Site icon مجلة المنارة

أدوار الشرطة الإدارية المحلية في مواجهة جائحة كورونا

أدوار الشرطة الإدارية المحلية في مواجهة جائحة كورونا

الحسين الكتيف

طالب باحث بسلك الدكتوراه

جامعة محمد الخامس الرباط

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا

عرف المجتمع المغربي نظام الشرطة الإدارية مند القدم، إلا أن تنظيمها الحقيقي لم يعرف إلا مع بداية نظام الحماية، ومند سنة 1912 صدرت مجموعة من القوانين تهم الضبط الإداري العام والخاص[1].

حيث يحيل مفهوم الشرطة الإدارية على كل الإجراءات والأوامر التي تتخذها السلطات المختصة للمحافظة على النظام العام وضبط حقوق وحريات الأفراد[2].

وقد عرفها الفقيه دولوبادير بأنها “مظهر من مظاهر عمل الإدارة يتمثل في تنظيم حريات الأفراد حماية لنظام العام”[3]، بينما يراها الدكتور الخطابي مصطفى أنها ” مجموعة التدخلات الرامية إلى وضع حدود لحرية نشاط الأفراد وفرض النظام الذي تتطلبه الحياة الاجتماعية”[4]، بينما عرفها الدكتور طعيمة الجرف ” الضبط الإداري هو مجموع ما تفرضه السلطة العامة من أوامر ونواهي وتوجيهات ملزمة للأفراد بعوض تنظيم حرياتهم العامة أو بمناسبة ممارستهم لنشاط معين بهدف صيانة النظام العام في المجتمع”[5].

أما معناها المحدود فينصرف إلى ذلك الجهاز من الموظفين المدنيين المسؤولين عن صيانة النظام والأمن العام وتنفيذ القوانين بما في ذلك ضبط الجرائم وقمعها.

ومن هذا المنطلق، فإن مفهوم الشرطة الإدارية يشير إلى مجموع تدخلات ونشاطات الإدارة التي ترمي عن طريق اتخاذ عدة إجراءات تنظيمية وفردية إلى الحفاظ على النظام العام بمدلولاته الثلاث وهي الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة.

ونظرا للظرفية الاستثنائية التي يمر منها المغرب وباقي دول العالم والتي تتمثل في انتشار الوباء العالمي لفيروس كورونا “كوفيد 19” والتي فرضت على المغرب اتخاذ عدة إجراءات وتدابير وقائية بغية حماية الصحة العامة، باعتبارها أحد أهم عناصر النظام العام الثلاثة.

وفي خضم التدابير الاحترازية التي تم اتخاذها، صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 24 مارس 2020 كل من المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، وكذا المرسوم رقم 2.20.293 بخصوص إعلان خالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا “كوفيد 19” وقد أسس المرسومين لمنظومة  قانونية خاصة لهذه المرحلة.

هذه المرحلة التي ستلعب فيها سلطات الشرطة الإدارية الدور الأساسي، نظرا لارتباط الضبط الإداري بحقوق وحريات الأفراد وأنشطتهم.

وتتنوع الشرطة الإدارية بالنظر إلى النطاق الترابي لممارسة نشاطها إلى شرطة إدارية وطنية وشرطة إدارية محلية، هذه الأخيرة ينحصر اختصاصها في جزء معين من التراب الوطني كالجهة مثلا ويمارسها رجال السلطة أو رؤساء ومجالس الجماعات الترابية. 

وسنحاول من خلال معالجة هذا الموضوع تسليط الضوء على أدوار الشرطة الإدارية المحلية في مواجهة جائحة كورونا، وذلك نظرا للظرفية الاستثنائية التي يمر منها المغرب والتي عرفت من خلالها توسيع صلاحيات رجال السلطة في إطار حالة الطوارئ الصحية في مقابل تقليص أو حجب اختصاصات الجماعات الترابية ورؤساءها في تدبير والحد من انتشار الوباء.

ويكتسي الموضوع أهمية كبرى، على اعتبار الدور الذي تلعبه الشرطة الإدارية المحلية في صيانة وحفظ الصحة العامة من خلال التدابير الوقائية المتخذة في إطار حالة الطوارئ الصحية، والتي شكلت بدورها مادة دسمة في فتح نقاش فقهي وقانوني وقضائي في وجه الباحثين والمهتمين بالشأن العام والمحلي.

ويتمخض عن هذا الموضع إشكالية رئيسية مفادها ” إلى أي حد يمكن الحديث عن فعالية الإجراءات والتدابير الوقائية المتخذة في إطار سلطات وصلاحيات الشرطة الإدارية المحلية في الحد من تفشي فيروس كورونا –كوفيد 19-“

وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلةوهي:

_ ماهي صلاحيات واختصاصات رجال السلطة في مواجهة جائحة كورونا؟

_ما مدى فعالية الإجراءات المتخذة من قبل رجال السلطة في تدبير هذا الوباء؟

_ أي دور للجماعات الترابية ورؤساءها من خلال تفعيل صلاحيات المجالس في مواجهة الأمراض والأوبئة؟

_أسباب ومحدودية الجماعات الترابية في مواجهة تفشي فيروس كورونا –كوفيد 19-؟

وللإجابة عن إشكالية الموضوع والأسئلة المتفرع عنها ارتأينا تقسيم هذا الموضوع عبر التصميم الآتي:

المبحث الأول: دور رجال السلطة في حالة الطوارئ الصحية

المطلب الأول: اختصاصات رجال السلطة في حالة الطوارئ الصحية

المطلب الثاني: تقييم أداء رجال السلطة في مواجهة جائحة كورونا

المبحث الثاني: دور الجماعات ورؤساءها في مواجهة جائحة كورونا

المطلب الأول: اختصاصات وصلاحيات الجماعات الترابية ورؤساءها في تدبير جائحة كورونا

المطلب الثاني: محدودية تدخل الجماعات الترابية في تدبير جائحة كورونا

المبحث الأول: دور رجال السلطة في حالة الطوارئ الصحية

أدركت الدولة في المغرب حجم الخطر الذي يمثله فيروس كورونا، بعدما عاينت بأم عينها كيف طأطأ الوباء بسرعة رؤوس دول صناعية كبرى، وجعل أنظمتها الصحية المتطورة شبه عاجزة عن مواجهة زحف الفيروس، حتى بات حالها أقرب ما يكون إلى الوضع المألوف في البلدان النامية، لذا تبنت خطة استباقية، قوامها متوالية من القرارات والإجراءات، الرامية إلى التخفيف من وقع هذه الجائحة وتأثيرها على مناحي الحياة في البلد.

حيث تلقى المغاربة قاطبة هذه الإجراءات بالقبول الحسن على الرغم مما تفرضه من مقتضيات تقيد الحقوق والحريات، وأثنوا على عمل رجال السلطة وباقي الأجهزة الأمنية الساهرة على تنزيل إجراءات فترة الطوارئ الصحية، متجاوزين الأخطاء وسوء الفهم الكبير بينهم وبين ممثلي وزارة الداخلية.

لقد قدم رجال السلطة في هذه الفترة صورة جديدة عن السلطة، بعيدا عن الوجه التقليدي المرتبط بالعنف والقمع.

المطلب الأول: اختصاصات رجال السلطة في حالة الطوارئ الصحية

يلعب رجال السلطة الترابية دورا مهما في تدبير حالة الطوارئ الصحية، باعتباره ممثل السلطة المركزية على المستوى الترابي، ويتوفر على الإمكانيات المادية والبشرية، والآليات الدستورية والقانونية التي تخول له التدخل في العديد من الميادين، من خلال إشرافه على تنفيذ قرارات السلطات العمومية وبرامج ومخططات الدولة والحكومة، والعمل على التنسيق الضروري بين الجهات المعنية لبلوغ الأهداف المنشودة.

ذلك أن الولاة والعمال يتصدرون قائمة هيئة رجال السلطة الترابية، ودستور 2011 نص على مهام موكول لهم من بينها: تمثيل السلطة المركزية في الجماعات الترابية والعمل باسم الحكومة على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية الحكومة ومقرراتها.

ونجد الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.75.168 الصادر في 25 صفر 1397 ه ( 15فبراير 1977 م) المتعلق باختصاصات العامل، كما تم تغيره بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.93.293 الصادر بتاريخ 19 ربيع الأخر 1414 ه ( 6اكتوبر 1993م)، والظهير الشريف رقم 1.08.67 الصادر في رجب 1429 ه ( 31 يوليوز 2008م) في شأن هينة رجال السلطة التي تشكل المرجعية القانونية لهيمنة رجال السلطة.

في حالة الطوارئ الصحية يتدخلون رجال السلطة الترابية في مجالات مختلفة من أبرزها:

_التدخل في المجال الأمني: إن رجال السلطة يتدخلون في المجال الأمني خلال حالة الطوارئ الصحية استنادا إلى المرسوم رقم 2.20.293 الصادر في 29 رجب 1441 ه( 24 مارس 2020م) لإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد 29- حيث نجد أن المادة الثالثة منه تنص” يتخذ ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم بموجب الصلاحيات المخول لهم طبقا للنصوص التشريعية أو التنظيمية، جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ  المعلنة، سواء كانت هذه التدابير ذات طابع توقعي أو وقائي أو حمائي، أو كانت ترمي إلى فرض أمر بحجر صحي اختياري أو إجباري، أو فرض قيود مؤقتة على إقامة الأشخاص بمساكنهم، أو الحد من تنقلاتهم، أو منع تجمع، أو إغلاق المحلات المفتوحة للعموم، أو إقرار أي تدبير أخر من تدابير الشرطة الإدارية”.

كما أن هناك بلاغ لوزارة الداخلية يفيد بأن رجال وأعوان السلطة يتكفلون بإصدار “شهادة التنقل الاستثنائية”، وذلك في إطار تنفيذ قرار إعلان حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة في البلاد.

هذه التدابير الوقائية والاحترازية في المجال الأمني التي يتم الإشراف عليها من طرف رجال السلطة، يتم القيام بها بحزم ومسؤولية في الآجال المجدد استنادا للقوانين الجاري بها العمل، والمساهمة في تنظيم السير والجولان داخل الحدود الترابية، وذلك من أجل المحافظة على النظام العام، والذي يتمثل في الهدوء والسكينة العامة والصحة العامة.

_التدخل في المجال الصحي: يقوموا رجال السلطة بالتدخل في المجال الصحي والإطلاع على شؤونه، تنفيذا للمرسوم الملكي رقم 554.65 الصادر في 17 ربيع الأول ه (26 يونيو 1967م)بمثابة قانون يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء عليها، ذلك أن الفصل 3 ينص على أن ” يجب على السلطات الطبية للعمالة أو الإقليم أن تعمل على تطهير الأماكن المسكونة والأثاث المستعملة من طرف كل شخص مصاب ببعض الأمراض المشار إليها في الفصل الأول والموضوعة قائمتها بقرار لوزير الصحة العمومية أو على إبادة الحشرات في الأماكن والأثاث المذكورة”.

يشكل الوالي أو العامل أعلى سلطة في العمالة أو الإقليم يتدخلون بشكل رئيسي في حالات الطوارئ الصحية، وكما هو معلوم فإن العامل باعتباره ممثلا للدولة ولوزير الصحة إلى جانب مندوب الصحة  من جهة، ومشرف على جميع المرافق الصحية للعمالة أو الإقليم من جهة أخرى، يبقى مسؤولا عن ضمان الصحة لجميع مواطنات والمواطنين بدائرته الترابية، ويتدخل العامل أيضا في هذا المجال من خلال اللجنة الإقليمية للوقاية الصحية واللجان الاستشارية للمستشفيات التي يتولى رئاستها، إلى جانب الهلال الأحمر وكذا اللجنة الإقليمية للصحة المغربية لرعاية الطفولة التي يقدم لها كافة الدعم والمساعدة.

المجال الاقتصادي: تبعا للتعليمات السلطة الحكومية المتعلقة بالداخلية وبتنسيق مع السلطات الحكومية المعنية بذلك، يقومون رجال السلطة بمراقبة الأسعار وتتبع وضعية تموين الأسواق المحلية بالمواد الغذائية ومحاربة الاحتكار في ظل حالة الطوارئ الصحية، وتعطى لهم تعليمات صارمة للتحرك الفوري في المجال الاقتصادي والتنسيق مع المتدخلين الآخرين طبقا للقوانين الجاري بها العمل، من أجل مراقبة لتموين الأسواق المغربية بالمواد الغذائية، وذلك في إطار المتابعة المستقرة لمواجهة أي مضاربة محتملة يمكن أن تعرفها الأسواق المغربية بسبب الظروف الطارئة التي تعيشها البلاد، وفي حالة وجود المتلاعبين بالأسعار والمحتكرين[6].

يقوم رجال السلطة باتخاذ الإجراءات القانونية في حق كل متورط، طبقا للنصوص القانونية المرتبطة بتنظيم هذا المجال اعتمادا على دوريات محلية لمراقبة الأسعار، والتصدي للمخالفين وحثهم على وضع لوائح الأثمان، وتطبيق قواعد السلامة الصحية، وتتم هذه العملية بتنسيق مع مختلف المصالح المعنية، وذلك من أجل محاربة كافة الممارسات الغير مشروعة.

المطلب الثاني: تقييم أداء رجال السلطة في مواجهة جائحة كورونا

بذل رجال السلطة وأعوانهم تضحيات جسيمة لإنجاز المهام المتعددة والمتشبعة الموكولة إليهم على الوجه المطلوب، وكانوا معرضين يوميا لمخاطر الإصابة أو نقل العدوى لأفراد أسرهم بالنظر لاحتكاكهم، ضمن جولاتهم الميدانية اليومية في مختلف الأحياء والمداشر بالمواطنين والمخالطين، مع ما يصاحب ذلك من ضغط نفسي وتوجس مستمرا يعكس ليس فقط عليهم شخصيا، وإنما أيضا على السير العادي للحياة اليومية لزوجاتهم وأطفالهم دون أن يؤثر ذلك على عزيمتهم وإرادتهم في الاضطلاع بأدوارهم ليل نهار[7].

فعلى عكس تلك الصورة التقليدية المرتبطة في ذهن العامة “بالعنف والقمع” بينت هذه الأزمة الصحية أن هذا الخط الأمامي الذي يتقدم مواجهة عدو غير مرئي يضم أطرا من مستوى ثقافي عالي ومتشبعة برؤية وأسلوب مغاير في التواصل والتعامل مع المواطنين.

وهذا ما أثبت في الأشهر الثالث الماضية للحجر الصحي إذ أظهر خلالها ولاة وعمال وقياد وقائدات وباشوات وشيوخ ومقدمين درجة عالية من الوطنية والمواطنة، بانخراطهم ببزاتهم العسكرية في عمليات التحسس والتوجيه والتدخل بأسلوب بيداغوجي يعتمد اللطف والحوار في الإقناع على الالتزام بالتدابير الوقائية في إطار حالة الطوارئ الصحية للحد من تفشي الوباء، ما رسم صورة مخالفة للصورة النمطية التي ترسخت على رجال السلطة.

لتشكل بعد ذلك فكرة أخرى أكثر نبلا عنهم بعد تكليفهم بمهمة الإشراف على توزيع المساعدات على الأسر المتضررة من هذا الوباء، وهو ما جعلهم يتحولون “دون تخطيط لذلك”إلى نجوم في عيون المغاربة، الذين لا يترددون كلما سنحت لهم الفرصة لذلك للتعبير لهم عن مدى شكرهم وامتنانهم على كل ما بذلوه من مجهودات لتجنب البلاد من أسوأ سيناريوهات انتشار الوباء، رفقة باقي جنود الخطوط الأمامية من أطر طبية وأمن ودرك وقوات مساعدة ووقاية مدنية.

غير أن هذا الجانب ليس كل ما يظهر من الصورة المشكلة في زمن الطوارئ الصحية فكما شهدت هذه الفترة لحظات مليئة بالمشاعر الإنسانية، تخللها حوادث تجلت في تعرض عدد من رجال السلطة في احتكاكهم مع مخالفين للقانون لاعتداءات وسب وقذف، وفي أحيان أخرى لجأت مجموعات إلى وضعهم تحت الضغط لثنيهم على الاطلاع بالأدوار المحورية المنوط بهم.

وقد بدأ تكرار مثل هذه الحوادث، والتي لا يعرف ما إذا كانت تخفى وراءها أهداف غير معلنة، يساءل وزارة الداخلية التي أصبحت مطالبة بمؤازرة رجالها عبر توفير نظام حماية أكثر قوة لضمان رجال السلطة الذين يواجهون تحديات مختلفة، ترتبط أساسا بتطور الفعل الاحتجاجي وارتفاع نسبة الصدمات على هامش ممارسة مهامهن اليومية.

فالسكوت على مثل هذه السلوكات وعدم مواجهتها بالصرامة نفسها التي تطبق في التعامل مع رجال السلطة ممن ارتكبوا تجاوزات التي يدفع ضريبتها مسؤولي الإدارة الترابية، بل سيكون انعكاسها سلبيا أيضا على هيبة الدولة، التي ستؤدي في حالة المساس بها فاتورة غالية في بلد يبقى رأسماله الأكبر والأثمن الاستقرار والأمن والأمان[8].

أيا تكن النتيجة التي ستنتهي بها معركة المغرب ضد وباء لا بد من الإشادة بيقظة رجال السلطة.

ويجب ألا ننسى أن المواطن شريك رئيسي وأساسي في حالة الطوارئ، هو من يعي قيم الانضباط والتطوع والتضحية، في انسجام تام مع ما رسمته الدولة من إجراءات، فلولا قدرة تحمله وصبره ورغبته في الحفاظ على قيمة المصير المشترك، لانهار كل شيء، الشعب بتلقائيته تطابق سلوكه مع خطط الدولة لسلامة الجميع، ولم يكن ذلك تحت الإجبار أو السلطة.

سيسجل التاريخ أن المغاربة أبانوا، باستجابتهم وتفاعلهم مع التدابير الوقائية التي اتخذتها الدولة، لمواجهة هذه المرحلة عن وعي ومسؤولية كبيرين، وكشفوا عن استعدادهم وقابليتهم للثقة في الدولة ومؤسساتها، متى جسدت فعلا مقومات دولة المواطنة، لا مجرد نظام سلطوي، وهنا وجب التنبيه إلى أن ما صدر عن المغاربة في هذه الظروف هو تعبير عن الإيمان بالدولة وليس السلطة[9].

المبحث الثاني: دور الجماعات ورؤساءها في مواجهة جائحة كورونا

بعد ظهور وانتشار وباء كورونا وما نتج عنه من مخاطر على المستوى البشري والاجتماعي والاقتصادي، طرحت مجموعة من التساؤلات بخصوص أدوار الفاعلين المحليين في مواجهة هذه الجائحة.

فإلى جانب السلطة المحلية الممثلة في الولاة والعمال والباشوات والقواد ومساعدي السلطة، يجب على باقي الفاعلين المحليين النهوض بالمهام الملقاة على عاتقهم لمواجهة هذا الوباء.

ومن بين هؤلاء الفاعلين نذكر الجماعات الترابية والتي أسند لها المشرع عدة اختصاصات في هذا الخصوص.

فالجماعات الترابية بما فيها الجهات ومجالس العمالات والأقاليم والجماعات، تتولى طبقا للقوانين التنظيمية المنظمة لها، ممارسة العديد من الاختصاصات التي يمكن من خلالها مواجهة وباء كورونا والحد منه مع ما يترتب عن ذلك من وقف العدوى، والمساهمة في تحقيق حماية الأشخاص وأقربائهم طبقا لما هو منصوص عليه في الفصل 21 من الدستور[10].

المطلب الأول: اختصاصات وصلاحيات الجماعات الترابية ورؤساءها في تدبير جائحة كورونا

من خلال الملاحظة للقوانين التنظيمية للجماعات الترابية نجد غياب شبه كلي للمجال الصحي داخل الاختصاصات الذاتية للجهات والعمالات والأقاليم، وبالعودة إلى الاختصاصات الذاتية للجهات والعمالات والأقاليم أو المشتركة مع الدولة، سنجد أن مجال تدخل الفاعل الترابي محدود بشكل كبير في المجال الصحي سواء في الحالة العادية أو حالة الطوارئ الصحية، حيث كشف انتشار الوباء الحضور الغير متناسب مع المكانة الدستورية التي أعطيت للجماعات الترابية.

وبالرغم من المكاسب العديدة التي أتت بها القوانين التنظيمية التي تهدف أساسا إلى تقوية دور الجماعات الترابية، أظهرت الممارسة العملية محدودية الصلاحيات الموكولة إليها في المجال الصحي، بل وفراغا قانونيا حتى على مستوى التدابير اللازمة عن انتشار الأمراض الوبائية أو الخطيرة.

وارتباطا بالاختصاصات الذاتية للجهات، يتضح أن المشرع أغفل هذا المجال رغم أهميته، أما على مستوى الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة لم يتضمن القانون التنظيمي أية إشارة لتدخل الجهة في الميدان الصحي، ما عدا في مجال التنمية الاجتماعية التي همت التأهيل الاجتماعي والمساعدة الاجتماعية دون تحديد إن كان مجال الصحة ضمن هذه التنمية، وإذا ما كانت الجهات منعدمة من اختصاصات ذاتية في هذا المجال، فإن تدخل العمالات والأقاليم حسب أحكام القانون التنظيمي المتعلق بها[11]. قد حدد آلية واحدة تتمثل في تشخيص الحاجيات كأهم اختصاص ذاتي تمكن أن تمارسه في المجال الصحي[12].

وفي حالة الطوارئ الصحية، وارتباطا بالمسؤولية الموكولة لمجالس الجماعات في محاربة الأوبئة وحفظ الصحة، تشكل الميزانية المدخل الفعال لاتخاذ التدابير اللازمة للمساهمة في مكافحة انتشار الفيروس من خلال إجراء تحولات بميزانية الجماعة لفائدة قطاع حفظ الصحة والاستغناء عن الأسطر المالية غر الضرورية، المحددة في تبويب ميزانية الجماعة.

ومن خلال صلاحيات رؤساء الجماعات في الشرطة الإدارية، بورز الدور الرقابي الكبير في ميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية باتخاذ عدد من التدابير الاحترازية اللازمة للوقاية من انتشار الفيروس، خاصة التدابير المرتبطة بالوقاية الصحية والنظافة من تعقيم الأماكن والمرافق العمومية ووسائل النقل، وأخرى مرتبطة بتقديم خدمات القرب بتوفير السلع والمنتجات الضرورية للحد من انتشار الوباء.

ويجب ألا ننسى الدور الذي قامت به بعض الجماعات في هذه الظروف الاستثنائية من خلال العديد من الإجراءات والتدابير، والتي يجب على كل الجماعات العمل بها بدون استثناء جماعة عن أخرى، ومن بين هذه الإجراءات نجد:

_مساهمة بعض الجماعات بمجالسها المنتخبة في الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا طبقا للمرسوم 2.20.269 الصادر بتاريخ 16 مارس 2020 المتعلق بالحساب الخصوصي المحدث لهذا الغرض.

_ اقتناء مواد التعقيم  ومواد التنظيف والكمامات والقفازات وتوزيعها على المواطنين بشكل مجاني.

_ اقتناء المواد الغذائية وتوزيعها على الفئات الفقيرة والتي تضررت من هذه الجائحة نظرا لفقدانها مصدر عيشها.

_ اقتناء لوحات إلكترونية لمساعدة التلاميذ في الوسط القروي والأحياء الهامشية.

وقامت أيضا العديد من الجماعات في الانخراط في الحملات التحسيسية والتوعوية الهادفة إلى شرح مخاطر الوباء وكيفية الوقاية منه، وتحسين ظروف اشتغال الأطباء والمنخرطين ورجال السلطة والأمن والوقاية عبر توفير الوسائل المتاحة لذلك خاصة وسائل النقل.

مطلب الثاني: محدودية تدخل الجماعات الترابية في تدبير جائحة كورونا

إن المتتبع للنقاش الوطني والمحلي المرتبط بالجائحة سيلاحظ بشكل واضح أن السلطات المركزية مارست صلاحياتها الاستثنائية وعبئت جميع وسائلها لمواجهة هذه الأزمة الوبائية، وقد اندرجت هذه الإجراءات والتدابير في إطار الامتيازات الاستثنائية للدولة والتي مارستها بناء على نظرية الظروف الطارئة وأعمال السيادة، وذلك من خلال إعلان حالة الطوارئ الصحية بموجب المرسومين رقم 02.20.292 بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والمرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بفرض حالة الطوارئ الصحية على صعيد التراب الوطني.

وباستقراء مقتضيات المرسوم رقم 12.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، سيلاحظ أن المادة الثالثة من المرسوم غيبت بشكل شبه مطلق صلاحيات الجماعات ورؤسائها في تدبير ومواجهة هذه الجائحة في مقابل تعزيز صلاحيات واختصاصات السلطات المحلية المعنية، وقد تم تبرير هذا الأمر بناء على المشروعية الاستثنائية للسلطات والتي تستمدها من نظرية الظروف الطارئة. كما يلاحظ أيضا من خلال التتبع اليومي لمعظم الإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهة تداعيات أزمة كورونا أن رجل السلطة هو الممارس الفعلي لجميع الصاحيات والسلطات المتعلقة بالحفاظ على النظام العام بمدلولاته الثلاثة, في حين أن الفاعل الترابي المنتخب أصبح شبه غائب ومحتشم ويقتصر دوره على مجالات ثانوية.

ويرجع ضعف ومحدودية تدخل الجماعات الترابية في تدبير هذه الأزمة إلى مقتضيات المرسوم السالف الذكر والذي أسند المهمة بشكل شبه مطلق لوزارتي الداخلية والصحة، وكذا مذكرات وزير الداخلية الذي راسل من خلالها الجماعات الترابية وطالبها بعدم عقد الاجتماعات وتأجيلها إلى أجل غير مسمى، بالإضافة إلى محدودية الموارد البشرية والمالية للجماعات، وكذا ضعف المستوى التعليمي والمعرفي لبعض الرؤساء المنتخبين وعدم قدرتهم على استيعاب صلاحياتهم الدستورية والتنظيمية، خصوصا في مجال الضبط الإداري والحفاظ على النظام العام، وغالبا ما يرتبط ذلك بغياب التكوين وتأهيل المنتخبين الجماعيين.

ويمكن القول أيضا أن الجماعات الترابية لم تكن مستعدة لمثل هذه الأزمة على اعتبار أن برامج عمل الجماعات الترابية لا تتوفر على خطط لمواجهة مثل هذه الظروف الطارئة ولم ترصد لها موارد مالية، كما أن تدخل الدولة أشعر الفاعل الترابي عدم تدخله.

ومن الأسباب الرئيسية في ذلك أيضا عدم وضوح النص القانوني المنظم لاختصاصات الجماعات ورؤساءها وعلاقتهم بالسلطة المحلية، خصوصا في مجال الحفاظ على النظام العام والذي يتدخل فيه العديد من الأطراف، مما يفتح المجال في كثيرا من الأحيان أمام سوء التدبير وتنازع الاختصاص، ويتجلى ذلك بوضوح من خلال الفصلينن100 و 110 من القانون التنظيمي للجماعات[13].

خاتمة:

نخلص في نهاية هذا البحث إلى القول بأن ما يقوم به رجال السلطة يدخل في صميم الاختصاصات المستمدة من النصوص القانونية التي تؤطر تدخلاته على الصعيد المحلي، والتي تجعل منه فاعلا أساسيا في سياسة اللاتركيز الإداري، يظهر ذلك من خلال تمثيل السلطة المركزية وتأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، والقيام بتنسيق أنشطة مختلف المصالح اللامركزية للإدارة المركزية والسهر على حسن سبرها.

إضافة إلى مهامه الإدارية داخل الإدارة الترابية، سمحت لنا الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد بسبب جائحة كورونا بالتعرف أكثر على مهام رجل السلطة، خاصة في الشق المتعلق بتنسيق جهود الفاعلين على المستوى المحلي، وكذا قدرته على التواصل مع المواطنين، وهو أمر لم تعهده من قبل، حيث يمكن أن نلاحظ رجال السلطة بمختلف درجاتهم ومناصبهم في الصفوف الأولى، يسهرون على تنفيذ الإجراءات المتعلقة بالحجر الصحي، من خلال تنظيم حركية المواطنين في الشارع العام وعلى أبواب المتاجر تفاديا للازدحام، والتأكد من امتثال المحلات لإجراءات الحجر ومراقبة الأسعار، بالإضافة إلى الإشراف على توزيع الدعم على العائلات المتضررة من إجراءات الحجر الصحي، وبعث الاطمئنان في صفوف الأسر ذات الدخل المحدود التي تأثر وضعها المالي بسبب ظروف الجائحة.

ومن خلال الاختصاصات التي أسندها المشرع للجماعات الترابية بمستوياتها الثلاثة، فإن الحديث عنها يقودنا أساسا إلى التمحيص في الاختصاصات المسندة إلى هذه الوحدات الترابية على اعتبار أن الهيئات اللامركزية لا يمكنها التدخل بدون سند قانوني، وبالتالي فإن تقييم دورها في مواجهة تفشي فيروس  كورونا “كوفيد 19” والحد من انتشار دائرة الجائحة يجعلنا نسلط الضوء على مضامين القوانين التنظيمية لها والمحددة لاختصاصاتها، وخاصة المقتضيات المنصوص عليها بالمادة 100 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية، التي أعطتها صراحة الاختصاص في التدخل في مواجهة الآفات والأمراض الوبائية الخطيرة.

غير أن المادة المذكورة تم تعطيلها بموجب المرسوم بقانون رقم 02.20.292 بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والمرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بفرض حالة الطوارئ الصحية على صعيد التراب الوطني، وفي هذا الصدد تم إسناد اختصاص التدخل في مواجهة الأمراض الوبائية الخطيرة إلى سلطات أخرى.

ومن هنا يمكن القول أن الجماعات الترابية لم يكن لها أي دور في مواجهة الجائحة والحد منها.


[1]-عبد الله إدريس “محاضرات في القانون العام المغربي” الجزء الثاني، النشاط الإداري، الطبعة الأولى، 1995، ص292

[2]-Mohamed Amine Benabdellah « la police administrative dans le système juridique marocain, 1978, p 13 

[3]-مازن راضي ليلو، القانون الإداري، منشورات الأكاديمية العربية بالدانمارك، 2005

[4]-الخطابي مصطفى “القانون الإداري والعلوم الإدارية”، الطبعة الرابعة، 1999/1998، مطبعة النجاح الجديدة، ص 153.

[5]-طعيمة الجرف “القانون الإداري والمبادئ العامة في تنظيم ونشاط السلطات الإدارية”، النهضة العربية، القاهرة، 1978، ص489.

[6]-طارق العبدي “دور رجال السلطة الترابية في حالة الطوارئ الصحية’ فيروس كورونا المستجد ‘ نموذجا”، منشور بالموقع الإلكتروني Marodroit، الثلاثاء 28 يوليوز 2020، 15:23.

[7]-أنفاس بريس “تعرف على حجم الاعتداءات التي استهدفت رجال السلطة في زمن كورونا”، منشور بالموقع الإلكتروني أنفاس بريس، الجمعة 21 يونيو، 15:25.

[8]-المهدي الشاوي “رجل السلطة في زمن كورونا –كلمة حق-“، منشور بموقع اش صحيفة الإلكترونية مغربية، الجمعة 21 يوليوز 2020، 16:50.

[9]-محمد طيفوري “كورونا في المغرب -انتصار الدولة على السلطة-“، منشور بالموقع الإلكتروني العربي الجديد، 6 أبريل 2020، 12:30.

[10]-ينص الفصل 21 من دستور فاتح يوليوز ” لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته. تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع”.

[11]-ا ، الظهير الشريف رقم 1.15.84 صادر في 20 رمضان 1436 (7 يوليوز 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والاقاليم، الجريدة الرسمية عدد 6380 بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليوز 2015).

[12]– المادة 79 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والاقاليم.

[13]-ظهير شريف رقم 1.15.85 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، الجريدة الرسمية عدد6380 بتاريخ 6 شوال 1436 ( 23 يوليو 2015).

Exit mobile version