Site icon مجلة المنارة

مسطرة الضم والتحديد الإداري قي التحفيظ العقاري

مسطرة الضم والتحديد الإداري قي التحفيظ العقاري
عمر الهواوي
طالب باحث
القانون الخاص
ماستر: العقار والتنمية

مقـــدمـــة

 

تسعى كل الدول إلى خلق نظام عقاري متكامل، وذلك بواسطة تطوير قوانينها، قصد إعطاء الملكية أكثر ما يمكن من الاستقرار والضمانات وحتى يتمكن الملاكون وغيرهم من التعامل والتصرف في عقاراتهم بشكل سليم وعلى أسس متينة ويعتبر المغرب من الدول التي تسعى إلى تطوير نظامها العقاري قصد تحقيق الاستقرار المنشود في هذا المجال.

والمغرب وعيا منه بأهمية العقار ودوره في التنمية أخذ بنظام التحفيظ العقاري وجعله أحد قوانينه الأساسية المنظمة للعقارات والحقوق والتكاليف المترتبة عليها، ويعتبر هذا النظام خطوة هامة في التشريعات المدنية الحديثة باعتباره يضبط الملكية وسائر الحقوق العينية العقارية، ويطهرها من جميع الحقوق التي كانت مثقلة به قبل تحفيظها.

ونظام التحفيظ العقاري حسب الفصل الأول من قانون 14.07،[1] هو جعل العقار المحفظ خاضعا لنظام هذا القانون من غير أن يكون في الإمكان إخراجه فيما بعد، ويعتبر نظام التحفيظ وعاء للحقوق العينية والتكاليف العقارية المصاحبة للعقار في فترة معينة من حيث أنه ينظمها ويحفظها ويصونها من كل ما يمكن أن ينازع في وجودها.

كما يقصد به مجموعة من القواعد القانونية والعمليات المتتابعة والمؤسسات المتكاملة البناء بدءا من وضع مطلب التحفيظ وإيداعه وتوسطا بإقامة رسم الملكية العقارية وانتهاءا بمختلف التقييدات بالسجلات العقارية.[2]

وبذلك فهو يهدف أولا وقبل كل شيء إلى خلق أرضية قانونية هندسية صلبة للملكية العقارية نظرا لكونه يضع تحت تصرف الملاكين ومؤسسات السلف والدولة رسوما تشكل بحد ذاتها دليلا كافيا وقاطعا لحق الملكية والحقوق العينية والتحملات العقارية المتعلقة بالعقار المحفظ وتطلع الكل بكيفية سهلة وبسيطة على وضعيته القانونية والمادية مما يخلف ثقة وأمنا عقاريين يحققان الاستقرار العقاري.

وقد حظي هذا النظام باهتمام كبير من طرف الفقهاء لما له من فوائد بالغة الأهمية على استقرار الملكية العقارية وثبوتها، وتعيين العقار تعيينا لا لبس فيه، كما يسهل تحريك قيمة العقارات وما تمثله من قيمة اقتصادية عن طريق الرهون والائتمان العقاري وانعكاس ذلك على القطاعات الزراعية والتجارية والصناعية والمصرفية،[3] وبالتالي تحقيق تنمية اقتصادية شاملة طالما أن ازدهار وتنمية الاستثمارات العقارية والقروض البنكية خاضع أساسا لضمان استقرار المعاملات والتصرفات العقارية، بالإضافة إلى أن المؤسسات البنكية لم تعد تمنح قروضا لأصحاب العقارات لإقامة مشاريع عليها إلا إذا كانت محفظة، وبذلك تحظى العقارات المحفظة بدور جد هام في التطور الاقتصادي وفي تحريك عجلة التنمية نحو الأمام.[4]

ولقد جعل المشرع المغربي نظام التحفيظ العقاري عملا اختياريا يمر عبر مراحل مسطرية جد دقيقة، تعتمد في أساسها على إجراءات عادية أهمها الإشهار الواسع. تتميز بنوع من البطء في تطبيقها كما أن القرارات الناتجة عنها تتخذ بترو، هدفها تحقيق نتائج سليمة مستقرة وثابتة.

ومن أهم آثار التحفيظ العقاري ما نص عليه الفصل 62[5] الذي خص قرار التحفيظ بإقامة رسم عقاري للملكية له صفة نهائية ولا يقبل الطعن وهو يكشف نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتكاليف العقارية الكائنة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق الغير المسجلة، غايتها استقرار المعاملات العقارية بين المتعاملين في كنفه وجعل العقار المحفظ يساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية ويحقق الثروات عن طريق تنظيم الائتمان العقاري.

وقد استثنى المشرع بعض الحالات من تطبيق مبدأ الاختيارية عليها حيث أجبرها على الخضوع لنظام التحفيظ وجوبا ومن ضمن هذه الحالات :

وقد خص المشرع بعض العقارات بتطبيق مساطر خاصة بالتحديد دون الإجبارية في التحفيظ مع حق الاستفادة من مزايا التحفيظ العقاري إذا ما تم اللجوء إليه في النهاية مع تطبيق مسطرة خاصة كذلك ومن بين هذه العقارات : الأملاك الخاصة للدولة والأراضي الجماعية.

كما جعل بعض الأنظمة العقارية تطبق في شأنها الإجبارية في التحفيظ مع مسطرة خاصة بذلك كما هو الحال بالنسبة لقطاع ضم الأراضي الفلاحية بعضها إلى بعض، كما أحدثت مسطرة خاصة بشأن التحفيظ الجماعي للأراضي الواقعة خارج المدارات الحضرية دون أن تكون مشمولة بمبدأ الإجبارية عليها.

وهكذا فقد أحدثت بمقتضى ظهير 3 يناير 1916 مسطرة تتعلق بالتحديد الإداري لأملاك الدولة وقد أتبعت بصدور ظهير 24 ماي 1922 الخاص بتحفيظ أملاك الدولة التي استفادت من التحديد الإداري وتطبق في شانها مسطرة خاصة.

وتلى ذلك ظهير 18 فبراير 1924 المتعلق بتحديد الأراضي الجماعية وتحفيظها.

وإذا كانت جميع المساطر الخاصة تجمعها فلسفة واحدة وهي أن التحفيظ إجباري وليس اختياري ولاستحالة تناول كل مسطرة على حدة، فإنني سوف أتناول في هذا البحث المتواضع مسطرتين فقط وهما مسطرة ضم الأراضي الفلاحية، ومسطرة التحديد الإداري، باعتبارهما يثيران أهم الإشكالات النظرية والعملية، وعلى اعتبار أن الأولى تطهر عن طريق التحفيظ وإصدار رسم عقاري، والثانية تطهر عن طريق مرسوم. فأهمية عملية ضم الأراضي تتجلى على أكثر من مستوى فإضافة إلى كونها تساهم في إصلاح شؤون العقار الفلاحي وضبط وضعيته القانونية عن طريق التحفيظ الإلزامي والمجاني الذي يرافق هذه العملية  فإن غايتها تبقى أكثر شمولية وذلك بالنظر لما يؤدي إليه تنفيذ مشروع الضم من تجهيزات للعالم القروي الذي يتواجد هذا المشروع في نطاقه الترابي كما تساهم هذه العملية أيضا في تحسين الأوضاع الاجتماعية للساكنة القروية المجاورة للقطاع الذي تم ضم أراضيه، بل يمكن اتخاذ عملية الضم وسيلة لدعم القدرة التنافسية للمقاولات الوطنية على المستوى الخارجي عن طريق تزويدها بما تحتاج إليه من مواد أولية ذات الطابع الفلاحي هذا من جهة.

من جهة أخرى فإن مسطرة التحديد الإداري أهميتها كبيرة في حماية ممتلكات الدولة العقارية من الترامي عليها وهي تهدف إلى ضبط وتثبيت الوضعية المادية والقانونية للعقارات بشكل لا يقبل الجدل أي تطهيرها من جميع الادعاءات والمنازعات التي لم تظهر للوجود خلال الآجال القانونية أثناء مراحل التحديد الإداري.[6]

وإذا كانت الأهمية العملية لموضوع مسطرة ضم الأراضي ومسطرة التحديد الإداري عموما تتجسد على أكثر من مدى من خلال تحقيق النهوض بالقطاع الفلاحي وإعادة قراءة البنية العقارية بشكل عقلاني ومساهمتها في تعميم نظام التحفيظ العقاري بوتيرة أسرع من المساطر العادية، والرفع من قيمة مساهمة العقار في التنمية.

فإن أهميته النظرية التي كانت دافعا لاختياري البحث في هذا الموضوع إلى جانب الأهمية العملية تتمثل أساسا في :

ولعل في قلة هذه المراجع الفقهية إضافة إلى قلة الاجتهادات القضائية والتي يعود سببها مثلا إلى أن معظم الشكايات التي تثار أثناء إنجاز مشروع ضم الأراضي تقدم إلى الجهة المكلفة بهذا الإنجاز مما اعتبر من أولى الصعوبات التي اعترضتني في إنجاز هذا الموضوع.

غير أن هذه الصعوبات وغيرها لم يكتب لها أن تقف سدا منيعا في طريق إنجاز هذا البحث فقد استطعت بعون الله تعالى تدليلها عن طريق العزيمة والإرادة القوية في معالجة هذا الموضوع.

هذا ويطرح موضوع المساطر الخاصة عموما وضم الأراضي والتحديد الإداري على وجه الخصوص العديد من الإشكاليات تتمثل أساسا في الخصوصية التي تتميز بها المساطر الخاصة والتي تجعلها متميزة عن الإجراءات العادية للتحفيظ سواء من حيث المسطرة أو من حيث التعرض.

ثم مدى نجاعة الإجراءات في كل من مسطرة الضم ومسطرة التحديد الإداري من حيث تنظيمهما القانوني في تنفيذ المشروع بدون مشاكل قانونية ؟ ومدى مساهمة المسطرتين معا في تعميم نظام التحفيظ العقاري ؟ وتم ماهي المشاكل التي يمكن أن تؤثر في قيامهما بذلك ؟

وتتفرع عن هذه الإشكاليات الرئيسية جملة من الإشكاليات الثانوية يمكن إجمالها فيما يلي :

ما هي خصوصية التعرض في كل من مسطرة الضم ومسطرة التحديد الإداري ؟

ما هي الطبيعة القانونية التي تميز المسطرتين معا ؟

 

خطة البحث :

لأجل مناقشة هذه الإشكاليات فقد حاولت إتباع المنهج التحليلي مدعم قدر الإمكان بالآراء الفقهية والاجتهادات القضائية المتاحة وذلك وفق التصميم التالي :

الفصل الأول : خصوصية المساطر الخاصة

الفصل الثاني : الطبيعة القانونية لمسطرة الضم والتحديد الإداري

[1] قانون رقم 14.07 صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 بتاريخ 22 نونبر 2011 منشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نونبر 2011، ص : 5575.

[2] محمد الحياني : “عقد البيع وقانون التحفيظ العقاري بالمغرب”، مطبعة ووراقة الكتاب بفاس، الطبعة الأولى، 1994، ص : 86.

[3] محمد مهدي الجم : “التحفيظ العقاري في المغرب”، مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة الدار البيضاء، 1979، ص : 31.

[4] خالد ميداوي : “مسطرة التحفيظ العقاري”، السلسلة العقارية، الجزء 2، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى، 2000، ص : 7، وأوردته الطالبة إكرام بنصديق في بحثها : “المساطر الجماعية للتحفيظ ومساهمتها في تعميم نظام التحفيظ العقاري”، لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص وحدة القانون المدني والأعمال كلية الحقوق طنجة 2011-2012، ص : 5.

[5] القانون رقم 14.07، مرجع سابق.

[6] الحبيب شوراق : “القواعد المنظمة للرسوم العقارية إثر التحفيظ”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، وحدة العقار والتعمير والإسكان، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الخامس أكدال الرباط، سنة 2002-2003، ص : 151.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Exit mobile version