مراقبة المحادثات الإلكترونية في التشريعات الفلسطينية والضمانات المتعلقة بها

مراقبة المحادثات الإلكترونية في التشريعات الفلسطينية والضمانات المتعلقة بها

Monitor electronic conversations in Palestinian legislation and related guarantees

د. عبدالله ذيب محمود

Dr. Abdullah Theeb Mahmmoud

 أستاذ مساعد

كلية القانون – جامعة الاستقلال

الملخص

تعتبر مراقبة التسجيلات الإلكترونية من أعمال التحقيق التي تقع ضمن اختصاص ورقابة النيابة العامة، فالحصول على موافقة قاضي محكمة الصلح لإجراء المراقبة، يعتبر من الشروط الأساسية لصحة إجراء المراقبة، حيث تعد التسجيلات الالكترونية من الأدلة الالكترونية المعترف بها قانوناً، طالما تم إتباع الطريق القانوني السليم الذي رسمه المشرع الفلسطيني في الحصول عليها، فالتسجيلات قد تكون مسموعة أو مقروءة أو مرئية، وبالتالي تعتبر ذات قيمة قانونية سواء كانت تمثل دليل إدانة أو براءة، حيث يمكن للقاضي أن يستخلص قيمتها بعد مراجعتها والإطلاع على تفاصيلها، أو الاستعانة بخبير لتحليلها وخصوصاً إذا لم تكن واضحة.

هذا ويجب مراعاة الجوانب الفنية والتقنية لقبول تسجيل المحادثات الإلكترونية، ومنها التأكد من أن صوت المتحدث يعود  للمتهم، وأن المحادثة المكتوبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لم تتعرض إلى القطع أو الحذف أو التغير بما يغير من معنى الحديث باتجاه إدانة المتهم أو براءته، أو انتحال لهوية الشخص المتحدث، وبالتالي يجب التأكد من شخص المتحدث، والتحفظ على المحادثات الإلكترونية بشكل صحيح، والعمل كذلك على حماية تلك التسجيلات من الحذف أو التخريب.

وتجدر الإشارة إلى أن حماية الحياة الخاصة للأفراد يعد مبدأ دستوري وعالمي لا يجوز مخالفته بإجراءات المراقبة إلا بالحدود التي رسمها القانون، ذلك أن الحق في الخصوصية قابل للتقييد وعرضة للانتقاص منه وفق الإجراءات القانونية، وخصوصاً في سبيل الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة وفق إجراءات استثنائية ومشددة لا يجوز مخالفتها، فلا يجوز إجراء المراقبة والتسجيل للمحادثات إلا إذا كانت هناك فائدة منها لظهور الحقيقة، بعد موافقة قاضي محكمة الصلح بناء على طلب النائب العام أو أحد مساعديه بمراقبة الاتصالات والمحادثات الالكترونية وتسجيلاتها والتعامل معها للبحث عن الدليل المتعلق بجناية أو جنحة يعاقب بالحبس عليها بمدة لا تقل عن سنة.

الكلمات الدالة: (التنصت، مراقبة الاتصالات، المحادثات الالكترونية)

Abstract

Monitoring of electronic recordings is considered an investigation work that falls under the jurisdiction and control of the Public Prosecution. Obtaining the approval of the Magistrate’s Court Judge for conducting the monitoring is considered one of the basic conditions for the validity of the monitoring procedure Electronic recordings are considered to be legally recognized electronic evidence, as long as the proper legal method is followed. Registrations may be audible, readable or visible, and therefore considered to be of legal value, whether they represent evidence of guilt or innocence, where the judge can extract their value after reviewing the details, or seek Expert to analyze, especially if it is not clear.

The technical and technical aspects of accepting the recording of electronic conversations must be taken into consideration, including making sure that the voice of the speaker belongs to the accused, and that the written conversation via social media has not been subject to interruption, deletion or change to change the meaning of the conversation towards the conviction or innocence of the person, or impersonation of the person’s identity. The speaker, therefore, must make sure the person the speaker, the reservation of electronic conversations properly, and also work to protect those recordings from deletion or sabotage.

It should be noted that the protection of the private life of individuals is a constitutional and universal principle that may not be violated by surveillance procedures except within the limits set by the law, as the right to privacy is subject to restriction and subject to derogation from it in accordance with legal procedures, especially in order to access the truth and justice in accordance with exceptional and strict procedures. It is not permissible to violate it. It is not permissible to observe and record conversations unless there is a benefit to them for the emergence of the truth, after the approval of the Magistrate of the Magistrate’s Court at the request of the Attorney General or one of his assistants to monitor communications and electronic conversations and recordings and deal with them to the sea. (D) Evidence of a felony or misdemeanor punishable by imprisonment of at least one year.

Keywords: (Tapping, Communication Control, Electronic Conversations)

مقدمة

كفلت المواثيق الدولية والدساتير الوطنية حق الإنسان في سرية اتصالاته الشخصية، وبالتالي لا يجوز أن تخضع هذه المكالمات والمحادثات لأي رقابة إلا بموجب أحكام القانون، والتي هي استثناء على القواعد الأساسية الواردة في القانون الأساسي الفلسطيني والتي تنص على قدسية الحرية الشخصية وعدم إخضاعها لأي تدخل من الغير.

إلا أن وقوع بعض الجرائم يستتبع في بعض الحالات إجراء مراقبة المحادثات الالكترونية من قبل الأجهزة المختصة بموجب أحكام القانون، إلا أن هذه المراقبة محصورة بموجب قواعد محددة في قانون الإجراءات الجزائية رقم ( 3) لسنة 2001، والقرار بقانون رقم (10) لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية، مع مراعاة مع ورد في القانون الأساسي الفلسطيني من ضمانات تتعلق بهذا الإجراء .

أهمية الدراسة:

تكمن أهمية الدراسة في تناولها لأهم الإجراءات المتبعة في التحقيق في الجرائم الالكترونية، ألا وهو مراقبة المحادثات الالكترونية، فهل هذا الإجراء يمثل انتهاك لقواعد الحرية الشخصية ومساس بالحياة الخاصة للأفراد، أم أن مقتضيات العدالة والتحقيق تستدعي المراقبة بعد السير في الطريق القانوني السليم في إجراء المراقبة، رغم أهمية هذا الإجراء في الكشف عن مرتكبي بعض الجرائم، وبالتالي لا بد من إطار قانوني يوضح الطبيعة القانونية لهذا الإجراء. 

إشكالية الدراسة:

تبرز مشكلة الدراسة في الإجابة عن السؤال الرئيسي وهو: ما هو الإطار القانوني الناظم للإجراءات المتبعة في مراقبة المحادثات الالكترونية في التحقيق في الجرائم الالكترونية، وما هي الضمانات المتعلقة بها؟

كما ستجيب الدراسة على مجموعة من الأسئلة وهي على النحو الآتي:

ما هي القيمة القانونية للمحادثات الالكترونية كدليل الكتروني في الجرائم الالكترونية؟

ما هي الإجراءات القانونية الصحيحة المتبعة في مراقبة المحادثات الالكترونية؟

أهداف الدراسة :

تهدف الدراسة إلى التعرف على الطبيعة القانونية للإجراءات المتبعة في مراقبة المحادثات الالكترونية في التحقيق في الجرائم الالكترونية، كذلك التعرف على الضمانات المتعلقة بهذه الإجراءات، كما ستهدف الدراسة إلى محاولة تفسير وتحليل النصوص القانونية المتعقلة بمراقبة المحادثات الالكترونية لمعرفة القيمة القانونية لهذه المحادثات الالكترونية في الجرائم الالكترونية، كما ستهدف الدراسة إلى التعرف على الإجراءات المتبعة في مراقبة المحادثات الالكترونية.

منهجية الدراسة :

تقوم هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، من خلال دراسة وتحليل النصوص القانونية المتعلقة بمراقبة المحادثات الالكترونية، سواء الواردة في القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية، أو النصوص الواردة في قانون الإجراءات الجزائية الفلسطينية رقم  3 لسنة 2001، وكذلك ما ورد في القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003.

خطة الدراسة:

قسم الباحث الدراسة إلى ثلاث مطالب،

المطلب الأول: ماهية المحادثات الالكترونية في الجرائم الالكترونية

الفرع الأول: تعريف المحادثات الالكترونية

الفرع الثاني: تعريف الجرائم الالكترونية

المطلب الثاني: الإجراءات المتبعة في مراقبة المحادثات الالكترونية

الفرع الأول : الإجراءات المتبعة أمام النيابة العامة في مراقبة المحادثات الالكترونية.

الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للمحادثات الالكترونية.

المطلب الثالث: الضمانات المتعلقة بحقوق الأفراد فيما يتعلق بالمراقبة 

الفرع الأول : القيود الواردة على مراقبة المحادثات الالكترونية.

الفرع الثاني: مدى توافق مراقبة المحادثات مع الحرية الشخصية للأفراد.

المطلب الأول: ماهية المحادثات الالكترونية في الجرائم الالكترونية.

تعتبر المحادثات الالكترونية نوعاً من أنواع الاتصالات المسموعة والمرئية والمكتوبة، حيث أدى التطور التقني الحديث على ظهور العديد من البرامج التي تستخدم في إجراء المحادثات الالكترونية، وبالمقابل لا بد من الإشارة إلى ظهور العديد من صور الجرائم الالكترونية، والتي سيأتي عليها الباحث تبعاً في هذه الدراسة، حيث أصبحت المحادثات الالكترونية عنصراً أساسياً في بعض الجرائم الالكترونية، وبالتالي كانت الحاجة إلى مراقبة المحادثات الالكترونية من أجل المساعدة في الوصول إلى الحقيقة في الجرائم الالكترونية، أو تسهيل الوصول إلى الجناة، أو التأكد أو نفي أي معلومات حول الجريمة.

الفرع الأول: تعريف المحادثات الالكترونية

تعد المحادثات الالكترونية وسيلة للتواصل بين الأفراد، وهي تدخل ضمن إطار الحياة الخاصة للأفراد يتم من خلالها تبادل الأسرار، وبسط الأفكار الشخصية دون حرج أو خشية تنصت الغير وفي مأمن من الفضول أو استراق السمع، وغالباً ما يكون الشعور بالأمن الشخصي أثناء إجراءها هو الدافع إلى الاسترسال فيها وهو ضمانة أساسية في ذلك، وبالتالي يقصد بالمحادثات الشخصية ما يتبادله شخصان من حوار في مكان خاص سواء بطريقة مباشرة تقليدية أو الكترونية عبر وسائل تكنولوجيا المعلومات المختلفة[1].

وقد عرف القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية تكنولوجيا المعلومات بأنها أي وسيلة إلكترونية مغناطيسية بصرية (كهروكيميائية)، أو أي وسيلة أخرى، سواء أكانت مادية أم غير مادية، أو مجموعة وسائل مترابطة أو غير مترابطة، تستخدم لمعالجة البيانات وأداء المنطق والحساب أو الوظائف التخزينية، وتشمل أي قدرة تخزين بيانات أو اتصالات تتعلق أو تعمل بالاقتران مع مثل هذه الوسيلة، كما عرف القرار بقانون المذكور البيانات والمعلومات الإلكترونية على أنها كل ما يمكن تخزينه أو معالجته أو إنشاؤه أو توريده أو نقله باستخدام تكنولوجيا المعلومات، بوجه خاص الكتابة أو الصور أو الصوت[2]

هذا وتتنوع وسائل التكنولوجيا المتعلقة بالمحادثات الالكترونية، فمنها ما هو سابق لبرامج التواصل

الاجتماعي، كالهواتف الثابتة وهي قديمة نسبياً مقارنة مع وسائل التكنولوجية الحالية، حيث تطورت هذه الهواتف لكي تصبح هواتف لا سلكية، وتوسعت وتطورت شبكة الاتصالات، إلى أن ظهرت شبكة الاتصالات الدولية (شبكة الانترنت)، أو الشبكة الإلكترونية والتي تعرف على أنها إرتباط بين أكثر من وسيلة لتكنولوجيا المعلومات للحصول على المعلومات وتبادلها، بما في ذلك الشبكات الخاصة أو العامة أو الشبكة العالمية (الإنترنت)[3]، الأمر الذي أحدث ثورة كبرى في مجال المحادثات الالكترونية، حيث ظهرت العديد من البرامج للعديد من الشركات، حيث عرف القرار بقانون التطبيقات الالكترونية على أنه برنامج إلكتروني مصمم لأداء مهمة محددة بشكل مباشر للمستخدم أو لبرنامج إلكتروني آخر، يستخدم من خلال وسائل تكنولوجيا المعلومات أو ما في حكمها.

وقد ظهر ما يسمى البريد الالكتروني، والذي أصبح وسيلة للتواصل والاتصال، وظهرت معه شركات عالمية كـ (Gmail)، و(Yahoo) و(Hotmail)، كما ظهرت العديد من برامج التواصل الاجتماعي كـ (Face book) و (WhatsApp)، مع الإشارة إلى أن هناك تقديرات عشوائية تتحدث عن وجود ما بين 800 إلى 5000 موقع وتطبيق اجتماعي، ولكن اشهر التطبيقات ما تم ذكره، وأبرزها (Face book)، والذي لا يزال يعتبر البرنامج الأشهر في ميدان المراسلات والتفاعل بين الأصدقاء ونشر الصور والفيديوهات والمنشورات المختلفة بحجم مستخدمين يتجاوز 2 مليار مستخدم نشط شهرياً، وبانتشار شاسع في أكثر من 120 دولة حول العالم[4].

هذا وتشمل المحادثات الالكترونية الكلام المكتوب أو المسموع أو إرسال الصور أو الفيديوهات المباشرة أو المسجلة، أو الوثائق والمستندات أو الملفات والبرمجيات، حيث تتحول إلى معلومات الكترونية وبيانات.

الفرع الثاني: تعريف الجرائم الالكترونية

لم يستقر الفقه على تعريف موحد للجريمة الالكترونية كونها متطورة من وقت لآخر، لذلك تعددت التعريفات الفقهية بهذا الخصوص، فقد عرفها الفقه الفرنسي  على أنها (مجموعة من الأفعال المرتبطة

بالمعلوماتية والتي يمكن أن تكون جديرة بالعقاب)[5]

وقد عرفها البعض الآخر بأنها ” أية جريمة يمكن ارتكابها بواسطة نظام حاسوبي أو شبكة حاسوبية والجريمة التي تشمل من الناحية المبدئية جميع الجرائم التي يمكن ارتكابها في بيئة إلكترونية”[6].

ويعرفها البعض الجريمة المعلوماتية على أنها هي: ” كل سلوك غير مشرع أو غير قانوني أو غير أخلاقي أو غير مصرح به يتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات أو ينقلها[7]، وتعرف أيضاً بأنها ( النشاط الذي تستخدم فيه التقنية الالكترونية الرقمية بصورة مباشرة أو غير مباشرة كوسيلة لتنفيذ الفعل الإجرامي المستهدف)[8].

هذا وعرفها  مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاقبة المجرمين المنعقد في فيينا في عام  2000 بأنها “أي جريمة يمكن ارتكابها بواسطة نظام حاسوبي أو شبكة حاسوبية أو داخل نظام حاسوب وهذه الجريمة تشمل جميع الجرائم التي يمكن ارتكابها في بيئة الكترونية )[9]

ولم يتطرق المشرع الفلسطيني لتعريف الجريمة الالكترونية سواء في التشريعات الجنائية السابقة أو في القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 الخاص بالجرائم الالكترونية، وإنما حدد العديد من المظاهر والأفعال التي تشكل بحد ذاتها جرائم الكترونية وحدد لها العقوبات المناسبة لها .

هذا ويمكننا أن نستخلص تعريف للجرائم الالكترونية، وهو على النحو الآتي: كل فعل غير مشروع جرمه القانون يتعلق بالحاسوب أو النظام الالكتروني أو شبكة الكترونية داخلية أو مستند الكتروني أو شبكة حاسوب أو تطبيق أو برنامج الكتروني تكون هذه الوسائل المذكورة هي محل الجريمة أو وسيلة لارتكاب جرائم أخرى .

وقد وحد القرار بالقانون المفهوم المتعلق بالظواهر الإجرامية المرتبطة بالحاسوب وشبكة الانترنت بأن أطلق عليها مصطلح الجرائم الالكترونية، وهذا المصطلح هو شامل وواسع بحيث انه يتعلق بالبيانات والمعلومات والبرامج والتطبيقات والمستندات والأنظمة المحوسبة، أو أي نظام مرتبط على شبكة الانترنت أو شبكة خاصة أو حكومية، أو المكونات المادية للحاسوب، فكل ما ذكر يصلح أن يكون محلاً للجريمة أو وسيلة لارتكاب جريمة أخرى.

المطلب الثاني: الإجراءات المتبعة في مراقبة المحادثات الالكترونية

هناك مجموعة من الإجراءات والتي نص عليه المشرع الفلسطيني في القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018

بشأن الجرائم الإلكترونية تتعلق بمراقبة المحادثات الالكترونية، ولكن يشترط لقيام أمر المراقبة أن تكون هناك جريمة، سواء أكانت جريمة تقليدية أم الكترونية، وأن يكون هناك أحد الأشخاص المشتبهين، حيث نظم القرار بقانون إجراءات المراقبة للمحادثات الالكترونية.

الفرع الأول : الإجراءات المتبعة أمام النيابة العامة في مراقبة المحادثات الالكترونية.

أصبحت الأساليب التقليدية في البحث والتحري عديمة الجدوى، بسبب استغلال المجرمين التقنيات العلمية الحديثة في تنفيذ أفعالهم الإجرامية، حيث بات من الضروري الاستعانة بالوسائل الحديثة لكشف الجريمة والبحث عن مرتكبيها مثل اعتراض المحادثات الالكترونية وتسجيل الأصوات والتقاط الصور، وهي وسائل أخذ بها المشرع الفلسطيني وأخضعها لمجموعة من القيود، لأن تجاوزها يشكل تعد على الحياة الخاصة للأفراد[10].

 وقد رسم المشرع الفلسطيني طريق مراقبة الاتصالات والمحادثات الالكترونية، ابتداء من نص المادة (51) من قانون الإجراءات الجزائية رقم ( 3) لعام 2001، حيث منح المشرع النائب العام أو إحدى مساعديه أن يضبط لدى مكاتب البرق والبرقيات والبريد والخطابات والجرائد المكتوبة والطرود المتعلقة بالجريمة، كما يجوز له مراقبة المحادثات السلكية ولا سلكية، وإجراء تسجيلات لأحاديث في مكان خاص بناءاً على أذن من قاضي محكمة الصلح متى كان لذلك فائدة في إظهار الحقيقة في جناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن سنه، ويجب أن يكون أمر الضبط أو أذن المراقبة أو التسجيل مسبباً، ولمدة لا تتجوز15 يوماً قابلة للتجديد مرة واحدة .

وهنا يلاحظ أن المشرع اشترط أن يكون هناك جريمة قائمة مستمرة أو وقعت وانتهت، حيث أن أعمال المراقبة هي جزء من أعمال التحقيق التي تقع ضمن اختصاص النيابة العامة، لكن لطبيعة المراقبة وما يمكن أن يشكل ذلك الإجراء من تعد على الحياة الخاصة للأفراد، فقد جعل المشرع أمر المراقبة مبنياً على قرار قاضي محكمة الصلح ولفترة زمنية محدودة، وأن يكون هدف مراقبة التسجيلات والمحادثات استخلاص الحقيقة، وأن يرتبط بالكشف عن جريمة سواء كانت جنحة أو جناية لا تقل عقوبتها عن سنة.

وبذات المعنى جاءت المادة (34) من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية، حيث أن لقاضي الصلح أن يأذن للنائب العام أو أحد مساعديه بمراقبة الاتصالات والمحادثات الالكترونية وتسجيلها إذا تعلقت بجناية أو جنحة لا تقل عقوبة الحبس عن سنة وذلك لمدة لا تتجوز (15) يوم وقابلة للتجديد مرة واحدة بناءاً على توافر دلائل جدية، وعلى من قام بالمراقبة أو التسجيل أن ينظم محضر بذلك يقدمه للنيابة العامة، ويلاحظ أن ما يميز نص المادة (34) والواردة في من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية، عن نص المادة (51) من قانون الإجراءات الجزائية رقم ( 3) لعام 2001، هو أن المادة  (34) شملت مراقبة المحادثات الالكترونية، مع الإشارة إلى أن المشرع الفلسطيني منح في نص المادة  (34) حق مراقبة الاتصالات الفوري بعد حصول النيابة العامة على إذن المحكمة المختصة.

 كما أشار المشرع الفلسطيني إلى الاعتراض الفوري للاتصالات، وهو ما نصت عليه المادة (36) من القرار بقانون رقم (10) لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية، حيث أشار المشرع أن للمحكمة المختصة أن تأذن بالاعتراض الفوري لمحتوى الاتصالات وتسجيلها أو نسخها بناءً على طلب من قبل النائب العام أو احد مساعديه ويتضمن قرار المحكمة جميع للعناصر التي من شأنها التعريف بالاتصالات موضوع طلب الاعتراض والأفعال الموجبة له، ومدته، حيث تكون مدة الاعتراض في الفقرة الأولى من المادة (36) لا تزيد على ثلاثة اشهر من بداية تاريخ الشروع الفعلي في إنجازه، قابلة للتمديد مدة واحدة فقط، كما يتعين على الجهة المكلفة بتنفيذ إذن الاعتراض إعلام النيابة العامة بالتاريخ الفعلي للانطلاق عملية الاعتراض، والتنسيق معها بخصوص اتخاذ التدابير اللازمة لحسن سيرها.

والمقصود بالاعتراض يعني تسجيل المحادثات، واعتراض المراسلات والتتبع السري والمتواصل للمراسلات الخاصة بالمشتبه به ودون علمه، ويعرف انه إجراء تحقيقي لتسجيل المحادثات الالكترونية بشكل سري، تأمر به السلطة القضائية في الشكل المحدد قانوناً بهدف الحصول على دليل غير مادي للجريمة، ويتضمن من ناحية أخرى استراق السمع إلى الأحاديث، وهو يعتبر أيضاً وسيلة هامة من الوسائل الحديثة للبحث والتحري، وتستخدمها النيابة العامة في مواجهة الجرائم الخطيرة وتتم عبر وسائل الاتصالات الحديثة[11].

هذا ويتميز اعتراض المحادثات الالكترونية بخصائص معينة تساعد على تحديد مفهومه وطبيعة العمل به، حيث يجب أن يكون اعتراض المحادثات الالكترونية دون علم ورضا المشتبه به[12]، كما أن اعتراض المحادثات إجراء يمس حق الشخص في سرية الحديث، ويمس بحق الإنسان في خصوصية حديثه وهو ما أشارت إليه المادة (32) من القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003، مع الإشارة إلى أن اعتراض المحادثات إجراء يساعد دون شك الجهات القضائية والأمنية للوصول إلى أدلة ومعلومات كانت تعتبر شخصية، ولا يمكن المساس بها تحت ذريعة الحريات الشخصية، إلا أن الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة هو المبرر الجوهري للوصول إلى تلك المحادثات والتسجيلات، مع الإشارة إلى أن حالة من الغموض تكتنف نص المادة (36) من القرار بقانون رقم (10) لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية، سواء من حيث طول مدة الاعتراض، بالإضافة إلى عدم وضوح سبب الاعتراض الفوري للمحادثات.

وهنا لا بد من استخدام أجهزة قادرة على التقاط الأحاديث، حيث أصبح من الضروري إيجاد تقنيات

جديدة ذو فعالية كبيرة لاقتحام خصوصية الأشخاص المشتبه بهم، وخصوصاً مع التطور الذي عرفته العمليات الإجرامية التي شكلت قلقاً رهيباً في أوساط للمجتمع، لذا تستلزم عملية اعتراض المحادثات الالكترونية استخدام أجهزة ذو تقنية واسعة قادرة على التقاط الأحاديث الصوتية أو المكتوبة بدقة وجودة عالية، إلا أن استعمل هذه الوسائل دون أي ضمانات تقيدها تشكل خطراً على حرية الأفراد، كما أن الشركات الكبرى كـ (Face book) و (WhatsApp) و(gmail) تحمي محادثات مستخدميها، وتستخدم في ذلك تقنيات التشفير المختلفة، وبالتالي لا بد من الحصول على موافقة تلك الشركات لإجراء المراقبة، كما يجب على تلك الشركات الإلتزام والإستجابة لما يصدر عن النيابة العامة من إجراءات قانونية سليمة للوصول إلى إذن المراقبة، وذلك كون إجراء المراقبة عمل من أعمال التحقيق في الجرائم التي تقع ضمن إختصاص النيابة العامة، وبالتالي يحذر معارضة أعمال النيابة العامة، حيث يؤدي ذلك إلى تعطيل إجراء

المراقبة وبالتالي إعاقة الوصول إلى الحقيقة[13].

 هذا وتعتبر تقنية التنصت على المحادثات الالكترونية بطريقة قانونية مشروعة من خلال الإلتزام بالإجراءات المنصوص عليها في التشريعات ذات العلاقة، وما ينتج عنها من تسجيلات، أدلة الكترونية لها قيمتها القانونية، حيث تتمثل تلك التسجيلات بأحاديث شخصية تصدر عن الغير من أقوال وأحاديث تقنع القاضي وتفيد في الكشف عن الجريمة.

الفرع الثاني : الطبيعة القانونية لتسجيل المحادثات الالكترونية.

يعرف تسجيل المحادثات بأنه ( نوع من استراق السمع على الأحاديث الخاصة والمحادثات خلسة دون علم

صاحبها بواسطة أجهزة الكترونية أسفر عنها النشاط العلمي الحديث)[14]، ويعرف أيضاً ( حفظ الأحاديث الخاصة على المادة  المخصصة لإعادة الاستماع إليها)، وقد كان هذا التعريف  هو المعتمد الأساسي باعتباره أكثر شمولاً وتوضيحاً بتسجيل المحادثات، وقد اعتمدت عملية التسجيل الصوتي في السابق على وضع الرقابة على المكالمات الهاتفية، ونقل الأحاديث وتسجيلها، ويتم عن طريق وضع ميكروفونات حساسة تستطيع التقاط الأصوات وتسجيلها على أجهزة خاصة ، كما يتم عن طريق التقاط الإشارات اللاسلكية، حيث كانت تعد تلك الإجراءات من قبيل الإجراءات التحقيق والتي تحركها النيابة العامة بقصد الحصول على الحقيقة.

وقد تطورت أجهز مراقبة المحادثات الالكترونية، وظهرت تقنيات حديثة جعلت من عمليات المراقبة سهلة ويسيرة، وبالتالي فإن يمكننا تعريف تسجيل المحادثات الإلكترونية بأنه ” تسجيل ما يدور بين الأفراد من كلام مكتوب أو مسموع أو مسجل أو مرئي، والمرسل أو المحفوظ عبر وسائل تكنولوجيا المعلومات المختلفة، وحفظه كدليل إلكتروني معتمد قانونياً”.

 وعليه فإن الطريق الصحيح الذي رسمه المشرع لمراقبة المحادثات الالكترونية هو من خلال النائب العام أو أحد مساعديه بناء على قرار محكمة الصلح المختصة، حيث يوجه الأمر إلى مأموري الضبط القضائي، وخصوصاً وحدة الشرطة الالكترونية، والمشكلة بموجب القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية، والتي يمتلك أفرادها قدرت فنية وتقنية لمراقبة المحادثات الخاصة بالمشتبه فيهم خلال فترة زمنية محددة وبسرية تامة، كما يمكن مخاطبة الشركة صاحبة الخدمة، والتي يقع على عاتقها التعاون مع النيابة العامة بموجب أحكام القرار بقانون، حيث تقوم بتسجيل المحادثات الالكترونية لمشتبه فيهم بعد الحصول على أمر النيابة العامة المسبب، أو تسهل عملية تسجيل المحادثات، وهو ما أكدت عليه المادة ( 31) من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشان الجرائم الالكترونية، حيث نصت على أنه ” يلتزم مزود الخدمة، وفقاً للإجراءات القانونية المقررة بالآتي: 1. تزويد الجهات المختصة بمعلومات المشترك التي تساعد في كشف الحقيقة، بناءً على طلب النيابة أو المحكمة المختصة. 2. حجب رابط أو محتوى أو تطبيق على الشبكة الإلكترونية بناءً على الأوامر الصادرة إليها من الجهات القضائية، مع مراعاة الإجراءات الواردة في المادة ( 39) من هذا القرار بقانون.  3. الاحتفاظ بمعلومات المشترك لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات لغايات ما ورد في الفقرة (1) من هذه المادة. 4. التعاون ومساعدة الجهات المختصة وبناءً على قرار قاضي المحكمة المختصة في جمع أو تسجيل المعلومات أو البيانات الإلكترونية والاحتفاظ المؤقت بها”، ولا يمكنها أن تتذرع بالمهنية في عدم تسجيل أو مراقبة المحادثات الالكترونية، وهو ما أكدت عليه المادة (40) من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشان الجرائم الالكترونية، حيث نصت على أنه ” فيما عدا الالتزامات المهنية المنصوص عليها في القانون، لا يجوز الاستناد إلى أسرار المهنة أو مقتضياتها للامتناع عن تقديم المعلومات أو الوثائق التي تطلب وفقاً لأحكام القانون”.

ويلاحظ مما سبق، أن عملية مراقبة المحادثات الالكترونية باتت أسهل، وخصوصاً إذا كانت هناك جهات مختصة بناء على إذن قضائي بالتوازي مع التقدم التقني السريع في برامج الحاسوب والشبكات، مع الإشارة  إلى أن الهواتف الخلوية يمكن تحميلها بتطبيقات الكترونية بكل يسر لتسجيل المحادثات التي يجريها صاحب الهاتف، لكن هل تصلح تلك المحادثات كدليل إثبات؟ وهنا نقول أن تلك المحادثات إذا تم الحصول عليها بطريقة مشروعة، أي تم تقديمها من قبل أحد أطراف تلك المحادثة، فإنه يمكن اعتبارها دليل إثبات أو نفي بعد التأكد الفني من صوت المتحدث، لأن الغاية هي الوصول إلى الحقيقة، مع مراعاة الحريات الشخصية والحياة الخاصة للأفراد، أما إذا تم تقديمها من طرف ثالث لا علاقة له بالمحادثة الهاتفية فإن هذا التسجيل لا يصلح كدليل في الجريمة، لكن ماذا لو قام احدهم بتسجيل حوار يدور داخل جلسة خاصة بين مجموعة من الأفراد دون أن يعلموا به، واستند إلى ذلك التسجيل لإدانة احدهم أو نفي الجريمة عن احدهم؟ وهنا نقول أن ذلك التسجيل يشكل انتهاك للحقوق والحريات، وهو يخرج عن الطريق المشروع الذي رسمه المشرع الفلسطيني لاعتبار التسجيل دليل في الجريمة الالكترونية أو الجريمة التقليدية، وبالتالي فإن هذا التسجيل غير قانوني، بل ويحاكم صاحبه بتهمة تسجيل محادثات عن الحياة الخاصة للأفراد دون علمهم.

هذا وتعتبر مراقبة التسجيلات الإلكترونية من أعمال التحقيق التي تقع ضمن اختصاص ورقابة النيابة العامة، بعد الحصول على موافقة قاضي محكمة الصلح، كما وتعتبر التسجيلات الالكترونية من الأدلة الالكترونية المعترف بها، طالما تم إتباع الطريق القانوني السليم الذي رسمه المشرع في الحصول عليها[15]، حيث يمكن أن تكون عبارة عن تسجيلات مسموعة أو مقروءة أو مرئية، وبالتالي تعتبر ذات قيمة قانونية سواء كانت تمثل دليل إثبات أو نفي، حيث يمكن للقاضي أن يستخلص قيمتها بعد مراجعتها والإطلاع على تفاصيلها، أو الاستعانة بخبير لتحليلها وخصوصاً إذا لم تكن واضحة.

وبالتالي فإن التسجيلات الإلكترونية تشكل دليلاً معترفاً به إذا أخذت وفق الأصول القانونية، وهو ما جاء مطابق لنص المادة (37) من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية حيث نصت المادة المذكورة على ما يلي: ” يعتبر الدليل الناتج بأي وسيلة من وسائل تكنولوجيا المعلومات أو أنظمة المعلومات أو شبكات المعلومات أو المواقع الإلكترونية أو البيانات والمعلومات الإلكترونية من أدلة الإثبات”، حيث يجب المحافظة عليه، وتحريزه بالشكل المناسب حتى لا يتعرف للإتلاف.

المطلب الثالث: الضمانات المتعلقة بحقوق الأفراد فيما يتعلق بالمراقبة 

تعد مراقبة المحادثات الهاتفية والاتصالات الالكترونية نوعاً من الإطلاع على الرسائل، والمكالمات الهاتفية

تتضمن بعض أسرار الحياة الخاصة للمرسل والغير، وبالتالي لا يجوز للغير الإطلاع على هذه المراسلات[16].فالإطلاع على تسجيلات ومكالمات الآخرين يعد انتهاك لحرمة الحياة الخاصة، إلا أن المشرع أوجد سبباً من أسباب التبرير والإباحة، وهو إجازة القانون، ولذلك فإن هناك قيود مفروضة على هذا الإجراء، وهو ما سنتحدث عنه فيما يلي:

الفرع الأول : القيود الواردة على مراقبة المحادثات الالكترونية.

لقاضي الصلح أن يأذن للنائب العام أو أحد مساعديه بمراقبة الاتصالات والمحادثات الالكترونية وتسجيلها إذا تعلقت بجناية أو جنحة لا تقل عقوبة الحبس عن سنة، وذلك لمدة لا تتجاوز 15 يوم وقابلة للتجديد مرة واحدة بناءاً على توافر دلائل جدية، وعلى من قام بالمراقبة أو التسجيل أن ينظم محضر بذلك يقدمه للنيابة العامة.

وحتى تكون مراقبة المحادثات الالكترونية صحيحة، يجب أن يصدر إذن المراقبة من قاضي محكمة الصلح، كما يشترط وقوع  الجريمة قبل صدور الإذن، أما إذا كانت الجريمة لم تقع بعد، فلا نرى ضرورة لقبول مثل ذلك الأمر بالتسجيل، لأنه ينطوي على اعتداء واضح وصريح على حق الفرد في الخصوصية الذي كفله القانون ما دامت مبررات هذا الإجراء غير قائمة[17]، وهو ما نصت عليه المادة (32) من القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003 (من أن كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر)، كما أن المراقبة يجب أن تكون لفترة زمنية محدودة، وذلك لمدة لا تتجوز 15 يوم وقابلة للتجديد مرة واحدة، وأن يكون هدف مراقبة التسجيلات والمحادثات استخلاص الحقيقة، وأن يرتبط بالكشف عن جريمة سواء كانت جنحة أو جناية لا تقل عقوبتها عن سنة.

هذا ويجب مراعاة الجوانب الفنية والتقنية لقبول تسجيل المحادثات الإلكترونية، ومنها التأكد من أن صوت المتحدث يعود  للمتهم، وأن المحادثة المكتوبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لم تتعرض إلى القطع أو الحذف أو التغير بما يغير من معنى الحديث باتجاه إدانة المتهم أو براءته، أو إنتحال لهوية الشخص المتحدث، وبالتالي يجب التأكد من شخص المتحدث، والتحفظ على المحادثات الإلكترونية بشكل صحيح، والعمل كذلك على حماية تلك التسجيلات من الحذف أو التخريب، كما تنص المادة ( 33/4) من قرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 ” إذا  استحال إجراء والتحفظ بصفة فعلية يتعين حفاظاً على أدلة الجريمة استعمال كافة الوسائل المناسبة لمنع الوصول والنفاذ إلى بيانات المخزنة بنظام المعلومات” .

ويلاحظ مما سبق أن التسجيل الناتج عن مراقبة الاتصالات والمحادثات الالكترونية يعتبر دليلاًَ الكترونياً سواء كان من أدلة البراءة أو الإدانة، وبالتالي فإن الدليل الالكتروني يعتبر باطلاً إذا تم الحصول عليه بشكل مخالف للقانون، فإذا شاب إجراءات مراقبة التسجيلات الالكترونية أي عيب فإنه يبطلها، ولهذا الأمر أهمية بالغة لما يترتب على بطلان الدليل من آثار، فإذا كان الدليل الباطل هو الدليل الوحيد فلا يصح الاستناد إليه في إدانة الجاني[18]، وهو ما يتفق مع المادة (38) من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018، بخصوص التسجيلات الإلكترونية التي يمكن الحصول عليها من دول أخرى نتيجة الاتفاقيات والتعاون الدولي، حيث .تنص المادة (38) على أن ” تعتبر الأدلة  المتحصل عليها بمعرفة الجهة المختصة أو

جهات التحقيق من دول أخرى، من الإثبات طالما أن الحصول عليها  قد تم وفقا للإجراءات القانونية

والقضائية للتعاون الدولي “.

هذا ويعتبر الاختراق، أو الدخول الغير مشروع على المحادثات الالكترونية أو التنصت عليها أو نسخها أو الإطلاع عليها من الأفعال المجرمة، حيث عرف المشرع الفلسطيني في المادة الأولى منه الالتقاط على أنه مشاهدة البيانات أو المعلومات أو الحصول عليها، أما الاختراق فقد عرفه على أنه الدخول غير المصرح به أو غير المشروع لنظم تكنولوجيا المعلومات أو الشبكة الإلكترونية.

وعليه تعتبر مراقبة المحادثات الالكترونية بطريقة غير مشروعة من الجرائم التي وضع المشرع الفلسطيني عقاب على من يرتكبها، حيث أن الغاية من ذلك حماية الحياة الخاصة للأفراد، حيث رسم المشرع الطريق الصحيح من أجل مراقبة هذه المحادثات ضمن إجراءات صارمة ومحددة.

الفرع الثاني: مدى توافق مراقبة المحادثات مع الحرية الشخصية للأفراد.

يعتبر الحق في الخصوصية من الحقوق الأساسية للأفراد، وهو ما نصت عليه المادة (32) من القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003 (من أن كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر)، وهو ما نصت عليه المواثيق الدولية أيضاً كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث جاءت المادة الثانية عشرة من هذا الإعلان لتنص على أن “لا يعرض احد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل”[19]،  فحرمة

الحياة الخاصة مبدأ دستوري لا يجوز الإخلال به إلا وفق الإجراءات المسموح فيها وفق القانون.

ويضاف إلى ما سبق، ما جاء به العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية[20]، وتحديداً المادة (17) حيث جاءت هذه المادة مشابهة للمادة الثانية عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث نصت على انه “١. لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته. 2.مــن حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس[21]“.

يضاف إلى ذلك أن انتهاك الحق في الخصوصية يشكّل خرقاً للواجب الملقى على عاتق الدول بموجب الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف فيها عالمياً[22]، حيث ورد في المادة الثانية منه “يقع على عاتق كل دولة مسؤولية وواجب رئيسين في حماية وإعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية”، فحق الإنسان في الخصوصية هو من أبرز حقوق الإنسان المكفولة بموجب كافة الدساتير في دول العالم المختلفة، يضاف إلى ذلك التوجيه الأوروبي رقم (1995/46) الصادر عن البرلمان الأوروبي[23]، وتحديداً المادة الثانية منه والتي بدورها أكدت على حق الأفراد في الحفاظ على خصوصيتهم ومراعاة حقوق الإنسان وحرياتهم الأساسية لا سيما الحق في الخصوصية.

ويلاحظ مما سبق أن حق وحرمة الحياة الخاصة مبدأ دستوري وعالمي لا يجوز مخالفته بإجراءات المراقبة إلا بالحدود التي رسمها القانون، ذلك أن الحق في الخصوصية قابل للتقييد وعرضة للانتقاص منه وفق الإجراءات القانونية، وخصوصاً في سبيل الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة وفق إجراءات استثنائية ومشددة لا يجوز مخالفتها، فلا يجوز إجراء المراقبة والتسجيل للمحادثات إلا إذا كانت هناك فائدة منها لظهور الحقيقة، بعد موافقة قاضي محكمة الصلح بناء على طلب النائب العام أو أحد مساعديه بمراقبة الاتصالات والمحادثات الالكترونية وتسجيلاتها والتعامل معها للبحث عن الدليل المتعلق بجناية أو جنحة يعاقب بالحبس عليها بمدة لا تقل عن سنة، وذلك لمدة ١٥ يوم قابلة للتجديد لمرة واحدة بناءً على توافر دلائل جدية وعلى من قام بالمراقبة أو التسجيل أن ينظم محضراً بذلك يقدمه

للنيابة العامة[24].

وفي ذات السياق تجدر الإشارة إلى الاعتراض الفوري للمحادثات، والذي نكون مدته لا تزيد على ثلاثة اشهر والقابل للتمديد لمرة واحدة  حيث أن هناك حالة من الغموض تكتنف نص المادة (36) من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية، حيث لم يوضح المشرع الفلسطيني الأساس القانوني للاعتراض الفوري للمحادثات، هل هو بناء على جريمة، أم لأسباب أمينة، أو غيرها، وهنا كان يفضل على المشرع أن لا يخرج عن الأسس العامة المتعلقة بمراقبة المحادثات، وأهمها مراعاة حرمة الحياة الخاصة للأفراد، وأن يكون هناك جريمة لا تقل عقوبتها عن سنة، وأن لا تطول مدة الاعتراض، حيث يأخذ على النص القانوني أن جعل مدة الاعتراض ستة أشهر، وهذه مدة طويلة جداً تجعل من حرمة الحياة الخاصة مباحة بسبب طول مدة المراقبة، وهو ما أشار إليه المشرع الفلسطيني بأن مدة الاعتراض في الفقرة الأولى من المادة (36) لا تزيد على ثلاثة اشهر من بداية تاريخ الشروع الفعلي في إنجازه، قابلة

للتمديد مدة واحدة فقط.

الخاتمة

أولا: النتائج :

1. تعتبر مراقبة التسجيلات الإلكترونية من أعمال التحقيق التي تقع ضمن اختصاص ورقابة النيابة العامة، بعد الحصول على موافقة قاضي محكمة الصلح لإجراء المراقبة، كما وتعتبر التسجيلات الالكترونية من الأدلة الالكترونية المعترف بها، طالما تم إتباع الطريق القانوني السليم الذي رسمه المشرع في الحصول عليها، حيث يمكن أن تكون عبارة عن تسجيلات مسموعة أو مقروءة أو مرئية، وبالتالي تعتبر ذات قيمة قانونية سواء كانت تمثل دليل إدانة أو براءة، حيث يمكن للقاضي أن يستخلص قيمتها بعد مراجعتها والإطلاع على تفاصيلها، أو الاستعانة بخبير لتحليلها وخصوصاً إذا لم تكن واضحة.

2. يقع على مزود الخدمة التعاون ومساعدة الجهات المختصة وبناءً على قرار قاضي المحكمة المختصة في جمع أو تسجيل المعلومات أو البيانات الإلكترونية والاحتفاظ المؤقت بها.

3. يجب مراعاة الجوانب الفنية والتقنية لقبول تسجيل المحادثات الإلكترونية، ومنها التأكد من أن صوت المتحدث يعود  للمتهم، وأن المحادثة المكتوبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لم تتعرض إلى القطع أو الحذف أو التغير بما يغير من معنى الحديث باتجاه إدانة المتهم أو براءته، أو انتحال لهوية الشخص المتحدث، وبالتالي يجب التأكد من شخص المتحدث، والتحفظ على المحادثات الإلكترونية بشكل صحيح، والعمل كذلك على حماية تلك التسجيلات من الحذف أو التخريب.

4. تعتبر حماية الحياة الخاصة للأفراد مبدأ دستوري وعالمي لا يجوز مخالفته بإجراءات المراقبة إلا بالحدود التي رسمها القانون، ذلك أن الحق في الخصوصية قابل للتقييد وعرضة للانتقاص منه وفق الإجراءات القانونية، وخصوصاً في سبيل الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة وفق إجراءات استثنائية ومشددة لا يجوز مخالفتها، فلا يجوز إجراء المراقبة والتسجيل للمحادثات إلا إذا كانت هناك فائدة منها لظهور الحقيقة، بعد موافقة قاضي محكمة الصلح بناء على طلب النائب العام أو أحد مساعديه بمراقبة الاتصالات والمحادثات الالكترونية وتسجيلاتها والتعامل معها للبحث عن الدليل المتعلق بجناية أو جنحة يعاقب بالحبس عليها بمدة لا تقل عن سنة.

5. يشكل تسجيل المحادثات دون إتباع الإجراءات القانونية الصحيحة جريمة دخول غير مشروع على المحادثات الالكترونية، ويجعل من الدليل الإلكتروني باطلاً ولا يجوز الاستناد إليه.

التوصيات :

  1. هناك حالة من الغموض تكتنف المادة (36) من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية، حيث لم يوضح المشرع الفلسطيني الأساس القانوني للاعتراض الفوري للمحادثات، هل هو بناء على جريمة، أم لأسباب أمينة، أو غيرها، وهنا كان يفضل على المشرع أن لا يخرج عن الأسس العامة المتعلقة بمراقبة المحادثات، وأهمها مراعاة حرمة الحياة الخاصة للأفراد، وأن يكون هناك جريمة لا تقل عقوبتها عن سنة، وأن لا تطول مدة الاعتراض.
  2. العمل على إضافة مادة إلى القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشان الجرائم الإلكترونية تتعلق بآلية تسجيل المحادثات عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وخصوصاً مع الإنتشار الكبير لهذه البرامج، حيث أن هناك حالة من الغموض تكتنف تسجيل تلك المحادثات، بمعنى هل هناك حاجة لاخذ اذن من تلك المواقع لمراقبة مستخدمي تلك البرامج أم لا.
  3. العمل على إقرار قانون إجرائي يتضمن القواعد الخاصة بالمراقبة والتفتيش والضبط في المجال الالكتروني، وكذلك النص من خلاله على الأدلة الالكترونية وحجيتها في الاثبات. 

2  محمد أبو النجاة، الدعوى الجنائية وفن للتحقيق الجنائي، دار الكتب القانونية للنشر والتوزيع ، مصر، 2008، ص 262.

[2] أنظر نص المادة الأولى من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية.

[3] أنظر نص المادة 1 من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018.

[4] للمزيد أنظر الموقع الإلكتروني https://www.dimofinf.net/blog/s/491/

[5] هذا التعريف مشار اليه لدى يوسف المصري ، الجرائم المعلوماتية والرقمية للحاسوب والانترنت، الطبعة الأولى، دار العدالة، مصر، 2011، ص 9.

[6] حاتم عبد الرحمن، الاجرام المعلوماتى، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 2003، ص 28.

[7] سامى على حامد عياد، الجريمة المعلوماتية واجرام الانترنت، دار الفكر الجامعى، مصر، 2007، ص 55.

[8] مصطفى محمد موسى، التحقيق الجنائي في الجرائم الالكترونية، الطبعة الأولى، مطابع الشركة،  مصر، 2003 ، ص 56.

[9] تركي المويشير، بناء نموذج امني لمكافحة الجرائم المعلوماتية وقياس فاعليته، جامعة نايف، الرياض، 2012، ص 23.

[10] جميلة محلق: اعتراض المراسلات، تسجيل الأصوات والتقاط الصور في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، بحث منشور في مجلة الاقتصاد والادارة والقانون، جامعة باجي مختار عنابة، العدد42، الجزائر، 2015،

[11]  ياسر الامير فاروق، مراقبة الأحاديث الخاصة في الإجراءات الجزائية، دار المطبوعات ، جامعة القاهرة ، ط١، 2009 ، ص150.

[12] خداوي مختار، إجراءات البحث والتحري الخاصة في التشريع الجزائري، رسالة ماجستير، جامعة الطاهر مولاي سعيدة، الجزائر، 2016، ص31.

[13] وهو ما يتفق مع نص المادة (40) من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية والتي تنص على أنه ( فيما عدا الالتزامات المهنية المنصوص عليها في القانون، لا يجوز الاستناد إلى أسرار المهنة أو مقتضياتها للامتناع عن تقديم المعلومات أو الوثائق التي تطلب وفقاً لأحكام القانون).

[14] محمد ابو النجاة، الدعوى الجنائية وفن التحقيق الجنائي، دار الكتب القانونية للنسر والتوزيع، مصر، 2008، ص 262.

[15] أنظر المادة ( 32/2) من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية .

[16]سامي جلال فقي حسين، التفتيش في الجرائم المعلوماتية دراسة تحليلية ، دار الكتب القانونية، مصر، 2011، ص 287.

[17] أنظر نص (المادة 12) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والتي تنص على عدم المساس بخصوصيات الإنسان وعائلته وبيته ومراسلاته وعدم المساس بشرفه وكرامته وسمعته، والجميع لهم الحق فى الحصول على حماية القانون ضد هذه الجرائم، وكذلك نص(المادة 17) الوارد بالعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية.

[18] اسامة بن غانم العبيدي ، الدليل في الجرائم المعلوماتية ،  معهد الادارة  العامة ، الرياض، 2010، ص 104.

[19] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، أنظر موقع الأمم المتحدة على شبكة الانترنت

https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/index.html

[20] انضمت دولة فلسطين في عام 2014 إلى العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

[21] العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، صدر في 16 كانون الأول 1966، ودخل حيز النفاذ في  3 كانون الثاني 1976.

[22] الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية اﻷفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالميا اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 5 3/144 المؤرخ في9‏ كانون اﻷول/ ديسمبر 1998‏

 [23]الصادر عن البرلمان الاوروبي بتاريخ 24\10\1995 بشأن حماية الأفراد فيما يتعلق بمعالجة البيانات الشخصية وبشأن حرية حركة تلك البيانات  EC\ التوجيه رقم95\46

[24] أنظر المادة (41) من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية، والتي تنص على ( تلتزم أجهزة الدولة ومؤسساتها وهيئاتها والجهات والشركات التابعة لها بالآتي: 1.             اتخاذ التدابير الأمنية الوقائية اللازمة لحماية أنظمتها المعلوماتية، ومواقعها الإلكترونية، وشبكاتها المعلوماتية، والبيانات والمعلومات الإلكترونية الخاصة بها. 2. الإسراع في إبلاغ الجهة المختصة عن أي جريمة منصوص عليها في هذا القرار بقانون، فور اكتشافها أو اكتشاف أي محاولة للالتقاط أو الاعتراض أو التنصت بشكل غير مشروع، وتزويد الجهة المختصة بجميع المعلومات لكشف الحقيقة. 3.الاحتفاظ ببيانات تكنولوجيا المعلومات، ومعلومات المشترك لمدة لا تقل عن (120) يوماً، وتزويد الجهة المختصة بتلك البيانات. 4.التعاون مع الجهة المختصة لتنفيذ اختصاصاتها).

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *