Site icon مجلة المنارة

أهمية الرقمنة كآلية لتحديث الإدارة الترابية  في ظل مواجهة جائحةفيروس كورونا

أهمية الرقمنة كآلية لتحديث الإدارة الترابية  في ظل مواجهة جائحةفيروس كورونا

زكرياء جواد

باحث بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس الرباط

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- سلا –

ملخص: إن انتشار فيروس كورونا، وبشكل حاد على مستوى العالم، وتحوله إلى شبح يلوح في الأفق، جعل المغرب يتدخل بشكل مستعجل لمحاصرة هذا الوباء وحماية صحة المواطنين من مخاطر هذا الفيروس القاتل، هذا التدخل اتخذ شكل قرارات إدارية ضبطية، كمنع التنقل بين المدن وإعلان حالة الطوارئ الصحية[1]،والذي بمقتضاه شلت نسبيا الحركة والسير العام للمرافق العامة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الإدارية، مما أثر على استمرارية إدارات الدولة عامة والترابية التي هي موضوع دراستنا بشكل خاص في تقديم الخدمات للمواطنين وتحقيق غاياتهم و مصالحهم، علما أن الإدارة الترابية، باعتبارها مرفق من مرافق الدولة تقوم على مبدأ الاستمرارية في أداء الخدمات العمومية رغم وجود ظروف طارئة، إلا أن هذا ليس من شأنه توقيف عمل الإدارة الترابية وأدائها لخدمتها المطلوبة، مما يستدعي تغيير إستراتيجية عمل هذه المرافق بشكل يستجيب إلى الوضعية الراهنة التي يعيشها المغرب وذلك بتفعيل الرقمنة كأداة فعالة وبديلة  لتجويد الخدمات العمومية وكذا تقديمها عن بعد تفاديا لأي ازدحام بين المرتفقين في ظل هذه الجائحة . الكلمات المفاتيح: الرقمنة – الإدارة الترابية- التحديث – جائحة كورونا.Abstract :The spread of the Corona virus, abruptly around the world, and its transformation into a ghost that looms on the horizon, made Morocco intervene urgently to lay siege to this epidemic and protect the health of citizens from the dangers of this deadly virus, this intervention took the form of control of administrative decisions, such as preventing movement between cities and declaring a state of emergency Health, which relatively paralyzed the movement and general functioning of public services, whether economic, social or administrative, which affected the continuity of state and territorial administrations in general, which are the subject of our study in particular, in the provision of services to citizens and the achievement of their objectives and interests, noting that the territorial administration as an infrastructure of the State It is based on the principle of continuity in the performance of public services despite the existence of emergency situations, but this does not interrupt the work of the territorial administration and the achievement of its required service, which calls for changing the working strategy of these facilities in order to respond to the current situation in Morocco by activating digitization as an effective and alternative tool to improve services. The public as well as submit it remotely to avoid congestion among users in the face of this pandemic.Keywords : Digitization – Territorial administration – Modernization – Corona Pandemic.   

    تعد رقمنة الإدارة الترابية فرعا معرفيا حديثا، يدخل ضمن مواضيع العلوم الإدارية، وهي في الأصل لا تشكل بديلا عن الإدارة التقليدية، بقدر ما هي عنصر جديد في الإدارة وامتداد لتطور الفكر الإداري، نتيجة تحالف هذا الأخير مع تكنولوجيا المعلومات والاتصال[1].أي أنها وسيلة لرفع أداء وكفاءة الإدارة ولا تهدف إلى إنهاء دورها. فقط هي إدارة بلا ورق لأنها تشتغل وفق الأرشيف الإلكتروني والأدلة والوثائق الإلكترونية، والأهم من ذلك أنها إدارة بلا مكان وبلا زمان، وأنها إدارة من دون التنظيمات والهياكل الجامدة.

    إذن  فالرقمنة من الوسائل الأساسية لتحديث الإدارة الترابية من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال ، والتكنولوجيا هي الاستخدام الأمثل للمعرفة العلمية، وتطبيقها وتطويرها لخدمة الإنسان ورفاهيته في كل الأوقات، وفي الظروف العصيبة تبرز أهميتها وفضلها أكثر فأكثر. فالتكنولوجيا ليست ذلك المفهوم الشائع عندنا بكونها استخدام الكمبيوتر والحاسوب والأجهزة الحديثة، فمن يأخذ بهذه النظرة فأقل ما يمكن القول هو عنها نضرة محدودة الرؤية، فالحاسوب  وغيره من الأجهزة المتطورة يعد نتاج التكنولوجيا، وهذه الأخيرة طريقة وأسلوب تفكير يوصل الفرد لمبتغاه ، فتكنولوجيا المعلومات نتاج التنمية ، ذلك أنها يمكن أن تكون أداة ووسيلة لتحقيق التنمية، كما يمكن أن تكون هدفا تنمويا في حد ذاته[2].

      فتعميم الإدارة الترابية الرقمية التي أصبحت ضرورة في الظروف العادية، كما أنها ضرورة ملحة في ظل الأوضاع الاستثنائية التي يعيشها العالم والمغرب في هذه الآونة الأخيرة، فعملية مكننة الإدارة ورقمنة جميع المؤسسات الإدارية الترابية ونشاطاتها والاشتغال على أساسها في مثل هذا الظرف الوبائي العالمي، وذلك لما تتيحه  الإدارة الرقمية من مرونة  في التعامل عل مستوى العنصريين الأساسيين اللذين يتحكمان في صيرورة العملية الإنتاجية في حياة المجتمعات، ألا وهما عنصري الزمان والمكان[3].

    ولتحقيق هذه الأهداف المرجوة، فإن عنصر الزمن في الإدارة الرقمية يسمح بالعمل داخل الحيز الزمني الحقيقي والكامل لليوم، وليس فقط انتظار مواعيد العمل الرسمية للإدارات الجماعات الترابية،  وما قيل عن عنصر الزمن ينعكس على المكان، بحيث تخول تقنيات الاتصال الحديثة إمكانية القيام ومتابعة الأعمال والأنشطة الإدارية الترابية من خارج مقر العمل وبعيدا عنه، وهذا ما يجب أن يكون اعتياديا في ظل ما يعرفه العصر الحالي من تطور وطفرة علمية وتكنولوجية، وهو ما يجب أن يكون كبرنامج ومخطط استباقي لاستمرارية المرفق العام بنظام وباضطراد في ظل الظروف الطارئة الصحية أو الطبيعية بما يخدم المترفق على مستوى كل إدارة ترابية في حماية مصالحه الإقتصادية والإجتماعية وخدماته الإدارية من جهة، ومن جهة ثانية بما يضمن السلامة الصحية والنفسية للموظفين والعمال والعناصر الإدارية والتقنية لإدارات الجماعات الترابية التي تفرض عليها طبيعة عملها أن تكون في الصفوف الأولى للتعامل مع الوباء  أو الجائحة وتسخر كافة إمكانياتها العلمية والعملية للتعامل مع الوضع والحد من اثاره السلبية على مختلف مناحي المجتمع. وللإحاطة بجوانب هذا الموضوع  سنحاول الوقوف بنوع من الدراسة والتحليل على العديد من الأفكار والإشكالات التي يثيرها من خلال تقسيمه إلى مبحثين :

المبحث الأول: الانتقال الرقمي كآلية لتحديث إدارات الجماعات الترابية في ظل مواجهة جائحة فيروس كورونا

    لقد فتح المغرب ورشا رقميا كبيرا يمكن من عصرنة الإدارة الترابية حتى لا يتخلف على ركب التكنولوجية السريعة الذي أصبح السمة الرئيسية لمطلع القرن الواحد والعشرين، فالإدارة الترابية الرقمية أو الإلكترونية هي تحويل كافة الأعمال والخدمات الورقية التقليدية إلى أخرى رقمية تتم عبر الوسائل التكنولوجية بغية اختصار الوقت والتكلفة ورفع من الجودة والفعالية، وكما تعمل على أداء الخدمات وتقديم المعلومات للمرتفين عن بعد خاصة في ظل الظروف الوبائية الحالية، فهي بهذا المعنى إدارة افتراضية بدون مكان ولا زمان تستخدم أحدث ما يوفره البريد الإلكتروني) الأرشيف الإلكتروني- الأدلة والمفكرات الإلكترونية- الرسائل الصوتية ونظم تطبيقات المتابعة الآلية …([4].

   وباعتباره الفاعل الأول في مختلف السياسات العمومية والأوراش الإصلاحية التي تم فتحها ببلادنا أكد جلالة الملك محمد السادس في رسالة توجيهية[5] أنه “… سيظل إصلاح الإدارة العمومية وعصرنتها من بين الرهانات الرئيسية التي يطرحها تقدم بلادنا، إذ يتعين أن نوفر لأجهزتنا ما يلزم من أدوات تكنولوجية عصرية بما فيها الأنترنيت لتمكينها من الانخراط في الشبكة العالمية وتوفير خدمات أكثر جودة لمتطلبات الأفراد والمقاولات”.

     فقد توقعت الرسالة الملكية أن عالم الألفية الثالثة سيكون عالم الذكاء الرقمي كمصدر للثروة الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية، وأهمية تطوير شبكة معلوماتية تربط الإدارة عموما بالكل من أجل  تبادل مختلف المعلومات والمعطيات،  وتنفيذا لهذه السياسة الحكيمة لجلالة الملك، عملت الحكومة المغربية على توفير الأرضية المثلى لتحقيق الإنتقال الرقمي ببلادنا، وذلك عبر إعداد إطار مشترك للتبادل الإلكتروني بين الأنظمة من أجل سن معايير تقنية مشتركة وموحدة تمكن من تحسين التواصل داخل الوزارات وخارجها، ويعتبر برنامج [e-gov] مشروع إستراتيجيا طموحا وضع البلاد في سكة الإدارة الرقمية وسهل الولوج الرقمي لمختلف إدارات الجماعات الترابية.

    ولعل ما يؤكد هذه المعطيات هو الرغبة الرسمية للحكومة في تفعيل الإدارة الرقمية ببلادنا من خلال البرنامج الحكومي [6]  وأهميته في ظل الظروف الطارئة الحالية التي يعيشها العالم والمغرب بسبب انتشار فيروس كورونا،  وقد  أقر هذا البرنامج ما يلي:

     كما أن المديرية العامة التابعة للجماعات الترابية بوزارة الداخلية، واكبت الجماعات الترابية من أجل مساعدتها في إدخال التكنولوجيا الحديثة إلى مصالحها وتمكينها من توفير خدمات على الخط، وفي هذا السياق وبعد توفير البنية التحتية التقنية الملائمة، فقد تم الشروع في تحديث “مكاتب الحالة المدنية” ووضع “سجل إلكتروني للحالة المدنية”.

    و منه يمكن القول أن برنامج الحكومة الإلكترونية منح الإدارة الترابية جرعة حياة جديدة جعلت منها كائنا حيا أكثر حيوية في علاقتها المواطن الذي أصبح يتواصل كثيرا  مع الإدارة، بالرغم من السلبيات التي طبعت التجربة الرقمية للإدارات الترابية، إلا أن هذه الخطوة في حد ذاتها تمثل ثورة تكنولوجية داخل مجتمع في تطور وتحول مستمرين، فالأرقام توضح التطور المتدرج في حجم الميزانية المرصودة لمشاريع التكنولوجيا، كما أن تحرير قطاع الاتصالات بمنح أكثر من رخصتين أدى إلى تطور عدد مستعملي الهاتف النقال) أكثر من ثمانية مليون مشترك (  إضافة إلى الاستعمال المتزايد للشبكة العنكبوتية  ببلادنا، كلها مؤشرات تدل على نوعية مجتمع الغد المطبوع باتساع رقعة الاستعمالات التكنولوجية.

   وبالإضافة إلى برنامج الحكومة الإلكترونية، وفي إطار تنفيذ بلادنا لعدة إستراتيجيات وطنية قصد رقمنة الإدارة واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال بغية  الانتقال  إلى المجتمع الرقمي، والذي كان التحديث الإداري للجماعات الترابية جزء مهم منها، ومن بين هذه الإستراتيجيات نجد:

    فمع كل هذه الإستراتيجيات والمخططات الوطنية من أجل رقمنة الإدارة، لا يمكن الحديث عن إدارة ترابية رقمية متكاملة في الفترة الحالية، بل فقط كل ما هو هناك، هو تواجد مبادرات لإدخال المعلوميات في التدبير اليومي وتصريف الاشتغال داخل أقسامها ومصالحها وامتداداتها الترابية من وحدات الإدارة الترابية التابعة لها تسلسليا وتنظيميا، وكذا في علاقتها بالجماعات الترابية وبعض إدارات المصالح الخارجية.

    واليوم دعت الضرورة إلى طرح تصور كامل وشامل لإدارة ترابية رقمية نموذجية يشكل استعمال التكنولوجيا الحديثة بالمفهوم الذي أوردناه أعلاه للتكنولوجيا- أساسها في تصريف أعمالها وتدبير أشغالها بمختلف وحداتها وهياكلها، لتواكب مجتمع المعرفة وتخرج من الطابع التقليدي في التسيير والتدبير، فضلا على أن تصبح وحدة إدارية ترابية إستباقية في الظروف الاستثنائية عموما و الظروف الطارئة التي تمر منها بلادنا على وجه الخصوص.

    وهذه السمة الإستباقية ستضفي على الإدارة الترابية صفة الإدارة المواطنة في تعاملها الذي يحرص على سلامة موظفيها من خلال إتاحة لهم إمكانية ” الاشتغال عن بعد” وأخذها لسلامتهم الجسدية والنفسية كأولوية ضمن أهدافها، وأيضا مواطنة لأنها سيكون بمقدورها تقديم خدماتها للمرتفقين وتتبع متطلباتهم في كل الأوقات وخارج الزمن الإداري الرسمي، فضلا على إمكانية استخدام منصاتها الرقمية في هدف التوعية والتحسيس ومواكبة عموم المواطنين بالمعلومات الصحيحة والرسمية للظاهرة الوبائية[7].

     إن رقمنة الإدارة الترابية أصبحت ضرورة ملحة ومطلبا مجتمعيا يهم كل موظفي الإدارات الترابية من أطر وتقنيين، رجال سلطة وأعوانهم ومرتفقين، باعتبار أن الرقمنة  تساهم فضلا عن أدوارها في حماية الاقتصاد الوطني في شتى تمظهراته خصوصا في الحالات الاستثنائية وحالات الطوارئ الصحية، فإنها تساهم في:

   ويمكن القول في خضم ما ذكرناه أعلاه، هو أن رقمنة الإدارة واستعمال التكنولوجيا داخل الإدارة العمومية الترابية خاصة منها الجماعية يساعد بشكل كبير في تبسيط المساطر الإدارية وتقديم خدمات القرب للمرتفقين بأقصى سرعة وبشكل متميز، وهذا من شأنه تحقيق الشفافية، كما تساهم بشكل كبير في التقليل من الرشوة، نظرا لغياب المستقبل لهذا الأخير، وكل هذا لن يكون متاحا إلا بانفتاح الإدارة الترابية ومعها وزارة الداخلية على استعمال التكنولوجيا الحديثة، تجسيدا لإدارة إلكترونية بمعنى الكلمة تتجاوز تلك الإجراءات المتجسدة في بوابات ومواقع إلكترونية خارج الخدمة أو تفتقد للتحيين والمواكبة. بل الأمر يتعلق بالحديث عن إدارة إلكترونية تفاعلية ومستجيبة لمتطلبات محيطها الخارجي والداخلي وذات تواصل تام ودائم مع حاجيات كل المرتفقين، ولتصبح آلية لدعم وتمكين التحول الإداري الذي يعمل على استحداث توجهات جديدة في تقديم وتطوير الخدمة على مستوى الإدارة الترابية. إنه وجه من أوجه تغيير وتطوير العقليات بما يتناسب والظرفية الراهنة، وبما يخدم التطلعات المشروعة للمجتمع العصري.

    فبالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، يمكن القول بأن الإدارة الترابية الرقمية لبنة من لبنات دعم وتقوية دولة الحق والقانون، تهدف إلى :

      المبحث الثاني: مكانة الإدارة الترابية الرقمية في التشريع المغربي

      إن الكل البرامج الحكومية والإستراتيجيات السالفة الذكر غايتها تحقيق تطور تكنولوجي ورقمي كبير ببلادنا، غير أن ذلك يبقى ناقصا دون اعتماد مجموعة من النصوص القانونية ، قصد تأطير هذه الإستراتيجيات والبرامج وتقويتها بمنظومة تشريعية قادرة على منحها نفسا جديدا، وتمكينها من مواكبة العصر وضمان شروط المنافسة بين دول العالم،وفي هذا السياق تم إحداث مجموعة من التشريعات نقتصر فقط على ذكر بعضها:

    للبعد الرقمي أهمية بالغة في تطوير الإدارة الترابية، لما له من أثار اقتصادية واجتماعية كبرى وهو السياق نفسه الذي تم فيه إحداث وكالة التنمية الرقمية وقد سبق للسيد الوزير المعني بهذا القطاع، أن أشار إلى كون ” تفعيل إستراتيجية المغرب الرقمي 2020 سيتم إسناده إلى وكالة التنمية الرقمية، والغاية هي جعل المغرب ضمن البلدان المنتجة للتكنولوجيا الرقمية على المدى المتوسط لإضفاء قيمة على الاقتصاد الوطني، علاوة على تحسين جاذبية المغرب للاستثمار في المجال الرقمي.[9]

   ووكالة التنمية الرقمية هي مؤسسة عمومية تتمتع بالإسقلالية المعنوية والمالية، وتخضع لوصاية الدولة، ومهامها تنحصر حسب مقتضيات المادة 3 من القانون المذكور في تنفيذ إستراتيجية الدولة في مجال التنمية الرقمية، وكذا تشجيع نشر الوسائل الرقمية وتطوير استخدامها بين المواطنين. كما للوكالة أيضا دور استشاري وتمثل قوة اقتراحية لدى الحكومة.

   وقد تم تتويج إحداث وكالة التنمية الرقمية بموجب القانون 16.61، بإطلاق مجموعة من المبادرات من أجل تسهيل العمل عن بعد في الإدارات المغربية.وجاءت هذه المبادرات، حسب بلاغ صادر عن وزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد  الأخضر والرقمي لمواكبة الدينامية الرقمية التي تعرفها الإدارات المركزية والترابية ، في ظل التدابير المتخذة إزاء فيروس كورونا المستجد، بهدف تقليل تبادل الوثائق بشكل مباشر، ومن بينها:

   أحدثت مبادرة “مكتب الضبط الرقمي” وهو منصة تهدف إلى رقمنة مكتب الضبط في المؤسسات والإدارات العمومية، من خلال مكاتب رقمية تعمل على تدبير المراسلات بشكل إلكتروني، إذ يمكن للمواطنين والشركات والإدارات وضع طالباتهم أو مراسلاتهم مع الحصول على وثيقة تفيد باستلام طلبهم، وذلك من خلال الرابط: courrier.gov.ma//:https.

    ينضاف إلى ما سبق خدمة “الحامل الإلكتروني” والتي ستمكن الإدارات الترابية المنخرطة في هذه الخدمة، من التجريد المادي لمختلف الوثائق الإدارية، والتوقيع الإلكتروني على الوثائق الإدارية، وإدارة سير العمل، من خلال الرابط:  Assistance.egov@add.gove.ma . يذكر أن 6 وزارات و5 جماعات و5 مؤسسات عمومية، اعتمدت خدمة الحامل الإلكتروني.         

    وعليه فتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال، ومعه الإدارة  الرقمية، رهين بتفعيل وكالة التنمية الرقمية، وقيامها بالمهام الموكولة إليها سواء على مستوى تنمية القطاع وتطويره، أو تقديم الاقتراحات والتصورات التي من شأنها تدعيم وتجسيد الإدارة الترابية الرقمية في الحياة الإدارية والمعاملاتية للمجتمع.

    مما لاشك فيه أن الحق في الحصول على المعلومة من الحقوق الأساسية التي تضمنتها مختلف المواثيق الدولية، وألزمت التنظيمات الإدارية بضرورة تمكين المواطن والمرتفق من الحصول على المعلومات، واتخادها للتدابير الكفيلة بممارسة هذا الحق والتمتع به. وفي هذا الإطار نص دستور 2011 في فصله 27 على أنه” للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، المؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”.

    وتأكيدا لهذا التوجه الدستوري، صدر القانون رقم 13.31 بالجريدة الرسمية.[10] هذا الأخير الذي جاء بمجموعة من المقتضيات التي تنظم الحق في الحصول على المعلومات، نجد من بينها تكريس  البعد الرقمي من خلال الحث على النشر الإستباقي للمعلومات وتدابيرها الإجرائية التي حث الإدارات العمومية ومن بينها الترابية على الأخذ بها وكذلك من جهة عبر المساطر التي حددها من أجل الحصول على المعلومات .

   وفي نفس الإطار، وتبعا لما جاء في القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، فقد ألزم الهيئات العمومية بضرورة النشر الإستيباقي للمعلومات، كما أكد على ضرورة  إتاحتها بجميع الوسائل الممكنة، بما فيها الآليات الإلكترونية،وهو الأمر الذي يوحي على الأهمية البالغة التي أولاها للبعد الرقمي في هذا المجال.[11]

     إن القانون المذكور أولى اهتماما كبير للجانب الرقمي من أجل تسهيل عملية الحق في الحصول على المعلومة، وذلك بتنصيصه على ” ضرورة تضمين طلب المعني بالأمر لبريده الإلكتروني.[12] وكذلك على مستوى كيفية الحصول على المعلومات، والتي حدد بشأنها المشرع في أسلوب الإطلاع المباشر عليها من خلال مقر الهيئة أو الإدارة المعنية داخل أوقات العمل الرسمية، أو عن طريق ” البريد الإلكتروني.[13] الأمر الذي يلامس أهداف وتطلعات الإدارة الترابية الرقمية، بحكم السرعة في وثيرة الحصول على المعلومات، وتجاوز الإشكالات والمعيقات المرتبطة بالإطار الزماني والمكاني للإدارة الترابية البيروقراطية في أساليبها وتعاملاتها التقليدية.

     وعموما تعد الرقمنة أداة مهمة في الحق في الحصول على المعلومة، وقد استخدمت التكنولوجيا الحديثة بشكل مكثف من أجل تحسين جمع وحفظ الوثائق وتسهيل نشر البيانات، إلا أنه يجب أن تقوم الإدارات الترابية بضرورة إنشاء مواقع إلكترونية خاصة بها ووضع الوثائق المتعلقة بعملها على الانترنيت ) خطة العمل والميزانيات ومحاضر الاجتماعات( بالإضافة إلى تدبير مواقعها الإلكترونية بصورة منتظمة ونشرها للهياكل التنظيمية والنصوص الأساسية و تحديثها.

خاتمة:

    لقد سعى المغرب جاهدا لبناء إدارة ترابية رقمية نموذجية، تمكنه من الالتحاق بركب الإدارة المعاصرة، إلا أن معظم البرامج والإستراتيجيات التي قامت بها الحكومات المتعاقبة من أجل إرساء إدارة ترابية إلكترونية،عرفت ضعفا على مستوى نتائجها، بسبب ضعف الإمكانيات المتاحة لإدارات الجماعات الترابية وكذا الفوارق المادية بين جهات المغرب، وهذا ما تبين بالملموس منذ إعلان المغرب لحالة الطوارئ الصحية نتيجة انتشار فيروس كورونا، بحيث أشارت تقارير عدة على بزوغ مشاكل كثيرة بين معظم الإدارات الترابية والمرتفقين بخصوص الخدمات التي تقدمها هذه الإدارات لا من حيث طرق أدائها  ومدى جودتها من جهة، ولا من حيث أجال تقديمها من جهة أخرى، وبالتالي فيكون الحل الأمثل هو الهروب للأمام وتبني استراتجيات أخرى قابلة للتنفيذ، من دون الوقوف بالقدر الكافي عند عوامل الفشل أو المحدودية، وأكثر من ذلك يجب الإقرار صراحة أن الإدارة الترابية الرقمية ليست هي برامج معلومات وحواسب يتم الزج بها داخل الإدارات العمومية فقط، بل هي مواكبة ذاتية للإدارة الترابية، التي يجب عليها أن تواكب نفسها عن طريق تأهيل موظفيها، وترسيخها للفكر الرقمي داخل هذه الإدارات.

    إذن، فالتحدي المطروح على الحكومة ومن ورائها الإدارة الترابية، هو كيف نكسب رهان الانتقال الرقمي، في أقرب الآجال، خاصة وأن آثار جائحة كوفيد 19 لازالت ترخي بضلالها على الاقتصاد المغربي وعلى الحياة الاجتماعية لفئات عريضة من المواطنين.كما أن الوضع لا يسمح بتعطيل المرافق الإدارية على مستوى الجماعات الترابية، في حالة لا قدر الله استمرار هذا الوباء إلى وقت طويل.

   الإدارة الترابية إذن، ولاسيما أصحاب القرار بها، يتحملون مسؤولية كبيرة في توفير العدة اللازمة والضرورية التي يتطلبها الإنتقال الرقمي والتي يتعين أن لا تستثني أي مكون من مكونات الإدارة المعنية وبأية حجة كانت، فالإدارة الترابية كباقي الإدارات الأخرى جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، كما يتعين أن تنجز في أفق زمني معلوم، وذلك حتى يتسنى تفعيل آليات المسائلة في حالة سوء أو ضعف أو عدم التنزيل، وهذا من شأنه تجنيب بلادنا جانب مهم من الأضرار الناجمة عن وباء كورونا على المدى القصير من جهة، كما من شأنه أن يساهم في تمكين بلادنا من بلوغ اقتصاد المعرفة، وما يمثله من فرص للتنمية الحقيقة المبنية على الرأسمال البشري على المدى المتوسط والطويل، من جهة أخرى.

لائحة المراجع:


[1] – محسن الندوي: أهمية الإدارة الإلكترونية في عصر العولمة، مجلة شؤون إستراتيجية، مطبعة الخليج العربي، تطوان ، العدد 4 نوفمبر-  يناير 2011، ص: 53.

[2] -شهاب علي: أهم مقومات دعم القدرة التنافسية للإقتصاد مجلة دراسة البصرة، العدد 35، 2011، ص: 251.

[3] -محمد أقريقز: جائحة كورونا والضرورة الملحة للعمالة الرقمية|، مقال منشور بمجلة منازعات الأعمال عدد 51- بتاريخ 31/05 /2020 ص:85.

[4] -مولاي محمد البوعزاوي: ” تحديث الإدارة الترابية بالمغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية، سلسلة البحث الأكاديمي، منشورات مجلة العلوم القانونية ، مطبعة الأمنية، 2015، ص: 171.

[5] – الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى أشغال المناظرة الوطنية المنظمة من لدن كتابة الدولة المكلفة بالبريد وتقنيات الإتصال والإعلام، الرباط في 23 أبريل 2011.

[6] – رئاسة الحكومة المغربية، البرنامج الحكومي [2012-2016]، يناير 2012، ص:23.

[7] – محمد أقريقز: جائحة كورونا والضرورة الملحة للعمالة الرقمية، مرجع سابق، ص: 87.

[8] -ظهير شريف رقم 27.17.1 صادر في 8 ذي الحجة 1438 الموافق ل 30 غشت 2017، بتنفيذ القانون رقم 16.61 المحدثة بموجبه وكالة التنمية، الجريدة الرسمية عدد 6604 بتاريخ 23 ذي الحجة 1438، الموافق ل 14 سبتمبر 2017.

[9] -المملكة المغربية ، البرلمان، مجلس المستشارين، لجنة الفلاحة والقطاعات الإنتاجية، تقرير حول مشروع القانون، تقرير حول مشروع القانون رقم 16.61 المحدث لوكالة التنمية الرقمية، السنة التشريعية 2016-2017، ص 4.

[10] -ظهير شريف رقم 15.18.1 صادر في 5 جمادى الآخرة 1439 الموافق ل 22 فبراير 2018، بتنفيذ القانون 13.31 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، الجريدة الرسمية عدد 6655، بتاريخ 23 جمادى الآخرة 1439 الموافق ل 18 مارس 2018، ص:1438.

[11] – راجع المادة 10 من القانون رقم 13.31.

[12] – راجع المادة 4 من نفس القانون

[13] -راجع المادة 15 من نفس القانون

Exit mobile version