Site icon مجلة المنارة

أزمة المرفق العام بالمغرب

أزمة المرفق العام بالمغرب

                                          إعداد الدكتور عبد الواحد القريشي  ( (*[1]

                          أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس 

 

        الملخص

    تتناول هذه الدراسة المعنونة بأزمة المرافق العامة بالمغرب جانبين مهمين : يتعلق الأول بتشخيص وضعية المرافق العامة بالمغرب ، والثاني يتعلق بمحاولة لاقتراح الحلول الممكنة لتحسين أداء المرافق العامة ولتجاوز وضعية الأزمة .

وقد همت هذه الدراسة مرفقين عامين هما المرفق العام للصحة والمرفق العام للتعليم أولا باعتبارهما مرفقين أساسيين وثانيا لأن معالم الأزمة لا تخفى فيهما.

       مقدمة

لم يكن من السهل أن نختار الحديث عن أزمة المرافق العامة ، ذلك أن اختيار هذا الموضوع يفترض أن المرافق العامة تعيش حالة الأزمة حتما ، وهي فرضية تستدعي الكثير من التمحيص والكثير من الدقة .

إننا لا نقصد من دراستنا هذه مقاربة أزمة مفهوم المرافق العامة[2] التي تزامنت ونمو المرافق العامة ، تزامنت وظهور المرافق العمومية الصناعية و التجارية ، الاجتماعية والمهنية إلى جانب المرافق الادارية، لا نقصد مفهوم المرفق العام باعتباره معيارا من معايير تطبيق القانون الاداري[3] ، بل نقصد الجوهر الذي أحدثت من أجله المرافق العامة .

إنه تقديم الخدمات العمومية ، الخدمات التي ترمي إلى المصلحة العامة سواء تم تقديمها من أشخاص القانون الخاص أو القانون العام أو بشراكة بينهما بأي شكل من الأشكال .

إننا نقصد أيضا البحث في أسباب تدني وجودة الخدمات ، ونقصد أيضا علاقة الدولة باعتبارها سلطة حكومية لها برنامج حكومي وتسعى إلى تحقيقه .

   الاشكالية

بقراءة النصوص القانونية والبرامج والأهداف المسطرة في البرامج الحكومية المؤطرة لعمل المرافق العمومية بالمقارنة مع واقع سير المرافق العمومية نقف على مفارقة ، نقف على تباعد وفي أحيان كثيرة على فجوة ، لا نملك معها إلا التساؤل حول الأسباب المؤدية لذلك ، ثم عن خطة كفيلة بإدارة الأزمة والانتقال من وضعية الأزمة إلى مرحلة الانفراج و لأجل معالجة هذه الإشكالية اعتمدنا الفرضية التالية .

فرضية الدراسة

تقوم فرضية الدراسة على أن المرافق العامة تعرف أزمة حقيقية على مستوى تدبيرها وجودتها ، ومما يزيد من أزمتها الطريقة غير السليمة لتدبير الازمة وتجاوزها .

ولأجل التحقق من هذه الفرضية فقد اعتمدنا الافتراضات الجزئية التالية :

وهذا ما يستدعي اعتماد منهج مناسب للتحقق من هذه الفرضية .

   منهجية الدراسة

لقد عمدنا إلى اعتماد المنهج الاستقرائي لنسائل من خلاله بعض المرافق العمومية ، من حيث الأداء والتدبير ، نسائلها على مستوى الموارد ، الوسائل والنتائج ؟

لكن أي مرفق عام نختاره لنجعله عينة لدراستنا ؟

طبعا لن يكون اختيارنا إلا تعسفيا لكننا ننطلق من ملاحظة أساسية وهي أن واقع المرافق العامة في الوقت الحالي يعرف تشابها كثيرا ، فالمرفق العام للتعليم ، ليس أحسن وضعا من المرفق العام للعدل ، ولا المرفق العام للأمن ، ولا المرفق العام للنقل …، إننا لا نكاد نرتاح لوضعية أي مرفق عام ، ونكاد نحسم بحالة الأزمة في كل مرفق عام .

ولهذا اخترنا أن نقوم في مرحلة أولى بتشخيص واقع المرافق العامة من خلال تقارير المؤسسات الرسمية وبعض تقارير المجتمع المدني، على أن نتناول في مرحلة ثانية عناصر إدارة الأزمة .

     المبحث الأول : تشخيص أزمة المرافق العامة

جودة المرافق العامة يدركها المواطن والأجنبي ، يدركها المقيم والسائح ، يدركها الغني والفقير ، تدرك أيضا على مستوى كل المرافق العامة ، غير أنه وبعيدا عن كل تحليل يستند إلى الذاتية فإننا سنعتمد في تشخيص واقع سير المرافق العامة على تقارير المؤسسات الرسمية و هيئات المجتمع المدني ، طالما أنه يصعب علينا في حدود هذه الدراسة التعمق بخصوص وضعية كل مرفق عام على حدة .

فهل يحق لنا أن نصف المرافق العامة بالمغرب بوضعية الأزمة ؟ للإجابة على هذا السؤال يقتضي منا الأمر التعريف بحالة سير المرفق العام على الأقل على مستوى تدبيره، على مستوى جودة خدماته بالاعتماد على المرفق العام للصحة والمرفق العام للتعليم.

                    الفقرة الأولى : واقع سير المرفق العام للصحة

من منا لم يلج مرفق الصحة لطلب الخدمة الاستشفائية ؟ وعلى الأصح من منا لم ينتظر لساعات طوال، أو غير وجهته من مستشفى عمومي إلى المصحات الخاصة ، بل وتساءل عن الجودة المنصوص عليها في الدستور المغربي في ظل ما يقابل به ، وفي ظل معاناته في مساره الاستشفائي ، غير أن هذه الرؤية المتسمة بالذاتية ما كنا لنأخذ بها لولا تأكيدها من خلال الوثائق الرسمية ، سواء على مستوى تدبير المرفق العام للصحة أو على مستوى الجودة بهذا المرفق.

                     أولا : واقع تدبير المرفق العام للصحة

لا يخفى أن قطاع الصحة يعاني من اختلالا ت على مستوى تدبيره ويتضح ذلك على المستويات التالية :

مستوى التمويل المخصص للمرفق العام للصحة ؛

التفاوتات على مستوى الاستفادة من الخدمات الصحية ويظهر ذلك جليا بين العالم القروي والحضري ؛

يتضح ذلك أيضا على مستوى تدبير الموارد البشرية ؛

ويتضح ذلك أيضا على مستوى المبادئ الاساسية لسير المرافق العمومية [4]ويتعلق الأمر بما يلي [5]:

مبدأ المساواة من الاستفادة من الخدمات الصحية ؛

مبدأ الاستمرارية في أداء العلاجات وتقديم الخدمات و في الوقت المناسب بدل الانتظارية التي تسم الآجال والمواعيد ؛

الشفافية والوضوح ؛

الولوج .

ومن الطبيعي أن ينعكس مستوى تدبير المرفق العمومي للصحة على واقع الجودة بهذا المرفق .

                    ثانيا : واقع الجودة بالمرفق العام للصحة

لإيضاح واقع الجودة بالمرفق العام للصحة نستند إلى الرؤية الاستراتيجية للصحة   2012 – 2016 والتي وصفت بأن هذا المرفق يعرف عجزا كبيرا نسبيا سيما على مستوى توفير الخدمات الصحية للأفراد والتي ينظر إليها على أنها ذات جودة مشكوك فيها [6].

هذا بالإضافة إلى رصدها لمجموعة من العراقيل الأخرى والتي تتمثل فيما يلي:

صعوبة الولوج للخدمات الصحية ؛

النقص الحاد في الموارد البشرية ؛

قدرات تكوينية دون المستوى اللائق .

ولقد أكد هذه الوضعية المتسمة بضعف الأداء تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، بل ونبه إلى خطورة الفوارق بين أمكنة الإقامة والجهات ، فعلـى سـبيل المثـال، تظهـر معطيـات إحصـاء سـنة 2014 بجهـة فـاس مكنـاس أن عـدد السـكان لـكل طبيـب يبلـغ 7277 فـي إقليـم تاونـات، مقابـل 1453 بعمالـة مكنـاس .

بل وتظهر هذه الوضعية أكثر حتى على مستوى الفئات الاجتماعية حيث إنه وبناء على دراسة أنجزتها فعاليات المجتمع المدني همت نظام  راميد  اعتبر المجلس أن هنـاك ثلاثـة عوائـق كبـرى تـؤدي إلـى عـدم رضـا المسـتفيدين مـن نظـام «راميـد،» وهـي:
– النقــص فــي المــوارد الماليــة والتجهيــزات؛

الخصــاص علــى مســتوى الأطبــاء والممرضيــن؛

القصــور علــى مســتوى الحكامــة  .

وإلى جانب هذا فإن الوضع السيء للاستقبال يجد له مكانا عندما يستند إلى الرشوة بدل الاستقامة ، وإلى المحسوبية والزبونية بدل النزاهة ، مما يؤدي الى تفشي الفساد والمساس بالمبادئ العامة لسير المرافق العامة [7]

هذا ويضاف إلى هذه المعوقات ما قد يشوب أداء المرفق العام للصحة من هفوات أخلاقية تمس جوهر تولي المناصب العامة وحسن تدبير الشأن العام .

فهل المرفق العام للتعليم أفضل حالا من المرفق العام للصحة أم إن خصائص الأزمة  تهم كليهما ؟

                    الفقرة الثانية : واقع سير المرفق العام للتعليم

يعتبر المرفق العام للتعليم أحد المرافق العامة الأكثر ارتباطا بالأسر المغربية ، فهو مرفق اجتماعي عرف العديد من الاصلاحات والتغيرات مع الحماية الفرنسية ، وزادت وثيرة الاصلاحات وتتابعها منذ الاستقلال .

وبالرغم من الاصلاحات المتوالية والخطب الرسمية الداعية إلى الرفع من مستوى أداء المرفق العام للتعليم ، فإن هذا المرفق لازال يعاني من نقائص عديدة .

وهذا ما انعكس في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حيث إنه بقراءة ما تضمنه هذا التقرير يتضح بأن المرفق العام للتعليم يعيش حالة الأزمة على عدة مستويات .

     أولا : واقع تدبير المرفق العام للتعليم

ونركز في هذه النقطة على دور القطاع الخاص في التعليم العمومي ، فبعد أن كانت الدولة هي التي تتولى بالأساس تدبير مرفق التعليم من خلال مؤسسات التعليم العامة ، ولم يكن للقطاع الخاص أن يدبر هذا المرفق إلا استثناء لأسباب قانونية واجتماعية ، عمدت الدولة إلى رفع يدها تدريجيا عن المرفق العام للتعليم ، وبالمقابل شجعت القطاع الخاص .

كما أن تدني مستوى التعليم العمومي للدولة ،أدى بالمواطنين إلى البحث عن مرفق بديل للتعليم حتى ولو كان مؤدى ، وقد يكون خارج الوطن .

وهي وضعية تم انتقادها بشدة من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حيث اعتبر بأن الافراط غير المتحكم فيه باللجوء إلى القطاع الخاص وفرض رسوم التسجيل المدرسية يمكن أن يزيد من خطر ظهور منظومة تعليمية لا تتلاءم كثيرا مع منظومة تكافؤ الفرص والإنصاف التي تكرسها النصوص والتقارير الوطنية والدولية[8] .

كما انتقد موقف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي  بخصوص فرض رسوم التسجيل واعتبره بأنه يعد كخطوة أولى ضربا لمجانية التعليم العمومي، ومسا بالفئات المحتاجة بالرغم من أن المجلس الأعلى للتربية والتعليم والبحث العلمي  اقترح إعفاءها .

وكذلك في نظر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي فإنه يصعب أجرأة المقتضيات المتعلقة بقرض الرسوم ، كما أن من يلجأ للتعليم العمومي حاليا هي الفئات الهشة والفئات الدنيا من الطبقة المتوسطة وهو ما سيمس بحق الولوج الى التعليم .

وكنتيجة لذلك دعا إلى عدم تبني هذا الإجراء في السياق الوطني الحالي.

وبالرغم من الانتقادات الموجهة إلى تدبير المرفق العام للتعليم المتعلقة بالتدبير المالي وبالموارد البشرية سواء على مستوى التوظيف أو التكوين ، فإن سؤال النجاعة يبقى مطروحا بقوة في تدبير هذا المرفق .

         ثانيا : واقع الجودة بالمرفق العام للتعليم

لقد اعتبرت الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 المنجزة من طرف المجلس الأعلى للتربية والتعليم والبحث العلمي  بأن واقع التعليم يتسم بضعف المردودية وذلك على المستويات التالية [9] :

ضعف التمكن من اللغات والمعارف والكفايات والقيم ؛

محدودية نجاعة أداء الفاعلين التربويين وما يعانيه التكوين الأساس والمستمر من نقائص ؛

استمرار الهدر المدرسي والمهني والجامعي؛

ضعف المردودية الكمية والكيفية للبحث العلمي .

وبالإضافة إلى نقائص أخرى تم جردها في هذه الوثيقة فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بدوره وصف وضعية المرفق العام للتعليم بالسيئة والحرجة وركز بالخصوص على :

تفاقـم ظاهـرة الأقسـام الدراسـية المكتظة فـي المؤسسـات المدرسـية، سـواء فـي التعليـم الابتدائي أو الثانـوي، فضلا عـن ارتفـاع ظاهـرة تجميـع عـدة مسـتويات فـي قسـم دراسـي واحـد لمـدرٍس واحـد.

تعانـي المنظومـة الوطنيـة من عجز بنيوي علـى مسـتوى هيئـة التدريـس تفاقـم بفعـل أعـداد المدرسـين المحاليـن علـى التقاعـد، ممـا اسـتدعى اللجـوء إلـى توظيـف الأسـاتذة عـن طريـق التعاقـد، باعتبـاره حلا اسـتعجاليا خـلال الدخـول المدرسـي لموسـم 2016/2017.

إن التوظيـف فـي مهنـة التدريـس بـدون تكويـن بيداغوجـي كاف يؤثـر سـلبا علـى جـودة التعليـم. (تعليـم أولـي، تعليـم ابتدائـي، تعليـم ثانـوي).

حقا إنها وضعية تدعو بإلحاح كبير إلى البحث عن حل ملائم لتدبير أزمة المرافق العامة بالمغرب .

             المبحث الثاني : مقترب حل أزمة المرفق العام

إن الحديث عن حل لأزمة المرافق العامة يبدو صعبا للغاية، لكن هذا الأمر لا يمنع من المساهمة على الأقل من حيث التوجهات الأساسية لحل الأزمة طالما أنه من الصعب الحديث عن إدارة للأزمة .

       الفقرة الأولى : المقترب التقليدي لحل أزمة المرفق العام

نقصد بالمقترب التقليدي لحل أزمة المرفق العام المقترب الذي تحاول من خلال السلطات المسؤولة إيجاد حل لتجاوز أزمة المرفق العام ، ويمكن التعريف بهذا المقترب من خلال صفاته .

           أولا : التعايش مع الأزمة

أخطر نقطة في هذا المقترب هو أن المسؤول عن تدبير المرفق العام لا يولي اهتماما لوضعية المرفق المسؤول عنه ، فمسألة التعايش مع أزمة المرفق العام مرحلة خطيرة سواء تعلق الأمر بسوء تقدير أو تعلق بلامبالاة .

إن تعايش المسؤول مع أزمة المرفق العام  لا يمكن أن يؤدي إلا إلى أخطار غير متوقعة أو مفاجآت ، تؤدي بالضرورة إلى كوارث.

الأمر لا يقف عند هذا الحد بل إن الأزمة تتمدد وهذا ما لامسناه من خلال الاحتجاجات التي عرفتها ربوع المملكة في أزمنة متوالية .

فالأزمة تتمدد من المرفق العام إلى الشارع العام ، وتتغير أطرافها من علاقة  بين المرتفق والسلطة التنفيذية ، إلى علاقة بين المرتفق المحتج والسلطة السياسية .

والأزمة تمتد أيضا في المجال، إذ تنطلق في مرفق معين في منطقة معينة ، لكنها قد تتوسع لتهم تراب الدولة برمته.

وتتمدد الأزمة أيضا حتى في الزمن، وهنا نصبح أمام مرحلة خطيرة وتتغير الأهداف ، وبدل أن تركز السلطات على حل أزمة المرفق العام ، نصبح أمام أهداف جديدة وهي إيجاد حل لأزمة ترتبط أكثر بالنظام السياسي وبحفظ الأمن والنظام العام .

           ثانيا : حل يقوم على تأجيل الأزمة

يتصف المقترب التقليدي لحل أزمة المرفق العام بالسمات التالية :

إنه مقترب يتبنى حلولا أو استراتيجيات تؤدي إلى تخفيف الأزمة بدل إيجاد حل جذري لها ؛

غالبا ما يكون هذا الحل مرتبطا بحلول أو خطط تروم الحفاظ على النظام العام والعودة إلى مرحلة الاستقرار؛

مقترب يقوم على خطط استعجالية لا تقاوم الزمن وغالبا ما يتم التخلي عنها بمجرد تغيير الحكومة أو المسؤول الإداري ؛

مقترب يسد مشاكل جزئية بداخل المرفق ، ويأتي استجابة لمشاكل قائمة بدل تبني نظرة تنبئية واستباقية ؛

مقترب يركز على تبيان الأهداف أكثر من تحديد الوسائل.

ومن تجليات هذا المقترب في المرفق العام للتعليم نجد التوظيف بالتعاقد الذي عرفه المغرب في السنوات الأخيرة ، فقد تم اللجوء إلى هذا النوع من التوظيف لسد الخصاص في المدرسين ، وتم التعاقد مع حاملي الإجازة، ومباشرة وخاصة في البداية  تم إسناد مهام التدريس دون تكوين مسبق ، وهذا ما يتنافى ومطلب الجودة .

نعم أن نسد الخصاص في هيئة التدريس فهذا أمر لازم ، لكن يجب أن يكون وفق منهج سليم ،وهو ما أكدت عليه منظمة اليونسكو حيث اعتبرت بأن التحدي لا يقتصر على توظيف المعلمين ، بل يرتبط أيضا بضرورة تدريبهم [10].

ولهذا يجب تبني المنهج العلمي كاختيار تتأسس عليه الممارسة التعليمية عبر شتى مستوياتها : إعدادا وإنجاز وتقويما ، واستثمارا وتنقيحا ، مع استحضار خصلة التخطيط ، والتنبؤ المستقبلي والتعامل النسقي إزاء الظواهر التربوية بدءا من رصد أهدافها ، مرورا بتحديد متغيراتها ، فإعداد آليات تقويمها[11]

       الفقرة الثانية : إدارة أزمة المرفق العام

لقد اتضح مما سبق أن المرافق العامة تعيش حالة الأزمة ، لكن هذا لا يعني غياب نقط إيجابية سواء على مستوى سير المرفق العامة أو على مستوى أدائها ، ومع ذلك فإن سؤالنا الجوهري يتمحور حول كيفية الانتقال من وضعية الأزمة والانحدار إلى وضعية الانفراج .

ما هي المحددات الأساسية لإدارة أزمة المرافق العامة بالمغرب ؟

إنني لا أدعي القدرة على الإجابة على هذا السؤال ، لكنني أومن بضرورة تبني بعض المطالب الأساسية والتي يجب أن تتضمنهما أية خطة للإصلاح .

           أولا : مطلب الحكامة في المرافق العامة

الحكامة مطلب ملح لحسن سير المرافق العامة ، اعتبرها دستور 2011 كمرتكز أساسي للنظام السياسي  واعتبرها في بابه الثاني عشر تحديدا  كمقوم أساسي لتحسين المرافق العامة[12] ، ولذا كان من الطبيعي أن يتم التركيز عليها في دستور 2011، وكان من الطبيعي أيضا أن ترتبط بالمرافق العامة كما هي منصوص عليها في الفصول 154 الى 157 من الدستور المغربي خاصة ما يتعلق بالولوج والمساءلة والمحاسبة والإنصاف على مستوى التراب الوطني وضرورة وضع ميثاق للمرافق العمومية وغيرها .

فالحكامة بهذا المفهوم يجب أن ينطر إليها كطريقة ملائمة لتدبير الشأن العام بغض النظر عن مسألة السلطة[13] .

وهكذا وبناء على إحالة ذاتية حملت رقم 13/2013 أعد المجلس الاقتصادي والاجتماعي تقريرا حول حكامة المرافق العمومية خلص فيه إلى ضرورة تبني التوصيات التالية :

1 – تحديد الاستراتيجية لمقاربة شاملة، تكون بمثابة الأساس لمجموع الإصلاحات ومجموع أعمال الإدارات المكلفة بالمرافق العمومية؛
2 – تحصين جاهزية المعلومة وتوقيتها والولوج إليها؛

3 – تبسيط الاجراءات والمساطر؛

4 – تنظيم الاستقبال، في احترام للمرتفق وانتظاراته ، مع توفير شروط الإنصات والاستشارة والطعن عند اللزوم؛
5 – إعادة توجيه وتسريع الاستراتيجية الحكومة الإلكترونية، وتعميم اللجوء إلى نزع الصبغة المادية عن المساطر.

وكلها تدابير وتوصيات من شأنها أن تحسن الوضعية الحالية للمرافق العامة  وهو ما من شأنه أن يكرس دعائم الدولة الحديثة[14] .

           ثانيا : تبني منظور جديد للمرفق العام

ونقصد بذلك تحديدا إعادة صنع العلاقة بين الدولة والمرافق العامة ، فسياسة  الخوصصة وعلى الأصح تخلي الدولة عن المرافق العامة اتباعا لتوصيات لمنظمات دولية أو اقتناعا بها كسياسة عمومية لم تؤت أكلها .

إننا ندعو إلى أن تتولى الدولة بشكل مباشر وأساسي وجاد الإشراف على المرافق العامة بدل رفع يدها وفسح المجال أكبر للقطاع الخاص ، وأن يتم تفعيل آليات الرقابة كعنصر لتدبير السياسات والبرامج والتي تأخذ بعين الاعتبار المؤهلات المتوفرة بمختلف أنواعها وفي مختلف مراحل اتخاذ القرار [15].

وهذا ما أشار إليه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، فلقد عضد المجلس الاقتصادي والاجتماعي رأيه بالتجـارب الدوليـة مستدلا  بدولـة الشـيلي، والتي نهجت سياسـة خوصصة منظومتهـا التعليميـة، والتي  تظـل مـن البلـدان التـي تعانـي أكثـر مـن غيرهـا مـن التفاوتـات فـي الأداء بيـن التلاميـذ مـن مختلــف الشــرائح الاجتماعيـة ، وبالمقابــل فــإن فنلنــدا التــي تعتبــر الدولــة التــي تملــك النظــام التعليمــي الأكثــر نجاعــة فــي العالـم، تعتمــد فــي المقــام الأول علــى القطــاع العمومــي[16].

وفي نفس السياق فقد دعا جلالة الملك إلى إعادة النظر في النموذج التنموي الحالي وتبني نموذج تنموي جديد يروم تجاوز العراقيل ، ومعالجة نقط الضعف والاختلالات، التي أبانت عنها التجربة [17].

استنتاجات

من خلال هذه الدراسة التي انصبت على واقع أزمة المرفق العام يمكن أن نقف على بعض الاستنتاجات المهمة نبسطها كما يلي :

إنها بعض الاستنتاجات والتي نطمح من خلالها إلى مرفق عام بمواصفات الجودة والنزاهة والمساواة والإنصاف وفق المقتضيات الدستورية ووفق مبتغى المواطنات والمواطنين ، وهي مهمة وإن كنا نعتقد بأنها مهمة السلطة السياسية بالأساس ، مهمة المواطنات والمواطنين ، ومهمة الاحزاب السياسية والنقابات أيضا .

فالرقي بمستوى أداء المرافق العامة مسؤولية مشتركة ويقع عبء تحقيقها على كل فعاليات المجتمع .

 

 

 

المراجع المعتمدة :

       أولا : المراجع باللغة العربية

2 – المقالات

3 – الرسائل

4 – المواقع الالكترونية

      المراجع باللغة الفرنسية :

1 – Ouvrages

2 – Articles

*مدير مركز إضاءات للأبحاث والتنمية ، مدير سلسلة إضاءات في الدراسات القانونية.

 

[2]  يراجع : بوجمعة رضوان ، قانون المرافق العامة ، مطبعة النجاح الجديدة ، 239 ص .

[3]  يراجع : القريشي عبد الواحد ، المرجع في النشاط الإداري ، سلسلة إضاءات في الدراسات القانونية ، العدد : 7 ، مطبعة النجاح الجديدة ، 2017 ، 117 ص .

[4]  يراجع : بوعشيق أحمد ،المرافق العامة الكبرى ، دار النشر المغربية ، مطبعة النجاح الجديدة ،2002 ، ص ص : 181- 195 .

[5]  المملكة المغربية ، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، تقرير حكامة المرافق العامة ،ص : 17، الموقع الالكتروني :  www.ces.ma، تاريخ الزيارة : 01 شتنبر 2018.

[6]  المملكة المغربية ، وزارة الصحة العمومية ،الرؤية الاستراتيجية للصحة  2012-2016 ، الموقع الالكتروني : www.sante.gov.ma تاريخ الزيارة : 07 يوليوز 2018.

[7]  للمزيد أنظر : العنبي رضوان ، ” المواطنة وسؤال تخليق المرفق العام أزمة قيم أم أزمة قوانين وتشريعات ؟”في : المواطنة وسؤال تخليق الحياة العامة ، تنسيق : القريشي عبد الواحد ، سلسلة إضاءات في الدراسات القانونية ، العدد الأول ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ، 2014 ، ص ص : 9 – 34.

[8]  المملكة المغربية ، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، تقرير حكامة المرافق العامة ،ص : 73، الموقع الالكتروني :  www.ces.ma، تاريخ الزيارة : 01 شتنبر 2018.

[9] المملكة المغربية ،الرؤية الاستراتيجية للمجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي  : 2015-2030 ،85 ص ، الموقع الالكتروني : www.csefrs.ma تاريخ الزيارة : 01 يوليوز 2018 .

 

[10]  منظمة اليونسكو ، التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع ، 2013-2014 ، الموقع الالكتروني : http://unesdoc.unesco.org  تاريخ الزيارة : 01 يونيو 2018.، ص: 10 .

[11]  القريشي  محمد ، في قضايا التجديد التربوي بالمدرسة الأساسية المغربية ، دار الثقافة ، مطلعة النجاح الجديدة ، 2000، ص : 123.

[12] AZZOUZI Abdelhak , ANDRE Cabanis , le néo-constitutionnalisme marocain à l’épreuve du printemps arabe,

L’ harmattan, 2011 , p :127.

[13] FADEL Abdellah , gouvernance du développement humain : fondements conceptuels et approches , REMALD , numéro:  88 ,2014 , p : 27

[14] Voir : JELLOULI Tarik , gouvernance des établissements publics marocains : quelles implications sur le territoire ?REMAFIP ? , numéro: 4/2014 , p :254.

[15] KHETTOUCH Moha , « pour une nouvelle conception des contrôle des services publics»  ,REMALD ,

Numéro:  35, 2000 , p :41.

[16]  المملكة المغربية ، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، تقرير حكامة المرافق العامة ،ص : 74، الموقع الالكتروني :  www.ces.ma، تاريخ الزيارة : 01 شتنبر 2018.

[17]   خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية 2017-2018 يوم 13 أكتوبر 2017 ، الموقع الالكتروني : http://www.maroc.ma تاريخ الزيارة : 30 أكتوبر 2017 .

 

Exit mobile version