Site icon مجلة المنارة

مسطرة التبليغ على ضوء مقتضيات المدونة العامة للضرائب وإشكالات التطبيق

مسطرة التبليغ على ضوء مقتضيات المدونة العامة للضرائب

وإشكالات التطبيق

سفيان صابر

باحث بسلك الدكتوراه

جامعة محمد الخامس الرباط

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – سلا

 

مقدمة:

مكن المشرع الإدارة الجبائية من مباشرة مساطر فريدة، لتحقيق الإلزام الضريبي الرامي أساسا إلى ضمان انتقال الأموال من جيوب الخاضعين للضريبة إلى خزينة الدولة، إذ تمثل هذه المساطر، وظائف أساسية للإدارة من أجل القيام بالمهام المنوطة بها.

وهكذا فالإدارة الجبائية قد تعمد إلى سلوك مسطرة الفرض التلقائي للضريبة، أو مسطرة الفحص، أو مسطرة التصحيح أو غيرها من المساطر الضريبية، وذلك تبعا للوضعية الغير القانونية التي يكون عليها الخاضع للضريبة آنذاك.

وإذا كانت هذه المساطر، تخول للإدارة الجبائية سلطات وصلاحيات أوسع، بقصد صيانة موارد الدولة، فإن المشرع في مقابل ذلك، عمد إلى إحاطتها بمجموعة من الضمانات حماية لحقوق الخاضعين للضريبة من كل تعسف أو غلو يمكن أن يشوب أساس وسعر الضريبة المخاطبين بها، وكل ذلك لإضفاء نوع من التوازن بين أطراف العملية الضريبية.

غير أن الإدارة الجبائية وقبل إقدامها على فرض أية ضريبة، يتحتم عليها في بادئ الأمر أن تتحقق من توافر موجبات فرض الضريبة، ومن عدم إعفاء الملزم منها، لكي تبادر بعدها إلى سلوك مسطرة التبليغ بهدف إشعاره، ذلك أن ربط الضريبة لا يمكن أن يتم بشكل منطقي دون إعلام الخاضع للضريبة، بما ستقدم عليه الإدارة في مواجهته، بغية منحه الآجال القانونية الكافية، إما لأداء ما بذمته إلى الإدارة الجبائية، أو تهييئ دفاعه للمنازعة ضدها[1].

ولما كان التشريع الجبائي يوجب على كل شخص طبيعي أو معنوي يمارس نشاطا خاضعا للضريبة أن يودع إقراره بإدارة الضرائب متضمنا كل المعلومات والبيانات التي تفيد في تحديد الأساس الضريبي المزمع فرضه عليه، فإن تنكب هذا الأخير عن النهوض بواجباته الضريبية والمحاسبية، يجعله عرضة لعواقب التقصير الصادر عنه.

من هنا يتضح بأن التبليغ يعد عماد التوجيب الضريبي وركيزته التي يستمد منها شرعيته في الأحوال التي يتخلف فيها الخاضع للضريبة، عن إيداع إقراره، أو تقديمه لإقرار تنقصه المعلومات اللازمة لربط الضريبة، أو عند قيام الإدارة الجبائية بفحص محاسبة الخاضع للضريبة، أو بمناسبة مراجعتها لإقراره، وما يستتبعه الأمر من عرض للنزاع أمام اللجان الضريبية، أو القضاء بوجه عام[2].

هذا، ويفيد مدلول التبليغ في اللغة الإيصال، لكنه في المعجم الضريبي يعتبر كل وثيقة تستعملها الإدارة من أجل إعلام الملزم بالمسطرة الضريبية التي تمارسها في حقه، وأن الهدف من إيصال هذه الوثيقة، هو قطع التقادم بالنسبة للإدارة، وفتح آجال جديدة للتقادم بالنسبة للملزم سواء  للجواب أو التظلم[3].

وتعتبر مسطرة التبليغ من الإجراءات الجوهرية ذات الصلة بالنظام العام، التي يتحتم على الإدارة احترامها، وذلك لمساسها بحق الدفاع، حيث يترتب عن ممارستها حيادا عن الضوابط القانونية المقررة بطلان مسطرة فرض الضريبة.

وترتيبا على ذلك ألزم المشرع الإدارة الضريبية، إذا ما اعتزمت القيام بتصحيح الإلزام الضريبي، بأن تتبع مسطرة التبليغ وهي مسطرة دقيقة، تواجهية، ترمي إبلاغ الملزم عن طريق المراسلة الكتابية، بهدف تحقيق غايتين:

وعلى هذا الأساس يعد التبليغ جوهر المسطرة التواجهية بين الإدارة والملزم، فالإدارة الجبائية تسلك إجراءات التبليغ في إطار مسطري إلزامي، قصد إقامة حوار مدون مع الخاضع للضريبة، وإعطاء قاعدة التواجه مضمونها الحقيقي، إذ أن تبليغ الإدارة لرسائلها ليس مطلوبا بذاته، بل الهدف الذي توخاه المشرع من خلال تنصيصه على قاعدة التواجه، هو تمكين الخاضع للضريبة من معرفة موقف الإدارة ومناقشته، وذلك لا يتأتي إلا بتوصله برسائل الإدارة توصلا قانونيا[5].

وللوقوف على مميزات مسطرة التبليغ وإجراءاتها في الوعاء الضريبي، لابد وأن نتعرض للمراحل التي قطعتها (المبحث الأول)، قبل أن نقف على الإشكالات التي تعترضها (المبحث الثاني).

 

 

المبحث الأول: مراحل التطور التشريعي لطرق التبليغ

عمل المشرع الجبائي على إدخال عدة تعديلات على مسطرة التبليغ، لمعالجة المشاكل التي تواجهها الإدارة في تبليغ الخاضعين للضريبة، وقد تم ذلك في عدة مناسبات، يمكن تصنيفها إلى مرحلتين أساسيتين، مرحلة ما قبل صدور كتاب المساطر الجبائية (المطلب الأول) ومرحلة صدور كتاب المساطر الجبائية و ما بعدها (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مرحلة ما قبل صدور كتاب المساطر الجبائية

بعد أن كان المشرع الجبائي لا يعير اهتماما بالغا لمسطرة التبليغ، من خلال اعتماد الإدارة فقط على البريد المضمون لتوجيه إنذاراتها، وعدم مراعاتها لمسألة التوصل الفعلي للملزم، أخذ المشرع و بفعل الاجتهادات القضائية المتواترة، يتراجع عن موقفه، خصوصا بعد إلغاء المحاكم الإدارية لعدد كبير من الضرائب، بسبب عدم توصل الملزم بالتبليغ، ليعمد في الأخير إلى إصدار عدة قوانين للمالية لتعزيز وسائل التبليغ لدى الإدارة.

الفقرة الأولى: مرحلة ما قبل صدور قانون المالية لسنة 1995

تميزت هذه المرحلة بتنوع وسائل التبليغ المنصوص عليها في القانون الضريبي المغربي، بحيث كان هذا التنوع ناتجا عن تعدد الضرائب.

وهكذا فقد كان التبليغ عن طريق الأعوان القضائيين، هو السائد في ضريبة التسجيل و التمبر، فيما كان التبليغ بالبريد هو المعمول به في الضرائب المباشرة، بالإضافة إلى التبليغ عن طريق السلطات الإدارية، الذي كانت تلجأ إليه الإدارة، خاصة في المناطق النائية[6].

وفي هذه المرحلة لم يكن المشرع يعير اهتماما بالغا للتبليغ بالبريد المضمون، رغم أن الممارسة الإدارية، كانت تعتمد هذا النوع من التبليغ، الذي أصبح هو القاعدة في تواصل الإدارة مع الملزمين[7].

ومع ذلك لم يسفر التبليغ بالبريد المضمون عن الغرض المراد منه في إطار ما توجبه المسطرة التواجهية، لأن أغلب المراسلات كانت ترجع إلى الإدارة حاملة لعبارة “الرجوع إلى المرسل”، أو “غير مطلوب”، أو “عنوان ناقص”، و هذه الحالات لا تعتبر دليلا على التوصل بالتبليغ، حيث أكد المجلس الأعلى في العديد من قراراته على أن رجوع الرسالة بعبارة “غير مطلوب”، لا تعني و لا تفيد التوصل،[8] و من ذلك قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى التي اعتبرت بأن إدلاء الإدارة بغلاف مكتوب عليه “غير مطلوب” دليل على عدم التوصل[9]، وهذا الاتجاه سايرته المحاكم الإدارية بعد إحداثها.

وأمام الآثار السلبية التي رتبتها مسطرة التبليغ آنذاك، ولا سيما على مستوى ربط الضريبة، اضطر المشرع إلى التدخل بإصدار عدة قوانين للمالية(1995، 2001)، و هي موضوع المرحلة الثانية.

الفقرة الثانية: مرحلة ما بين صدور قانون المالية لسنة 1995 و قانون المالية لسنة 2001

لقد توخى المشرع من خلال قانون المالية لسنة 1995 توسيع دائرة إجراءات التبليغ المعمول بها مع جعلها أكثر فاعلية و مرونة قصد تدارك الخلل الذي عرفه التبليغ بواسطة البريد المضمون، لا سيما عند رجوع الرسالة بعبارة “غير مطلوب” التي يترتب عنها تقادم الحق في تأسيس الضريبة، ولأجل وضع حد للمراوغات والتملص الضريبي، تمت الاستعانة بطرق أخرى للتبليغ إلى جانب التبليغ بالبريد المضمون، كالمأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب، وأعوان كتابة الضبط، والأعوان القضائيين، إضافة إلى التبليغ بالطريقة الإدارية[10].

وقد نصت التعديلات الجبائية المدرجة بمقتضى هذا القانون، على أنه لا يمكن تفعيل الطرق الأخرى للتبليغ إلا بعد تعذر التبليغ بواسطة البريد المضمون، إذ يتعين على الإدارة الجبائية أولا أن تلجأ إلى طريقة التبليغ بالبريد المضمون، و أن تثبت تعذر هذه الطريقة في تبليغ الملزم، حتى يتسنى لها سلوك باقي الطرق الأخرى للتبليغ تحت طائلة بطلان مسطرة فرض الضريبة[11].

غير أن التطبيق العملي لهذا التتابع، أفضى إلى عدة مشاكل حالت دون الغاية المتوخاة من التبليغ، حيث لوحظ أن المدة الفاصلة بين تاريخ إرسال التبليغ بالبريد المضمون وتاريخ علم الإدارة بتوصل الملزم أو عدمه قد يفوق 20 يوما، في حين أن هذه المدة هي نفسها قد تكون كافية ليسقط حقها في تعديل الفرض الضريبي بالتقادم، مما جعلها في موقف حرج، محتارة بين مواصلة التبليغ بالطرق المتاحة الأخرى، أو انتظار رجوع الطي[12].

ولعل ما سبق هو الذي دفع المشرع خلال إعداد قانون المالية لسنة 2001، إلى إدخال تعديلات جديدة بموجب المادة 10 منه، التي خولت للإدارة الجبائية إمكانيات و صلاحيات واسعة تمكنها من إجراء عملية التبليغ بصفة مبسطة، وذلك بالتنصيص صراحة بأن التبليغ يجب أن يتم في العنوان الذي سبق أن صرح به الملزم في مراسلاته و تصريحاته المدلى بها للإدارة الجبائية، سواء بواسطة البريد المضمون مع الإشعار بالتسلم، أو عن طريق المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب، أو أعوان كتاب الضبط، أو الأعوان القضائيين، أو بالطريقة الإدارية، دون اعتبار لأي ترتيب لهاته الطرق في التبليغ، مع تخويل الإدارة الجبائية، اختيار الطريقة المثلى لتبليغ مراسلاتها و قراراتها للملزم.

وقد اعتبر المشرع بمقتضى قانون المالية لسنة 2001 أن رفض التبليغ من طرف الملزم، بمثابة تبليغ قانوني بعد مرور عشرة (10) أيام من تاريخ الرفض، مكرسا بذلك نفس القاعدة المنصوص عليها في الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية[13].

وتعزيزا لموقف الإدارة، أضاف المشرع إلى المادة 5 من قانون الضريبة على الدخل التي كانت تنص على أنه: “تفرض الضريبة في مكان الإقامة الاعتيادية للخاضع للضريبة أو في المكان الذي توجد به مؤسسته الرئيسية”، مقتضيات جديدة تضمنتها المادة 10، التي أصبحت تنص على أنه “يجب على الملزم إخبار إدارة الضرائب بكل تغيير يطرأ على محل الإقامة أو مكان المؤسسة الرئيسية أو الموطن الضريبي في رسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم أو على إقرار تضعه الإدارة رهن إشارة الملزم لهذا الغرض، وذلك خلال الشهر التالي للشهر الذي وقع فيه التغيير[14].

وعلى الرغم من توسيع دائرة إجراءات التبليغ بقانون المالية لسنة 2001، وجعل الاختيار للإدارة في سلوك الوسيلة الكفيلة لضمان صحة التبليغ، فإن هاته الطرق لم تسلم من المنازعة في سلامتها أمام القضاء الإداري، الذي ألزم الإدارة بإثبات أوجه تعذر التبليغ وصحة البيانات الواردة بالمحضر المنجز في هذا الشأن، في حالة المنازعة تحت طائلة بطلان مسطرة فرض الضريبة.

المطلب الثاني: مرحلة صدور كتاب المساطر الجبائية و ما بعدها

أمام الصعوبات التي أثارتها مسطرة التبليغ في المراحل السابقة، تدخل المشرع بموجب قانون المالية لسنة 2005 من خلال تنصيصه على مقتضيات جديدة فيما يخص طرق التبليغ وتجميعها لأول مرة في كتاب المساطر الجبائية، حيث أصبحت في وضعية جديدة، غير أن ذلك لم يمنع  المشرع، من أن يتدخل من جديد لإعادة تحديد طرق التبليغ بشكل دقيق، بغية خلق تجانس على مستوى المسطرة، وهو ما تأتى من خلال المدونة العامة للضرائب بمقتضى قانون المالية لسنة 2007.

 

الفقرة الأولى: مرحلة صدور قانون المالية لسنة 2005

عمد المشرع من جديد إلى التدخل بواسطة قانون المالية لسنة 2005،[15] حيث تم بمقتضاه تجميع النصوص المتعلقة بالمساطر الضريبية المعمول بها بالنسبة لكل الضرائب و الرسوم، المنظمة لعمليات الوعاء و المراقبة و المنازعات في نص واحد، هو كتاب المساطر الجبائية[16]، الذي نظم مسطرة التبليغ بطريقة مغايرة للقواعد العامة المتعارف عليها في قانون المسطرة المدنية.

وهكذا نص الفصل 10 من كتاب المساطر الجبائية على أنه: “يتم التبليغ بالعنوان المحدد من قبل الخاضع للضريبة في إقراراته أو عقوده أو مراسلاته المدلى بها إلى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة عليه إما برسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتبليغ أو بالتسليم إليه بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب أو أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية، و يجب أن يقوم العون المبلغ بتقديم الوثيقة المراد تبليغها إلى المعني بالأمر في ظرف مغلق يثبت التسليم بشهادة تحرر في نسختين  بمطبوع تقدمه الإدارة و تسلم نسخة من هذه الشهادة إلى المعني بالأمر.

ويجب أن تتضمن شهادة التسليم البيانات التالية: اسم العون المبلغ وصفته، تاريخ التبليغ، الشخص المسلمة إليه الوثيقة وتوقيعه، وإذ لم يستطع أو لم يرد الشخص الذي تسلم التبليغ توقيع الشهادة، وجب على العون الذي قام بالتسليم أن يشير فيها إلى ذلك و في جميع الحالات يوقع العون المذكور الشهادة ويوجهها إلى مفتش الضرائب المعني بالأمر.

إذا تعذر القيام بالتبليغ المذكور نظرا لعدم العثور على الخاضع للضريبة أو للشخص النائب عنه وجبت الإشارة إلى ذلك في الشهادة التي توقع من طرف العون و ترجع إلى المفتش المشار إليه في الفقرة السابقة.

وإذا تعذر تسليمها إلى الخاضع للضريبة بالعنوان المدلى به إلى مفتش الضرائب عنها يتم توجيه الوثيقة في رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتسلم أو بواسطة أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية وتم إرجاع الوثيقة مذيلة ببيان غير مطالب به أو انتقل من العنوان أو عنوان غير معروف أو غير تام أو أماكن مغلقة أو أن الخاضع للضريبة غير معروف بالعنوان، في هذه الحالات يعتبر الظرف مسلما بعد انصرام أجل العشرة أيام التالية لتاريخ إثبات تعذر تبليغ الطرق المذكورة”.

وما يلاحظ على هذه المادة أنها جاءت أدق و أضيق من المواد 37 و 38 و 39 المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، مما يعطي للقانون الضريبي في هذا المجال خصوصية مشروعة، نتجت عن طبيعة المشاكل التي تعرفها عملية التبليغ، و يمكن القول أن الصيغة الجديدة للتبليغ هي لصالح الإدارة[17]، من خلال إعفاء إدارة الضرائب من البحث على عنوان جديد للملزم، و بالتالي فإن هذا الأخير يكون ملزما بالإدلاء بعنوانه لإدارة الضرائب، كلما غيره أو أن يعلم الإدارة بمحل المخابرة معه[18].

أيضا فإن تعذر تسليم طي التبليغ للأسباب التي أوردتها المادة المذكورة، يعتبر بمثابة رفض تسلم طي التبليغ، حيث رتب عليه المشرع الجبائي آثارا قانونية خاصة، و هي اعتباره بمثابة تبليغ قانوني بعد مرور عشرة أيام من تاريخ تعذر التبليغ[19].

وفي المقابل يلاحظ على مستوى هذه المقتضيات، أن المشرع تراجع عن تكريس ضمانات الملزم، الشيء الذي أدى به إلى إصدار المدونة العامة للضرائب في محاولة لتحقيق التوازن بين أطراف العملية الضريبية.

الفقرة الثانية: مرحلة صدور قانون المالية لسنة 2007

تعد سنة 2007، سنة محورية في التاريخ الجبائي بالمغرب، على اعتبار أنه لأول مرة، تم إدماج جميع المقتضيات المتعلقة بالتبليغ في المادة الجبائية في مادة واحدة هي المادة 219 من المدونة العامة للضرائب، و التي تنص على أن: “يتم التبليغ بالعنوان المحدد من قبل الخاضع للضريبة في إقراراته أو عقوده أو مراسلاته المدلى بها إلى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة عليه إما برسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم أو التسليم إليه بواسطة المأمورين المحلفين التابعين للإدارة الضرائب أو أعوان كتابة الضبط أو المفوضين القضائيين أو بالطريقة الإدارية…”[20].

ويتبين من خلال القراءة المتأنية لهذه المقتضيات، أن مسطرة التبليغ تظفر بعدة خصوصيات منها، أن إرسال وتوجيه التبليغات الضريبية، يجب أن يتم على العنوان المحدد أو المعين أو المذكور أو المشار إليه من قبل الخاضع للضريبة، سواء في إقراراته و تصريحاته، أو في مختلف عقوده و مراسلاته المدلى بها لدى مفتش الضرائب التابع له مكان ربط و تأسيس الضريبة[21].

وقد سبق لمحكمة النقض وأن أكدت على هذه المسألة، من خلال العديد من القرارات الصادرة عنها، من ذلك قرار الغرفة الإدارية[22] الصادر بتاريخ 30/01/2014 الذي جاء فيه: “إن محضر المعاينة المنجز من طرف العون القضائي أحمد مكاوي بتاريخ 13/09/2010 يتبين منه أن التبليغ تم لرسالة التصحيح الأولى عند كلم 5 دوار العوينات موالين الواد جماعة المزامرة الجنوبية…في حين أن العنوان المصرح به في الإقرار هو دوار اللبنة موالين الواد جماعة تمدروست المزامرة سطات مما مؤداه أن التبليغ تم في عنوان غير المصرح به في الإقرار”.

وتجدر الإشارة كذلك إلى أن الخاضع للضريبة، يكون ملزما بإخبار الإدارة كلما غير عنوانه، و في حال عدم مراسلتها له في العنوان الجديد المحدد من قبله، فإنها تتحمل الآثار السلبية الناجمة عن ذلك، حيث قضت للمحكمة الإدارية بالرباط  في حكمها الصادر بتاريخ 03/01/2013 بأن: “تغيير الملزم عنوان مراسلاته الذي سبق أن أورده في إقرار البيع و إشعاره الإدارة الضريبية بذلك يجعل مراسلتها له على عنوانه الوارد في إقراره باطلا”[23].

وبالمقابل فإن إدلاء الملزم بالعنوان الخاطئ أو غير الكامل أو تغييره للعنوان دون إعلام الإدارة بذلك، يجعل طلبه الرامي إلى إبطال مسطرة الفرض الضريبي مرفوضا، إذا أثبتت الإدارة أنها باشرت إجراءات التبليغ مع تعذر التوصل لوجود استحالة مادية آلت دون ذلك[24].

وبتمحيص النظر في مقتضيات المادة المذكورة أعلاه، تتضح لنا خصوصية أخرى تتجلى بالضبط في آخر فقرة، حيث اعتبرت كلمة “غير مطلوب” تبليغا صحيحا، رغم أنها في الواقع لا تعتبر دليلا على التوصل[25]، ويمكن تصور هذه الحالة عندما تلجأ الإدارة الجبائية، إلى طريقة التبليغ عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتسلم، ويتم إرجاع الظرف حاملا لعبارة غير مطلوب.

وهو ما حدا ببعض المهتمين إلى اعتبار أن هذه الخصوصية الإجرائية لمسطرة التبليغ في المادة الضريبية، تعد تراجعا من المشرع بشأن حماية حق الدفاع، و بالتالي الضمانات التي كانت مخولة للملزمين بمقتضى الاجتهادات القضائية السالفة، ليخلصوا إلى القول على أنه لا ينبغي اعتماد كلمة “غير مطلوب” إلا بعد القيام ببحث دقيق، ولو أدى الأمر إلى الاستعانة بالجوار والسلطات العمومية، لما يترتب عن ذلك من آثار قانونية خطيرة عن عملية التبليغ[26].

كما يستشف من المادة المذكورة، أن طرق التبليغ التي تضمنتها تستقل عن مثيلاتها في قانون المسطرة المدنية، من ذلك مثلا إمكانية التبليغ بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب[27]، وبالرغم من وجود بعض أوجه التقارب في كلا القانونين، إلا أنه في المجال الضريبي لا يمكن أن نتصور تبليغ وثائق ضريبية بالطريقة الدبلوماسية لملزم متواجد خارج أرض الوطن[28]، كما لا يمكن تطبيق طريقة التبليغ عن طريق القيم في الميدان الضريبي، لكون الملزم هو الوحيد الذي بإمكانه معرفة مستوى دخله وقدرته على تحمل نفقات الدولة، وبالتالي مناقشة الإدارة الجبائية في مبلغ الضريبة المفروضة عليه[29].

ومما يجب لفت الانتباه إليه أن المادة 219 من المدونة العامة للضرائب، لم تضع تراتبية معينة في طرق التبليغ، بل جعلت جميع الطرق في مرتبة واحدة، مخولة بذلك للإدارة صلاحية اختيار طريقة التبليغ التي تراها مناسبة[30]، شريطة عدم خروجها على الأحكام التي أوردها المشرع في هذا المجال، وذلك حفاظا على حقوق الملزم، حتى لا يترتب على خرق إجراءات التبليغ بطلان مسطرة فرض الضريبة.

المبحث الثاني: رقابة القضاء الإداري على إشكالات مسطرة التبليغ

من المسلم به أن المشرع مهما كان حريصا ودقيقا في صياغته للنصوص التشريعية، فلا يمكن له أن يلامس جميع الإشكالات التي تطرح على الصعيد العملي، ومن هنا يبرز دور الاجتهاد القضائي الإداري، لسد بعض الثغرات التي تتخلل هاته النصوص، خاصة تلك المتعلقة بمسطرة التبليغ التي تعرف جملة من الإشكالات القانونية والعملية.

المطلب الأول: الإشكالات القانونية لمسطرة التبليغ

إذا كان المشرع قد تمكن من خلال المادة 219 من المدونة العامة للضرائب، من إيجاد حل لمجموعة من الإشكالات التي كانت مطروحة في مجال التبليغ، و خاصة تلك المتعلقة بتعذر التسليم،  فإنه رغم ذلك تظل مستجدات المادة المذكورة، قاصرة عن إيجاد حل لجميع الإشكالات التي يمكن أن تثار أو تلك التي أثبتت التجربة القضائية من خلال فصلها في المنازعات الجبائية عن وجودها في مجال التبليغ.

ويمكن ملامسة بعض الإشكالات القانونية المتعلقة بالمادة 219 السالفة الذكر، على مستوى: حالات تحديد هوية الشخص الذي تسلم إليه الوثيقة، وحالات تعذر التبليغ.

 

 

الفقرة الأولى: حالات تحديد الهوية

تثير حالات  تحديد الهوية عدة إشكالات، منها ما يتعلق بالشخص المسلمة إليه الوثيقة، ومنها ما يتعلق بالوثيقة نفسها.

أولا: الإشكالات المرتبطة بالشخص المسلمة إليه الوثيقة

حددت المادة 219، الأشخاص الذين يحق لهم تسلم الإشعار الضريبي، و التوقيع على طي التبليغ و هم: الملزم شخصيا، أو بموطنه لأقاربه، أو مستخدميه، أو لكل شخص آخر يسكن أو يعمل مع الموجهة إليه الوثيقة.

إلا أن هذا التحديد، قد طرح عدة إشكالات، منها على الخصوص مفهوم الموطن الأصلي للملزم، أو الموطن المختار، كأن يتم التبليغ بمكتب وكيله مثل المحامي أو الموثق أو أي شخص آخر مكلف بأعماله كالمحاسب، ومن جهة ثانية فرغم أن المشرع قد أشار إلى إمكانية تسلم طي التبليغ بواسطة الأقارب، إلا أنه لم يحدد درجة و نوع هذه القرابة و هل تمتد إلى الأصهار،[31] غير أن الاجتهاد القضائي حددها في الدرجة الخامسة،[32] كما أنه في بعض الأحيان يتم التوصل بواسطة الجيران، أو الأصدقاء الذين قد يصرحون أنهم من أقارب الخاضع للضريبة، الشيء الذي يطرح التساؤل عن مدى قانونية هذا التبليغ باعتبار أن هؤلاء لم تشملهم المادة 219 من المدونة العامة للضرائب.

والأخطر من ذلك، أن المشرع قد سمح لفئة المستخدمين والعاملين مع الملزم، بإمكانية التوصل بالإشعارات الضريبية، لا سيما و أنه في العديد من الحالات تكون هناك حساسية في العلاقة التي تربط الطرفين، سواء في البيت أو الشركة، فيتم إخفاء الإشعار الضريبي عن الملزم حتى يتم تفويت أجل الطعن فيه، سواء عن قصد أو غير قصد، أو يتم رفض التوصل بالإشعار المذكور، فتعمد الإدارة الجبائية إلى ترتيب الآثار عن هذا الرفض بعد مرور أجل 10 أيام التالية لتاريخ رفض التسلم[33].

ومما يستدعي الانتباه أن المادة 219 من المدونة العامة للضرائب، لم تتناول مسألة التبليغ إلى القاصر أو المحجور، و أمام هذا الفراغ التشريعي يمكن الرجوع إلى المقتضيات القانونية المتعلقة بمدونة الأسرة، التي أسندت الولاية على شخص القاصر و أمواله، للنائب الشرعي، و بالتالي يتعين أن يتم التبليغ في هذه الحالة، بموطن النائب القانوني الذي قد يكون إما الولي و إما المقدم أو الوصي[34].

ثانيا: الإشكالات المرتبطة بشهادة التسليم

تعتبر شهادة التسليم ذات أهمية بالغة في ثبوت صحة التبليغ في المادة الجبائية، ولذلك أحاطها المشرع بمجموعة من الإجراءات الشكلية التي تضمن لها قوتها الإثباتية، حيث يترتب عن المساس بها بطلان مسطرة التبليغ[35].

وهكذا يجب أن تتضمن شهادة التسليم، البيانات المتعلقة باسم العون الذي قام بعملية التبليغ و صفته و تاريخ هذا التبليغ، ثم الشخص المسلمة إليه هذه الوثيقة و توقيعه، إلا أن الإشكال الذي يطرح في هذا الصدد، هو أن بعض شواهد التسليم تنقصها بعضا من هذه البيانات، فيطالب المدعون بإبطال الضريبة لعدم الإشارة في شهادة التسليم إلى صفة عون الإدارة هل هو محلف أم لا، أو عدم الإشارة إلى هوية المتسلم للطي…[36]، وهنا يطرح التساؤل التالي وهو: هل يمكن اعتبار واقعة التبليغ منتجة حتى في حالة عدم منازعة الملزم في محتوياتها رغم أنها مخالفة للمتطلبات المتعين توافرها فيها ؟

أجابت المحكمة الإدارية [37]عن هذا الإشكال: “لكن حيث لم تدل الإدارة الجبائية لا بالطي الذي يتضمن ملاحظة العنوان الناقص ولا بمحضر التبليغ المنجز من طرف أحد مأموريها المحلفين، وبالتالي يبقى ما تدفع به بهذا الخصوص غير مدعم بالحجج المثبتة له، ومن جهة أخرى فإن الاكتفاء بالقول بأن أحد الورثة قد رفض التوصل دون ذكر اسمه ودون بيان من استقى أنه من الورثة، كل ذلك يجعل التبليغ بهذه الكيفية غير قانوني”.

الفقرة الثانية: حالات تعذر التبليغ

عدد المشرع مجموعة من الحالات التي يتعذر فيها تبليغ الخاضع للضريبة بالإشعار الضريبي، و من ضمنها:

أولا: حالة التصريح بعنوان ناقص

اعتبر كل من المشرع و الاجتهاد القضائي، أن الملزم عند تصريحه بعنوان ناقص في إقراراته أو تظلماته أو عقوده، يتحمل وزر خطأه، بحيث لا يمكن أن يستفيد من خطأه سواء كان عن قصد أو غير قصد، ما دام أن الإدارة الجبائية، قد أثبتت بمقتضى الإشعار الأول أنها راسلته في العنوان المصرح به لدى مفتش الضرائب، و رجع الطي بعبارة “عنوان ناقص”، وبعد سلوك الإشعار الثاني وتحقق نفس النتيجة، تكون محقة في اللجوء إلى فرض الضريبة بشكل تلقائي، خصوصا وأن الإدلاء بالعنوان الصحيح هو التزام قانوني ووطني يجب احترامه، وتبعا لذلك أكدت المحكمة الإدارية بوجدة أن “عدم إدلاء الملزم بعنوانه الصحيح أو تملصه من التوصل بالرسائل والاستدعاءات الموجهة إليه من طرف الإدارة الجبائية أو من طرف المحكمة لا يجعل مسطرة التبليغ باطلة”[38].

ثانيا: حالة مغادرة الخاضع للضريبة لمحل إقامته

إن العلاقة التي تربط الإدارة الضريبية بالملزمين، يجب أن يكون أساسها الشفافية والوضوح، فإذا كانت هذه الإدارة ملزمة بتبليغ الخاضع للضريبة في عناوينهم المصرح بها في مراسلاتهم أو إقراراتهم أو عقودهم، فإنه في حالة تغيير العنوان أو إغلاق المحل، يكون من الضروري إخبار الإدارة بذلك، و إعلامها بأي طارئ يطرأ على وضعية الملزم[39].

واستنادا إلى ما ذكر اعتبرت المحكمة الإدارية بوجدة في حكمها الصادر بتاريخ 23/03/2003 أنه “بغض النظر على أن الاعتقال لا يحول دون ممارسة المدعي لحقوقه في جميع الميادين وخاصة تلك التي تمس ذمته المالية، فإنه لم يدل بما يثبت بالشكل المتطلب قانونا إعلامه للإدارة الجبائية بواقعة الاعتقال، وبالتالي يكون عدم توصله بالرسائل الموجهة إليه من طرف الإدارة يرجع إلى خطأه المتمثل في عدم إعلامها بالعنوان الذي يجب مراسلته فيه”[40].

المطلب الثاني: الإشكالات العملية لمسطرة التبليغ

تطرح على الصعيد العملي العديد من الإشكالات المتعلقة بالتبليغ، ويكون سببها إما الإدارة الوصية أو الخاضع للضريبة، إلا أنه في غالب الأحيان تكون جذور هذه الإشكالات متعلقة بالنص القانوني، إما لغموضه أو عدم تطرقه لبعض المسائل المتعلقة بالمجال الضريبي.

الفقرة الأولى: الإشكالات العملية المرتبطة بالإدارة

توجد مجموعة من الإشكالات العملية من أهمها:

أولا: حالة الجهل بمضمون المراسلة الموجهة إلى الخاضع للضريبية

يلاحظ أن مجمل الإدارات ومن بينها الإدارة الجبائية، تتعامل بالمراسلات المحررة باللغة الفرنسية، وليس  باللغة الرسمية للبلاد أو باقي اللغات الوطنية، وهذا يضيع على الملزم فرصة معرفة محتوى هذه المراسلات، والأخطر من ذلك أن الإشعارات الضريبية لا تشير إلى نوع الضرائب المطالب بها الملزم، لأن إدارة الضرائب ترمز إليها برموز غير معروفة ومختصرة مثل:  TVA – IS – IRوهي رموز لا يعرفها إلا الممارسون والمختصون في المجال الضريبي، ولا يفقهها الملزمون[41]، ويظهر ذلك جليا عند توجيهيهم لتظلماتهم إلى الإدارة أو مقالاتهم إلى القضاء، بغرض الطعن في ضريبة معينة، والحال أن الإشعار الضريبي يتضمن ضريبة أخرى، فيقع للملزم خلط راجع بالأساس إلى عدم إلمامه بالضريبة موضوع الطعن.

ثانيا: حالة عدم التصريح بأي عنوان من قبل الخاضع للضريبية

تعتبر الإدارة في العديد من الحالات، أن عدم تصريح الملزم بأي عنوان، يصنف ضمن حالة العنوان الناقص، وتخضعه بالتالي إلى مقتضيات المادة 219 من المدونة العامة للضرائب، في الوقت الذي يكشف فيه الواقع على أن أغلب التجزيئات الحديثة، لا تتضمن أسماء الشوارع و الأزقة و لا أرقام المنازل، و إنما تتضمن فقط رقم القطعة الأرضية و اسم التجزئة،  الشيء الذي يتعذر معه إجراء مسطرة التبليغ بالدقة المتطلبة قانونا، فكيف إذن يمكن لإدارة الضرائب أن تحمل الملزم عبئ الإدلاء بعنوان تام، لا سيما و أن جهات أخرى كالمجالس البلدية هي التي تتولى تنظيم الشوارع و الأزقة و ترقيمها[42].

 

الفقرة الثانية: الإشكالات العملية المرتبطة بالملزم

يمكن رصد بعض من هاته الإشكالات كالآتي:

أولا: حالة تعدد الملزمين:

تعد مسألة تعدد الملزمين، من أكثر الإشكالات وقوعا، خصوصا عند عدم توصل أحدهم بالمراسلات الموجهة إليهم، كما هو الشأن بالنسبة للورثة، فهل يكن اعتبار تبليغ الإشعار الضريبي لأحد الورثة كافيا ومنتجا لآثاره في حق الجميع، أم أن الأمر يتطلب تبليغ كل الورثة ؟

تعرض الاجتهاد القضائي لهذا الإشكال من خلال عدة أحكام أهمها، الحكم الصادر عن إدارية وجدة، الذي اعتبر أن “الإدارة الجبائية غير ملزمة بمطالبة كل الورثة بالدين الضريبي المترتب بذمة مورثهم، إذ يكفيها توجيه الإعلام الضريبي إلى أحدهم وتطالبه لوحده أو بالتضامن مع باقي الورثة، ما دامت لم تتوصل بما يفيد تصفية التركة”[43].

ثانيا: حالة ادعاء الملزم بجهله لفحوى الإشعار الضريبي

قد يدعي بعض الملزمين جهلهم بمضمون الرسالة الموجهة إليهم من طرف الإدارة الجبائية، رغم وضوح هذه المراسلة، إلا أن هذا العذر لا يمكن الاعتداد به ما دام أنه يمكن لكل مواطن الاستفسار عن مضمون الإشعار الضريبي، خاصة إذا كان الملزم يعلم مسبقا أنه لم يتقدم أصلا بأي إقرار لإدارة الضرائب[44]، وفي هذا الإطار اعتبرت المحكمة الإدارية بوجدة “أن المدعي لم ينازع في كون مأمور الإدارة قد انتقل إليه لتسليمه الرسالة، وإنما نعى على المأمور المذكور عدم اطلاعه على فحوى الرسالة المراد تبليغها إياه، لكن حيث إن المأمور أو أي شخص مكلف بالتبليغ غير ملزم بمعرفة فحوى الرسالة التي يسهر على تبليغها، وبالتالي فهو غير ملزم باطلاع المرسل إليه على فحواها لذا كان على المدعي تسلم الطي أو رفضه، وبعد ذلك يسلك المسطرة القانونية الواجبة الإتباع”[45].

 

حاصل القول أن التشدد الذي خص به المشرع مسطرة التبليغ يرمي من خلاله حماية المال العام من كل المناورات والوسائل الاحتيالية التي تشكل مطية للتهرب من الالتزامات الضريبية، وما يترتب عن ذلك من آثار وخيمة على إيرادات الدولة.

ويمكن اعتبار تدخل القضاء الإداري بشأن مقتضيات التبليغ تدخلا إيجابيا يسعى إلى ضمان حسن تطبيق النصوص القانونية من طرف الإدارة الضريبية وفق الشكليات التي قررها المشرع، بغية حفظ حقوق الخاضع للضريبة الذي يعتبر الحلقة الأضعف في المعادلة الجبائية.

وبالرغم من المساعي الجدية التي يبذلها القضاء الإداري في سبيل سد الثغرات التشريعية وإيجاد الحلول العملية لها اعتمادا على القواعد والمبادئ القانونية المتعارف عليها، إلا أن التطبيق العملي للمرتكزات الضريبية أبان عن العديد من الإشكالات التي تقتضي من المشرع التفكير مليا في التعديل المواكب لرهانات العصر من خلال إحداث طرق جديدة للتبليغ، كالتبليغ الإلكتروني خصوصا بعد اعتماد الإدارة الضريبية للتصريح والأداء الإلكترونيين، وصدور القانون المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.

 

[1] – يستمد التبليغ الضريبي أسسه القانونية من المرتكزات التالية:

[2] ـ محمد صقلي حسيني، إشكالية التبليغ في الوعاء الضريبي، مقال منشور بمجلة المعيار، العدد 31، مطبعة التلمساني، يونيو 2004، ص 103.

[3] ـ عبد الغني خالد، مسطرة التبليغ في القانون الضريبي المغربي، مداخلة قدمت في لقاء مشترك بين المجلس الأعلى و المديرية العامة للضرائب حول “العمل القضائي و المنازعات الضريبية”، أشغال اليومين الدراسيين 28 و29 مارس، عدد 8/2005، دفاتر المجلس الأعلى، ص 58.

[4] ـ عباس التاقي، المنازعات الضريبية واجتهادات المحاكم الإدارية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، وحدة البحث و التكوين: تدبير الإدارة المحلية، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ سطات، السنة الجامعية: 2007/2008، ص 20.

[5] ـ عبد الغني يفوت، المسطرة التواجهية وإجراءات التبليغ في الضريبة العامة على الدخل، مداخلة قدمت في لقاء مشترك بين المجلس الأعلى والمديرية العامة للضرائب حول “العمل القضائي و المنازعات الضريبية”، أشغال اليومين الدراسيين 28 و29 مارس، عدد 8/2005، دفاتر المجلس الأعلى، ص 49.

[6] ـ نجيب البقالي، منازعات الوعاء الضريبي أمام القضاء الإداري، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، وحدة التكوين والبحث: القانون الإداري والتدبير العمومي، جـامعة الحسـن الثانـي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمديةـ البيضاء، السنة الجامعية: 2007/2008، ص 10.

[7] ـ الحسن الكثير، التبليغ في المادة الجبائية على ضوء التشريع الجبائي و الاجتهاد القضائي، مطبعة الأمنية ـ الرباط، الطبعة الأولى 2012، ص 13.

[8] ـ عبد الرحيم برحيلي، تعذر احترام مسطرة التبليغ و مدى تأثيره على سلامة إجراءات الفرض الضريبي، مداخلة قدمت في لقاء مشترك بين المجلس الأعلى و المديرية العامة للضرائب حول “العمل القضائي و المنازعات الضريبية”، أشغال اليومين الدراسيين 28 و29 مارس، عدد 8/2005، دفاتر المجلس الأعلى، ص 68.

[9] ـ قرار رقم س 1 بتاريخ 27/12/1978 في الملف المدني رقم 67701، وكذلك القرار 28 ـ 270/08/1981 في الملف 54963 بين الوكيلي الخوخي ضد وزير التعليم الابتدائي و الثانوي، أوردهما عبد الرحيم برحيلي، مرجع سابق، ص 68.

[10] ـ محمد قصري، المنازعات الجبائية المتعلقة بربط و تحصيل الضريبة أمام القضاء المغربي، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة 2011، ص 15.

[11] ـ الحسن كثير، مرجع سابق، ص 14.

[12] ـ عبد الغني يفوت، مسطرة التبليغ في المادة الجبائية، الندوة الجهوية السادسة تحت عنوان “المنازعات الانتخابية والجبائية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى”، الرباط 10 ـ11 ـ 2007، ص 243.

[13] ـ الحسن كثير، مرجع سابق، ص 16.

[14] ـ عبد الغني خالد، مرجع سابق، ص 61.

[15] ـ  محمد قصري، مرجع سابق، ص 20.

[16] ـ الصادر بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.04.205 بتاريخ 29 ديسمبر 2004.

[17] ـ عبد الغني خالد، مرجع سابق، ص 62.

[18] ـ سميرة شقشاق، طرق التبليغ وتطورها عبر القوانين المالية والاجتهادات القضائية، مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد62 ـ 63 ، سنة 2005، ص 92.

[19] ـ محمد قصري، مرجع سابق، ص 22.

[20] ـ الحسن كثير، مرجع سابق، ص 17.

[21] ـ رضوان السمينة، الإشكالات القانونية والعملية لمسطرة التبليغ في الميدان الضريبي، بحت لنيل شهادة الماستر في القضاء الإداري، جامعة محمد الخامس السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ سلا، السـنة الجامعية: 2012/2013، ص 33.

[22] ـ القرار عدد: 98، المؤرخ في: 30/01/2014، ملف إداري عدد: 2128/4/2/2012.

[23] ـ حكم رقم: 2، بتاريخ: 03/01/2013، ملف رقم: 71/7/2010.

[24] ـ حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم: 1314، بتاريخ: 30/10/2006، ملف رقم: 1320/3/05، منشور بمجلة الحقوق المغربية، العمل القضائي في المنازعات الضريبية بين مواقف محاكم الموضوع و توجهات المجلس الأعلى، دلائل الأعمال القضائية، الدليل الثالث ـ أكتوبر 2010، ص 296.

[25] ـ عبد الرحيم برحيلي، مرجع سابق، ص 68.

[26] ـ حياة البجدايني، خصوصية الإجراءات المسطرية في المنازعات الضريبية، مقال منشور بمجلة القضاء و القانون، العدد 159، سنة 2011، ص 90.

[27] ـ تم اعتماد هذه الطريقة لأول مرة سنة 1996، بموجب المادة 13 من قانون المالية لسنة 1995، لتدرج ضمن الوسائل المعتمدة للتبليغ في الميدان الجبائي.

[28] ـ الحسن كثير، مرجع سابق، ص 26.

[29] ـ إبراهيم أحطاب، مساطر التبليغ في المادة الجبائية، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 90، سنة 2001، ص 102.

[30] ـ الحسن كثير، مرجع سابق، ص 26.

[31] ـ فتيحة السوسي، التبليغ في الميدان الضريبي وفق المسطرة الجديدة و الإشكالات المطروحة في الميدان العملي، مقال منشور بمجلة المحاكم الإدارية، العدد الثالث، جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية، ماي 2008، ص 103.

[32] ـ قرار المجلس الأعلى عدد 6641 بتاريخ 03/11/1998، ملف مدني عدد 7760/1996.

[33] ـ فتيحة السوسي، مرجع سابق، ص 104.

[34] ـ المواد 233 و234 من مدونة الأسرة، ظهير شريف رقم 1.04.22، صادر في 12 من ذي الحجة 1424، (3 فبراير 2004) بتنفيذ القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، الجريدة الرسمية عدد 5184، بتاريخ 14 من ذي الحجة (5 فبراير 2005).

[35] ـ عبد المالك أمكور، مرجع سابق، ص 58.

[36] ـ فتيحة السوسي، مرجع سابق، ص 104.

[37] ـ حكم عدد 201 بتاريخ 15/07/2004 في الملف رقم 695/03 ش.ض.

[38] ـ حكم رقم 201/202 ملف رقم 193/2001 ش.ض، أوردته فتيحة السوسي، مرجع سابق، ص 102.

[39] ـ رضوان السمينة، مرجع سابق، ص 60.

[40] ـ حكم عدد 54/02 ش.ض، أوردته فتيحة السوسي، مرجع سابق، ص 103.

[41] ـ عزيز بوعلام، إشكالات التبليغ في المجال الضريبي، مقال منشور بالموقع الالكتروني: www.marocdroit.com

[42] ـ فتيحة السوسي، مرجع سابق، ص 106.

[43] ـ حكم رقم 199/2002 في الملف رقم 72/2002 بتاريخ 27/11/2002.

[44] ـ فتيحة السوسي، مرجع سابق، ص 108.

[45] ـ حكم رقم 168/2002 بتاريخ 09/10/2002 في الملف رقم 150/2001.

Exit mobile version