مسؤولية المقاول و المهندس المعماري في مجال التعمير

مسؤولية المقاول و المهندس المعماري في مجال التعمير

عادل المعروفي

طالب باحث بسلك الدكتوراه

كلية الحقوق طنجة

 

يشكل موضوع التعمير المحور الأساس في للتنمية المجالية نظرا للتوسع الحضري والنمو الديموغرافي المتزايد اللذان تعرفهما المدن والتجمعات العمرانية، هذه التحولات ألزمت بالبحث عن ايجاد سياسة عمرانية تتلاءم وحجم الأوراش الكبرى ضمانا  لملائمة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمجال العمراني في المدن.

فقد أصبح ميدان التعمير اليوم الشغل الشاغل للسلطات الإدارية والقضائية نظرا للضغط الذي تعانيه الأنسجة الحضارية بفعل ارتفاع النمو العمراني والذي أدى إلى إضعاف هياكل المدينة، وتدهور ظروف السكن، مما دفع بالمشرع المغربي إلى إرساء عقوبات زجرية للمخالفات سواء تعلق الأمر بالمقاول أو المهندس المعماري.

تتنوع الجرائم و المخالفات التي قد يرتكبها كل من المقاول و المهندس المعماري أثناء تنفيذه لأعمال البناء، حيث أن مخالفة الضوابط التي أكد عليها المشرع من خلال قانوني 12.90 المتعلق بالتعمير، و قانون 25.90 المتعلق بالتجزيئات السكنية و إحداث المجموعات السكنية و تقسيم العقارات تمثل جريمة في حق المجتمع بصفة عامة، و في حق الأفراد بصفة خاصة.

فما هي إذن هذه الضوابط؟ و ما هي القوانين التي تنظمها؟ و ما جزاء مخالفتها؟

كل هذه الأسئلة سأجيب عليها من خلال تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين حيث سأتناول في المبحث الأول، مسؤولية المقاول في إطار منظومة القوانين المتعلقة بالتعمير ، في حين سأتناول في المبحث الثاني، مسؤولية المهندس المعماري في إطار قانون 12-90 و قانون 25.90.

المبحث الأول: مسؤولية المقاول في إطار منظومة القوانين المتعلقة بالتعمير

يمارس المقاول عملا ذو طابع إداري تنفيذي، يقوم بمقتضاه بتنفيذ الرسومات الهندسية الموضوعة من قبل المهندس المعماري، إذ يعتبر عمله عملا ماديا ذو طبيعة تجارية، هدفه تنفيذ عمليه البناء وفقا للأصول الفنية المتعارف عليها، و نقل الرسومات و التصميمات الهندسية من الحيز النظري إلى حيز الواقع، و ذلك بجعل البناء واقعا ملموسا، عن طريق خلط المواد المختلفة المستخدمة في البناء، وفقا لنسب محددة لا يجوز النزول عنها، و البدء في وضع أساسات البناء، بإقامة الأعمدة وفقا لما جاء بالتصميم الهندسي، الذي يتناول أيضا النسب و الشروط الواجب توافرها في مواصفات البناء[1].

المطلب الأول: المخالفات المترتبة عن عدم احترام الأصول الفنية من قبل المقاول

ترتكب في مجال التعمير و البناء عدة جرائم، و إذا كانت كل هذه المخالفات المرتكبة يجب اعتبارها جرائم، فإنه من الواجب زجر أصحابها، و جريمة البناء بدون رخصة تعد من أخطر هذه الجرائم، فكيف يتم تقديم طلب الرخصة البناء؟ ثم ما هي الأحكام العامة لمخالفة البناء بدون رخصة؟

بالرجوع لقانون 12.90 المتعلق بالتعمير نجده لم يوضح كثيرا الجوانب المتعلقة بتقديم طلب رخصة البناء، و الملف المكون له و طريقة إيداعه  إثبات التوصل به، و مسطرة البث فيه و كيفية اتخاذ القرارات المختلفة….

غير أن ما يميز مسطرة منح رخصة البناء في ظل قانون 12-90 المتعلق بالتعمير هو أنها تتطلب تدخل عدد من الإدارات و الهيئات لإبداء الرأي بشكل مستقل قبل البث في الطلب من طرف السلطة المختصة، بدل دراسته بشكل جماعي في إطار لجنة موحدة، كما أنها تختلف من جماعة لأخرى حسب ما إذا كانت مزودة بنظام عام قديم للطرق و البناء أم لا، وكذا بوثائق التعمير[2].

ومن أجل سد هذا النقص في قوانين التعمير، صدرت عدة مناشير سواء من طرف الوزارة المكلفة بالتعمير والسكنى وإعداد التراب الوطني أو من طرف وزارة الداخلية[3]، حيث أكدت معظم هذه المناشير على أن دراسة طلبات رخص البناء تتطلب ملفين، يتعلق الأول بطلب معلومات إدارية عن أرض معينة، أما الثاني فيهم الإذن بالبناء[4].

وسواء تقدم المالك أو المقاول أو المهندس كطالب لرخصة البناء، فإنه يكون ملزما أمام الجهات المسؤولة عن كل المخالفات التي قد يرتكبها أثناء عملية البناء.

ومخالفة البناء بدون رخصة تم تجريمها بمقتضى تشريع خاص، والمتمثل في قانون 12.90 الخاص بالتعمير في الباب الرابع منه وذلك في المواد 40 و 71 و 76 و 78 و 79، حيث نجد أن المادة 40[5] حددت كيفية المنع من القيام بعملية البناء بدون الحصول على رخصة مسبقة، ليتم تحديد بعد ذلك في المواد اللاحقة العقوبات المقررة لهذه المخالفة.

حيث نجد المادة 71 تنص على أنه يعاقب بغرامة من 10000 إلى 100000 درهم كل من باشر بناء من غير الحصول على الإذن الصريح أو الضمني، المنصوص عليه في المادة 40، أما المادة 76 من قانون 12.90 فقد حددت الأشخاص الذين يرتكبون  هذه المخالفات في رب العمل و المقاول و المهندس المختص، حيث نصت على ما يلي: “يعد شريكا لمرتكب مخالفة لهذا القانون و لضوابط التعمير العامة أو الجماعية رب العمل و المقاول الذي نفذ الأشغال و المهندس المختص أو المشرف الذي صدرت منهم أوامر نتجت عنها المخالفة”

أما المواد 78 و 79 من نفس القانون فقد جاءت لتقرر ضم الغرامات في حالة تعدد المخالفات، و لتضاعف هذه الغرامات في حالة ما إذا عاد مرتكب المخالفة إلى اقتراف مخالفة تماثلها.

و قد حاول المشرع المغربي من خلال هذه النصوص و غيرها تجريم فعل البناء بدون ترخيص، إلا أن عدم التطبيق الصارم لمقتضيات قانون 12.90 المتعلق بالتعمير أدى إلى ظهور واقع عمراني مختل.

لذلك جاء مشروع قانون 04.04 ليواكب التطور الحاصل في ميدان البناء ليساير بعض التشريعات المقارنة[6]، و ذلك بالرفع من العقوبة المقررة لمجموعة من المخالفات المرتكبة في ميدان البناء، فإذا كان مشروع قانون 12.90 حدد عقوبة البناء من غير الحصول على رخصة بذلك في الغرامة من 10000 إلى 100000.

فإن مشروع قانون 04-04 انتقل من العقوبة المالية إلى العقوبة السالبة للحرية حيث نص على عقوبة حبسية من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة مالية من 50.000 إلى 300.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كذلك جرم فعلا لم يكن مجرم في ظل قانون 12.90 و يتعلق الأمر بإدخال تغييرات على بناية قائمة دون الحصول على رخصة، حيث قرر عقوبة حبسية من شهر إلى ستة أشهر و غرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

أما عن تشييد بناية خلافا للرخصة المسلمة، و ذلك بإضافة طابق أو أكثر فإن المشرع المغربي كذلك قد قرر عقوبة حبسية تتراوح من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و غرامة مالية من 300.000 إلى مليون درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، و ذلك بخلاف قانون 12.90 الساري المفعول الذي لم يجرم هذا الفعل أصلا.

أما فيما يخص المشاركة في ارتكاب المخالفة، و التي سبقت الإشارة إليها في المادة 76 من قانون 12.90 المتعلق بالتعمير، فإن مشروع قانون 04-04 أضاف إلى الشركاء المنصوص عليهم في المادة 76، جميع الموظفين أو الأعوان العموميين الذين سهلوا ارتكاب المخالفة، و جعل العقوبات المطبقة على المشاركين هي نفس العقوبات المطبقة على الفاعلين الأصليين، علاوة على ذلك يجوز للمحكمة أن تمنعهم من مزاولة المهنة لمدة لا تتجاوز 5 سنوات، إذا كانت للمخالفة المرتكبة علاقة مباشرة بمزاولة المهنة[7].

إذن من خلال هذه المقارنة يمكن القول بأن مشروع قانون التعمير 04-04 جاء لتجاوز النقائص التي تشمل كل من قانون 12.90 المتعلق بالتعمير، و قانون 25.90 المتعلق بالتجزيئات العقارية و تقسيم العقارات، و حتى يضفي على العقوبات المقررة لمخالفة أحكام و قواعد التعمير طابعا زجريا.

إذا كان هذا عن المخالفات المترتبة عن البناء بدون رخصة، فماذا عن المخالفات المترتبة عن عدم احترام الأصول الفنية من قبل المقاول؟

اعتبر المشرع المغربي في المادة 68 من قانون 12.90 المتعلق بالتعمير، أن من ضمن المخالفات المرتكبة في ميدان البناء، عدم احترام الضوابط المتعلقة بمتانة البناء و استقراره، و تتمثل خاصة في عدم احترام المواصفات المنصوص عليها في التصاميم الهندسية من أساسات، وحجم هذه الأساسات و علوها، إضافة إلى عدم احترام الأحكام التي تحظر استخدام بعض المواد أو استعمال بعض الطرق في البناء[8].وعلى الرغم من خطورة المخالفات المرتكبة من قبل المقاول والمتعلقة بالضوابط و الأصول الفنية، فقد اقتصر المشرع المغربي في تقدير عقوبتها على الغرامة فقط من 10.000 درهم إلى 100.000 درهم[9].

وقد كان يتعين على المشرع المغربي أن يقرر عقوبة حبسية في مثل هذه المخالفات، لردع كل مقاول سولت له نفسه التلاعب في مواد البناء، أو استخدام مواد محظورة .

نظرا للفراغ و النقص الذي طال قانون 12.90 المتعلق بالتعمير في تحديد العقوبات على مخالفة ضوابط البناء، فقد تدارك المشرع المغربي هذا الفراغ من خلال مقتضيات قانون 25.90 المتعلق بالتجزئة العقارية و تقسيم العقارات.

المطلب الثاني: احترام المقاول لضوابط البناء المنصوص عليها في قانون 25.90

يهدف قانون 25.90 المتعلق بالتجزيئات العقارية و المجموعات السكنية و تقسيم العقارات من تحديد الضوابط و المواصفات الواجب احترامها عند بناء التجزيئات العقارية، الحد من مختلف التلاعبات التي تطال هذا الميدان.

فما هي إذن هذه الضوابط و المواصفات التي نص عليها قانون 25.90 المتلعق بالتجزيئات العقارية و المجموعات السكنية وتقسيم العقارات؟ و كيف يتم ضبط و زجر مختلف المخالفات التي تطالها؟

تترجم التجزئة الاختيارات العمرانية إلى وقع ملموس على المستوى الجغرافي، ذلك لأن التجزيئات كوسيلة عملية للتعمير، هي التي يرجع إليها تنفيذ كل المقتضيات و الاختيارات التي تنص عليها وثائق التعمير و تترجمها للواقع[10].

وإذا ما تركت التجزيئات العقارية لتقدير الأشخاص دون تنسيق، فإنها ستأخذ أشكالا غير قانونية و غير صالحة، و بذلك ستذهب سدى جهود السلطات في وضع القوانين إذ لم تمارس تأطير و مراقبة التجزيئات لردع كل مخالف للقوانين الجاري بها العمل.

وقد نصت المادة 43 من قانون 25.90 المتعلق بالتجزيئات العقارية و تقسيم العقارات عن كيفية ضبط و زجر هذه المخالفات، حيث: “يتوقف تشييد أبنية في تجزئة من التجزئات على الحصول على رخصة البناء حتى لو كانت التجزئة واقعة خارج المناطق التي يفرض فيها الحصول علة هذه الرخصة”.

و بهذا يكون المقاول أو المنعش العقاري أو المالك ملزم بالحصول على رخصة للبناء بهدف تشييد أبنية داخل التجزئة، تحت طائلة الجزاءات المنصوص عليها في قانون التعمير رقم 12.90، بحيث تعتبر التجزئة غير قانونية[11]، و بالتالي تعد مخالفة للقانون يعاقب عليها بغرامة تتراوح بين 100.000 و مليون درهم[12].

إن اقتصار المشرع المغربي على تقرير عقوبات مادية لا يحقق الردع العام و الخاص الشيء الذي جعل منظومة التعمير قاصرة عن تحقيق الأهداف المرجوة.

أما عن المشاركة في خرق قواعد و ضوابط التعمير فيعتبر كل من رب العمل و المقاول الذي أنجز الأشغال، و كذا المهندس المعماري أو المهندس المعماري أو المهندس المختص أو مهندس المساحة أو كل مشرف صدرت عنه أوامر نتجت عنها المخالفة بمثابة شريك لمرتكب هذا النوع من المخالفة.

ويضاف إلى الغرامات المقررة لهذا المخالفات بمقتضى القانون أن للمحكمة السلطة التقديرية في أن تأمر بهدم التجهيزات و الأبنية المنجزة داخل التجزئات و المجموعة السكنية التي لم تحصل على الإذن المسبق و ذلك على نفقة مرتكب المخالفة[13].

وبهذا تقوم مسؤولية المقاول الجنائية أساسا على خرق النصوص والقوانين المعمول بها في ميدان البناء و التعمير، إما عن طريق البناء بدون ترخيص أو بخرق الضوابط و المواصفات الفنية الخاصة المنصوص عليها في قوانين التعمير، خاصة تلك المتعلقة بمتانة المباني وسلامتها لعدم احترام المقاول للمقاييس الهندسية، و غشه في مواد البناء أو استعمال مواد البناء محظورة، و ذلك نظرا لما قد تسببه هذه المخالفات من أضرار جسيمة قد تصيب المالك بشخصه أو بماله، أو قد تصيب الغير الأجنبي عن عملية البناء[14].

إلا أنه و بهذا الصدد يمكن القول أنه بالرغم من وضع المشرع المغربي لمجموعة من النصوص القانونية التي يجب على المقاول احترامها عند قيامه بأي عملية من عمليات البناء، فإنه لا زال النقص والغموض و القصور يعتري مختلف جوانبها، مما يجعل السلطات المختصة بضبط هذه المخالفات تتخبط في مجموعة من المشاكل، كان من الممكن تفاديها، لو ضبطت الأمور بوضوح و عولجت بشكل واضح.

المبحث الثاني: مسؤولية المهندس المعماري من خلال قانوني 12.90 و 25.90

نظرا للدور الذي يلعبه المهندسون في ضمان جودة و سلامة الأبنية سواء كانت معدة للسكن أو لاستعمال آخر[15]، فإن القانون وسع من مجال تدخل المهندس المعماري، فما هو دور المهندس المعماري في مجال التعمير؟

هذا ما سأحاول التطرق إليه في هذا المبحث من خلال مطلبين، حيث سأتناول في المطلب الأول مسؤولية المهندس المعماري في إطار قانون 90-12 المتعلق بالتعمير أما في المطلب الثاني فسأتناول مسؤولية المهندس المعماري في إطار القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات والمجموعات السكنية و تقسيم العقارات.

 

 

المطلب الأول: مسؤولية المهندس المعماري في إطار القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير

خصص المشرع المغربي من خلال القانون 12-90 مسؤولية المهندس المعماري في عمليات البناء، فصلا كاملا و هو الفصل الثاني من الباب الثالث و يتضمن هذا الفصل خمس مواد من المادة 50 إلى المادة 54، حيث تحدد هذه المواد دور المهندس و المهمة المسندة إليه[16].

فحسب المادة 50 من قانون 12-90 المتعلق بالتعمير تعد الاستعانة بمهندس معماري ممارس في القطاع الخاص إجبارية لإنجاز كل عملية بناء داخل مدارات الجماعات الحضرية و المراكز المحددة و المناطق المحيطة بها، و كذا في المناطق ذات الصبغة الخاصة، حيث أن الاستعانة بالمهندس المعماري إلزامية للقيام بمجموعة من العمليات كتشييد كل بناء جديد، أو القيام بكل تعديل على بناية قائمة تتطلب رخصة للبناء، ثم جميع الأشغال المتعلقة بترميم الآثار، بل و أكثر من ذلك فإن قانون 12.90 المتعلق بالتعمير جعل الاستعانة بمهندس معماري حر مقيد في جدول هيئة المهندسين المعماريين شرطا للحصول على رخصة البناء[17].

أيضا تتمثل مهمة المهندس في إطار قانون 12.90 في إعداد تصاميم البنايات الجديدة أو تغيير البنايات القائمة من الوجهة المعمارية، ثم السهر على مطابقة الدراسات التقنية المنجزة من طرف المهندسين المختصين في البناء مع التصميم الهندسي، ثم متابعة تنفيذ أشغال عملية البناء، هذا فضلا عن مراقبة مدى مطابقتها للتصاميم الهندسية و لبيانات رخصة البناء و مراقبة مدى مطابقتها للتصاميم الهندسية و لبيانات رخصة البناء و ذلك إلى غاية تسليم رخصة السكن أو شهادة المطابقة[18].

إلا أنه يمكن أن نتساءل عما إذا كان المعني بالأمر يجب عليه أن يقوم بنفسه بالتصريح عن انتهاء البناء أو بواسطة المهندس المعماري المشرف على تنفيذ رخصة البناء؟

بالرجوع إلى المادة 55 من قانون التعمير 12.90، فأن المشرع سمح بأن يتولى المهندس المعماري المدير للأشغال تقديم شهادة عن انتهاء البناء تغني عن المعاينة التي تقوم بها السلطة المختصة للتأكد من المطابقة[19].

ولم توضح النصوص القانونية و لا حتى الدوريات و المناشير الصادرة بتطبيقها محتوى تلك الشهادة، و أجل تقديمها و هل يجب توقيعها من كافة المهندسين المشرفين على البناء إن هم تعددوا، أم من طرف مهندس واحد؟ علما بأن الإدارة الجماعية لا تتوفر في الوقت الراهن على نموذج يستأنس به لإعداد تلك الوثيقة”.

للجواب على هذا التساؤل، يمكن القول بأنه من الناحية العملية أن هذه الشهادة قلما يقدمها المهندس المشرف على البناء، و تهيأ بشكل حر ودون التقيد بمعلومات أو أمور محددة.

و بهذا الصدد، فإنه حبذا لو أقرت النصوص القانونية إلزامية تقديم تلك الشهادة من قبل المهندس المعماري المعني بالأمر تحت طائلة المساءلة، و ذلك إلى جانب التصريح المتعلق بانتهاء البناء الواجب تقديمه من طرف المالك (أو صاحب رخصة البناء)، و ذلك على غرار تشريعات مجموعة من الدول التي تنص على واجب التصريح بانتهاء أعمال البناء حتى و لو تم تحت إشراف المهندس المعماري.

فمثلا في فرنسا[20] فإن صاحب الرخصة ملزم بالتصريح بانتهاء عملية البناء كتابة و بتوقيعه وفق نموذج محدد بقرار للوزير المكلف بالتعمير (الفصل 1-460 من مدونة التعمير)، و لو كانت الأشغال موجهة من قبل مهندس معماري أو مصلحة عامة مؤهلة أو شخص ذاتي أو معنوي مختص، فإن التصريح يتم في نسختين توجه إلى العمدة و المدير الإقليمي للتجهيز و يتلقى المصرح توصيلا عن تصريحه.

أما فيما يخص إعداد التصاميم الهندسية للبنايات الجديدة أو تغيير البنايات القائمة من الوجهة المعمارية فإنها تتطلب توقيع المهندس المعماري عليها لتأخذ طابع المصداقية، و هنا يمكن القول بأن المشرع المغربي لم يشر في مواد القانون إلى توقيع المهندس المعماري على التصاميم الهندسية، إلا أنه يمكن أن يستشف ذلك من خلال المادة 12 من قانون الهندسة المعمارية و إحداث هيئة المهندسين المعماريين الوطنية الذي أكد على أنه لا يجوز للمهندس المتدرب أن يوقع باسمه التصاميم أو الدراسات التي ينجزها طوال مدة التدريب[21].

فإذا كان المشرع المغربي لم يجعل من عدم توقيع المهندس المعماري على التصاميم الهندسية مخالفة من المخالفات التي تطال مجال البناء، فإن المشرع المصري اعتبرها كذلك في القانون رقم 106/1976 الخاص بالمباني و المعدل بمقتضى القانونين 1983 و 1984، حيث كيف هذه المخالفات على أنها جنحة عقوبتها الحبس و الغرامة (المادة 20 من قانون 1983)، بالإضافة إلى اعتبارها جريمة عمدية لأن نشاط الجاني فيها لا يتصور أن يتم عن طريق الخطأ غير العمدي أو بالأعمال أو عدم الاحتياط، كما أنها من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، حيث أن عدم توقيع المهندس على الرسومات يضرب بالمصلحة العامة، لأنه إذا حث أن أقيم المبنى على أساس غير فنية ثم انهار، فلن تقتصر أضراره على الجاني وحده، بل تمتد لتصيب عامة الناس في أرواحهم وأموالهم.

المطلب الثاني: مسؤولية المهندس المعماري في إطار القانون رقم 90-25

ألزم قانون 90-25 المجزئ على ضرورة الاستعانة بمهندسين أثناء إنجازه أشغال التجهيز، و ذلك في المواد من [22]13 إلى 17 [23]وهؤلاء المهندسون حددهم القانون في المهندس المعماري و مهندس المساحة[24] و المهندس المختص[25] أوكل المشرع لهم سلطات مهمة تتمثل في وضع و توقيع أهم المستندات المكونة لملف طلب الحصول على الإذن بإحداث التجزئة العقارية[26].

وهكذا فالمجزئ ملزم بأن يلجأ إلى مهندس معماري يمارس في القطاع الخاص و مسجل في الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين[27] ليقوم بالمهام التالية:

  • وضع تصور لمشروع التجزئة من الوجهة المعمارية يترجم على الخصوص في رسم بياني يظهر موقع التجرئة، و وضعيتها و مساحتها و الغرض المخصص للبقع المختلفة، و شبكة الطرق، والتجهيزات الاجتماعية و المساحات الخضراء إلخ[28]

كما نصت المادة 14 من قانون 25-90 على أنه يتكفل مهندس المساحة بوضع الرسم الطبوغرافي الذي يقوم المهندس المعماري على أساسه بتصور مشروع التجزئة من الوجهة المعمارية.

في حين نصت المادة 15 من نفس القانون على أن يتكلف المهندس المختص بوضع المستندات الفنية المتعلقة بإقامة الطرق ووسائل الصرف الصحي و شبكات الماء و الكهرباء.

و قد منح المشرع في المادة [29]17 من قانون 25-90 للمجزئ مكانة اختيار أحد المهندسين[30] للسهر على تنسيق أشغال التجهيز.

إلا أن ما يمكن ملاحظته من خلال هذه المواد أن المشرع حين ألزم المجزئ على الاستعانة بمهندس، فإن إغفاله لعنصر الجزاء في نفس الفصل يكون قد سلب باليسرى ما منح باليمنى وجرده من الطابع الزجري[31].

و يمكن القول بأن المسؤولية الجنائية للمهندس المعماري تتجلى في إعداده للتصاميم الهندسية[32]، والتأكد من مدى صلابة الأرض والقدرة على البناء عليها، و إعداده للرسومات و الوثائق الخاصة للحصول على رخصة البناء، فتقوم مسؤولية الجنائية[33] إذا ما كانت إحدى أفعاله هاته قد نتج عنها ضررا جنائيا، كالتلاعب في تحديد الرسومات و التصاميم، أو عدم التمكن من تحديد مدى صلابة الأرض، فعمل المهندس يجب أن يكون مستجيبا لكل متطلبات الصحة و شروط السلامة و متانة البناء.

 

 

 

 

خاتمة

إن قوانين التعمير والتجزيئات العقارية تتخبط من دون شك في العديد من الإشكالات المرتبطة بمختلف مراحل الإدارية، وذلك بدءا من غياب فعال للضبط الزجري مرورا بأوجه الخلل المتعلقة بالتجريم والعقاب وانتهاء بإشكالات التنفيذ وذلك لما كشفته الممارسة العملية خاصة في التغاضي عن الضبط الإداري ومحدودية وسائل الضبط الإداري وضعف التأطير والدراية القانونية في ظل محدودية الوسائل المتاحة من نقص في الوسائل المادية والبشرية المتاحة للقيام بعملية الكشف عن المخالفات وضبطها.

[1] عبد الحميد الشورابي، شرح قانون المباني، الإسكندرية  منشأة المعارف 1997، ص:109.

[2] محمد بوجيدة ، رخصة البناء، الجزء الثاني، مطبعة دار الجيل 2000، ص:68.

[3] المنشور الصادر عن وزارة السكنى و إعداد التراب الوطني ب 21 مارس 1917، و المنشور الصادر عن وزارة الداخلية بتاريخ 28 يونيو 1985 عدد 126 و المنشور الصادر عن وزارة الداخلية عدد 222 بتاريخ 12 أبريل 1995.

[4] بوجيدة محمد، رخصة البناء، مرجع سابق، ص:72.

-أيضا انظر مصطفى جرموني “الرقابة على التجزيئات العقارية و الأبنية بالمغرب”، الطبعة الأولى 2011، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، ص61.

[5] نصت المادة 40 على أنه: “يمنع القيام بالبناء دون الحصول على رخصة لمباشرة ذلك:

  • داخل الدوائر المنصوص عليها في المادة الأولى أعلاه و في المناطق المشار إليها في ب من المادة 18 من هذا القانون الذي يكتسي صبغة خاصة تستوجب خضوع تهيئتها لرقابة إدارية:
  • خارج الدوائر المنصوص عليها في البند السابق و التجمعات القورية الموضوع لها تصميم تنمية: على طول السكك الحديدية و طرق المواصلات غير الطرق الجماعية إلى غاية عمق يبلغ كيلومترا ابتداءا من محور السكك الحديدية و الطرق الآنفة الذكر و على طول حدود الملك العام البحري إلى غاية عمق يبلغ 5 كيلومترات.
  • داخل التجزئات المأذون في إحداثها عملا بالتشريع المتعلق بتجزئة الأراضي و تقسيمها و إقامة المجموعات السكنية و يجب الحصول على رخصة البناء كذلك في حالة إدخال تغييرات على المباني القائمة إذا كانت التغييرات المزمع إدخالها عليها تتعلق بالعناصر المنصوص عليها في الضوابط المعمول بها”.

[6] مثلا القانون المصري الذي أصدر عدة أوامر عسكرية كالأمر رقم 7/1996 الذي رفع من عقوبة البناء بدون ترخيص وجعلها بالحبس مدة لا تقل عن سنة، أما إذا سقط البناء كليا أو جزئيا، أو صار آيلا للسقوط نتيجة هذه المخالفات تكون العقوبة هي الأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن 7 سنوات.

فاطمة متمير، المسؤولية المعمارية للمقاول بين أزمة النص و متطلبات الإصلاح، مطبعة الأمنية –الرباط مطبعة 2010 ص:302.

[7] و يتعلق الأمر هنا بالمنهدس المعماري.

[8] فاطمة متمير، المسؤولية المعمارية للمقاول بين أزمة النص و متطلبات الإصلاح، مرجع سابق، ص:330 و 331.

[9] تنص المادة 72 من قانون التعمير رقم 90-12 على أنه: “يعاقب بغرامة من 10.000 إلى 100 درهم كل من ارتكب مخالفة للقواعد المقررة في ضوابط التعمير و البناء العامة أو الجماعية فيما يتعلق باستقرار و متانة البناء و بحظر استخدام بعض المواد و الطرق في البناء و بالتدابير المعدة للوقاية من الحريق.

[10]إدريس البصري، دليل التعمير و الهندسة المعمارية، المطبعة الملكية 1994، ص:69.

[11] التجزئة غير القانونية هي كل تجزئة أنجزت بدون الحصول على الإذن الإداري المسبق، و كل تجرئة مأذون بها و التي لم تنجز طبقا لمقتضيات المستندات التي أعطى الإذن بشأنها، بمعنى أن الأشغال لم تنجز إما كليا أو جزئيا، أو أنها أنجزت بكيفية مغايرة لتلك التي كانت مخططة و منح الإذن انطلاقا منها.

[12] و هذا ما نصت عليه المادة 63 من قانون 25.90 التي تنص على أنه: “يعاقب بغرامة من 100.000 إلى 1.000.000 درهم على إحداث تجزئة أو مجموعة سكنية أو مباشرة أعمال تجهيز أو بناء من أجل ذلك من غير الحصول على الإذن المنصوص عليه في المادة 2 من هذا القانون”.

[13] تنص المادة 68 من قانون 25.90 على أنه: “يجب على المحكمة أن تأمر بهدم الأبنية و التجهيزات المنجزة من أجل إحداث تجزئة أو مجموعة سكنية من غير الحصول على الإذن المنصوص عليه في المادة 2 من هذا القانون و ذلك على نفقة مرتكب المخالفة”.

البصري إدريس، مرجع سابق، ص:115.

[14] فاطمة متمير، مرجع سابق، ص:343.

[15] قد يكون هذا الاستعمال لأغراض أخرى كالصناعة و التجارة و الحرف و السياحة.

[16] جيلالي بوحبص، قراءات في القانون العقاري و قانون البناء، مطبعة الأمنية-الرباط الطبعة الأولى، ص:14.

[17] بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 50 من قانون 12.90 المتعلق بالتعمير التي أكدت على أنه: “تعتبر الإستعانة بمهندس معماري حر مقيد في جدول هيئة المهندسين شرطا للحصول على رخصة البناء”

[18] تنص المادة 53 من قانون 12.90 المتعلق بالتعمير على أنه: ” فيما يتعلق بكل عملية بناء أو إدخال تغييرات على بناء قائم كلف وجوبا كل من:

  • المهندس المعماري:
  • متابعة تنفيذ أشغال المبنى و مراقبة مطابقتها مع التصاميم الهندسية و بيانات رخصة البناء و ذلك إلى تسليم رخصة السكن أو شهادة المطابقة”

[19] محمد بوجيدة، رخصة السكن و شهادة المطابقة، الطبعة الأولى، 2000، ص:42.

[20] محمد بوجيدة، مرجع سابق، ص:48.

[21] تنص المادة 12 من قانون رقم 016-89 المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المعمارية، على أنه “يقوم المهندس المعماري المتدرب بالأعمال التي تدخل في مهنة الهندسة المعمارية تحت مراقبة و مسؤولية المشرف على تدريبه، و لا يجوز له أن يوقع باسمه التصاميم أو الدراسات التي ينجزها طوال مدة التدريب”.

[22] تنص المادة 13 على أنه: “يجب أن يوكل إلى مهندس مهماري حر يكون مسجلا في هيئة المهندسين المعماريين القيام ب:

  • تصور مشروع التجزئة من الوجهة المعماري.
  • وضع جميع المستندات المتعلقة بتصور التجزئة من الوجهة المعمارية التي يجب الإدلاء بها إلى الجهة المختصة للحصول على الإذن بإحداث التجزئة”

[23] تنص المادة 17 على أنه: “يجب على صاحب التجزئة أن يعين مهندسا معماريا مختصا أو مهندسا من مهندسي المساحة ليتولى بوصفه منسقا مهمة السهر على إنجاز الأشغال على أفضل وجه.

[24] مهندس المساحة أو المهندس الطبغرافي (المساح)، شريطة أن يكون مقيدا في لائحة المهندسين الطبغرافيين المزاولين بشكل حر و مسجلا في الهيئة الوطنية للمهندسين المساحيين.

[25] المهندس المختص هو المهندس المدني(VRD).

 ماجدة شاهينتز ” المسؤولية الجنائية للمهندس المعماري” مقال منشور بمجلة المنتدى القانوني، العدد الخامس، ص: 120[26]

[27] الحاج شكرة، الوجيز في قانون التعمير المغربي، الطبعة الثالثة 2008، ص:189.

[28] دريس البصري، مرجع سابق، ص:17.

[29] نصت المادة 17 من قانون رقم 25-90 على أنه: “يجب على صاحب التجزئة أن يعين مهندسا معماريا أو مهندسا مختصا أو مهندسا من مهندسي المساحة ليتولى بوصفه منسقا مهمة السهر على إنجاز الأشغال على أفضل وجه”

[30] مهندس معماري، أو مهندس مختص، أو مهندسا من مهندسي المساحة.

[31] جودة خليل “طبيعة مسؤولية المهندس المعماري عن عيوب أشغال التجهيز بالتجزئة العقارية مقالة منشورة ضمن أعمال اليوم الدرائي الذي ظمه المجلس البلدي المنار جليز و مركز الدراسات القانونية المدنية و العقارية و وحدة التكوين و البحث في القانون المدني بكلية الحقوق بمراكش، السبت 17 مارس 2001، بعنوان التجزئة العقارية و التعمير، ص:144.

[32]  أسامة بلعمرية ” النظام الزجري في ميدان التعمير والتجزيئات العقارية – دراسة في ضوء قانون 90-12 المتعلق بالتعمير وقانون 90-25 المتعلق بالتجزيئات العقارية ” رسالة لنيل ديبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض كلية الحقوق مراكس لسنة 2012-2013 ص:74

[33] هذه المسؤولية اعتبرها المشرع الفرنسي أكثر من مخالفة عادية في مجال البناء، و ذهب أبعد من ذلك حيث اعتبرها خيانة للأمانة.

انظر فاطمة متمير، مرجع سابق، ص:329.

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *