أزمة الجزاء الجنائي وآليات تجاوزها

أزمة  الجزاء الجنائي وآليات تجاوزها

 

فاتن الوزاني الشاهدي

   طالبة باحثة  *

مقدمة:

تمثل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة أهم المشاكل التي تواجه السياسة العقابية الحديثة لما تثيره من تعقيدات وصعوبات تتعلق بفعالية هذه السياسة في تحقيق أغراض العقوبة المختلفة خاصة الغرض الإصلاحي والتربوي والتأهيلي.

فالعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة تحمل الكثير من الأضرار والمساوئ[1]، مما حمل الفقهاء إلى التعرض لها حيت انتقدوها بشدة لما تشكله تلك الأضرار والمساوئ من عقبة في تحقيق أهداف السياسة العقابية.

فحول مدى فعالية هاته العقوبات ومدى جدوى الإبقاء عليها أو إبدالها بعقوبات أخرى غير سالبة للحرية، تعددت الآراء وتباينت الاتجاهات إلى أصوات ترى أن اللجوء إلى العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة ليس هو الحل الوحيد للعقاب، إذ لا يجب اللجوء إليه إلا عند الضرورة القصوى، وبالتالي فمن أجل إصلاح العدالة الجنائية كان لابد من توظيف فلسفة جديدة على مستوى هذا النوع من العقوبات وهي فلسفة البدائل، وأصوات أخرى ترى عكس ما سبق بحيث تطالب بعدم التخلي عن عقوبة الحبس على اعتبار أنها الأصل والبدائل مجرد استثناء، وأن هذه العقوبات تحقق غرضا أساسيا للعقوبة وهو الردع بنوعيه[2]، من أجل ذلك نتمنى أن لا يتم اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة إلا عند الضرورة القصوى والاتجاه نحو تكريس بدائل لها على اعتبار النتائج السلبية التي تخلفها في الجنح البسيطة وما لها من انعكاسات أخرى إن على المستوى الفردي، الاجتماعي، الاقتصادي أوعلى مستوى تزايد معدلات عود الجناة الذين سبق لهم أن حوكموا بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة إلى سلوك درب الجريمة  من جديد بمجرد تنفيذ عقوبتهم ،إضافة إلى تأثيرها على برامج الإصلاح والتهذيب.

في ظل كل الإشكالات التي سبق ذكرها والتي تطرحها العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة سنحاول إبراز بعض مظاهر الأزمة العقابية من خلال الحديث عن  مثالب العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة ( الفرع الاول) ثم الحديث عن آليات تجاوز تلك المثالب لحل الأزمة العقابية ( الفرع الثاني).

 

 

  الفرع الأول:  مثالب العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة

كان ثمة اعتقاد ولازال إلى حد كبير بأن عقوبة السجن وحدها تشكل عاملا رادعا أولا ثم عاملا وقائيا ثانيا للفرد بعد خروجه من السجن.

فالمؤشرات العامة تشير إلى أن العقوبات السالبة للحرية عموما والقصيرة المدة على وجه الخصوص لم تحقق أهدافها الردعية المرجوة من أهداف السياسة الجنائية المبنية عليها بصورة عامة، لذلك فالوقاية الافتراضية لعقوبة السجن ليست أكيدة ونتائجها غير مضمونة.

ففي ظل عقوبة السجن لازلنا نلاحظ ازديادا عاما في حجم الجريمة والإجرام كما وكيفا، وذلك على المستوى العالمي، إذ يصل حجم الزيادة في الأنماط الإجرامية والسلوكية المنحرفة الأخرى إلى حوالي 5% كل سنة، هذا زيادة على ارتفاع عدد المسجونين أنفسهم في المؤسسات العقابية عبر العالم  وبخاصة في الدول الصناعية[3].

لهذا فقد يقول قائل أن البحث في مثالب العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة لا يأتي بجديد، فمن المنطقي أن تكون لها سلبيات لأنها لم تشرع ليعيش المحكوم عليه بها رغد العيش، وهذا قول خاطئ جدا لأن السجن ليس معناه القضاء على السجين بل هو البوتقة التي تنصهر فيها شخصية المجرم لإعادة هيكلته من جديد، لذلك فإن مساوئ هذه العقوبة ليست بمنأى عن الانتقاد.

وعليه فإذا كان الواقع العملي للسجون [4] قد أبان على أن العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة تطرح عدة مشاكل[5] ومساوئها أكبر من محاسنها التي تكاد لا توجد مما جعلها تنتقد وتعارض بشدة[6] ، فما هي إذن تلك المساوئ إن على المستوى الفردي والاجتماعي ( مبحث أول) أو على المستوى الاقتصادي (  مبحث ثاني).

 المبحث الأول: مثالب العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة على المستويين الفردي والاجتماعي

 

كثيرة هي المثالب الفردية والاجتماعية التي تطال المحكوم عليه وأسرته، ولتناول هذا المبحث بالدراسة ارتأينا معالجة الأساسي منها[7] وذلك بحديثنا أولا عن ظاهرة الاكتظاظ باعتبارها من الظواهر التي تساهم في إعاقة إصلاح المتهمين وإعادة إدماجهم في النسيج الاجتماعي، وظاهرة العود التي أثبتت عدم استطاعة العقوبات السالبة للحرية  بصفة عامة والقصيرة المدة على وجه الخصوص تحقيق الردع والوقاية الفردية أو الجماعية من الجريمة (مطلب أول) كما سنتحدث عن الوصم الاجتماعي باعتباره من أبرز النتائج السلبية التي تنتج عن العقوبات السالبة للحرية عموما والقصيرة المدة على وجه الخصوص ثم أخيرا سنتطرق للخلوة الشرعية التي لا تتحقق مع هذا النوع من العقوبات (مطلب ثاني).

 المطلب الاول : الوصم الاجتماعي وظاهرة العود

لم تعد وظيفة السجون تقتصر على الجانب المتعلق بسلب حرية المحكوم عليه، إنما أصبح من أهدافها تأهيله لحياة بعيدة عن العود إلى الانحراف من جديد (فقرة ثانية) وتبعده عن كافة العلل الاجتماعية التي من الممكن أن توجهه كالوصم الاجتماعي (فقرة أولى) لذلك فإنه يجب أن يتلقى عناية تشمل مختلف نواحي شخصيته من اجل تزويدها بالقدر الكافي لمواجهة كافة الصعوبات التي يمكن أن تعترضها في المستقبل[8].

  الفقرة الاولى: الوصم الاجتماعي

من أبرز النتائج السلبية للمحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة نجد تلك النتائج المترتبة عن الوصم الاجتماعي[9]، الذي يسوق المحكوم عليه إلى تشكيل سلوكه وفق منظور الآخرين إليه، وهذا  طبعا يفاقم في تعميق الهوة الاجتماعية بين الفرد ومحيطه، فتغلق أمامه كل الأبواب وترصد في وجهه كل الفرص المشروعة، وقد تزعمه على سلوك طريق الانحراف أو الاستمرار فيه وذلك نتيجة للطبيعة الموصومة لرد الفعل الاجتماعي أو بالأحرى للعقوبة الاجتماعية[10]، فدور المجتمع في الوصم يؤدي لا محالة بالشخص الموصوم إلى التماثل والتطابق الفعلي مع صفة الوصم التي ألصقت به وذلك تحت تأثير الضغط الذي يولده رد الفعل الاجتماعي[11] والذي يدفعه للاستسلام وقبول التمييز الاجتماعي حياله، ولاشك في أن ذلك يكون أشد وطأة على نفسية المحكوم عليه[12].

فبعد انتهاء فترة العقوبة الحبسية القصيرة المدة يعود المحكوم عليه بها من جديد لمجتمعه الأساسي، وهنا تظهر على السطح مشكلة على جانب كبير من الخطورة وهي مدى إمكانية تقبل النسيج الاجتماعي لعضو من أعضائه سبق أن زج به في السجن لقضاء فترة عقوبته السالبة للحرية، وذلك حتى ولو كانت تلك العقوبة قصيرة المدة وحتى لو كان ما اقترفه من جرم لا يشكل درجة  كبيرة من الخطورة ومدى استعداد أفراد المجتمع لإعادة الروابط والعلاقات الاجتماعية مع المفرج عنهم أو إنشاء روابط وعلاقات اجتماعية جديدة معهم.

وترتبط بالمشكلة السابقة مشكلة أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها، وهي مدى تقبل أو رفض أفراد المجتمع لأفراد أسرة وعائلة تم الزج بأحد أعضائها في السجن، خاصة إذا ما كان من قد تم الزج به في السجن هو عائل الأسرة  ومدى تأثر العلاقة بين المحكوم عليه وأفراد أسرته وعائلته[13]  نتيجة هذا الرفض الاجتماعي، ومدى استعداد أفراد المجتمع[14] أيضا لإعادة الروابط الاجتماعية معهم وإنشاء روابط وعلاقات اجتماعية جديدة معهم سواء خلال فترة العقوبة أو عقب انتهائها؟

فالركيزة الأساسية والمحور الرئيسي الذي تقوم عليه المشاكل السابقة، لا تكمن فيما اقترفه المحكوم عليه من جرم أدى للزج به في السجن، أو مدى خطورة نمط الأثر الذي تركه هذا الجرم في الشعور الكامن بالعدالة الكائن داخل نفوس أفراد المجتمع، وإنما يكمن في الصورة الذهنية السيئة الراسخة في أذهان أفراد المجتمع اتجاه السجن وكل من يزج به بين جدرانه وكل من تربطه بالمحكوم عليه علاقة قرابة بل حتى صداقة[15].

فعلى غرار ما ذهب إليه بعض الفقه[16]  نرى أن الوصم الاجتماعي هو بمثابة العقوبة الأساسية التي يتعرض لها المحكوم عليه حينما يخرج من السجن، فالمجتمع وصاحب العمل و… غالبا ما يرفضونه، الشيء الذي يجعله يحس بأنه غريب في مجتمع الشرفاء، مما يدفعه للعودة من جديد إلى المجتمع الذي يحس فيه بذاته وكيانه ألا وهو مجتمع السجن باعتباره المكان الوحيد الذي يمكن أن يرحب به ولا يتحقق ذلك إلا بعد ارتكابه جريمة أخرى.

فلا شك إذن في أن إعادة إنشاء الروابط والعلاقات الاجتماعية بين المفرج عنهم بعد تنفيذهم للعقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة وبين أفراد النسيج الاجتماعي، هو الغاية التي تصبوا إليها أية سياسة عقابية، فالهدف من عقاب الجاني هو بالدرجة الأولى إصلاح كل فاسد أو معوج في سلوكه أو أخلاقه لتأهيله لتلك الغاية، ولكن تحقيق هذه الغاية ليس بالأمر اليسير لارتباطه بمفاهيم متعددة مثل الرأي العام لأفراد المجتمع، والصورة الذهنية المرسخة في عقولهم اتجاه من يزج به في السجن لقضاء عقوبة سالبة للحرية طالت مدتها أو قصرت[17].

وإذا كانت ردود أفعال أفراد المجتمع اتجاه المحكوم عليهم وأفراد أسرهم قد تتسم في بعض الأحيان ببعض مظاهر الشفقة والعطف، إلا أنها لا تخلوا من انعدام للثقة بهم ومشاعر الخوف والعار اتجاههم، وتلك المشاعر قد تتوارى مؤقتا خلف مظاهر الشفقة والعطف ولكنها قد تتجلى بوضوح في مواقف معينة خاصة في بعض المواقف والعلاقات الاجتماعية التي تربط المحكوم عليهم ببعض أفراد المجتمع مثل علاقات العمل والزواج، هاته العلاقات التي قد تتوتر وتتسم بالفتور أو النفور أو اللفظ وهو ما قد يؤدي لفقد هؤلاء المفرج عنهم لوظائفهم وبالتالي لمواردهم المالية، مما يمهد الطريق أمامهم للاتجاه إلى درب الجريمة من جديد كنتيجة مباشرة لما يتعرضون له من لفظ اجتماعي وصعوبة في إعادة الاندماج في  النسيج المجتمعي من جديد[18].

الفقرة الثانية:  ظـاهـرة العـود

عند خروج المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة من السجن فإنه يخرج محملا بالكثير من مشاعر القلق والتوتر عن كيفية استقبال أفراد مجتمعه له ومدى تقبلهم له وقدرته على الاندماج بينهم واندماجه داخل النسيج الاجتماعي من جديد، إضافة إلى كونه يكون محملا بمشاعر الحزن والإحباط وخبرات إجرامية وقيم فاسدة يكون قد اكتسبها خلال فترة العقوبة، فإذا لم يجد من المجتمع الاستعداد الكافي لتحقيق الاندماج والتواصل فإن ما اكتسبه من خبرات إجرامية وقيم فاسدة سيتفاعل مع ما قد يكون لديه من استعداد ونقص في الوازع الديني والخلقي لتتزايد احتمالات عودته مرة أخرى إلى درب الجريمة، وهذا ما يساهم في إفساد المنحرفين المبتدئين بدلا من إصلاحهم[19].

والعود إلى الجريمة من الناحية القانونية[20] يعبر عن معنى محدد يختلف عن نظيره في الاستعمال الشائع لذلك التعبير، فهو ليس مجرد تكرار للجرائم، وإنما هو تكرار بشروط محددة ينص عليها القانون وتكشف عن مغزى إجرامي يرغب المشرع في مواجهته، ويمكن تعريفه بأنه ارتكاب الجاني لجريمة أخرى بعد سبق صدور حكم بات ضده بالإدانة وتوافر علاقة بين الحكم السابق والجريمة التالية فضلا عن توافر الشروط المتطلبة في كل من الحكم[21] والجريمة.

فالعود من وجهة نظر علم العقاب[22] لا يعتبر الجاني المحكوم عليه في جريمة جديدة عائدا ما لم يكن قد نفذت عليه فعلا العقوبة الصادرة ضده بسبب الجريمة السابقة[23] .

و يثير العود مشكلة حادة في السياسة الجنائية حول معاملة المجرم العائد، فالفرض أن هذا الأخير قد وجه إليه إنذار رسمي سابق متمثل في العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة من أجل عدم العودة إلى الإجرام، ولكنه لم يأبه بذلك وأصر على المضي في طريق الجريمة كاشفا بذلك عن استهانته بأحكام القضاء والمصالح المحمية جنائيا[24].

فالدلالة الإجرامية لجريمة العائد أوضح بكثير منها لدى المجرم المبتدئ، وهذه الخطورة الإجرامية التي تنكشف لدى العائد تدعوا منطقيا لمآخذته بالتشديد[25]، وهذا التشديد مبني على الجانب الشخصي وحده، إذ تبقى ماديات الفعل واحدة في جريمة العائد وفي جريمة المبتدئ، كما يثير العود من ناحية أخرى البحث عن عوامله وعن المعاملة العقابية للعائدين، فقد لوحظ في كافة المجتمعات تقريبا ارتفاع نسبة العود إلى الإجرام[26]، وأن هذه النسبة ترتفع بوجه خاص لدى نزلاء السجون السابقين وأن العود ينقلب في كثير من الحالات إلى ما يشبه احتراف الإجرام، وأن العائدين والمعتادين على الإجرام يحتاجون إلى معاملة عقابية خاصة تختلف عن تلك التي يتلقاها المجرمون المبتدئون.

ويكشف تضخم ظاهرة العود بوجه عام عن واحد من أوجه الخلل في مواجهة الظاهرة الإجرامية سواء بالعجز عن القضاء على العوامل الإجرامية أو عدم تنظيم سبل الوقاية من الإجرام على نحو محكم أو فشل السياسة العقابية في اختيار الجزاء الجنائي المناسب والمعاملة العقابية الملاءمة[27].

فلقد ناقش المؤتمر الثالث للأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في استوكهولم في الفترة من 9 إلى 18 أغسطس سنة 1965 إجراءات مكافحة العودة إلى الجريمة[28] حيث بحث فيما يتعلق بالعود ما يلي:

أولا يلاحظ على كثير من سياسات مكافحة الجريمة وأسلوب ممارستها لهذه المشكلة أنه رغم أن هذه السياسات لا غبار عليها، إلا أن بعض الأفراد ممن يعانون من اضطرابات نفسية عميقة قد استقر الإجرام في نفوسهم وارتضوه مسارا لحياتهم، ويلاحظ أيضا ارتفاع نسبة العائدين بعد دخولهم السجن لأول مرة وكرد فعل لمعاملة السجن حيث يشعرون بعدها بمرارة في نفوسهم.

كما أن برنامج منع الجريمة يحقق غرضين نافعين، أولهما الإقلال من احتمال عودة المذنب إلى الجريمة بعد قضائه مدة العقوبة، وثانيهما اتخاذ إجراءات إيجابية مؤثرة لمكافحة عوامل العودة إلى الجريمة.

فكما أشار بعض الفقه[29] فإنه يظهر أن السجن قد توقف عن ممارسة دوره كمكان للردع الخاص، والأرقام العالية[30] التي سجلها العود إلى ارتكاب الجريمة تعد دليلا واضحا على ذلك، فقد أصبح السجن مدرسة للجريمة أكثر منه مكانا يحول دون العود إليها، وبذلك فعدم وجود العوامل المضادة للإجرام والمتمثلة في برامج التهذيب والإصلاح يجعل هؤلاء المحكوم عليهم لقمة سائغة في يد المجرمين الأكثر خطورة، بحيث يخرج المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة أكثر خطرا عن الوضع الذي كان عليه قبل دخوله المؤسسة السجنية، وبالتالي يصبح السجن نواة لتكوين أكبر العصابات، وقد يكون بعضهم قد ارتكب جريمته بمحض الصدفة.

فما يقصد بالسجن حسب البعض[31] هو صلاح المسجون وعدم عودته مرة أخرى للجريمة، ولكن الكثير من الدراسات والبحوث أتبثت عودة الكثير من المجرمين للسجن، كما أتبثت عدم استطاعة السجن تحقيق عامل الردع والوقاية الفردية أو الجماعية من الجريمة، فالمؤسسة العقابية بأشكالها وأنظمتها تساعد في إعادة إنتاج الجنوح ضدا في أهدافها المسطرة في قوانينها والتي تلح فيها على مطلب الإصلاح والتهذيب والإدماج[32]، هذا المطلب وللأسف الشديد لا تستفيد منه الفئة المحكوم عليها بعقوبة قصيرة المدة مما يجعلها تعود إلى سلوك درب الجريمة مرة ثانية[33]، لأن ولع السجون يغذي الاستعدادات الأولية للجنوح واحترافه[34] نظرا لما تسمح به العقوبات من اختلاط المحكوم عليه بها بغيره من المجرمين الأشد منه خطورة مع ما يؤديه هذا الاختلاط من اكتساب ثقافة فرعية فاسدة[35] لعدم الشعور بالخوف والرهبة من دخول السجن مرة ثانية[36].

وبالتالي فحديثنا عن هاته المشكلة –العود- وآثارها السلبية على المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة يقودنا للحديث لا محالة عن أحد أهم المسببات الأساسية لظاهرة العود، وهي عدم تمكين هذه الشريحة من السجناء من الاستفادة من برامج التكوين المهني[37] التي يمكن أن تساعدهم بعد الإفراج عنهم على امتهان عمل يدوي شريف يستطيعون معه ضمان مستقبلهم في الحياة العادية بكل اطمئنان، مما يجعل العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة معوقا من المعوقات التي تواجه إعادة الإدماج والرعاية اللاحقة للسجناء،[38] وبالتالي يبقى الخيار الوحيد للمحكوم عليهم بعد رفضهم من قبل المجتمع هو العودة إلى سلوك  درب الجريمة من جديد.

 الفقرة الثانية : الخلوة الشرعية و الاكتظاظ

 

إذا كانت السجون تعتبر أمكنة لإصلاح المسجونين من ناحية المبدأ، فإن هذا الاعتبار يصطدم بمفاهيم مغايرة من الناحية العملية، فسلب الحرية بحد ذاته يورث التعقيد والاذلال واليأس في نفوسهم، وكما يرى أحد المصلحين في هذا الحقل بأنه لا يمكن تعويد الأفراد المحكوم عليهم على الحرية بينما هم في حالة الحجز، ولا يمكن القول بأنه لكي يصبح السجين مواطنا صالحا فلابد أن يكون سجينا نموذجيا يلتزم بالقواعد المتبعة في المؤسسات العقابية[39].

وعلى ذكر المؤسسات العقابية يتبادر إلى ذهننا سؤالين مهمين، الأول يتعلق بهل هناك محاولات جادة من القائمين عليها لتفادي الآثار السلبية لسلب الحرية المتعلقة بالغريزة الجنسية؟ وهل من مجهودات تبذل لحل  مشكل الاكتظاظ؟

للإجابة على هذين الطرحين نقترح أن نعالج في  نقطة اولى نظام الخلوة الشرعية باعتباره نظام لو فعل فإنه وعن جد يمكن تلافي العديد  من المساوئ، كما سنتحدث عن ظاهرة الاكتظاظ في  نقطة ثانية.

  اولا : الخلوة  الشرعية

يؤدي تنفيذ العقوبات السالبة للحرية إلى انقطاع العلاقة بين النزيل وبين المجتمع الخارجي طوال فترة العقوبة المحكوم عليه بها، وهذا يؤدي إلى آثار سيئة نفسية وصحية واجتماعية ، ولاشك أنها تمثل عقبات أساسية في تحقيق هدف التأهيل.

فالسجن يحول دون إشباع السجين حاجاته الطبيعية، كمزاولة الجنس، وهو أمر طبيعي في الإنسان، خاصة إذا كان معظم المسجونين متوسطي العمر وفي حالة صحية تتيح لهم مباشرة العلاقات الجنسية على نحو دوري ومنتظم، وهم في الغالب قد اعتادوا ذلك قبل دخولهم إلى المؤسسة العقابية، وبعضهم من عاش حياة فاسدة وقد اعتاد على مباشرة العلاقة الجنسية بإفراط فيكون الحرمان المطلق شديد الوطأة عليه.

ولذلك كان انتشار الشذوذ الجنسي بين المحكوم عليهم ظاهرة طبيعية، وخطورته   لا تكمن فقط في ذات الشذوذ وما يرتبط به من مضار و لكن الوجه الأساسي في هذه الخطورة يكمن في ان من اعتاده  يجد فيه الإشباع الجنسي الكامل، ومن تم فإنه ينصرف عن الصلات الجنسية الطبيعية، وذلك يعني أن تنحل عائلته،  وانحلال العائلة هو عقبة في سبيل التأهيل[40].

لذلك فحينما تطرح قضية الاختلاء أو المعاشرة الزوجية بالسجون وهي سارية المفعول في كل المؤسسات السجنية نظرا لما جهز لها من بيوت حميمية -وبوشر بالاستفادة من هذا الحق لفئة من السجناء ذوي الاستحقاق والشرعية- فإنها لا تخفي جدلا في ما مدى نجاح هذه التجربة أمام ظاهرة الاكتظاظ التي تعاني منها السجون حاليا[41].

ومن هنا يمكن القول أن السجين ينزل منزلة الأعزب إذا كان رجلا متزوجا قبل دخوله السجن، وذلك طيلة مدة سلب الحرية، وهذا في تقديرنا يعد حرمانا غير قانوني ولا دستوري وينافي المواثيق الدولية.

وبالتالي فالحرمان من الحق في العلاقة الحميمية يعد حرمان غير قانوني لأنه لا يوجد سند في القانون يقضي صراحة بهذا الحرمان[42]، كما يعد حرمانا غير دستوري على اعتبار أن الأسرة وكما يعلم الجميع هي النواة الأولى للمجتمع، والعديد من الدساتير المقارنة  كالدستور الفرنسي، الجزائري نصت على ذلك.

وعلى هذا الأساس فالحرمان من الخلوة الشرعية بين المحكوم عليه وزوجته فيه مس بالحقوق الشخصية وبالأسرة نفسها[43]، خصوصا إذا ما اتخذ ذلك الحرمان صورة  الإنكار التام والدائم حينما يتعلق الامر بالسجن المؤبد، الشيء الذي يتنافى مع نجاعة العقوبة التي تبقى رهينة بتوثيق الصلة بين السجين وزوجته وبينهما والمجتمع.

فبالنظر إلى قانون 98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية المغربي، لم يرد في هذا الموضوع عبر مواده صورة واضحة عن الخلوة الشرعية، إلا أن المادة 46 من هذا القانون نصت على الرخصة الاستثنائية للخروج لمدة لا تتعدى عشرة أيام بحيث يصبح الشخص المرخص له منفردا في بيته الحر مع زوجته وأولاده وأهله وذلك بشروط محددة في هذا القانون.

والملاحظ أن المؤسسات السجنية قد أخذت من هذه المادة القانونية في أبعادها لتوفير مكان لائق ومناسب لتتم عملية الخلوة بين النزيل وزوجته في ظروف قانونية شرعية مباحة، كما أن المذكرة رقم 189 عدد 37348 بتاريخ 30 نونبر 2000 في موضع الزيارة العائلية المتعلقة بالترخيص مرة في الشهر، يتم خلالها استقبال السجين لأطفاله وعائلته وتناول وجبات الطعام رفقتهم طيلة يوم كامل للحفاظ على الرابطة الأسرية للمعتقلين[44].

من هنا نرى أن قضية الخلوة الشرعية موضوع معلق وقابل للجدال والنقاش في إطار التطبيق عمليا في سائر المؤسسات السجنية، فواقع التنفيذ يدعو إلى خلاف ذلك لأن مصلحة السجون لا يمكن لها تخصيص أماكن لكل المعتقلين[45]، وإذا تم تنفيذ هذا العمل فإنه لا يطبق إلا على المعتقلين المحكوم عليهم بعقوبات طويلة الأمد[46]، أما المحكوم عليهم بستة أشهر إلى عامين فإن هذا النظام –الخلوة الشرعية-لا يسري عليهم نظرا لاعتبار هذه المدة بمثابة فترة سفر عمل بالنسبة للزوجة[47].

فأهداف هذا السلوك هو القضاء على الشذوذ والحد من انتشار الأمراض الجنسية والجلدية والصدرية وغيرها من الأمراض الخطيرة بين المسجونين والحفاظ على الأسرة[48]، حيث أن الزوجة لا تفكر في الانحراف، لكن سلبيات هذا الموقف قد تثير الفتنة في حالة تعدد الزوجات وحالة سجن كلا الزوجين ثم حالة تزوير العقود الشرعية ثم المشاكل التي ستطرح عند نشوز الزوجة وعدم تقبلها لهذا الموقف، ثم الحمل الذي سيقع إذا حصل ذلك والإحراج الذي يتبعه التردد عند الانتظار وهلم جرا[49].

ومما جاء أيضا في موضوع الخلوة الشرعية ما طرحه أحد الأساتذة[50] في موضوع الخلوة الشرعية حل نفسي تربوي اجتماعي في اتجاه الإدماج، حيث أعطى أبعاد فقهية ملموسة وتجارب ميدانية في أرضية المؤسسات العقابية الأوربية والعربية وأعطى في ذلك نموذج الخلوة الشرعية بسجون المملكة العربية السعودية، حيث نصت المادة 16 من برنامج حفظ القرآن الكريم والخلوة الشرعية في سجون المملكة العربية السعودية، أن تتاح للمحكوم عليهم والموقوفين الذين مضى عليهم في السجن ثلاثة أشهر فأكثر فرصة الاختلاء الشرعي بزوجاتهم مرة كل شهر لمدة ثلاث ساعات، وذلك لتفادي المساس بالحقوق الشخصية وبالأسرة نفسها، لكون الحرمان من المعاشرة الزوجية يتخذ صورة للإنكار التام والدائم لتلك الحقوق خصوصا إذا تعلق الأمر بالعقوبات القصيرة المدة خاصة وأن نجاعة  العقوبة حسب البعض[51] رهين بتوثيق الصلة بين السجين وزوجته وبينها وبين المجتمع.

وعموما فما يمكن قوله في إطار هذه النقطة هو أن المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة يعانون من الحرمان الجنسي[52] المترتب على عزلتهم ومنعهم من الحياة الجنسية المشروعة، وهذا ما يجعل السجون تتحول إلى مكان للجنس المثلي[53]، حينما تقفل البوابات الحديدية وتميل النفس إلى الوحدة، وهذا ينطبق على كلا الجنسين من الذكر اللواطي، والأنثى السحاقية، رغم الحذر واليقظة المستمرة في مكافحة هذه الظاهرة بكل الوسائل الأمنية حيث وضعت عدة حلول لإيجاد مخرج يستنشق فيه السجين ملاذ الوعي بآفاق وخلفيات الشذوذ التي تعم السجون خفية، وذلك بفتح فضاءات لتغذية العقل والنفس في اتجاه صحيح وما تتطلبه أخلاقيات وأدبيات السجون في أفق الإصلاح، إلا أن معضلة الاكتظاظ تبقى أكبر معيق لهاته المحاولات.

 ثانيا: ظاهرة الاكتظاظ.

السجن معناه تأديب وتهذيب وإصلاح وتعليم المحبوسين، وهو شعار تحاول كل الدول تطبيقه داخل مؤسساتها العقابية، لكن تعترض طريقه عقبة واحدة هي اكتظاظ هذه السجون.

والعقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة بحكم قصر مدتها لا تستوعب الهدف الأساسي من العقاب وهو إصلاح وتأهيل الجانحين، فهي لا تكفي بطبيعتها لإصلاح هؤلاء واستفادتهم من البرامج التربوية والتأهيلية، لذلك فالأطر الساهرة على إعداد وتنفيذ برامج الإصلاح التأهيلي لا تتمكن بسبب الاكتظاظ الذي يتجاوز في كثير من الأحوال الطاقة الاستيعابية للمؤسسة السجنية[54] هذا من جهة وقصر مدة تلك العقوبة من جهة أخرى عن تطبيق هذه البرامج على النحو السليم والمتكامل والهادف[55]، فبرامج الإصلاح لا يمكن أن تستثمر نتائجها خلال مدة زمنية قصيرة[56].

ومعضلة التضخم في ساكنة السجون هي ليست خاصية الدول المتخلفة فقط، وإنما هي ظاهرة اكتسحت جل دول العالم[57] التي أصبحت تسعى إلى الحد منها بالبحث عن أنجع السبل لتصريف السجون، وبالطبع تختلف الوسائل من دولة إلى أخرى[58] ، وهكذا تسعى السياسات الجنائية المعاصرة إلى الحد من هذه الآفة التي تفوق تطبيق أي برنامج للإصلاح نتيجة ضعف الإمكانيات، وبالتالي فالاكتظاظ يبقى مشكلة كبيرة مطروحة في كل المؤسسات السجنية وهو حجرة عثرة أمام كل المنجزات والمساعي الإصلاحية الكبرى.

فالاكتظاظ يمثل أزمة السجون الحالية ولا مفر منها سوى باللجوء إلى إيجاد حلول آنية ومستعجلة، ورسم أهداف اجتماعية إنسانية مستقبلية على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل للتغلب على هذه الإشكالية أو المعضلة التي تزداد تأزما مع مرور الأيام، فلا يمكن خطو خطوة إلى الأمام إلا إذا وجدت وسائل بديله لمحاربة الانحراف والإجرام المتصاعد في الوسط الاجتماعي ومحاولة التخفيف من حدثه[59].

فالأسباب التي تساهم في تكريس أزمة السجون وتشكل عاملا أساسيا في تضخم ساكنتها كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، الحكم بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة وغير مجدية برأي كل المهتمين  بعلم العقاب[60] ، لأنها لا تستوعب تطبيق برنامج إصلاحي كأصل عام، وتسمح بالاختلاط وبالتالي الاعتياد على جو السجون[61].

اللجوء المضطرد والآلي إلى العقوبة السالبة للحرية رغم وجود الغرامة، وهذا السلوك القضائي ليس خاص ببلادنا فقط، فهو معروف في فرنسا مثلا حيث ينتقد الفقه إصرار القضاء على هذه العقوبة رغم وجود بعض الوسائل القانونية لدرئها كالمراقبة القضائية ووقف التنفيذ والوضع تحت الاختبار، وما ذلك إلا إدمان قضائي على العقوبات السالبة للحرية بسبب عدم الوعي بفظاعة هذه العقوبة وانعدام فاعليتها، وهو راجع إلى بعد القضاء عن واقع السجن ووضعيته[62].

إن تحول الغرامة في العديد من الحالات إلى عقوبات سالبة للحرية، وأيضا عدم تفعيل المادة 80 من القانون الجنائي التي تقضي بإيداع المدمنين على المخدرات والكحول في مؤسسة للعلاج وذلك لعدم وجود مثل هذه المؤسسات في المغرب[63] ، ناهيكم عن غياب أي نظام للبدائل التي تحتل مكانة مرموقة في العديد من الدول[64] هي اسباب كلها تكرس ازمة السجون و بالتالي ازمة الجزاء الجنائي.

فحتى نظام وقف التنفيذ الذي من الممكن ان يخفف من شدة الازمة يتم  اللجوء إليه بشكل حذر مجرد من أية مراقبة أو التزام فهو خيار للقاضي بموجب سلطته التقديرية وهو ما أكده المجلس الأعلى في أحد قراراته[65]:” إن تقرير إيقاف تنفيذ العقوبة راجع لقضاة الموضوع من تقدير مطلق، فإذا توفرت عناصر الجريمة، وحكمت المحكمة بالعقوبة المنصوص عليها فلا يبقى من واجبها أن تعلل تعليلا خاصا عدم تقديرها إيقاف التنفيذ”.

والواقع أن السجون في جميع أنحاء العالم مكتظة بالنزلاء مما ينتج عنه آثار سلبية متعددة استعرضها عدد من الباحثين[66] على الشكل التالي:

* ينجم عن ظاهرة الاكتظاظ في السجون انتشار الأمراض لصعوبة عزل النزلاء المصابين عن الأصحاء لضيق المكان من جانب، ومن جانب آخر للقصور في الخدمات الصحية لأن الضغط عليها لا يساعد على اكتشاف النزلاء المصابين في الوقت المناسب حتى يمكن عزلهم قبل انتشار المرض.

* الضغط على البرامج التأهيلية بالسجن سواء أكانت تلك البرامج دينية أو اجتماعية أو ثقافية أو رياضية، وهذا يؤدي إلى فشل تلك البرامج أو على الأقل ضعف فاعليتها، وتعد هذه البرامج بمثابة أدوات الإدارة في معالجة الأسباب التي دفعت السجين إلى ارتكاب الجريمة، وبغيرها لا يمكن أن تحقق عقوبة السجن أهدافها في إصلاح النزلاء وتشجيعهم على نبذ الإجرام.

* فشل عملية التصنيف داخل السجون حيت أن هاته العملية تتطلب توفير إمكانات، منها وجود مكان فسيح لإقامة النزلاء في مجموعات متجانسة اجتماعيا واقتصاديا وتعليميا ومنفصلة عن المجموعات الأخرى، وتحدد لكل مجموعة برامج تأهيلية تناسب ظروفها.

* الضغط على مرافق السجن سواء داخل العنابر أو خارجها مما يولد الكثير من المشاكل الأمنية والصحية والاجتماعية.

* قد يؤدي هذا التكدس إلى تأخر خروج النزيل من السجن لاسيما النزلاء المفرج عنهم قبل إنهاء عقوبتهم.

* يؤدي اكتظاظ السجون إلى زيادة معاناة النزيل نتيجة إقامته في غرفة أو زنزانة بها أعداد أكثر من طاقتها الاستيعابية للنزلاء، وتزداد المعاناة أكثر لدى من يعاني من مشاكل نفسية نتيجة لدخوله السجن مثل الاكتئاب النفسي ( وهو مرض نفسي ينتشر بين النزلاء وخصوصا حديثي التجربة) أو الأرق أو الانطواء الاجتماعي والعزلة والانحراف.

* اكتظاظ السجون يؤدي إلى تأكيد فشل السجون في عملية الإصلاح نتيجة لعدم فاعلية البرامج والخدمات التي تقدمها الإدارة للنزلاء وهذا يؤدي إلى ارتفاع نسبة العود، بل قد يؤدي إلى أن تصبح السجون مدارس للإجرام يتعلم فيها النزلاء لأول مرة أنماطا جديدة من الإجرام.

* يؤدي اكتظاظ السجون إلى الضغط على العاملين مما يفقدهم الفاعلية والإرادة لأداء المهمة المناطة بهم على الوجه المطلوب.

* اكتظاظ السجون يؤدي إلى فقدان السيطرة سواء داخل السجن بصفة عامة أو داخل العنابر بشكل خاص، وهذا قد يولد إشكالات كثيرة مثل الشغب والعنف والاحتجاج التي قد لا يستطيع المسؤولون السيطرة عليها.

وبناءا على ما سبق فإنه لا يسعنا إلا القول بأن الاكتظاظ يعد من أبرز المشاكل التي يواجهها كل من القائمين على إدارة السجون والقائمين على وضع وتنفيذ البرامج الإصلاحية بها، والقائمين على وضع وتنفيذ السياسات الاقتصادية في الدول المختلفة.

 المطلب الثاني : المثالب  الاقتصادية

 

تشير بعض الإحصائيات[67] إلى كثرة الأحكام الصادرة بالعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، ومؤدى ذلك اكتظاظ السجون بالنزلاء مع ما يترتب على ذلك من نفقات باهضة تتعلق بإيداع المحكوم عليه – بناء مؤسسات عقابية- رعايتهم، الصحة، الملبس، المشرب، المأكل … وحراستهم، ويبدوا ذلك جليا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المحكوم عليهم لا يقومون بأي عمل منتج يمكن أن يسد جانبا من هذه النفقات.

وعموما فإن اللجوء إلى الحكم بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة برأي كل المهتمين يعد مصدرا للكثير من الآثار السلبية ذات الطبيعة الاقتصادية والمالية، وذات الصور المتنوعة والمختلفة باختلاف الجهة التي تتكبدها، لا سواء بالنسبة للمحكوم عليه وأفراد أسرته وعائلته ( فقرة أولى) ولا بالنسبة للدولة عن طريق إرهاق خزينتها(  فقرة ثانية ).

الفقرة الاولى  : الوضع الاقتصادي للمحكوم عليه  وأفراد أسرته وعائلته

تختلف الآثار الاقتصادية التي تخلفها العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة على مستوى وضعية المحكوم عليه وأفراد أسرته وعائلته سواء أثناء تنفيذ العقوبة ( أولا)   أو عقب انتهائها ( ثانيا)، وهذا ما عبر عنه بعض علماء العقاب بثمن الجريمة[68] .

 اولا: الوضع الاقتصادي للمحكوم عليه وأفراد أسرته وعائلته أثناء  تنفيذ العقوبة

 كثيرة هي المساوئ والآثار الاقتصادية التي تصيب المحكوم عليه وأفراد أسرته أثناء تنفيذ العقوبة[69]، حيت يترتب على الزج بالمحكوم عليه في السجن لقضاء فترة العقوبة انقطاع المورد المالي اللازم لإعاشته وإعاشة من يعول، وهو ما يترتب عليه حدوث خلل في الوظيفة الاقتصادية للأسرة، ويضاف إلى ذلك العبء الذي يقع على أفراد هذه الأسرة لتوفير موارد مالية لسد احتياجات المحكوم عليه أثناء تنفيذه لفترة العقوبة، ناهيكم عما يتكبده أعضاء تلك الأسرة أو العائلات من نفقات لزيارة المحكوم عليه، وتبرز الآثار الاقتصادية ايضا في تلك التي تترتب على الآثار السلبية السيئة التي تلحق بالعلاقة بين أفراد أسر وعائلات المحكوم عليه وبين أرباب أعمالهم والآثار الاقتصادية التي تترتب على وصمة العار التي تلحق بأفراد تلك الأسر والعائلات نتيجة الزج بأحد أفرادها في السجن، والآثار الاقتصادية التي تترتب عن فقدان الثقة بكل من له صلة بالمحكوم عليه[70] .

فأثناء تنفيذ المحكوم عليه للعقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة غالبا ما يفقد مصدر دخله المادي[71] الذي يمكن  أن يكون شهريا أو يوميا، وبالتبعية تفقد الأسرة معيلها خصوصا إذا كان الوحيد من بين أسرته الذي  يعمل، وهذا ما يؤثر سلبا على وضعية الأسرة والعائلة من الناحية الاقتصادية إن على مستوى سد احتياجاتها أو على مستوى مصاريف السفر لزيارة المحكوم عليه، ومصاريف توفير نفقاته التي أصبحت تشكل العبء الأكبر الذي يقع على عاتق تلك الأسر والعائلات، وذلك بقصد المحافظة على الرابطة والتواصل الأسري مع المحكوم عليه.

ففيما يتعلق بكيفية مواجهة الوضعية المالية المزرية لأسرة المحكوم عليه وعائلته تقوم الأسرة بعدة تضحيات لسد احتياجاتها المالية، حيث من الممكن أن تلجأ الزوجة إلى العمل والأبناء يقاطعون الدراسة من أجل العمل أيضا لسد احتياجاتهم المالية، كما قد يضطر أفراد الأسرة في حال استحال معهم العمل للاستدانة من الآخرين أو بيع أشياء في ملكيتهم أو ملكية المحكوم عليه لمواجهة العجز في النفقات أو طلب المساعدة من الأهل والأقارب، في حين يتجه البعض إلى حرمان الأبناء من مواصلة التعليم اقتصادا في النفقات[72] .

وعموما كثيرة هي الآثار الاقتصادية التي تتكبدها أسرة المحكوم عليه وعائلته إثر إيداعه -المحكوم عليه- بالسجن خصوصا إذا أخدنا في الاعتبار أن هذا الأخير لا يقوم بأي عمل منتج يمكن أن يسد جانب من هذه النفقات[73].

إذا ثبت ما سبق فإنه يحق لنا أن نتساءل عن الوضع الاقتصادي للمحكوم عليه وأفراد أسرته وعائلته عقب انتهاء فترة العقوبة؟

    ثانيا: وضع المحكوم عليه وأفراد أسرته وعائلته عقب انتهاء فترة العقوبة

بعد تنفيذ المحكوم عليه للعقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة يعود للمجتمع مرة ثانية، لتطفوا على السطح مشكلة جديدة وهي مدى قدرته على الاندماج في النسيج الاجتماعي مرة أخرى، ومدى استعداد أفراد المجتمع لتقبل المفرج عنه في نسيجهم، فالمفرج عنه عقب خروجه من السجن يكون في أمس الحاجة إما لإعادته لعمله القديم [74] أو توفير عمل آخر[75] له يساعده على توفير موارد مالية لإعاشته هو ومن يعول، بالإضافة إلى استعادته للروابط التي كانت تربطه بأفراد مجتمعه واستعادته لمكانته الاجتماعية واعتباره بينهم وهو الأمر الذي لا يتاح له في أغلب الأحيان[76].

ومن هنا يتضح التأثير السلبي للعقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة على الموارد المالية للمحكوم عليه ومن يعول من أفراد أسرهم وعائلاتهم، كنتيجة للزج بأحد أفراد أسرتهم وعائلاتهم في السجن لقضاء فترة عقوبة سالبة للحرية ولو كانت قصيرة المدة ونتيجة جرم غير بالغ الخطورة.

وخلاصة القول فإنه يمكننا اختزال الآثار الاقتصادية التي يتكبدها المحكوم عليه وأفراد أسرته وعائلته، في فقدان هؤلاء للدخل أو المورد المالي الذي كانوا يحصلون عليه قبل الحكم بتلك العقوبة على عائلهم الذي فقد وظيفته أو مصدر قوته وقوت عائلته[77]، وهو ما يترتب عليه من خلل في الوظيفة الاقتصادية للأسرة، إضافة إلى العبء الذي يقع عليها لتوفير موارد مالية لسد احتياجاتها أثناء تنفيذه لفترة العقوبة، ناهيكم عن النفقات التي يتكبدها أفراد الأسرة بخصوص زيارة المحكوم عليه، نفقات خاصة بالتنقل وأخرى خاصة بالمحكوم عليه نفسه…

وبالتالي فالتبعات الفردية والاجتماعية والاقتصادية التي تلحق بكل من المحكوم عليه،  أفراد أسرته وعائلته، تشكل بإجماع الفقه [78] أشد عقوبة في حق المحكوم عليه لأن ذلك إقصاء له من الحياة الاجتماعية بالدرجة الأولى التي لطالما انتظر العودة إليها، الشيء الذي يعيق عملية دمجه في وسطه ودفعه في أغلب الحالات إلى العود للإجرام مرة أخرى.

كذلك تبدو الآثار الاقتصادية الخطيرة للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة واضحة على الاقتصاد الوطني إذ أنها تحرم الاقتصاد من نتاج من حكم عليهم، بل ومن إمكانية عدم عودتهم إلى العمل من جديد  بحيث يتحولون بعد خروجهم من المؤسسات العقابية إلى عالة على المجتمع بدلا من أن يكونوا من المساهمين في نموه وتطوره، ويبدوا هذا الأثر واضحا بالنسبة للعاملين في القطاع الزراعي والصناعي بالأساس.

 الفقرة الثانية:  إرهاق خزينة الدولة

من المعلوم أن المحكوم عليهم بالسجن يوضعون في سجون يقيمون فيها تنفيذا للعقوبة معزولين حتى تنتهي مدة تلك العقوبة، وهم في الغالب أصحاء قادرين على العمل والإنتاج بما يخدم المجتمع واقتصاد البلاد، ووضعهم في السجون يستلزم نفقات كبيرة تؤخذ من خزينة الدولة، نفقات باهظة تضر بمصالح خزينتها [79] سيما وأن عدد السجناء في ازدياد مستمر، ومرجعية ذلك على سبيل المثال تفشي ظاهرة المخدرات وانتهاك الأعراض وما يترتب على البطالة [80] من  سرقات  وسطو إلى غير ذلك من أنواع الجرائم الأخرى[81].

فمما لا شك فيه أن إنشاء السجون بأنواعها وإدارتها وحراستها يكلف الدولة أموالا طائلة هذا إذا كانت لتقييد وسلب حرية المحكوم عليه ومنع هروبهم فقط ، أما إذا أريد إضافة الإصلاح للمحكوم عليهم وتأهيلهم اجتماعيا بإعادة اندماجهم في الحياة الاجتماعية كمواطنين صالحين فإن ذلك يكلف الدولة أموالا قد تعجز عنها الكثير من الدول بسبب كثرة المحكوم عليهم وزيادة أعدادهم سنويا، حيت أن أساس المشكلة هو وجود نظام لا يأخذ في حسبانه عملية العرض والطلب .

على ضوء ما سبق إذن يمكن القول أن  مشكل عدم استطاعة وقدرة الإدارة العقابية على تطبيق برامج التأهيل المناسبة بالنسبة للمحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة هو-المشكل- من الآثار الاقتصادية غير المباشرة التي تترتب على تعدد النزلاء المحكوم عليهم بهذه العقوبة ، وهي بهذا- العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة- تضيف بعدا اقتصاديا جديدا للتراكمات الناتجة عن هذه العقوبات، ومؤدى ذلك أنه بسبب هذه العقوبات فإن المجتمع هو الخاسر الأول لعدم قدرة المؤسسة العقابية على التعامل مع المحكوم عليهم بعقوبات  قصيرة المدة[82]، وهذا ما دفع البعض[83]  إلى القول بضرورة جعل السجون للجرائم الأكثر خطورة أي الجرائم التي تفترض عقوبة سالبة للحرية طويلة المدة.

وعلى هذا الأساس فإنه إذا كان من اللازم إبعاد المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة عن المجرمين الأشد خطورة، فإن هذا يولد التزاما على عاتق الدولة بإنشاء مؤسسات عقابية خاصة بهؤلاء [84]، إذ لا يخفى على أحد المبالغ الكثيرة التي تحتاجها هذه الأبنية وهو ما يضاعف النفقات التي تلتزم بها الدولة اتجاه المحكوم  عليهم[85]، في وقت ينظر فيه المجتمع نظرة اللارضاء لأية مبالغ تتجه  لهذه الأبنية، إذ يفضل أن تتجه إلى مشروعات إنتاجية بدلا من التوجه لإيواء من خرجوا على أحكام القانون.

ومن هذا المنظور يعد الاكتظاظ من أبرز المشاكل التي يواجهها كل من القائمين على إدارة المؤسسات العقابية والقائمين على وضع وتنفيذ البرامج الإصلاحية بها والقائمين على وضع وتنفيذ السياسات الاقتصادية في الدول المختلفة، فهو يؤدي إلى عجز القائمين على إدارة السجون عن توفير المتطلبات اللازمة لإدارتها على الوجه الأكمل، كما يلقي على عاتقهم مزيدا من الأعباء بدرجة قد تؤدي إلى إعاقة تحقيق أهداف العقوبة وأغراضها، ويؤدي الاكتظاظ أيضا إلى عجز القائمين على وضع وتنفيذ السياسات الاقتصادية في الدول المختلفة عن توفير الإمكانيات المالية اللازمة لإدارة السجون، كما يؤدي أيضا إلى إلقاء أعباء اقتصادية متزايدة على الاقتصاد القومي للدول، حيث ينتج عن العجز عن توفير الاعتمادات المالية اللازمة لإدارة السجون عجز القائمين على وضع وتنفيذ البرامج الإصلاحية عن توفير المتطلبات المادية والبشرية اللازمة لإعداد وتنفيذ تلك البرامج، وهو ما يحيد بها-السجون- عن طريق الفاعلية والنجاح  ويتجه بها صوب طريق الفشل.

و فشل البرامج الإصلاحية للمحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية طويلة المدة في الوصول لأهدافها وأهمها إصلاح المحكوم عليهم وتأهيلهم للاندماج في النسيج الاجتماعي، سيجعل من هؤلاء  نبراسا للسجناء المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة ممن لديهم استعدادا إجراميا، كما سيؤدي اختلاط السجناء ممن لا يتوافر لديهم خطورة إجرامية أو تتوافر لديهم قدرا محدودا منها مع غيرهم من عتاة المجرمين الذين تتوافر لديهم درجة عالية من الخطورة والخبرة الإجرامية إلى أن يسير السجناء حديثي المعرفة بدرب الجريمة بخطوات ثابتة وسريعة نحو إجرام أكثر خطورة، ومما يزيد من رسوخ تلك الخطوات وسرعتها هو انعدام  الوازع الخلقي والديني في نفوسهم [86]، ولعل الجدول الآتي[87]  يبرز لنا فكرة ولو بسيطة عن هذه الظاهرة مع الأخذ بعين الاعتبار بأن المقاييس التي تعتمدها إدارة السجون في تحديد الحيز الذي يحق لكل سجين تظل دون ما تمليه القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.

 

 

المؤسسة السجنية عدد السجناء الطاقة الاستيعابية نسبة الاكتظاظ
عين قادوس فاس 1968 900 118,67%
السجن المحلي بالعيون 441 350 26,00%
السجن المحلي بانزكان 535 500 7,00%
السجن المحلي بايت ملول 3493 2600 34,35%
السجن المحلي عين السبع 7834 5000 56,68%
مركزالاصلاح والتهذيب البيضاء 763 600 27,17%
السجن المحلي بالجديدة 1380 900 53,33%
السجن المحلي بتزنيت 465 210 121,43%
ملحقة السجن المحلي بتزنيت بكلميم 46 30 53,33%
السجن المحلي بالقصر الكبير 167 144 15,97%
السجن المحلي بطنجة 2653 1600 65,81%
السجن المحلي بالعرائش 364 250 45,60%
السجن المحلي بتطوان 22,45 1750 28,29%
السجن المحلي بزايو 1016 500 103,20%
السجن المحلي بالناظور 1016 840 20,95%
السجن المحلي بوجدة 1132 800 41,50%
السجن المحلي بابن احمد 450 426 05,63%
السجن المحلي بوركايز بفاس 1533 1400 09,50%
السجن المحلي بصفرو 156 150 04,00%
السجن المحلي بتازة 874 700 24,86%
السجن المحلي ببني ملال 1787 1400 27,64%
السجن المحلي بأزيلال 622 522 19,16%
السجن المحلي بالحسيمة 400 350 14,29%
السجن الفلاحي أوطيطة 2 1761 1616 08,97%
السجن المحلي بخريبكة  2 1287 1200 07,25%
السجن المحلي تولال 1 1462 1400 04,43%
السجن المحلي بالخميسات 465 360 29,17%
السجن المحلي بن سليمان 442 400 10,50%
السجن المحلي بآسفي 1693 1300 30,23%
مركز الاصلاح والتهذيب بسلا 497 400 24,25%
السجن المحلي بسلا 1 3655 3500 04,43%
السجن المحلي بقلعة السراغنة 894 788 13,45%
السجن المحلي بسوق الاربعاء 1431 1000 43,10%
السجن المحلي بالقنيطرة 1874 1200 56,17%
السجن المحلي بمراكش 1877 700 168,14%

لا شك إذن أنه من خلال هذا الجدول قد تبين أن مشكل الاكتظاظ من المنظور الاقتصادي يبقى على رأس المشاكل التي يتكبدها الاقتصاد القومي للمجتمع من منطلق كون السجن ما هو إلا وسيلة باهضة التكاليف لتحويل الأشرار إلى أشخاص أكثر شرا[88]، كما أنه أصبح عبئا ثقيلا على كاهل الدولة نظرا للتكاليف الباهظة التي تنفقها هاته الأخيرة في توفير حاجياته .

فرغم الأزمات التي تشكلها العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة إلا أن جهاز القضاء وكما سبق أن رأينا بات مدمنا عليها، وهاته الوضعية تدعوا إلى إعادة النظر في جوهر العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة على وجه الخصوص لمحاولة التقليص من آثارها السلبية التي لا تخدم لا مصلحة المجتمع ولا مصلحة المحكوم عليه مهما كانت الاعتبارات التي تقوم عليها، إذ تبين  من خلال ما سبق أن آثار العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة وهي آثار متعددة و متنوعة لا تقف عند فترة تنفيذها بل تمتد في الزمن لتنزل بثقلها على كاهل المحكوم عليه وتحول بينه وبين عودته للحياة الشخصية الطبيعية والحياة المدنية وعلى الخصوص حياته العملية باعتبارها مورد رزقه وضمانته الأساسية من العود إلى الإجرام، ناهيكم عن الآثار الاقتصادية المختلفة التي ترهق خزينة الدولة،  ترى إذن كيف السبيل لتجاوز كل هاته الآثار والمساوئ التي تخلفها العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة؟

 

 

 الفرع الثاني: آليات تجاوز أزمة العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة

 

لقد أعلن الكثير من الباحثين والمتخصصين في علم العقاب عن أن فشل العقوبة الحبسية القصيرة المدة في الوقاية من الجريمة، وفشل السجن في مهمة التأهيل والإصلاح والتدريب والتربية والوقاية من الجريمة، وإخفاق السجن وحده كنظام عقابي في الحد من تنامي الجريمة والعودة إليها، كان ذلك نتيجة لأبحاثهم وتجاربهم الميدانية، ونتيجة لمعطيات وحقائق علمية ثابتة مستخرجة من الواقع المعاش، ولعل إعلان هذا الفشل لم يكن بهدف المطالبة بإلغاء السجون أو إلغاء عقوبة السجن كلية كما قد يتبادر للذهن، بل كان ذلك من أجل المطالبة بإجراء تغييرات مناسبة في نظام السجون، وعندما نقول النظام نعني بذلك النظام الكلي للسجن كمؤسسة إصلاحية، وبالتحديد المطالبة بإجراء تغييرات مناسبة في النظام العقابي ككل، وفي نظام القضاء الجنائي – العدالة الجنائية – من جهة، واعادة النظر في الهدف الاساسي للسجن وفي فكرة وجوهر التاهيل والتهذيب والإصلاح الاجتماعي، وبخاصة إعادة النظر في مبدأ وفكرة الحد من تفاقم الجريمة فقط بمجرد إصدار أحكام سجنية  من جهة أخرى[89].

وعليه فلقد ادت كل تلك المطالب فعلا إلى  خلق بعض التدابير البديلة للعقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة خصوصا، وخلق بعض الإصلاحات في نظام السجون ونظام العدالة الجنائية ككل.

يبدوا مما سلف ذكره أن عدة مشاكل يمكن أن تنجم عن العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة، إذ تترك هذه العقوبة جوانب وآثار سلبية بالنسبة للفرد والأسرة والمجتمع- لذا يبدو عدم كفايتها للإصلاح- وآثار سلبية أخرى بالنسبة للاقتصاد القومي للدولة.

ولعل أبرز هذه الحلول والآليات نجد أولا: إقرار بدائل تحل محل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة (مبحث أول) وثانيا الاعتماد على سياسة الإصلاح وإعادة الإدماج  بالنسبة لهذا النوع الاخير من العقوبات (مبحث ثاني).

المبحث الأول: إقرار بدائل للعقوبات السالبة للحرية  القصيرة المدة

 

لقد برز فكر توفيقي في السياسة العقابية[90] في شأن العقوبات السالبة للحرية وخاصة القصيرة المدة منها والتي تتصل بحالات الإجرام متوسط الخطورة، فلا يتجاوز ذلك إلى حد المناداة بإلغائها ولا يبقى أسيرا لها فيقبلها لحالها دونما تعديل، فهو اتجاه يعمل على التقليل بقدر الإمكان من مساوئ هذه العقوبات والتخفيف من آثارها السلبية، لذا فقد دعا هذا الاتجاه إلى استعمال العديد من البدائل العقابية التي تحل محل العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة متى كانت ظروف الجريمة وشخصية المجرم توجب ذلك، فإن رأت المحكمة أن هذا البديل لا يجدي في مواجهة حالة إجرامية معينة كان لها أن تقضي بالعقوبة السالبة للحرية رغم قصر مدتها، فهذه البدائل من قبيل نظم المعاملة العقابية التفريدية المقررة تشريعيا لتكون بين يدي جهاز القضاء[91]، إن شاء أعملها إذا استدعت ظروف الجريمة ذلك وإن شاء قضى بالعقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة، هذا الاتجاه التوفيقي الجديد رآه بعض الفقه [92] فرصة جيدة لإعمال الفقه الإسلامي للمدونات التشريعية العقابية العالمية[93].

ولعل البحث عن بدائل للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة يجد مصدره بالأساس في عدم قدرة السجن على تحقيق الإصلاح الحقيقي والفعلي للمحكوم عليه، وعدم تمكينه من استعادة عضويته الكاملة في المجتمع بكل مقوماتها[94]، فجميع الصفات التي يحتاج لها الفرد لكي يضمن اندماجه الاجتماعي تنهار وتندثر في السجن، ناهيكم عن عملية الوصم الاجتماعي التي يتعرض لها المحكوم عليه بمجرد مغادرته لذلك الفضاء السجني، فكيف لنا إذن أن نطالب بإصلاح حاله وهو محروم من كل مقومات الاندماج الاجتماعي[95].

ولتفادي هذه المشاكل وجعل المحكوم عليه يحتفظ بكل أوضاعه الاجتماعية وبكل مكتسباته وروابطه تم الاهتداء إلى العقوبات البديلة التي يحق لنا التساؤل عن ذاتيتها (مطلب أول) ثم عن دواعي فرضها وقيودها (مطلب ثاني).

   المطلب الأول: ذاتية بدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة

اتجهت السياسة الجنائية الحديثة في معظم بلدان العالم إلى الأخذ بنظام العقوبات البديلة، وقد دأبت الأمم المتحدة منذ بداية تأسيسها على عقد العديد من المؤتمرات حول منع الجريمة ومعالجة أسبابها، وأجريت العديد من الدراسات والأبحاث والممارسات الوطنية والمهنية في جميع أنحاء العالم، وفي وقت اتخذت فيه الكثير من المشاكل المعاصرة بما في ذلك الجريمة بعدا عالميا، أصبحت هذه المؤتمرات تكتسي أهمية خاصة، وهو ما جعل من التعاون الدولي يعطيها أولوية عاجلة[96]، ولم تأتي الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لوضع  الخطوط التوجيهية الدولية للعدالة الجنائية من فراغ.

وإذا ثبت ما   سبق فإن الحديث عن ذاتية بدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة يعد الركيزة الأساسية لتحديد تعريف متكامل لها مع تحديد المبادئ التي تقوم عليها (فقرة أولى) ثم تمييزها عن بعض النظم المشابهة لها (فقرة ثانية).

  الفقرة الأولى: بدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة  المدة: مفهومها  ومبادءها

إن إقرار بدائل العقوبات سواء أكان ذلك على المستوى التنظيمي أو على مستوى المؤسسات العقابية، سيكون عونا على المحكوم عليهم بالعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة في المجتمع وتقديم كافة أشكال الرعاية المختلفة لهم اجتماعيا، نفسيا، وطبيا، بدلا من تأثرهم بالعقلية الإجرامية وحرمانهم من الوظيفة في الدراسة، لكن كل هذا يدفعنا للتساؤل عن مفهوم  هذه البدائل(اولا) وماهي المبادئ التي تقوم عليها (ثانيا).

  أولا: مفهوم  بدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة

البدائل لغة  مجموع بدل ، و بدل الشيء هو غيره و الاصل في الابدال جعل الشيء مكان شيء آخر[97].

اما بدائل العقوبات من حيث مفهومها المصطلحي فهي تتضمن مصطلحين اثنين هما العقوبات من جهة وبدائلها من جهة أخرى، فالبدائل يقصد بها الإجراء المماثل والمعوض والمقابل لإجراء ما، أما العقوبة فيقصد بها المدة الزمنية الحبسية أو السجنية المحكوم بها على مرتكب الفعل الجرمي، أو الغرامة المحكوم بها إذا كان الفعل المرتكب لا يعاقب إلا بغرامة إضافة إلى العقوبة الحبسية أو بغرامة عوض العقوبة الحبسية على حسب ما ورد في مضمون الفعل التشريعي المعاقب، لذا فإن بدائل العقوبات يقصد بها عموما التدابير البديلة التي يتم بفضلها استبدال العقوبة الحبسية واعتبارها كبديل وذلك تجنبا لإقرار المتابعة أو إيداع المتهم في حالة اعتقال وإخضاعه للسجن وتقييد حريته، فهي بذلك إجراء بديل لعملية الوضع بالمؤسسة السجنية[98].

أما فقها[99] فبدائل العقوبات يقصد بها مجموعة من الإجراءات والوسائل التي تحل محل العقوبة في مواجهة الجريمة نظرا لعدم إمكان صمود العقوبة أمام النشاط المتزايد للمجرمين، كما يقصد بها التدابير والإجراءات البديلة للعقوبة الحبسية والتي تخضع أساسا للسلطة التقديرية للجهة القضائية الباتة في الملف.

وهكذا تعتبر البدائل في مجال علم العقاب بمثابة وضع حلول عقابية بديلة للعقوبات التقليدية[100]، فهي في غالب الأحيان بمثابة عقوبات تجيء لتحل محل العقوبات السالبة للحرية المقررة أصلا لجريمة ما، سواء أكان ذلك قبل الحكم بالعقوبة الأصلية أو بعد الحكم بها، وذلك إما لتعذر تنفيذ تلك العقوبة البديلة نظرا لحالة المجرم الشخصية بغض النظر عن نوع الجريمة[101]، على اعتبار أنها تقوم بأدوار هامة تكمن في مساعدة المحكوم عليهم على تخطي كل العقبات التي تنتج عن تسجيلها- العقوبة البديلة- في السجل العدلي نحو الاندماج الاجتماعي، وبفضلها أيضا يستطيع المحكوم عليهم الخضوع للنظام الجنائي وتنفيذ الحكم الصادر في حقهم داخل المجتمع بمعنى احتفاظهم بكل مقومات الاندماج الاجتماعي وروابطه الأسرية والمهنية، وعلى الخصوص احتفاظهم بعملهم الذي يعتبر في حقيقة الأمر جوهر كل الحقوق، وبالتالي فعند انتهائهم من تنفيذ تلك العقوبة البديلة سوف لن يشعروا بالإحباط في عزيمتهم ماداموا محتفظين بكامل عضويتهم في المجتمع وهذه مزية لا يستفيد منها عادة خريجو السجون الذين يعانون دائما من أزمة الجنوح[102] .

وبناءا على ما سبق يمكن القول أن بدائل عقوبة السجن هي تلك العقوبات أو التدابير التي تكفل صيانة شخصية الجاني من الآثار السلبية للسجن والتي قد تترتب دون أن يكون ثمة مبرر للإصرار على هذه العقوبة استنادا إلى أساس علمي سليم.

وأن الاتجاه إلى البحث عن بدائل لعقوبة السجن لم ينشأ في معزل عن التطور الشامل للقانون الجنائي، ذلك التطور الذي كان نتيجة جهود علماء الفكر الجنائي للبحث في شتى مناحي العلوم الجنائية الأصلية والمساعدة.

فلقد كان من بين النتائج الايجابية التي أسفر عنها ذلك التطور تأكيد أهمية العناية بشخصية الجاني إلى جانب العناية بالجريمة كواقعة قانونية بعد أن نالت هاته الأخيرة عناية فائقة من جانب الفكر الجنائي دون أن تحظى الأولى بمثل هذه العناية[103].

وبذلك فقد اتسم القانون الجنائي الحديث بالصبغتين المادية التي تعتني بالجرم والشخصية التي تعتني بالجاني، حتى يمكن تحقيق أهدافه التي يأتي في مقدمتها تحقيق الردع الخاص والردع العام وتأمين سلامة وأمن المجتمع عن طريق اقتلاع الجريمة من جذورها وإصلاح شخصية الجاني والعمل على إعادته إلى المجتمع كعضو صالح وذلك كله على أسس علمية وواقعية.

وفي الأخير لا يسعنا إلا القول أن نظام العقوبات البديلة ما هو إلا وسيلة لتفريد العقاب، يتمتع في ظلها القضاء بحرية مطلقة أحيانا وبحرية نسبية أو تضيق أحيانا أخرى أثناء إجراء عملية الاستبدال العقابي.

إذن إذا كانت تلك هي بدائل العقوبات الحبسية القصيرة المدة من حيث مفهومها  فما هي المبادئ التي تقوم عليها؟

ثانيا: المبادئ التي تقوم عليها بدائل العقوبات

تتشابه المبادئ التي ترتكز عليها بدائل العقوبات السالبة للحرية إلى حد ما مع المبادئ التي تعتمد عليها العقوبات السالبة للحرية عموما والقصيرة المدة على وجه الخصوص[104] ولعل أهم تلك المبادئ يتجلى فيما يلي:

* الشرعية: وتعني أن بدائل العقوبات الحبسية القصيرة المدة لا تتقرر إلا بموجب نص تشريعي يحدد نوعها ومدتها، وبالتالي فإنه لا يجوز توقيع أي بديل على شخص من الأشخاص، إلا إذا كان القانون هو الذي قرر ذلك للفعل أو الترك الذي أتاه[105]، وتستفاد هذه الخاصية من الفصل 3 من القانون الجنائي المغربي الذي يمنع مؤاخذة الشخص على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون، وكل ذلك وكما هو ظاهر يهدف إلى ضمان حقوق الأفراد[106] ويمنع جور القضاة وتعسفهم، إذ يترتب على هذا المبدأ أنه لا يجوز للقاضي أن يقضي بعقوبة لم يقررها القانون صراحة لزجر النشاط المتابع عنه قياسا على معاقبة المشرع لفعل آخر مشابه للذي أتاه المتابع، كما لا يجوز له – القاضي- أن يقضي بغير العقوبة التي قررها المشرع للفعل أو الترك مهما بلغ في فداحته وجسامته ومهما ظهر للقاضي من تفاهة العقوبة المقررة قانونا لزجره وعدم تناسبها مع خطورته[107]، والشريعة الإسلامية هي الأخرى كانت سباقة لاعتمادها على هذا المبدأ وذلك منذ مدة تزيد على ثلاثة عشرة قرنا حيث جاءت بها نصوص القرآن ومنها قوله تعالى[108]:” وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا” ، “وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أممها رسولا يتلو عليهم آياتنا” ، ” لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل” ، وبهذا تمتاز الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية التي لم تعرف هذه القاعدة إلا في أعقاب القرن 18م، حيث أدخلت في التشريع الفرنسي كنتيجة من نتائج الثورة الفرنسية  وقررت لأول مرة في إعلان حقوق الإنسان الصادر سنة 1789، ثم انتقلت القاعدة من التشريع الفرنسي إلى غيره من التشريعات الوضعية[109].

وعليه فإذا كان المفهوم التقليدي لشرعية التجريم والعقاب يقتضي أن يتم تحديد السلوك المجرم والنص على عقوبة محددة لمقترف هذا الجرم، إلا أن جانب من الفقه[110] يرى أنه بالنسبة للجرائم القليلة الخطورة فإن مفهوم الشرعية يجب أن يصير أكثر مرونة[111] بحيث يتم النص على عقوبة محددة لكل نمط سلوكي، ويمنح المشرع للقاضي سلطة تقديرية في تحديد نمط ومقدار العقوبة البديلة التي تناسب كل حالة، ويستعين القاضي في هذا الصدد بملف الحالة الذي يتم إعداده بمعرفة خبراء متخصصين لكل حالة، فمفهوم شرعية العقوبة في هذه الحالة يجب أن يتخذ مفهوما متسع الأفق لا يتم فيه تحديد عقوبة محددة لكل جريمة، بعد أن تبث فشل هذا النظام في إصلاح الجاني وتأهيله لإعادة الاندماج في النسيج الاجتماعي، بل فشل حتى في تحقيق الردع بمفهومه العام والخاص، فلاعتبارات تتعلق بالعدالة وفاعلية العقوبة في إصلاح الجاني وتأهيله لإعادة الاندماج في المجتمع من جديد، فإن تحديد نوع العقوبة ومقدارها ومدتها يخضع للسلطة التقديرية للقاضي في ضوء دراسته لملف حالة الجاني، والعقوبة البديلة من هذا المنظور تتفق مع قواعد العدالة في جانبين:

الأول: تناسبها مع جسامة الجرم المرتكب نظرا لقلة جسامة خطورته.

الثاني: مراعاتها لشخصية الجاني وظروف ارتكابه لجريمته وفاعليتها في إصلاحه وتأهيله.

  • القضائية: وتعني عدم جواز عقاب أي فرد إلا بموجب حكم قضائي، ووفقا للإجراءات والشروط التي ينص عليها التشريع[112]، وتحقق قضائية العقوبة البديلة ضمانة هامة للجاني وهي عدم الحكم بأية عقوبة عليه إلا بموجب محاكمة عادلة، يمكنه من خلالها إبداء أوجه دفاعه وإثبات براءته إذا ما كان لها محل، وتنفيذ أذلة الاتهام الموجهة إليه وتحديد الأسباب والدوافع الكامنة وراء ارتكابه لجريمته والتي يمكن أن تكون محل اعتبار سواء عند تحديد القاضي لنوع العقوبة البديلة أو لمدتها[113].

فبدائل العقوبات يتوافر لها ما يتوافر للعقوبات السالبة للحرية من ضمانة عدم الحكم بها إلا بموجب حكم قضائي، ولكنها تتميز عنها بعدالتها وفاعليتها في إصلاح الجاني وتأهيله لإعادة اندماجه في النسيج الاجتماعي مرة أخرى وتحقيق الردع بنوعيه، إضافة إلى تجنب المحكوم عليه وأفراد أسرته وعائلته والاقتصاد القومي للمجتمع الآثار السلبية الكثيرة للعقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة.

  • الشخصية: ومفاد هذا المبدأ أن العقوبة البديلة لا يمكن أن تطال أو تلحق إلا من ارتكب الجريمة وحكم عليه بها بمقتضى حكم قضائي وحده دون غيره من أفراد عائلته[114].

وتحقيق العقوبات البديلة لهذا المبدأ يفوق بمراحل عديدة تحقيق العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة له، ويقول في ذلك بعض الفقه[115] أن مسألة تحقيق العقوبة السالبة للحرية لمبدأ شخصية العقوبة محل شك وذلك للآثار السلبية العديدة لتلك العقوبة والتي لا يقتصر مداها ونطاقها على المحكوم عليه بل تتخطاه لتصل لأفراد أسرته وعائلته، بل قد تصل إلى كل من تربطه به علاقة أو أية صلة اجتماعية أخرى حتى ولو لم تتعدى نطاق الصداقة، فتشعب وتعدد الآثار السلبية لتلك العقوبة وامتداد مداها ونطاقها ليطول من لم يكن شريكا في الجرم يدحض القول بشخصية العقوبة السالبة للحرية، أما بدائل العقوبات فهي تحقق بكفاءة وفعالية عالية مبدأ شخصية العقوبة نظرا لأنها لا تطال بآثارها إلا الجاني، أما مساسها بأسرته وعائلته والاقتصاد القومي فيبقى في أضيق نطاق.

الفقرة الثانية: بدائل العقوبات والنظم المشابهة لها

كثيرة هي الأنظمة المشابهة لنظام بدائل العقوبات، فعلى سبيل المثال هناك نظام التدابير الاحترازية وهناك نظام العفو وهناك بدائل الدعوى الجنائية… إلا أننا سنقتصر في حديثنا في إطار هذه الفقرة على نظام واحد ألا وهو بدائل الدعوى العمومية[116].

فإذا كانت بدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة تعتبر تلك الجزاءات التي يضعها المشرع أمام القاضي لكي تحل بصفة ذاتية أو موازية محل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة وتفترض صدور حكم من القضاء ومثله اتخاذ الإجراءات الجنائية اللازمة لصدوره، فإن بدائل الدعوى العمومية[117]  تفترض عدم اتخاذ الإجراء الجنائي وبتعبير آخر الابتعاد عن الطريق الجنائي، فهي تعتبر سببا لانقضاء الدعوى الجنائية بحيث لا يكون هناك محلا للسير فيها.

فقد ظهرت الوسائل البديلة لحل المنازعات أو بدائل الدعوى العمومية كنتاج لعدم فعالية الجهاز القضائي التقليدي في حسم القضايا الجنائية، فإذا كانت ممارسة الدعوى الجنائية تفترض المرور بمراحلها الإجرائية، فهذه الوسائل البديلة المختلفة حسب البعض[118] تستهدف بالدرجة الأولى اختصار هذه الإجراءات الشكلية أملا في زيادة فعالية العدالة في إنجاز القضايا، وإن كانت من أهم أهداف الوسائل البديلة وهو إصلاح الجاني وتعاون كافة قطاعات الدولة في مكافحة الجرائم إلى جانب القطاع الجنائي لتحقيق هذا الهدف، حيث أن مسألة مكافحة الإجرام لم تعد قاصرة على القطاع الجنائي وحده[119]، وإنما  يضاف إليه المجتمع المدني ومؤسساته.

وكذلك من أهداف هذه الوسائل البديلة هو البحث عن أسباب النزاع وبذل الجهد للقضاء على مسبباته في المستقبل مثل نظام الوساطة الجنائية والصلح، التسوية الودية والسند التنفيذي…الخ، وبالطبع فمن أهداف هذه البدائل هو تخفيف العبء عن كاهل أجهزة العدالة الجنائية[120] كما تعتبر الوسائل البديلة في الواقع مقاربة عملية لفض النزاعات الجنائية التي تتميز بقلة شكلياتها ومحدودية الخصومة فيها وغلبة الجانب التعاقدي عليها، وبذلك فهي تتشكل اليوم من جملة من الإجراءات المستحدثة المتميزة والمختلفة عن الإجراءات الجنائية التقليدية والمكملة لها في نفس الوقت.

وبناءا على ما سبق يمكن القول أنه إن كانت بدائل العقوبات السالبة للحرية هي تلك الجزاءات أو التدابير الأخرى التي يضعها المشرع أمام القاضي لكي تحل بصفة ذاتية أو موازية محل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، فإنها تفترض إذن اتخاذ الإجراءات الجنائية وصدور حكم من القضاء ولكن بدلا من صدور هذا الحكم بعقوبة سالبة للحرية فإنه يصدر بعقوبة أو تدبير آخر لا ينطوي على سلب حرية المحكوم عليه، أما بدائل الدعوى العمومية فإنها تفترض عدم اتخاذ الإجراء الجنائي وبتعبير آخر الابتعاد تماما عن الطريق الجنائي، ولعل أهم الأمثلة على ذلك الصلح الجنائي[121]، فهذه  البدائل اذن تعد سببا لانقضاء الدعوى الجنائية بحيث لا يكون هناك محلا للسير فيها.

وعموما فإننا نجد أن هذين النظامين وإن اشتركا في بعض الأسباب المؤدية إليهما – ولعل أكثرها عموما واحتمالا فشل النظام الجنائي في مكافحة الظاهرة الإجرامية- فإنهما يفترقان من حيث تفصيل هذه الأسباب، فبدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة برزت بسبب الآثار الفردية الاجتماعية والاقتصادية السيئة التي تترتب على تنفيذها، أما بدائل الدعوى العمومية فيرجع ظهورها إلى ثبوت عدم فاعلية الإجراء الجنائي وضرورة إدخال الضحية كعنصر فاعل في الإجراء المتخذ ضد الجاني[122].

ويستفاد من ذلك أن بدائل الدعوى العمومية أكثر اتساعا وعمومية من بدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة[123]، فهذه الأخيرة تنصب على عقوبة محددة وتتجه إلى استبعادها أما بدائل الدعوى فإنها تفترض تجنب الإجراء الجنائي كله وبالتالي تجنب الجاني صعوبة هذا الإجراء وتأخذ بيد ضحية الجريمة الذي أصبح من الاهتمامات الرئيسية للسياسة الجنائية المعاصرة[124].

المطلب الثاني: دواعي فرض البدائل وقيودها

 

أسباب كثيرة أدت إلى البحث عن بدائل للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة (فقرة أولى) وقيود متعددة لفرضها- البدائل- كان لا بد من تحديدها من أجل أن تفي بالغرض الذي فرضت من أجله (فقرة ثانية).

  الفقرة الأولى: دواعي فرض البدائل

إذا كنا قد توصلنا سابقا إلى أن العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة لها عدة مساوئ وآثار سلبية إن على المستوى الفردي الاجتماعي أو الاقتصادي، فإننا من منطلق ذلك سنحاول تحديد دواعي البحث عن بدائل لها وذلك من خلال النقاط التالية:

* إن بدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة تحول غالبا دون الوقوع في الآثار السلبية التي تنتج عن اختلاط السجناء مع بعضهم البعض وانتقال الخبرات السلبية بينهم أثناء فترة الحكم أو التوقيف[125].
* تعمل البدائل أيضا على المحافظة على وجود مخالفي القانون ضمن مجتمعهم الأصلي وبالتالي تحول دون وجود أعباء على الأسر التي يزج أبناءها وأربابها في مؤسسات الإصلاح.

* تحد من الآثار النفسية[126] للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة والتي يكون لها أثرا كبيرا في الحد من حقدهم على المجتمع.

* يتم استثمار طاقات المحكومين بالعقوبات البديلة في نشاطات ذات آثار اقتصادية واجتماعية نافعة لهم وللمجتمع[127].

* تزيد بدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة أيضا من تفاعل المحكومين مع المجتمعات وبالتالي فهي تعتبر برامج علاجية إصلاحية تأهيلية وذاتية.

* العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة لا تكفي لتحقيق إصلاح المجرم فلا هي تكفي لردعه ولا هي تصلح لتقويمه وتعليمه وتهذيبه[128].

* تساهم في تخفيف العبء الذي يتقل كاهل الدولة نظرا للتكاليف المالية الباهظة التي تنفقها خزينة الدولة في توفير حاجيات المؤسسات العقابية من مسيرين وموظفين مدربين، وإعالة نزلائها وكسوتهم وتمريضهم وغير ذلك.

* تحول دون تعرض المحكوم عليه للاتصال بالمجرمين الخطرين الذين يلقنوه مالا يعرفه من تعاليم الإجرام وأساليب الجريمة التي تخفى عليه.

* يمكن الاستفادة من الأشخاص الذين خضعوا للأحكام البديلة في إعادة تثقيف وتأهيل غيرهم بعد نجاحهم في تنفيذ العقوبات التي تفرض عليهم.

* انتفاء هيبة السجن لدى الإنسان وتزايد الشعور بالبطالة وعدم وجود العمل مما ولد لديه الرغبة في اللجوء للجريمة لتأمين بعض احتياجاته.

* البدائل العقابية تبقى حلا مناسبا حسب البعض لمواجهة ظاهرة الاعتياد على الإجرام[129].

وأخيرا فلا يسعنا إلا أن نشير إلى أن الأسباب والدواعي التي استند إليها أنصار ثبوت وتأكد عدم جدوى ونجاعة العقوبات التقليدية للسجن في إصلاح الجناة[130]– إذ أنها عديمة المفعول ولا تساهم في تطبيق أي برنامج للإصلاح والتهذيب كما أنها تعد من معوقات إعادة الإدماج- هي أسباب كثيرة يصعب حصرها وكلها تصلح لاعتمادها كمبررات من أجل البحث عن بدائل لتلك العقوبات، وذلك طبعا بشروط معينة تقيد سلطة القاضي الزجري في اختيارها بغية أن تحقق فعالية كبيرة في إصلاح المحكوم عليه وتأهيله.

الفقرة الثانية: قيود فرض البدائل

شروط عديدة عملت على تحديدها العديد من الهيئات والفعاليات الحقوقية والدولية[131]، تتعلق بكون أنه قبل فرض العقوبات البديلة يجب أن تكون تلك الشروط محددة وذلك حتى تفي بدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة بالغرض الذي فرضت من أجله، ومن هذه الشروط أو القيود على سبيل المثال لا الحصر نذكر ما يلي:

المنطقية: أي أن بديل العقوبة الذي يفرض يجب أن يتحلى بالمنطقية حين فرضه، بمعنى أنه يجب أن يكون ذو أثر فعال وأن يكون قابلا للتطبيق، إذ لا يمكن فرض أي بديل يكون فوق طاقة المحكوم عليه أو يتطلب منه معجزة لتحقيقه.

من أجل ذلك فقد تحدث جانب من الفقه[132] على أنه لإقرار بدائل العقوبات لا بد من وجود طلب من المتهم شخصيا أو بواسطة دفاعه، يحدد فيه بدقة نوعية البديل المقترح وأسبابه وتعهده الكتابي بالتقيد به وتعويضه للضحية عن الأضرار التي لحقت به، وفي حالة عدم وجود ذلك الطلب فإن هناك قيدا آخر هو القبول أي أنه لا بد أن يقبل المحكوم عليه فرض البدائل عليه وإلا فإنه لن يكون راضيا عن تنفيذها وهذا الأمر يستلزم بالطبع اعتراف المتهم[133] بالمنسوب إليه وهذا قيد آخر.

ونجد أيضا قيد الحيادية، حيث يجب أن يكون الحكم حياديا غير محكوم بمصلحة من يفرضه وأن تكون الفائدة منه ذات أبعاد متعددة منها ما يتعلق بالمحكوم نفسه، ومنها ما يتعلق بالمتضرر أو المجتمع.

وهنا لا بأس من الإشارة إلى أن الفعل موضوع المتابعة يجب أن يكون جنحة ضبطية   مع الأخذ بعين الاعتبار من حيث تقدير نوعية الفعل المرتكب لنوعية الأضرار الحاصلة، على اعتبار أن الأضرار وقيمتها هي السند في تطبيق مسطرة البدائل وليست العبرة بالتكييف القانوني للفعل المرتكب[134].

كما يجب أن تتمتع بدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة بمستوى يحترم النظم والثقافة والقوانين السائدة وأن لا تتجاوزها أو تتعدى عليها لأن من شأن ذلك أن يخرجها من الهدف الذي من أجله فرضت[135].

ويشكل التناسب قيدا آخر، ونعني به  تناسب بديل العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة مع الجرم المرتكب- جنحة ضبطية- لأن ذلك التناسب هو شرط ضروري لنجاح البديل في تحقيق الهدف المتوخى منه، فكلما كان مناسبا كلما كان أثره أكثر فعالية في نفس المحكوم عليه.

اضافة الى الاستعداد للتنفيذ: أي أن يكون المحكوم عليه بها مستعدا لتنفيذها وأن يعلم أن هذا النوع من الإجراءات القانونية قد فرض لحمايته من مساوئ العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة ، ناهيكم عن  تحمله ــ المحكوم عليه ــ لمسؤولية أعماله.

واخيرا فانه يجب الا تكون هناك متابعة سابقة في حق المتهم أو أية متابعة من أجل أفعال أخرى.

وعليه فالهدف المنشود من وراء فرض هاته القيود[136]، هو التمييز بين أنواع القضايا المدرجة أمام العدالة التي تكون قابلة شكلا وموضوعا لإقرار مسطرة البدائل وبين القضايا التي تخرج عن هذا النطاق، علما بأن هاته القيود هي بطبيعتها القانونية قيود ملزمة وتطبق بشكل جماعي وموحد، بحيث أنه في حالة انتفاء أي قيد منها لا تطبق مسطرة البدائل على النازلة، فطلب المعني بالأمر الرامي إلى المطالبة بتطبيق مسطرة البدائل هو المدخل الرئيسي لهاته المسطرة ويقصد به بيان الاستعداد النفسي للمطالب من أجل تطبيق مسطرة البدائل في حقه ورغبته في إصلاح الأضرار الناتجة عن الأفعال المرتكبة من قبله وندمه عليها ورغبته في تقديم عمل أو خدمة أو أي شيء من شأنه التعبير بواسطته عن رغبته في إصلاح سلوكياته وإصلاح الأضرار والمصالحة مع الضحية والمجتمع، علما أن عملية الموافقة على البديل المقترح يقصد بها أن السلطة القضائية بإمكانها أن تبادر تلقائيا على حسب وضعية الملف باقتراح بديل معين يكون لفائدة جميع أطراف النازلة.

أما الاعتراف الوارد من قبل المتهم بالأفعال المنسوبة إليه فهو يعد جوهر مسطرة البدائل كتعويض عن العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة بحيث أنه من دون هذا البديل فإن مصير المتهم سيكون حتما المتابعة والاعتقال بالمؤسسة السجنية، في حين أن البدائل مقررة أصلا للحيلولة دون اللجوء إلى هاته الإجراءات التي تقيد حرية المتهم.

وعموما فإذا قامت السلطة التي أمرت باتخاذ نوع معين من البدائل بتحديد الشروط الواجب التقيد بها من قبل الشخص المقرر في حقه، فإنه يتعين عليها في المقابل مراعاة -جهد المستطاع- المصلحة العامة للمجتمع ومصالح كل من المتهم والضحية وبشكل تبعي لا يتضرر معه أي من هاته الأطراف الثلاث، إذ يتعين قبل تحديد شروط بدائل العقوبات إفساح المجال للمتهم المتخذ في حقه البديل من أجل التعبير شفويا أو كتابيا عن وجهة نظره واقتراحاته حول هاته الشروط التي يتعين عليه احترامها أثناء مرحلة التطبيق على أرض الواقع، وتخضع الشروط المقيدة لتطبيق بدائل العقوبات بصفة مستمرة إلى إمكانية تعديلها من قبل السلطات الآمرة بها ووفقا لسلطتها التقديرية، وذلك رغبة في ملاءمتها مع ظروف المتهم وإمكانياته الشخصية والمادية[137].

وخلاصة القول فإنه إذا كانت بدائل العقوبات السالبة للحرية تساهم إلى حد ما في تجاوز أزمة العقاب فإنه إلى جانب هاته البدائل ارتأينا أن الاعتماد على سياسة الإصلاح وإعادة الإدماج هي أيضا مسألة من شأنها الحد من تفاقم أزمة العقاب.

 المبحث الثاني: الاعتماد على سياسة الإصلاح وإعادة  الإدماج

 

بعد أن كانت العقوبة غاية بحد ذاتها عمدت الدول بتأثير من المصلحين الاجتماعيين والعلماء الجنائيين الذين برزت كتاباتهم منذ أوائل  القرن الثامن عشر وتبلورت بعد ذلك بقرن ونيف، إلى الاهتمام بإحداث برامج تربوية وإصلاحية في المؤسسات العقابية من سجون وإصلاحيات ودور تأديب انطلاقا من فرض أن إعادة إدماج وتأهيل المجرم اجتماعيا ومهنيا وثقافيا كفيل بجعله مواطنا صالحا يبتعد عن مهاوي الإجرام بعد إطلاق سراحه وعودته إلى المجتمع[138] عنصرا صالحا.

وعلى هذا الاساس فان  أساليب المعاملة والرعاية المطبقة داخل السجون تهدف إلى إصلاح وتهذيب وعلاج المنحرفين وإعادة إدماجهم في النسيج الاجتماعي، وقد اختلفت كثير من التشريعات في استعمال لفظ معين للدلالة على طرق ووسائل معاملة الأشخاص المحكومين، حيث استعمل المشرع المغربي[139]  تعبير “تربية المعتقلين” التي تشمل جميع مظاهر الإصلاح كالتعليم، التكوين المهني، التربية الدينية، المساعدة الاجتماعية وغيرها[140].

ومن هنا إذن يمكن القوا انه إذا كان نجاح العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة في أداء وظيفتها رهينا بمدى استجابة المحكوم عليه  لبرامج التأهيل والتهذيب أثناء تنفيذها، فإن السؤال الذي أصبح يفرض نفسه أكثر من أي وقت مضى يبقى مطروحا بالنسبة لمدة هذه العقوبة، فهل تفسح المجال لتطبيق البرامج التهذيبية والتأهيلية الإصلاحية التي يتوخاها الغرض من العقوبة السالبة للحرية؟.

وعلى هذا الأساس فلمعالجة هذا المبحث ارتأينا تناوله من خلال مطلبين الأول: نتطرق فيه للدور الإصلاحي والتأهيلي للمؤسسات العقابية أما الثاني فسنتحدث فيه عن دور عملية الإدماج بالنسبة للمحكوم عليه بعقوبات قصيرة المدة في حل أزمة العقاب.

 المطلب الأول : الدور الإصلاحي والتأهيلي للمؤسسات السجنية

فبعد النظرة الإشمئزازية الضيقة التي كان ينظر بها المجتمع المدني إلى السجين والتي كانت تنم عن التهميش واللامبالاة، تغيرت هذه النظرة اليوم وأصبح المجتمع المدني بما فيه من جمعيات حقوقية ومنظمات غير حكومية ومختلف الفاعلين الاجتماعيين، ينظرون إلى السجين بأنه شخص بحاجة إلى الرعاية والعناية ليعود لمجتمعه سليما وصالحا، وفي نفس الوقت تحولت وظيفة السجن[141] من مؤسسة عقابية هدفها عقاب المجرمين إلى مؤسسة إصلاحية تهدف إلى تقويم اعوجاجهم، وذلك من خلال إعداد برامج تربوية تثقيفية وتكوينية (فقرة أولى) إلا أن ذلك لا يتحقق في بعض الأحيان نظرا للعقبات القائمة أمام عملية التأهيل والإصلاح تلك (فقرة ثانية)، وذلك تحقيقا للفلسفة التقويمية العلاجية التي باتت تسعى إليها مديرية إدارة السجون وإعادة الإدماج، وتماشيا مع أهدافها وتوجهاتها الرامية إلى إصلاح وتأهيل نزلاء السجون.

 

 الفقرة الأولى: مجال التربية والتأهيل:

لقد أصبحت مديرية السجون بالمغرب ابتداء من عهد الاستقلال[142] تقوم بدور طلائعي في الميدان الإصلاحي والاجتماعي[143] ، وكان ذلك نتيجة حتمية لمدى التطور الذي عرفته مديرية السجون في المغرب في شتى مجالات اختصاصاتها وتنظيماتها.

فإذا كان الدور الإصلاحي والاجتماعي الذي تقوم به مديرية السجون يحتل مرتبة عليا ويكِنُّ له المسؤولون اهتماما كبيرا، فما ذلك إلا نتيجة حتمية للهدف الرئيسي الذي تعمل المؤسسات الإصلاحية من أجل تحقيقه ألا وهو إصلاح السجناء وتأهيلهم وتهذيبهم، وبذلك أصبحت المؤسسات العقابية تعتبر بمثابة مؤسسات إصلاحية واجتماعية، وأصبح بالتالي أطرها يعتبرون بمثابة مربون ومرشدون اجتماعيون يهدفون من وراء القيام بمهامهم أولا وقبل كل شيء إلى مد يد المساعدة للسجناء بجميع فئاتهم وأصنافهم، وذلك حتى يمكنوهم من إعادة تكييف حياتهم من جديد بما فيه الصالح الخاص والعام[144].

فأهم ما يمكن أن تقدمه مديرية السجون للمحكوم عليهم في مجال التربية والتأهيل وهم في عقر الدار، والذي يمكن أن يساعدهم على إدراك ما فات أو نسي، أو التعويض عن ما قصر منهم من التوعية العقلية والفكرية والمهنية، أو الإفصاح عن ملكاتهم الخفية بالتعبير والإبداع والتنفيس عن النفس والذات من أجل الخروج من القوقعة المسودة أو الكهف المظلم، نجد[145]:التعليم(اولا)،التكوين المهني (ثانيا)،الوعظ والارشاد الديني (ثالثا) والتنشيط الفني والثقافي والرياضي(رابعا).

أولا: الـتعـــــليـــــــــــــــم

يعد التعليم من أهم أساليب المعاملة العقابية التي تسهم في تحقيق الغرض الأول من الجزاء الجنائي وهو التأهيل والإصلاح، فهو يحقق للنزيل فوائد كثيرة في تنمية إمكاناته الذهنية والفكرية، ويعينه على فهم الأمور وتقدير عواقبها، وبالتالي  تهذيب الميل الإجرامي وإضعافه لدى النزيل  الذي يغرس فيه احترام القيم الاجتماعية والخلقية  ليصبح أكثر انسجاما مع المجتمع[146].

فالإقبال على التعليم في جميع مراحله أمر ضروري ومفيد، والمديرية في هذا الشأن قد فتحت في جميع المؤسسات السجنية والإصلاحية أقسام تعليمية متوفرة على كل الإمكانات اللازمة، بحيث أن الدراسة بالسجن لا تختلف بتاتا عن البرامج المخططة لوزارة التربية الوطنية خارج السجن[147].

ومن خلال النتائج المحصل عليها في كل السنوات الدراسية، يتضح أن المؤسسات السجنية قد ساهمت بشكل جيد في الدور الإصلاحي والتربوي بشكل فعال، حيث يظل الأمل سائرا في الحصول على شهادات التعليم الوطنية التي تفتح لهم مجال المتابعة الدراسية أو البحث عن الشغل عند الإفراج.

وفي هذا الإطار أخذت كل المؤسسات السجنية والإصلاحية على عاتقها فرض مفهوم إجبارية محو الأمية أمام النزلاء الذين لا يفقهون شيئا، أو أميين بالطبيعة نظرا للظروف الحياتية والمعيشة التي كانوا عليها فساقتهم إلى الانحراف جاهلين كل فرص التعليم أو أنهم كانوا متسكعين هاربين من الدراسة، وذلك تماشيا مع ما أقرته بعض العهود والمواثيق الدولية بهذا الخصوص[148].

وعليه فقد فتحت كل المؤسسات السجنية بفضل أطرها التربوية أقسام لمحو الأمية، هادفة بذلك تهذيب وتأهيل المنحرفين في اتجاه يسهل إعادة إدماجهم، بحيث تصبح القراءة والكتابة حافزا أساسيا نحو المزيد من المجهود للحصول على أعلى مستوى من التعليم في جميع المراحل الدراسية[149].

 

ثانيا: التكويـــن المهنــي

من خلال هذا الاسلوب تعمل مديرية إدارة السجون على إلحاق عدد من المعتقلين بالمعامل والأوراش التابعة لها، قصد تعلم حرفة يستطيع بها المعتقل بعد الإفراج عنه الاندماج في المجتمع، كما أنها ــ ادارة السجون ــ أنشأت في نطاق التكوين المهني مراكز للتكوين في الخياطة بكل من القنيطرة والصويرة تبلغ مدة الدراسة بها سنتين إلى ثلاث سنوات[150] ويشرف عليها معلمون من وزارة الشغل والتكوين المهني[151].

ويتم تسليم الشواهد المهنية للناجحين معترفا بها وموقعة من طرف مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل[152]، وكل ذلك من أجل توفير أية وسيلة تساعد السجناء على بناء حياة شريفة بعد الإفراج عنهم، يكون فيها الصالح الخاص لأنفسهم والعام للمجتمع.

على اعتبار ان برامج التكوين المهني تهيء للنزيل فرصة العمل المناسب بعد إطلاق سراحه، فيستطيع أن يحقق مطالبه بالطرق القانونية المشروعة، إضافة إلى أن مثل هاته البرامج كفيلة بإقرار نوع من الانضباط والنظام بالفضاءات السجنية، وأيضا كفيلة  بالقضاء على مشكلة الملل من طول وقت الفراغ[153].

ثالثا: الوعظ والإرشاد الديني

   إن العناية والتوجيه الديني داخل المؤسسات السجنية تحظى بقبول ونصيب وافر لما لها من آثار في نفوس النزلاء، وهذه ميزة جميلة وفطرية، بحيث تلقى الدروس في الوعظ والإرشاد من قبل الفقهاء والعلماء والمرشدين التابعين لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كما يتم تشجيع حفظة القرآن وترشيح حفظته للاستفادة من العفو الملكي السامي، ولعل الغاية من ذلك هي بعث روح الأمل والتربية الحسنة ورد الثقة إلى النفوس الجانحة، والرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية حتى يشعر المذنب بعد الثواب بصلاحيته ومسؤولياته نحو أسرته ومجتمعه ووطنه.

رابعا: التنشيط الفني والثقافي والرياضي: إن مجال الترفيه والتنشيط له وقع جيد في نفوس النزلاء، نظرا لما تحمله من فضاءات تنشيطية وترفيهية مختلفة سواء فنية أو ثقافية أو رياضية، أو ما تكنه من فوائد إيجابية على عقلية ونفسية السجناء للخروج من القوقعة الفردية اليائسة المحبوسة بداخلهم، وذلك بالترفيه عن النفس وخلق أجواء من الالتئام والتكيف الجماعي.

وقد خصصت قاعات للندوات والمحاضرات والعروض الفنية وساحات لمزاولة  النشاط الرياضي.

وأخيرا وليس  بأخير فإنه لا بأس من الاشارة إلى أنه وحسب بعض الإحصائيات[154]  أن أكثر من نصف الساكنة السجنية المحكومة تقضي عقوبة تقل عن سنتين وهي تتشكل من معتقلين شباب أغلبهم من ذوي الجرائم البسيطة، ثلثهم كان يتوفر على وضعية قارة قبل دخوله السجن، مما يفيد أن هذه الفئات قابلة للإصلاح وإعادة التربية إذا توفرت لها برامج هادفة وأتيحت لها إمكانية قضاء فترة العقوبة في شروط تضمن لها الكرامة، أي بنسبة 53.24%حسب احصائيات 2004، أما بالنسبة لاحصائيات سنة2011ــ 2012 فان نسبة العقوبات المحددة في سنتين واقل تمثل ما يقارب 60,17%  من الساكنة السجنية[155]،  وبالتالي فإن أغلبية المدانين هم من ذوي الجرائم البسيطة الذين يمكن معالجة حالات بعضهم (14.01% محكومين بأقل من 6 أشهر بعقوبات بديلة عن العقوبات السالبة للحرية).

  الفقرة الثانية: العقبات القائمة أمام عملية الإصلاح والتأهيل

إذا تم التسليم بأن السجن يقوم بإصلاح المسجونين من خلال البرامج والأنشطة التي تقدم داخل السجن، فان هذه الأنشطة تعاني من الكثير من العقبات[156]، سواء كانت مادية كتوفير البنية التحتية انطلاقا من تصاميم حديثة وعلمية تتناسب مع أهداف عملية الإصلاح والتأهيل خاصة في مجال بناء المؤسسات السجنية، أو تقنية كإعداد الأطر الفنية والمتخصصة لمتابعة برامج التأهيل، بداية بالفحص والإعداد النفسي إلى الرعاية الصحية والاجتماعية، انتهاء إلى سؤال عريض ومهم وهو هل يمكن أن تعمل المؤسسات السجنية على تأهيل منحرف بواسطة حرمانه من حريته وعزله عن المجتمع؟

العقبات المادية: تواجه المؤسسات السجنية والإصلاحية العديد من العقبات المادية تحول دون تحقيقها للأهداف التي رصدت من أجلها والتي على رأسها إصلاح وتأهيل الجانحين وإعادة إدماجهم في النسيج الاجتماعي.

فمن المعلوم أن الاعتمادات المادية التي تخصصها الدول لتوفير مؤسسات الاعتقال باهضة جدا وذلك لارتباطها بالاستقرار الأمني وضمان إبقاء العناصر الغير مرغوب فيها من طرف المجتمع في معزل عن هذا الأخير، غير أنه إذا كان التصور الذي يحكم توفير هذه المؤسسات قصد جعلها مراكز إصلاح وتأهيل عوض الاكتفاء بدورها المنحصر في حرمان الأشخاص من حريتهم فقط، فإن التكاليف المادية تصبح أكثر إلحاحا[157]، ومن تم فإنه بتغيير الهدف من السجن يجب أن تتغير البنى التحتية أيضا[158]، فالموقع الجغرافي والشكل الهندسي والمرافق والتجهيزات الخاصة بالمؤسسة السجنية أصبحت عناصر أساسية وهامة في انطلاق أية عملية تأهيل أو إصلاح[159] ، وبعبارة أخرى فإن الفضاءات السجنية التي كانت متوفرة في ظل المفهوم التقليدي لعقوبة الحرمان من الحرية- العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة- أصبحت متجاوزة وغير قابلة لكي تصبح فضاءات تربوية وإصلاحية، وأي إغفال لهذا المعطى سيؤثر حتما على أية عملية إصلاحية أو تأهيلية.

على إثر ما سبق فإن السجن ورغم كل ما يمكن أن يقدمه من برامج وأنشطة فان تأثيره على النزلاء يبقى قليلا ومحدودا وغير مجدي في إصلاحهم وإعادتهم أسوياء للمجتمع، لأن وظيفة المؤسسات الإصلاحية في ظل واقع قلة الإمكانيات المادية لا تعدو أن تكون وسيلة للترهيب، وأن اعتماد الأساليب التقويمية الممنهجة سوسيولوجيا تربويا، ثقافيا، تكوينيا، وحقوقيا، يمكن أن تؤتي أكلها إذا ما توفرت  للمراكز الإصلاحية الموارد المالية الكافية.

وهذا مع الأسف الشديد ما لا تتوفر عليه المؤسسات العقابية، فكل الإحصائيات تشير إلى أن الميزانية المرصودة لهذه المؤسسات ضعيفة بالمقارنة مع متطلبات الإصلاح وإعادة الإدماج الحقيقي للسجناء[160].

العقبات التقنية: عند الحديث عن التأهيل يتجه التفكير مباشرة إلى البرامج المعدة لذلك[161] والأطر المشرفة على تطبيق هاته البرامج[162]، وكل ذلك يجب أن ينطلق من دراسة علمية وميدانية لمعرفة احتياجات الأشخاص موضوع هذه العملية ألا وهم السجناء، لتهييء البرامج الخاصة بهم وتوفير الأطر اللازمة لتطبيقها على أرض الواقع.

ولتوفير كل ما ذكر تتقاطع مجموعة من التخصصات أهمها علم النفس، علم الاجتماع وعلم التربية، غير أن خبراء هذه العلوم غالبا ما يتم تجاوزهم عند وضع السياسة الجنائية أو العقابية، على اعتبار أن هذا شأن القانونيين والإداريين، كما أن الموظفين والأطر الموكول إليهم إدارة المرافق والمؤسسات السجنية غالبا ما يفتقرون لأي تكوين في المجالات المذكورة، بحيث يتم التركيز على دورهم الأمني في سهرهم على تنفيذ العقوبة أكثر من أي دور آخر له بعد تربوي[163].

العقبات الواقعية: إذا اعتبرنا التأهيل هو الهدف الأساسي للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة فيجب أن تدور هذه العقوبات مع هذا الهدف وجودا وعدما، غير أن المشرعين غالبا ما يسيرون في نظرتهم للعقاب على غير هذا المنطق، بمعنى أنهم يعاقبون على كثير من الجرائم بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة، في حين أن مرتكبيها ليسوا في حاجة إلى تأهيل معين وليست لهم من الخطورة الإجرامية ما يلزم أن نضعهم تحت إشراف المؤسسات العقابية لفترة معينة  بهدف تأهيلهم للحياة السوية[164]، ولعل من بين الجرائم التي يعاقب عليها بمثل تلك العقوبات نجد جرائم الخطأ، الجرائم الاقتصادية، جرائم الرأي والتي كان من الأجدى الاكتفاء فيها بعقوبات أخرى كالعقوبات المالية أو غيرها من العقوبات البديلة.

المطلب الثاني : دور عملية الإدماج في حل أزمة العقاب

إن أزمة العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة تبلورت على الخصوص في انعكاساتها السلبية على حياة السجين وعائلته ومجتمعه من الجوانب النفسانية والاجتماعية، فعملية الإدماج تساهم في الحد أو إن صح القول التخفيف من تلك الانعكاسات، ترى إذن ما مفهوم عملية الإدماج تلك (فقرة أولى) وماذا عن مظاهرها (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم عملية الإدماج

 

عملية الإدماج لها مفهوم واسع وتأثير بالغ في حياة المعتقلين، نظرا لما يحمله هذا المصطلح من معاني وأهداف إنسانية وتربوية وأخلاقية واجتماعية يصبح معها السجين قادرا على التكيف نفسيا واجتماعيا وعمليا في الحياة اليومية العادية، وهذا لن يتأتى إلا بوجود عزيمة قوية وإرادة فعالة لأطر تربوية مؤهلة وبنيات تحتية متوفرة على حرف ومنابت عمل، لكي يمكن معها إدماج السجين كيفما كان مستواه التعليمي والمعرفي وقابليته النفسية والذاتية وسلوكه الأخلاقي والاجتماعي[165].

والإدماج بهذا المفهوم ممكن وصفه بالاستقامة والتعاون والتضامن والتحكم في الشيء، وهذا ينبني أساسا على الأخذ بيد الشخص الجانح نحو الطريق المستقيم الهادف لكي يشق سبيله داخل المجتمع بكل حرية واطمئنان وائتلاف.

فمن الممكن أن تؤدي أية زلة قدم إلى صنع مجرم خطير على المجتمع إذا لم تتوفر الآليات القانونية الكفيلة لإصلاحه وإعادة إدماجه، كما أن وجود سياسة عقابية حكيمة وناجعة قد تمتص سلوكا إجراميا لا ندرك مدى خطورته.

لذلك فقد أصبح المشرع المغربي على غرار بعض التشريعات الأخرى[166] يركز على مفهوم الإصلاح والإدماج عوضا عن فكرة الزجر، سواء بخصوص الجانحين من الأطفال[167] في سلك سياسة التدابير الاحترازية واعتبار عقوبة السجن من الاستثناءات وحتى بالنسبة للرشداء، وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات والآليات القانونية التي تحمل في طياتها طابعا إنسانيا وناجعا في ذات الوقت، مما يجعل التشريع المغربي مواكبا لركب التشريعات المتقدمة في غمار البحث عن إرساء نوع جديد من العقوبات يقضى خارج السجون[168].

وهذا ما أكدت عليه توصيات مؤتمر ميلانو المنعقد سنة 1985 في قرارها رقم 16 على أن الجزاءات التي لا تشترط الحبس تمثل طريقة أكثر إنسانية، لتسهيل جهود إعادة الإدماج التي تبذل بشأن الأفراد المحكوم عليهم، كما تشير تلك التوصيات إلى أن مشروع قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضاء الأحداث توصي بالعمل إلى أقصى حد ممكن على تلافي الإيداع بالمؤسسات الإصلاحية، وتقرير الأمين العام لبدائل السجن وتدابير إعادة السجناء في المجتمع، إضافة إلى أنه قد جاء في تلك التوصيات مطالبة لجنة منع الجريمة ومكافحتها أن تقوم بدارسة مسألة الجزاءات التي لا تشترط الحبس والتدابير الرامية إلى الإدماج الاجتماعي للمجرمين مع مراعاة جملة من الأمور التي نذكر منها ما يلي:

– لا ينبغي توقيع عقوبة السجن إلا بوصفها عقوبة يلجأ إليها كملاذ أخير.

– لا ينبغي في أية حال أن يتعارض استخدام البدائل مع الجهود الرامية إلى إلغاء التجريم والاستغناء عن العقوبة أو تأخير تنفيذها.

– عند الأخذ بالجزاءات التي لا تشترط الحبس ينبغي من حيث المبدأ أن تستخدم كبدائل فعلية للسجن وليس بالإضافة إليه …. إلخ[169].

ومن منطلق ما سبق فإن السبيل إلى إرساء مقومات سياسة عقابية ناجعة وأكثر مرونة ومواكبة للمستجدات، يستدعي مكاشفة وضع السياسة العقابية القائمة من خلال رصد مواقع الخلل وتجاوز السلبيات التي تعيق أهداف الإصلاح وإعادة الإدماج المنشودة حتى بالنسبة للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة.

  الفقرة الثانية: مظاهر إعـادة الإدمـاج

إن التعبير عن حالات الإدماج وآثارها الايجابية الفعالة في حياة الشخص الجانح المدان ممكن تبيان معالمها في المظاهر التالية[170]:

  • الإدماج النفسي: فحالة المحكوم عليهم تكون متوترة إلى حد الإحباط والإصابة بالاكتئاب أحيانا، بحيث يصبح كثير الانزواء والانطواء على نفسه، الشيء الذي يستدعي خلق فضاءات ترفيهية متنوعة لإعادة الثقة الكاملة إلى نفسيته حتى يستطيع التكيف والاندماج والانسجام مع الآخر، فشغله الشاغل أن لا يعمل شيئا وأن يظل حبيس الجدران حتى يفرج عنه، لذلك فالجلسات الجماعية والتوعية الدينية وإقامة الندوات والمحاضرات وإعطاء فرص التعبير في الحوار والمناقشات الجماعية والإفصاح عن مكبوتات النفس،هي وسائل حميدة تؤدي إلى التقويم والانضباط والاتزان الشخصي، كما أن دور التمثيل المسرحي وتقنياته وفن الرسم والموسيقى والرياضة الجماعية من المتنفسات التي تخرج الشخص الجانح من محيطه الحزن[171].

كما أن دور الأخصائي الاجتماعي في هذا المجال مهم جدا داخل المؤسسة، وكذلك الطبيب النفساني الذي عليه أن يشخص الحالات المرضية النفسية وعلاجها[172]، وأن يوجه الشخص إلى ما يطمئن إليه لتعود إليه الثقة بالنفس والتكيف مع البيئة الداخلية وربط علاقات مع الآخرين مما يزيده اعتزازا وقوة وتقديرا لنفسه كما يسهل في عملية الإدماج والتوافق الشخصي في المحيط المحروس.

  • الإدماج الاجتماعي: للزيارة العائلية مكانة خاصة وفائدة عظمى في نفوس المحكوم عليهم وذلك للحفاظ على صلة القرابة والتواصل والاطمئنان الأسري[173]، كما يتم تسهيل إعادة إدماجهم في الوسط المجتمعي في حالة الإفراج ومواءمتهم-  المحكوم عليهم بعقوبات حبسية- مع محيطهم المعاش[174]، كما أن تعاطف المجتمع المدني مع هذه الشريحة  من المدانين والأخذ بأيديهم وإعطائهم فرص نحو تحسين النفس والذات وتعويضهم عن أوجه القصور والضعف بما تسمح به الظروف والإمكانات في النشاط الاجتماعي، لهي الوجهة الصحيحة في إعادة الثقة لهم، وأنهم مهما كانوا فهم من صلب المجتمع لا يمكن الاستغناء عنهم مهما طال بهم الزمن وهم وراء أسوار السجن فهم عائدون لا محالة، لذلك وجب على المجتمع الاعتناء بهم لا تهميشهم ونسيانهم والسخط عليهم فكما قال الله تعالى في كتابه العزيز” إن تبدو خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا[175]“.

وهذا ما أكدته أيضا توصيات مؤتمر ميلانو حينما أكدت على أن مسألة تسهيل عملية الإدماج ومدى نجاح العقوبات البديلة عن السجن رهين بمساهمة المجتمع والمواطنين في إنجاحها لأنها  تعتمد أصلا على هذه المساهمة[176].

  • الإدماج التربوي: إن العمل التربوي له أهمية كبرى وقصوى في التنشئة المعرفية والتعليمية والأخلاقية والأدبية، وفي توعية الشخص الجانح لما عليه من حقوق وواجبات اتجاه نفسه وبيئته ومجتمعه ووطنه.

ودور محو الأمية في هذا الصدد يعد إلزاميا[177]، وذلك قصد تحسين وضعية النزلاء وإعطاء الفرصة للفئات المحرومة قصد الدراسة في إطار التربية غير النظامية، كما أن متابعة الدراسة في جميع مستوياتها لها فائدة عظمى وآثار إيجابية في التنمية الفكرية، والحث على مطالعة الكتب الثقافية والعلمية والتعمق في البحث والدراسة، وكل ذلك هو من بين أسباب التحصيل للاندماج التربوي[178].

  • الإدماج المهني والتكويني: يعد مجال التكوين المهني مظهرا أساسيا من مظاهر إعادة الإدماج وتأهيل الجانح مهنيا، إذ من خلاله يتمكن المحكوم عليهم من الحصول على شواهد مهنية تؤهلهم لممارسة حرفة معينة في عالم الشغل بكل كفاءة ومهارة[179].

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه بإمكان المحكوم عليه الاشتغال لفائدة الخواص أو لحساب هيئة خاصة، وذلك بناءا على امتياز بموجب اتفاقية إدارية تحدد على الخصوص شروط التشغيل والأجر المستحق[180]، أو إلحاقه بورشات داخلية أو أعمال مهنية تمهده للخروج إلى المجتمع وإعداده لتكون له حياة خاصة يمكن أن يشرف عليها أخصائي اجتماعي في إطار الرعاية اللاحقة[181] لمتابعة ومراقبة الشخص الجانح بعد الإفراج عنه.

وأخيرا وليس بأخير فإنه وفي إطار ما تهدف إليه إدارة السجون وإعادة الإدماج نحو تحسين وضعية المؤسسات السجنية في المغرب منذ أوائل السبعينات فإنه أصبح من اللازم وضع أسس قانونية منظمة، وترسيخ مفهوم الإصلاح وتوفير كل الأطر التربوية الكافية للعمل في اتجاه العناية والتكوين والرعاية اللاحقة، وتحديث السجون وفق مناهج تحفظ كرامة النزيل وتضبط الأمن والاستقرار، وتعمل على تأهيل وإعادة إدماج السجناء المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية سواء طويلة أو قصيرة المدة لجعلهم صالحين نافعين في المجتمع.

وتأسيسا على ما سبق تجدر الإشارة إلى أنه لا غرو في أن السبيل إلى إرساء مقومات سياسة عقابية ناجعة وأكثر مرونة ومواكبة للمستجدات، يستدعي رصد مواقع الخلل وتجاوز السلبيات التي تعيق تحقيق أهداف الإصلاح وإعادة الإدماج وذلك بوضع نظام قانوني لبدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة في تشريعاتنا الجنائية.

 

* فاتن الوزاني الشاهدي، طالبة باحثة حاصلة على الدكتوراه في القانون الخاص ، مجموعة البحث في العلوم الجنائية، فاس ، 2015.

1- ولاشك أن هذه الأضرار في مجملها تؤدي إلى نتائج سلبية على المحكوم عليه سواء من الناحية القانونية أو الإدارية أو الاجتماعية أو الفقهية لذلك فالمعاملة العقابية التي يحصل عليها نزيل السجن خلال تنفيذ العقوبة السالبة للحرية خصوصا القصيرة المدة منها، والتي مهما بلغت من الموضوعية فانها تبقى غير كافية لإعادة تاهيل السجين ولإعادة تأقلمه مع الحياة الاجتماعية من جديد. للمزيد من التفصيل أنظر : محمد إبراهيم زيد، الآثار الاجتماعية للعقوبات السالبة للحرية، المجلة المغربية القومية، المجلد 13، ع 3/1970، ص : 325.

[2] – خوري عمر، العقوبات السالبة للحرية وظاهرة اكتظاظ المؤسسات العقابية في الجزائر، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية عدد4 /2008 ص 576 و577.

[3] -احسن طالب، الجريمة والعقوبة والمؤسسات الإصلاحية، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 2002، ص : 207.

[4]  – ميشيل فوكو، المراقبة والمعاقبة ولادة السجن، مركز الإنماء القومي، بيروت 1990، ص: 265-266 .

[5] – Jean Larguier, criminologie et science pénitentiaire, 4ème édition ,aDlloz, France, Paris,p:88.

[6] – J.  Paradel, Droit Pénal Général, édition Cujas, Paris, 2001, p: 519.

[7] – وقولنا الأساسي منها نعني به تلك المساوئ التي نرى من وجهة نظرنا المتواضعة أنها أولى بالدراسة والتحليل من المساوئ الأخرى.

[8] -علي محمد جعفر، العقوبات والتدابير وأساليب تنفيذها، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بدون طبعة، ص: 135.

[9] –  جعفر العلوي، عجوزات مرفق العدالة الجنائية، بعض التجليات وسبل المعالجة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد36/ 2002، ص: 76.  أنظر أيضا مرجع سامية محمد جابر، الانحراف الاجتماعي بين نظرية علم الاجتماع والواقع الاجتماعي، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية، ص 170-173.

[10] -جعفر العلوي، دروس في علم الإجرام، مكتبة المعارف الجامعية، دون ذكر سنة الطبع، فاس، ص 41-42.

[11] -محمد بن جلون، السجل العدلي وإشكالية حقوق الإنسان، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، الرباط أكدال، 2001-2002. ص : 237.

[12] Mourice Casson, pourquoi punir ? chronique de criminologie ,Revue de science criminelle et de droit pénal comparé N° 4, 2006, p : 126-128.

  • فلا شك أن العلاقات الاجتماعية التي تربط المحكوم عليه بأفراد أسرته وعائلته تصيبها العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة بتداعيات وآثار جسيمة، سواء خلال تنفيذ المحكوم عليه للعقوبة داخل السجن أو بعد انتهائها، ولعل البعض من تلك الآثار والتداعيات نجد وصمة العار التي تلحق بأفراد تلك الأسر والعائلات نتيجة الزج بعضو من أعضائها داخل جدران السجن وما يترتب عليها من فقدهم لاعتبارهم الاجتماعي ولفظ المجتمع الذي يمثلون جزءا من نسيجه لهم، وهو ما ينعكس بدوره على العلاقة بينهم وبين المحكوم عليه، وهذا التغير في معطيات وأسس العلاقة ينجم عنه العديد من الآثار السلبية منها، الفتور، الشقاق، الهجر أو الانفصال….

[14]– وفي هذا الإطار تتعدد وتتباين تأثيرات العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة على العلاقات الاجتماعية التي تربط ما بين أفراد أسر وعائلات المحكوم عليهم بأفراد المجتمع، وذلك بحسب الظروف والأوضاع الاجتماعية لكل فرد وعضو من أعضائها، ونمط ومدى الرابطة الاجتماعية التي تربطهم بكل فرد أو جماعة من الأفراد المكونة للنسيج الاجتماعي، وبصفة عامة فان قدر من تلك العلاقات يكون عرضة للتأثر بدرجات متفاوتة وفي اتجاهات مختلفة نتيجة لتنفيذ أحد أفراد الأسرة أو العائلة لعقوبة سالبة للحرية داخل السجن حتى لو كانت قصيرة المدة.

فالعلاقة بين كل فرد من أفراد أسرة المحكوم عليه وعائلته وبين أصحاب الأعمال الذين يعملون لديهم مثلا  تتعرض للتأثر سلبيا وبشدة  عقب دخول أحد أفراد الأسرة أو العائلة للسجن ، وقد يصل التأثير السلبي للعلاقة إلى حد فقدان صاحب العمل للثقة في هذا الفرد،و بالتالي يكون معرضا لفقده لوظيفته وبالتالي مورده المالي دونما ذنب اقترفه، كما ستتأثر سلبيا كنتيجة لتلك العقوبة العلاقات التي تربط هذا الفرد مع أقرانه في العمل، المدرسة، أو الجامعة أو……وهو ما يؤدي لرفضه رفضا نسبيا في مداه الشيء الذي تنتج عنه تداعيات خطيرة مثل تركه للدراسة أو العمل. للمزيد من المعلومات بخصوص هذه النقطة راجع مرجع د. عطية مهنا، الآثار الاجتماعية للحبس القصيرة  المدة على المحكوم عليه وأسرته، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، القاهرة 1999، ص: 192 ، وما بعدها.

[15] – أيمن رمضان الزيني، العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة وبدائلها “دراسة مقارنة”، دار أبو المجد للطباعة بالهرم، طبعة أولى، 2003. ص: 62-80 .

[16] – جاسم محمد راشد الخديج ، بدائل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، دراسة مقارنة، دار الشروق، طبعة 2000  ص: 82 .

[17] – نور الدين العمراني، مرجع سابق، ص: 15، أنظر أيضا عبد الله بن عبد العزيز اليوسف،  التدابير المجتمعية كبدائل للعقوبات السالبة للحرية، طبعة أولى، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، 2003 ، ص: 84-85  .

[18] – بوجمعة الزناكي، بدائل العقوبات السالبة للحرية، الشغل من أجل المنفعة العامة، مجلة الإشعاع، يونيو، عدد 24، ص: 90.

[19] – نور الدين العمراني، مرجع سابق، ص: 14.

  • [20]    – أحمد عوض بلال، النظرية العامة للجزاء الجنائي، دار النهضة العربية القاهرة، طبعة 2، 1996. ص: 608.

[21] – فلوجود حالة العود في القانون المغربي مثلا يلزم أن يكون الحكم الجنائي السابق قد حاز قوة الشيء المقضي به طبقا لمقتضيات المادة 155 من القانون الجنائي، وفي هذا صدر قرار عدد378 من المجلس الأعلى بتاريخ 7/12/88  ملف عدد 306/88، مجلة المحامي، عدد 2، ص: 135.

[22] صالح بن محمد آل رفيع العمري، العود إلى الانحراف في ضوء العوامل الاجتماعية، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، طبعة 2002،  ص: 24.

[23]  – ويختلف العود بهذا المعنى عن التعدد المادي أو الحقيقي للجرائم، ففي هذا الأخير لا يوجد حكم بات بالإدانة يفصل بين الجرائم المتعددة، كما أنه يختلف عن التعدد المعنوي للجرائم الذي يقوم على وحدة الفعل وتعدد النصوص الجنائية، التي انتهكت بموجبه، بينما العود يفترض تعدد الأفعال واستقلالها عن بعضها وصدور حكم بات يفصل بينها، ولكن هذا الاختلاف لا يمنع من إمكانية توافر كل من العود والتعدد لدى شخص واحد  إذا توافرت الشروط الخاصة بكل منهما على حدة، كما لو أدين شخص بحكم بات عن جريمة ثم ارتكب بعد ذلك أكثر من جريمة تتحقق بها حالتا العود والتعدد. أنظر مرجع : ناهد صالح، التنبؤ بالعود إلى الإجرام، المجلة الجنائية القومية، 1966، ص: 477.

[24] -ناهد صالح، مرجع سابق ص: 477 وما بعدها.

[25] –  Mourice Cusson, Le contrôle social du crime, PUF, Dépôt légal, 1ère édition 1983, France, p : 174.

[26] -عبد الله السجورة، بدائل العقوبات السالبة للحرية، مجلة المحاماة عدد24، مايو 2002، ص: 189 .

[27] – أحمد عوض بلال، النظرية العامة للجزاء الجنائي، مرجع سابق، ص: 609.

[28] – محمد أحمد المشهداني، أصول علمي الإجرام والعقاب في الفقهين الوضعي والإسلامي، الدار العلمية الدولية، ودار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، طبعة 2002، ص: 22 و23.

[29] – جاسم محمد راشد الخديج، مرجع سابق، ص: 82.

[30] – أيمن رمضان الزيني، مرجع سابق، ص: 107 و 108.

[31]– عبد الله بن عبد العزيز اليوسف، مرجع سابق، ص: 72.

[32]– وهذا ما أكدته الاتفاقية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1966 بحيث نادت بضرورة مراعاة نظام السجون ومعاملة المسجونين معاملة يكون هدفها الأساسي إصلاحهم وإعادة تأهيلهم الاجتماعي، فمدرسة السجن لا تساهم إذن في إخراج المواطن الصالح، كما هو مسطر في نصوصها التنظيمية، ولا تقي من موجة الجريمة ونتائجها الكارثية بقدر ما تساهم خطأ في إعادة إنتاج الجنوح، مع التأكيد طبعا على تضافر عوامل أخرى ساهمت في عملية الإنتاج هاته، وهي أكثر اتصالا بالتهميش والفقر والإقصاء، لذلك فمن وجهة نظرنا ربما يعد اعتماد البديل أفضل من اعتماد العقوبات الحبسية القصيرة المدة للحد من إتيان السلوك الإجرامي من جديد (العود).

[33]– عدلي خليل، العود ورد الاعتبار، المكتبة القانونية 18 ش، القاهرة، طبعة 1988، ص: 10 وما بعدها.

[34]– بحيث يعد العنف والقمع كأحد خصائص المؤسسة العقابية من أكثر العوامل التي تنمي هاته الاستعدادات على اعتبار أن كل عنف يستتبعه عنف مضاد وبالتالي فظروف العود تهيأ في مؤسسة العقاب اعتبارا لما يصاحب العقاب من ممارسات فضيعة حاطه بالكرامة ومحرضة على استثمار القوة والجنوح لتأكيد الذات وحمايتها، فالسجن إذن يفرض عليه فرضا أن يجنح إلى العنف في كل لحظة.

[35] – من أجل تفادي هذا الأثر أوصى مؤتمر الأمم المتحدة الثاني لمكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين بلندن سنة 1960 بضرورة إيداع المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة في جناح من السجن متميز عن مكان وجود باقي المسجونين إذا اقتضى الحال الحكم بعقوبة قصيرة المدة.

[36] – أيمن رمضان الزيني، مرجع سابق، ص: 48.

[37] – وقد جاء ضمن المادتين 122 و 123 من قانون 98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية بالمغرب الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 200.99.1 بتاريخ 25 غشت 1999 عملية تنظيم برامج التكوين المهني بكل المؤسسات السجنية قصد إعادة إدماج المعتقلين المفرج عنهم.

  • [38] – مصطفى مداح، الوضع العقابي القائم، العقوبات السالبة للحرية وسياسة الإصلاح وإعادة الإدماج، ندوة السياسة الجنائية بالمغرب واقع وآفاق، مجلد II وزارة العدل، 2004. ص: 66 .

[39] علي محمد جعفر، مرجع سابق، ص : 134.

[40] المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي، ع6، مرجع سابق، ص : 249.

[41] – محمد أزيزبي،  واقع السجون المغربية وأهدافها الإصلاحية بحث ميداني دراسي، إفريقيا الشرق، 2006، ص: 173.

[42] وبالتالي فإذا كان قانون السجون المغربي يتحدث عن الزيارات العائلية فإن هذه الأخيرة لا تقتضي إلا النظر والكلام ولا تصل إلى الخلوة الشرعية بين المحكوم عليه وزوجته.

[43] هذا ما يتنافى مع المواثيق الدولية لأن هذه الأخيرة تكرس مؤسسة الأسرة وتحميها، فمثلا المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (ا ع ح ا) تنص على أن الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع ولها الحق في التمتع بحماية المجتمع والدولة وقد استعمل نفس الصيغة السابقة(ع د ح ق ج ث).

الفصل 23 من العهد الدولي للحقوق المدنية السياسة (ع د ح م س)، وهذا ما كرسته م 10 من العهد الدولي لحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

[44] – وهنا تجدر الإشارة إلى أن القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء هي الأخرى لم تتعرض للخلوة الشرعية في قواعدها بقدر ما اكتفت في بعض قواعدها بالسماح للسجين بالزيارة العائلية (ف.37 و 70 و 61) وبالتالي فإننا نسجل سهوا يتعين تداركه لما للروابط الجنسية والعائلية من أثر على نفسية السجين واستمرار علاقته مع أسرته.

[45] – حسني عبد الحميد، ، بدائل العقوبات السالبة للحرية في الشريعة الإسلامية، أطلس العالمية للنشر، طبعة 1، 2008 ، ص: 225

[46] – وبالتالي ينزل السجناء المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة منزلة العزب طيلة مدة سجنهم وهذا حسب البعض يعد حرمان غير قانوني ولا دستوري وينافي المواثيق الدولية ولا فائدة منه. للمزيد من التفصيل في هذه النقطة أنظر، التهامي أحمد، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، مدى دستورية العقوبة السالبة للحرية، عدد24/ 1993، ص: 170-173.

[47] – محمد أزيزبي، مرجع سابق، ص: 125.

[48] – عبد اللطيف العمري، الخلوة الشرعية حل نفسي تربوي اجتماعي في اتجاه الإدماج، مجلة إدماج، العدد الأول، 2002، ص: 27 و 28.

[49] – حسني عبد الحميد، مرجع سابق، ص : 125.

4– عبد اللطيف العمري، مرجع سابق، ص: 27-28 .

[51]– أحمد التهامي، مرجع سابق، ص: 103.

[52]–  وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحرمان الذي يطال السجين، يطرح إشكالية ضبط المكونات الشرعية للعقوبة السالبة للحرية احتراما للدستور خاصة مع وجود أنواع من الحرمان بدون سند كالحرمان من العلاقة الجنسية ومن حق الانتخاب … كما أن هناك حرمانا يستند إلى مجرد قرار إداري، وأمر المدير أو الحارس المربي، وهو ما يناقض المنزلة الدستورية لمبدأ الشرعية الجنائية، أنظر في ذلك التهامي أحمد، مدى دستورية مكونات العقوبة السالبة للحرية، المجلة المغربية للقانون والاقتصاد والتنمية، ع 29/ 1993، ص 145.

[53] – عبد الله بن عبد العزيز اليوسف، مرجع سابق، ص: 75.

  • [54]  – فظاهرة الاكتظاظ تعتبر أولى الإشكالات التي تعاني منها المؤسسات السجنية الشيء الذي دفع إلى التفكير للرفع من المساحة المخصصة لإيواء السجناء على حساب تطبيق البرامج الإصلاحية أحيانا، ففي متم شهر غشت من سنة 2004 بلغ عدد المعتقلين 56639 معتقلا، 27999 منهم احتياطيين أي بنسبة 49,43% وهذا العدد يشكل نسبة مرتفعة تقارب 0,2%  بالنسبة لعدد السكان مقابل 0,1% بالنسبة لأغلب دول العالم، وبتتبع تطور معدل المعتقلين يلاحظ بأنه في الثلاث عقود الأخيرة تضاعف العدد، حيث كان سنة 1973 لا يتعدى 16.160.000 وفي سنة 2003 بلغ 30.088.000 الأمر الذي يدعو إلى التساؤل حول ما إذا كان مشكل الاكتظاظ يعود إلى تنامي ظاهرة الإجرام أم إلى عجز الوزارة عن بناء سجون كافية لإيواء المعتقلين، أم إلى عدم ترشيد الاعتقال واستصدار أحكام قضائية تتناسب وخطورة الفعل الإجرامي وشخصية الجاني؟ للمزيد من التفصيل، انظر مقال، مصطفى مداح، الوضع العقابي القائم، العقوبات السالبة للحرية وسياسة الإصلاح وإعادة الإدماج، ندوة السياسة الجنائية بالمغرب واقع وآفاق، مجلد II وزارة العدل، 2004، ص: 63 .

[55] – عبد الصمد الزعنوني، بدائل العقوبات السالبة للحرية، مقاربة قانونية، مكتبة دار السلام، الرباط 2000  ، ص : 6 .

[56] – نور الدين العمراني، مرجع سابق، ص: 14.

[57]  – أحمد عثمان، التحرر من السجن، تجربة عالمية في إصلاح السجون، منشورات طارق، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2006، ص: 80.

[58] – Voir à ce propos, Andrew Rutherfond, Les prisons et la procédure répressive le défi réductionniste, Revue international de criminologie de politique techn N° 1, p: 198.

[59] – محمد أزيزبي، مرجع سابق، ص: 47.

[60] – J. vérin, Prison et organisation judiciaire (chronique de criminologie), Revue science criminel de droit pénal comparé, octobre- décembre , 1985, P : 869.

[61] – عبد الله بن عبد العزيز اليوسف، مرجع سابق، ص: 71 و 72.

[62] – لطيفة المهداتي، مرجع سابق، ص: 68.

[63] – عبد الصمد الزعنوني، مرجع سابق، ص: 78.

[64] – عبد الله بن عبد العزيز اليوسف، مرجع سابق، ص: 89.

[65] – قرار المجلس الأعلى، عدد 605 س 7 بتاريخ، 1/04/1984، منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 68-69، ص: 385.

[66] – عبد الله بن عبد العزيز اليوسف، مرجع سابق، ص: 69 و 70.

[68] Mourice Cusson , le contrôle social du crime, PUF, dépôt légal, 1ère édition 1983, France. p . 250

[69] – أيمن رمضان الزيني، مرجع سابق، ص: 93 و94 .

[70] – لطيفة المهداتي، مرجع سابق، ص: 63.

[71] – محمد المرابط، التوزيع الداخلي وأثره على إصلاح السجين، مجلة القصر، العدد12، شتنبر 2005، ص : 109.

[72] – عطية مهنا، الآثار الاجتماعية للحبس القصيرة المدة على المحكوم عليه وأسرته، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، القاهرة، 1999 ، ص: 191 وما بعدها .

[73] – جاسم محمد راشد الخديج، مرجع سابق، ص: 86.

[74] – وهذا قد يكون ممكنا إذا كانت الوظيفة التي كان يشغرها المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة هي وظيفة تابعة للقطاع الخاص، وذلك حسب الحالات، أما إذا كان الأمر يتعلق بوظيفة من الوظائف العمومية، فإن الفصل 26 من القانون الجنائي المغربي قد حسم في الأمر في فقرته الأولى حيت نص على عزل المحكوم عليه وطرده من جميع الوظائف العمومية وكل الخدمات والأعمال العمومية.

[75] – Curt Ferdinand Feihre  Von stakelbeg, La conséquence légale administrative et sociale de la condamnation, Revue In de D .P, sans année d’édition, p: 342.

[76] – أيمن رمضان الزيني، مرجع سابق، ص:  96 و 97.

[77]  احسن طالب، الجريمة والعقوبة والمؤسسات الإصلاحية، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، طبعة 1/ 2002،

ص: 209.

[78] – جاسم محمد راشد الخديج، مرجع سابق، ص: 86.

[79] – صلاح عبد المتعال، التغير الاجتماعي والجريمة في المجتمعات العربية، مكتبة وهبة، دون ذكر سنة الطبع، ص : 211-214.

[80] – عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، الجزء الأول، مؤسسة الرسالة، طبعة 2000    ص:733.

[81] – حسني عبد الحميد، مرجع سابق، ص: 122 و123 .

  • [82] – أحمد عوض بلال ، علم العقاب، الطبعة الأولى، دار الثقافة العربية، القاهرة، 1983- 1984

ص: 184.

[83] -J. Jaques Verin Qlo, Recherche de vrais substituts à l’emprisonnement, Revue science criminel, 1985, p: 399.

[84] – جاسم محمد راشد الخديج، مرجع سابق، ص: 87 .

[85]  حسني عبد الحميد، مرجع سابق، ص: 123.

[86] – أيمن رمضان الزيني، مرجع سابق، ص: 112 و 113 .

[87] – أنظر التقرير السنوي للمرصد الوطني المغربي للسجون: السجن، المواطنة وحقوق الإنسان، سنة 2011 – 2012، ص:61 وما بعدها.

[88] – بوجمعة الزناكي، مرجع سابق، ص: 90.

[89] احسن طالب، مرجع سابق، ص : 147.

[90] – عبد الرحيم صدقي، الغرض المعاصر للعقوبة، مرجع سابق، ص: 133 وما بعدها. راجع أيضا: فاضل زيدان محمد، مرجع سابق، ص: 67-80.

[91] – خوري عمر، مرجع سابق، ص: 583.

[92]–   حسني عبد الحميد، مرجع سابق، ص: 137 وما بعدها.

[93]– وذلك على اعتبار أن الفقه الإسلامي كان سباقا لإعمال بدائل العقوبات السالبة للحرية في شريعتنا الإسلامية (الدية، التعويض).

[94] – ومن أجل هذا فقد أشار مؤتمر الأمم المتحدة الثاني لمكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين الذي عقد في لندن سنة 1960، إلى أهمية تكريس البدائل عندما قرر أن الإلغاء الكامل لعقوبة الحبس ذي المدة القصيرة غير ممكن التحقيق عمليا، ولا سبيل إلى حل المشكلة على نحو واقعي إلا بالتقليل من حالات تطبيق هذه العقوبة، حيث لا يكون ثمة مقتضى لها. علي عبد القادر القهوجي، وفتوح عبد الله الشاذلي، علم الإجرام والعقاب، منشأة المعارف بالإسكندرية، طبعة 1998، ص: 403.

[95] – محي الدين أمزازي، جدوى إيجاد بدائل للعقوبات الحبسية القصيرة المدة، المجلة العربية للدفاع الاجتماعي، عدد 17 يناير 1984، ص: 61 وما بعدها.

[96] Enquête sur les alternatives à l’emprisonnement, au sein des états de l’Europe, conseil quaker pour les affaires Européenes, www.qcea.org/up content/uplads/2011/06/rprt-alternatives.fr-juin2011, pdf date d’accès au site : 24 /11/2014 à 12 : 00Pm

97ــ مضواح بن محمد آل مضواح ، بدائل العقوبات السالبة للحرية ، مفهومها وفلسفتها، ندوة بدائل العقوبات السالبة للحرية بالتعاون مع ادارة السجون الجزائرية ، الجمهورية الجزائرية / الجزائر ، 10ــ12/2012 ، ص: 5 .

[98] – رياضي عبد الغاني، بدائل العقوبات في القانون المغربي والقانون المقارن وآفاقها المستقبلية، سلسلة الأجهزة القضائية، الجزء الخامس، طبعة 2009، ص: 94.

[99] – أحمد طه محمد، مرجع سابق، ص: 321.

[100] – مصطفى مداح، الوضع العقابي القائم، العقوبات السالبة للحرية وسياسة الإصلاح وإعادة الإدماج، ندوة السياسة الجنائية بالمغرب واقع وآفاق، مجلد II وزارة العدل، 2004  ، ص: 71 .

[101] – أكرم نشأت إبراهيم، الحدود القانونية لسلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة، دون دار النشر، طبعة 1965 ، ص133.

[102] – محمد بن جلون، السجل العدلي وإشكالية حقوق الإنسان، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، الرباط أكدال، السنة الجامعية 2001-2002، ص: 270.

[103] – حسني عبد الحميد، مرجع سابق، ص: 137.

 

[104] – العلمي عبد الواحد، مرجع سابق، ص: 380.

[105] – حيث أن هذا المبدأ هو مبدأ دستوري وعالمي نصت عليه العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية. وللمزيد من التفصيل بخصوص هذا المبدأ راجع :

  1. SOUMBOVE, POLITIQUE CRIMINELLE CONGALAISE archives de politiques criminelles 14, éditions A. Pedone, p : 160. Ahmed Fathi Sorour , Les orientation actuelles de La politique criminelle des pays Arabes, Archives de politique criminelle , v 2, Edition A. Pedome, France, p: 177.

[106] – عبد القادر عودة، مرجع سابق، ص: 117.

[107] -محمد صبحي نجم، شرح قانون العقوبات الأردني، القسم العام (النظرية العامة للجريمة)، منشورات الجامعة الأردنية، طبعة أولى، عمان، 1988، ص : 44.

[108] – سورة الإسراء، الآية: 15 وسورة القصص الآية 59 وسورة النساء، الآية: 16.

[109] – عبد القادر عودة، مرجع سابق، ص: 118.

[110] – أيمن رمضان الزيني، مرجع سابق، ص: 171.

[111] – ولا شك أن نظرية الشريعة الإسلامية في تطبيق المبدأ (الشرعية) أكثر دقة ومرونة وأقرب إلى حاجات الجماعة وأكفل بحماية الأمن والنظام، كما أن فيها العلاج الناجح لما ظهر من عيوب في تطبيق القاعدة بطريقة واحدة على كل الجرائم (ويتجلى ذلك خصوصا في جرائم التعازير) للمزيد من المعلومات في هذه النقطة انظر المرجع السابق لعبد القادر عودة، ص: 161-163.

[112] – محمود نجيب حسين، الدستور والقانون الجنائي، دار النهضة العربية، القاهرة 1992، ص : 124. أبو المعااطي حافظ أبو الفتوح، م.س، ص 257. حامد راشد، دروس في شرح النظرية العامة للعقوبة،  دون دار النشر، 1991، ص : 141.

[113] – أيمن رمضان الزيني، مرجع سابق، ص: 172.

[114] – العلمي عبد الواحد، مرجع سابق، ص: 381.

[115] – أيمن رمضان الزيني، مرجع سابق، ص:173.

[116] وأحيلكم في ذلك على مرجع عبد الرحمن الملياني، بدائل الدعوى العمومية في السياسة الجنائية الحديثة، دراسة مقارنة، أطروحة لنيل الدكتوراه في  العلوم الجنائية السنة الجامعية، 2004-2005. انظر أيضا الموقع الالكتروني التاليhttp://www.justice.gove.ma/ar الوسائل البديلة لحل النزاعات في المغرب 10/12/2012.PM 14:20.

[117] – pour plus d’information voir ,  Nour-Eddine Toujgani, Modes alternatifs de règlement des conflits et l’accès et la justice, ministère de la justice, Les modes alternatifs de règlement des litiges publications de l’association de diffusion des donnée juridiques et judiciaires, Collection conférences et journées d’études n°2, op.cit., P : 95 et les pages suivit .

[118] – أسامة حسنين عبيد، الصلح في قانون الإجراءات الجنائية، رسالة دكتوراه منشورة، دار النهضة العربية، 2005، ص:10 وما بعدها.

[119] – أحمد فتحي سرور، بدائل الدعوى الجنائية، مجلة القانون والاقتصاد للبحوث القانونية والاقتصادية، مطبعة جامعة القاهرة، عدد 53/ 1983، ص: 242.

[120] – عبد الجليل الفيداني، بدائل الدعوى العمومية وبدائل العقوبات السالبة للحرية، ندوة السياسة الجنائية واقع وآفاق مكناس، المجلد الأول، مرجع سابق، ص: 73.

[121] – وقد نص على هذا الإجراء المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية في إطار الفصل 41.

[122] – K. Medjaqui, L’injonction pénal et la médiation pénal, tableau comparatif critique,  Revue science criminel, 1996, p: 828 et les pages suivit.

انظر أيضا مقال علي عدنان الفيل، بدائل إجراءات الدعوى الجنائية، الأحداث التونسية، عدد 20/2007، ص: 195 وما بعدها.

[123] – جاسم محمد راشد الخديج، مرجع سابق، ص: 116 و 117.

[124] – عمر سالم، ملامح جديدة لنظام وقف التنفيذ في القانون الجنائي، دار النهضة العربية بالقاهرة، طبعة 1998، ص: 226، وما بعدها.

[125] – علي عبد القادر القهوجي، وفتوح عبد الله الشاذلي، مرجع سابق، ص: 400.

[126] – أيمن رمضان الزيني، مرجع سابق، ص: 43.

[127]  وذلك يبرز بالخصوص حين يحكم على الجاني بأدائه لعمل لفائدة المصلحة العامة كبديل عن العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة.

[128] – أحمد فتحي سرور، الاختبار القضائي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1968، ص: 13.

[129] – عبد الرحيم صدقي، علم العقاب، مرجع سابق، ص: 276.

[130] – حسن بن فلاح، العقوبات البديلة، التقرير التمهيدي للدورة الدراسية- دور عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة، مرجع سابق، ص: 3.

[131] – موسى الصافي، مرجع سابق،  ص: 77 و 78.

[132] – رياضي عبد الغاني، بدائل العقوبات، مرجع سابق ص: 96.

[133] – للمزيد من المعلومات بخصوص هذه النقطة راجع : مراد أحمد فلاح العبادي، اعتراف المتهم وأثره في الإثبات، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2005، ص : 10-20.

[134] – رياضي عبد الغاني، بدائل العقوبات، مرجع سابق، ص: 96.

[135] – موسى الصافي، مرجع سابق، ص :78.

[136] – رياضي عبد الغاني، بدائل العقوبات، مرجع سابق، ص: 96.

[137] – هذا ما جاءت به قواعد مينا للأمم المتحدة المنظمة للإجراءات الوقائية لضمان حرية الأشخاص (قواعد طوكيو) المتبناة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها، عدد 45/10 وبتاريخ ديسمبر 1990، للمزيد من التفصيل، راجع رياضي عبد الغاني، بدائل العقوبات، مرجع سابق، ص: 140.

[138] – مصطفى العوجي، الاتجاهات الحديثة للوقاية من الجريمة، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض، دون طبعة، ص : 18.

[139] – وفي هذا الإطار فإن المغرب عبر الملتقيات الدولية تبنى عدة مواثيق وتعهدات واتفاقيات في مجال الإصلاح وحقوق الإنسان من أجل سيادة الإنسان والحفاظ على كرامته ونبذ كل ما يتعلق بالأشياء  المهينة والحاطة  بكرامة الإنسان لترسيخ مفهوم الديمقراطية ودولة الحق والقانون.

[140] – أحمد مفتاح البقالي، مؤسسة السجون بالمغرب، منشورات عكاظ، 1985، ص: 321 .

[141] Simone  Buffard, Le  froid pénitentiaire «l’ impossible réforme des pusos, esprit, France, p : 185.

[142] – ففي عهد الحماية لم يكن هناك أدنى اهتمام بتأهيل وتكوين وتهذيب المعتقلين وذلك لانعدام أوراش التأهيل المهني داخل السجون وعدم السماح للمعتقلين بمتابعة تعليمهم في مراحله المختلفة كما أن التوجيه الديني والتهذيب الخلقي لم يكن لهما شأن يذكر داخل المؤسسات السجنية  في هذه الفترة، كما لم تهتم السلطات السجنية في عهد الحماية بملاحقة السجين ورعايته بعد الانتهاء من تنفيذ عقوبته ومغادرته السجن نهائيا، كما كانت السجون في هاته الفترة تعرف كثيرا من التجاوزات الإدارية ونقص في أطر التسيير والإشراف من موظفين وحراس ومربين ومرشدين إلخ…

للمزيد من التفصيل في هاته النقطة أنظر: أحمد مفتاح البقالي، مرجع سابق ص: 388 و 389.

[143] – وذلك نظرا لكونها- مديرية السجون- بالنسبة للإصلاح الإداري أصبحت مستقلة عن وزارة العدل ماديا كما أصبحت تتمتع بالشخصية المعنوية، الأمر الذي فسح لها مجال العمل والابتكار والمبادرة في ميدان التسيير الإداري والإصلاح الاجتماعي….

[144] – رياضي عبد الغاني، تنفيذ العقوبات على مستوى المؤسسات السجنية، سلسلة الأجهزة القضائية، العدد السادس، طبعة أولى 2009، ص: 226.

[145] – محمد أزيزبي، مرجع سابق، ص 62-67.

[146] -مصطفى دحام، التعليم والتكوين كوسيلة للاندماج والوقاية من الانحراف، مجلة إدماج، ع 7 / 2004، ص : 14.

[147] -وفي هذا الاطار  فهناك من يرى  أن حركة التعليم تسهم في مقاومة الجريمة، فمن فتح مدرسة فكأنما أغلق سجنا. للمزيد من التفصيل  في هذه النقطة راجع نبيل محمد توفيق السمالوطي ، الدراسة العلمية للسلوك الإجرامي، دار الشروق، جدة، دون رقم الطبعة، ص : 243.

[148] – مصطفى دحام، م.س، ص : 14.

[149] – محمد أزيزبي، مرجع سابق، ص: 64.

[150] – وهنا تبرز إشكالية مهمة تتعلق بالعقوبات القصيرة المدة ومدى استفادة المحكوم عليهم بها من هذه البرامج، على اعتبار أن جل الدراسات الحديثة في علم العقاب ابانت عن أن هذا النوع من العقوبات لا  يكفي لإصلاح الجاني واستفادته من البرامج التربوية، بسبب قصر مدته التي لا تكفي لإعطاء أي تكوين،  كما أن السجين يمضي قسطا كبيرا من تلك المدة  رهن الاعتقال الاحتياطي وما يواكبه من ظروف المحاكمة ومتاعبها النفسية، فتنفيذ هذه البرامج يستوجب وقتا لا توفره ع ق م، وهي في حد ذاتها تشبه القراءة في نظر المذنب الخطير المعتاد على تنفيذ العقوبة المتوسطة المدة، فضلا على أن المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة يفقد تدريجيا هذه العقوبة، إذ لا بد من وضع حل لهذه الفئة من السجناء وأن تقوم مدة التكوين في ظرف لا يتعدى السنة . للمزيد من التفصيل بهذا الخصوص راجع جمال المجاطي، عقوبة العمل لفائدة المنفعة العامة في القانون المغربي، مجلة رحاب المحاكم العدد 8، ص: 47. و في هذا الصدد تجدر الاشارة الى ان مدة الدراسة والمستوى الدراسي يختلفان حسب نوع التكوين المهني كما يتضح من الجدول التالي:

نوع التكوين مدة التكوين (بالسنوات) المستوى الدراسي
الخياطة 2 شهادة 5 ابتدائية
الرسم المعماري 1 4 ثانوي
الرسم الصناعي 2 ”              “
الأحذية 2 الشهادة الابتدائية

انظر في ذلك ل: رياضي عبد الغاني، تنفيذ العقوبات على مستوى المؤسسات السجنية، مرجع سابق، ص: 233-234.

[151] – وتكوين المعتقلين يشرف عليه موظفون تابعون لمديرية السجون كما يشرف عليه عدد آخر من الموظفين التابعين لوزارة الشغل والتكوين المهني ومديريات من وزارتي الشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية والصناعة التقليدية.

[152] – أما فيما يتعلق بكيفية تنظيم برامج التكوين والاختبارات المتعلقة به أو الترشيح للاختبارات المناسبة لهذا التكوين فإننا نحيلكم على المادتين 122 و 123 من قانون 98- 23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية بالمغرب.

[153] -مصطفى دحام، م.س، ص 14.

[154] –  تلك الإحصائيات مأخوذة من تقرير خاص بالأوضاع في سجون المملكة المغربية، المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، أبريل 2004، ص : 55، 56 وهي كالتالي:

المحكومين بالشهر 1.184 3.93%
من شهر إلى 6 أشهر 4.218 19.01%
من 6 أشهر إلى سنتين 10.624 35.30%

 

 ـ المرصد المغربي للسجون، التقرير السنوي 2011ـ2012 ، ص: 29 .[155]

 ـ عبد الله بن عبد العزيز اليوسف، مرجع سابق، ص: 68.[156]

[157] – مصطفى دحام، المحور الاجتماعي مجلة إدماج، ع 2/2002، ص: 42.

[158] – أحمد مفتاح البقالي، مرجع سابق، ص: 388.

[159] – تقرير خاص بالأوضاع في السجون 2004، مرجع سابق ص: 50، وقد أشار التقرير إلى أنه نتيجة للاكتظاظ هناك صعوبة إن لم نقل استحالة في تنفيذ برامج إعادة الإدماج والتأهيل الاجتماعي التربوي والمهني.

[160] كوجيل يونس، المعاملة العقابية بمراكز الإصلاح والتهذيب، دراسة تحليلية نقدية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية، الاقتصادية ، والاجتماعية بفاس، 2008-2009، ص :66.

[161] – وفي ذلك قد أشار مدراء المؤسسات العقابية العرب في اجتماعهم الأول وذلك بدعوة من المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ومكتبها المتخصص( المكتب العربي لمكافحة الجريمة) بتعاون مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية وباستضافة الجمهورية العراقية في الفترة ما بين 13.09/11/1981 تحت شعار الإنسان قيمة وهدف كبير ضمن المجتمع، وقد شاركت فيه 12 دولة عربية بالإضافة إلى المغرب كما شارك فيه مسؤولون من الأمم المتحدة (قسم منع الجريمة والعدالة الجنائية) وفي ذلك أشاروا إلى ضرورة بذل الجهود والمساعي الجادة من أجل توفير جميع مستلزمات البرامج المقررة في المؤسسات الإصلاحية و… . للمزيد من التفصيل راجع: رياضي عبد الغاني، تنفيذ العقوبات على مستوى المؤسسات السجنية، مرجع سابق، ص: 243و 244.

[162] – أحمد مفتاح البقالي، مرجع سابق، ص: 388.

[163] – وهذا ما يتعارض مع قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء. رياضي عبد الغاني، تنفيذ العقوبات على مستوى المؤسسات السجنية، مرجع سابق، ص: 244 و 245.

[164] – انظر في ذلك التقرير الخاص بالأوضاع في السجون 2004، مرجع سابق، ص: 54.

[165] – محمد أزيزبي، مرجع سابق، ص: 196.

[166]– كالتشريع التونسي، العراقي، الجزائري، انظر في ذلك داود الزنتاني، دور العقوبة البديلة في إصلاح المتهم، مجلة القضاء والتشريع، عدد 8، أكتوبر 2004، ص: 549.

[167]– للمزيد من التوضيح في هذه النقطة انظر مقال، ذ. عبد الله بونيت، قضاء الأحداث على ضوء مستجدات المسطرة الجنائية الجديد أي دور في الإصلاح والتأهيل،  مجلة رسالة المحاماة، ع 25 / 2005، ص: 31 وما بعدها.

[168] – كالعمل لفائدة المصلحة العامة وغيره من بدائل العقوبات، للمزيد من التفصيل، أنظر، داود الزنتاني، دور العقوبة البديلة في إصلاح المتهم، مجلة القضاء والتشريع، أكتوبر 2004، ص: 549.

[169] – للمزيد من التفصيل انظر، مرجع د: عبد الله بن عبد العزيز اليوسف، مرجع سابق، ص: 156ــــ 159 .

[170] – محمد أزيزبي، مرجع سابق، ص: 196.

[171] – مصطفى مداح، مرجع سابق: ص: 258.

[172] – عبد الله بن عبد العزيز اليوسف، مرجع سابق، ص: 144.

[173] – رياضي عبد الغاني، تنفيذ العقوبات على مستوى المؤسسات السجنية، مرجع سابق، ص: 228.

[174] – محمد أزيزبي، مرجع سابق، ص: 197.

[175] – سورة النساء، الآية: 149.

[176] – عبد الله بن عبد العزيز اليوسف، مرجع سابق، ص: 151.

[177] – انظر الجدول البياني الذي يبرز مدى نجاح مثل هاته البرامج في الأوساط السجنية من خلال مرجع ذ: رياضي عبد الغاني، تنفيذ العقوبات على مستوى المؤسسات السجنية، مرجع سابق، ص: 229.

[178] – محمد أزيزبي، مرجع سابق، ص: 199.

[179] – رياضي عبد الغاني، تنفيذ العقوبات على مستوى المؤسسات السجنية، مرجع سابق، ص: 233.

[180] – المادة 40 من قانون 98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية بالمغرب.

[181] – مصطفى مداح، مرجع سابق، ص: 66.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *