مفهوم التظلّم الإداري وأنواعه في التشريع القطري والمغربي”دراسة مقارنة”

مفهوم التظلّم الإداري وأنواعه في التشريع القطري والمغربي”دراسة مقارنة”

حور ناصر أحمد محمد طاهر

[email protected]

طالبة بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي.

الملخص

       يهدف هذا البحث إلى تحديد ومعرفة مفهوم التظلّم الإداري وأنواعه في التشريع القطري، والمغربي، واستخدمت الباحثة المنهج الوصفي التحليلي، والمقارن للتحقيق الغاية من البحث، وتم تقسيمه إلى مبحثين؛ الأول: تعريف التظلّم وتمييزه عن المفاهيم المشابهة له، أما الثاني أنواع التظلم الإداري؛ فالتظلم الإداري قد يكون ولائياً، وقد يكون رئاسياً، أو وجوبياً، أو اختياريـاً، ولكـي ينـتج آثـاره القانونية يتعين تقديمه بإسم المتظلّم، بعد صدور القرار المطعون فيه، وصيرورته نهائياً، وقبل رفـع الدعوى إلى الجهة الإدارية المختصة، علـى أن يكـون مجدياً، وواضحاً. وتظهر أهميته في تخفيف العبء عن القضاء في تقليل المنازعات القضائية وإنهائها في مراحلها الأولى دون اللجوء إلى القضاء، ويعد التظلم الإداري من الوسائل غير القضائية التي من خلالها يمكن تحقيق العدالة الإدارية.

Abstract

        This research aims to define and know the concept of administrative grievance and its types in Qatari and Moroccan legislation. The researcher used the descriptive, analytical and comparative approach to achieve the purpose of the research, and it was divided into two topics: The first: defining grievance and distinguishing it from similar concepts, while the second is types of administrative grievance; An administrative grievance may be loyal, and it may be presidential, mandatory, or optional, and in order to produce its legal effects, it must be submitted in the name of the complainant, after the appealed decision has been issued and becomes final, and before the case is filed to the competent administrative authority, provided that it is feasible and clear. Its importance in reducing the burden on the judiciary appears in reducing and ending judicial disputes in their early stages without resorting to the judiciary. Administrative grievance is one of the non-judicial means through which administrative justice can be achieved.

المقدمة:

      أوجد المشرع في دولة قطر، كذلك دول المقارنة للمتضرر مسلكًا ألزمه اللجوء إليه قبل اللجوء إلى القضاء في بعض الحالات، وهو التظلّم الإداري الذي بموجبه يطلب ذو المصلحة من الإدارة العدول عنه؛ فإذا رفضت يكون لهُ الحق في اللجوء إلى القضاء لمخاصمة القرار الإداري المخالف، والمطالبة بالتعويض عما لحقه من أضرار مادية ومعنوية.

      ومؤدى التظلّم الإداري عدم رضا صاحب الشأن بالقرار الذي علِم بهِ بواسطة النشر، أو الإعلان، أو العلم اليقيني، فيبادر إلـى الـتظلّم إلـى الإدارة مصدرة القرار، أو إلى الرئيس الإداري الأعلى لمن أصدر القرار، طالبًا إعادة النظر فيه، وسحبه، أو إلغاءه، إذ يحق لمصدر القرار في حال علمه بعدم مشروعية قراراه أنَّ يصحح هذا القرار لتطهيره من العيوب التي لحقت به، وبطبيعة الحال فإنَّ ذلك أفضل من إلغاء القرار قـضائيًا، لا بـل إنَّ الـرئيس الإداري يكون بذلك قد أظهر احترامه للقانون، على أن نلاحظ أن ذلك ليس بشكل مطلق، وإنما مقيـد بالمواعيد ذاتها المقررة للطعن بالإلغاء.

     كما يمنح التظلم الإداري جهة الإدارة فرصًا للعدول عن قراراها بصورة إدارية، ودون أمر أو تدخل من القضاء، وهو على هذا النحو يشكل مظهرًا من مظاهر الإدارة القاضية، وبإمكان الإدارة أن تراجع نفسها بعد رفع التظلّم، وأن تعدل عن قراراها فتلغيه طواعية بقرار آخر.

     واعتمدت الباحثة في كتابة هذه البحث على المنهج الوصفي التحليلي، وذلك لتحليل النصوص وأقوال الفقهاء ومناقشتها، ومن ثم مقارنتها من أجل الوقوف على جوانب القصور بهدف تلافيها، أو لإظهار ميزتها، ولتقوية ودعم موضوع الدراسة لجأت إلى المنهج المقارن، وقد استدعت المنهجية تقسيم هذ البحث إلى قسمين، على النحو التالي:

المبحث الأول: تعريف التظلّم وتمييزه عن المفاهيم المشابهة له

المبحث الثاني: أنواع التظلم الإداري

المبحث الأول

تعريف التظلّم وتمييزه عن المفاهيم المشابهة له

    يخــتلط الــتظلّم بمفهومــه مــع كثيــر مــن المصــطلحات الأخــرى لــيس في الاستعمال فقط وإنما حتى في بعض الأنظمة؛ حيث أنَّ تحديـــد مفهـــوم الـــتظلم وتمييـــزه عـــن غيره من المفاهيم التـي يقـدمها الأفـراد للجهات الإداريـة نظـرًا لما يترتـب عليهـا مـن آثـار علـى إجراءات الـدعوى؛ لذا سنتناول هذا الموضوع من خلال تعريف التظلم الإداري في (المطلب الأول)، وبعد ذلك تمييز التظلم الإداري عن غيره من المفاهيم  في (المطلب الثاني).

المطلب الأول

تعريف التظلّم الإداري

     على الرغم من الاسـتعمال الشائع لمصطلح التظلّم إلا أنه ـلم يكن من السهل وضع تعريف له، والذي يهمنا هنا هو التظلم الذي له علاقة برفـع الـدعوى.

الفرع الأول: التظلّم في اللغة

    التظلم من الظلم وهو وضع الشيء في غير موضـعه، وتظلم منه أي شكا منه ظلمه، والمتظلم الذي يشكو رجلاً ظلمه والمتظلم أيضًا المظلوم، ويقال تظلمي فلان فظلمه تظليمًا، أي أنصفه من ظالمه وأعانه عليه، ويقال ظلمته فتظلم، أي بمعنى صبر على الظلم، وأصـل الظلـم الجور ومجاوزة الحد والتعدي([1])، والتظلم يحيل على مستوى الدلالة اللغوية إلى ولاية المظالم في الإسلام، وهي تلك التي تحدث عنها إبن عربي بالقول: أنها مستحدثة، وأنها ولاية غريبة أحدثها من تأخر من الولاة لفساد الولاية وفسـاد الناس، وهي عبارة عن كل حكم يعجز عنه القاضي، فينظر فيه من هو أقوى منـه يـدًا، وذلك أن ضعيفين قَّوى أحدهما القاضي التنازع، وإذا كان بين قوي وضعيف، أو قويين والقـوة في أحدهما بالولاية كظلم الأمراء والعمال، فهذا مما نّصب له الخلفاء أنفسهم له([2]).

الفرع الثاني: تعريف التظلّم الإدراي لدى الفقهاء

      يكون التظلم الإداري عندما يصدر قرار إداري معيب، أو غير ملائم على الأقل، فيتقدم أحـد الأفراد ممن يمسهم الضرر إلى الجهة التي أصدرت القرار، أو إلى الجهة الرئاسية، طالبًا سـحبه، أو تعديله أو إلغاءه([3]).

      ويرى البعض أنَّ التظلم الإداري يعني عدم رضاء صاحب الشأن بالقرار الذي علم به بواسطة النشر أو الإعلان أو العلم اليقيني، فبادر بكتابة هذا على شكل تظلم وأرسله للإدارة مصدرة القرار أو لرئيسها طالبًا إعادة النظر فيه وسحبه أو إلغاءه، فمصدر القرار من حقه حال علمه بعدم مشروعية قراره أن يصحح قراره ويطهره من العيوب التي لحقته، بل يعد ذلك أفضل من إلغاء القرار قضائيًا، إذ أنَّه بذلك يظهر احترامه للقانون([4]).

      ويوجه التظلّم الإداري إلى جهة إدارية عاملة تكتسـب قراراتها النهائية الصـفة الإدارية، ومن حيث المبدأ لا يخضع الــتظلم للقواعـد الشكلية والموضوعية التي يخضع لها الحكم القضائي، كما أنه يجــب أن يتعلــق بنــزاع يثيــر مشــروعية القــرار الإداري؛ وعليه لا يعنينا ما يبديه الأفراد من ملاحظات قبل صدور القـرار أو أثناء التحقيق أو حتى النظـر في ملائمة القــرار، كما أنه يعد إجراء يجب أن يستوفى قبل اللجوء إلى القاضي.

     كما تناوله آخر بأن يقدم صاحب الشأن الذي صدر القرار في مواجهتـه التماسـًا إلى الإدارة بإعادة النظر في قرارها الذي أحدث أضرارًا بمركزه القانوني، لكي تقوم بتعديله، أو سحبه، أو بعبارة أخرى هو عرض الفرد حالة على الإدارة طالبًا منها إنصافه([5]).

     وعرف أيضًا بأنَّه إلتجاء صاحب الشأن للجهة الإدارية التي أصدرت القرار الإداري أو الجهة الرئاسية طالبًا منها تعديله أو سحبه([6])، كما أنه اعتــراض كتابي يقدمه من صـدر بشأنه القـرار الإداري إلى السـلطة المختصة، يبدي فيه المعترض عدم الرضا عما تضمنه القرار([7])، فالتظلم يقـوم علـى أسـاس وجـود خلاف أو نزاع بـين الإدارة المصـدرة للقـرار والمـتظلم، بسـبب عـدم مشـروعية قرارهـا، وعليــه فكــل مــا يتوجــه بــه الشــخص إلــى الجهــة الإداريــة، ولا يثيــر نزاعــًا، لا يعتبـر تظلمـًا، كأن يطلـب ميزة أخرى لا يتضـمنها القـرار أو رجـاء بـالتراجع عـن القـرار أو إرجائه، وما دام الغرض من الـتظلم هـو وضع حـد للخصـومة أو النـزاع، فينبغـي أن يوجه إلى مـن أصدر القــرار أو رئيسه الإداري، إن وجـد، ولا يعتـد من الناحية الإجرائية بالتظلم إلى جهـة لا تملـك صـلاحية أو اختصـاص إعـادة النظـر، كمـا أنـه إجراء يسبق الدعوى القضائية ولازم لرفعها للقضاء([8]).

      وتجدر الإشارة أنه لا يدخل في مفهوم التظلّم مجرد طلب صاحب الشأن بيان أسباب القـرار الإداري الذي صدر، ولو كانت الإدارة ملزمة بتسبيب هذا القرار بمقتضى نص تشريعي، أو لاستقرار القضاء على ذلك إلا أن المشرع الفرنسي قد خرج على هذه القاعدة في فرضية محددة لا يقـاس عليها([9]).

     بناءً على ما تقدم تعرف الباحثة التظلم الإداري بأنه طلب يقدم من ذو الشأن للجهة المختصة للتظلم من قرار إداري مس مركزه القانوني، مطالبًا تلك الجهة انصافه، وتحقيق العدل والرجوع عن القرار الصادر بحقه، وإلا سوف يلجئ للقضاء للطعن بالقرار لمخالفته للقانون، والمطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقته من جراء تعنت وإساءة استعمال الإدارة لسلطتها.

الفرع الثالث: التعريف القانوني للتظلم الإداري

      عرفت محكمة القضاء الإداري المصري التظلم بقولها التظلم هو الأصل في مجال استخلاص ذو الشأن لحقوقهم ورفع الظلم عنهم باعتبار أن جهة الإدارة وهي الخصم الشريف يتعين عليها أن تعطي الحق لأصحابه دون أن تكبدهم مشقة القضاء وإجراءاته، يؤكد ذلك أن المشرع حرصًا منه على تخفيف العبء على المضرور وتجنبه أعباء التقاضي اشترط لقبول دعوى الإلغاء في بعض الأحوال أن يسبقها تظلّم لعل صاحب المصلحة يحقق طلباته دون طرح المنازعة على القضاء([10])، ويمكن الإشارة هنا أن توسع القضاء الإداري المصري في معنى التظلم ايجابي لمعنى التظلم حتى لا تهدر حقوق المـوظفين بسبب التمسك بالشكلية الضيقة للتظلم.

      وبالتالي فإنَّ التظلّم من القرار الإداري يتطلب بيان العيب الذي شاب القرار المطعون فيه، ومن بين هذه العيوب الانحراف بالسلطة وإساءة استعمالها، وقوام هذا العيب هو استعمال السلطة للانتقام والتنكيل بالموظف، ولا جناح على المتظلم وهو بصدد اختصام القرار المتظلم منه أن ينعته بهذا العيب، واستعمال الموظف العبارات والمصطلحات المتعارف عليها قانونًا لنعت القرار لا يعد خروجًا على مقتضيات الوظيفة ولا يعتبر سببًا يستوجب المساءلة، وأساس ذلك أن استخدام تلك العبارات يحمل محل التجرير والتشكيك من جهة الإدارة([11]).

      أما في المغرب لا يوجد تعريف على مستوى النص القانوني للتظلم الإداري؛ حيث اكتفى المشرع المغربي بالتنصيص عليه من خلال الفصل (360) من قانون المسطرة المدنية، والفصل (23) من قانون المحاكم الإدارية، اختياريًا أو إلزاميًا بموجب نصوص قانونية خاصة، وعلمًا أيضًا أنَّ المشرع المغربي اعتمد مصطلحين في الفصل (23) من قانون المحاكم الإدارية تارة “التظلم” وتارة أخرى “الطعن” للدلالة على شيء واحد: طلب يتقدم به صاحب الشأن إلى الإدارة لإعادة النظر في قرار إداري يدعي مخالفته للقانون، ودون تحديد طبيعة هذا الطلب، وفي نصوص القانون الخاص اعتمد مصطلح “شكاية”([12])، كذلك الأمر لم يعرف المشرع القطري التظلم الإداري، إلا أنه نظم أحكامه وإجراءات تقديمه وشروطه([13])؛ وأشار إليه المشرع القطري في أحكام محكمة التمييز الدائرة – المدنية والتجارية بقولها: ((… التظلم هو الأصل في مجال إستخلاص ذوي الشأن لحقوقهم ورفع الظلم عنهم، وأخذًا بالحكمة التشريعية من نظام التظلم وهي مراجعة الجهة الإدارية نفسها قبل الالتجاء إلى طريق الطعن القضائي، إذ أن الإدارة وهي الخصم الشريف يتعين عليها أن تعطي الحق لأصحابه دون أن تكبدهم مشقة القضاء وإجراءاته شريطه أن يظل في إمكانية الجهة الإدارية سحب القرار أو الغائه بعد إصداره متى تبين لها تغير الظروف الموضوعية التي استندت إليها في إصداره وأن يتم التظلم قبل رفع دعوى إلغاء القرار الإداري، فإذا إمتنع على الجهة الإدارية مصدره القرار إعادة النظر فيه لاستنفادها ولايتها بإصداره ولعدم وجود سلطة رئاسية تملك التعقيب على مصدر القرار فإن أبواب التظلم تكون قد تغلقت ويصبح سلوك طريق التظلم غير ذي جدوى…)) ([14]).

المطلب الثاني

تمييز التظلم الإداري عن غيره من المفاهيم الأخرى

     يُعَّد التظلم الإداري وسيلة من وسائل تحريك عملية الرقابة الإدارية الذاتية، ووسيلة من وسائل حل المنازعات الإدارية بين الأفراد والسلطات الإدارية إداريًا ووديًا، وفي ظل ذلك هنالك تشابه بين التظلم وغيرها من العبارات مثل دعوى الإلغاء، الصلح الالتماس …الخ؛ لذا كان من الضرورة دراستها في مجال المنازعة الإدارية والتمييز بينهما.

الفرع الأول: التظلّم الإداري والالتماس

     يختلف التظلم الإداري عن الالتماس لأن التظلم يفترض وجود خلاف أو نزاع بين الإدارة وصاحب الشأن، في حين تُستبعد فكرة الخلاف أو النزاع في الالتماس، وإن طلب الالتماس وعدم نجاحه وتحقيق آثاره لا يحول دون تقديم التظلّم، كما أن التظلم يخاصم قرار إداري مُعين، في حين أنَّ الالتماس قد يكون موجه إلى قرار ليس فيه عيب مثل طلب تأجيل نقل موظف مراعاةً لظروف معينة وقد يقدم اعتراضًا إداريًا على الاجراءات التحضيرية أو الاعدادية للقرار الإداري وهنا لا يعد تظلمًا لعدم مخاصمة قرار إداري وإنما يعد التماسًا([15])، وأنَّ التظّلم الإداري يتضمن صراحة طلبًا بإعادة النظر في القرار الإداري المعيب إما بسحبه أو إلغاءه أو تعديله وهذا ما لا يتوفر في الالتماس لاستبعاد النزاع أو الخلاف حول القرار الإداري الصادر([16])، كذلك التظلم الإداري يقوم على اعتبارات وإجراءات قانونية معينة ويقدم خلال ميعاد مُعين لكي ينتج أثرهُ القانوني، بينما يغلب على الالتماس الاعتبارات الإنسانية والظروف الشخصية ولا يولد نتائج قانونية كالتي يولدها التظلم الإداري، إضافة إلى ذلك الطلب المقدم لا يُعد تظلمًا إداريًا ولا يندرج تحت هذا المفهوم إذا لم يتضمن ذكرًا لفكرة النزاع، وفي فرنسا هنالك ما يسمى إعادة النظر في الأحكام الإدارية النهاية أمام مجلس الدولة، ولا يقبل الالتماس إلا في حالات معينة([17]):

  1. أنَّ يكون الحكم الصادر بناءً على وثيقة مزورة.
  2. أن يصدر الحكم على الطاعن، وذلك لأن خصمه حجز وثيقه أو دليل من شأنها أن تغير في الحكم.
  3. أن يشوب الإجراءات عيب جسيم في اصدار الحكم، مثل أن يصدر الحكم في جلسة علنية، أو أن الجلسة غير مكتملة.

الفرع الثاني: التظلّم الإداري والدعوى الإدارية

     تُعَّد الدعوى الإدارية دعوى قانونية التي يتمتع بها الأفراد ويتمكنون بمقتضاها من الالتجاء إلى القضاء طلبًا لحماية حقوقهم المعتدى عليها أو لتقرير هذه الحقوق أو للتعويض عن  الأضرار التي يلحق بها([18])، وبالتالي هي دعوى یرفعها أحد الأفراد إلى القضاء الإداري، لإعدام قرار إداري مخالف للقانون([19])؛ حيث تتمثل برفع دعوى أمام المحكمة المختصة، ويكون هنالك مدعي يطالب بحقوق وفوات المنفعة والكسب، وتنتهي بحكم قضائي صادر من قاضي، ويختلف التظلم الإداري عن الطعن القضائي، إذ يقدم التظلم إلى الجهة الإدارية المختصة في حين يقدم الطعن القضائي أمام محكمة القضاء الإداري، كما أن التظلم الإداري لا يخضع للشروط الشكلية المحددة في الطعن القضائي([20]).

      والتظلم الإداري يحيل إلى مرجعية مختلفة عن المرجعية التي ينتمي إليها الطعن، إذ أنَّ التظلم هو الذي عرف خلال مسيرة طويلة من الحكم الإسلامي، وكان يوجه إلى القاضي أو إلى السلطان، بينما الطعن الإداري مرتبط بمرجعية أُخرى وبالقانون الوضعي ومبدأ الشرعية([21])، إضافةً إلى ذلك السلطة الإدارية غير ملزمة بالرد على التظلّم في حين أن المحكمة الإدارية ملزمة بالفصل في موضوع الدعوى، كذلك الاختلاف في نتيجة نظر الطعن فالسلطة الإدارية تُصدر قرارًا إداريًا، في حين أن المحكمة تفصل في الدعوى القضائية بحكم قضائي يخضع للنظام القانوني الذي يحكم الأحكام القضائية، كذلك تمارس الإدارة في التظلّم رقابتي المشروعية والملاءمة، فتلغي، أو تعدل، أو تسحب القرار المعيب، في حين لا يزال الطابع العام للرقابة القضائية أنها رقابة مشروعية، وليست رقابة ملاءمة، فتلغي المحكمة القرار غير المشروع دون أن يكون لها الحق في تعديله([22]).

الفرع الثالث: التظلم الإداري والصلح الإداري

     كما ذكرنا يقصد بالتظلم الإداري أن الفرد الذي صدر بحقه قرار أضر به باب الإدارة، ويطلب منها إعادة النظر في القرار الذي أصدرته، وتصحيحه أو تطهيره من العيوب التي لحقت به، وذلك بإلغائه أو سحبه أو تعديله، لذلك يدخل التظلم الإداري في الطلبات التي تقدم للإدارة، ويشكل إحدى الوسائل التي يمارسها الأفراد لأجل الحصول على اعتراف بمصالحهم التي تضررت من جراء صدور قرارًا إداريًا معينًا، لذلك يعد التظلم وسيلة لتسوية بعض المنازعات الإدارية، وإنهائها في مراحلها الأولى، وتحقيق العدالة الإدارية بطريق أيسر للناس، حيث قدر المشرع أنَّه لو طرق الأفراد باب الإدارة قبل لجوئهم إلى القضاء الإداري، لأمكن حل كثير من الإشكالات وديًا، وفي وقت قصير، وبدون إنفاق التكاليف التي يستلزمها الطريق القضائي، لأن صدور القرار الإداري معيبًا، لا يعني حكمًا أن الإدارة أرادت حكمًا أن يكون القرار كذلك([23])، ويُعَّدُ الوجود القانوني للصلح الإداري قديمًا في فرنسا؛ حيث اعترف به من قبل مجلس الدولة الفرنسي، وإمكانية أن تلجأ الأشخاص الاعتبارية العامة إليه، منذ نهاية القرن التاسع عشر، في حين يلاحظ أنه قد تم الاعتراف ضمنًا أيضًا في قطر بالوجود القانوني للصلح الإداري، حيث نصت المادة (9) من القرار الأميري رقم (25) لسنة 2014 على اختصاص إدارة قضايا الدولة، بإبداء الرأي في طلب إجراء الصلح أو التسوية في القضايا التي تباشرها الإدارة، ولا يجوز للجهة المعنية إجراء صلح أو تسوية إلا بعد أخذ رأي الإدارة، وموافقة الوزير (وزير العدل)، وللإدارة اقتراح الصلح على الجهة صاحبة الشأن أو التسوية في دعوى تباشرها الإدارة، وهو ما يعني أن المشرع القطري قد اعترف بإمكانية إبرام الصلح الإداري من قبل الأشخاص الاعتبارية العامة في معرض ذكر الإجراءات التي يجب مراعاتها من الناحية القانونية قبل اللجوء إلى هذا النمط من الصلح.

     وترى الباحثة أنه يجب على الأفراد وضمن القضاء الكامل حصرًا، أن يحصلوا على قرار من الإدارة بشأن مطالباتهم قبل إثارة الدعوى القضائية أمام القاضي الإداري، وعلى هذا الأساس، فإنه عندما يثار نزاع بين الإدارة والفرد، يجب على هذا الأخير، وقبل أن يطرق باب القضاء، أن يثير قرارًا من جانب خصمه أي الإدارة، وهو ما يقتضي فحص الإدارة لمطالبه، وإذا ما قبلت الإدارة طلب الفرد المقدم بناءً على قاعدة القرار المسبق، فإن مخرجات هذه القاعدة الأخيرة، هي الحل الودي للنزاع، وغالبًا ما يكون ذلك على أساس صلحي، أما إذا لم تكن الحال كذلك، فإنه لا مناص من اللجوء إلى القضاء الإداري، وإثارة النزاع أمامه، والمطالبة عما لحقه من أضرارًا مادية ومعنوية.

    وبناءً على ما تقدم، فإن التظلم الإداري يخلق المناخ التفاوضي قبل العقدي لإبرام عقد صلح إداري، لأنه يفتح باب الحوار بين الإدارة والفرد، لذلك يمكن القول إن التظلم الإداري يشبه التوفيق، لأنه يشكل وسيلة للحوار بين الإدارة والفرد، والتي يمكن أن تؤدي إلى تقريب وجهات النظر بين الطرفين، بما يقود في النهاية إلى الصلح.

المبحث الثاني

أنواع التظلم الإداري

      يفترض التظلم الإداري وجود عمل إداري يخاصم صاحب الشأن مشروعيته وملاءمته، وبهذا لا تعد الاعتراضات أو التظلمات المقدمة في ظل غياب النص القانوني أو العمل الإداري المحدد حصرًا بأنها تظلّمًا إداريًا، وتتنوع التظلمات الإدارية ما بين الجهة التي يقدم لها، أو القوة الالزامية؛ لذا سنتناول هذا الموضوع من خلال الجهة التي يقدم لها التظلم الإداري في (المطلب الأول)، ومن حيث الالتزام القانوني للتظلم في (المطلب الثاني).

المطلب الأول

الجهة التي يقدم لها التظلّم الإداري

    يُصنف التظلم الإداري بالنظر إلى السلطة الإدارية التي يقدم إليها، إلى تظلم ولائي أو رئاسي، أو أن يتم تقديمه إلى لجنة إدارية خاصة.

الفرع الأول: التظلم الولائي (الاستعطافي)

      يقصد بالتظلم الولائي التظلم الذي يقدم من صاحب الشأن أو من يمثله قانونًا إلى مصدر القرار الإداري قبل مخاصمة مشروعية القرار قضائيًا، لغرض إعادة النظر في القرار المعيب إما بسحبه أو تعديله أو إلغائه، أو هو التماس يقدم إلى من صدر منهُ القرار المشكو منه ويطالب فيه الإدارة بدراسة قرارها ومراجعته([24]).

      وعلى اعتبار أن التظلم الولائي (الاستعطافي)([25]) لا يفتح مجالاً لعرضه على القضاء الإداري، وليس شرطًا مسبقًا للجوء إلى المحاكم الإدارية، كما أنه يتميز ببساطته ويمارس في غياب أي نص قانوني يؤطره وهو موجود في مختلف التشريعات، والغرض منه هو دعوة الإدارة حسب الحالة إلى سحب العمل الإداري المتنازع عليه أو إصلاح الضرر الذي قد تسببه أعمالها أو تقاعسها اتجاه أطراف أُخرى([26])، وقد أشار قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (17) لسنة 2018 بفحص ودراسة التظلمات والشكاوى المقدمة من الموظفين الخاضعين لأحكام قانون الموارد البشرية المدنية الصادر بالقانون رقم (15) لسنة 2016 والقرارات المنفذة له للتظلم الولائي، بحيث تكون قرارات اللجنة بالبت في التظلمات ملزمة، ويخطر ذوي الشأن بالقرارات الصادرة من اللجنة خلال (10) أيام من تاريخ صدورها، ويتعين لقبول التظلم أن يكون المتظلم قد استنفد سبل التظلم أمام الجهة التي يعمل بها أو استنفاد موعد (30) يومًا من تاريخ تقديم التظلم أمام جهة عمله ولم تقم الجهة بالرد على تظلمه، ولا تقبل اللجنة تظلمات وشكاوى العاملين بالقطاع الخاص لاختصاص لجنة فض المنازعات العمالية بذلك.

     ويرى البعض أنه على الرغم من أهمية التظلّم الولائي إلا أنه قد لا يتحقق في حالات كثيرة الغـرض المرجو منه، لأن الإدارة التي أصدرت القرار قد تتمسك بموقفها، وتـسعى لأن يكـون رأيهـا هـو الصواب، ولا تفضل العدول عنه([27]).    

      وبالتالي یعتبر التظلم الولائي من أضعف أنواع التظلمات وذلك لعدم توافر وصف الحیدة واجتماع صفة الخصم والحكم في من یتلقى التظلم وحسب درجة اقتناعها بالادعاءات المقدمة من  ذو المصلحة، وكذلك سیر المرفق العام، وقد لا ترد أصلًا على الالتماس المقدم من ذو المصلحة، وفي هذه الحالة یعد سكوتها رفضها ضمنیًا للتظلم([28]).

      وفي حكم للمحكمة الإدارية العليا المصرية في الطعن رقم (3160) في 1998 بقولها: ((… إن طريق المنازعة القضائية هو محض سبيل الالتزام في اللجوء إليه وليس من شأنه أن يحول دون الالتجاء إلى أولي الأمر من خلال التظلم إليهم، وهذا التظلم بما يفصح عنه مدلوله المصطلح عليه قانونًا، ويعنى التظلم الولائى هو الأصل في مجال استخلاص ذوى الشأن لحقوقهم ورفع الظلم عنهم، وأساس ذلك: أن جهة الإدارة وهي الخصم الشريف يتعين أن تعطى الحق لأصحابه دون تكبدهم مشقة القضاء وإجراءاته…))([29]).

      ونرى أن الفوائد التي تنجم عن التظلّم الولائي هي أكثر بكثير من إلغائه، فهـو يعكـس حالـة مؤداها تفضيل تسوية الأمر داخل المرفق العام بعيدًا عن الخصومة القـضائية، ولـيس صـحيحًا أن الإدارة ستتمسك دومًا بموقفها، فهذا أمر افتراضي من الممكن حدوث عكسه بـأن تفـضل الإدارة التراجع عن قرار خاطئ صدر عنها بدلاً من نشر الأمر، وإعلانه على الكافة عبر منازعة قـضائية.

الفرع الثاني: التظلم الرئاسي (التسلسلي)

      يتم التظلم الرئاسي بأنَّ يتظلم صاحب المصلحة إلى الرئيس الأعلى مصدر القرار، فيتولى الرئيس مصدر القرار بعد ذلك البحث في هذا التظلم، فإذا تبين صحة ما يطلبه المتضرر فإنه يقضي بسحب القرار أو إلغائه أو تعديله مما يجعله مطابقًا للقانون، وقد يتولى الرئيس الأعلى هذه المسألة من تلقاء نفسه دون تظلم من صاحب المصلحة بمقتضى ما يملكه من سلطة رئاسية على مصدر القرار([30])، وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا المصرية حيث قضت بأن: ((… المشرع قد حدد على سبيل المثال وليس الحصر بعض المسائل التي تختص محاكم مجلس الدولة على اختلاف  أنواعها ودرجاتها بنظرها والفصل فيها، ومنها القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقية أو إنهاء الخدمة، وكذلك القرارات التأديبية، واختص بهذه النوعية من القرارات الإدارية بضرورة التظلم منها إلى الجهة الإدارية مصدرة القرار أو الجهة الرئاسية لها خلال المواعيد وبالإجراءات المحددة في المادة (24) من قانون مجلس الدولة، ورتب على عدم سابقة التظلم قبل إقامة الدعوى جزاءً على عدم قبولها، كذلك قرر المشرع أن هذه القرارات لا يجوز أن يطلب وقف تنفيذها، أي أن الطعن عليها يكون بالإلغاء فقط دون وقف التنفيذ، فإذا ما أقيمت الدعوى مشتملة على طلب وقف التنفيذ يغدو هذا الطلب غير مقبول…))([31]).

       وقد ورد مصطلح (التظلم الرئاسي) السلطة التسلسلية في القانون المغربي، ومن نماذجه مرسوم صدر سنة 2016 والظهير الشريف رقم 1.17.70/2018 بمثابة النظام الأساسي الخاص بموظفي الوقاية المدنية والأطباء العاملين بالمديرية العامة للوقاية المدنية والمصالح الخارجية التابعة لها، وهو يدل بذلك على البناء الإداري القائم على نظام الـمركزية، الذي يبدو بشكل هرم ينطلق من القمة حيث تتجمع السلطات والصلاحيات كافة، مرورًا بأشخاص وهيئات ينفذون كل في إطار اختصاصه وضمن نطاقه، الأوامر والتعليمات الصادرة عن القمة أي عن الـمركز، وهم مرتبطين بقاعدة التبعية للسلطة الـمركزية، وانتهاءً بالقاعدة، وهنا لا تظهر تلك السلطة الرئاسية كما يوحي بذلك اسمها، ومن أهم السلطات التي يتمتع بها الرئيس اتجاه مرؤوسيه، هي:

  1. سلطة التوجيه: هدفها إعانة المرؤوسين على فهم القوانين وذلك من خلال الدوريات والمناشير التي توضح النصوص والمقتضيات القانونية، وقد تكون قرارات فردية أي موجهة إلى موظف بشخصه أو تنظيمية موجهة إلى أفراد معينين بأوصافهم وليس بذواتهم وهذه القرارات تقبل الطعن أمام القضاء.
  2. سلطة التعقيب والرقابة على أعمال المرؤوس: يتميز التعقيب فيما تخوله النصوص الدستورية والقانونية للرئيس من حق إجازة أعمال مرؤوسيه والاعتراض عليها وقبول القرارات قد يكون قبولًا صريحًا أو ضمنيًا، ففي الحالة الأولى وجب على الرئيس إصدار قرار القبول وإلا اعتبر العمل المقام من طرف المرؤوس غير تام مهما كانت مدة السكوت؛ أما في الحالة الثانية فيشترط مرور مدة محددة، وتشمل سلطة التعقيب أيضًا إلغاء الرئيس لبعض القرارات المشروعة، لكن غير الصائبة نظرًا لعدم ملاءمتها للظروف التي يواجهها المرفق أو الدولة، كما أن التعقيب يكون بناءً على تنظيم إداري أو تلقائيًا من طرف الرئيس.

      ومن اجتهادات القضاء الإداري المغربي التي رفعت بعض اللبس عن بعض الإشكالات في مجموعة من أحكامها، إذ اعتبرت المحكمة الإدارية “بوجدة” على أنَّه: ((… أن رئيس المحكمة الإبتدائية يعتبر سلطة رئاسية للعاملين بمصلحة كتابة الضبط بمن فيهم رئيس هذه الأخيرة، بعد رفض رئيس مصلحة كتابة الضبط تسجيل مقال للطاعنة التي طالبت بإعفائها من أداء الرسوم القضائية…)) ([32]).

      وتتضح أهمية التظلّم الإداري الرئاسي بالمقارنة مع التظلّم الإداري الولائي في أنه يمثّل أداةً رقابيـة على نشاطات المرؤوسين، وقد يساعد على كشف أوجه الخلل والقصور لدى الجهة الإداريـة التـي يشرف عليها الرئيس الإداري الأعلى، فضلاً عن تزايد احتمالات توافر ضمانات الحيدة والموضوعية في نظر التظلّم، والفصل فيه من قبل الرئيس الإداري، وهو أمر قد لا يتوافر في التظلّم الولائي([33])، إضافة إلى أن السلطات الأدنى ستخشى من الخطأ أمام رقابة الجهات الأعلى وستتوخى الصحة والدقة والمشروعية فيما يصدر عنها من قرارات، لا سيما مع علمها بأن هذه الرقابة تلقائية لا تحتاج إلى نص صريح لكل حالة

على حدة.

الفرع الثالث: التظلم أمام لجنة إدارية خاصة

    يكون هذا التظلم أمام لجنة إدارية وهذه اللجنة نجدها في مختلف الأنظمة ذات المناهج الإدارية المتقدمة وهي ما يطلق عليها في التشريع المغربي اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء، إذ تتشكل من ممثلين عن الموظف وممثلين عن الإدارة، يحق للموظف المتضرر من القرار الإداري غير السليم أن يتظلم منه أمام هذه اللجنة، فإذا تبينت صحة تظلم الموظف فإنها تصدر رأيًا معللاً في الموضوع وتوجهه إلى الرئيس مصدر القرار، إلا أن رأيها استشاري غير ملزم([34])، وتكون التظلمات الإدارية خاصة إن وردت ضمن نصوص قانونية خاصة([35])، وتتميز هذه التظلمات بصعوبة تحديدها، كما أن تصنيفها يطبعه طابع التشعب والتعقيد وتشكل بذلك “مجموعة غير متجانسة”، وعدم التجانس هذا يعود إلى كونها تحمل تسميات مختلفة: تظلم، أو مطالبات.

الفرع الرابع: التظلم الوصائي

    يعني ذلك تقديم التظلم إلى لجان أو جهة خارجية، بمعنى تظلم خارجي ليس لرئيس الموظف الإداري، ولا رئيسه الأعلى وإنما إلى جهة محايدة ومستقلة، جهة رقابية، تُشكل لغايات تلقي التظلمات والبت فيها([36])، وأسبابه وظروف الموظفين ويكون أمام الجهة التي تملك الوصاية على جهة معينة، فإذا حصل أن قامت هيئات عمومية تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي في تسيير شؤونها بعمل أو امتنعت عن القيام بعمل، خالفت بذلك الهدف الذي قامت من أجل تحقيقه أو خالفت به النصوص التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بالنشاط الذي تقوم به فإنه يحق للمتضررين من ذلك، التظلم أمام السلطة التي تملك الوصاية على تلك الهيئة.

     ونرى في هذا الأسلوب حيدة ونزاهة أفضل رغم بعد هذه الجهة الخارجية عن حثيثيات القرار([37]).

    وقد ضعت مجموعة من المؤسسات الإدارية تحت وصاية سلطة عمومية أخرى، وفي إطار التنظيم اللامركزي تخضع السلطات اللامركزية في بعض أعمالها إلى مراقبة سلطة الوصاية التي تراقب مطابقة أعمالها للقانون، وتبعًا لذلك يمكن التظلم ضد بعض أعمالها مباشرة([38]).

       كما اتجه الاجتهاد القضائي المغربي إلى توضيح المقصود من التظلم الوصائي واشتراط تقديم مذكرة إلى الوالي أو العامل، قبل رفع الدعوى ضد المجلس الجماعي تتضمن موضوع وأسباب الدعوى مقابل وصل بذلك تحت طائلة عدم القبول، والأمر لا يتعلق بكل الدعاوى المرفوعة ضد المجلس وإنما يقتصر الأمر على رفع دعوى التعويض أو الشطط في استعمال السلطة، وهذا ما أكدته محكمة النقض؛ حيث جاء فيه: ((… اشتراط تقديم مذكرة إلى الوالي أو العامل قبل رفع الدعوى ضد المجلس الجماعي، تتضمن موضوع وأسباب تلك الدعوى مقابل وصل بذلك تحت طائلة عدم القبول، لا يتعلل بكل الدعاوى المرفوعة ضد المجلس، وإنما يقتصر الأمر على رفع دعوى التعويض أو الشطط في استعمال السلطة … ولما كان الثابت من مستندات الملف أن رئيس المجلس البلدي لم يرفع الدعوى باسم المجلس، وأن المر في النازلة لا يتعلق بدعوى التعويض أو الشطط في استعمال السلطة، وإنما رفعت الدعوى في مواجهته من قبل المدعين الذين يطلبون إنهاء حالة الشياع وفرز نصيب، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما عللته، أن الأمر يتعلق بدعوى القسمة التي ما لها إما القسمة العينية أو التصفية، وأن هذه تدخل بصفة عامة في باب دعاوي التعويض عن الحصة المقسومة، وبالتالي فإن الفصل (48) من قانون (78.00) اشترط تحت طائلة عدم القبول إخبار الجماعة وتوجيهه للسلطة الوصية عليها بمذكرة مقابل وصل، وأن الجهة المدعية لم تتقيد بهذا الشرط مع أن من دعاوي التعويض في الفصل ليس هو تعويض حصة في قسمة بقيمتها المالية والذي لا ينقص من مالية الجماعة، وإنما العوض عن الضرر بجميع أنواعه الذي قد يؤدي في حالة الحكم به إلى الإنقاص من مال المجلس الجماعي، فإنها فسرت الفصل (48) أعاله تفسيرًا خاطئا وعللت قرارها تعليلاً فاسدًا ينزل منزلة انعدامه وعرضته للنقض…))([39]).

المطلب الثاني

الالتزام القانوني للتظلّم

      يكون التظلم الإداري من حيث مدى الالتزام القانوني إلى تظلم اختيار، إضافة إلى تظلم وجوبي يفرضه المشرع على بعض القرارات الإدارية بمعنى وجوب التظلم منها قبل اللجوء إلى القضاء، ويرتب المشرع عدم قبول الدعوى حال رفعها قبل ذلك التظلم الوجوبي([40]).

الفرع الأول: التظلم الاختياري

      يُعَّد التظلّم الذي يتقدم به المتضرر من القرار إلى الجهة مصدرة القرار، أو الجهة الأعلى منها، دون اشتراط من المشرع، خلال مدة الستين يومًا التالية لعلمه بالقرار الإداري([41])، والأصل في التظلم أنه اختياري لصاحب الشأن إما أن يقدم عليه أو لا، ولكن المشرع المصري قد أوجب التظلم من بعض القرارات الإدارية قبل رفع الدعوى، وما عدا هذه القرارات يكون التظلم اختياريًا لصاحب الشأن([42])، وقـــد أكدت المحكمة الإدارية العليا أن الأصـل في الــتظلم اختياريًا للمتقاضن إن شاء سـلك سـبيله قبـل ولـوج سـاحات القضـاء وإقامـة دعــواه وإن شــاء نحا جانبًا ولجأ مباشـرة إلى قاضـيه لا يحجبه حاجـب ولا يقتضيه إجراء؛ حيث قضت بأن” الأصل في نظام سيادة القانون الذي تكفلته المشروعية الدستورية والقانونية أن يكون للمتضرر من أي قرار إداري أو إجراء إداري أن يلوذ بقاضيه الإداري مباشرة دون تقيد فى ذلك بسبق اتخاذ إجراء معين، إذ الأصل أن التظلم اختياري للمتقاضى إن شاء سلك سبيله قبل ولوج ساحات القضاء وإن شاء نحاه جانبًا ولجأ مباشرة إلى قاضية لا يحجبه حاجب ولا يقتضية إجراء([43]).

      ومن البديهي أن للمتضرر من القرار أن يلجأ إلى القضاء مباشرة رافعًا دعواه، ناعيًا علـى القـرار الإداري مخالفته لمبدأ المشروعية، مطالبًا بإلغائه، دون أن يتظلّم إلى الإدارة، وبمعنـى آخـر فـإن صاحب الشأن حر في أن يطعن في القرار أمام القاضي مباشرة، أو أن يبدأ فيتظلّم منه([44]).

      فالتظلّم الاختياري هو الأصل، لأن التظلّم متروك لتقدير صاحب الشأن، ولا إلزام من حيث المبدأ على القيام به، والاستثناء أن يكون التظلّم وجوبيًا، إِذْ يقدر المشرع في ظـروفٍ معينـة، وحالاتٍ محددة، جدوى التظلّم، وضرورته، فيتطلبه جبرًا قبل تحريك الدعوى، فيعد التظلّم بذلك شرطًا إضافيًا من شروط قبول الدعوى.

      ويرى جانب من الفقه أن التظلّم الاختياري يمثّل الأصل العام المتبع في نطاق الطعـون والتظلّمـات الإدارية، ومرد ذلك أنه غير محدد بحالاتٍ معينة كما هو الحال بالنسبة إلى الـتظلّم الوجـوبي الـذي تتحدد حالاته في القانون على سبيل الحصر، وهذا يعني أن المتظلّم يكون أكثر حريـةً فـي الـتظلّم الاختياري، إذ بإمكانه الإقدام على تحريك التظلّم أمام الجهة الإدارية مصدرة القرار، أو لـدى الجهـة الرئاسية الأعلى، أو الإحجام عن تحريك التظلّم، كما يملك حرية تحريك التظلّم أمـام الإدارة، وبـين إقامة الدعوى أمام القضاء أزاء القرار محل التظلّم([45]).

     واللجوء إلى التظلم (الطعن) الإداري في التشريع المغربي سواءٌ أكان تظلمًا استعطافيًا أو رئاسيًا قبل سلوك طريق التظلم القضائي، وهو مسألة اختيارية غير ملزمة من الفصل (360)، الفقرة (2) من قانون المسطرة المدنية([46])، بحيث يجوز للمعني بالأمر أن يلجأ إلى الطعن القضائي مباشرة دون أن يسلك طريق التظلم الإداري، أما إذا اختار طريق التظلم الإداري قبل التظلم القضائي وجب عليه احترام المسطرة الواجبة الإتباع.

     وقد عمل المشروع المغربي خيرًا في جعل التظلم الإداري سواءٌ الاستعطافي منه أو الرئاسي اختياريًا باستثناء بعض الحالات التي تقضي فيها بعض النصوص التنظيمية بالالتزام بمسطرة خصوصية للطعن الإداري، على خلاف ما يجري عليه الوضع قبل تعديل قانون المسطرة المدنية بظهير1974، لأن وجود الرقابة القضائية كأساس إلى جانب الرقابة الإدارية قد لا تفي بالغرض المرجو من ضمان مبدأ المشروعية وذلك لرغبتها أو لمصلحة معينة في التحرر من قيود تلك المشروعية، أو لرفض جهة معينة الاعتراف بالخطأ لسبب ما، وقد تجاريها الجهة الأعلى منها في ذلك، ولنفرض أننا استبعدنا هذه المواقف فإن المنطق نفسه يرفض ترك النزاع بين الإدارة والأفراد بيد الإدارة لتفصل فيه بنفسها، فهذا الأمر لا يبث بل يوحي بالثقة في نفوس الأفراد، لأن من مقتضيات العدالة ألا يكون الحكم خصمًا في النزاع لذلك فإن الرقابة القضائية لها أهميتها في هذا المجال([47]).

الفرع الثاني: التظلم الوجوبي

       يكون التظلم وجوبيًا إذا ألزم المشرع الشخص المعني بالالتجاء بتظلمه إلى الإدارة قبل رفع دعواه أمام القضاء؛ فإذا أقام دعواه مباشرة دون اتباع هذا الاجراء أي تقديم التظلم وانتظار البت فيه كانت غير مقبولة([48]).

     ويمكن الإشارة أن شرط التظلّم الوجوبي لا يسري إلا بالنسبة إلى القرارات الإدارية القابلـة للسحب، وعليه فإذا امتنع على الجهة الإدارية سحب القرار، أو تعديله فلا جدوى مـن الـتظلّم مـن القرار، وفي هذه الحالة أيدت المحكمة الإدارية العليا المصرية إقامة الدعوى دون تظلّم([49])، والتظلّم الوجوبي ليس إجراء مقصودًا لذاته، وإنما افتتاح للمنازعة الإدارية، يهدف إلى تقليـل عـدد المنازعات الإدارية قدر المستطاع، فإن رأت الإدارة المتظلّم على حق أجابت مطلبـه، وبـذلك تنتهـي المنازعة في مراحلها الأولى، وإذا رفضته كان للمتظلّم الحق في اللجوء إلى القضاء([50]).

      وأوضحت المحكمة الإدارية العليا المصرية الحكمة من التظلّم بالقول: ((… إن الحكمـة مـن هـذا التظلّم هي الرغبة في التقليل من المنازعات بإنهائها في مراحلها الأولى بطريق أيسر للناس، وذلـك بالعدول عن القرار المتظلّم منه إن رأت الإدارة أن المتظلّم على حق في تظلّمه…)) ([51])، والقضاء الإداري يبدي مرونةً في مسألة التظلّم الوجوبي بحسبانه شـرطًا لقبـول دعـوى الإلغاء، ومن ذلك على سبيل المثال ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية العليا المصرية من قبول دعـوى الإلغاء التي رفعت قبل تقديم التظلّم الوجوبي ما دام تقديمه بعد ذلك، وفي خلال الميعاد المقرر للتظلّم، على فرض أن شرط التظلّم كإجراء ليس مقصودًا لذاته، وإنما الهدف منه إتاحـة الفرصـة للجهـة المختصة لبحث التظلّم، وإصدار قرارها، سواءٌ بقبول التظلّم، أو برفضه صراحةً، أو ضمنًا، ومن ثـم تكون الغاية من التظلّم قد تحققت، ويكون الدفع بعدم القبول لرفع الدعوى قبل تقديم التظلّم ليس لـه أساس، ويتعين رفضه([52]).

     والقرارات التي تستلزم التظلّم الوجوبي هي تلك التي تتعلّق ببعض جوانـب الوظيفة العامة([53])، وهذا يعني أنه غير مطلوب في المنازعات التي لا تتعلّق بهذه الموضوعات، سـواءٌ كانت غير متعلّقة بالوظيفة العامة إطلاقًا، أو كانت متعلّقة بها ولكن في غير الجوانب التـي يـستلزم تقديم التظلّم الوجوبي، كما أن التظلّم في قرار ما، يغني عن الـتظلّم مـن القـرارات المرتبطة بها ارتباط الأصل بالفرع، وبناءً عليه يقبل الطعن ضد هذه القرارات حتى دون التظلّم منهـا إداريًا([54]).

     وفي المغرب وإن أخذ المشرع بالتظلّم الاختياري إلا أن الفصل (360) من قانون المسطرة المدنية والمادة (23) من القانون رقم (41.90) ترتب أثر سلبي في عدم قبول الدعوى في حالة عدم تقديم التظلم الإداري السابق، والتظلم الوجوبي يفرض على المتضرر من القرار الإداري أو الإجراء تقديمه إلى جهة الإدارة قبل إقامة دعواه كإجراء شكلي جوهري لعدم ممارسة تظلم وجوبي، وينبغي مراعاة تقديمه قبل ممارسة الطعن القضائي.

     وقد رتب المشرع  المغربي عن عدم تقديم التظلم الإداري، عدم قبول الدعوى شكلاً إلى الجهة الإدارية التي حددها القانون، وفي هذا للمحكمة الإدارية بالرباط تنص عليه مقتضيات المادة (23) من القانون رقم (41.90) المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية، فإن طلبات إلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة يجب أن تقدم داخل أجل ستين يومًا يبتدئ من نشر أو تبليغ القرار المطلوب إلغاؤه إلى المعني بالأمر، ويجوز للمعنيين بالأمر أن يقدموا قبل انقضاء الأجل المذكور، تظلمًا من القرار إلى مصدره أو إلى رئيسه، وفي هذه الصورة يمكن رفع طلب الإلغاء إلى المحكمة الإدارية، داخل أجل ستين يومًا يبتدئ من تبليغ القرار الصادر صراحة برفض التظلم الإداري آليًا أو جزئيًا، وإذا التزمت السلطة الإدارية المرفوع إليها التظلم الصمت في شأنه طوال ستين يومًا اعتبر سكوتها عنه بمثابة رفض له، وللمعني بالأمر أن يطعن في ذلك أمام المحكمة الإدارية داخل أجل ستين يومًا يبتدئ من انقضاء مدة الستين يومًا المشار إليها أعاله…”؛ حيث يستفاد من ذلك أن الطاعن قد علم بمحتويات القرار المطعون فيه علمًا تامًا وتبين مركزه القانوني منه، مما يجعل من التبليغ المنجز على هذا النحو تبليغًا صحيحًا على خلاف ما تمسك به في مذكرته التعقيبية، وبالتالي كان يجب عليه تقديم طعنه أمام هذه المحكمة قبل انصرام أجل ستون يومًا على ذلك التبليغ أي قـبل 14 سبتمبر 2003، طالما أنه لم يتم قطع أجل الطعن بتوجيه تظلم من القرار إلى الإدارة المطلوبة في الطعن، إلا أنه بالرجوع إلى مقال الدعوى يتضح أنه لم يقدم إلى هذه المحكمة إلا بتاريخ 14 نوفنبر 2003 أي خارج أجل الستون يومًا المنصوص عليه في المادة (23)؛ وحيث إنه تبعًا لما لذلك، يكون تقديم الطلب والحالة هذه، قد جاء خارج الأجل القانوني، ويتعين بالتالي الحكم بعدم قبوله لهذه العلة”([55]).

      لذا؛ يمكن القول أن التظلم (الطعن) الإداري في المغرب ليس اختياريًا كليًا، إذ يمكن أن يكون إجباريًا، كما أكد ذلك المقطع الرابع من الفصل (360) من المسطرة المدنية لسنة 1974 والذي أكد هو الآخر ما كان ينص عليه المقطع الرابع من الفصل (14): “… إذا كانت النصوص التنظيمية الجاري بها العمل تنص على مسطرة خصوصية للطعن الإداري، فإن طلب الإلغاء لا يقبل إلا بعد اتباع المسطرة المذكورة…”، وتبعًا لذلك لا يمكن التوجه بدعوى الجماعات المحلية أو المجالس أو العمالات والأقاليم قبل رفع مذكرة أولية إلى وزير الداخلية أو إلى السلطة التي فوض إليها ذلك، كما نص على ذلك الفصل (43) من ظهير 30 سبتمبر 1976 الخاص بالتنظيم الجماعي والفصل (17) من ظهير سبتمبر 1963 الخاص بالعمالات والأقاليم ومجالسها، وهو ما صدر عن المجلس الأعلى في قضية مزيان بوشتى ضد وزير الداخلية: لا يقبل الطعن في قرارات البلدية التي يطالب الطاعن بحمل الأنقاض الناتجة عن بقايا الهدم الذي كان موضوع القرار البلدي رقم (105)، وذلك حتى تتمكن البلدية من إنجاز عملها المتعلق بفتح الخط الرابط بين شارع النصر وشارع (2) من تجزئة “كايمو”، وذلك خلال أجل لا يتعدى خمسة أيام على أنه لم يقم بالمطلوب قامت به البلدية مقامه على نفقته لأن الطاعن لم يوجه رسالة إلى وزير الداخلية([56]).

      ونجد أن التظلم الإداري في دولة قطر وجوبي أيضًا، وهذ ما أكدته الماده (5) البند (3) من القانون رقم (7) لسنة 2007 والمعدلة بالقانون رقم (15) لسنة 2019 والمتعلق بالفصل في المنازعات الإدارية بقولها:”… لا تقبل … طلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائية المبينة بالبند (2)([57]) من المادة (3) من هذا القانون، قبل التظلم منها إلى الجهة الإدارية، وانقضاء المواعيد المقررة للبت في التظلم، ويصدر ببيان إجراءات التظلم والبت فيه بقرار من رئيس مجلس الوزراء…”، وهذ يؤكد أن المشرع القطري جعل من التظلم الإداري وجوبي قبل رفع الدعوى الإدارية، والتظلم إلى الجهة الإدارية، وانقضاء مدة التظلم.

بل كان المشرع القطري ينص صراحة في بعض التشريعات على عدم جواز الطعن في القرارات الإدارية إلا وفقًا للإجراءات التي رسمها أمام لجان إدارية كما هو الشأن في القانون رقم (16) لسنة 1963 بإنشاء لجنة للتظلمات الإدارية للنظر في الطعون في القرارات الإدارية المحددة في المواد المنصوص عليها حصرًا في المادة  الثانية منه، وهى القرارات الصادرة من لجنة تنفيذًا للقانون رقم (4) لسنة 1961 بمزاولة مهنتي الطب البشرى وطب الأسنان في قطر، والقانون رقم (5) لسنة 1961 بمزاولة مهنة الصيدلة وتنظيم الصيدليات ومخازن الأدوية ومهنة الوسطاء ووكلاء ومصانع وشركات الأدوية في قطر، والقرارات التي يصدرها مدير الهجرة والجوازات والجنسية واللجنة المنصوص عليها في المادة (11) من القانون رقم (3) لسنة 1963 بتنظيم دخول وإقامة الأجانب في قطر تنفيذاً لأحكام مواد بعينها، والقانون رقم (11) لسنة 1962 بإنشاء نظام السجل التجاري…. وجعل المشرع قرارات لجنة التظلمات الإدارية نهائية (المادة 9).

ومن أمثلة ذلك في مجال المنازعات الإدارية ما كانت تقضى به المادة (8) من القانون رقم (4) لسنة 1985 بشأن تنظيم المباني قبل تعديلها بالقانون رقم (5) لسنة 2009 من أن قرار الوزير في التظلم من رفض إصدار ترخيص البناء يكون نهائيًا ولا يطعن فيه أمام أي جهة، وما كانت تقضى به المادة (8) بند (ب) من قرار مجلس الوزراء رقم (2) لسنة 1990 بشأن تشكيل لجنة مركزية للتظلمات المتعلقة بنـزع ملكية العقارات للمنفعة العامة من أنه: ((… وفى جميع الأحوال يكون قرار اللجنة نهائيًا، وغير قابل للطعن فيه أمام أي جهة…))؛ حيث كان منوطًا بهذه اللجنة الفصل فى التظلمات التي تحال إليها من إدارة نزع الملكية بالبلدية، سواءٌ كانت متعلقة بقيمة التعويضات المستحقة عن نزع ملكية العقارات أو الاستيلاء عليها مؤقتًا، والتي قدرتها لجنة التثمين، أو غير ذلك من الاختصاصات المحددة فى المادة  الثانية من هذا القرار، ومن ذلك أيضًا في مجال المنازعات التأديبية ما كانت تقضى به المادة (44) من قانون المحاماة رقم (20) لسنة 1980 من نهائية القرارات التأديبية التي توقعها لجنة قيد المحاميين بهيئة تأديب على المحامي الذي يخل بواجبات المهنة أو يسيء إلى تقاليدها ولا يجوز الطعن إلا بالمعارضة في القرار التأديـبـي الذي يصدر في غيبة المحامي المنسوب إليه المخالفة المهنية.

الخاتمة

      يُعَدُّ التظلم الإداري طريق يلجى إليه الشخص المتضرر من صدور قرار إداري يؤثر في مركزه القانوني، ويخــتلط الــتظلّم بمفهومــه مــع كثيــر مــن المصــطلحات الأخــرى مثل الالتماس، والدعوى الإدارية والطلبات، والصلح؛ حيث أنَّ تحديـــد مفهـــوم الـــتظلم وتمييـــزه عـــن غيره من المفاهيم التـي يقـدمها الأفـراد للجهات الإداريـة، ويفترض فيه وجود عمل إداري يخاصم صاحب الشأن مشروعيته وملاءمته، وبهذا لا تعد الاعتراضات أو التظلمات المقدمة في ظل غياب النص القانوني أو العمل الإداري المحدد حصرًا بأنها تظلّمًا إداريًا، وتتنوع التظلمات الإدارية ما بين الجهة التي يقدم لها، أو القوة الالزامية للتظلم.


([1]) أبي الفضل جمال الدين محمد المصري، لسان العرب، دار صادر، ج2، بيروت، لبنان، ص373.

([2]) محمد بن عبد بن العربي، حكام القرآن، مجموعة (4)، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2002، ص61.

([3]) سليمان الطماوي، القضاء الإداري – الكتاب الأول – قضاء الإلغاء، دار الفكر العربـي، مصر، 1986، ص533.

([4]) رأفت فوده، النظام القانوني للميعاد في دعوى الإلغاء – دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، مصر، 1991، ص167،

  ([5]) مصطفى كمال وصفي، أصول إجراءات القضاء الإداري، مطبعة الأمانة، ط2، القاهرة، مصر، 1978، ص170.

  ([6]) حسين إبراهيم سليمان، التظلم الإداري وكيف يساهم في تحقيق العدل، مجلة هيئة  قضايا الدولة، العدد الثالث، رقم 171، س 22، يوليو سبتمبر1999، ص27.

([7]) محمد خيري الوكيل، التظلم الإداري ومسلك الإدارة الإيجابي في ضوء آراء الفقه وأحكام القضاء، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، 2008، ص10.

([8]) محمد بوزيد الجيلالي، التظلم الإداري في قواعد المرافعات أمام ديوان المظالم – دراسة تحليلية نقدية، مجلة جامعة الملك عبدالعزيز، الاقتصاد والإدارة، رقم (28)، (1)، الرياض، السعودية، 2014، ص263-284.

 ([9]) وردت في صلب المادة (5) من قانون 1979 التي تنص على أنه: “إذا التزمت الإدارة الصمت في موقف معين كان من المفروض أن تتدخل فيه بقرار صريح مـسبب، فإن طلب تقديمها لأسباب قرارها الضمني يقطع ميعاد الطعن بالإلغاء حتى تاريخ تسليم هذه الأسـباب لصاحب الشأن، أو إعلانه بها”.

([10]) قرار المحكمة الإدارية المصرية رقم 20912 – لسنــة 1961 – تاريخ الجلسة 2010.

([11]) الطعن رقم 610 – لسنــة 21 – تاريخ الجلسة 1985، ص221.

([12]) قانون الانتخابات الصفقات.

([13]) قرار رئيس مجلس الوزارء رقم (17) لسنة 2018 بإنشاء لجنة فحص التظلمات والشكاوى.

([14]) حكمة محكمة التمييز الدائرة المدنية والتجارية الرقم، 189، 2010 تاريخ الجلسة: 14/01/201.

 ([15]) محمد أمين البيانوني، ميعاد الطعن القانوني في مشروعية القرارات الإدارية، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن، 1985، ص113.

([16]) حسن السيد بسيوني، دور القضاء في المنازعة الإدارية، عالم الكتب، القاهرة، مصر، 1988، ص213.

 ([17]) سليمان محمد الطماوي، دروس في القضاء الإداري، دار الفكر العربي، جامعة عين شمس، القاهرة، مصر، 1976، ص119.

 ([18]) طعيمة الجرف، مرجع سابق، ص17.

([19]) سلیمان محمد الطماوي، الوجیز في القضاء الإداري – دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1974، ص112.

 ([20]) محمد بوزيد الجيلالي، مرجع سابق، ص293.

([21]) عبد الحق فيكري الكوش، التظلم الإداري في القانون المغربي – دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة القاضي عياض، مراكش،المغرب، 2018، ص17.

 ([22]) على خطار الشطناوي، القضاء الإداري – الكتاب الأول – قضاء الإلغاء، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1995، ص175.

([23]) سليمان الطماوي، مرجع سابق، ص527.

([24]) مليكة الصروخ، القانون الإداري –  دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة، المغرب، 2001، ص492.

 ([25]) حسب الفقرة الثانية من الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية، فالأمر يتعلق بتظلم استعطافي قد تكون له أهميته بالنسبة للمتظلم وهذا احتمال، لو استجابت الإدارة لهذا التظلم، لكن دون أن تكون له قوة قانونية على مستوى النص والممارسة الإدارية والتطبيقات القضائية، علمًا أن المشرع ساوى بين التظلم الاستعطافي والتظلم الإداري التسلسلي من خلال الفقرة 21 من القانونرقم (41.90) بالقول “ويجوز للمعنيين بالأمر أن يقدموا، قبل انقضاء الأجل المنصوص عليه في الفقرة السابقة، تظلماً من القرار إلى مصدره أو إلى رئيسه، وفي هذه الصورة يمكن رفع طلب الإلغاء إلى المحكمة الإدارية داخل أجل ستين يوما يبتدئ من تبليغ القرار الصادر صراحة برفض التظلم الإداري كليًا أو جزئيًا.

 ([26]) جعفر حسون، الطبيعة القانونية للمنازعات الضريبية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة – المنازعات الجبائية في ظل المحاكم الإدارية، رقم (4)، المغرب، 1996، ص53.

  ([27]) أحمد السليطي، ترقية الموظف العام في دولة قطر، دار النهضة العربية، (د.ط)، القاهرة، مصر، 2005، ص353.

([28]) سليمان محمد الطماوي، الوجيز في القضاء الإداري – دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1985، ص112.

([29]) الطعن رقم 3160 – لسنة 36 – تاريخ الجلسة 1998، مكتب فني 43 – رقم الجزء 1، ص849.

([30]) مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص 500.

([31]) الطعن رقم 32182، لسنة51، تاريخ الجلسة2011، ص137.

([32]) الدليل العملي للتظلم الإداري وتطبيقاته القضائية، إشراف وتنسيق ثورية العيوني، فريق البحث في الأنظمة القضائية الإدارية المقارنة، 2016، ص59.

([33]) عبدالله محمد محمود، الأحكام الجزائية والموضوعية للتظلّم الإداري، رسالة ماجـستير، جامعـة طنطـا، مصر، 1994، ص42.

([34]) عبد القادر باينة، الهيئات الاستشارية بالمغرب، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، 1991، ص127.

([35]) مصطلح الخصوصية ورد في ظهير تأسيس المجلس الأعلى والفصل 14 والفصل 360 من قانون المسطرة المدنية والفصل 23 من القانون رقم 41.90.

([36]) صفاء محمود السويلمين، الرقابة الإدارية على قرار ترقية الموظف، مجلة علوم الشريعة والقانون، المجلد 43، العدد2، ص747.

([37]) تنص على ذلك المواد 239 و240 و241 من القانون التنظيمي رقم المتعلق بالجهات 111.14والمواد 209 و150 210 والمواد 56 و66 و267 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات ومن القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم وهي مواد تنسخ بعضها في القوانين التنظيمية تلك دون أي زيادة أو نقصان، كما أن الدعاوى المتعلقة بمطالبة جهة أو عمالة أو إقليم أو جماعة بدين أو تعويض، ال يمكن أن ترفع تحت طائلة عدم القبول إلا بعد إحالة الألمر مسبقاً إلى والي الجهة فيما يخص الجهات أو عامل الإقليم أو العمالة بالنسبة للأقاليم والعمالات، ونفس الشيء بالنسبة للجماعات مع إضافة من ينوب عنه في هذه الحالة الأخيرة، حيث إذا لم يتوصل المتظلم بجواب عن  شكايته خلال أجل 30 يومًا من تاريخ تسليم الوصل، أو لم يقبل المشتكي شكايته أمكنه رفع شكايته إلى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية التي تدرسها خلال نفس الآجال، أو رفع الدعوى مباشرة أمام المحكمة المختصة.

([38]) عبد القادر باينة، مرجع سابق، ص70.

([39]) محكمة النقض قرار عدد 356، بتاريخ 26 يناير 2010 في الملف المدني عدد 3008/1/4/2008.

 ([40]) القاعدة العامة أن التظلم الإداري اختياري أو جوازي أمام ذوي الشأن ، أي له أن يتظلم من القرار الإداري أمام الجهة التي أصدرته إن شاء، أو أن يطعن به مباشرة أمام القضاء دون أن يسبقه تظلم، إلا أن المشرع المصري أوجب في حالات معينة أن يتقـدم ذوي الـشأن بهـذا التظلم للجهة الإدارية التي أصدرت القرار المطعون فيه قبل رفع دعواه، فإذا قام برفع الدعوى مباشرة دون استيفاء هذا الشرط فإن القضاء الإداري يحكم بعدم قبول الدعوى. للمزيد من التفاصيل راجع د. عبد الرؤوف هاشم بسيوني، أحكام التظلم الإداري في القانونين المصري والكويتي – دراسة فقهية قـضائية، دار النهـضة العربية، القاهرة، مصر، 1997، ص13 وما بعدها.

 ([41]) وقد فرقت المحكمة الإدارية العليا المصرية بين التظلم الاختياري والتظلم الوجوبي والأثر المترتب على كـل منهمـا فـيحكمها الصادر في الطعن رقم (3099)، لسنة (33) ق، جلسة 1991/7/6ـ المنشور في الموسوعة الإدارية، المرجـع الـسابق، الجزء (33)، قاعدة رقم (420) ص824 وما يليها.

 ([42]) على حسن عبد المجيد، الغلو في الجزاء، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، القاهرة، مصر، 2007، ص238 وما بعدها.

([43]) سامي جمال الدين، الوسيط في دعوى إلغاء – القرارات الإدارية، منشأة المعارف، ط1، القاهرة، مصر، 2002، ص225.

([44]) ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري، منشورات دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، مصر، 1985، ص326.

 ([45]) عبد الغني بسيوني، ولاية القضاء الإداري على أعمال الإدارة – قـضاء الإلغـاء، الإسـكندرية، مصر، 1983، ص241.

([46]) ظهير شريف بمثابة قانون رقم 447-174-1 بتاريخ 11 رمان 1394 (28 شتنبر 1974) الخاص بالمصادقة على نصوص قانون المسطرة المدنية، الجريدة الرسمية، عدد 2330، مكرر 30 شتنبر 1974.

([47]) مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص501.

([48]) محمد كامل ليلة، الرقابة على أعمال الإدارة- الرقابة القضائية- دراسة مقارنة،  منشورات جامعة عين شـمس، مصر، 1985، ص26.

([49]) قرار المحكمة الإدارية العليا المصرية في الطعن رقم (1612)، السنة (8) ق، جلسة 1966/6/11، س11، ص705.

([50]) محمد خليفة الخيلي، التظلّم الإداري- دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، 2009، ص51.

([51]) قرار المحكمة الإدارية العليا المصرية في الطعن رقم (1301) للسنة (7) ق، جلسة 5/3/1966.

([52]) قرار المحكمة الإدارية العليا المصرية، جلسة 1980/12/31، السنة (26)، ص452.

([53]) نص المشرع المصري في المادة 12 فقرة (ب) من قانون مجلس الدولة المصري الحالي على أنه” لا تقبل الطلبات المقدمة بالطعن في القرارات الإدارية النهائية المنصوص عليها في البنود (3،4،9) من المادة (10) وذلك قبل التظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئاسية، وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم وتبين إجراءات التظلم وطريقة الفصل فيه بقرار من رئيس مجلس الدولة”، وبينت المادة العاشرة القرارات التي يتعين التظلم منها قبل رفع الدعوى وهي:

  • الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقية أو بمنح العلاوات.
  • –         الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستتيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي.
  • الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية.

([54]) جورجي شفيق ساري، قواعد وأحكام القضاء الإداري، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2001، ص409.

([55]) قرار المحكمة الإدارية بالرباط، حكم رقم: 1236 بتاريخ: 10 شوال 1425 الموافق 23 نونبر 2004 ملف رقم: 02/402 غ 174.

([56]) أحمد البخاري أمينة جبران، حكم عدد 27 ملف 682، 1981، ص217.

([57]) الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بإلغاء القرارات الإدارية النهائية الصادرة بترقية الموظفين من الدرجة الأولى فما دونها وما يعادلها أو إنهاء خدمتهم، والقرارات التأديبية الصادرة بشأنهم.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *