أبعاد وأهداف ومعوقات التنمية المستدامة
بوسماحة الشيخ
أستاذ محاضر قسم
كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة ابن خلدون بتيارت – الجزائر
لبريد الالكتروني : labo.envir14@live.fr
مقدمة:
إن عبارة التنمية مثيرة للجدل، إذ استحوذ موضوعها على اهتمام العالم كلّه من خلال تزايد القضايا المرتبطة بالإنسان والبيئة والصراع الدائم للسيطرة عليها والاستمتاع بطيبات الحياة لإشباع رغبات غير متناهية، وتحسين ظروف المعيشة بشرط أن لا يتجاوز ذلك قدرة كوكب الأرض على التحمّل، وأن يرتبط استخدام الموارد الطبيعية بضمان المحافظة على حقوق الأجيال القادمة، وترشيد المناهج الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والبيئية.
حيث أصبح لا يوجد أي على وجه الأرض إلا وله مدلول مرتبط بالتنمية المستدامة، مما جعل الدول تتخذ عدّة إجراءات وسياسات من شأنها التمهيد لتحقيق التنمية المتواصلة.
غير أن سعي الإنسان نحو التقدم التكنولوجي أثّر في التنمية المستدامة وانعكس على البيئة واصطدم بخطط وبرامج التنمية المستدامة وفرض تحديات حالت دون تحقيقها، بالإضافة إلى ذلك ما يشهده هذا العصر من تحديات مختلفة تهدد الأجيال نظرا لإعطاء أهمية للتقدم الاقتصادي والإثراء المادي على حساب الاستغلال السليم لموارد الطبيعة.
ولدراسة هذا الموضوع يجب إبراز دور السياسات المساعدة على تجسيد التنمية المستدامة، هذا ما دفعنا إلى طرح التساؤلات التالية :
– ما مقصود بالتنمية المستدامة وما هي أبعادها؟
– ما المتغيّرات المؤثرة في التنمية المستدامة وما التحديات والمعوقات التي تعترضها؟
– ما هو واقع التنمية والتقدم المحرز على جميع المستويات لدى المجموعة العربية؟
وبناءً على ما سبق نحاول التطرق في هذا البحث إلى التنمية المستدامة من جانب المفهوم، الأبعاد، المعوقات، والسياسات الكفيلة بتجسيدها.
ووفقا لهذه الإشكالية والتساؤلات استعملنا المنهج الاستقرائي من خلال الدراسة التاريخية والإحصائية، ولهذا الغرض قمنا بمعالجة بحثنا من النقاط الأربعة التالية:
أولا: ماهية التنمية المستدامة :
ورد ت فكرة التنمية المستدامة في الفقرة السادسة من إعلان ستوكهولم سنة 1972 في مؤتمر البيئة البشرية، لقد بلغنا نقطة تاريخية تحتم علينا أن نصوغ إجراءاتنا في العالم أجمع متوخين أشد الحرص بشأن عواقبها البيئية. إن الجهل أو اللامبالاة قد يؤديان بنا إلى إلحاق ضرر جسيم لا يمكن علاجه ببيئة الأرض التي هي عماد حياتنا ورفاهيتنا. وعلى العكس من ذلك، يمكن من خلال المعرفة الأكمل وتوخي الحكمة في العمل، أن نحقق لأنفسنا ولذريتنا حياة أفضل في بيئة أكثر تواؤما مع احتياجات البشر وآمالهم……إن صون البيئة البشرية وتحسينها لأجيال الحاضر والمستقبل أصبح هدفا لا سبيل لبني الإنسان إلا تحقيقه[1] ، و يمكن القول بأن حركة الدفاع عن البيئة بدأت منذ قرون مضت ردا على عصر التصنيع. ففي القرن التاسع عشر تغنى شعراء الرومانسية البريطانيون بجمال الطبيعة، بينما أشاد الكاتب الأمريكي هنري ديفيد ثورو بفضائل العودة إلى حياة أكثر بساطة تستلهم القيم التي تجود بها الطبيعة. غير أن ذلك مثَل اختلافا في الرأي استمر لفترة طويلة في القرن العشرين.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية أدى بزوغ العصر النووي والسباق نحو التسلح بهذا المنتج الخطير إلى نشوء المخاوف من شكل جديد من أشكال التلوث الناتج عن الإشعاعات القاتلة. واكتسبت الحركة البيئية زخما جديدا، وفي عام 1962 مع صدور كتاب “الربيع الصامت” لراشيل كارسون التي حذرت فيه من استخدام المبيدات الكيميائية الصناعية للقضاء على الآفات الزراعية. حيث شددت الكاتبة و العالمة على ضرورة احترام النظام الإيكولوجي الذي نعيش فيه حفاظا على صحة الإنسان وحفاظا على البيئة أيضا[2] .
وبظهور أول صورة، ذات طابع رمزي، للأرض من الفضاء الخارجي في عام 1968 مست قلوب البشر ببساطتها وجمالها. وأيقن الكثيرون من البشر حينما رأوا لأول مرة تلك “الكرة البلورية الزرقاء” تدور في مجرة شاسعة أننا نعيش على كوكب واحد في ظل نظام إيكولوجي هش مترابط العناصر. ونشأ في الوعي الجماعي العالمي إحساس بمسؤوليتنا عن الحفاظ على هذا النظام الإيكولوجي وسلامته[3] .
إنه مع انتهاء عقد الستينات الصاخبة بأسمى المثل والرؤى التي بدأت تترجم فيما بعد بشكل عملي، ومن هذه الرؤى الرؤية البيئية، التي أصبحت الآن ظاهرة عالمية بكل ما تعنيه الكلمة. ومع تنامي الاهتمام العالمي المستمر بالاستغلال السليم والمستدام العقلاني لكوكب الأرض وموارده، الذي بدا من خلال قمة الأمم المتحدة في ستوكهولم الأولى المعنية بالبيئة البشرية في عام 1972.
كان انعقاد هذا المؤتمر نقطة تحول، حيث تضمن إعلانه الختامي 19 مبدأ تمثل منهاجا بيئيا في عصرنا الحالي. وبتلبية الإعلان الحاجة إلى “إلهام شعوب العالم وتوجيهها للحفاظ على البيئة البشرية وتحسينها”، فقد أرسى الأساس للبرنامج البيئي الجديد الذي اعتمدته منظومة الأمم المتحدة فيما بعد.
وانطلاقا من هذا الزخم الذي أحدثه المؤتمر، أنشأت الجمعية العامة في ديسمبر 1972 برنامج الأمم المتحدة للبيئة، الذي يقود الجهود التي تبذلها أسرة الأمم المتحدة لحماية البيئة العالمية. وتتمثل الأولويات الحالية للبرنامج في معالجة الجوانب البيئية للكوارث والنزاعات، وإدارة النظم الإيكولوجية، والإدارة البيئية، والمواد الضارة، وكفاءة الموارد، وتغير المناخ….
ثم اتسع نطاق الأنشطة التي يتولاها برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى حد كبير، بعد انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو في عام 1992. وتمخض هذا المؤتمر، الذي أُطلق عليه اسم “قمة الأرض”، عن إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية. ووضع إعلان ريو، المعروف باسم “جدول أعمال القرن 21”، مفهوم التنمية المستدامة على الخارطة العالمية، جاعلا منه محور جميع الأنشطة الإنمائية لمنظومة الأمم المتحدة .
كما أسفرت قمة الأرض أيضا عن اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي لسنة 1992 واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في البلدان التي تعاني من الجفاف الشديد و/أو من التصحر ، وبخاصة في أفريقيا لسنة 1994 . وفي عام 1997 عقدت الجمعية العامة، فيما سُمى “قمة الأرض + 5” ، دورة استثنائية لاستعراض تنفيذ جدول أعمال القرن 21 وتقييمه وتقديم توصيات لمواصلة العمل به.
وهكذا أصبحت مبادئ التنمية المستدامة متضمنة في العديد من مؤتمرات الأمم المتحدة، والتي منها: مؤتمر الأمم المتحدة الثاني للمستوطنات البشرية الذي عقد في إسطنبول 1996، والمؤتمر العالمي للتنمية المستدامة للدول الجزيرية الصغيرة النامية بربادوس عام 1994 ، والدورة الاستثنائية للجمعية العامة عن الدول الجزيرية الصغيرة النامية في نيويورك عام 1999 ؛ ومؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة بجوهانسبورغ سنة 2002 ، ومؤتمر قمة الألفية في نيويورك عام 2000 ، والأهداف الإنمائية للألفية المنبثقة عنه[4] الذي يسعى إلى كفالة الاستدامة البيئية، ومؤتمر القمة العالمي لعام 2005 وغيرها….
وتجدر الإشارة أن برنامج الأمم المتحدة للبيئة اشترك سنة 1988 مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لتكوين الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ الذي أصبح أبرز المصادر العالمية قاطبة لتوفير المعلومات العلمية ذات الصلة بتغير المناخ. كما اعتُمد سنة 1992 الصك الدولي الرئيسي في هذا المجال، وهو اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ وبروتوكول كيوتو الملحق بها، الذي اعتمد في عام 1997 غايات ملزمة لـ 37 بلدا صناعيا فضلا عن الاتحاد الأوروبي تتعلق بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة.
كما تشارك العديد من هيئات الأمم المتحدة في أنشطة دعم البيئة والتنمية المستدامة من ذلك البنك الدولي، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، المنظمة البحرية الدولية، منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويشرك الاتفاق العالمي للأمم المتحدة أوساط الأعمال التجارية الدولية في الالتزام بالمبادئ البيئية، ويساعد في تمويل ذلك كله مرفق البيئة العالمية الذي أُنشئ بمبادرة من البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
من هنا بدت محاولات تحديد مفهوم التنمية المستدامة فهناك محاولات عديدة تدور حول تحديد المفهوم سواء على مستوى الباحثين أوعلى مستوى المؤسسات الدولية .
فمن وجهة نظر علماء الاقتصاد أن المبدأ التنمية المستدامة مهم ومرتبط بمفاهيم أخرى ذات علاقة كالنمو الاقتصادي – النمو الاقتصادي المستدام – التنمية الاقتصادية .
ذلك أن النمو الاقتصادي، هو زيادة حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي مع مرور الوقت. وهذا لا يعني أن التنمية التي تلاحظ في أي وقت من الأوقات هي تنمية ” مستدامة”.
ذلك أن تبني المشاريع ذات الأولوية الوطنية في كافة القطاعات تستهدف الحدَ من مشكلتي الفقر و البطالة[5] عبر استثمارات نوعية وكمية في مجالات التنمية المحلية لتمكين المواطنين من الفرص المناسبة.
أما التنمية الاقتصادية، هي مفهوم أوسع من مفهوم النمو الاقتصادي فهي تضم مفاهيم ، التنمية وتحسين نوعية حياة السكان و خاصة الفقراء منهم . وتصبح زيادة الدخل هي العامل الأساسي وتحسين المهارات والمعرفة والإمكانات والخيارات…وتحسين الحقوق المدنية والحريات مثل الاستقلالية وحقوق التمثيل السياسي . إن هذا التعريف لا يتضمن الأفكار المتعلقة بالاستدامة البيئية . باعتبارها الأفكار المتعلقة بتعريف النمو تتضمن قيمة الأصول البيئية وأهمية المحافظة على الخدمات البيئية الأساسية ورأس المال الطبيعي حسب نظرة علماء الاقتصاد البيئي لمفاهيم التنمية الاقتصادية المستدامة التي تنطوي على تعظيم المكاسب الصافية من التنمية الاقتصادية شريطة المحافظة على الخدمات ونوعية الموارد الطبيعية على مر الزمن ، إن التنمية الاقتصادية المستدامة … تشير إلى الحد الأمثل من التداخل بين نظم ثلاث،(البيئي والاقتصادي والاجتماعي( وتضم البدائل استبدال رأس المال الطبيعي برأس المال الاصطناعي إلى حد أن الأجيال المستقبلية لا تزال تتوارث نفس القدر من رأس المال.
كما يشير علماء البيئة والموارد والأحياء إلى أن المحيط الحيوي هو الذي يحتاج لأن يكون مستدامًا، وهم يبحثون عن حماية التنوع الحيوي والوراثي بالدرجة الأولى .ومن علماء البيئة الذي كرسوا اهتمامًا كبيرًا لمبادئ التنمية الزراعية المستدامة هو جي كونواي الذي يعالج مفهومه للاستدامة ميل النظام لمقاومة الانهيار في أزمة ما . وهو يتعلق بصلابة أو استمرارية النظام فالاستدامة هي القدرة على المحافظة على الإنتاجية سوا ء أكانت كحقل أو مزرعة أو أمة في وجه الأزمات أو الصدمات ، إن بعض النظم الزراعية منتجة بشكل كبير ولكنها تتعرض لخطر كبير يتعلق باستدامتها . وإن علماء البيئة قلقون بشأن الزراعة الصناعية التي تصبح عرضة أكبر للخطر من حيث الاستدامة نظرًا لتزايد اعتمادها على قاعدة وراثية أضيق مما كانت عليه من ذي قبل . لذا يركز الكثير من علماء البيئة على الحاجة لحماية التنوع الوراثي من خلال حماية المناطق الطبيعية التي تحتوي على أصناف محتملة أو المحافظة على البنوك الصناعية للمواد المتجددة .ومع ذلك فمن المهم أن لا نعتمد على التصنيف أو التعميم المفرط لمفهوم النظم الزراعية الحديثة الأقل استدامة والأكثر إضرارًا بالبيئة الطبيعية حيث أن هذه الحالات هي حالات استثنائية . كما يجب توضيح قياس الاستدامة وكيفية اتخاذ القرارات والأحكام بين أنماطها المختلفة.
يبدو أن التنمية المستدامة تصبغ الجزء الأكبر من السياسة البيئية المعاصرة مما جعل كل الحكومات تقريبا تتبناها كأجندة سياسية حتى ولو عكست التزامات سياسية مختلفة اتجاه الاستدامة[6] حيث تم استخدام المبدأ لدعم وجهات نظر متناقضة حبال قضايا بيئية مثل التغيَر المناخي و التدهور البيئي، إما بتقليص حجم طلب المجتمع على موارد الأرض أو زيادة حجم الموارد لتقريب الفجوة بين العرض و الطلب إلى حدَ ما.
إن التنمية المستدامة هي التنمية التي تقلص استخدام الموارد إلى الحد الأدنى ، ومع ذلك يشير الكثير من علماء البيئة إلى أن “عدم النمو” لا يشكل حلا ملائمًا ويمكن لبعض النمو أن يساعد على منع التدهور البيئي ، لذا فهو أمر مطلوب مثل تطوير الطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية وأجهزة التبريد الخالية من ال CFC ، ولكن يجب تجنب التقنيات والنمو الذي يضر بالبيئة، إننا بحاجة للمزيد من الاهتمام بالنواحي البيئية والأخلاقية .
يشير تعبير التنمية المستدامة إلى أن دروس البيئة يجب أن تطبق على العمليات الاقتصادية . وهي تشمل أفكار إستراتيجية الحماية العالمية التي توفر مبررًا بيئيًا يمكن من خلاله تحدي واختبار دعوات التنمية لتطوير نوعية الحياة .
في حين يرى علماء الاجتماع والباحثين في مجال علوم الإنسانية التأكيد على طلبات البيئة التي تحددها الثقافة . فعلى سبيل المثال فإن الرغبة في استهلاك اللحم و الأغذية الزراعية يشجع في بعض الأحيان القضاء على الغابات وتدهور التربة ، بينما الرغبة في استهلاك السمك فقد تضغط على البيئة البحرية . ويتم التركيز على استدامة النظم الثقافية والبشرية بما فيها قبول نظريات البيئة .فهل المؤسسات المستخدمة للإدارة البيئة تخضع للرقابة المحلية وهل تمكنت من مواجهة الاحتياجات المحلية؟ هذه مسألة إضافية يطرحها علماء الاجتماع ، و يذهب بعض النقاد إلى أبعد من ذلك حيث يقولون أن من يقترحون استدامته فعلا هو التقسيم الدولي للثروة مما يفرض طلبات بيئية مختلفة و غير متساوية على الدول الغنية والفقيرة .
وإذا ما فرض المستقبل المزيد من الطلبات من خلال التوزيع العالمي الحالي للموارد وأنماط الاستهلاك السائدة فمن غير المحتمل أن تكون تلك الموارد مستدامة . إن العوامل الاقتصادية والسياسية السائدة التي تشجع على التدهور البيئي بحاجة لمعالجة ، كما يجب أن يكون هناك إعادة توزيع للثروة في العالم . وعندئذ فقط يمكن أن تصبح التنمية المستدامة إمكانية واقعية على المستوى العالمي .
كما يرى مركز القانون الدولي للتنمية المستدامة بمونتريال [7] يجب تحديد مفهوم القانون الدولي للتنمية المستدامة أو ما هو قانون التنمية المستدامة؟
كما حاولت بعض الممارسات الدولية توضيح مفهوم التنمية المستدامة بعناها المجرد بإعطائها ومنحها عناصر إجابة عادة ما تكون مقبولة.
نحن نسمع عموما بأن التنمية المستدامة هي تنمية تستجيب للحاجات الحالية أو الحاضرة بدون تعريض قدرات الأجيال القادمة للخطر أو عدم القدرة على استيفاء حاجاتهم[8] .هذه التنمية تهدف إلى تطور وتقدم جماعي مشترك للتغيير نحو إصلاح نوعية الحياة البشرية ومجتمعاتها.الاستدامة يمكن عندئذ أن تكون مشمولة بعملية إسناد لضرورة دمج التنمية من زاوية نظر اجتماعية اقتصادية بيئية.
وبالنسبة للمركز الدولي لقانون التنمية المستدامة يرى أن دمج التنمية المستدامة على الأقل في القانون الدولي يتطلب تكييفا وإعادة توفيق بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية ، أي تضمين حقوق الشخص أهداف حماية البيئة نحو المساهمة في إصلاح نوعية الحياة الجماعية للبشر لمصلحة ومنفعة الجيل الحاضر والأجيال القادمة[9] .
إن مصطلح التنمية المستدامة يصف مجموعة واضحة لمبادئ الشرعية الدولية البيئية و الحقوق الاجتماعية مع تضمين حقوق الشخص نحو تنمية تستطيع الدوام لفائدة الأجيال الحاضرة والمستقبلية.
مستقبلنا المشترك هذا هو عنوان تقرير براندتلاند حيث يعتبر هذا التقرير المنشور في 1987 ذو مكانة وتأثير كبيرين، حيث درس حلولا عديدة للمشاكل المتوازية مع التقهقر البيئي وفشل التنمية الاجتماعية والاقتصادية والمطالبة بتوجيه هذه المشاكل بطريقة مندمجة لمصلحة الأجيال الحاضرة والمستقبلية.
إذ يشير التقرير أن التنمية المستدامة تلك التي تستطيع الاستجابة للحاجات الحاضرة من دون أن تجازف بأهلية الأجيال القادمة في الاستجابة لحاجياتها الخاصة[10].
وفي مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية، وفي إعلان ريو 1992 التزمت الدول بالتعاون بحسن نية وبروح موحدة لتطبيق مبادئ القانون الدولي في ميدان التنمية المستدامة.
وفي مفكرة القرن 21 لسنة 1992 عالجت الدول موضوع الالتزام من خلال متابعة تطوير القانون الدولي المتعلق بالتنمية المستدامة بمنحه اهتماما خاصا للتوازن الدقيق بين المسائل المتعلقة بالبيئة والأخرى المتعلقة بالتنمية.
أما عام 1997 وفي إطار فحص وتقييم مجموع تفعيل المفكرة 21 أكد الأطراف أنه كان أيضا ضروريا متابعة تطور التنمية، والحالة المكملة لذلك هي تدوين وتقنين القانون الدولي المتعلق بالتنمية المستدامة. كما يجب على الأعضاء المكلفين بهذه الوظيفة وفقا لنص الفقرة 109 من المفكرة 21 التعاون والتنسيق بين تصرفاتهم وأعمالهم.
وفي القمة الدولية للتنمية المستدامة لسنة 2002 ، أكد إعلان جوهانسبورغ في الفقرة الخامسة منه بصفة خاصة على التزام الأطراف بالاضطلاع بالمسؤولية الجماعية بهدف تطوير وتعزيز المستويات المحلية والوطنية و الجهوية والدولية على ركائز وأساسات التنمية المستدامة ، والمتمثلة في التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وحماية البيئة، باعتبار هذه الركائز مترابطة ويقوي بعضها بعضا بالتبادل.
ولوضع خطة القمة الدولية للتنمية المستدامة موضع التنفيذ اختارت لجنة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة إلزامية حساب التحولات المهمة للقانون في مجال التنمية المستدامة، كما ينبغي احتساب دور الأطراف المختصة لترقية وضع تفعيل فصول وأبواب المفكرة 21 المتعلقة بآليات والأجهزة القانونية الدولية حسب ما ورد في الفقرة 148 من المفكرة.
كما يظهر جليا مفهوم التنمية المستدامة في أحكام القضاء الدولي في قرار محكمة العدل الدولية في قضية Gabcikovo – Nagymaros في 25/9/1997 بين المجر وسلوفاكيا، والذي جاء فيه: ” خلال العصور لم يتوقف الإنسان عن التدخل في الطبيعة لأسباب اقتصادية وغيرها، في الماضي غالبا ما لبث يعد ويحسب تأثيره على البيئة. وبفضل المنظور الجديد الذي قدمه العلم وإدراك الضمير البشري للأخطار التي تسببها متابعة اختراعاته بوتيرة طائشة وبدون تبصر وبشكل دءوب يشكل للبشرية سواء الأجيال الحاضرة أو المستقبلة، ضوابط ومستلزمات جديدة وضعت في وقتها وضحت وبينت في أكبر عدد من الوثائق خلال السنوات العشرين الأخيرة. هذه الضوابط يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. و هذه المتطلبات الجديدة المثمنة تباعا ليست فقط عندما تمارس الدول نشاطات جديدة ولكن أيضا عندما تتابع النشاطات التي التزمت بها في الماضي ” المعنى المجرد للتنمية المستدامة يترجم جيدا هذه الضرورة لصالح التنمية الاقتصادية وحماية البيئة.
أما محكمة التحكيم الدائمة، فقد أعادت تأكيد هذه النتيجة والخلاصة في حكمها التحكيمي المتعلق بالنزاع حول السكة الحديدية المسماة Rhin de fer”” بين بلجيكا والأراضي المنخفضة في 24/5/2004[11] . في هذه القضية قامت دولة الأراضي المنخفضة بإنشاء محمية طبيعية على طول خط السكة الحديدية التاريخية المسماة Rhin de fer”” من أجل منع إعادة تشغيل هذا الخط من جديد. وهنا بررت بلجيكا أن إعادة إحياء الخط الحديدي من جديد ووضعه في الخدمة يساعد على تدعيم وتطعيم الانتقال من النقل البري إلى النقل بواسطة السكة الحديدية مما يساعد على تقليل انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الدفيئة من وجهة نظر التنمية المستدامة. ولقد وازنت محكمة التحكيم بين المصلحة في حماية البيئة والمصلحة في التنمية الاجتماعية الاقتصادية، وانتهت إلى أن تطبيق المعايير البيئية من طرف الأراضي المنخفضة لا يمكن مساواتها باستبعاد حق المرور لبلجيكا و لا صعوبة إعادة ممارسة هذا الحق خلافا للصواب.
وفي قرارها الصادر في القضية المشار إليها استندت محكمة التحكيم على مفهوم التنمية المستدامة المذكور في الفقرة 59 والتي جاء فيها : أن القانون البيئي وقانون التنمية لا يمثلان حلولا بديلة غير أنهما يتساندان ويتعاضدان ويتطلب هذا أن يحملا معاني مجردة متكاملة. عندما تسبب التنمية ضررا جديا أو خطيرا أو جسيما للبيئة، فإن تطبيق واجب الاستباق أو على الأقل تحديد ووقف ذلك الضرر …. هذا الواجب حسب محكمة التحكيم يتعلق من الآن فصاعدا بجزء من القانون العام الدولي.
هذا المبدأ لا يطبق فقط بطريقة مستقلة أو تلقائية ولكن أيضا عند وضع الاتفاقيات النوعية بين الدول في موضع الخدمة.[12]
إن العلاقات الموجودة بين هذه القرارات المتعلقة بمفهوم التنمية المستدامة في القانون الدولي واضحة. و في إطار المجهودات أو القواعد المتعلقة بتحرير التجارة إلى درجة جعلها ضابطا في التنمية الاقتصادية، تواجه الضوابط البيئية، إن المعنى المجرد للتنمية المستدامة يستطيع أن يلعب دورا فعليا ومعياريا لتعديل موازين النتيجة النهائية بالدمج بين نوعي الضوابط ، أي الضوابط البيئية والضوابط الاقتصادية، كما يمكن أن تكون ضوابط التنمية الاجتماعية مدمجة أيضا.
وعليه هناك العديد من المتغيرات التي تؤثر في تحديد مفهوم التنمية المستدامة من ذلك:
أ- مكانة الإنسان ضمن تعريف التنمية المستدامة ، يشكل الإنسان محور التعاريف المقدمة بشأن التنمية المستدامة حيث تتضمن تنمية بشرية تؤدي إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم والرفاهية الاجتماعي. وهناك اعتراف اليوم بهذه التنمية البشرية على اعتبار أنها حاسمة بالنسبة للتنمية الاقتصادية وبالنسبة للتثبيت المبكر للسكان. وحسب ما ورد في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فإن “الرجال والنساء والأطفال ينبغي أن يكونوا محور الاهتمام – فيتم نسج التنمية حول الناس وليس الناس حول التنمية”. وتؤكد تعريفات التنمية المستدامة بصورة متزايدة على أن التنمية ينبغي أن تكون بالمشاركة، بحيث يشارك الناس ديمقراطيا في صنع القرارات التي تؤثر في حياتهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبيئيا.لا يفهم من هذا القول (حماية البيئة من الإنسان) أن البيئة أصبحت في موقف ضعيف وأن الإنسان هو القوي، كلا بل أن هذه البيئة أصبحت خطرا على الإنسان، ولكن بفعل الإنسان نفسه، وهكذا يتضح لنا أن خوف الإنسان من البيئة قديما قد انتقل إلى العصر الحديث، إلا أن الخوف من البيئة قديما (في مرحلة حماية الإنسان من البيئة) كان أقل مستوى وأضعف ضررا منه في العصر الحديث، ذلك أن مخاوف ومشاكل البيئة قديما كانت في معظمها غير طبيعية، كالفيضانات والثلوج والقحط والخوف من بعض الحيوانات المفترسة، ورغم صعوبة التعامل معها وقتئذ إلا أن التكيف معها ليس مستحيلا وتأثيراتها على الإنسان ليست بالمهلكة.
أما الخوف من البيئة الحديثة، فقد بات مرعبا ومستواه عاليا لأنه يهدد سلامة الجنس البشري، ومن بعده كوكب الأرض. ذلك أن المشكلات البيئية الجديدة كالتلوث بشتى أنواعه، الاحتباس الحراري، ضعف واتساع ثقب طبقة الأوزون ، تساقط الأمطار الحمضية، ندرة المياه، تدهور المناطق السهبية وقلة الغذاء قياسا بالانفجار السكاني الهائل، باتت تشكل مشاكل بيئية ضخمة تنذر بكارثة عالمية.
وعليه فإن الخوف من البيئة شعور لازم الإنسان منذ القدم من أجل عوامل طبيعية مختلفة، ولكن تغيرت الصورة حاليا وأصبح الخوف مرتبط بعوامل بشرية صناعية تأثيرها أشد من العوامل الطبيعية فالعوامل البشرية الصناعية تأثيراتها محسوسة وملموسة كتلوث الهواء والتربة والماء وغيرها، وقد لا تكون كالتلوث الإشعاعي والأمواج الكهرومغناطيسية حتى أنه عرفت هاته التأثيرات طابع العالمية التي لا تعرف الحدود.
فتدخل الإنسان المباشر يؤدي أحيانا إلى اختلال التوازن البيئي كإدخال كائن حي في بيئة جديدة([13]) نظرا لعدم توافر ظروف حياته وقلة أعداؤه الطبيعيين، مما يؤدي إلى اختلال توازن هذه البيئة، فمثلا عندما قام أحد سكان جزيرة هاواي بإحضار عدة أزواج من الأرانب فلما وجدت غذاءا كافيا ومناخا ملائما وقلة الأعداء الطبيعيين توالدت بكثرة وانتشرت وأتلفت النباتات بسرعة تفوق نمو نباتات جديدة، وأصبحت لا تجد الغذاء الكافي فهلكت وهلك معها عدد كبير من الكائنات الحية الأخرى أو مثلا كاستعمال الذرة المعدلة وراثيا([14]).
فالقوانين التي تحمي البيئة عديدة لا يحص كمها وإنما تبقى علاقة الإنسان بالبيئة في أزمة وعلاقة عكسية مادام الإنسان بعيد عن فهم البيئة ومادام في حاجة ماسة إليها أكثر من أي وقت مضى خاصة مع استنزاف الموارد الطبيعية بطريقة غير عقلانية وهذا ما يجعل الإنسان في خطر يصعب تجاوزه وما قد يدمر الأجيال القادمة.
ب-مكانة التنمية المستدامة ضمن مجال التكنولوجيا ، كان استخدام المعرفة العلمية في التطبيق العملي لاستثمار موارد البيئة من جهة، وحل المشكلات البيئة، والتصدي للأخطار البيئية من جهة أخرى، أو بمعنى آخر فإنها تعني الإصحاح البيئي، بمعنى أن العلاقة التي تربط بين العلم والتكنولوجيا في الوقت الحاضر علاقة تبادلية، أي أن كل ما يحرزه العلم من تقدم يتمثل بسرعة في اختراعات تكنولوجية جديدة، ومن ثم تساعدنا على تقدم العلم، كما تستخدم في خطة التنمية الشاملة.
أي أن هناك علاقة حتمية بين العلم والتكنولوجيا والتنمية، فاكتشاف الإنسان للعناصر والموارد لتلبية احتياجاته يمثل دور العلم، واستنباط الإنسان للوسائل التي يحصل بها على هذه العناصر ويعالجها بتلك الوسائل حتى تصبح سلعة أو خدمة تقابل الحاجة يجسده دور التكنولوجيا، ويهدف الإنسان بالعمل الذي يعتمد على المعارف العلمية والوسائل التكنولوجية، أن ينتج السلع والخدمات، وهذا يمثل دور التنمية، وعبر تطور تجربة الإنسان، أصبحت العمليات الثلاث متكاملة، وأصبح دور التكنولوجيا- خاصة في الصناعة- واضح المعالم.
كما تغلغلت التكنولوجيا وتطورت في النسيج الاجتماعي للناس وفي حياتهم اليومية، حتى أصبح من المستحيل أن تعود عقارب الساعة، وينفض الإنسان يده من التكنولوجيا. ولكي نعالج الخلل البيئي الذي نشأ عن تطبيقات التكنولوجيا في الصناعة والزراعة، فإنه يتم استنباط وسائل تكنولوجية جديدة، أو تطوير وسائل تكنولوجية. كأنما المجتمعات الحديثة قد أدمنت بالتكنولوجيا، وأصبح الدواء الوحيد هو المزيد من التكنولوجيا النظيفة التي لا تلوث البيئة.
تبدو بعض الوسائل التكنولوجية في أول الأمر عظيمة النفع ولا تسبب الضرر، ومع تطور المعارف العلمية والتكنولوجية تبين أن لها أضرارا جسيمة خفيت علينا، مثل اختراع أو تصنيع مركبات غاز الكلور وفلور كربون، والتي تستخدم في صناعة الثلاجات وأعمال التبريد، وقد تم اختراعه عام 1921، وكان في ذلك الوقت يمثل ثورة هائلة في عالم الصناعة، ولكن ثبت بعد ذلك أن هذا الغاز يتفاعل مع طبقة الأوزون ويؤدي إلى استنزافها، ويساهم في ارتفاع درجة الحرارة على سطح الأرض.
سادت في الزمن الحديث فكرة الحلول التكنولوجية لسائر المشكلات الصناعية والبيئة والاجتماعية، لكن التجربة أظهرت أن المشكلات تتصل بالتفاعلات بين الإنسان والطبيعة والتكنولوجيا، والحلول المؤقتة قد تكون بالوسائل التكنولوجية، ولكن الحلول الدائمة والحاسمة تكون في تصويب التفاعلات بين النظم الثلاثة، وأن الحلول الاجتماعية المتصلة بالسلوك الإنساني والقبول الاجتماعي أقرب إلى الدوام.
والتنمية غير مستدامة([15]) والنمو السكاني المتزايد، دعت الأمم المتحدة إلى تنظيم أول مؤتمر دولي للبيئة في مؤتمر البيئة البشرية.
ج- مكانة العدالة ضمن التنمية المستدامة ، كما تشير مختلف تعريفات التنمية المستدامة إلى عنصر الإنصاف أو العدالة في مجال التنمية المستدامة. فهناك نوعان من الإنصاف هما إنصاف الأجيال البشرية التي لم تولد بعد، وهي التي لا تؤخذ مصالحها في الاعتبار عند وضع التحليلات الاقتصادية و لا تراعي قوى السوق المتوحشة هذه المصالح. أما الإنصاف الثاني فيتعلق بمن يعيشون اليوم والذين لا يجدون فرصا متساوية للحصول على الموارد الطبيعية أو على “الخيرات” الاجتماعية والاقتصادية. فالعالم يعيش منذ أواسط عقد السبعينات تحت هيمنة مطلقة للرأسمال المالي العالمي الذي يكرس تفاوتا صارخا بين دول المتطورة ودول السائرة في طريق النمو كما يكرس هذا التفاوت داخل نفس الدول. لذلك فإن التنمية المستدامة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار هذين النوعين من الإنصاف. لكن تحقق هذين النوعين من الإنصاف لن يتأتى في ظل الهيمنة المطلقة للرأسمال المالي العالمي، وإنما يتحقق تحت ضغط قوى شعبية عمالية أممية يمكن من استعادة التوازن للعلاقات الاجتماعية الكونية. ويجب أن يسود مبدأ التعاون أو التضامن الدولي وهو تضافر جهود جميع الدول من اجل تحقيق تنمية مستدامة ، فيجب على الدول المتقدمة أن تقدم يد العون للدول النامية لمواجهة مشاكلها البيئية، بهذا يمكن أن نصل إلى تعاون واقعي وفعلي وليس تعاون نظري فحسب[16] .
ثانيا: أبعاد التنمية المستدامة
تتضمن التنمية المستدامة أبعادا متعددة تتداخل فيما بينها من شأن التركيز على معالجتها إحراز تقدم ملموس في تحقيق التنمية المستهدفة، ويمكن الإشارة هنا إلى أهمها و المتمثلة في أربعة أبعاد حاسمة ومتفاعلة ، وذلك كمايلي:
أ- الأبعاد الاقتصادية للتنمية المستدامة والمتمثلة فيما يلي:
1 – حصة الاستهلاك الفردي من الموارد الطبيعية ، نلاحظ أن سكان البلدان الصناعية يستغلون قياسا على مستوى نصيب الفرد من الموارد الطبيعية في العالم أضعاف ما يستخدمه سكان البلدان النامية، كاستهلاك الطاقة الناجمة عن النفط والغاز والفحم مثلا في الولايات المتحدة أعلى منه في الهند ب 33 مرة، وهو في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أعلى بعشر مرات في المتوسط منه في البلدان النامية مجتمعة.
2 – إيقاف تبديد الموارد الطبيعية، فالتنمية المستدامة بالنسبة للبلدان الغنية تتلخص في إجراء تخفيضات متواصلة من مستويات الاستهلاك المبددة للطاقة والموارد الطبيعية ، وذلك عبر تحسين مستوى الكفاءة وإحداث تغيير جذري في أسلوب الحياة. هذه العملية تتطلب التأكد من عدم تصدير الضغوط البيئية إلى البلدان النامية ، أي تغيير أنماط الاستهلاك التي تهدد التنوع البيولوجي في البلدان الأخرى دون ضرورة، كاستهلاك الدول المتقدمة للمنتجات الحيوانية المهددة بالانقراض.
3 – المسؤولية عن التلوث وعن معالجته، إذ تقع على البلدان الصناعية مسؤولية قيادة التنمية المستدامة، لأن استهلاكها المتراكم في الماضي من الموارد الطبيعية مثل المحروقات، وبالتالي إسهامها في مشكلات التلوث العالمي كان كبيرا بدرجة غير متناسبة. يضاف إلى هذا أن البلدان الغنية لديها الموارد المالية والتقنية والبشرية الكفيلة بأن تضطلع بالصدارة في استخدام تكنولوجيات أنظف وتستخدم الموارد بكثافة أقل بغية القيام بتحويل اقتصادياتها نحو حماية النظم الطبيعية والعمل معها، وكذا تهيئة أسباب ترمي إلى تحقيق نوع من المساواة والتشاركية للوصول إلى الفرص الاقتصادية والخدمات الاجتماعية داخل مجتمعاتها. والصدارة تعني أيضا توفير الموارد التقنية والمالية لتعزيز التنمية المستدامة في البلدان الأخرى باعتبار ذلك استثمارا في مستقبل الكرة الأرضية.
4 – تقليص تبعية البلدان النامية، إن الروابط الدولية فيما بين البلدان الغنية والفقيرة تحتاج إلى دراسة دقيقة، ذلك أنه بالقدر الذي ينخفض به استهلاك الموارد الطبيعية في البلدان الصناعية، يتباطأ نمو صادرات هذه المنتجات من البلدان النامية وتنخفض أسعار السلع الأساسية بدرجة أكبر، مما يحرم البلدان النامية من إيرادات تحتاج إليها احتياجا ماسا. ومما يساعد على تعويض هذه الخسائر، الانطلاق من نمط تنموي يقوم على الاعتماد على الذات لتنمية القدرات الذاتية وتأمين الاكتفاء الذاتي وبالتالي التوسع في التعاون الإقليمي، وفي التجارة فيما بين البلدان النامية، وتحقيق استثمارات ضخمة في رأس المال البشري، والتوسع في الأخذ بالتكنولوجيات المحسنة أو الأكثر نقاء.
5 – التنمية المستدامة لدى البلدان الفقيرة وأثر العولمة عليها، إن مقتضيات العولمة تتعارض ومبادئ التنمية المستدامة من تحرير جميع المبادلات في السلع و الخدمات ، مما يؤدي إلى إقفال العديد من المؤسسات الإنتاجية التي ليس لها الإنتاجية الكافية ويترتب عنها تسريح العمال و الموظفين[17] وتنعكس سلبا على المعيشة . وتعني التنمية المستدامة في هذه الأخيرة تكريس الموارد الطبيعية لأغراض التحسَن المستمر والسريع في مستويات المعيشة، يعدَ هذا الأمر قضية أخلاقية و أمر حاسم بالنسبة لأكثر من 20 في المائة من سكان العالم في الوقت الحالي، ويحقق التخفيف من عبء الفقر المطلق نتائج عملية هامة بالنسبة للتنمية المستدامة، لأن هناك روابط وثيقة بين الفقر وتدهور البيئة والنمو السريع للسكان والتخلف الناجم عن التاريخ الاستعماري والتبعية المطلقة للقوى الرأسمالية. أما الذين لا تلب لهم احتياجاتهم الأساسية والذين ربما كان بقائهم على قيد الحياة أمرا مشكوكا فيه، فيصعب أن نتصور بأنهم سيهتمون بمستقبل كوكب الأرض وليس هناك ما يدعوهم إلى تقدير مدى صلاحية تصرفاتهم للاستدامة، كما أنهم يجنحون إلى زيادة الولادات كمحاولة لزيادة القوة العاملة للأسرة ولتوفير الأمن لشيخوختهم.
6 – المساواة في توزيع الموارد، إن الوسيلة الناجعة للتخفيف من عبء الفقر وتحسين مستويات المعيشة أصبحت مسؤولية كل من البلدان الغنية والفقيرة، وتعتبر هذه الوسيلة غاية في حد ذاتها، وتتمثل في جعل فرص الحصول على الموارد والمنتجات والخدمات فيما بين جميع الأفراد داخل المجتمع أقرب إلى المساواة. فالفرص غير المتساوية في الحصول على التعليم والخدمات الاجتماعية وعلى الأراضي والموارد الطبيعية الأخرى وعلى حرية الاختيار وغير ذلك من الحقوق، تشكل حاجزا هاما أمام التنمية. هذه المساواة تساعد على تنشيط التنمية والنمو الاقتصادي الضروريين لتحسين مستويات المعيشة.
7 – الحد من تفاوت الدخل، إن الحد من التفاوت المتنامي في الدخل وفي فرص الحصول على الرعاية الصحية في البلدان الصناعية وإتاحة حيازة الأراضي الواسعة وغير المنتجة للفقراء الذين لا يملكون أرضا في مناطق أخرى أو للمهندسين الفلاحيين العاطلين، وكذا تقديم القروض إلى القطاعات الاقتصادية غير الرسمية وإكسابها الشرعية، وتحسين فرص التعليم والرعاية الصحية بالنسبة للمرأة في كل مكان. وتجب الإشارة إلى أن سياسة تحسين فرص الحصول على الأراضي والتعليم وغير ذلك من الخدمات الاجتماعية لعبت دورا حاسما في تحفيز التنمية السريعة والنمو في بعض الاقتصاديات كماليزيا وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها.
8 – تقليص الإنفاق العسكري، هذا الأمر يجب أن يخص جميع البلدان بتحويل الأموال من الإنفاق العسكري وأمني للدولة إلى الإنفاق على احتياجات التنمية. ومن شأن هذا إعادة تخصيص ولو جزء بسيط من الموارد المكرسة للأغراض العسكرية بغية دفع عجلة التنمية.
ب-الأبعاد الاجتماعية للتنمية المستدامة والمتمثلة فيما يلي:
1 – تثبيت النمو الديموغرافي، تلعب العوامل الديموغرافية دورا هاما في الضغط على بيئة المستوطنات البشرية، إذ تعتبر الهجرة السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات النمو السكاني[18] في المناطق الحضرية لما لهذه الأخيرة من قدرة على استقطاب المزيد من سكان الريف. إن العمل على تحقيق تقدم كبير في سبيل تثبيت نمو السكان، وهو أمر بدأ يكتسي أهمية بالغة، ليس لأن النمو المستمر للسكان لفترة طويلة وبمعدلات شبيهة بالمعدلات الحالية أصبح أمرا مستحيلا، بل أن النمو السريع يحدث ضغوطا حادة على الموارد الطبيعية وعلى قدرة الحكومات في توفير الخدمات. كما أن النمو السريع للسكان في بلد أو منطقة ما يحدَ من التنمية ويقلص من الموارد الطبيعية المتاحة للسكان .
2 – مكانة الحجم النهائي للسكان، إن حجم ما يصل إليه السكان في الكرة الأرضية له أهمية، لأن حدود قدرة الأرض على إعالة الحياة البشرية غير معروفة بدقة. وتوحي الإسقاطات الحالية في ضوء الاتجاهات الحاضرة للخصوبة، بأن عدد سكان العالم سيستقر عند حوالي 11,6 مليار نسمة، وهو أكثر من ضعف عدد السكان الحاليين. وضغط السكان حتى بالمستويات الحالية عامل متنام من عوامل تدمير المساحات الخضراء وتدهور التربة والإفراط في استغلال الحياة البرية والموارد الطبيعية الأخرى، لأن نمو السكان يؤدي بهم إلى الإفراط في استخدام الموارد الطبيعية.
3 – أهمية توزيع السكان، فالاتجاهات الحالية نحو توسيع المناطق الحضرية ولاسيما تطور المدن الكبيرة له عواقب بيئية ضخمة. فالمدن تقوم بتركيز النفايات والمواد الملوثة فتتسبب في كثير من الأحيان في أوضاع لها خطورتها على الناس وتدمر النظم الطبيعية المحيطة بها. ومن هنا فإن التنمية المستدامة تعني النهوض بالتنمية المناطق الريفية النشيطة للمساعدة على إبطاء حركة الهجرة إلى المدن، واتخاذ تدابير سياسية خاصة من مجال الإصلاح الفلاحي و تثبيت السكان واعتماد تكنولوجيات تؤدي إلى التقليص الحد الأدنى من الآثار البيئية للتحضر أو تمركز السكان في المناطق التي تشهد كثافة سكانية مرتفعة.
4 – الاستخدام الكامل للموارد البشرية، يكمن في الاستخدام الكامل لها بتحسين التعليم والخدمات الصحية ومحاربة الفقر و التهميش، بأن تصل الخدمات الأساسية إلى الذين يعيشون في فقر مطلق أو في المناطق النائية، ومن هنا فإن التنمية المستدامة تعني إعادة توجيه الموارد أو إعادة تخصيصها لضمان الوفاء أولا بالاحتياجات البشرية الأساسية مثل تعلم القراءة والكتابة، وتوفير الرعاية الصحية الأولية، والمياه وسبل حياة الإطار المعيشي اللائق والتنمية المستدامة تعني وتحسين الرفاه الاجتماعي، وحماية التنوع الثقافي، والاستثمار في رأس المال البشري بتدريب المربين والعاملين في الرعاية الصحية والفنيين والعلماء وغيرهم من المتخصصين الذين تدعو إليهم الحاجة لاستمرار التنمية.
5 – الصحة والتعليم، إن التنمية البشرية تتفاعل تفاعلا قويا مع كل أبعاد التنمية المستدامة، من ذلك مثلا أن السكان الأصحاء الذين نالوا من التغذية الجيدة ما يكفيهم للعمل، لقد أثمر تحسن الخدمات الصحية ونوعيتها إلى خفض الأمراض[19] .ووجود قوة العمل الحسنة التعليم، أمر يساعد على التنمية الاقتصادية، عندما ينشغل المانحون و الحكومات في الأنشطة الإنمائية ينصب اهتمامهم إلى تفضيل السيطرة على التعلم[20] باعتباره أهم عوامل تطوير الأفكار. ومن شأن التعليم أن يساعد الفلاحين وغيرهم من سكان البادية على حماية الغابات وموارد التربة والتنوع البيولوجي حماية علمية ة على أحسن وجه.
6 – أهمية دور المرأة، ففي كثير من البلدان النامية يقوم النساء والأطفال بالزراعات المعيشية، والرعي وجمع الحطب ونقل الماء إلى جانب ممارستهم حتى بعض المهن الخاصة بالرجال ناهيك عن اكتساحهم قطاع التعليم والإدارة بشكل واضح للعيان، وهم يستخدمون معظم طاقتهم في الطبخ، ويعتنون بالبيئة المنزلية مباشرة. والمرأة بعبارة أخرى هي المدبر الأول للموارد والبيئة في المنزل كما أنها هي أول من يقدم الرعاية للأطفال، ومع ذلك فكثيرا ما تلقى صحتها وتعليمها الإهمال الصارخ مقارنة بصحة الرجال وتعليمهم. فالمرأة الأكثر تعليما لديها فرص أكبر في الحصول على وسائل منع الحمل، كما أن معدلات خصوبتها أقل في المتوسط وأطفالها أكثر صحة. ومن شأن الاستثمار في صحة المرأة وتعليمها أن يحقق مزايا عديدة من أجل القابلية للاستدامة .
ج– الأبعاد البيئة للتنمية المستدامة والمتمثلة فيما يلي:
1 – إتلاف التربة، استعمال المبيدات، تدمير الغطاء النباتي والمصايد، من الملاحظ أن تعرية التربة وفقدان إنتاجيتها يؤديان إلى التقليص من غلتها، ويخرجان سنويا من دائرة الإنتاج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية. كما أن الإفراط في استخدام الأسمدة ومبيدات الحشرات يؤدي إلى تلويث المياه السطحية وحتى الجوفية. أما الضغوط البشرية والحيوانية، فإنها تضر بالغطاء النباتي والغابات أو تدمرهما. وهناك مصايد كثيرة للأسماك في المياه العذبة أو المياه البحرية يجري استغلالها فعلا بمستويات غير مستدامة أو مخالفة للقانون مما شكل تهديدا بيئيا وتفاقمت معه المخاطر البيئية.
2 – حماية الموارد الطبيعية، تحتاج هذه الأخيرة إلى الحماية اللازمة لإنتاج المواد الغذائية والوقود ابتداء من حماية التربة إلى حماية الأراضي المخصصة للتشجير وإلى حماية مصايد الأسماك، مع التوسع في الإنتاج لتلبية احتياجات السكان المتنامية، ومع ذلك فإن الفشل في صيانة الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها الزراعة كفيل بحدوث نقص في الغذاء مستقبلا. إن استخدام الأراضي القابلة للزراعة وإمدادات المياه استخداما أكثر كفاءة أو بشكل مستدام يتطلب استحداث وتبني ممارسات وتكنولوجيات زراعية محسنة تزيد في الغلة. وهذا يحتاج إلى اجتناب الإسراف في استخدام الأسمدة الكيميائية والمبيدات حتى لا تؤدي إلى تدهور الموارد المائية وتهدد الحياة البرية، وتلوث الأغذية البشرية والمخزون المائي. وهذا يعني استخدام الري استخداما حذرا، واجتناب تمليح أراضي المحاصيل وتشبعها بالماء.
3 – صيانة وحماية المياه، إن الضخ الجائر للأحواض المائية أدى إلى انخفاض مستوى سطح المياه وارتفاع نسبة الملوحة وعدم جودتها[21] وفي بعض المناطق يقل مخزون المياه، ويهدد السحب من الأنهار باستنفاد الإمدادات المتاحة، كما أن المياه الجوفية يتم ضخها بمعدلات غير مستدامة. كما أن رمي النفايات الصناعية والزراعية والبشرية تلوث المياه السطحية والمياه الجوفية، وتهدد البحيرات والمصبات. والتنمية المستدامة تعني صيانة وحماية المياه بوضع حد للاستخدامات المبددة وتحسين كفاءة شبكات المياه وطرق وصلها. وهي تعني أيضا تحسين نوعية المياه وقصر عملية السحب من المياه السطحية على معدل لا يحدث اضطرابا في النظم الإيكولوجية التي تعتمد على هذه المياه، وقصر المسحوبات من المياه الجوفية على معدل تجددها.
4 – تقليص ملاجئ الأنواع البيولوجية، إن تراجع مساحة الأراضي القابلة للزراعة في مجال الاستخدام البشري، مما يقلص من الملاجئ المتاحة للأنواع الحيوانية والنباتية، باستثناء القلة التي يديرها البشر إدارة مكتفة و رشيدة، أو التي تستطيع العيش في بيئة المحميات الطبيعية. وتتعرض الغابات المدارية والنظم الإيكولوجية للشعب المرجانية والغابات الساحلية وغيرها من الأراضي الرطبة وسواها من الملاجئ الفريدة الأخرى للتدمير و الانتهاكات و التعدي السافر ، كما أن انقراض الأنواع الحيوانية والنباتية آخذا في التسارع. والتنمية المستدامة في هذا المجال تعني أن يتم صيانة ثراء الأرض في التنوع البيولوجي للأجيال المقبلة، وذلك بإبطاء عمليات الانقراض وتدمير الملاجئ والنظم الإيكولوجية بدرجة كبيرة أو الحدَ من الظاهرة.
يعرّف التنوع البيولوجي بأنه رصيد البيئة الطبيعية من الأنواع النباتية و الحيوانية المرئية المتفاعلة مع بعضها البعض من ناحية و مع العناصر غير الحية من غذاء وكساء و راحة نفسية و معرفة و ثقافة و ابتكار[22] ، وهو كذلك الخاصية التي تتميز بها الحياة لتظهر في الطبيعة حسب أنواع وأشكال مختلفة[23] وهو ضروري لاستمرارية الحياة بواسطته تستطيع الكائنات الحية أن تواجه التغيرات التي تحدث في الأوساط التي تعيش فيها بصفة خاصة و في البيئة بصفة عامة، و يبرز الخطر الذي يهدد التنوع البيولوجي بوجه عام من خلال انقراض بعض الأنواع من النباتات أو الحيوانات مما يؤدي إلى خسائر معتبرة وخلل في التوازن الايكولوجي أبرزها :
- فقدان مصادر المعرفة العلمية، ذلك أن معظم الابتكارات مستوحاة من العالم الحي .
- خسارة مصادر معتبرة من الأدوية التي تنقذ الكائن البشري من الأمراض والأوبئة .
إن هذه الأوضاع المتردية، يتحتم الإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة كإجراء عملية المسح لمعرفة الكائنات الحية و تحديد أماكن انتشارها مع وضع بنوك معطيات تسمح بالاطلاع عليها، بالإضافة إلى ضرورة إنشاء المحميات الطبيعية وصيانة الموجود منها بشكل واسع، بغية الحفاظ على الأصناف المتواجدة و كذلك إجراء دراسات معمقة للأماكن التي ستقام عليها المؤسسات و المصانع و المنشآت .
5 – حماية المناخ من الاحتباس الحراري، يجب عدم المخاطرة بإجراء تغييرات كبيرة في البيئة العالمية بزيادة مستوى سطح البحر، أو تغيير أنماط سقوط الأمطار والغطاء النباتي، أو زيادة الأشعة فوق البنفسجية، يكون من شأنها إحداث تغيير في الفرص المتاحة للأجيال المقبلة. ويعني ذلك الحيلولة دون زعزعة استقرار المناخ، أو النظم الجغرافية الفيزيائية والبيولوجية أو تدمير و إتساع ثقب طبقة الأزون الحامية للأرض من جراء أفعال الإنسان وتصرفاته اللامسؤولة في كثير من الأحيان تلبية لرغباته اللامتناهية.
د- الأبعاد التكنولوجية للتنمية المستدامة والمتمثلة فيما يلي:
1 – استعمال تكنولوجيات أنظف أو الأكثر نقاء في المنشآت الصناعية، كثيرا ما تؤدي هذه الأخيرة إلى تلويث كل ما يحيط بها من هواء ومياه وأرض وحتى التجمعات السكانية. وفي البلدان المتقدمة يتم الحد من تدفق النفايات وتنظيف التلوث بنفقات كبيرة، بينما في البلدان النامية فإن النفايات المطروحة كثير منها لا يخضع للرقابة أو أن طرق تسييرها و إزالتها ومراقبتها و تسييرها. ومع هذا فليس التلوث نتيجة لا مفر منها من إنتاج النشاط الصناعي نتيجة مخلفات هذه الممارسة. هذه النفايات المتدفقة تكون نتيجة لتكنولوجيات تفتقر إلى الكفاءة أو لعمليات التبديد أو عدم تدويرها تكنولوجيا ووفق الطرق البيئية التي لا تسبب أضرارا بيئية وبشرية، وتكون نتيجة أيضا للإهمال والافتقار إلى فرض العقوبات الاقتصادية و الضرائب البيئية. وتعني التنمية المستدامة هنا التحول إلى تكنولوجيات أنظف وأكفأ وتقلص من استهلاك الطاقة وغيرها من الموارد الطبيعية إلى أدنى حد. وينبغي أن يتمثل الهدف في عمليات أو نظم تكنولوجية تتسبب في نفايات أو ملوثات أقل أثرا وخطرا تقبل التدوير للنفايات داخليا، وتعمل مع النظم الطبيعية أو تساندها بغية استعمال التكنولوجيات الأكثر نقاء و أقل تكلفة اقتصادية.
2 – الأخذ بالتكنولوجيات المحسنة وبالنصوص القانونية الزاجرة، نشير إلى تنامي استهلاك الطاقة في بشكل مطرد في البلدان النامية دون توقف ليل نهار كما هو الحال مع أجهزة الحاسوب[24] باعتباره عبء إضافي يمكن أن يقضي على كل الجهود الهادفة إلى إنجاز تنمية مستدامة. هذا الأسلوب في البلدان النامية كثيرا ما تكون أقل كفاءة وأكثر تسببا في التلوث من التكنولوجيات المتاحة في البلدان الصناعية. والتنمية المستدامة تعني الإسراع بالأخذ بالتكنولوجيات المحسنة، وكذلك بالنصوص القانونية الردعية الخاصة بفرض العقوبات تجد تطبيقاتها الميدانية التفعيل والملموس لدى أفراد المجتمع لوضع حدَ للاعتداء على البيئة. ومن شأن التعاون التكنولوجي ( سواء بالاستحداث أو التطويع لتكنولوجيات أنظف وأكفأ تناسب الاحتياجات المحلية ) الذي يهدف إلى سد الفجوة بين البلدان الصناعية والنامية أن يزيد من الإنتاجية الاقتصادية ويحقق نوعا من التوازن الإيكولوجي وأن يحول أيضا دون مزيد من التدهور في نوعية البيئة. لنجاح هذا يتطلب الأمر الاستثمار في التعليم والتنمية البشرية خاصة في البلدان الفقيرة، والتعاون التكنولوجي يوضح التفاعل بين الأبعاد الاقتصادية والبشرية والبيئية والتكنولوجية في تحقيقا لتنمية مستدامة وتحقق إطار معيشي سليم.
3 – التبخر والاحتباس الحراري، ذلك أن استخدام المحروقات يستوجب اهتماما بالغا بالعمليات الصناعية غير المغلقة. فالمحروقات يجري استخراجها وإحراقها وطرح نفاياتها داخل البيئة، فتصبح بسبب ذلك مصدرا رئيسيا لتلوت الهواء في المناطق العمرانية، ومصدرا للأمطار الحمضية التي تسبب العديد من مضار الأكسدة على التربة. والاحتباس الحراري الذي يهدد بتغير المناخ نتيجة المستويات المرتفعة لانبعاث الغازات الحرارية من أنشطة البشر تتجاوز قدرة الأرض على امتصاصها، وإذا كانت الآثار قد أصبحت خلال العقد القرن العشرين واضحة المعالم، فإن معظم العلماء متفقون على هذه الانبعاث لا يمكن لها أن تستمر إلى ما لا نهاية سواء بالمستويات الحالية أو بمستويات متزايدة بسبب الإحترار وسخونة المناخ العالمي. وسيكون للتغييرات تلك أثرا في درجات الحرارة وأنماط سقوط الأمطار ومستويات سطح البحر، بالإضافة للآثار المدمرة على النظم الإيكولوجية وعلى حياة الناس ومعيشتهم.
4 – الحد من انبعاث الغازات، تم الاعتراف بأهمية التنمية المستدامة و علاقتها بالتغيرات المناخية ضمن اتفاق الأمم المتحدة للتغيرات المناخية الذي يهدف أساسا إلى العمل على استقرار تركز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي[25] بخفض مستويات التلوث والحفاظ على الرواسب الكربونية الطبيعية. ذلك أن المعدل العالمي يشهد زيادة لانبعاث الغازات الحرارية من استخدام المحروقات، ويتطلب الأمر إيجاد البدائل كمصادر أخرى للطاقة لإمداد المجتمعات الصناعية بغية الحفاظ على المجتمعات المستدامة. لذا يتعين على البلدان الصناعية أن تتخذ الخطوات الفعلية والجدية للحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون واستحداث تكنولوجيات جديدة لاستخدام الطاقة الحرارية بكفاءة أكبر، وتوفير بدائل من الطاقة غير الحرارية تكون مأمونة وتكون نفقاتها اقتصادية. فالتنمية المستدامة عندئذ تعني استخدام المحروقات بأكفأ و البحث عن البدائل البيئية.
5 – الحد من تدهور طبقة الأزون الحامية للأرض، وردت العديد من الإجراءات لمعالجة هذه المشكلة في إطار اتفاقية كيوتو التي طالبت بالتخلص تدريجيا من المواد الكيميائية المهددة للأزون، وتوضح الاتفاقية بأن التعاون الدولي لمعالجة مخاطر البيئة العالمية هو أمر مستطاع. غير أن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت المصادقة عليها وزادت بتعنتها بأن قوتها أصبحت فوق إرادة المجتمع الدولي جعلها ترفض التوقيع عليها دون أن يجبرها أحد على الامتثال لشرعية القانون الدولي البيئي.
وعليه يحتاج تحقيق هدف التنمية المستدامة إلى إحراز تقدم متزامن على الأقل في الأبعاد المشار إليها لوجود ارتباط وثيق فيما بينها، والإجراءات التي تتخذ للحدَ منها من شأنها تعزيز أهدافها. ومن ذلك أن الاستثمار في العنصر البشري خاصة فيما بين الفقراء، يدعم الجهود الرامية إلى التقليل من الفقر وتثبيت عدد السكان، وإزالة الفوارق الاقتصادية و الحيلولة دون زيادة تدهور الأراضي والموارد الطبيعية، وإلى السماح بالتنمية العاجلة واستخدام مزيد من التكنولوجيات المتجددة.
والابتكار التكنولوجي يتطلب تغييرا تكنولوجيا مستمرا في البلدان الصناعية للحد من انبعاث الغازات ومن استخدام الموارد غير المتجددة. مما يتطلب تغيرا تكنولوجيا سريعا في البلدان النامية خاصة البلدان الآخذة بالتصنيع، لتفادي تكرار وتراكم أخطاء التنمية، وتفادي مضاعفة الضرر البيئي الذي أحدثته البلدان الصناعية، وإتباع تحسين تكنولوجي للتوفيق بين أهداف التنمية ومتطلبات البيئة و التنمية المستدامة، هذه الأخيرة تتطلب تغييرا جوهريا في السياسات والممارسات العملية، لكن هذا التغيير لن يتأتى بسهولة، بل لابد من قيادة قوية وجهود متواصلة مستمرة من طرف الإدارة البيئية و دور المجتمع المدني لكل الدول.
ثالثا:التحديات والمعوقات المرتبطة بالتنمية المستدامة
على الرغم من التقدم الكبير الذي حصل خلال الفترة التي أعقبت إعلان ريو في مجال العمل البيئي ومسيرة التنمية المستدامة في عديد الدول إلا أن هناك بعض المعوقات التي واجهتها في تبنّي خطط وبرامج التنمية المستدامة، كان من أهمها ما يلي:
أ- يعتبر الفقر أساسا لكثير من المعضلات الصحية والاجتماعية والأزمات النفسية والأخلاقية، وعلى المجتمعات وطنيا ودوليا[26] أن تضع سياسات تنموية وتخطيط إداري بيئي وإصلاح اقتصادي، وتوفير فرص العمل والتنمية الطبيعية والبشرية والاقتصادية والتعليمية للمناطق المحرومة فقراً تخلفاً وأمية وتهميشا و….
ب- معوقات الديون التي حالت دون نجاح خطط التنمية المستدامة وتؤثر سلباً في المجتمعات الفقيرة، ومن واجب الجميع التضامن وطنيا ودوليا خصوصا للتغلب على هذه الصعوبات حماية للإنسانية من مخاطرها وتأثيراتها السلبية على المجتمع، إضافة إلى مشكلات الكوارث الطبيعية من جفاف وتصحر وتخلف اجتماعي الناجم عن الجهل والمرض والفقر و….
ج- معوقات الحروب والمنازعات المسلحة والاستعمار كلها مؤثرة بشكل مضر بالبيئة وسلامتها، وضرورة الالتزام بتنفيذ و احترام قرارات هيئة الأمم المتحدة في مجال القانون الدولي الإنساني و القانون الدولي البيئي ووضع تشريعات والتزامات تحرّم وتجرّم تلويث البيئة و تحدَ من استدامتها، ومراعاة قوانين الحروب في معاملة الأسرى.طبقاً للقوانين الدولية وعدم التنكيل بالموتى ومنع تخريب المنازل والمنشآت المدنية ومصادر المياه والحفاظ على الممتلكات المدنية و الثقافية و الأعيان الموجودة في الطبيعة.
د- معوقات التكدس السكاني غير الرشيد خاصة في مدن الدول النامية و تدهور أحوال معيشية السكان في المناطق العشوائية[27] وتزايد الطلب على الموارد والخدمات الصحية والاجتماعية و المرافق العمومية.
ه- معوقات تدهور الموارد الطبيعية واستمرار استنزافها بطرق غير العقلانية لدعم أنماط الإنتاج والاستهلاك دون ترشيد للإنفاق في ذلك مما يزيد في نضوب الموارد الطبيعية وإعاقة تحقيق التنمية المستدامة في الدول النامية وتحسين الإطار المعيشي .
و- معوقات عدم توفر التقنيات الحديثة والخبرات الفنية اللازمة لتنفيذ برامج التنمية المستدامة وخططه، ذلك أن هذه الوضعية تتطلب وجود الإطار البشري الكفء و المتخصص و ذا تأهيل عالي، ناهيك أن متطلبات استعمال و توظيف التقنيات و الفنيات يتطلب تكاليف اقتصادية معتبرة .
ي- معوقات نقص الخبرات و الإمكانات الاقتصادية و التقنية اللازمة لدى الدول النامية و السائرة في طريق النمو لتتمكن من الإيفاء بالتزاماتها[28] حيال قضايا البيئة العالمية ومشاركة المجتمع الدولي في الجهود الرامية لوضع الحلول لهذه القضايا بالتضامن و الدعم و التشاركية الدائمة .
على الرغم من التقدم العلمي والتقني حاصلة في مجال مسيرة التنمية المستدامة في عديد الدول إلا أن هناك تحديات تواجهها في تجسيد خطط وبرامج التنمية المستدامة، من ذلك:
أ- تحديات إيجاد مصادر التمويل اللازم لتحقيق التنمية المستدامة في الدول النامية والتزام الدول الصناعية بزيادة الدعم المقدم منها للدول النامية في مجال الرفع من الدخل المحلي.
ب –تحديات إعداد البرامج التنموية والصحية والتعليمية للشعوب الأقل نمواً، فالدولة والمجتمعات المحلية والإقليمية والوطنية والمنظمات الإقليمية و الدولية، هذا يتطلب المسؤولية المشتركة للمساهمة في رعاية الطفولة والأمومة، وتأسيس البنية التحتية والمرافق و الهياكل والمنشآت وتجسيد البرامج من خلال تمويل برامج التنمية المستدامة، ووضع الخطط والسياسات الفعالة، وتطوير برامج العمل التنموي المستدام على مستوى الحكومة والأفراد ومؤسسات كفاءة و خدمات وعناية.
ج- تحديات تحقيق التكامل الاقتصادي وتشجيع الاستثمار في إطار شراكة حقيقية بين الدول الصناعية والدول النامية وتحقيق فرص أفضل لمنتجاتها للمنافسة في الأسواق المحلية والعالمية من خلال منظمة التجارة العالمية و ما يمكن فرضه من قيود و تنافسية.
د- تحديات إيجاد وسائل تمويل جديدة لدعم جهود التنمية للدول النامية، وذلك من خلال توطيد علاقات التعاون و البحث عن البدائل التي تضمن الاستدامة حتى ولو كانت مكلفة اقتصاديا والاعتماد على التنوع الاقتصادي.
ه- تحديات نقل وتطويع التقنيات الحديثة الملائمة للبيئة وتشجيع الباحثين على كسب المعرفة والتقنية والتأهيل اللازم، من أجل ذلك يجب توفير إمكانيات العمل العلمي لهم كسبيل لتطوير العمل التنموي واستمراره وربطه بنشر الوعي البيئي بأهمية التفكير العلمي والبحث في مجالات التنمية المستدامة، وتطوير وسائل العمل في هذا المجال، بغية تحقيق نقلة نوعية للمجتمع من أجل رقيه وتنميته .
و- تحديات حماية التراث الحضاري، لهذا الأخير دور أساسي في عنصر التنمية المستدامة لكونه يسهم في تأكيد الذاتية الثقافية، ويحافظ على خصوصياتها ويحمي هويتها من الذوبان، ويساعد على بناء الشخصية المستقلة للأفراد والجماعات، ويمنح العمل التنموي دفعةً ذاتية أقوى في الدفاع عن الشخصية الوطنية والدينية، وصيانة المستقبل المشترك، وذلك تجسيدا لتأكيد البعد الروحي والديني والأخلاقي السامي في الديانات السماوية المؤثر إيجابا في التنمية بأعمال الخير الصالحة والتكافل الاجتماعي و التضامن في إطار الإنسانية.
ل- تحديات التحجج بحجم القضايا البيئية و مشاكلها العالمية ومسؤولية المجتمع الدولي في مساعدة الدول المتضررة والتي لا تملك مجابهة التحديات وتقف أمامها الإجراءات حجر أثر في طريق تحقيق التنمية .
ك- تحديات تأمين مشاركة كاملة وفعالة للدول النامية داخل مراكز اتخاذ القرار والمؤسسات الاقتصادية الدولية وتعزيز الجهود التي تهدف إلى جعل دواليب الاقتصاد العالمي أكثر شفافية وإنصافاً واحتراماً للقوانين المعمول بها على نحو يمكن الدول النامية من رفع التحديات التي تواجهها بسبب العولمة.
إن التنمية المستدامة تتمثل في تعمير الأرض و إصلاحها ، بما لا يخل بتوازن نظامها البديع و عدم استنفاذ عناصر طبيعتها الضرورية للحفاظ على سلامة البيئة ونظمها، غير أن المشكل يكمن في الاتجاه الذي يرسمه الإنسان[29] من أجل تحقيق طموحاته التنموية ، و الحد من تعريض الأرض و مختلف مكوناتها للتلوث، و تأكيد عدالة توزيع الموارد و عوائد التنمية، و الحد من أنماط الإنتاج والاستهلاك غير الرشيدة و توجيهها نحو الاستدامة. من أجل ذلك يجب أن تدار التنمية بما يحقق التوازن البيئي، غير أن إشكاليات التطبيق و التقييم والتقويم بمناهج وآليات فعالة يطرح نفسه، فالعالم لا يبالي للفقير الذي يزداد فقرا ، مما يلحَ بالحاجة أكثر من ذي قبل في عالمنا على فرض العدالة. فالتنمية المستدامة القائمة على الإدارة العادلة لموارد العالم والتوزيع العادل للثروات و ضمان الحقوق الإنسانية هي الطريق الأقصر لتحقيق السلم و الأمن وخلق التوازن لتفادي الانتكاسات الوخيمة.
رابعا: حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة
ورد في إحدى تقارير المهتمين بحماية البيئة “لقد نجح مؤتمر قمة الأرض الذي عقد عام 1992 في أن يستنهض الضمير العالمي إلى تحقيق تنمية مستدامة بيئيا”[30] وحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة نجد أن هذه الأخيرة لها مفهوم يعني التوفيق بين تنمية اجتماعية و اقتصادية قابلة للاستمرار و حماية البيئة أي إدراج البعد البيئي في إطار تنمية بما يكفل ضمان تلبية حاجات الأجيال الحاضرة وحماية حقوق الأجيال المستقبلية ، دون التحجج بتلبية الرغبات لجيل اليوم على حساب البيئة أو إهمال متطلبات جيل الغد.
يتضح مما سبق أن التنمية المستدامة تتطلب ضرورة التوفيق بين التنمية الاقتصادية و متطلباتها من و ضرورة حماية الموارد البيئية، وليس تحقيق النمو الاقتصادي على حساب الموارد البيئية من المياه وأراضي و الغابات و الهواء، لذا قرّرت معظم القوانين و التشريعات استحالة الفصل بين قضايا التنمية و قضايا البيئة من الناحية الترابطية و التكاملية .
كما أن التنمية المستدامة تعد بمثابة إحدى الثوابت الجوهرية في سياسة الدولة، كون أن البيئة والتنمية يشكلان وجهان لعملة واحدة و هي الاستمرارية و البقاء و المحافظة على حقوق الأجيال المستقبلية و أي خلل بينهما يؤدي حتما إلى تدهور الحياة الطبيعية و الاقتصادية، حيث أوضحت الدراسات وعمليات المسح التطبيقي في هذا الشأن أن التشريعات التي اهتمت بالبيئة لم تتناول في اغلب الأحيان عناصر تكوين البيئة، فمكونات البيئة حسب رؤية المتخصصين والتي لم تمسها التشريعات بطريقة مباشرة هي حماية الهواء من التلوث، والغلاف الجوي وطبقة الأوزون من التفكك حيث لا تتأثر صحة البشر وعناصر الحياة الأخرى بمخاطر التلوث الإشعاعي ، هذا إلى جانب حماية الكائنات الحية البرية والبحرية من كافة المهددات البيئية الحيوانية والنباتية، وحماية موائلها بالإضافة إلى عناصر حماية التربة والحماية من أثار الضوضاء، ونتيجة للغياب التكامل التشريعي والمعالجة السطحية لبعض العناصر زاد من حدة المشاكل البيئية، خاصة مع غياب دور التوعية والإعلام البيئي، فمن مظاهر الخلل البيئي الأكثر وضوحا اضمحلال واختفاء الغطاء النباتي و تراجع الغطاء الأخضر وزيادة الرقعة التعرية والتصحر وتدهور خصائص التربة وملوحتها وتلوث الهواء ومياه الشرب وغيرها من المظاهر.
وضعت الجزائر العديد من الآليات مؤسساتية والقانونية و المالية والداخلية لضمان إدماج البيئة في التنمية عند عملية اتخاذ القرار، من ذلك كتابة الدولة للبيئة و المجلس الأعلى للبيئة و التنمية المستدامة و المجلس الاقتصادي و الاجتماعي[31] من خلال العديد من الأعمال في إطار مجهودات التنمية التي أتت أكلها في مجال محاربة الفقر و الأمية، السيطرة على التحول الديموغرافي، الحماية و الارتقاء بالوقاية الصحية و تحسين المستوطنات البشرية و إدماجها في اتخاذ القرارات[32] المتعلقة بالبيئة. كما بيَنت مؤشرات التنمية في الجزائر الرغبة القوية للدولة في تجسيد إستراتيجية التنمية المستدامة من خلال تنفيذ سياسة إعادة تأهيل البنى التحتية، تكثيف سياسات الوعي البيئي، محاربة أشكال التلوث البيئي و تكريس البعد البيئي في مختلف مستويات التعليم ….
وتجدر الإشارة إلى أن معظم النصوص التشريعية المتعلقة بحماية البيئة لم توجه مباشرة إلى البيئة بشكل متخصص ، بل تناولت بعضها الجوانب البيئية وفق تصور ضيق لأنواع وطبيعة المؤثرات على البيئة وحدود تأثيرها، أي أن الصورة الكاملة لحالة البيئة غائبة في النظرة الاستشرافية للمشرع، مما جعل تلك النصوص غير كافية وغير ملائمة للحاجة التي تتطلبها تطورات العصر، إذ يغيب عن هذه النصوص المعيار العلمي المرجعي والبعد الزمني في تحديد المخالفات المتعلقة بالبيئة ، فغياب المعيار العلمي يعرض تطبيق النص القانوني للاجتهاد ويخرج به عن مقاصده، إذ انه من المعروف عن تطبيق النصوص الجزائية لا بد وأن يستند إلى نص قانوني واضح له بعد إستراتيجي. ولما كانت هذه هي حال النصوص ، من حيث عدم الملائمة وعدم الكفاية ، فقد دعت الحاجة إلى التطور التقني المتسارع بإعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالبيئة وإجراء المزيد من التعديلات عليها لتتلاءم مع المستويات المطلوبة من الصحة والسلامة البيئية، وبخاصة في الجوانب المتعلقة بالبيئة الزراعية التي ترتبط مباشرا باحتياجات الإنسان ومأكله وملبسه ، كما ترتبط بالموارد الطبيعية الحيوية التي تدعو تتطلب الصيانة والحفاظ عليها بغية تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق إطار سليم للمعيشة .
تجدر الإشارة إلى أن عدم كفاية التشريعات البيئية تتلخص في عدة أسباب أهمها :
– إن عدم مرونة التشريعات السارية المفعول بشكل ملائم يرجع إلى التطور السريع في الجوانب الحياتية المختلفة التي أدت إلى إحداث تأثيرات واسعة ومتنوعة على الأنشطة البيئية، مما يقتضي إيجاد معالجات قانونية ملائمة توازن بين ماهو كائن و ما يجب أن يكون.
– ازدواجية النصوص المتعلقة بحماية البيئة ، وما ينشأ عن ذلك من عدم الوضوح في اعتماد النص الواجب التطبيق بسبب عدم الوحدة وكثرة الأحكام.
– تداخل الاختصاص بين الهيئات المختصة بشؤون البيئة، وما ينشأ عن ذلك من تداخل وتنازع في الاختصاصات ، سواء في مجال الإشراف والرقابة أو التنفيذ مما يجعل ازدواجية الأدوار عائقا تشريعيا.
– عدم ملائمة العقوبات التي تضمنتها النصوص التشريعية البيئية، حيث أنها لا تتمتع بفعالية قوة الردع الموازية لحجم المخالفات المتعلقة بالمساس بالبيئة و البعض الأخر تجاوزها الزمن .
– عدم مواكبة وتنظيم النصوص لكثير من المستجدات الهامة المتصلة بالبيئة في إطار التنمية المستدامة.
– عدم استقلالية عمل المؤسسات المسئولة عن شؤون البيئة، حيث أنها لا تعمل على البعد البيئي فقط بل ترتبط بنشاطات حكومية أخرى تأخذ الكثير من جهدها ووقت عملها و إهمال الوظيفة الحقيقة لوجودها.
– انعدام الطاقم البشري المتخصص في العمل البيئي في المؤسسات المعنية بإدارة شؤون البيئة، مما يفقدها المرجعية العلمية والإدارية لتطبيق القانون أو المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة. ذلك أن جوهر التنمية البشرية يكمن في جعل التنمية في خدمة الناس بدلا من وضع الناس في خدمة التنمية[33] باعتبار هذه الأخيرة ضمانا لتخويل البشر سلطة انتقاء خياراتهم بأنفسهم.
– افتقار الأجهزة المسئولة عن شؤون البيئة إلى صلاحية الرقابة والأهلية اللازمة لمتابعة تطبيق و تنفيذ النصوص التشريعية المتعلقة بالبيئة على عمل المؤسسات مما يفقدها الفعالية و المصداقية وتتراجع ثقة المجتمع المدني لها.
كما تجدر الإشارة إلى أن الجزائر تقوم سنويا بنشر تقرير شامل حول الوضع الاقتصادي و الاجتماعي ودوره في مجال التنمية في القطاع الديموغرافي ، الاجتماعي، الاقتصادي و البيئي. وفي المغرب يتم إعداد مطبوع سنوي حول المؤشرات الاجتماعية[34] يخضع لتقييم نتائج الأعمال المنجزة في مختلف الميادين ويقدر حجم الانجازات المتوصل إليها في إطار التنمية البشرية المستدامة. كما تنشر تونس تقريرا سنويا حول حالة البيئة يبين مؤشرات الاستدامة المحدودة خلال المرحلة الحالية وخاضع للتقييم على الصعيد البشري، الاقتصادي، الاجتماعي و البيئي.
إن الآثار التنموية للتدهور البيئي المرتبطة بعدم كفاية التشريعات وتطويرها للمحافظة على سلامة البيئة وتعزيز التنمية المستدامة تجد مصدرها في العديد النقائص، التي تتلخص في ما يلي:
– نقص الإنتاجية إذ تشير العديد من الدراسات المتعمقة أن الإنتاجية البيولوجية تتأثر بعوامل عديدة ، وتؤثر بدورها فتصبح غير قادرة على مقاومة المتطفلات، مما يؤدي بالنظم البيئية إلى إحداث تحول في البيئة واختلال في معدل توازنها ، مثل ما يحدث عند دخول أعداد كبيرة من الحيوانات لمنطقة يقل إنتاجها من الأعلاف عن حاجة تلك القطعان الوافدة ، مما يحدث درجات متفاوته من حالات الرعي الجائر وضعف الإنتاجية والتصحر، من ثمة يحدث خلل بين الغطاء النباتي و التغذية الحيوانية.
– انحسار الغابات والمراعي والغطاء النبات، ومن مظاهر الخلل البيئي أيضا اختفاء الغابات ، ففي الجزائر على سبيل المثال تناقصت رقعة الغابات خلال السنوات العشر الأخيرة من نحو 20 % إلى نحو 37 % و في سوريا من 17 إلى 25 % كما اختفت غابات الأرز في لبنان لاستخدام أخشابها في بناء السفن، وتعرضت الغابات الاستوائية إلى استغلال غير رشيد، ودون مراعاة دور الغابة كمخزون للطاقة الشمسية ومصنع لمادة السيللوز وكرئة ثانية للمجتمع، أما المراعي فقد تأثرت كثيرا بظاهرة الرعي الجائر نتيجة لزيادة أعداد الحيوانات بما يفوق الطاقة الاستيعابية فتدهورت إنتاجيتها وطاقتها ، ومما زاد في تفاقم المشكلة التعدي على الأراضي السهبية و الأماكن قليلة التساقط.
– جفاف المستنقعات واختفاء الحياة المائية، نتيجة للانفجار السكاني وتزايد الحاجة إلى الغذاء بصفة خاصة الحبوب لجأ الإنسان إلى تجفيف أراضي المستنقعات ، والتي هي أحد نظم الحياة البيولوجية المنتجة للبروتين الحيواني من أجل استعمالها في المجال الفلاحي، وترتب عن ذلك اختفاء حلقة نظم الحياة البيئية المائية وأدى إلى انقراض العديد من الكائنات الحيوانية و النباتية.
– تلوث مياه الشرب، أدت إفرازات الثروة الصناعية والتكنولوجية التي اجتاحت العالم خلال القرنين السابقين إلى زيادة الإنتاجية وتطوير النظم البيئية، إلا أن إفراز النفايات الملوثة الناتجة عن هذه الثورة العلمية والتقنية في المجال الصناعي و الإنتاجي امتد أثرها إلى المخزون المائي بسبب تصريف الفضلات في مجاري الأنهار، مما ألحق أضرارا كبيرة بالحياة البيولوجية، نتيجة تجاوز هذه النفايات كما ونوعا الدرجات الدنيا الملوثة. في هذا الصدد عقد مؤتمر روما سنة 1976 لبحث أثر العناصر المعدنية الثقيلة مثل الكادميوم والرصاص والزئبق التي تقذف بها الصناعات الكيميائية يوميا في المجاري المائية ومصادر مياه الشرب ، مما يؤثر سلبا على أهم مورد و مصدر للحياة على و هو الماء الذي بفضله تدب الحياة.
الخاتمة:
يلاحظ مما سبق أن أساس ضبط حلقات التنمية المستدامة التي يعتبر الإنسان مفتاحها، إذ يعد أساس المشكلات البيئية بسبب تصرفاته في الكثير من الأحيان ، هذا يتطلب تطوير الأطر التشريعية للمحافظة على سلامة البيئة وتعزيز التنمية المستدامة، باعتباره المنظم للمجتمع و الضابط له من هذه الزاوية يجب حصر كافة القوانين و التشريعات واللوائح والقرارات المتخذة في مجال حماية وسلامة بيئية تحقيقا لاستدامتها. كما يجب التزام الدولة بتعهداتها الدولية من الانضمام للاتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة بالجوانب البيئية في مجال مكافحة التصحر وزيادة الرقعة الخضراء وحماية التنوع البيولوجي وحماية طبقة الأزون و التقليل من الإحترار مثلا كآليات يمكن للدول الاستفادة منها و تعظيم مكاسبها من خلال انتهاج سياسات وخطط محلية أو إقليمية أو عالمية للتصدي للمشاكل البيئية.
كما يجب أن تسند مهمة الرقابة والتقييم والتقويم والتنفيذ و التخطيط للشؤون البيئية إلى هيئات في مستوى الأداء و المسؤولية ، وذلك تجسيدا و تنفيذا للبرامج و المشاريع المحلية اللازمة للتخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن التلوث البيئي بخاصة برامج التوعية والتربية البيئية. كما يتطلب من الإدارة البيئية ذات الصلة بقضايا البيئة في الدولة أن يقودها طاقم متخصص وذا تأهيل نظري وميداني مع ضرورة تدعيمه بالبحث والتدريب في مجالات تقويم الآثار البيئية و الدراسات الفنية و التقنية في مجال التلوث البيئي وكيفية إدارة النفايات الخطرة ـومعالجتها، وتزويد الكادر البشري بالجوانب الفنية للسلامة والصحة البيئية ، وتدعيم أنشطة التربية البيئية والإرشاد البيئي، و إجراء الدراسات المسحية والبحوث على المستوى الإقليمي والدولي، لبحث ومعالجة القضايا البيئية، والتفتح والتنسيق مع المخابر و المعاهد والجامعات و المراكز المتخصصة لتوظيف الدراسات و الأبحاث في هذا المجال .
مقابل ذلك يجب تدعيم هيئات ومراكز المراقبة والرصد البيئي وبنوك المعلومات و تطويرها وتحديثها وتكثيف نشر وإنتاج وتوزيع الإصدارات البيئية، و إحداث هيئات بيئية فرعية بالبلديات تتبع المديريات الولائية للبيئة.
كما يجب على مستوى المنظومة القانونية مراجعة التشريعات البيئية والإسراع في إصدار النصوص التطبيقية، ودمج المواصفات القياسية لعناصر حماية البيئة في منظومتها بالاستناد على المقاييس العالمية المعمول بها.
[1]– مقتطفات من الفقرة 6 من الإعلان الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية (ستوكهولم، 1972)
[2] -Rachel Carson : Printemps silencieux , introduction al gore, Editions Wild Project, 2009, p30.
-[3]في العام 1968، قام رواد سفينة الفضاء أبولو بالتقاط أول صورة للكرة الأرضية بكاملها كوحدة متكاملة أثناء عودتهم من أول رحلة تم فيها التحليق في مدار حول القمر. وسرعان ما انطبعت تلك الصورة، التي ظهر فيها كوكبنا صغيراً هشاً جميلاً واستثنائيا، في ضمائر وقلوب الملايين. وفي العام 1969 اشتعلت النيران مجددا في النفايات الكيماوية الصناعية في نهر كوياهوغا. وكان رد فعل المواطنين هذه المرة فورياً وحادا. وأصبحت مدينة كليفلاند، عندما وقع الحريق موضع سخرية الجميع وانطلقت الأغنية المتهكمة “Burn On, Big River, Burn On” ( واصل الاحتراق، أيها النهر الكبير، واصل الاحتراق) من جميع المحطات الإذاعية في البلد. وفي نفس ذلك العام، أصدر الكونغرس الأميركي قانون السياسة البيئية القومية، الذي نص على وضع “سياسة قومية تشجع التآلف المثمر والممتع بين الإنسان وبيئته”
[4] – This paper is based on legal research published in M.C. Cordonier Segger & A.Khalfan, Sustainable Development Law: Principles, Practices & Prospects (Oxford: Oxford University Press, 2004); M.C. Cordonier Segger & C. G. Weeramantry, eds., Sustainable Justice: Reconciling Economic, Social and Environmental Law (Leiden: Martinis Nijhoff, 2004) and M. Gehring & M.C. Cordonier Segger, eds., Sustainable Development in World Trade Law (The Hague: Clawer Law International, 2005), and should be cited to these books, as appropriate.
[5] – غالب العزة ، تحليل أبعاد التنمية المستدامة للمستوطنات البشرية في الأردن باستخدام المنهج التحليلي DPSIR، مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ، تركيا 1996 ، ص 12.
[6] – عبد الله بن جمعان الغامدي، التنمية المستدامة بين الحق في استغلال الموارد الطبيعية و المسئولية عن حماية البيئة، ص 6.
[7] -World Commission on Environment and Development, Our Common Future (Oxford: Oxford University Press, 1987). This definition focuses, according to the Report, on the concept of needs, in particular the essential needs of the world’s poor, to which overriding priority should be given, and the concept of limitations (imposed by the state of technology and social organization) on the ability of the environment to meet present and future needs.
[8] – M.C. Cordonier Segger & A. Khalfan, Sustainable Development Law: Principles, Practices & Prospects (Oxford: Oxford University Press, 2004). See also M.C. Cordonier Segger & C. G. Weeramantry, eds, Sustainable Justice: Reconciling Economic, Social and Environmental Law (Leiden: Martinis Nijhoff, 2004).
[9] – Supra note 2. The Report states: “The members of the World Commission on Environment and Development came from 21 very different nations. […] We are unanimous in our conviction that the security, well-being, and very survival of the planet depend on such changes, now.”
[10] – See V. Lowe, “Sustainable Development and Unsustainable Arguments” in A. Boyle and D. Freestone, International Law and Sustainable Development: Past Achievements and Future Challenges (Oxford: Oxford University Press, 1999) at 36. See also A. Boyle and D. Freestone, International Law and Sustainable Development: Past Achievements and Future Challenges (Oxford: Oxford University Press, 1999) at 16 – 18.
[11] – dans le cadre de l’arbitrage relatif à la ligne du RHIN DE FER entre le royaume de belgigique et le royaume des Pays-Bas. Sentence du tribunal arbitral. La Haye, 24 mai 2005 T.M.C asser presse.
[12]– M.C. Cordonier Segger and A. Khalfan, Sustainable Development Law: Principles, Practices and Prospects (Oxford: Oxford University Press, 2004) at 281 -294
-D. French, International Law and Policy of Sustainable Development (Manchester University Press, 2005) at 168 – 211
[13] – “الدليل المرجعي للشباب العربي في مجال الحفاظ على البيئة” من برنامج الأمم المتحدة للبيئة لـ 2007، صفحة 18.
[14] – كوقائع قضية منظمتي Europa France, Green peace بالطعن في قرار وزاري يرخص باستعمال الذرة المعدلة وراثيا والتي تعذر فيها الأمر على تقدير الآثار السلبية لهاته المواد على الصحة العامة.
[15] – Jean- Paul Maréchal et Béatrice Quenault ” le développement durable”- une perspective pour le 21éme siècle- 1er semestre 2005- Rennes. P. 149.
[16] د.إبراهيم أحمد خليفة ، القانون الدولي للتنمية ، الإسكندرية ، 2007، ص 34
[17] -عبد العزيز بن عبد الله السنبل، دور المنظمات العربية في التنمية المستدامة، ورقة مقدمة لمؤتمر التنمية و الأمن في الوطن العربي ،24 إلى 26 سبتمبر 2001 أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية ، الرياض 2001، ص 20.
[18] -غالب العزة، المرجع السابق ،ص 1.
[19] -غالب العزة، المرجع السابق،ص 8.
[20] – عبد العزيز بن عبد الله السنبل، المرجع السابق، ص 19.
[21] -غالب العزة، المرجع السابق، ص 9.
[22] – مقال بعنوان :التنوع البيولوجي في خطر ،منشور في جريدة الجامعة ،الصادرة في 16/06/1998 العدد 94 ، ص 14 .
[23] –طيب سليمان مليكة، إشكالية التنمية المحلية المستدامة في ظل حماية البيئة، مجلة العلوم الإنسانية، السنة السادسة ، العدد 39خريف 2008، ص 9.
[24]– عبد الله بن جمعان الغامدي، المرجع السابق،ص13.
[25] – عبد الله بن جمعان الغامدي، المرجع السابق، ص 26.
[26] -طيب سليمان مليكة، المرجع السابق، ص 7.
[27] – المرجع نفسه، ص 8.
[28] – عبد الله بن جمعان الغامدي، المرجع السابق، ص 29.
[29] – طيب سليمان مليكة، المرجع السابق، ص11.
[30] إسماعيل سراج ،”حتى تصبح التنمية المستدامة” ،مجلة التمويل والتنمية ، صندوق النقد الدولي ،ديسمبر 1993 ص 6.
[31] – بوزيان الرحماني هاجر، بكدي فطيمة، مقال منشور على شبكة الأنترنيت، التنمية المستدامة في الجزائر بين حتمية التطور وواقع التسيير، المركز الجامعي بخميس مليانة ،ص 5.
[32] – المرجع نفسه، ص 6.
[33] – عبد العزيز بن عبد الله السنبل، المرجع السابق، ص11.
[34] – بوزيان الرحماني هاجر، بكدي فطيمة، ص 4.