Site icon مجلة المنارة

وقف تحصيل الدَّيْن الجبائي للجماعات الترابية ومدى المساهمة في حماية حقوق الخاضع.

وقف تحصيل الدَّيْن الجبائي للجماعات الترابية ومدى المساهمة في حماية حقوق الخاضع.

يوسف الشيهب

y.chaihab@gmail.com

طالب باحث بسلك الدكتوراه، جامعة محمد الخامس بالرباط، كلية الحقوق سلا.

 

يعتبر تحصيل الجبايات الترابية في الوقت الراهن أحد أهم الرهانات المالية للجماعات الترابية لما لهذا التحصيل من انعكاسات على السياسة الاقتصادية والاجتماعية، ولهذا مكنت الجماعات من القدرة على التحصيل الجبري للجبايات، فالقاعدة العامة في الدَّيْن العمومي هي أداؤها الفوري من قبل الخاضع بمجرد استحقاقه، وذلك راجع لكون أي تخلف عن الأداء من قبل الخاضع وفي الوقت المحدد سيعرض حقوق الجماعات الترابية للخطر، وسيعطل تنفيذ السياسات العمومية في مختلف المجالات، إلا أنه واستثناء من هذه القاعدة خول المشرع الجبائي للخاضعين في حالات معينة وبتوفر شروط محددة، إمكانية إيقاف الأداء وتنفيذ الدَّيْن الجبائي، رغم ما يطرحه هذا الموضوع من إشكاليات قانونية أمام القضاء الإداري، باعتبار هذا الأخير الضامن للحقوق والحريات الفردية في مواجهة الإدارة بما تملکه من سلطات و امتیازات[1].

وبالتالي تعتبر الطلبات الرامية إلى إيقاف الدَّيْن العمومي طلبات وإجراءات وقتية يكتنفها الطابع الاستعجالي ولا تحتمل أي تأخير، اعتبارا لكون انتظار سلوك الإجراءات العادية للتقاضي من شأنه إلحاق أضرار بالغة بالخاضع يصعب أو يستحيل تداركها في المستقبل، حيث يكون الخاضع أمام واقع التنفيذ الإجباري على ممتلكاته العينية والمادية وأحيانا مهددا في حريته في حالة الإكراه البدني، لذلك يسند للقضاء الاستعجالي النظر في هذا النوع من الطلبات، نظرا للطابع الذي يتسم به القضاء الاستعجالي من سرعة البت ويسر في إجراءات التقاضي[2].

وبالتالي يعتبر هذا الإجراء من الضمانات الممنوحة للخاضع في وجه الإدارة الجبائية، لكن هذا الإجراء وباعتباره يدخل في نطاق إختصاص القضاء الإستعجالي، فقد نظم بمجموعة من الشروط وذلك لقطع الطريق أمام كل دعوى تهدف بالأساس إلى المراوغة وتأخير أو التهرب في دفع المستحقات الواجبة لإدارة الجبائية، وبالتالي وفضلا عن الشروط العامة الواجب توفرها في الدعوى الإستعجالية، فقد نص المشرع على شرط إضافي متمثل في الجدية.

ويعتبر شرط الجدية أو شرط الأسباب الجدية شرطا موضوعيا من بين شروط وقف تنفيذ القرارات الإدارية، فبالرغم من عدم التنصيص في المادة 24 من القانون المنشئ للمحاكم الإدارية في المغرب[3] على شرط الجدية كشرط لوقف تنفيذ القرارات الإدارية، إلا أن الاجتهاد القضائي المغربي ساير نظيره في فرنسا ومصر، و استقر على ضرورة توافر شرطين موضوعين  أساسين في طلب وقف تنفيذ القرار الإداري وهما  شرط جدية  أسباب الطعن  لإلغاء القرار الإداري المطعون فيه أمام قاضي الموضوع[4]، وشرط الاستعجال لتفادي أن يلحق تنفيذ القرار الإداري بالمدعي أضرارا يتعذر إصلاحها مستقبلا. والمقصود بالأسباب الجدية كأحد شروط وقف تنفيذ القرارات الإدارية، هي تلك الأسباب التي يقدمها طالب الإيقاف، والتي من شأنها أن تـؤدي إلى إبطال القرار الإداري محل طلب وقف التنفيذ من طرف قاضي الموضوع، هذه الأسباب التي وصفها القضاء الإداري المصري برجحان إلغاء القرار الإداري، أو الحالة التي يتأكد فيها بأن إلغاء القرار أمرا لا مفر منه[5]. غير أن ما يتميز به شرط الجدية عن شرط الاستعجال، هو أن شرط الجدية يأخذ وضعه في دائرة المشروعية[6].

وبالتالي نجد أن قاضي المستعجلات يستمد الجدية من دعوى الموضوع المقدمة من قبل الخاضع التي يطعن من خلالها إما في مشروعية فرض الجباية أو تحصيلها، وبالتالي فإن دعوى الموضوع تعتبر شرطا أضافه القضاء الإداري ليستمد منها الجدية، هذا بخلاف ما ورد في الفصل 140 من قانون المسطرة المدنية الذي يعطي الاختصاص لقاضي المستعجلات للبت في الأوامر الوقتية سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة من عدمه[7].

والسبب في إعمال آلية وقف تحصيل الدَّيْن الجبائي، يعتبر ضمانة للخاضع في وجه الإدارة الجبائية التي تتوفر على اليد العليا في المجال الجبائي، وبالتالي يقوم الخاضع باللجوء إلى القضاء الاستعجالي قصد الحصول على أمر قضائي يتيح له وقف إجراءات التحصيل الجبري في حقه إلى حين البت النهائي في منازعته في الجوهر، أي أن هذه المطالبة تكتسي طابعا مؤقتا بالنظر إلى الانعكاسات السلبية التي قد تترتب على مباشرة إجراءات التحصيل الجبري في حق الخاضع خاصة إذا كان هذا الأخير ينازع بشكل جدي في بطلان مسطرة الفرض أو التحصيل الجبائي، أي في الحالة التي تظهر جدية دفوعه، بخصوص مدى خضوعه للالتزام الجبائي وبالتالي المنازعة في صفته كخاضع، أو كذلك في الحالة التي ينازع فيها بشكل جدي في سقوط حق الإدارة الجبائية في فرض الجباية عليه أو تحصيلها، لذلك نجد أن دور القضاء الاستعجالي في المنازعات الجبائية يسعى إلى تكوين توافق وتوازن بين المصلحة العامة المتمثلة في تمكين الإدارة الجبائية من مردوديتها المرتبطة بالجبايات والضرورية لإستمرار قدرتها في تقديم الخدمات للمرتفقين، وبين المصلحة الخاصة للخاضع من خلال حماية حقوقه المالية والقانونية من أي تدخل خارج عن المشروعية الجبائية وذلك في حالة التنفيذ المباشر لتحصيل الدَّيْن الجبائي رغم المنازعة الجدية في أساس الجباية ومسطرة فرضها وإجراءات تحصيلها، خاصة إذا كان من شأن التنفيذ المباشر على أموال المدين أو جسده في حالة الإكراه البدني أن يؤدي إلى صعوبة إرجاع الوضع إلى ما كان عليه قبل الشروع في مسطرة التحصيل[8].

ومعه نص كل من المشرع والفقيه القضائي على مجموعة من القواعد والأحكام في سعيا إلى حماية مراكز المدينين بالجبايات كعدم اشتراط التظلم الإداري، وعدم جواز مباشرة إجراءات تحصيل الديون العمومية في مواجهة الأشخاص الذاتيين المساهمين في شركة الأموال المعنوية، والتدخل الفوري لإرجاع الأمور الى نصابها متى تحقق عنصر الاستعجال[9].

مما سبق تظهر لنا المساهمة الفاعلة لآلية وقف تحصيل الدَّيْن الجبائي في حماية حقوق الخاضع، فعنصر الإستعجال يمكن الخاضع في بعض الحالات الحرجة والتي يخشى فيها الخاضع بأن تنفيذ قرار جبائي من الممكن أن ينتج ضرر لا يمكن إصلاحه خاصة بالنسبة للأنشطة الخاضعة والتي قد تواجه الإفلاس وإيقاف أعمالها، كما يمكن أن يواجه الخاضع مسطرة الإكراه البدني، لكن هذه الضمانات المقدمة للخاضع اشترط فيها المشرع القانوني والفقيه القضائي مجموعة من الشروط، من أجل تفادي كل محاولة تهدف إلى الإضرار بالمركز المالي للإدارة الجبائية من خلال محاولة التملص وإلغاء واقع قدرتها في إستيفاء ديونها، وبالتالي تعتبر هذه المسطرة القضائية من الضمانات الممنوحة لطرفي الخصومة الجبائية عبر حماية حقوق الخاضع ومردودية الإدارة الجبائية في آن واحد.

[1] ذة. مريم الخمليشي، دور القضاء الاستعجالي في حماية المركز القانوني للمدين بالجبايات، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية REMALD، العدد 115، مارس-ابريل 2014، الصفحة 197.

[2] ذة. مريم الخمليشي، دور القضاء الاستعجالي في حماية المركز القانوني للمدين بالجبايات، مرجع سابق الصفحة 199

[3] تنص المادة 24 القانون 90-41 المنشئ   للمحاكم الإدارية على أن : ” للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغائه إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة”.

[4] من الملاحظ بان مجلس الدولة الفرنسي قد استبدل عبارة الأسباب الجدية للطعن “motifs sérieux  ” بعبارة الشكوك الجدية” doutes sérieux” وذلك بناءً على التعديل الذي لحق مدونة  القضاء الإداري بفرنسا  بموجب قانون 2000

[5] حسن صحيب ، القضاء الإداري المغربي ، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية ، الطبعة الأولى 2009 ، ص 352 .

[6] د.مصطفى بونجة، خصوصية القضاء الإستعجالي في المادة الإدارية، المنازعة الضريبية نموذجا، مقال منشور على موقع العلوم القانونية، ، تاريخ الاطلاع “2 مارس 2014 الساعة الثانية عشر ليلا” منشور على الرابط: http://goo.gl/LD5R3z.

[7] لقد تأكد هذا الطرح من خلال قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش الذي اعتبر: “أن الاستجابة لطلب إيقاف تنفيذ إجراءات التحصيل رهينة بتوفر عنصري الاستعجال وجدية الطلب، ومن المعلوم أن حالة الاستعجال إنما تنشأ من طبيعة الحق المطلوب صيانته…ومن الظروف المحيطة به، ويستنتجها قاضي المستعجلات من ظروف وملابسات الدعوى المعروضة عليه. أما الجدية فتبين لقاضي الاستعجال من خلال الفحص الظاهري لوثائق ملف المنازعة في الموضوع المؤسس على نفي صفة الالتزام الجبائي  أو على المنازعة في قانونية الفرض الجبائي أو على المنازعة في مسطرة وإجراءات التحصيل، والتي يمكن أن تؤول حسب الفحص الظاهري إلى الإلغاء والبطلان. قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش عدد 178 الصادر بتاريخ 2008/04/23 في الملف الإداري عدد 2007/318. أورده د. كريم لحرش: “المنازعات الضريبية في القانون المغربي” سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، طوب بريس، الطبعة الأولى 2013.، الصفحة 144 و145.

[8] ذة. مريم الخمليشي، دور القضاء الاستعجالي في حماية المركز القانوني للمدين بالجبايات، مرجع سابق الصفحة 205.

[9] ذة. مريم الخمليشي، دور القضاء الاستعجالي في حماية المركز القانوني للمدين بالجبايات، مرجع سابق الصفحة 206.

Exit mobile version