Site icon مجلة المنارة

مراقبة المفتشيات العامة في مجال التعمير ومتطلبات الحكامة الجيدة

 

مراقبة المفتشيات العامة في مجال التعمير ومتطلبات الحكامة الجيدة.

سعيد العزوزي :باحث في سلك الدكتوراه كلية العلوم الاقتصادية والاجتمايية

 –وجدة-

 

 

 

 

 

 

 

تعتبر المفتشيات العامة الوزارية أداة رقابية لخلق هيأت إدارية ذات فعالية ونجاعة في مردوديتها،وذات مصداقية في علاقتها بالمواطن،كما تعمل على ترسيخ مبدأ الحكامة الجيدة استجابة للمتطلبات الدستورية،والتي تسعى كلهاالى تخليق الحياة العامة والقضاء على الفساد وربط المحاسبة بالمسؤولية في جميع المرافق العمومية دون استثناء بما فيها المصالح المركزية والجماعات الترابية وجميع الفاعلين في مجال التعمير.

وإذا كان الغرض من خلق هذه المفتشيات العامة الوزارية، البحث عن الفعالية والنجاعة، داخل هذه المنظمات والمصالح الإدارية، فإن التساؤل المطروح هو قدرتها على القيام برقابة فعالة وذات جدوى وبالتالي ترسيخ مبدأ الحكامة الجيدة في قطاع التعمير.

وللإجابة عن هذه الإشكالية تم تقسيم هذا البحث إلى مطلبين:

المطلب الأول: المفتشيات العامة ودورها في ترسيخ الحكامة الجيدة في مجال التعمير.

المطلب الثاني: دور المفتشيات العامة الوزارية في تحقيق الحكامة الجيدة في مجال التعمير الحدود والأفاق.

 

 

 

المطلب الأول:  المفتشيات العامة الوزارية ودورها  في ترسيخ الحكامة الجيدة في مجال التعمير.

تمارس المفتشيات العامة رقابة إدارية ومالية على جميع المصالح الإدارية العاملة في مجال التعمير، وسواء على المستوى المركزي والمصالح الخارجية التابعة للوزارة أو على الجماعات الترابية، باعتبارها صاحبة الاختصاص على المستوى المحلي.

وتمارس ذلك من خلال برنامج سنوي يضعه الوزير التابعة له وفق الاختصاصات المسندة إليها، ومن هنا لابد من التطرق إلى هياكل وطريقة عمل هذه المفتشيات العامة الوزارية-الفرع الأول- واختصاصاتها  في مجال التعمير وإعداد التراب الوطني[1]-الفرع الثاني-

الفرع الأول:هياكل  وطريقة عمل المفتشيات العامة العاملة في مجال التعمير.  

يتضح من خلال المراسيم المنظمة لمختلف الوزارات وتحديد اختصاصاتها، وجود داخل الإدارة المركزية لكل وزارة مفتشية عامة ومنها على سبيل المثال تلك الرائدة في مرا قبة مجال التعمير،المنظمة بالمرسوم رقم 2.14.478 الصادر في 11 من شوال 1435 الموافق 8 غشت 2014، بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني، وبناء على المرسوم رقم 112-11-2 الصادر في 23 يوليو 2011، في شأن المفتشيات العامة الوزارية، ومن خلال هذه المراسيم فإن مفتشية التعمير وإعداد التراب الوطني لها مجموعة من الأطر والهياكل المسيرة لها.

كما تعمل هذه المفتشية العامة للتعمير وإعداد التراب الوطني في إطار برنامج سنوي يقرره وزير التعمير باقتراح من المفتش العام، إضافة إلى مجموعة من المهام والوظائف الطارئة والتي بدورها تكون بأمر من الوزير إن اقتضى الحال ذلك.

 

يعين المفتش العام للتعمير شأنه شأن نظرائه في المفتشيات العامة الأخرى من بين الأطر العليا المنتمين لإدارة الدولة أو المؤسسات العمومية أو القطاع الخاص والذين يتوفرون على مستوى عال من التعليم وتجربة كافية في مجال التدبير الإداري والمالي والمحاسبي، التدقيق ومراقبة التسيير، ويعين الموظفون المكلفون بمهام التفتيش من قبل وزير التعمير وإعداد التراب الوطني من بين الأطر وطبق الشروط المطلوبة للتعيين في مهام رئيس مصلحة أو رئيس قسم بالإدارات المركزية وإذا كانت هذه المفتشية العامة تابعة لوزارة التعمير كوزارة وصية على القطاع وتقوم بمهمة المراقبة والتفتيش، فان المفتشية العامة للإدارة الترابية، هي بدورها تمارس المراقبة والتفتيش على القطاع خاصة تلك الرقابة على الجماعات المحلية باعتبارها صاحبة الاختصاصات في مجال التعمير، وبالتالي فإن المفتشية العامة التابعة لوزارة الداخلية والمنظمة بالمرسوم رقم 2.94.100 صادر في 16 يونيو 1994 كما تم تعديله وتتميمه، تتدخل بدورها وتراقب القطاع وفق برنامج يحدده وزير الداخلية أو بناء على طلبات مستعجلة.

ويتميز تنظيم هذه المفتشية العامة بتوفرها على ثلاث درجات ومنصب عام –درجة مفتش، مفتش رئيس بعثة، مفتش من الدرجة الممتازة والمنصب السامي للمفتش العام، ويعين هذا الأخير بناء على قرار وزير الداخلية لإدارة مصالح المفتشية العامة وتنسيق أعمالها أما تعيين المفتشون ومفتش رئيس البعثة فغالبا ما يتم بمقتضى قرار من وزير الداخلية أيضا.

وأخيرا لابد من الإشارة إلى أنه سواء تعلق الأمر بالمفتشية العامة للتعمير أو المفتشية العامة للإدارة الترابية، فإن موظفيها يمارسون مهامهم ومأمورياتهم بكامل السرية والتكتم على الوثائق والمعلومات التي يطلعون عليها، وقد يؤدي إفشاء تلك الأسرار للجهات التي ليست علاقة بالأجهزة المهنية إلى مساءلة هؤلاء عن إخلالهم بالواجب المهني.

وإلى جانب مفتشية التعمير والمفتشية العامة للإدارة الترابية، تقوم المفتشية العامة للمالية المنظمة بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.59.269 صادر في 17 شوال 1379 الموافق 14 أبريل 1960[2]،بممارسة الرقابة على المالية العمومية، بما فيها مجال التعمير وإعداد التراب الوطني الذي يشكل إحدى مجالات تدخلها لكونها تمارس المراقبة والتفتيش على جميع المصالح العمومية والغير العمومية المستفيدة من مالية الدولة، ويقع على عاتق هذه الهيئة الرقابية، تدقيق حسابات المشاريع التنموية وتلك المشاريع التي تمولهاالدولة، وتمارس هذه الهيئة الرقابة على جميع مدا خيل ونفقات المنشآت العمومية والإشراف على مراقبة مصالح الصندوق والمحاسبة لدى المحاسبين العموميين وموظفي الدولة والجماعات الترابية، وتعمل هي الأخرى وفق برنامج سنوي يحدده وزير المالية مع الأخذ بعين الاعتبار طلبات التحقيق والمراجعة المقدمة من قبل الوزارات الأخرى، ومن هنا يمكن القول أن المجال الرقابي لهذه المفتشية واسع جدا، وبالتالي فهي تراقب كل شيء على اعتبارها أعلى هيئة للرقابة على المالية العمومية، ففي مجال التعمير تراقب التسيير والتدبير المالي والمحاسبي[3]

 

الفرع الثاني: اختصاصات المفتشيات العامة في مجال التعمير

تلعب المفتشيات العامة دورا هاما في مجال المراقبة والتفتيش داخل المصالح الإدارية التي تتولى مهمة التسيير والتدبير في مجال التعمير، وتلعب دور مهم في إرساء مبدأ الحكامة وتقييم السياسة العامة  في هذا القطاع الهام والحيوي.

عملت الحكومة المغربية على تعزيز مكانة هذه الهيآت الرقابية وسواء في مجال التعمير أو في المجالات الأخرى، ولذلك تم إصدار المرسوم رقم 2.11.112 بتاريخ 20 رجب 1432 الموافق 23 يوليو 2011، في شأن المفتشيات العامة واختصاصاتها الرقابية وارتباطا بالموضوع المرسوم رقم 2.14.478 الصادر في 11 من شوال 1435 الموافق 8 غشت 2014 بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني، والذي من خلاله تم إحداث المفتشية العامة للتعمير وإعداد التراب الوطني والتي تمارس مجموعة من المهام والاختصاصات في المجال ويناط بهذه المفتشية العامة القيام بمهمة التفتيش والمراقبة، السهر على سلامة تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بالتعمير، إضافة إلى السهر على حسن تدبير الأموال العمومية كما تقوم بعملية المراقبة والتدقيق الداخلي الخاصة بالصفقات العمومية في القطاع.

وطبقا للمقتضيات التنظيمية الجاري بها العمل، تمارس هذه الهيئة مهمة النظر في الشكايات والتظلمات الموجهة إلى الوزير المكلف بالتعمير وإعداد التراب الوطني من طرف المواطنين أو المتعاملين معها وكذا الشكايات وتظلمات الموظفين التابعين للوزارة.

تقوم المفتشية العامة أيضا بعملية التتبع للتوصيات المثبتة في تقارير المحاكم المالية والمفتشية العامة للمالية والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة،كما تمارس المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية اختصاصات واسعة في المجال والتي تتعدى الوزارة التابعة لها، فالمفتشية العامة للمالية تمارس الرقابة والتتبع للمالية العمومية لمعرفة مصير تلك الأموال وبالتالي فإن مجال التعمير يعتبر إحدى مجالات تدخلها، وهذه الهيئة الرقابية مهمة جدا كونها لها الاختصاصات الواسعة للحفاظ ومراقبة المالية والجبايات العائدة من قطاع التعمير إضافة إلى مراقبة مالية الجماعات الترابية.

وعموما فان هذه المفتشية تتدخل وتراقب جميع الهيات العمومية أو الخاصة    الخاضعة لوصاية الدولة والتي تستفيد من الأموال  العمومية، كما تمارس المفتشية العامة للإدارة الترابية مهمة المراقبة والتحقيق من التسيير الإداري والتقني والمحاسبي للمصالح التابعة لوزارة الداخلية والجماعات الترابية وهيأتها على أن تراعي في ذلك الاختصاصات المخولة للمفتشيات العامة للوزارات الأخرى.

تمارس المفتشية العامة للإدارة الترابية اختصاص مهم جدا في مجال العمران وإعداد التراب الوطني كصاحبة الاختصاص الرقابي على الجماعات المحلية والهيآت الحضرية العاملة في مجال التعمير، وتزاول تلك الرقابة في إطار برنامج سنوي يحدده وزير الداخلية باقتراح من المفتش العام أو في إطار أعمال التفتيش الاستثنائية، كما تقوم هذه الهيئة الرقابية بأدوار كبيرة وفعالة في تدقيق وافتحاص مالية الجماعات الترابية وعموما فان هذه المفتشية تتدخل وتراقب جميع الهيات العمومية والتي كانت ملاحظتها أرضية للعديد من العقوبات الزجرية في حق المتلاعبين في القطاع والتي أدت إلى عزل العديد من رؤساء الجماعات الذين خالفوا قوانين التعمير، وغالبا ما يشار في مراسيم العزل إلى تلك المخالفات والاختلالات التي قام بها هؤلاء في مجال التعمير الى تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية، وهكذا أكدت مجموعة من التقارير الصادرة عن هذه المفتشية بعد قيامها بمجموعة من عمليات المراقبة والتفتيش لدى المصالح الخاصة بالتعمير والتي من خلالها رصدت مجموعة من الاختلالات والخروقات، وأدت كما اشرنا سابقا إلى عزل العديد من المسؤولين عن تلك الاختلالات والخروقات، والتي كانت غالبيتها تتجلى فيمايلي:

– تسليم رخص لتشييد بنايات وكذا رخص السكن لا تدخل في مجال اختصاصهم.

– تسليم رخص الربط الكهربائي لبنايات غير قانونية

– عدم اتخاذ الإجراءات القانونية المتعلقة بزجر المخالفات المرتكبة في مجال التعمير.

– تسليم رخص استغلال الملك العمومي الجماعي لأغراض تجارية لا تدخل في مجال اختصاصهم.

تلعب المفتشية العامة للإدارة الترابية أدوار كبيرة في تدقيق وافتحاص عمل الجماعات المحلية و ترسيخ مبدأ الحكامة الجيدة في تدبير مجال التعمير وإعداد التراب الوطني، على اعتبار أن الحكامة الجيدة تشكل مدخلا من المداخل الكبرى لفهم وتأطير وتحصين وخلق الجودة في الأداء في تدبير القطاع، وجعله محمي من جميع الظواهر الدخيلة التي تؤثر على التنمية، كالفساد والرشوة والمحسوبية، والاعتماد على الشفافية وربط المحاسبة بالمسؤولية.

ومن أجل ذلك تم تعزيز مكانة هذه المفتشيات العامة ودورها في مراقبة مجال التعمير

غير أن الواقع العملي لهذه الهيات لا يخفي الوضعية المزرية لمعظمها إن لم نقل جميعها والتي تتأرجح في مجملها بين الإهمال والنسيان والتهميش،[4]والقصور في أداء مهامها الرقابية بشكل فعال .

المطلب الثاني: محدودية دور المفتشيات العامة الوزارية في تحقيق الحكامة الجيدة في مجال التعمير.

تعاني أغلب المفتشيات العامة الوزارية من مجموعة من الاكراهات التي تعيق عملها وبالتالي اخفاقها في تحقيق الحكامة في مجال التعمير، مما يستوجب تفعيل دورها الرقابي.

الفرع الأول: محدودية عمل المفتشيات العامة في مجال التعمير

يمكن رصد أهم جوانب الضعف ونقص الفعالية بالنسبة لهذه المفتشيات في مجموعة من الجوانب كغياب تصور قانوني موحد لاختصاصاتها بحيث أنه لا يوجد نص قانوني واضح يحدد مهام هذه الهيآت أو يبين وضعية المفتشين العاملين بها باستثناء ما يرد من عناصر عامة في النصوص التنظيمية بما فيها المراسيم المنظمة لاختصاصات الوزارات التابعة لها هذه المفتشيات العامة[5].

إضافة إلى ضعف المكون البشري لدى هذه الهيات، كما تعاني من غياب السلطة الزجرية تجاه الإدارات والأشخاص الخاضعين للتفتيش، بحيث تكتفي هذه المفتشيات بعرض نتائج هذا التفتيش على الوزير.إضافة إلى الصعوبات المادية المتعلقة بالاعتمادات المالية الضئيلة المخصصة لمهام التفتيش خصوصا الخارجية منها بالنظر إلى محدودية وسائل التنقل والحوافز المادية مما يضعف وظيفتها الرقابية.

وعلى صعيد آخر وبالرغم من الدور البارز الذي تلعبه المفتشية العامة للإدارة الترابية في مجال التعمير تعاني هي الأخرى من مجموعة من الإكراهات  التي تعيق قيامها بمهامها فهي أيضا لم يفصل القانون في طريقة عملها ولم يحدد الهدف من وراء إقرارها، كما أنه لم يتناول بكثير من التفصيل المهمة التي تساعدها على أداء مهامها كتحديد نوع الجزاءات التي يمكن اتخاذها في حالة اكتشاف المخالفات المالية سواء تجاه القائمين على جباية الأموال العمومية من قطاع التعمير، كما تعاني هذه المفتشية من غياب التنسيق في عملها على المستوى المحلي بالرغم من وجود المفتشية العامة للمالية المحلية ، الأمر الذي يؤثر على المردودية أيضا والفعالية وسواء في قطاع التعمير أو في المجالات الأخرى.

فرغم ضرورة التنسيق كمبدأ يقضي بنهج إطار للتعاون والتكامل بين عمل الأجهزة المكلفة بالمراقبة على الجماعات الترابية في مجال التعمير وسواء تعلق الأمر بالتسيير أو التدبير المالي، فإن دور المفتشية العامة لا يزال ضعيف ومحدود من ناحية الأداء أيضا[6].

من جانبها تعاني المفتشية العامة للمالية من الصعوبات في أداء مهامها، وإذا كانت الرقابة المالية التي تقوم بها المفتشية العامة للمالية لا يمكن إغفال دورها من الناحية القانونية على الأقل، فإن واقع الحال يؤكد جمود هذه المفتشية مما يفقدها الفعالية الحقيقية لتلك الرقابة المالية التي تمارسها كما أنها لا تتحرك إلا بناء على تعليمات خاصة ولأهداف سياسية خالصة، إضافة إلى غياب الاستقلالية ويتجلى ذلك من خلال التقارير التي تنجزها والتي غالبا ما تبقى حبيسة، ان لم نقل موقوفة التنفيذ، كما يعاب على هذا الجهاز أيضا ضعف في عدد المفتشين، وإضافة إلى ذلك غالبا ما يبقى نشاطها هامشيا ومحدود الفعالية.

أدت هذه العوامل بشكل كبير إلى الأزمة التي تعرفها مهام التفتيش في جميع المجالات منها قطاع التعمير وإعداد التراب الوطني، الأمر الذي يجعل هذه الهيآت مجرد أجهزة للتقصي والتحقيق في وقائع معينة، في حين يتم التغاضي وإغفال الدور الحقيقي والأساس الموكول لها والمتمثل في الرقابة وتقييم العمل الإداري في مجال التعمير من أجل خلق قطاع تسوده الحكامة الجيدة وخال من كل أشكال التعسف والفساد الإداري والمالي، كون أن التعمير يعتبر إحدى المجالات التي يجب تفعيل الأجهزة القائمة على تدبيرها وتسييرها [7]، وأدت هذه الوضعية التي أشرنا إليها، إلى ضعف مردودية المفتشيات العامة في جميع المجالات مما يستدعي تفعيل دورها وتمكينها من الوسائل والآليات الحديثة لمراقبة الأجهزة الإدارية القائمة على تسيير وتدبير مجال التعمير عن طريق إيجاد إطار قانوني يعزز من مكانتها ويقوى اختصاصاتها.

الفرع الثاني: تجاوز محدودية رقابة المفتشيات العامة في مجال التعمير

لتجاوز العراقيل التي تعاني منها هذه المفتشيات العامة العاملة في مجال التعمير ينبغي أن يتم تفعيل أنشطتها من خلال وضع برامج إستراتيجية لتدخلاتها في مجال التدقيق والمراقبة وتتبع تنفيذ السياسات العمومية وسواء في مجال التعمير أو في المجالات الأخرى، إضافة إلى دعم آليات تخليق الحياة العامة من خلال إعادة تحديد دور هذه المفتشيات في القطاع في ظل نظام الحكامة والإيمان بمسؤوليتها في مسلسل التخليق وتحسين التدبير، كما أنه يجب على المفتشيات العامة الرائدة في مجال المراقبة كالمفتشية العامة للمالية نشر التقارير ليتمكن الجميع من الإطلاع عليها، وذلك تنزيلا لمقتضيات الدستور 2011 (الفصل 27) الذي يضمن الحق في الولوج إلى المعلومة التي توجد في حوزة الإدارة العمومية والجماعات والمجالس المنتخبة، خاصة وأن مسألة الوصول إلى المعلومة تعد عنصرا بالغ الأهمية في تعزيز تدبير الشأن العام، وكما أنه يجب تطوير دور المفتشيات العامة في مجال التعمير كقوة اقتراحية تساهم بالتحليل والدراسات والرصد الاستراتيجي للدفع في اتجاه تحسين الحكامة الجيدة ، وربط النتائج بالأهداف المسطرة وترشيد ونجاعة السير المالي في القطاع، وهذا ما يتطلب تعزيز دور هذه المفتشيات العامة بالموارد البشرية والكفاءات المطلوبة إضافة إلى إحداث مجموعة من المفتشيات الجهوية التابعة لها وتفعيلها على غرار المجالس الجهوية للحسابات وذلك في أفق صرح بناء الجهوية المتقدمة، الأمر الذي يؤدي إلى خلق نوع من التعاون بين هذه المفتشيات العامة المركزية والجهوية والمجالس الجهوية والمجلس الأعلى للحسابات.   كما يجب اعتماد التقنيات الرقابية الجديدة لمراقبة التعمير كالتدقيق والتقييم وبرمجة عمل المفتشيات العامة على المدى القصير والمتوسط حتى لا يبقى تدخلها في القطاع ظرفيا وعرضيا.

وأخيرا لابد أن نشير إلى أن الموقع الذي تحتله المفتشيات العامة الوزارية خارج السلم الإداري وحلبة السير اليومي والروتيني يمكنها من لعب دور هام والتفكير بطريقة متأنية في المشاكل التي يعاني منها قطاع التعمير وإعداد التراب الوطني، الأمر الذي يجعلها تساهم في اتخاذ القرارات الفعالة والناجعة في الميدان، إضافة إلى تمكنها من رصد الاختلالات الوظيفية والمالية داخل الإدارة القائمة على القطاع من أجل الوصول إلى إصلاحه بشكل تسوده الفعالية والحكامة الجيدة، وخال من جميع أنواع الفساد والمحسوبية والرشوة، وبالتالي جعل هذا القطاع  أداة للفعالية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، على أساس قواعد جديدة وصادقة، وبالتالي المساهمة في التنمية الشاملة داخل البلاد[8].

 

 

 

 

[1] – جمال العماري، الرقابة على أنشطة الجماعات الترابية المحلية، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الأولى 2012،

ص 25.

[2] – إدريس كشيط، المفتشية العامة للمالية ومتطلبات الرقابة الفعالية، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة مولاي إسماعيل مكناس، 2011-2012، ص 140.

[3] – الحسن حداد، المفتشية العامة للمالية بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس، الرباط، السنة 2000/2001، ص 15.

[4] – محمد سكلي، مرجع سابق، ص 364.

[5] – محمد سلكي، مرجع سابق، ص 365.

[6] –  كريمة الكنوتي، التدقيق والاستشارة بالوحدات الإدارية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة عبد الملك السعدي، السنة 2014-2013، ص 119.

[7] – محمد سكلي، مرجع سابق، ص 367

[8] – ميمون يشو، مرجع سابق.

Exit mobile version