Site icon مجلة المنارة

ملاحظات حول قرارات المجلس الدستوري المتعلقة بالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية

حجاجي امحمد

باحث في سلك الدكتوراه

جامعة الحسن الأول – سطات-

Hajjaji.mhamed@gamil.com

 

ملاحظات حول قرارات المجلس الدستوري المتعلقة بالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية

 

 

أصدر المجلس الدستوري بتاريخ 30 يونيو 2015 ثلاث قرارات تهم الجماعات الترابية، وهي على التوالي: القرار رقم 666.15 المتعلق بالقانون التنظيمي للجهات([1]) رقم 111.14، والقرار رقم 667.15 المتعلق بالقانون التنظيمي للعمالات والأقاليم رقم 112.14،([2]) والقرار رقم 668.15 المتعلق بالقانون التنظيمي للجماعات (المحلية) رقم 113.14.([3])

تأتي أهمية هذه القرارات  من جهة أولى، كونها تعطي الضوء الأخضر لتنزيل قواعد القانون الدستوري  للجماعات الترابية المنصوص عليها في الباب التاسع من دستور 2011، ومن جهة ثانية، أنها قدمت بعض الأجوبة التفسيرية لبعض المقتضيات الدستورية والإشكاليات التي كانت تحيط بهذه المقتضيات الدستورية، وذلك  على مستوى الشكل و المضمون، ويمكن بيان ذلك على الشكل التالي:

أولا: على مستوى الشكل

قبل عرض هذه القوانين التنظيمية على المجلس الدستوري للبت في مدى مطابقتها للدستور، كان هناك نقاش دستوري وسياسي يدور حول مسطرة إقرار هذه القوانين التنظيمية، ويمكن تلخيص هذا النقاش في ثلاث نقاط، وهي:

  1. تقديم الحكومة في شخص وزارة الداخلية لثلاثة مشاريع قوانين تنظيمي مستقلة

 

بمجرد طرح وزارة الداخلية مسودة القانون التنظيمي للجهات والقانون التنظيمي للعمالات والأقاليم ومسودة القانون التنظيمي للجماعات على الأحزاب السياسي والعموم، بدأ يظهر نوع من النقاش الدستوري يتعلق بمدى دستورية تقديم الحكومة ثلاث مشاريع قوانين تنظيمية منفصلة عوض قانون تنظيمي واحد في شكل « مدونة الجماعات الترابية».

وبرز في هذا الصدد ثلاثة آراء، الأول، يدافع عن إقرار هذه القوانين التنظيمية في صيغة قانون تنظيمي واحد، على اعتبار أن الفصل 146 من الدستوري يتحدث عن قانون تنظيمي واحد، والرأي الثاني، لا يرى في تقديم الحكومة لثلاث قوانين تنظيمية منفصلة ومستقلة بعضها عن البعض أي إشكال دستوري، وذلك إسوة بالقانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية رقم 59.11([4] ) الذي يندرج ضمن مشمولات الفصل 146 من الدستور. أما الرأي الثالث، فهو قريب من الرأي الثاني، يرى أن المهم في الأمر هو إقرار المواضيع الواردة في فحوى الفصل 146 عن طريق قوانين تنظيمية ولا يهم أن يتم صياغتها في قانون تنظيمي واحد أو أكثر.

وبعد إحالة هذه القوانين التنظيمية من قبل رئيس الحكومة على المجلس الدستوري الذي يستمر في ممارسة صلاحيته إلى حين تنصيب المحكمة الدستورية، عملا بمقتضيات الفصل 177 من الدستور، صرح المجلس الدستوري بدستورية تقديم الحكومة لثلاث مشاريع قوانين تنظيمية منفصلة ومستقلة بعضها عن البعض في الباب المتعلق بالجماعات الترابية، مستدلا بمقتضيات الفصل 135 من الدستوري الذي ميز في نظره بين ثلاث فئات من الجماعات الترابية، تتمثل في الجهات، العمالات والأقاليم، والجماعات (المحلية)، ويضيف المجلس، أن الفصل 146 من الدستور نص على أن المواضيع الواردة فيه يجب أن تحدد بقانون تنظيمي، (علما أن صياغة هذا الفصل تحدث عن قانون تنظيمي وجاءت بصيغة المفرد وليس الجمع)، لأن الغاية من اشتراط المشرع الدستوري وفق المجلس سن القواعد القانونية المتعلقة بمواضيع معينة بمقتضى قوانين تنظيمية تكمن في إخضاع هذه القواعد لشروط دستورية خاصة ومتميزة (عن القوانين العادية المنظمة بالفصل 71) وفق مقتضيات الفصلين 49 و85 من الدستور. وبالتالي، ما دامت هذه القوانين التنظيمية تنطوي على المواضيع المنصوص عليها في الفصل 146 وتم اخضاعها للشروط المنصوص عليها في الفصلين 49 و85، فليس فيها ما يشوب دستوريتها من حيث أنها جاءت منفصلة ومستقلة بعضها عن البعض.

وبذلك يتضح من استدلال المجلس الدستوري في هذه النقطة أنه انتصر للرأي القائل بأنه لا يهم أن يتم إقرار المواضيع المنصوص عليها في الفصل 146 في قانون تنظيمي واحد (جامع مانع) أو أكثر، وإنما الأساسي من ذلك أن يتم تنظيمها بموجب قوانين تنظيمية، وبالتالي، يكون المجلس الدستوري قد أسدل الستار عن هذه الإشكالية الدستورية.

  1. قاعدة الأسبقية والمبادرة التشريعية لأعضاء البرلمان في مجال القوانين التنظيمية

 

طرحت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية إشكالية دستورية مفادها: أي مجلس من مجلسي البرلمان سيتداول بالأسبقية في القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية؟ وحول هذه الاشكالية برز رأين مختلفين، الأولى يرى أن هاته القوانين التنظيمية يجب إيداعها بالأسبقية لدى مجلس المستشارين، بدعوى أن الفصل 78 من الدستور يقر بأن مشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية وبالقضايا الجهوية، تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين، وبالتالي لما كان مضمون القوانين التنظيمية المتحدث عنها يدخل في إطار الجماعات الترابية يجب من باب أولى إيداعها لدى مكتب مجلس المستشارين. في المقابل هناك رأي ثان يدافع عن فكرة ايداع هذه القوانين التنظيمية على مكتب مجلس النواب بالأسبقية، بحجة أن الفصل 85 من الدستوري يقر بأن مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية يتداول فيها بالأسبقية لدى مجلس النواب، معززا موقفه بالقانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية رقم 59.11 الذي أحيل على مجلس النواب بالأسبقية رغم أنه يندرج ضمن المواضيع المتعلقة بالجماعات الترابية، والذي عرض على المجلس الدستوري وقضى بدستورية من حيث الشكل، بمعنى أخر، أن المجلس الدستوري لم يعتبر إيداع رئيس الحكومة لهذا القانون التنظيمي بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب أية مخالفة دستورية.

وبعد عرض هذه القوانين التنظيمية الثلاثة، أثار المجلس الدستوري من جديد هذه الإشكالية، واعتبر أن ايداع هذه القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب مطابق للدستور، بمعنى أخر، أن المجلس الدستوري انسجم مع ما انتهى إليه في القرار رقم 821.11 ([5]) المتعلق بالقانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية السالف الذكر، الذي تم إيداعه لدى مكتب مجلس النواب بالأسبقية.

غير أن تعليل المجلس الدستوري للنتيجة التي توصل إليها بخصوص قاعدة الأسبقية، يحمل في طياتها الكثير من الغموض واللبس، ترتبط أساس بالمبادرة التشريعية البرلمانية في ميدان القوانين التنظيمية وخاصة أعضاء مجلس المستشارين.

وفي هذا الإطار ارتكن المجلس الدستوري لتبرير موقفه الرامي إلى أسبقية مكتب مجلس النواب التداول في مشاريع القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، إلى الفصل 85 من الدستور الذي ينص على أنه لا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه، وذلك رغم أن الفصل 78 من الدستور يتحدث عن أن مشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية وبالقضايا الاجتماعية تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين، بصيغة أخرى، – دائما حسب المجلس الدستوري- أن أسبقية مكتب مجلس المستشارين فيما يخص الجماعات الترابية تنحصر فقط في النصوص التي تقدم في شكل قوانين والتي لا يندرج مضمونها في الفصل 146، وكذلك لا تمتد إلى القوانين التنظيمية التي يخضع إيداعها سواء تقدمت في شكل مشاريع أو مقترحات بمبادرة من أعضاء مجلس النواب أو مجلس المستشارين لأحكام الفصل 85، ويفهم من هذا التعليل في شقه الأول، أن أسبقية مكتب مجلس المستشارين تقتصر فقط على القوانين العادية التي تكون ذات مبادرة حكومية في مجال الجماعات الترابية، بشرط أن لا تندرج في مضمون الفصل 146، أما الشق الثاني من هذا التعليل « لا تمتد إلى القوانين التنظيمية التي يخضع إيداعها سواء تقدمت في شكل مشاريع أو مقترحات بمبادرة من أعضاء مجلس النواب أو مجلس المستشارين لأحكام الفصل 85»، يبدو أنه فيه نوع من اللبس والغموض جراء الصيغة التي وردت بها، على اعتبار أن الفصل الذي أحال عليه المجلس الدستوري (الفصل 85) يدل بالصيغة التي جاء بها، على أن جميع مشاريع القوانين التنظيمية تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، وكذلك مقترحات القوانين التنظيمية المقدمة من أعضاء مجلس النواب، والتي من البداهة أن يحظى مجلس النواب بأسبقية التداول فيها، لأنه ليس من المعقول أن يقوم أعضاء مجلس النواب بمبادرة تشريعية في مجال القوانين التنظيمية ويحيلها على مجلس النواب للتداول فيها بالأسبقية ! وبالتالي فإن إضافة المجلس الدستوري في الشق الثاني من تعليله عبارة « أعضاء مجلس المستشارين» لا تنسجم تماما، بل تتعارض مع النص الذي استند إليه (الفصل 85 من الدستوري الذي يتحدث فقط عن أسبقية مجلس النواب التداول في مشاريع القوانين التنظيمية.

وبالتالي، يستفاد من هذا الاستدلال، أن أسبقية مكتب مجلس المستشارين الواردة في الفصل 78 من الدستور لا تشمل القوانين التنظيمية التي تندرج في الفصل 146، وبما أنها لا تشمل هذا الفصل، فبمفهوم الموافقة أنها لا تشمل – الأسبقية- أيضا القوانين التنظيمية الأخرى، ما دامت القوانين التنظيمية تخضع لأحكام الفصل 85 من الدستور.  والدليل على ذلك استدلال المجلس الدستوري بالفصل 85 الذي كما رأينا يتحدث فقط على أسبقية مجلس النواب.

وينجر على هذا التعليل أن جميع القوانين التنظيمية كيفما كان موضوعها ذات المصدر الحكومي تودع بالأسبقية على مكتب مجلس النواب.

  1. التصويت على القوانين التنظيمية المتعلق بالجماعات الترابية.

 

بداية نشير إلى أنه يجب التمييز بين مسطرة التصويت على القوانين العادية والقوانين التنظيمية، فالأولى تخضع للفقرة الثانية من الفصل 84 من الدستور، إلا أنه يجب التمييز بينها بين القوانين العادية المتعلقة بالجماعات الترابية والمجالات ذات الصلة بالتنمية الجهوية والشؤون الاجتماعية التي يجب أن يتم التصويت النهائي عليها بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب الحاضرين، في حين القوانين العادية الأخرى، يتم التصويت النهائي عليها بالأغلبية النسبية من أعضاء مجلس النواب. أما الثانية، أي القوانين التنظيمية فهي تخضع فيما يرجع لمسألة المصادقة عليها نهائيا لمقتضيات الفصل 85، الذي بدوره ميز بين فئتين من القوانين التنظيمية، الأولى القوانين التنظيمية الخاصة بمجلس المستشارين أو الجماعات الترابية حيث تتم المصادقة عليها نهائيا بأغلبية أعضاء مجلس النواب، أما الثانية، أي القوانين التنظيمية الأخرى، فيتم المصادقة عليها نهائيا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين من مجلس النواب.

وبالتالي يتبين من خلال قرارات المجلس الدستوري أن مجلس النواب  قد تقيد بمقتضيات الفصل 85 فيما يخص المصادقة النهائية على القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات والعمالات والأقاليم، والجماعات.

إذن، تلك كانت أهم الملاحظات التي استطعنا أن نبديها على قرارات المجلس الدستوري الصادر بشأن القوانين التنظيمي للجماعات الترابية وذلك كان على مستوى الشكل، أي إقرار هذه القوانين التنظيمية، وفيما يلي نمر إلى الإدلاء ببعض الملاحظات على مستوى مضمون هذه القرارات.

 

 

 

 

ثانيا: على مستوى المضمون

 

يمكن تلخيص الملاحظات المتعلقة بمضمون قرارات المجلس الدستوري المتعلق بالقوانين التنظيمية في النقاط التالية:

  1. التصويت العلني على انتخاب رؤساء مجالس الجماعات الترابية ونوابهم وأجهزتها

 

يلاحظ من خلال قرارات المجلس الدستوري المتعلقة بالجماعات الترابية، أنه أقر بدستورية مقتضيات المادة 6 الفقرة الأولى من القانون التنظيمي رقم 113.11 المتعلق بالجماعات([6])، والمادة 7 الفقرة الأولى من القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والأقاليم([7]) رقم 112.11، والمادة 8 الفقرة الأولى من القانون التنظيمي للجهات([8] ) رقم 111.14، التي تنص جميعها على أن التصويت على رؤساء مجالسها ونوابهم وأجهزتها يكون عن طريق التصويت العلني، والمثير في هذا التصريح أن المجلس الدستوري قد عدل عن اجتهاده المتعلق بالتصويت على الأشخاص، حيث سبق له أن صرح في القرار رقم 938.14 المتعلق بالنظام الداخلي لمجلس المستشارين([9] ) المحال عليه بتاريخ 22 ماي 2014 بعدم دستورية بعض مقتضيات هذا النظام الداخلي التي أوردت أنه بإمكان اللجان الدائمة المطالبة بإجراء تصويت سري على كل مقترح أو مشروع قانون، مستدلا بأن الفصل 68 من الدستور لئن كان يسمح لكل من مجلسي البرلمان أن يعقد جلسات سرية إلى جانب الجلسات العمومية، وكذلك يسمح للجان الدائمة عقد اجتماعات عمومية إلى جانب الاجتماعات السرية ( وهي الأصل)، فإنه هذا لا يعني أن التصويت على مشاريع ومقترحات القوانين أن يكون سريا، باستثناء حالات الانتخاب أو الحالات التي تهم الأشخاص، مما يعني بمفهوم الموافقة أن التصويت على أشخاص يكون دائما سريا وليس علنيا.

بيد أن في الحالة التي نحن بصددها، سمح بإجراء تصويت علني لانتخاب رؤساء مجالس الجماعات الترابية ونوابهم وأجهزتها، كاستثناء من قاعدة التصويت السري المتعلقة بانتخاب الأشخاص، وبرر المجلس الدستوري موقفه هذا بتخليق الحياة السياسية وضمان الشفافية والالتزام الحزبي.

  1. الترحال السياسي

 

نصت المادة 51 من القانون التنظيمي للجماعات والمادة 52 من القانون التنظيمي للعمالات والأقاليم والمادة 54 من القانون التنظيمي جميعها على أنه: طبقا لأحكام المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية([10])، «يجرد العضو المنتخب بمجلس الجماعة  الترابية الذي تخلى خلال مدة الانتداب عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية في المجلس» وعلى أنه  »يعتبر عضو مجلس الجماعة الترابية من منظور هذا القانون التنظيمي في وضعية تخلي عن الحزب الذي ترشح بتزكية منه، إذا قرر هذا الحزب وضع حد لانتماء العضو المنتسب إليه، بعد استنفاد مساطر الطعن الحزبية والقضائية«.

صرح المجلس الدستوري بدستورية الفقرة الأولى من هذه المواد التي تنص على «يجرد العضو المنتخب بمجلس الجماعة الترابية الذي تخلى خلال مدة الانتداب عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية في المجلس»، وبعدم دستورية الفقرة الثانية التي تنص على »يعتبر عضو مجلس الجماعة الترابية من منظور هذا القانون التنظيمي في وضعية تخلي عن الحزب الذي ترشح بتزكية منه، إذا قرر هذا الحزب وضع حد لانتماء العضو المنتسب إليه، بعد استنفاد مساطر الطعن الحزبية والقضائية«.

يستفاد من هذه المواد أن المشرع التنظيمي لم يميز بين التجريد من العضوي الناجم عن التخلي ( فعل الإرادي ) عن الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، والإقالة من هذا الحزب أو الهيئة التي ينمتي إليه ( فعل ناجم عن تدخل إرادة ثانية)، ربما هذا الخلط أو عدم التمييز ناتج عن التأويل والتفسير الواسع للفصل 61 من الدستور وكذلك سوء فهم لاجتهاد المجلس الدستوري المتعلق بالمادة 20 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية  رقم 29.11.

وبالعودة إلى أحكام الفصل 61 من الدستوري نجدها تتحدث فقط عن التجريد من العضوية بالنسبة لأعضاء مجلسي البرلمان الذين تخلو عن انتمائهم السياسي الذي ترشحوا باسمه للانتخابات، أو عن الفرق أو المجموعات البرلمانية التي ينتمون إليها، ومن جهة أخرى أن هذا الفصل يتحدث فقط عن التخلي من طرف العضو البرلماني ولم يذكر الإقالة أو الطرد أو شيء من هذا القبيل.

غير أن المجلس الدستوري في قراره رقم 818.11 المتعلق بالقانون التنظيمي بالأحزاب السياسية،([11]) سمح للمادة 20 من هذا القانون أن تشمل أولئك الذين يقعون تحت طائلة التجريد من العضوية، أعضاء مجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية الذين يتخلون عن انتمائهم السياسي، مبررا ذلك بمبدأ الوفاء السياسي من قِـبل المنتخبين تجاه ناخبيهم من خلال الهيئات السياسية التي ترشحوا باسمها، وكذلك جعل حرية المنتخب في تغيير انتمائه السياسي مقيدة بحقوق الناخبين وحقوق الهيئات السياسية التي رشحته لمهام انتدابية، في نطاق تعاقد معنوي بين الطرفين.

 

وعليه، يتضح من الفصل 61 وقرار المجلس الدستوري أعلاه، أنهما لم يشيرا إلى مفهوم الإقالة التي قد يتعرض لها العضو المنتدب في إحدى هذه المجالس أو أجهزته، وإنما اقتصرا فقط عن التخلي من طرف العضو عن انتمائه السياسي، وهي الحالة الوحيدة التي يطبق على التجريد من العضوية في المجلس أو الهيئة التي كان ينتمي إليها.

وبذلك يكون المجلس الدستوري قد حالفه الصواب عندما أبطل الفقرة الثانية من هاته المواد التي كانت تنص على »يعتبر عضو مجلس الجماعة الترابية من منظور هذا القانون التنظيمي في وضعية تخلي عن الحزب الذي ترشح بتزكية منه، إذا قرر هذا الحزب وضع حد لانتماء العضو المنتسب إليه، بعد استنفاد مساطر الطعن الحزبية والقضائية«،

وبالتالي، يكون ما انتهي إليه المجلس الدستوري بخصوص الفقرة الثانية من هذه المواد، يروم حماية المنتخب الذي فاز في الانتخابات لأداء مهامه بعيدا عن الضغوطات الحزبية، لأن هذه الفقرة كانت ترمي إلى تقييد العضو المنتخب واستبعاده كلما تبين للحزب الذي ينتمي إليه أنه غير مرغوب فيه لدواعي معينة،  وكذلك ترهن مصيره في يد الحزب، ضرب عرض الحائط مصداقية الانتخابات، وإرادة المواطنين الذين صوتوا عليه.

غير أن المجلس الدستوري لم يتوقع تبعات هذا الاجتهاد، والتي أسفرت عنها بعض الممارسات بعد استحقاق الرابع من سبتمبر 2015، لاسيما عند تشكيل مجالس الجماعات الترابية، حيث أبات الممارسة عدم امتثال بعض المنتخبين لتوجهات الأحزاب السياسية التي ينتمون إليها، والنزاعات بين مترشحين من نفس الحزب السياسي على ترأس بعض الجماعات خصوص تلك التي ينتخب أعضاء مجالسها بالاقتراع الأحادي الاسمي، بالإضافة إلى مسألة التحالفات الحزبية، وبالتالي، في هذه الحالة لا يستطيع الحزب السياسي أن يقوم بتجريد المنتخب الذي لم يمتثل لأوامر الحزب السياسي من عضويته جراء السلوك المخالف لتوجهات الحزب، ما دام أن هذا العضو محصن باجتهاد المجلس الدستوري.

  1. تقديم العرائض إلى مجلس الجهة

 

نص البند الأخير من المادة 121 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات على أن «من الشروط التي يجب على الجمعيات استيفاؤها لتقديم عريضة إلى مجلس الجهة: “أن تكون الجمعية متوفرة على فروع قانونية في كل أقاليم الجهة».

وصرح المجلس الدستوري بعدم دستورية هذا البند، لكون هذا الشرط يروم الحد من ممارسة حق دستوري مخوَّل للجمعيات بموجب الفصل 139 من الدستور، قصد تقديم عرائض إلى مجلس الجهة لمطالبته بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله.

ويبدو أن هذا التصريح يحمل رسالة واضحة إلى الجهات المعنية بإعداد القوانين التنظيمية المتعلق بالملتمسات التشريعية المنصوص عليها في الفصل 14 من الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بتقديم العرائض المنصوص عليه في الفصل 15 من الدستور، مفادها أن ممارسة المواطنات أو المواطنين سواء بشكل فرادى أو في إطار جمعيات، لحقهم الدستوري المتمثل في تقديم الملتمسات التشريعية أو العرائض، يتعين أن يكون مقيد بأقل القيود وكذلك يجب أن تكون هذه القيود قائمة على مبررات قانونية معقولة.

إذن كانت هذه بعض الملاحظات التي سجلناها عن القرارات التي أصدرها المجلس الدستوري حول القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، والتي لمسنا من خلالها بعض الإشكاليات الدستورية التي كانت مطروحة قبل عرضها على المجلس الدستوري، لاسيما فيما يتعلق بإجراءات وشروط إقرار هذه القوانين التنظيمية.

 

 

[1] – قرار المجلس الدستوري رقم 666.15، الصادر بتاريخ 30 يونيو 2015، الجريدة الرسمية، عدد 6376، الصادرة بتاريخ 09 يوليو 2015، ص، 6423

[2] – قرار المجلس الدستوري رقم 667.15، الصادر بتاريخ 30 يونيو 2015، الجريدة الرسمية، عدد، 6376، الصادرة بتاريخ 09 يوليو 2015، ص، 6427

[3] – قرار المجلس الدستوري رقم 668.15، الصادر بتاريخ 30 يونيو 2015، الجريدة الرسمية، عدد، 6376، الصادرة بتاريخ 09 يوليو 2015، ص، 6431

 

[4] – ظهير شريف رقم 1.11.173، الصادر بتاريخ 21 نوفمبر 2011، بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، الجريدة الرسمية، عدد 5997 مكرر، الصادرة بتاريخ 22 نوفمبر 2011، ص، 5537، الذي وقع تغييره وتتميمه بموجب القانون التنظيمي رقم 34.15 الصادر بشأن تنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.90، الصادر بتاريخ 16 يوليو 2015، الجريدة الرسمية، عدد، 6380، الصادرة بتاريخ 23 يوليو 2015، ص، 6713

[5] – قرار المجلس الدستوري رقم 821.11، الصادر بتاريخ 19 نوفمبر 2011، الجريدة الرسمية، عدد، 5967 مكرر، الصادرة بتاريخ 21 نوفمبر 2011، ص، 5566

[6] – ظهير شريف رقم 1.15.85، الصادر بتاريخ 07 يوليو 2015، بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق الجماعات، الجريدة الرسمية، عدد 6380، الصادرة بتاريخ 23 يوليو 2015، ص، 6660

[7] – ظهير شريف رقم 1.15.84، الصادر بتاريخ 07 يوليو 2015، بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، الجريدة الرسمية، عدد 6380، الصادرة بتاريخ 23 يوليو 2015، ص، 6625

[8] – ظهير شريف رقم 1.15.83، الصادر بتاريخ 07 يوليو 2015، بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 111.14، المتعلق بالجماعات، الجريدة الرسمية، عدد 6380، الصادرة بتاريخ 23 يوليو 2015، ص، 6585

[9] – قرار المجلس الدستوري رقم 938.14، الصادر بتاريخ 14 يونيو 2014، الجريدة الرسمية.، عدد 6267، بتاريخ 23 يونيو 2014، ص. 5449

[10] – ظهير شريف رقم 1.11.166، الصادر بتاريخ 22 أكتوبر 2011، بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، الجريدة الرسمية، عدد، 5989، الصادرة بتاريخ 24 أكتوبر 2011، ص، 5172، كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون التنظيمي رقم 33.15، الصادر بشأن تنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.89، الصادر بتاريخ 16 يوليو 2015، الجريدة الرسمية، عدد، 6380، الصادرة بتاريخ 23 يوليو 2015، ص، 6712

[11] – قرار المجلس الدستوري رقم 818.11، الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 2011، الجريدة الرسمية، عدد 5989، بتاريخ 24 أكتوبر 2011، ص. 5201

Exit mobile version