Site icon مجلة المنارة

آثار مكافحة الإرهاب  على حقوق الإنسان

(المغرب نموذجا)

آثار مكافحة الإرهاب  على حقوق الإنسان

(المغرب نموذجا)

عبد الإلاه فاخر

باحث في سلك الدكتوراه

حظيت  مسألة حقوق الإنسان والحريات الأساسية  باهتمام بالغ ومتزايد في عصرنا الحالي على المستويين الدولي والوطني لما لها من آثار إيجابية على أمن واستقرار الشعوب ورقيها، والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وتأمين كرامة الإنسان وتعزيز حماية حقه في الحياة والمساواة حتى عرف هذا العصر، بعصر حقوق الإنسان، غير أنه سجل تراجعا ملحوظا عن هذه المكتسبات التي تم تحقيقها بمناسبة مكافحة الإرهاب إن على المستوى الدولي أو مستوى  الوطني. فعلى المستوى الدولي تعتبر أحداث 11 سبتمبر 2001 التي تعرضت فيها الولايات المتحدة الأمريكية للهجمات الإرهابية المدانة، شكلت محطة أساسية لتراجعات واضحة على مستوى صيانة هذه الحقوق، فقد أصدر مجلس الأمن تحت ضغط الولايات المتحدة  الأمريكية عدة  قرارات متعلقة بمكافحة الإرهاب كان أهمها القرارين 1368 (2001) و1373 (2001) ضمن الفصل السابع الملزم لمكافحة الأعمال الإرهابية وقمعها واتخاذ  كافة الخطوات اللازمة للرد على الهجمات الإرهابية  وطالب جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتجريم الأعمال الإرهابية وحظر تمويل الإرهاب والتخطيط له أو دعم العمليات الإرهابية، غير أنه لم يعط تعريفا للإرهاب وتحديد ماهيته  بشكل جامع ومانع، مما قد ينزلق معه إلى خلط الإرهاب بالمقاومة المشروعة ضد الاحتلال. “وكان للتشديد في مكافحته ومن ناحية أخرى مصادرة المكتسبات التي حققها تطور القانون الدولي في مجال ترسيخ الاحترام العالمي لحقوق الإنسان الفردية والجماعية”[1].

أما على المستوى الوطني فقد شكلت أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية نقطة تحول كبيرة في مجال  تراجع حقوق الإنسان والحريات الأساسية فقد كانت فرصة سانحة  لتمرير القانون المثير للجدل (03-03) المتعلق  بمكافحة الإرهاب وما تلاه من تعديلات لتجفيف منابع الإرهاب.

إن تشدد  المغرب في المقاومة  الأمنية والتشريعية لمعالجة الظاهرة الإرهابية جعلته يتعرض لانتقادات شديدة من طرف الحقوقيين والمناصرين لحقوق الإنسان، غير أنه لا يمكن إنكار المجهودات التي أقدم عليها المغرب في مجال النهوض بحقوق الإنسان والحريات الأساسية وحمايتها كما هي متعارف عليها كونيا حيث جاء في تصدير دستور2011: “… وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا”.

تظهر أهمية هذه الدراسة للبحث في التوازن في متطلبات الحماية ضد الإرهاب وصيانة احترام حقوق الإنسان وفق المكتسبات القانونية والحقوقية أي ضمان  حق المجتمع في توقيع الجزاء على المجرم الإرهابي وكفالة حقه في محاكمة  عادلة تستوفي الشروط الإجرائية و الموضوعية لمحاكمة عادلة ضمن دولة الحق والقانون والمؤسسات وتفعيل المفهوم الجديد للسلطة والحكامة الجيدة.

لذا  نتساءل ما هي  تداعيات الإفراط في المعالجة الأمنية والإجرائية الردعية للحد من الأعمال الإرهابية على مستوى حقوق الإنسان؟ وهل هي كافية للقضاء على هذه الظاهرة؟ وهل الإصلاحات التشريعية التي ألقدم عليها المغرب  كفيلة لضمان تحق الدولة في العقاب وحق المتهم  في محاكمة عادلة؟ وهل تعزيز المنظومة القانونية والمؤسساتية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان  كافية لخلق هذا التوازن؟

للإجابة على هذه الإشكالية  آثرنا اعتماد المطلبين  التاليين:

المطلب الأول: تكريس حقوق الإنسان دستوريا كما هي متعارف عليها عالميا

يقصد بحقوق الإنسان “صيانة الحريات واحترام المبادئ الإنسانية وتعزيزها بقطع النظر عن هيمنة منطق المصلحة و ا لحسابات الضيقة والتسلط بكافة  أشكاله”[2] “فهي الحقوق التي تلازم الإنسان منذ ولادته، ولا يمكن له التنازل عنها، فهي حقوق  سبقت نشأة الدولة مما يتحتم على هذه الأخيرة احترامها لأنها تفرض عليها”[3] و”لم يكن القانون الدولي التقليدي يهتم بقضايا حقوق الإنسان وكان يعتبرها شأنا داخليا يخص الدول، لكن هذه الصورة بدأت بالتغير خلال القرن الماضي وخصوصا مع الاتفاق على ميثاق الأمم المتحدة سنة 1945 حيث وردت في الميثاق العديد من الإشارات التي رفعت قضايا حقوق الإنسان إلى مستوى الدولي، ومع صدور  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948  والعهود والمواثيق اللاحقة التي أصبحت  تشكل ما عرف بالشرعية الدولية لحقوق الإنسان”[4]. ولم تصل هذه المكتسبات إلى ما وصلت إليه إلا عبر كفاح مرير عبر التاريخ في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان سواء كان حاكما أو محكومان ولهذا لقيت هذه الحقوق مكانة سامقة في الديانات السماوية والاهتمامات الفكرية والفلسفية،ومساهمة جميع الحضارات الإنسانية في تأصيل الحرية والكرامة”[5].

لقد خرجت الإنسانية من تجربتين مريرتين المتمثلتين في الحرب العالمية لأولى والثانية وما خلفتما من آثار وخيمة على مستوى الإنساني  والاجتماعي والبيئي، الأمر الذي جعل لمسألة حقوق الإنسان مكانة يشغلها في النظام القانوني  الدولي والتي جعلت مجموعة من المعايير الدولية تشكل مرجعية لالتزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان[6] ولعبت هيئة الأمم المتحدة ومن خلال ميثاقها  دورا أساسيا في ترسيخ هذه الحقوق على مستوى العالمي حيث نصت الفترة الأخيرة من المادة 55 من ميثاقها “أن يشيع العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلا”. وهو ما أكدت عليه آخر الفقرة الثالثة من المادة 1 من هذا الميثاق: وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء”.

ونتيجة لكون ميثاق الأمم المتحدة لم يتطرق إلى بيان حقوق الإنسان التي أوصى باحترامها، ونظرا لكون ما ورد فيه لم يكن كافيا لتعزيز حقوق الإنسان، ودفع كل الأطراف نحو المزيد من احترامها، لذلك بادرت الأمم المتحدة إلى صياغة وثيقة مستقلة تتعلق بحقوق الإنسان[7] التي تكمن في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن والتي وافقت عليه الجمعية العامة في 10 دسمبر 1948 ويتضمن الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما تم إقرار العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في 16 دسمبر 1966 وهو نفس التاريخ الذي تم التصديق فيه على العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية[8] بالإضافة إلى العهود والمواثيق الدولية. وقد شكلت هيئة الأمم المتحدة مجموعة من الهياكل التنظيمية أناطت بها مهمة الإشراف على احترام حقوق الإنسان[9] كما جعلت هيأة الأمم المتحدة من أهدافها ترسيخ عالمية حقوق الإنسان. وتعدد الآليات لحمايتها من آليات محلية ووطنية داخل حدود الدول إلى آليات دولية عابرة للدول والقوميات[10].

إن حقوق الإنسان في المغرب شكلت العنصر الأساسي في المسلسل الديمقراطي من أول يوم حصل فيه على الاستقلال[11] وتطورت هذه الحقوق في فلك تطور الدولة المغربية الحديثة من دولة المخزن إلى دولة الحق و القانون وبناء المؤسسات حيث عمل المغرب على تثبيت حقوق الإنسان دستوريا وطي مخلفات الماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال “هيئة الإنصاف والمصالحة” كآلية للعدالة الانتقالية لتسوية ملفات ماضي الانتهاكات. وقد عرف المغرب ستة دساتير تنص كلها على حريات الأفراد والجماعات مند دستور 1962[12] لتتوج بدستور 2011 حيث تمت دسترة كافة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا بكل آلية حمايتها وضمان ممارستها وهو ما سيجعل من الدستور المغربي دستورا لحقوق الإنسان، وميثاق لحقوق وواجبات المواطنة[13]، كما أكد تصدير . دستور 2011 على حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما والإسهام في تطويرها مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزئة بالإضافة إلى جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة.

وقد عمل المغرب منذ سنة 2011 على تعزيز منظومته القانونية والمؤسساتية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وذلك من خلال إجراء مجموعة من الإصلاحات المتعلقة بتكريس الدستور لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا وتعزيز الإطار المؤسساتي – الوطني المعني بحقوق الإنسان والحكامة والتنمية المستدامة[14] لضمان ممارسة هذه الحقوق والسهر عليها.

لكننا نتساءل عن مصير هذه المنظومة القانونية والمؤسساتية التي تم تكريسها لحماية حقوق الإنسان في إطار استكمال بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات كخيار استراتيجي لا رجعة فيه خاصة مع الحرب الضروس التي أعلنها المغرب لمكافحة الإرهاب؟

المطلب الثاني:مظاهر انتهاك حقوق الإنسان  بمناسبة مكافحة الإرهاب

تقتضي دولة الحق والقانون والمؤسسات حماية  حقوق الإنسان والحريات وصيانة نظام العدالة الاجتماعية لتكريس أمن قضائي يشمل الجميع بما يضمن محاكمة عادلة ونزيهة مستوفية لمقتضيات  العدل والإنصاف وسيادة  القانون وحفظ الكرامة  الإنسانية. فالإفراط في توقيع العقاب دون التزام بشروط محاكمة علنية عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية يشكل انتهاكا صارخا لحقوق ا لإنسان ولمبادئ العدل والإنصاف.

 إن الجريمة الإرهابية رغم خصوصيتها هي أولا جريمة بمفهومها العام يعاقب عليها القانون بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي والمس بحقوق الأفراد والجماعات  حيث نجد في الفصل 110 من مجموعة القانون الجنائي المغربي[15] “الجريمة هي عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي  ومعاقب عليه”.

إذن فالجرائم على اختلاف أنواعها هو اعتداء صريح على الحقوق والقيم والمصالح المصونة قانونا.

غير إن استفحال الظاهرة الإرهابية في العالم وما تخلفه من كوارث نفسية ومادية جعلت العالم يكثف جهوده لمحاربة هذا السرطان في تراجع واضح لحقوق الإنسان ولسان الحال يقول لا حقوق الإنسان مع أعداء الإنسانية، وقد أفضى هذا الوضع إلى سن قوانين جديدة في كل الدول لتعزيز الترسانة القانونية لمناهضة الإرهاب وفي أغلب الدول فقد أثارت جدلا واسعا حول التزاماتها بمتطلبات احترام حقوق الإنسان[16] وهو الشيء الذي يمكن رصده في المغرب من خلل وتعثر في هذا المجال خاصة مع إصدار قانون المتعلق بمكافحة الإرهاب (03-03) عام 2003 المثير للجدل وذلك في حالات عدة منها على سبيل المثال:

1 – سجل تقرير “هيومن رايتس ووتش” مجموعة من التراجعات في مجال حقوق الإنسان ومنها التجاوزات التي تطال حرية التعبير في المغرب، ويتعلق بالصحفي علي أنزولا الذي أمضى خمسة أسابيع رهن الاعتقال الاحتياطي حيث وجهت له تهمة ثقيلة تتعلق بالترويج للإرهاب، بعد نشر موقعه (لكم كوم) نصا مكتوبا ضمنه برابط خارجي الفيديو منسوب إلى تنظيم القاعدة الإرهابي[17] وهذا راجع إلى أن الفصل 2-218 من قانون (03-03) حيث جاء في مستهله أنه يعاقب بالحبس من سنتين إلى ست سنوات وبغرامة من 000 10 إلى 000 200 درهم “كل من أشاد بأفعال تكون جريمة إرهابية بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها ..”. ويرى الحقوقي عبد العزيز النويضي أن تعبيرات الدعاية والإشهار والإشادة فهي غير دقيقة، وقد تعاقب في هذه الحالة على مجرد وجهات نظر[18].

2 – وردت في الفقرة الرابعة من الفصل 1-218 من الجرائم الإرهابية التخريب أو التعيين أو الإتلاف، وهذه الأفعال لم يتم تحديدها بدقة لمجرد أن يتم إحراق أي سيارة أثناء مظاهرة ما في هذه الحالة يتم بموجب تحقيق ارتكاب عملين (الإحراق والمظاهرة) ليتم وصف هذا الفعل بالجريمة الإرهابية طبقا للفصل 1-218 وبالتالي إدانة سابقة لأوانها[19].

3 – اعتراف للنيابة العامة بحقوق وسلطات جد موسعة في مختلف المراحل الإجرائية للبحث ولتحقيق في العمل الإرهابي[20]  ونذكر على سبيل المثال:

1-  التفتيش: هو إجراء تقوم به الضابطة القضائية أثناء البحث التمهيدي وفق شروط شكلية وموضوعية وهذا ما أكده الفصل 24 من الدستور، الفقرة الثانية منه: “لا تنتهك حرمة المنزل ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون”. أما المادة 62 من قانون المسطرة الجنائية “لا يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها قبل الساعة السادسة صباحا وبعد التاسعة ليلا… لا تطبق هذه المقتضيات … إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية…” حيث يجوز لقاضي التحقيق أن يباشر التفتيش خارج الأوقات المحددة المادة 102 من قانون (03-03) في حين أن المادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في فقرته الأولى: “لا يجوز تعريض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته..”.

2- الحراسة النظرية: قد يظهر كذلك هذا التشدد من خلال إمكانية تمديد الحراسة النظرية إلى 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين (المادة 66 الفقرة 5 ) إلى أن الأجل المذكور في حد ذاته يفوق بكثير الأجل المعمول به في الدول الديمقراطية.[21]

3- الاتصال بمحامي: المادة 66 الفقرة 9 من قانون 03-03: “يمكن للنيابة العامة تأخير الاتصال بمحامي بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية.” وهو ما يتناقض من الفقرة “ب” من المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية “أن يعطى من الوقت والتسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه”[22]. ومن أمثلة على ذلك  فيما يخص محاكمة المتهمين في القضية التي عرفت إعلاميا “بخلية بلعيرج” اقترنت بخروقات عدة للقواعد الدولية  لحقوق الإنسان،  شملت تعرض المتهمين للاختطاف والاعتقال التعسفي وحرمان محاميهم من حضور التحقيقات الأولية، كما تجاهلت المحكمة ادعاءات المتهمين بتعريضهم للتعذيب[23]، وفي هذا الملف كذلك فإنه يستفاد من تصريحات المعتقلين الستة أنهم لم يتمتعوا بالضمانات الواردة في المقتضيات  القانونية  والمعايير الدولية من طرف النيابة العامة وقاضي التحقيق وقضاء الحكم.. إذ لم يتم إشعارهم بالحقوق والضمانات الواردة في المقتضيات القانونية والمعايير الدولية، ولم يعرفوا أن لهم الحق في تقديم شكايات حول التعذيب أو سوء المعاملة أو الاعتقال التحكمي أو السري الذي زعموا أنهم تعرضوا له، كما أهم لم يسمحوا لهم بالاطلاع على ملف التحقيق لإعداد دفاعهم[24]. في حين من حق كل ظنين تكليف محامي للدفاع عنه في جميع الإجراءات الجزائية (المبدءان 10 و17 من مجموعة مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الإيقاف أو السجن).

“كما لا يتصور خضوع الجرم الإرهابي للإباحة والتبرير”[25] ومنها التي تناولها المشرع الجنائي في الأسباب المبررة التي تمحوا لجريمة(الفصل 124 والفصل 125) من مجموعة  القانون الجنائي، ومن بينها: إذا كان الفعل قد أوجبه القانون وأمرت بها السلطة الشرعية، أو إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة، وذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته، أو إذا كانت الجريمة قد استلزمها ضرورة الدفاع الشرعي.

لقد أدى تطبيق قانون 03-03 إجراءات زجرية مست بشكل خطير مبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا، فاعتقال سبعة آلاف شخص ومحاكمة ألفين منهم، يعتبر  بالنظر إلى هذا الحجم الهائل إجراء غير منطقي سيما وأن العديد من المنظمات والهيئات الحقوقية الوطنية والدولية، نددت بهذا الوضع المتأزم وأشارت منظمة هيومن رايتس ووتش عن الازدواجية التي تطبع ممارسة المغرب لالتزاماته الدولية في مجال حقوق الإنسان وأن السلطات لا تتقيد دائما بالتزاماتها المترتبة عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[26].

ومهما يكن فإن الإرهاب وحقوق الإنسان من المواضيع الهامة التي تشغل بال الجميع لكون الإرهاب يشكل خطرا محدقا يهدد وجود الإنسان نفسه، وكذا أمن واستقرار الدول فلا أحد في منأى عن التهديدات الإرهابية، لأن الإرهاب لا حدود له ولا ملة له فهو يشكل خطرا وتحديا للجميع، مما استدعت الضرورة لاتخاذ كل التدابير الكفيلة لمحاربته وصيانة المجتمع من تهديده. في حين أن حقوق الإنسان يعتبر نقيضا لإرهاب فهي حقوق لصيقة بآدمية الإنسان كحقه في الحياة وحقه في العيش الكريم وسلمه وأمنه وقيمه. لهذا لا ينبغي محاربة الإرهاب بالإرهاب نفسه ولا مكافحة الجريمة بالجريمة نفسها، فليس هناك ما يمنع من مكافحة الإرهاب في ظل دولة الحق والقانون والمؤسسات بالآليات القانونية والمؤسساتية لتكون هذه المعالجة ناجعة وفعالة.  فلما تمت هذه المحاكمة في إطار دولة الحق والقانون والمؤسسات، كلما حافظت الدولة على هيبتها ومشروعية مؤسساتها.

إن المقاربة الأمنية التي اعتمدتها السلطات الأمنية المغربية فهي إن كانت ضرورية، وبرهنت عن فعاليتها من خلال تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية فهي تبقى غير كافية، فلابد من وضع استراتيجية شاملة تأخذ في طياتها كل الأبعاد: اقتصادية، اجتماعية، سياسية، ثقافية، تربوية، تنموية، إعلامية، فكرية، قانونية وغيرها وعلى الجميع أن ينخرط في هذا المشروع الوطني المصيري من رجال الدين وأحزاب سياسية وحقوقيين ورجال تعليم وفاعلين جمعويين وغيرهم لتحصين المجتمع من الإيديولوجيات الراديكالية المتطرفة ومن الأفكار اللادينية المنحرفة التي تمس القيم الإسلامية والعقائدية للمغاربة وتثير حفيظتهم ومشاعرهم، كما أنه لا مفر من تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية وترسيخ الحكامة الجيدة والمؤسسات الفاعلية، وربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة الفساد والظلم والجور، وتطوير الإدارة وجعلها في خدمة المواطن و تفعيل تكافؤ الفرص وإدارة مرافق الدولة بكل شفافية وفعالية مع المساهمة في المجهود الدولي لحل النزاعات الدولية والتعاون والتضامن فيما يخص الانشغالات الأممية.


[1] – ذ عبد الواحد الناصر، الإرهاب وعدم الشرعية في العلاقات الدولية،مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، 2002،ص 192.

[2] – د. سعاد جبر سعيد، انتهاكات حقوق الإنسان وسيكولوجية الابتزاز السياسي، عالم الكتب الحديث، عمان 2008، ص12.

[3] – عمر بندورو، حقوقا لإنسان والحريات الأساسية، دار القلم 2002، ص 17.

[4] – د. محمد الصوفي، الآليات الحكومية لحماية حقوق الإنسان – دوليا وإقليميا – معهد جنيف لحقوق الإنسان، 2014، ص4.

[5] – د. يوسف البحيري، حقوق ا لإنسان، المعايير الدولية وآليات الرقابة، مطبعة والوراقة الوطنية الداوديات، مراكش 2012، ص 7.

[6] – د. يوسف البحيري، م.س.د، ص 88.

[7] – ذ. مصطفى قلوش، الحريات العامة، مطبعة بابل 1996، ص 160.

[8] –  د. مصطفى قلوش، م.س.د، ص 167.

[9] – ذ. محمد ظريف، حقوق الإنسان بالمغرب – دراسة في القانون العام المغربي – مكتبة الأمنية 1994، ص 38.

[10] – محمدالصوفي، الآليات الحكومية لحماية حقوق الإنسان، م.س.ذ، ص4.

[11] – رشيد أقجي، المغرب والالتزامات الدولية ي مجال حقوق الإنسان، دار السلام، الطبعة الأولى 2005، ص 27.

[12] – عمر بندورو، حقوق الإنسان والحريات الأساسية، دار القلم، الرباط 2002، ص 126.

[13] – من خطاب جلالة الملك محمد السادس بتاريخ 17 يونيو 2011.

[14] – المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، دليل حول الضمانات الدستورية والآليات المؤسساتية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، مطبعة برستيج وورد 2012،

[15] – مجموعة القانون الجنائي المغربي صيغة محينة بتاريخ 12 مارس2018، منشورات دار الجيل، ص 43.

[16] – ذ. الحسان بوقنطار، من قضايا السياسة الدولية – مكتبة دار السلام، 2010،  ص 39.

[17] – هيومن رايتس ووتش تقرير صادم حول حقوق الإنسان بالمغرب بتاريخ 31 يناير 2015redling rablog.org  تاريخ الزيارة 2/05/2015.

[18] – عبد العزيز بناني، التشريع المتعلق بمحاربة الإرهاب بين الارتجال والمس بالمكتسبات الحقوقية، مقال ورد ضمن اليوم الدراسي حول مشروع قانون الإرهاب، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الرباط 12 أبريل 2002، ص 33.

[19] – OMAR Mounir « le attentas de Casablanca et le complot du 11 septembre, Ed MASAN, p81.

[20] – د. سعيد جفري: الوقاية من الإرهاب – المقاربة الأمينة المغربية – المجلة المغربية الأنظمة القانونية والسياسية – عدد 7 يونيو 2006، ص 103

[21] — ذ. عبد العزیز بناني، التشريع المتعلق بمحاربة الإرهاب بين الارتجال والمس بالمكتسبات الحقوقية م.س. د، ص 34.

[22] — د. مولاي الحسن التمازي، الحرب على الإرهاب حماية للأمن أم انتهاك لحقوق الإنسان، المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، عدد 7، ص 143.

[23] –  ذ. زينب أبو زهور، مشكلة إدماج المعايير الدولية لحقوق الإنسان في النظام القانوني المغربي، أطروحة لنيل شهادة  الدكتوراه، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، السنة الجامعية 2017/2018، ص 193.

[24] – ذ.اسماعيل الجباري الكرفطي، المحاكمة والسياسة، لنواجه الإرهاب بالعدالة، نموذج خلية بلعيرج والمعتقلين السياسيين الستة، مطبعة ألطو بريس،طنجة2010، ص 249.

[25] – يوسف بنباصر،الجريمة الإرهابية بالمغرب  وآليات المكافحة القانونية، دار القلم 2004، ص 63.

[26] – التقرير السنوي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لسنة 2009.

Exit mobile version