واحد.

وفي المقابل نجد أسباب مشروعة تؤثر في الاعتبار الشخصي كوفاة المستفيد، وانعدام أهليته وصدور حكم جنائي ضده من شأنه أن يؤثر في سمعته ويدهور وضعه المالي، وإن كانت هذه الأسباب تجد فاعليتها في إنهاء الاعتماد المحدد المدة على أساس أن المبدأ في إنهاء الاعتماد غير محدد المدة هو حرية أطراف العقد في ذلك.

وسواء تعلق الأمر باعتماد محدد أو غير محدد المدة، فإنه يقع على عاتق البنك اتباع إجراءات حددها القانون([22]) لإنهاء الاعتماد، من ضرورة توجيه تبليغ مكتوب، ومنح مهلة الإشعار تحت طائلة اعتبار الإنهاء فجائيا وبالتالي تعسفيا. 

وعلى العموم فالبنك يعتبر مخطئا إذا خالف في إنهائه الاعتماد المقتضيات التشريعية التي تنظمه، أو الأعراف والعادات البنكية اللازمة الاتباع في هذا الشأن، لأنه بمجرد تعاقده مع الزبون يصبح ملزما باحترامه وعدم انفراده بإنهاء العقد المبرم من أجل ذلك بصورة تعسفية، وبذلك فإن المشرع المغربي كان واعيا بما قد يترتب عن ذلك من آثار سلبية على المستفيد، مما جعله يحدد بمقتضى المادة 525 من م.ت لسنة 1996([23]) الإجراءات اللازم على البنك اتباعها عند قيامه بإنهاء العقد([24])، وهكذا فإن تبيان سلامة أو عدم سلامة سلوك المؤسسة البنكية بصدد إنهاء عقد فتح الاعتماد، تقتضي التمييز بين الخطأ في حالة إنهاء الاعتماد المحدد المدة (الفقرة الأولى) والخطأ في إنهاء الاعتماد غير محدد المدة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: خطأ البنك عند إنهاء عقد فتح الاعتماد المحدد المدة

يعتبر البنك مخلا بالتزامه العقدي إذا أنهى الاعتماد المفتوح لأجل محدد قبل انتهاء هذا الأجل، سواء كان الأجل محدد بصورة صريحة أو ضمنية، لذلك إن تحديد أجل للاعتماد يجعل أطرافه ملزمين بالمدة المحددة في العقد فإذا أنهاه أي طرف قبل الموعد المحدد اعتبر مخطئا وترتبت عليه المسؤولية.

وهذا ما سنعالجه من خلال التطرق إلى إنهاء البنك الاعتماد المحدد المدة بإرادته المنفردة (أولا) وتسعف البنك على مستوى الضمانات المقدمة له (ثانيا).

أولا: تعسف البنك في إنهاء الاعتماد المحدد المدة بإرادته المنفردة

تفرض القواعد العامة أن يترتب عن إنهاء المؤسسة البنكية بإرادتها المنفردة لعقد فتح الاعتماد محدد المدة، خطأ عقديا من جانب هذه المؤسسة، يخول للزبون المتضرر الحق في المطالبة بتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب هذا الخطأ.

فالقوة الملزمة لعقد فتح الاعتماد البسيط المحدد المدة تقتضي من البنك والزبون تنفيذ التزاماتهما المتبادلة اتجاه بعضهما البعض بحسن نية طيلة المدة المتفق عليها، وعدم المبادرة إلى إنهاء هذا العقد بإرادته المنفردة دون موافقة الطرف الآخر.

ومعنى هذا أن البنك  إذا عمل على إنهاء هذا العقد بإرادته المنفردة فإنه يكون قد ارتكب خطأ عقديا لا ينفع في محوه وجود شرط يخول له حق الإنهاء، وذلك أن مثل هذا الشرط يجعل وجود العقد متوقفا على محض إرادة الملتزم، مما يجعل الشرط شرطا باطلا – وفق المبادئ العامة- لا يعمل به في تنظيم العلاقة العقدية بين الطرفين.

وفي هذا المجال تنص الفقرة الثالثة من المادة 525 من م.ت لسنة 1996 على أنه: “ينتهي الاعتماد المفتوح لمدة معينة بقوة القانون بانتهاء المدة المحددة من غير أن يكون البنك ملزما بإشعار المستفيد بذلك”.

ونستشف من خلال هذا النص أن البنك ملزم مبدئيا بالاستمرار في تقديم الاعتماد للزبون حتى نهاية المدة المحددة في العقد – وألا يتعسف في استعمال هذا الحق الممنوح له- إذ بانتهائها ينتهي الاعتماد دون حاجة إلى إشعار المستفيد منه، وأي شذوذ في هذا التصرف يعتبر خطأ من جانبه يحمله المسؤولية.

ثانيا: تعسف البنك على مستوى الضمانات المقدمة له

مبدئيا إن البنك يتعين عليه الاستمرار في تقديم الاعتماد لفائدة الزبون حتى انتهاء مدة العقد المبرم بينهما، غير أن البنك يتحلل من هذا الالتزام في الحالة التي تطرأ طوارئ على وضعية الزبون، الأمر الذي يصبح معه إرغامه على الاستمرارية في العقد إلى حين انتهاء مدته مشوبا بنوع من التعسف.

 وعلى العموم يشكل إخلالا من قبل البنك تمسكه بإنهاء العقد بالرغم من أن النقص الواقع على الضمانات لا يشكل أهمية بالنسبة إلى مجموع الضمانات المقدمة ونسبة إلى قيمة التمويل الممنوح للزبون، إذا كان ملفه يظهر من أسباب القوة ما يجعل النقص الحاصل على أهميته غير مؤثر في وضعيته المالية، أو كلما حال دون إتاحة الفرصة لهذا الأخير لتقديم بدائل عن الضمانات التي لحقها النقص في حالة سمحت ظروفه بذلك، مما يشكل انحرافا عن غاية الحق الممنوح للبنك ويلحق ضرر غير مشروع بالزبون، لذلك على البنك أن يضع أسس مسبقة يستند إليها في تقديره لأهمية النقص الحاصل بالضمانات([25]).

وبالتالي لا يمكن تحصيل أو إجماع حالات محددة يتعسف فيها البنك في ممارسته حقه بالإنهاء.

الفقرة الثانية: خطأ البنك عند إنهاء عقد فتح الاعتماد غير محدد المدة

الأصل في الاعتماد غير محدد المدة أن يكون لكل من طرفيه الحق في إنهائه في أي وقت شاء، على اعتبار أنه من العقود المستمرة التي لا يمكن أن ترتب التزامات مؤبدة، وبعبارة أخرى فإن المبدأ هو أن للبنك فاتح الاعتماد غير محدد المدة حق اتخاذ قرار بإنهائه وقتما شاء، كما أن للزبون المستفيد نفس هذا الحق يمارسه عن طريق عدم استخدامه للاعتماد المفتوح له.

ويبقى السؤال المطروح: هل يحق للمؤسسة البنكية في إطار الاعتماد البسيط غير محدد المدة العمل على وضع حد له دون التقيد بمهلة الإشعار؟

أولا: إخلال البنك بواجب الإخطار

إن البنك يلزم قبل إقدامه على إنهاء عقد فتح الاعتماد غير محدد المدة بإخطار المستفيد من الاعتماد بقراره ومنحه أجلا للبحث عن مصادر تمويلية أخرى، وذلك راجع لكون المفاجأة بإنهاء عقد فتح الاعتماد غير محدد المدة تلحق بالمستفيد ضررا بالغا، إذ أنه لا يستطيع في هذه الحالة مواجهة التزاماته في الوقت المناسب.

فهذا الإنهاء المفاجئ من قبل البنك قد يصبح خطأ من جانبه إذا لم يكن له سبب جدي يبرره أو كان مفاجئا للزبون بكيفية تسبب له الضرر، نتيجة إساءة استخدام البنك لحقه في الإنهاء، ترتب عن ذلك توقف نشاط الزبون بشكل تام و في هذا الصدد صدر قرار عن محكمة النقض الفرنسية ذهب إلى أن مسؤولية البنك تقوم عندما ينتهي الاعتماد ولو اتصف فعل الزبون بالخطأ، وذلك في الحالة التي لا يمكن للإخطار المسبق أن يسمح للزبون بالعثور على مصادر تمويل أخرى([26]).

وفي هذا السياق ورد قرار صادر عن محكمة النقص الفرنسية بتاريخ 22 أبريل 1980 حملت فيه البنك المسؤولية نتيجة إقدامه على إنهاء العمل بالسحب على المكشوف ومطالبة الزبون بالوفاء بما هو مدين له به نتيجة ذلك داخل أجل 48 ساعة ما دام أنه يعرف جيدا المشاكل المالية للزبون المعني بالأمر، وما دام أن هذا الأخير لم يتجاوز في استخدامه للاعتماد المفتوح له المبلغ الأقصى المتفق عليه للسحب على المكشوف([27]).

وبالمقابل هناك حالات التي قد يعفى بموجبها البنك من أية مساءلة كلما التزم بالمقتضيات القانونية ، وكذا بالشروط الواردة في العقد الرابط بينه وبيه الزبون أو كلما وجدت أسباب معقولة تبرر ذلك.

ثانيا: إعفاء البنك من الإخطار

إن المعمول به هو عدم إمكانية إنهاء الاعتماد غير محدد المدة، إلا بإخطار مكتوب وبعد انقضاء المهلة المتفق عليها، إلا أنه في المقابل نجد حالات لا لزوم فيها للإخطار، وذلك متى كان الإنهاء ناتجا عن ظهور الانهيار النهائي لمشروع الزبون أو بسبب خطئه الجسيم،  وذلك وفقا لما جاء به القضاء المغربي([28]).

وهكذا لا يكون البنك مخطئا إن هو أنهى الاعتماد الذي سبق فتحه للمقاولة بدا جليا أنها في وضعية مالية صعبة أصبحت معها عاجزة عن الوفاء بديونها، بل هو يعد مخطئا إن استمر في منحها الاعتماد وهي متوقفة عن الدفع، طبقا لما استقر عليه الاجتهاد القضائي في كل من مصر وفرنسا.

ولا يكون مخطئا أيضا إذا انتهى الاعتماد بسبب خطأ جسيم Faute lourde  والمشار إليه في الفقرة الرابعة من المادة 525 من م.ت والمادة 63 من القانون البنكي، وكذلك الفقرة الثانية من المادة 60 من القانون البنكي الفرنسي وغيره من التشريعات الأخرى كالمادة 706 من مجلة التجارة التونسية التي عبرت عنه “بالخطأ الفاحش” ولعل الصعوبة التي قد تعترضنا هو في كيفية إثبات الرابطة السببية القائمة ما بين الخطأ أي وضع حد للاعتماد والضرر اللاحق بالزبون، ففي حالة وضع حد للاعتماد غير المحدد المددة بشكل غير مبرر وغير مشروع وبدون إخطار، فإن محكمة النقض الفرنسية قد ذهبت إلى منح قاضي المستعجلات على أساس إجراءات إعادة الحالة إلى ما كانت عليه من أن يأمر باستمرار البنك في دعم الزبون، غير أن الحالات تتباين فيما يتعلق بتطبيق هذا الحل بين ما إذا كان الإنهاء يتعلق بمقاولة أو بشخص من الخواص. ([29])

وبعد الحديث عن حالات إنهاء عقد فتح الاعتماد البسيط بقي لنا التطرق إلى نقطة مهمة، والمتعلقة بحالة رفض البنك التجديد أو المد في الاعتماد البسيط، فإذا انتهت مدة الاعتماد أو تم استنفاذ قيمته، أو باشر البنك حقه في الإنهاء لما يستلزمه القانون، ثم توجه إليه الزبون طالبا تجديد الاعتماد، أو طلب مدة قبل انقضائه، أو طلب زيادة الحد الأقصى للاعتماد فإن البنك يحتفظ بحريته في الاستجابة أو عدم الاستجابة للعميل، إلا أن رفضه مقيد بوجوب ألا يكون متسما بالتعسف، ويظهر ذلك بشكل واضح إذا كانت مبررات  الرفض واهية لا تحقق مصالح للبنك تتناسب مع ما يلحق الزبون من ضرر ينعكس على دائنيه ([30]).


[1] – محمد لفروجي: التاجر وقانون التجارية بالمغرب، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1999، ص 91و92.

[2] عمل المشرع المغربي من خلال المادة 524 من مدونة التجارة لسنة 1996 ولأول مرة على تنظيم هذا النوع من العقود البنكية فاعتبر: “فتح الاعتماد هو التزام البنك بوضع وسائل للأداء تحت تصرف المستفيد أو الغير المعين من طرفه في حدود مبلغ من النقود”.

[3] – محمود مختار أحمد بريري: “المسؤولية التقصيرية للمصرف عند طلب فتح الاعتمادات”، دار الفكر العربي، القاهرة، 1986، ص 55.

4- وفي هذا الصدد يرى بعض الباحثي أن مقياس الخطأ في الميدان البنكي غير ثابت وغير مستقر ولا يخضع لقواعد ثابتة وعامة، نظرا لطبيعة العمل البنكي وحيوية معاملاته، ولهذا يعد من المتعذر وضع معيار ثابت لدرجة الحرص أو معيار العناية التي يلتزم بها البنك في جميع الحالات بل إن لكل حالة ما تقتضيه  و تتطلبه من فحص وتحقيق ومراقبة خاصة بها وبمعنى آخر فإن البنك يكون ملزما بمراعاة قدر من الحيطة والحذر تتناسب مع ظروف كل حالة على حدة، إذا لم يقم بذلك اعتبر مسؤولا عن الأضرار التي تصيب المتضررين متى أثبت هؤلاء الخطأ الذي ارتكبه والضرر الذي أصابهم والعلاقة بينهما.

[5] – نعيم مغبغب: مبدأ عدم مسؤولية البنك موزع الاعتمادات واستثناءاته، الطبعة الأولى 2009، ص 186-187.

[6] – « Le fournisseur de crédit ne saurait être tenu responsable  que dans la mesure ou il connaissait la situation de l’entreprise ou son devoir de diligence et de prudence aurait du amener à connaître ».

  voir : cass.com. 24 septembre 2003, http:/www.monjuriste.oc.c.

[7] – على غرار فتح الحساب العادي (المادة 112 من ق.م.ا أو المادة 448 وما يليها من م.ت).

[8] – من قبيل فتح الاعتماد (المواد 524 وما يلها م.ت، وعقود الائتمان الإيجاري 431 وما يليها من م.ت).

[9] – مثل عمليات الاستخلاص التي نظمها المشرع في المادة 502 من م.ت.

[10] – هذه بعض الحالات المستوحاة من الواقع العملي:

أ- فتح الاعتماد البسيط لمشروع يمر بضائقة مالية.

ب- الدعم البنكي لعميل رغم تزعزع مركزه المالي.

ج- حالة المشروع المتوقف عن الدفع.

[11] – أحمد البدوي ولد محمد يحيى: واجب الحذر البنكي “تأصيل وتحليل” بحث لنيل دبلوم الماستر في قانون الأعمال، جامعة القاضي عياض، كلية الحقوق، مراكش، السنة الجامعية 2008-2009، ص 81.

[12] – عبد الحميد الشواربي: عمليات البنوك في ضوء الفقه – القضاء – التشريع، منشأة المعارف بالإسكندرية، مطبعة الأمل، دون ذكر سنة الطبعة، ص 566.

13- ظهير شريف رقم 1.14.193 صادر في فاتح ربيع الاول 1436 (24 ديسمبر 2014) بتنفيذ القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات  الائتمان و الهيئات المعتبرة في حكمها.                                                                                        

[14] – ملف تجاري 1617/9/2005 المحكمة التجارية بمراكش، أورده محمد صبري: الأخطاء البنكية، أساس مسؤولية البنكي عن عدم ملاءمة الائتمان مع مصلحة الزبون، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2007. ص 372 وما يليها.

[15] – انظر:

– cour de cassation française, arrêt commercial, 18 november 1988, Dalloz 1988, P210. Voir le site de : www.légifrance.gov.fr.

[16] – هشام العماري – مريم أضريبين: مسؤولية البنك عن عملية الائتمان ، مقال منشور بمجلة الإشعاع، العددين 30-31، أبريل 2006، ص 97.

[17] – عبد الحميد الشواربي: عمليات البنوك في ضوء الفقه – القضاء –التشريع، منشأة المعارف بالإسكندرية، مطبعة الأمل، (دون ذكر سنة الطبعة). ص 567-568

[18] – تؤسس هذه المسؤولية على نظرية المسير الفعلي: تقترن هذه النظرية بضرورة وجود خطأ من البنك باعتباره مارس فعليا شؤون التسيير، حيث يساءل عن أخطاء التسيير بنفسه بالكيفية التي يساءل بها المسيرون القانونيون.

[19]– نقض تجاري 25 أبريل 1967 J.C.P   1967، أورده علي جمال    الدين عوض: عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، القاهرة . ص 1200.  

19- محمد صبري: الائتمان البنكي، مسؤولية البنوك المدنية عند تجاوز أذون الاعتمادات، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى، 2001، ص 118.

[21] – محكمة النقض الفرنسية قرار تجاري، بتاريخ 23 فبراير 1982، وقرار تجاري آخر بتاريخ2 ماي 1984، أوردته حليمة الهاشمي: مسؤولية البنك المدنية عند فتح الاعتماد، رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الدار البيضاء 1999-2000 ،ص:85

[22] – حيث جاء في الفقرة الثانية من المادة 525 من م.ت: “لا يمكن فسخ الاعتماد مفتوح لمدة غير معينة بصورة صريحة أو ضمنية، ولا تخفض مدته إلا بعد تبليغه بإشعار كتابي وانتهاء أجل يحدد عند فتح الاعتماد، دون أن يقل هذا الأجل عن ستين يوما”.

[23] – تنص المادة 525 من م.ت في فقرتها الرابعة على ما يلي: “سواء كان الاعتماد مفتوحا لمدة معينة أو غير معينة، فإنه يمكن للمؤسسة البنكية قفل الاعتماد بدون اجل في حالة توقف بين للمستفيد عن الدفع أو في حالة ارتكابه لخطإ جسيم في حق المؤسسة المذكورة أو عند استعماله للاعتماد”.

[24] – للمزيد من التوسع راجع: =

=- محمد لفروجي، إنهاء عقد فتح الاعتماد بإرادة البنك بين مدونة التجارة والقانوني البنكي: أية ضمانات لتمويل المقاولة؟ منشورات جامعة محمد الخامس – السويسي، كلية الحقوق بالرباط، 1997.ص:177ومايليها

[25] – تقدير أهمية نقص الضمانات المقدمة من قبل الزبون يخضع لعدة عوامل تتعلق بقيمة التمويل، وحجم ضماناته وحجم أعماله وما يظهره نشاطه من مخاطر.

[26] –  cass.com 6 mars 1987, D.S, 1979, P 362.

   – cass.com 13 juin 1985, Gaz pal 1985. 2 P 395.

[27] – محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 22/04/1984 أورته حليمة الهاشمي: م.س، ص 112.

[28] – قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس 96/2000، بتاريخ 22/02/2000، ملف ع869/99، منشور بمجلة المحاكم التجارية، ع 1 ماي 2004، ص 261 وما يليها.

[29] – للمزيد من المعلومات انظر:

– محمد الأطرش:  المسؤولية المدنية للبنوك، محاضرات لفائدة طلبة ماستر قانون الأعمال، كلية الحقوق بمراكش، دون ذكر السنة، ص 14-15.

  29- عبد الحميد الشواربي عمليات البنوك في ضوء الفقه – القضاء –التشريع، منشأة المعارف بالإسكندرية، مطبعة الأمل، دون ذكر سنة الطبعة. ، ص 571.

:

Exit mobile version