الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان
آلية الشكاوى نموذجا
د.عبد الإله أمين
كلية الحقوق ابن زهر أكادير
تعتبر آلية الشكاوى بخصوص وقوع انتهاك من انتهاكات حقوق الإنسان واحدة من أهم آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان، التي أوجدها المنتظم الدولي للحد من واقع تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان على الصعيد القطري بالتحديد.
و المتأمل في هذه الآلية الإجرائية يجدها تتميز عن باقي الآليات بميزتين أساسيتين:
أولا: آلية الشكاوى تكاد تغطي كل مجال اشتغال منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، و ذلك من خلال اشتغالها في علاقة بمجموع آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان، بحيث أن هذه الآلية الإجرائية تعطي للأفراد و للمجموعات إمكانية لتقديم شكاوى في إطار عديد من الآليات، التعاقدية منها و غير التعاقدية، المؤسساتية منها وغير المؤسساتية ذات الطابع الإجرائي، و نخص تحديدا هيئات معاهدات حقوق الإنسان، الإجراءات الخاصة، مجلس حقوق الإنسان.
ثانيا: آلية الشكاوى تخول للأفراد و المجموعات المتضررة سبيل انتصاف فوق وطني مما يسهم في الحد من السيادة الداخلية للدول؛ فهذه الآلية تمس بشكل كبير بالسيادة الداخلية للدول، و تؤسس لنوع من التداخل الكبير بين منظومة الحماية الدولية لحقوق الإنسان و منظومة الحماية الوطنية. و بمعنى أدق، إنه نوع من التأسيس ل “نظام حق” دولي لم يعد في إطاره الراعي حرا في رعيته.
و بالرجوع إلى منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نجد ثلاث صور لإعمال آلية الشكاوى، و هي تباعا: الشكاوى الفردية في إطار الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، والبلاغات الفردية بموجب آلية الإجراءات الخاصة، ثم الشكاوى المقدمة إلى مجلس حقوق الإنسان.
I– آلية الشكاوى الفردية في إطار الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
يتيح القانون الدولي لحقوق الإنسان أمام الأفراد إمكانية التقدم بشكاوى فردية إلى إحدى هيئات المعاهدات المكلفة باحترام واحدة من المعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان، يدعي فيها انتهاك دولة لحق من الحقوق المكفولة بمقتضى هذه المعاهدة.
و توجد في الوقت الحالي تسع معاهدات أساسية[1] تسمح للجانها بتلقي الشكاوى من الأفراد، و هي:
أولا: العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية بموجب البرتوكول الاختياري الأول، الذي يخول للجنة المعنية بحقوق الإنسان يجوز إمكانية النظر في بلاغات فردية بوقوع انتهاكات للحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من طرف دولة طرف في البروتوكول الاختياري الأول للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ثانيا: العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية بموجب البرتوكول الاختياري، الذي يخول للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية النظر في بلاغات فردية بوقوع انتهاكات للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من طرف دولة في البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
ثالثا: الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز العنصري بموجب المادة 14 الذي يخول للجنة القضاء على التمييز العنصري النظر في بلاغات فردية بوقوع انتهاكات للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري من طرف دولة طرف أصدرت الإعلان اللازم بموجب المادة 14 من الاتفاقية.
رابعا : الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة بموجب البرتوكول الاختياري، التي تخول للجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة النظر في بلاغات فردية بوقوع انتهاكات لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة من طرف دولة طرف في البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
خامسا: الاتفاقية الدولية لحماية جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم، التي تخول بموجب المادة 77 اللجنة المعنية بالعمال المهاجرين صلاحية النظر في بلاغات فردية بوقوع انتهاكات للاتفاقية من جانب دولة طرف أصدرت الإعلان اللازم بموجب المادة 77.علما بأن آلية الشكاوى الفردية بموجب هذه الاتفاقية لم تدخل بعد حيز النفاذ نافذة، لتوقف ذلك على إصدار عشر دول أطراف الإعلان اللازم بموجب المادة 77 من الاتفاقية.
سادسا: اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بموجب البرتوكول الاختياري، التي تخول اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة صلاحية النظر في بلاغات فردية بوقوع انتهاكات لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من جانب دولة طرف في البروتوكول الاختياري للاتفاقية.
سابعا: الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري بموجب المادة 31، التي تخول اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري صلاحية النظر في بلاغات فردية بوقوع انتهاكات للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري من جانب دولة طرف أصدرت الإعلان اللازم بموجب المادة 31 من الاتفاقية.
ثامنا: اتفاقية مناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بموجب المادة22 ، التي تخول لجنة مناهضة التعذيب صلاحية النظر في بلاغات فردية يُدعى بوقوع انتهاكات للحقوق المنصوص عليها في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة من جانب دولة طرف أصدرت الإعلان اللازم بموجب المادة 22 من الاتفاقية.
تاسعا: اتفاقية حقوق الطفل، التي تخول لجنة حقوق الطفل ، بموجب البروتوكول الاختياري المتعلق بإجراء تقديم البلاغات، صلاحية النظر في بلاغات بوقوع انتهاكات لاتفاقية حقوق الطفل وبروتوكوليها (البروتوكول الاختياري المتعلق ببيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية, البروتوكول الاختياري المتعلق باشراك الأطفال في النزاعات المسلحة) من جانب دولة طرف في البروتوكول الاختياري المتعلق بإجراء تقديم البلاغات. إلا أن نفاذ هذه الآلية متوقف على مصادقة عشر دول أطراف على البروتوكول الاختياري المتعلق بإجراء تقديم البلاغات.[2]
أما بخصوص الشروط العامة لإعمال آلية الشكاوى أمام اللجان أو الهيئات التعاقدية فهي:
أولا: أن تكون الشكوى في نطاق اختصاص المعاهدة، بحيث يكون موضوع الشكوى منصبا على انتهاك حق من الحقوق التي تكفلها المعاهدة.
ثانيا: أن تكون الدولة المشتكى بها معنية باختصاص الهيأة التعاهدية ، بحيث يتعين أن تكون الدولة طرفا في المعاهدة[3]، و أن تكون قد اعترفت باختصاص اللجنة التعاهدية للمعاهدة في تلقي شكاوى من الأفراد والنظر فيها.
ويكون اعتراف الدولة باختصاص لجنة المعاهدة في تلقي و معالجة الشكاوى الفردية إما بمقتضى الانضمام للبرتوكول الاختياري الاتفاقية أو المعاهدة كما هو الشأن بالنسبة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل، و إما بمقتضى إصدار نص إعلان الاعتراف باختصاص اللجنة كما تنص على ذلك بنود المعاهدة، كما هو الحال بالنسبة لاتفاقية مناهضة التعذيب، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
ثالثا: استنفاذ جميع سبل الانتصاف الداخلي، شريطة أن تكون سبل الانتصاف المتاحة فعالة و منصفة و تتم في أجل معقول .
رابعا: في حالة تقديم الشكوى من طرف آخر غير الضحية نيابة عن الضحية (محامي، منظمة حقوقية أو منظمة مهنية) يتعين الإدلاء بموافقة أو تصريح الضحية بشكل مكتوب ( توكيل رسمي أو سلطة التصرف) أو الإدلاء بمبرر بعدم إمكانية تقديمها التوكيل المكتوب ، كأن يكون الضحية محتجزا لا يمكن الوصول إليه أو لا يعرف أصلا مكان احتجازه.[4]
أما بخصوص معالجة الشكاوى في إطار هيئات المعاهدات، فيتم عبر:
أولا: مراقبة الشروط الشكلية لقبول الشكوى أو ما يسمى بالمتطلبات الرسمية للمقبولية[5]، و ذلك لتسجيلها في قائمة الملتمسات التي ستنظر فيها هيئة المعاهدة باعتبارها دعوى هذه الهيئة المختصة. و تسمى هذه المرحلة بمرحلة “المقبولية”.
ثانيا: إحالة الشكوى إلى الدولة الطرف المعنية التي تقوم بالتعليق على الشكوى، ليعطى بعد ذلك الحق للمشتكي أو من ينوب عنه للتعليق بدوره على تعاليق الدولة المشتكى بها، لتصدر بعدها الهيئة التعاهدية قرارها على ضوء ما تلقته من ردود. و تسمى هذه المرحلة بمرحلة “بحث الأسس الموضوعية”، و التي يتم من خلالها التأكد من الأسس الموضوعية لوجود انتهاك أم لا لحقوق المشتكي و ذلك على ضوء أحكام المعاهدة.
و قد توجه هيئة المعاهدة أثناء نظرها في الدعوى طلبا للدولة المعنية باتخاذ تدبير استعجالي مؤقت تفرضه حالة الضرورة و الاستعجال لمنع وقوع ضرر لا يمكن جبره لاحقا كما هو الشأن بالنسبة لتنفيذ حكم بالإعدام.
و في حالة صدور قرار سلبي بعدم وجود انتهاك تغلق القضية ، أما في حالة صدور قرار بوجود انتهاك لحق من الحقوق المكفولة بمقتضى المعاهدة فإن اللجنة تطلب من الدولة المعنية تقديم معلومات بخصوص ما اتخذته و ما ستتخذه من خطوات و إجراءات من اجل تنفيذ توصياتها بشأن الحالة المعروضة عليها. و تبقى الدعوى مفتوحة إلى حين اتخاذ التدبير الملائم لإنهاء حالة الخرق.[6]
و تجدر الإشارة إلى أن قرارات الهيئات التعاهدية تبلغ للمشتكي و للدولة على حد سواء، و تكون غير قابلة للطعن. و تنشر على الموقع الالكتروني للمفوضية السامية لحقوق الإنسان.
و تكمن أهمية قرارات اللجان في كونها تعتبر قواعد تفسيرية ذات حجية لنصوص المعاهدات، مما يجعلها سوابق يؤخذ بها من طرف الفقه و القضاء ، بل قد تصبح موضوع التزام بالنسبة لمجموع الدول الأطراف في المعاهدة في إطار ما يسمى بإجراءات المتابعة كآلية تنشئها اللجان التعاهدية لرصد و تتبع مدى التزام الدول الأطراف بتوصياتها.
II– البلاغات الفردية بموجب آلية الإجراءات الخاصة.
الإجراءات الخاصة هي آلية لرصد و معالجة خروقات حقوق الإنسان، أنشأتها لجنة حقوق الإنسان سابقا،و استلمها مجلس حقوق الإنسان . وهي عبارة إما عن “ولاية قطرية” لفحص واقع حقوق الإنسان في دولة أو منطقة محددة، أو عبارة عن “ولاية موضوعية” تتعلق بفحص ودراسة قضية رئيسية بعينها من قبيل: بيع واستغلال الأطفال، أوضاع الأقليات، العنف ضد النساء، الاختفاء القسري.
و الإجراءات الخاصة هذه، سواء كانت ولاية قطرية أو موضوعية، هي عبارة عن فريق عامل أو عبارة عن مقرر خاص أو ممثل خاص أو خبير مستقل… فهي بمثابة ‘’مؤسسة’’ محدثة ومحددة الاختصاص والمدة، وتعمل بموجب قرار من مجلس حقوق الإنسان يعدل ويراجع، فيلغى أو يمدد حسب الحالات.[7]
و ممثل الإجراء الخاص هذا يمكنه أن يتلقى الشكاوى ويحقق فيها، فيطلب توضيحات من الحكومات وينبه إلى حصول انتهاكات ويطلب اتخاذ تدابير للحماية كما يقوم كذلك بزيارات للدول لتقييم واقع حقوق الإنسان، وتقديم توصيات إلى الأطراف المعنية وتقديم تقارير لمجلس حقوق الإنسان وإلى كل الجهات المحددة في قرار ولاية ممثل الإجراء الخاص.
و يكون إعمال آلية الشكاوى أمام ممثل الإجراء الخاص بشروط:
أولا: ضرورة وجود إجراء خاص، موضوعي أو قطري، يغطي القضية موضوع الشكوى أو البلاغ
ثانيا: احترام مدونة قواعد السلوك الخاصة بأصحاب ولايات الإجراءات الخاصة، من قبيل موثوقية المصدر، مصداقية المعلومات، احترام نطاق اختصاص الولاية الخاصة:قطرية أو موضوعية.
و تبعا لذلك، يظهر بأن الإجراءات الخاصة تتيح مكنات أكبر للانتصاف بالنسبة للإفراد ، و ذلك من منطلق:
أولا: عدم اشتراط أن تكون الدولة طرفا في أي من معاهدات حقوق الإنسان ذات الصلة بالانتهاك موضوع البلاغ.
ثانيا: عدم اشتراط استنفاذ سبل الانتصاف المحلي
ثالثا:عدم اشتراط تقديم البلاغ من طرف الضحية أو الضحايا شخصيا، أو الإدلاء بما يفيد النيابة، بل تملك منظمات المجتمع المدني هذه الإمكانية.
رابعا: اتساع نطاق ليشمل الأنماط العامة من التجاوزات و الخروقات و ليس فقط الحالات الفردية
أما بخصوص معالجة الشكاوى (البلاغات) في إطار الإجراءات الخاصة فيمكن تتبعه من خلال الخطوات الأربع التالية:
أولا: تلقي صاحب الولاية الخاصة البلاغ
ثانيا: تحرك أصحاب الولاية الخاصة لمعالجة البلاغ من خلال توجيه رسائل الى الحكومات يطلب من خلالها أصحاب الولاية الخاصة طلب توضيح من جانب الحكومات بشأن الحالة موضوع البلاغ ، أو توضيح بشأن سبل الانتصاف المتوفرة و التدابير المتخذة أو التي ستتخذ لإنهاء الخرق في حالة وجوده.
و قد تأخذ هذه الرسائل شكل نداء عاجل إذا ظهر استمرار انتهاك خطير لحقوق الإنسان او تأكد قرب وقوعه، كما قد تتخذ الرسائل شكل رسالة ادعاء في حالة الادعاء بوقوع الانتهاك فعلا.
ثالثا: تلقي رد الدولة المعنية بخصوص الحالات موضوع البلاغ.
رابعا: اتخاذ قرار على ضوء طبيعة الرد الذي تلقاه أصحاب الولاية الخاصة من الدولة المعنية، بحيث يمكن اتخاذ قرار بمواصلة التحقيق أو تقديم توصيات محددة أو إصدار بيان عام عن الحالة.[8]
و يمكن تلمس أهمية اشتغال آلية الشكاوى في إطار الإجراءات الخاصة من خلال الدور الوظيفي الذي تقوم به هذه الآلية:
أولا: وظيفة التتبع و الرصد، سواء من خلال تسخير الشكاوى كقنوات لكشف واقع حقوق الإنسان على المستوى القطري، أو من خلال الزيارات القطرية التي يقوم بها ممثل الإجراء الخاص.
ثانيا: وظيفة التقويم و التوجيه، و ذلك من خلال توجيه توصيات للحكومات المعنية من أجل تجاوز حالات الانتهاكات باتخاذ تدابير و إجراءات قانونية أو مؤسساتية.
ثالثا: وظيفة تحسيسية من خلال إثارة انتباه الرأي العام الدولي إلى خطورة وضع حقوقي معين خصوصا من خلال التوجه إلى وسائل الإعلام.
رابعا: وظيفة اقتراحية من خلال ما تقوم به من دراسات موضوعية ، و ما تقدمه من استشارات و خبرات قانونية و تقارير وتوصيات مجلس حقوق الإنسان، وإلى الجمعية العامة،وفي بعض الحالات إلى مجلس الأمن إذا كانت ولاية الإجراء الخاص تسمح بذلك.
- الشكاوى المقدمة إلى مجلس حقوق الإنسان مباشرة
مجلس حقوق الإنسان هو الهيئة الحكومية الدولية الرئيسية داخل الأمم المتحدة المسؤولة عن حقوق الإنسان.و قد أحدث المجلس بمقتضى قرار الجمعية العامة رقم 60/251 بتاريخ 15 مارس 2006، ليحل محل لجنة حقوق الإنسان.
ويمكن اعتبار قرار تأسيس مجلس حقوق الإنسان منعطفا رئيسيا في مسار تطوير آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان، لأنه جاء على خلفية نقد ذاتي لمنظومة حقوق الإنسان ككل، خصوصا ما تعلق منها بعنصري الفاعلية والاستقلالية في تدبير العديد من الحالات.
وقد أوكل قرار الجمعية العامة إلى مجلس حقوق الإنسان نفس صلاحيات واختصاصات لجنة حقوق الإنسان، ونفس آليات الاشتغال، ونفس الولايات التي كانت تطلع بها، على أمل تطوير المجلس لهذه الآليات وجعلها أكثر استقلالية وفاعلية في تطوير الحماية الدولية لحقوق الإنسان.
إلا أن أهم ما جاء به القرار هو جعل مجلس حقوق الإنسان مؤسسة تابعة مباشرة للجمعية العامة، لا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي كما كان عليه الحال بالنسبة لعمل لجنة حقوق الإنسان سابقا.
ويمكن تلخيص عمل مجلس حقوق الإنسان في وظائف ثلاث رئيسية:
أولا: وظيفة وقائية، و يسعى من خلالها المجلس إلى منع وقوع انتهاك من انتهاكات حقوق الإنسان. ويمارس المجلس وظيفته الوقائية هذه من خلال تأسيس آلية للحوار مع الدول حول قضايا حقوق الإنسان، وممارسة نوع من التوعية والتثقيف بثقافة حقوق الإنسان ، وتشجيع الدول للنهوض بثقافة حقوق الإنسان والوفاء بالتزاماتها…
ثانيا: وظيفة اقتراحية، وذلك من خلال تقديم المجلس لاقتراحات وتوصيات بشأن النهوض بحقوق الإنسان.
ثالثا: وظيفة مراقبة، بحيث يلعب المجلس دورا كبيرا في عملية رصد ومراقبة انتهاكات حقوق الإنسان على الصعيد الدولي، وتحديدا من خلال ما يعرف بآلية الاستعراض الدوري الشامل كواحدة من أبرز آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان.
و تعتبر آلية الشكاوى المقدمة مباشرة لمجلس حقوق الإنسان واحدة من أهم آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان، و ذلك من منطلقين اثنين:
أولا : كون آلية الشكاوى المباشرة أمام مجلس حقوق الإنسان تعتبر آلية الشكوى الوحيدة التي تغطي مجموع حقوق الإنسان في مجموع الدول، بحيث أن إعمال هذه الآلية غير مرتبط بوجود التزام تعاهدي للدول استنادا لمعاهدة من المعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان ، و غير مرتبط بوجود إجراء خاص في إطار ولاية من الولايات الموضوعية أو القطرية.
ثانيا: يمكن بموجب هذه الآلية لأي فرد أو مجموعة تقديم شكوى بشأن انتهاك من انتهاكات حقوق الإنسان سواء كان ضحية أو كان غيره ضحية لهذا الانتهاك،أو تكون لديها معرفة بوقوع هذه الانتهاكات؛ فالأمر لا يتعلق بدراسة و تتبع شكاية فردية مع ما يترتب عن ذلك من آثار ، بل يتعلق بنمط من أنماط الانتهاك الذي يتطلب تتبعا و اهتماما و إجراءات من أجل منع تكراره.[9]
أما بخصوص مسطرة إعمال آلية الشكاوى أمام مجلس حقوق الإنسان فيمكن تتبعها من خلال مراحل أربع:
المرحلة الأولى: مرحلة الفرز الأولي للشكاوى
يقوم رئيس الفريق العامل المعني بالبلاغات ، بالاشتراك مع أمانة المفوضية، بفَرز أولي للبلاغات، و ذلك استناداً إلى معايير المقبولية.
و بعد استبعاد البلاغات التي لا تستند إلى أساس سليم أو تلك التي يكون صاحبها مجهول الهوية[10]، تُحال باقي البلاغات المقبولة إلى الدولة المعنية للإدلاء برأيها بخصوص الادعاء.، و يتم إخطار صاحب البلاغ كتابة .
المرحلة الثانية: مرحلة فحص الشكاوى المقبولة في مرحلة الفرز الأولي.
يقوم الفريق العامل المعني بالبلاغات بفحص الشكاوى التي مرت من الفرز الولي، و يقوم بفحص مجموع الردود التي تصل من الحكومات.
و هذه العملية هي بمثابة تقييم للأسس الموضوعية التي استندت إليها ادعاءات الطرف المشتكي، للتأكد مما إذا كان الأمر يتعلق فعلا بنمط ثابت من أنماط الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، الثابتة بمقتضى أدلة . و يحيل الفريق العامل المعني بالبلاغات إلى الفريق العامل المعني بالحالات ملفاً يتضمن جميع البلاغات المقبولة والتوصيات الخاصة بها.
المرحلة الثالثة: مرحلة الدراسة من طرف الفريق العامل المعني بالحالات
يقوم الفريق العامل المعني بالحالات بدراسة الشكاوى المقبولة و المحالة إليه من الفريق العامل المعني بالبلاغات.
و بعد الدراسة يقوم الفريق العامل المعني بالحالات ، بإحالة تقرير إلى مجلس حقوق الإنسان بخصوص كل حالة متعلقة بوجود نمط من الانتهاكات الجسيمة المتكررة لحقوق الإنسان، و يضمنه توصيات بالتدابير و الإجراءات التي يتعين اتخاذها لمعالجة الحالة.كما يمكن للفريق العامل أن يبقي حالة معينة قيد الاستعراض ، أو أن يرفض النظر في قضية لافتقادها للأسس الموضوعية.
المرحلة الرابعة:مرحلة النظر في الحالة من طرف مجلس حقوق الإنسان
ينظر مجلس حقوق الإنسان في الحالات المحالة عليه من قبل الفريق العامل المعني بالحالات، و يتخذ قرارا بشأنه.[11]
Dr. Abdel illah AMINE
GSM :06 62 16 24 35
a.amine@uiz.ac.ma
[1] – حول نظام المعاهدات الدولية أنظر:الأمم المتحدة، نظام معاهدات حقوق الإنسان،صحيفة وقائع رقم 30، التنقيح 1،نيويورك و جنيف 2012.
[2] – للاستزادة أنظر:العمل مع برنامج الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، دليل للمجتمع المدني،نيويورك و جنيف 2008، ص ص 31-43
– الأمم المتحدة، نظام معاهدات حقوق الإنسان،صحيفة وقائع رقم 30،م س ، ص ص 11-24 و ص ص 33-35
[3] – تصبح الدولة طرفا في معاهدة متعددة الأطراف إما عن طريق التوقيع، الذي يتعين أن يليه التصديق أو القبول أو الموافقة،أو عن طريق الانضمام الذي لا يكون مسبوقا بالتوقيع و يكون بإيداع صك الانضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة، وإما عن طريق الخلاف كما هو انهيار اتحاد فيدرالي.
[4] – للاستزادة أنظر العمل مع برنامج الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، دليل للمجتمع المدني،م س ، ص ص 139-141.
[5]الحصول في حالة النيابة عن الضحية ،على تفويض من الضحية موضوع الانتهاك او تبرير عدم حصوله على هذا التفويض ، التأكد من أن الأمر لا يتعلق بمجرد مزاعم و أن الضحية تأثر فعليا من ممارسات الدولة أو سياساتها أو قوانينها موضوع الشكوى، والتأكد من تطابق الشكوى مع مقتضيات المعاهدة،وأنه استُنفدت كل سبل الانتصاف المحلية، و أن لا تكون الأحداث موضوع الشكوى قد حدثت بعد دخول آلية الشكاوى حيز النفاذ بالنسبة إلى الدولة الطرف في الاتفاقية، و أن لا تندرج الشكاوى في المجالات المشمولة بتحفظ الدولة المعنية، ما لم تكن هناك ظروف استثنائية.
[6] – للاستزادة أنظر:الموقع الالكتروني للمفوضية السامية لحقوق الانسان، صفحة التماسات هيئات المعاهدات
[7] – للاستزادة أنظر العمل مع برنامج الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، دليل للمجتمع المدني،م س ، ص ص97- 120
[8] – المرجع نفسه، ص 141 و ص ص 147-149
[9] – للاستزادة أنظر العمل مع برنامج الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، دليل للمجتمع المدني،م س ، ص ص 150-152
– الموقع الالكتروني للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، صحيفة إجراء الشكاوى الخاص بمجلس حقوق الإنسان.
[10] – للإشارة فرئيس الفريق العامل المعني بالبلاغات يبلغ كافة أعضاء الفريق بقائمة بجميع البلاغات المرفوضة بعد عملية الفرز الأولي. و تتضمن هذه القائمة الأسباب التي استندت إليها جميع قرارات الرفض.
[11] – جاء في قرار مجلس حقوق الإنسان 5/1 بتاريخ 18 يونيو 2007:فقاً للممارسة المعمول بها، ينبغي أن يكون الإجراء المتّخذ فيما يتعلق بحالة معيّنة أحد الخيارات التالية:(أ) وقف النظر في الحالة إذا كان لا يوجد ما يبرِّر مواصلة النظر فيها أو اتخاذ إجراء بشأنها؛(ب) إبقاء الحالة قيد الاستعراض والطلب من الدولة المعنية تقديم مزيد من المعلومات في غضون مهلة زمنية معقولة؛(ج) إبقاء الحالة قيد الاستعراض وتعيين خبير مستقل ومؤهل تأهيلاً عالياً لرصد الحالة وتقديم تقرير عن ذلك إلى المجلس؛(د) وقف استعراض المسألة بموجب الإجراء السري المتعلق بالشكاوى بغية النظر فيها بصورة علنية؛(ه) توصية المفوضية بأن تقدم إلى الدولة المعنية تعاوناً فنياً، أو مساعدة في مجال بناء القدرات، أو خدمات استشارية.