Site icon مجلة المنارة

آليات التضامن في مواجهة المخاطر الترابية الجهوية

آليات التضامن في مواجهة المخاطر الترابية الجهوية

سليم عبد الحنين

طالب بسلك الدكتوراه بجامعة سيدي محمد بن عبد الله

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس

أمام ما تشهده المجتمعات من تغيرات بنيوية في النظم والبنيات الاقتصادية الاجتماعية جراء تنامي مظاهر جديدة للأزمات بمصادرها المحلية والعالمية، وسعيا منها في مواجهة هذه المخاطر، ظهرت مجموعة من الآليات والقيم الخاصة بالتضامن تساهم في تماسك المجتمع وتعزيز مرتكازته، فالديناميات المجتمعية الحالية غيرت من وظائفها ودفعت في الوقت ذاته إلى خلق صيغ مختلفة من التماسك والتضامن.[1]

   وتشكل الوحدات الترابية الجهوية أرضية ملائمة لتجسيد آليات التضامن والتعاون الترابي،  فمجالات التنميــة الاقتصاديــة والاجتماعيــة أضحت مــن الأولويــات التــي تركز عليها مؤسسة الجهة لتطوير وسائلها التضامنية وخبرتهـا المحليـة في هذا المجال، انطلاقـا مـن مؤهلاتهـا وإمكانياتهـا وخصوصياتهـا، مـع توفيـر الوسـائل والمـوارد عـن طريـق التعـاون مـع الدولـة والجماعـات الترابيـة الأخـرى والقطـاع الخـاص، أو اللجـوء إلـى التعـاون الدولـي، بهـدف خلـق منـاخ ملائـم للنهـوض بجاذبيـة الجهـة وتنافسـيتها علـى المسـتوى الوطنـي والدولـي[2].

    وأمام هذه التحديات فان الإشكالية التي تفرض نفسها بقوة بهذا الخصوص تتمثل في ما مدى قدرة الآليات التضامنية التي منحت للجهات في مواجهة التحديات والأزمات التي تواجه عمل المؤسسة الجهوية؟

    ونظرا للأهمية التي يوليها المشرع لموضوع الآليات التضامنية الترابية الجهوية. وانطلاقا من الأهمية والإشكالية التي يحظى بها موضوع الدراسة فقد ارتأينا معالجة الموضوع وفق الخطة التالية:

الفقرة الأولى: توفر مؤسسة الجهة على الاختصاص المتعلق بالتضامن الترابي

الفقرة الثانية: الآليات التضامنية الجهوية وسبل مواجهة التحديات الترابية

الفقرة الأولى:  التوفر على الاختصاص المتعلق بالتضامن الترابي

    للحديث عن الاختصاصات التي أقرها المشرع لصالح الجهات فيما يخص كيفية تطبيق مبدأ التضامن بين الجهات وباقي الجماعات الترابية لابد من الحديث عن:

أولا: الاختصاص الدستوري لتكريس آلية التضامن

      إن مبدأ التضامن وان كان قد كرسه الدستور المغربي باعتباره آلية مهمة لتجاوز المخاطر والتحديات التي تواجه عمل الجهات والجماعات الترابية، فان المشرع قد ألقى على عاتق الجماعات الترابية هذا الاختصاص حينما أكد على أن الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات من الحق في الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن التعاضدي أو المنظم من طرف الدولة…[3] ولعل أجراة وتفعيل هذا الاختصاص التضامني يطرح بشكل كبير أثناء مواجهة المخاطر التي تحدق بعمل هذه الوحدات الترابية، حيث أن مواجهة هذه المخاطر يزيد من منسوب الحس التضامني لدى الجماعات الترابية أكثر مما هو الحال عليه في ظل الظروف العادية .

     وغني عن البيان أن المشرع الدستوري أولى أهمية كبرى لآلية التضامن الترابيحيث نص الدستور على أن التضامن والتعاون من المبادئ التي يرتكز عليها التنظيم الجهوي والترابي[4]، كما نص على أن الجماعات الترابية تتفق على كيفية تعاونها إذا تعلق الأمر بإنجاز مشروع يتطلب التعاون بينها[5]، ونص كذالك على إمكانية تأسيس الجماعات الترابية فيما بينها لمجموعات من أجل التعاضد في البرامج والوسائل[6].

     وتشكل الفوارق الترابية أحد الصعوبات الكبيرة التي صادفت اللامركزية فتصحيح اللاتوازن الجهوي بين الجهات الغنية والفقيرة أو الأقل حضا، يتطلب إقامة سياسة للتضامن الفعال بين فاعلين آخرين للامركزية على المستوى تحت جهوي[7]، وبالتالي فان تجسيد هذه الآليات التضامنية من شأنه أن يساهم في تقليص الفوارق بين الجهات وتجاوز العيوب التي سقط فيها التقسيم الجهوي، كما أن التركيز على آلية التضامن من شأنه إقامة شراكة بين جهات غنية وأخرى فقيرة لانجاز مشاريع مشتركة أو تسيير تجهيزات تستفيد منها أكثر من جهة، وتجاوز بذلك الاختلالات الواضحة التي كرسها التقسيم الجهوي في إطار الجهوية المتقدمة، كما أن الجهة في إطار الجهوية المتقدمة لا يمكن أن تنجح في سياستها التنموية إلا إذا شكلت نسق مفتوحا متفاعلا مع المحيط الخارجي، وبالتالي فانه قد يأخذ هذا التفاعل أشكالا وأبعادا مختلفة لا تتقيد بالزمان ولا بالمكان، حيث أن الطابع العالمي يضع الجماعات الترابية أمام تحديات أساسية تتمثل في كيفية الاستفادة من المؤثرات الخارجية الناتجة عن اللامركزية للأنشطة الاقتصادية[8].

     كما عمل الدستور على إحداث صندوق التضامن بين الجهات وصندوق التأهيل الاجتماعي الذي أوصى بهما تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية، وذلك بهدف دعم مالية الجهات المحدودة الإمكانيات وتقليص مستويات العجز فيما يخص البنيات والتجهيزات الأساسية.[9]

ثانيا: على مستوى القانون التنظيمي للجهات

    لقد خص المشرع الجهات بمجموعة من الاختصاصات نجد من بينها أساسا الاختصاص المتعلق بتطبيق مبدأ التضامن، حيث أن التنظيم الجهوي يرتكز على مبدأي التعاون والتضامن بين الجهات وبينها وبين الجماعات الترابية الأخرى، من اجل بلوغ أهداف المتعلقة بانجاز المشاريع المشتركة بينها[10].

   ولما ربط المشرع مبدأي التضامن والتعاون مع بعضهما فانه يشير على أن كلا المبدأين يكملا بعضهما البعض، وإذا سلمنا القول أن مبدأ التضامن لم يحظى بنفس المكانة والقيمة التي حظيت بها بعض المبادئ الأخرى داخل مواد القانون التنظيمي كمبادئ التدبير الحر، مبدأ التفريع ومبدأ التعاون… فان تجليات مبدأ التضامن وتطبيقاته على مستوى القانون التنظيمي، نجدها في الأحكام المتعلقة بالشراكة والتعاون والتعاقد بين الجهات وبين هذه الأخيرة والجماعات الترابية الأخرى، حيث أن كل تعاقد بين الوحدات الترابية وأي علاقة تشاركية وتعاونية بينهما، ما هي في النهاية إلا تجسيد للفعل التضامني والتعاضدي.

     وعلى هذا الأساس يمكن للجهات أن تؤسس فيما بينها من خلال إبرام اتفاقيات يتم المصادقة عليها من قبل المجالس الترابية الجهوية، مجموعات تتمتع بالشخصية المعنوية والاعتبارية وذلك قصد انجاز عمل مشترك أو تدبير مرفق يعود بالنفع والفائدة على للمجموعة[11]، إلا أن الإعلان عن تكوين مجموعة الجهات أو انضمام جهة إليها، لا يتم إلا بقرار لسلطة الوصاية، وذلك بعد الاطلاع على المداولات المتطابقة لمجالس الجهات[12]. وإذا كانت المجالس التداولية تبقى لها الصلاحية في إبرام مثل هذه الاتفاقيات فان هذا الأمر لا يقتصر فقط على الجهات فقط، وإنما قام المشرع قد قام بتوسيعه ليشمل جميع الوحدات الترابية، حينما أكد على انه يمكن لجهة أو أكثر أن يؤسسوا مع جماعة أو أكثر أو عمالة أو إقليم أو أكثر مجموعة تحمل اسم مجموعة الجماعات الترابية[13] .

     وعلى غرار ذلك يمكن للجهات في إطار الاختصاصات المخولة لها أن تبرم فيما بينها أو مع جماعة ترابية أخرى، أو مع الإدارات العمومية أو المؤسسات العمومية، أو الهيئات غير الحكومية الأجنبية أو الجمعيات اتفاقيات للتعاون والشراكة قصد انجاز مشروع ذي فائدة مشتركة بينهما[14].

     ولعل إقرار مثل هذه الاتفاقيات بين الجهات نفسها وباقي الجماعات الترابية الأخرى، الغرض منه هو البحث عن طرق وسبل قصد تمكين المجالس الترابية المنتخبة من مداخل ناجعة لمواجهة الحاجيات المتجددة للساكنة المحلية، والتي لا يمكن فصلها عن السياق العام الذي يتجدد فيه المجتمع حيث التحول في أنماط السلوك وطرائق العيش، وبالتالي باتت مسألة مواكبة تلك التحولات أمرا أكثر حتمية [15].

    ولتفعيل مبدأ التضامن إلى جانب المبادئ الأخرى، وتكريسا إلى ما جاء به الدستور، فانه قد تم التنصيص على إحداث صندوقين للتقليص من حدة  الفوارق والتفاوتات الجهوية وسد العجز في مجالات التنمية البشرية وهما صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات[16].

الفقرة الثانية: الآليات التضامنية الجهوية وسبل مواجهة التحديات الترابية

    إن الحديث عن الآليات التضامنية التي تطبع عمل الجهات، هدفه إرساء نوع من التوازن بين الوحدات الترابية الجهوية، لتفادي وجود مناطق كبرى على حساب أخرى صغرى ناهيك عن تشكل مكونات مجالية ضخمة. وأمام هذه التحديات أصبح لزاما التفكير في خلق آليات تضامنية لمواجهة المخاطر الترابية (أولا)، وهو ما سيفرض إحداث وسائل تمويلية للتصدي لهذه المخاطر (ثانيا) .

أولا: أهمية آلية التضامن الجهوي

    يشكل هذا المبدأ حجر الزاوية بالنسبة للجهوية المتقدمة، حيث أن تخويل الاختصاصات للجهة يجب أن يقترن بتوفير موارد مالية عامة وذاتية، وذلك بالنظر إلى مشكل وجود موارد جهوية بالحجم الذي يمكن هذه الوحدات الترابية من أن تقوم بما يسند إليها من وظائف ومهام بمقتضى القوانين، الشيء الذي يجعل واقع عدم التكافؤ هو السمة المميزة للنظام الجهوي بشكل عام، إلا إذا كان هدفها هو تمكين كل جهة من استثمار مؤهلاتها وإمكاناتها على الوجه الأمثل في إطار من التعاون والتكامل مع باقي الوحدات الأخرى مع إيجاد آليات ناجعة للتضامن المجسد للتكامل والتلاحم بين المناطق في مغرب واحد[17].

    وإذا كان مبدأ التضامن يجد أساسه في اتحاد جميع الوحدات الترابية من خلال خلق آليات تضامنية تسهم في الحد من التفاوتات بين هذه الوحدات فان التضامن المطلوب تحقيقه لا يمكن أن يستثني جماعة ترابية كيفما كانت وبغض النظر عن مدى توفرها عن الموارد اللازمة لتحقيق الانسجام والتكامل بينها، وهو ما سيساهم في إعادة توزيع الثروات بين هذه الوحدات وتحقيق نوع من الإنصاف المجالي للحد من التفاوتات الناجمة عن تركيز الثروات والتقليص من النمو غير المتكافئ للمجالات الترابية والاختلالات الجغرافية والديمغرافية.

    إن من شأن التكامل والتضامن بين الجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى أن يضمن استمرارية النمو الاقتصادي المتكافئ، والعمل على حل المشكلات المستعصية، وهذا المعطى ينطلق بالأساس من خلال قيام كل جماعة ترابية بالاختصاصات المنوطة بها وذلك بإعمال مبدأ التفريع، بحيث أن كل جماعة ترابية تختص باختصاصات محددة ومعينة وكل وحدة من الوحدات الترابية تساهم في التنمية الاقتصادية عن طريق التعاون والتضامن فيما بينها وبين الجهة، سواء عموديا أو أفقيا وخاصة في المجال الاقتصادي، الذي تكون له عده ايجابيات وفي مقدمتها خلق فرص الشغل والرفع من مستوى إنتاج القطاعات المختلفة مما يقتضي أن يكون هذا التضامن مستمرا وأسلوبا عاديا في علاقات الجماعات الترابية فيما بينها وغيرها من المتدخلين.

    ثم إن شح الموارد وحالة المالية الترابية تحتم على هذه الوحدات التعاون فيما بينها من أجل تحقيق المشاريع التي يمكن أن تنجزها هذه الجماعات، وبدون تكثيف الجهود والتوظيف المشترك للإمكانيات يمكن أن تعجز جماعة ترابية معينة عن انجاز مشروع معين أو تدبير قضية معينة لأن الأموال المتوفرة لهاته لا تمكنها من تحقيق ذلك، مما يتطلب تدخل الجماعة أو جماعات أخرى أو هيئاتها في إطار اتفاقية لإخراجها إلى الوجود، فكم من مشاريع توقفت والتي لولا تدخل الجماعات الترابية الأخرى وكذا الدولة لما استطاعت بعض الجماعات انجازها والاستجابة بالتالي لمتطلبات السكان الذين هم بالدرجة الأولى هدف كل مشروع تنموي[18].

ثانيا: الوسائل التمويلية للتضامن الجهوي

    في إطار السعي وراء التخفيف من حدة التفاوتات الجهوية وتجاوز المخاطر الترابية تم إحداث آليتين جديدتين لتمويل الجهات الفقيرة أو تلك التي تعاني خصاصا في مواردها المالية وهما:

    إن الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها هذا الصندوق هي ضمان التوزيع المتكافئ للموارد قصد التقليص من التفاوتات بين الجهات، وقد أوكل المشرع لقانون المالية أمر تحديد موارد ونفقات هذا الصندوق وكذا  كيفيات  تسييره[19].

     ويتم توزيع الموارد المالية لصندوق التضامن بين الجهات على أساس مجموعة من المعايير، تتمثل في مؤشر التنمية البشرية والناتج الداخلي الخام، وعدد العاطلين وعدد الساكنة القروية وعدد الساكنة في الهوامش الحضرية، وطبيعة المشاريع الممولة حسب أولويات السياسات العمومية، كما تحدد النسبة المئوية لمعايير التوزيع بمقتضى قرار وزير الداخلية بعد استشارة رؤساء مجالس الجهات[20].

     وإذا كان إحداث هذا الصندوق قد جاء بغرض خلق نوع من التوازن بين الجهات وبالتالي تحقيق العدالة المجالية، فان الدولة غير مطالبة لوحدها بتحمل ميزانية هذا الصندوق، ذلك أن التضامن الذي يرغب في تحقيقه هو التضامن بين عموم الجهات، حيث أن الجهات الغنية وخاصة تلك التي تحقق فائضا في ميزانيتها، مطالبة بضخ جزء من مواردها المالية في ميزانية هذا الصندوق، وذلك بغية استفادة الجهات الأقل حظا أو تلك التي لا تتوفر على عائدات مالية لتغطية نفقاتها، وهذا الطرح لا يتماشى مع المؤشرات والمعايير التي اقرها المشرع لتوزيع الموارد المالية لهذا للصندوق، علما أن تلك المعايير نجدها في كل الجهات مما يعني أن الاستفادة من عائدات الصندوق ستخص جميع الجهات، وهو ما سيزيد من إغناء بعض الجهات على حساب أخرى أقل امتلاكا للموارد المالية، بل كان على المشرع تخصيص ميزانية هذا الصندوق لصالح الجهات التي تعرف عجزا في ميزانياتها للحد من التفاوتات الناجمة عن تركيز الثروات، وعن النمو غير المتكافئ لمجالاتها الترابية وعن الفوارق الجغرافية والديمغرافية التي يحدثها التقسيم الجهوي.

    وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة الاستشارية للجهات قد اقترحت فيما سبق أن يتم ضخ 10% من الموارد الجديدة المرصودة من طرف الدولة لكل جهة، على أن يتم توزيع مداخيل هذا الصندوق بالنظر إلى حاجيات الجهات المحدودة الإمكانات[21].

      تم إحداث هذا الصندوق بموجب المادة 142 من الدستور، ومن أهدافه سد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات لاسيما في مجالات الماء الصالح للشرب والكهرباء، السكن غير اللائق، الصحة والتربية وشبكة الطرق  والمواصلات. 

     فالمشرع حدد ميزانية هذا الصندوق وكذا نفقاته وكيفيات تسييره ومدة العمل به بموجب قانون المالية السنوي[22]، إلا أن معايير استفادة الجهات من صندوق التأهيل الاجتماعي تحدد حسب الناتج الداخلي الخام الفردي وعدد الساكنة في العالم القروي، وكذا حجم استثمارات الدولة والمؤسسات العمومية المنجزة بالجهة ونسبة الهشاشة بالجهة، وكذا طبيعة المشاريع المراد تمويلها[23]

     والملاحظ حسب مقتضيات القانون التنظيمي للجهات فان المشرع لم يمنح صفه الأمر بقبض مداخيل وصرف نفقات هذا الصندوق لوالي الجهة أو لرئيس المجلس الجهوي، وإنما منح هذا الاختصاص لرئيس الحكومة، وتبقى لهذا الأخير صلاحية تعيين ولاة الجهات آمرين مساعدين بقبض مداخيل هذا الصندوق ونفقاته وفقا للمقتضيات المتعلقة بالمحاسبة العمومية[24].

    ولتحقيق الأهداف التي أنشئ لأجلها صندوق التأهيل الاجتماعي فقد أقر المشرع إحداث لجنة جهوية تقنية يرأسها والي الجهة، وتتألف هذه اللجنة من رئيس مجلس الجهة وعمال العمالات والأقاليم ورؤساء مجالس العمالات والأقاليم، وممثلي رؤساء مجالس الجماعات بنسبه ممثل لكل 5 جماعات، وكذا ممثلي القطاعات الحكومية المعنية ببرامج التأهيل الاجتماعي العاملين بالدائرة الترابية للجهة.

وتناط بهذه اللجنة المهام التالية:

– تشخيص العجز المسجل داخل الجهة في المجالات المشار إليها في المادة 229؛

– إعداد برامج في التأهيل الاجتماعي تأخذ بعين الاعتبار الأولويات بين القطاعات وداخل كل قطاع؛

– وتجتمع اللجنة التقنية بدعوة من رئيسها مرتين على الأقل في السنة وكلما دعت الضرورة إلى ذلك.

     كما يقوم والي الجهة بإعداد تقرير سنوي يتم رفعه إلى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية ويتضمن مراحل تنفيذ البرنامج  وتقييم حصيلة الانجازات والتوصيات التي من شانها الرفع من مردودية وتيرة إنجاز المشاريع.[25]

     وتتولى هذه اللجنة تحديد البرامج السنوية والقطاعية للصندوق والبرامج المتعددة السنوات وذلك بناء على الموارد المخصصة للجهة، كما تقوم بتحديد آليات التشخيص على أساس المعلومات المتوفرة لدى المصالح والقطاعات الوزارية المعنية استنادا إلى حاجيات الجماعات الترابية المعبر عنها والمعطيات المتعلقة بحصيلة الانجازات والحاجيات القطاعية والأولويات والإكراهات[26].

     إن تقييم هذه البرامج يتم من طرف والي الجهة وذلك مرتين في السنة على الأقل وكلما دعت الضرورة إلى ذلك، ويتم انجاز تقرير تفصيلي حول نسبة المشاريع المبرمجة، وكذا الإكراهات التي تحول دون تنفيذ هذه المشاريع مع تحديد الأطراف المتدخلة والمعنية بخصوص الإجراءات الواجب اتخاذها في هذا الشأن، إضافة إلى اقتراح الحلول الموضوعية لتجاوز هذه الإكراهات، ويتم رفع هذه التقارير إلى وزير الداخلية والى الوزراء المعنيين بهذه المشاريع، وتجدر الإشارة إلى أن العمليات المنجزة من طرف صندوق التأهيل الاجتماعي تخضع لتدقيق سنوي تقوم به المفتشية العامة للإدارة الترابية، وكذا المفتشية العامة للمالية[27].

      وما يمكن ملاحظته أن إحداث صندوق التأهيل الاجتماعي جاء لغرض وهدف اجتماعي محض، ويظهر ذلك جليا من طبيعة الاختصاصات المنوطة به، وعليه فان الغاية التي أنشئ من أجلها تتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية بين الجهات، وبالتالي فان دور هذا الصندوق يتوقف على مدى توفره على الموارد المالية الكافية لسد حاجيات الجهة من التنمية الاجتماعية، لأنه بدون موارد مالية سيفرغ مدلول التنمية الجهوية من محتواها الايجابي وسيسقط الصندوق في تجربة الأنظمة السابقة لبعض الصناديق التي أحدثت خصيصا للتنمية الجهوية مثل صندوق الموازنة والتنمية الجهوية، وبالتالي لن يخدم بناء دعائم الاستقلال المالي، بل سيزيد من حاجيات الجهات وسيزيد كذلك من نسبة إمدادات ميزانية الدولة لها على المستوى الاجتماعي.

خاتمة

      وعموما فان الأدوار الطلائعية للجهة والجماعات الترابية في مجال التضامن ستزداد يوما بعد يوم وأضحت تمس جميع المجالات وخاصة أمام بروز تحديات ومخاطر أصبحت تحدق بالجماعات الترابية الأمر الذي يفرض أكثر من أي وقت مضى إلى نسج وسائل تضامنية أكثر نجاعة تسهل على الجماعات الترابية الأقل حضا من الارتقاء بها وإعطاء فرص أكبر لها وهذا المعطى من شأنه أن يساهم تكسير ثقافة الميز بين الجهات والجماعات الترابية واستفادة كل الوحدات من الحق في التنمية على قدم المساواة. فبالإضافة إلى أهمية التضامن الذي يفرضه تجاوز بعض سلبيات التقسيمات الترابية بسبب التوزيع غير العادل للثروات وتأهيل الجهات غير المستقطبة، حظيت الجهات كذلك بمجموعة من الآليات الأخرى كالشراكة والتعاون فيما بينها أو مع باقي الجماعات الترابية الأخرى والأشخاص المعنويين وكذا القطاع الخاص.


[1] الورقة المرجعية حول الندوة الدولية في موضوع التضامنات الاجتماعية: التعبيرات والأشكال والجغرافيات الجديدة، المركز العربي لدارسة الأبحاث والسياسات بتونس، ندوة منظمة ما بين 13- 15 يونيو 2019، ص 5.

[2]  تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول “متطلبات الجهوية المتقدمة وتحديات السياسة القطاعية“، مطبعة سيباما، سنة 2016، ص 75 .

[3]  الفصل 31 من الدستور المغربي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليوز 2011)، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، بتاريخ 30 يوليو 2011، ص 3600

[4] الفصل 136 من الدستور.

[5] الفقرة الأخيرة من الفصل 143 من الدستور.

[6] الفصل 144 من الدستور.

[7] الشريف الغيوبي،”إدارة القرب آلية للتضامن الترابي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية“، عدد 53، 2006، ص 24 .

[8] فؤاد احلوش الكريستي، “آفاق العلاقة بين الجهة والدولة على ضوء الجهوية المتقدمة- دراسة مقارنة“، رسالة لنيل شهادة الإجازة في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية بطنجة، السنة الجامعية 2010-2011، ص104.

[9]  للفصل 142 من الدستور.

[10] راجع المادة 4 من الظهير الشريف رقم 83.15.1 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليوز 2015) بتنفيذ القانون رقم 111.14 المتعلق بالجهات، الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليو2015، ص 6585.

[11] الفقرة الأولى من المادة 143 من القانون التنظيمي للجهات .

[12] الفقرة الثالثة من المادة 143 من القانون التنظيمي للجهات.

[13] المادة 154 من القانون التنظيمي للجهات.

[14] المادة 162 من القانون التنظيمي للجهات.

[15] رشيد عدنان، “التعاون والشراكة لدى الجماعات الترابية – دراسة تحليلية في ضوء تجارب مقارنة” أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –سطات، السنة الجامعية 2014-2015، ص 5.

[16] – راجع القسم السادس من القانون التنظيمي للجهات .

[17] رشيد ملوكي، “التقطيع الترابي ومسلسل التشكل الترابي بالمغرب (السياقات والوظائف والأبعاد)”، مطبعة الأمنية الرباط، 2017، ص 184.

[18] محمد بوجيدة، “الجهة وعلاقتها بالسلطات المحلية والجماعات المحلية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 26، يناير- مارس 1999، ص 9.

[19] المادة 234 من القانون التنظيمي للجهات.

[20] المادتين 4 و6 من المرسوم رقم 2.17.667 صادر في فاتح ربيع الأول 1437 (20 نونبر 2017)، والمتعلق بتحديد معايير توزيع مداخيل صندوق التضامن بين الجهات، الجريدة الرسمية عدد 6627، بتاريخ 4 ديسمبر 2017، ص 6867.

[21] اللجنة الاستشارية للجهوية/ تقرير حول الجهوية المتقدمة/ الكتاب الأول: التصور العام ص 33 .

[22]  المادة 129 من القانون التنظيمي للجهات.

[23]   المادة 1 من مرسوم رقم 598. 17. 2  الصادر في فاتح ربيع الأول  1439 ( 20 نونبر 2017) بتطبيق أحكام المادة 231 من القانون التنظيمي رقم 14 – 111 المتعلق بالجهات، فيما يخص صندوق التأهيل الاجتماعي، الجريدة الرسمية عدد 6627 بتاريخ 15 ربيع الأول 1439 (4 دجنبر 2017) ص 6866.

[24]  المادة 230 من القانون التنظيمي السالف الذكر.

[25]  المادتين 232 و233 من القانون التنظيمي

[26]  المادتين 2 و3 من المرسوم رقم 598. 17. 2 السالف الذكر

[27]  المادتين 4 و6 من المرسوم رقم 598. 17. 2 السالف الذكر.

Exit mobile version