Site icon مجلة المنارة

مدى فعالية ضمانات التحكيم التجاري الدولي في تحقيق الحماية القضائية

 

مدى فعالية ضمانات التحكيم التجاري الدولي في تحقيق الحماية القضائية

 

وليد صالح أحمد عبد الرب

طالب باحث في سلك الدكتوراه، وحدة قانون الأعمال والاستثمار

كلية الحقوق، جامعة محمد الأول وجدة.

مقدمة:

أصبح اللجوء للتحكيم التجاري الدولي كتقنية قانونية لفض المنازعات التي تطرحها العقود التجارية الدولية، الخيار الإستراتيجي لمعظم الفاعلين في مجالها، وذلك لما تمتاز به هذه التقنية من عدة مزايا بالمقارنة مع القضاء من ناحية، ومن ناحية أخرى رغبة الفاعلين في التجارة الدولية في التحرر قدر الإمكان من القيود التي تتخلل مختلف النظم القانونية الوطنية والمتمثلة في تعقيد إجراءات التقاضي وبطئها وعدم تجاوب القوانين الوطنية مع متطلبات التعامل الدولي، كما أن اختصاص المحكم في النزاعات التجارية الدولية من خلال آلية التحكيم يرجع إلى كونه لا يرتبط بقانون اختصاص وطني يلزم باحترامه والتقيد به، فهو غالبا ما يجد حلولا للنزاعات التي تطرح عليه في العقود التجارية الدولية.

كما إن تزايد الإقبال على التحكيم في الآونة الأخيرة، كأسلوب لحسم المنازعات الخاصة الدولية، لاسيما في عقود التجارة الدولية، وازدياد الاهتمام به وتنظيمه سواء على صعيد التشريعات الوطنية أو على صعيد الاتفاقيات الدولية، لم يأت من العدم بل جاء نتيجة الضمانات التي يقدمها التحكيم هذا القضاء الخاص، حتى أضحى الطريق العادي لحسم منازعات التجارة الدولية. وتكمن أهمية التحكيم التجاري الدولي من خلال النظر إلى حجم التحديات التي تفرضها التحولات الاقتصادية على الساحة الدولية، نتيجة تطور العقود الدولية، وظهور عقود جديدة لم يكن للمنظومة الدولية سابق عهد بها، إضافة إلى رغبة أطراف التجارة الدولية في الحصول على حماية قضائية خاصة منبعها التحكيم التجاري الدولي، كقضاء أصيل للتجارة الدولية، وذلك لما يوفره هذا القضاء من ضمانات للتجار والتجارة الدولية على حد سواء.

ونظرا لما يحتله التحكيم التجاري الدولي من أهمية بالغة في التجارة الدولية، فإن التساؤل المطروح هو مدى فعالية ضمانات التحكيم التجاري الدولي في تحقيق الحماية القضائية؟، وللإجابة على هذا التساؤل سوف نتناول دور الضمانات المرتبطة بسلطة المحكم في تحقيق الحماية القضائية (المبحث الأول)، ثم الضمانات المرتبطة بمرونة مسطرة التحكيم (المبحث الثاني).

 

المبحث الأول: دور الضمانات المرتبطة بسلطة المحكم في تحقيق الحماية القضائية

يؤدي المحكم وظيفة القضاء بين الخصوم بحكم حاسم للنزاع يحوز حجية الأمر المقضي، وهذا هو جوهر الوظيفة القضائية وإن استندت  مهمة المحكم في وجودها لاتفاق التحكيم، فالمحكم قاض ويعد كل ما يصدر حكما قضائيا[1]، كما يتميز التحكيم التجاري الدولي بميكانيزمات عديدة تساعد المحكم على إصدار حكم قضائي، يرمي إلى تحقيق العدالة والحماية القضائية في آن واحد. لذلك سنحاول معالجة الضمانات المرتبطة بسلطة المحكم وذلك من خلال عدم توفر المحكم على قانون اختصاص كضمانة لتحقيق عدالة خاصة (المطلب الأول) ودور السلطة التقديرية للمحكم الدولي في تحقيق الحماية القضائية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: عدم توفر المحكم على قانون اختصاص كضمانة لتحقيق عدالة خاصة

إن عدم توفر المحكم الدولي لقانون اختصاص، وعدم خضوعه لسيادة أي دولة، يجعل المحكم طليقا شيئا ما من التطبيق الحرفي للقواعد القانونية، إذ يسيطر على ذهن المحكم كيفية إصدار حكم قابل للتنفيذ، وإن غياب قانون القاضي بالنسبة له يجعله لا يحترم التراتبية القانونية، فالمحكم يصدر حكمه وفا للقواعد القانونية التي تجعله يشعر بفاعلية ما أصدره وعدالته[2]. ويعتمد في ذلك على مبادئ قانونية أساسية تتجسد في غياب قانون القاضي بالنسبة للمحكم (الفقرة الأولى)، بالإضافة إلى غياب نظام قانوني قاعدي للعقد الدولي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: غياب قانون القاضي بالنسبة للمحكم الدولي

ويقصد بقانون القاضي ( lex fori) مجموعة من القواعد التي تفرض على القاضي الوطني ليستخدمها في سبيل تحديده للقانون الواجب التطبيق على العقد الدولي، أي كل القواعد التي يشتمل عليها منهج تنازع القوانين في قانون دولة القاضي والتي تستخدم لحسم كل المشاكل القانونية التي يثيرها القانون الدولي الخاص للعقود [3]. وبناء عليه فإن قانون القاضي يتدخل ليرشد القاضي في إجرائه لعملية التكييف، وتحديده لقاعدة الإسناد وإعماله لمقتضى الدفع بالنظام العام، وفي استبعاده تطبيق القانون الأجنبي باسم الغش نحو القانون، بل وفي تطبيقه للقانون الأجنبي الذي أشارت بتطبيقه قاعدة الإسناد الوطنية، وفي إعماله لمقتضى قوانين البوليس سواء في دولته أو تلك التابعة لدولة أجنبية، وكما هو واضح فإن مصدر قانون القاضي ينبع من وجود قانون يخضع له القاضي بحيث يأتمر بأوامره ويمتثل لنواهيه هذا القانون هو القانون الوطني لدولته التي يزاول مهمته باسمها[4]، وما يطرح هنا هو هل للمحكم الدولي قانون قاض خاص على غرار الذي يملكه القاضي الوطني ؟ هناك جانب من الفقه[5] يؤكد على أن المحكم الدولي يمتلك بالفعل قانون قاض، ولكن مختلف تماما عن قانون القاضي الوطني، وإذا كان القاضي الوطني يستمد اختصاصه من قبل الدولة التي أنشأته أو خلقته، فإن المحكم الدولي أيضا منشئه أو خالقه هم الأطراف في النزاع.

ومن تم فإن قانون القاضي أو قانون المحكم الدولي سيكون في المقام الأول، هو ذلك القانون الذي يحدد له صفته واختصاصه الأطراف، أي مجموعة الدلائل أو التوجيهات التي يتضمنها اتفاق التحكيم المعد بواسطة الأطراف والتي لا تحدها حدود إلا المبادئ العامة للقانون، وفي المقام الثاني، عندما لا يتضمن اتفاق التحكيم القانون الواجب التطبيق فالمحكم يخضع لقواعد القانون الخاص الدولي والتي تعتبر بمثابة قانون اختصاصه[6]. ويتجسد ذلك عندما يطرح نزاع متعلق بعقد دولي أمام المحكم بغية حسمه، فإنه لا يمارس أي سلطة باسم أي دولة، ومن تم لا يفرض عليه تطبيق أي نظام قانوني وطني لحسم تنازع القوانين بالمشابهة مع ذلك النظام الذي يفرض على القاضي الوطني عندما يعرض ذات النزاع أمامه[7]. إلا أن هناك من الفقه[8] من يعترف بأن المحكم الدولي لا يملك قانون قاضي وطني، حيث يخضع المحكم في حسمه للنزاع للحلول العرفية الدولية، والتي تعد بمثابة قواعد قانونية حقيقية معدة بواسطة المنظمات المهنية، وهذه القواعد تتسم بالعمومية والتجريد فضلا عن كونها مصحوبة بجزاء ومن ثم فهي تشكل في تضافرها قانونا للعلاقات الاقتصادية الدولية يتخطى مشكلة تنازع القوانين، وهي بمثابة قانون القاضي بالنسبة للمحكم الدولي .

أما من الناحية الواقعية فتعترف أحكام التحكيم الدولية على أن المحكم الدولي لا يمتلك قانون القاضي، وذلك تأسيسا على أن المحكم يسعى دائما إلى إيجاد الحلول الذاتية التي تلاءم معاملات وعقود التجارة الدولية عن طريق إرساء بعض العادات والقواعد التي لا نظير لها في الأنظمة والقوانين الوطنية، وذلك تجاوبا مع مقتضيات وضرورات المعاملات التجارية الدولية[9]. فالمحكم عندما لا يختار الأطراف القانون الواجب التطبيق على عقدهم، يكون أمام عقد بدون قانون والذي لا يخضع حسمه لأي قاعدة قانونية، ويكون القانون الذي سيطبقه المحكم على العقد هو قانون المحكم أي عدالته الخاصة التي لا تعتمد على قواعد قانونية بالمعنى الفني لهذا المصطلح، وذلك تأسيسا على أن الأطراف باختيارهم حسم منازعاتهم أمام محكم لم يحددوا له القانون الذي يتعين عليه تطبيقه، يكونون قد خلصوا العقد من الخضوع للقانون الواجب التطبيق عليه ( عادة ) وإخضاعه في ذات الوقت للقواعد التي يبتدعها المحكم بنفسه[10].

الفقرة الثانية : غياب نظام قانوني قاعدي للعقد الدولي أمام المحكم

أبرز المبادئ التي يقوم عليها نظام التحكيم التجاري الدولي في مجال العقود التجارية الدولية، نجد غياب نظام قانوني قاعدي للعقد الدولي أمام المحكم، فسبب وجوده هو وجوب البحث عن نظام قانوني ثابت لا يتغير ولا يختلف من حالة إلى أخرى، مهمته تبرير أصول العقد الدولي، ومنه يستمد العقد أسسه وقوته الملزمة بغض النظر عن أحكام القانون الواجب التطبيق عليه، سواء المحدد عن طريق اختيار الأطراف مباشرة أو بناء على إشارة من قاعدة إسناد موضوعية في قانون دولة القاضي المعروض عليه النزاع، وهذا ما يطلق عليه النظام القانوني القاعدي للعقد الدولي[11]. وقد أكد الفقه غياب النظام القانوني القاعدي للعقد الدولي أمام القاضي الوطني، لكون العقد الدولي يجد مصدر قانونيته في أنظمة كل الدول، التي يحتمل أن تكون محاكمها مدعوة لأن تصدر قرارا في شأن هذه العلاقة، وأن الدعوة بوجود نظام قانوني للعقد الدولي قاعدة كانت تهدف بصفة أساسية إلى تدويل العقد بهدف الهروب من أحكام القوانين الوطنية، التي تحاول ضبط هيمنة الأطراف الأقوياء في العقود الدولية، ومن تم تكريس الاختلال الواقعي الذي يصيب توازن العقود الدولية[12]. وفي إطار العقود الدولية التي تطرح منازعاتها أمام المحكم، وعند غياب القانون المختار من قبل الأطراف على هذه العقود، ومع غياب نظام قانوني قاعدي للعقد الدولي، وغياب قانون القاضي بالنسبة للمحكم، يكون هذا الأخير حرا في تحديد القانون الواجب التطبيق على العقد، حيث يطبق قانون الدولة ( أ ) أو ( ب) أو (ج) حسب اختياره بل قد يجمع بين قواعد مستمدة من نظامين قانونيين مختلفين أو قد يلجأ إلى قواعد لا تمت بصلة إلى أي نظام قانوني وطني.  فللمحكم سلطة ليخلق قانون يصلح أن ينطبق على منازعات العقد الدولي، تأسيسا على أن العقد الذي ينظره هو عقد بدون قانون، فالمحكم هو الذي يقترح حلولا واقعية في إطار النزاع الذي يخضع له، مع إدراك ما يوجبه قانون التجارة الدولية، وهو بهذا يخلق مبادئ هذا القانون ويؤسس نظاما عاما حقيقيا له[13] . ويستمد هذه السلطة من مبدأ غياب نظام قانوني قاعدي للعقد، ويظهر هذا بوضوح في المنازعات التي تنشأ حول عقود بيع الغلال، حيث يقوم المحكم بدور المشرع ويتدخل لتعديل القواعد التي أقرتها المنظمات المهنية في العقود التجارية الدولية النموذجية، وذلك بهدف إيجاد حل مناسب للنزاع المعروض، ومع الزمن تندمج اجتهادات المحكمين عبر آليات العمل التجاري الدولي ـ وتحوز العمومية والديمومة ـ عن طريق التعاون بين المنظمات المهنية ومؤسسات التحكيم[14] .

المطلب الثاني: دور السلطة التقديرية للمحكم الدولي في تحقيق الحماية القضائية

القاعدة العامة في عقود التجارة الدولية هي خضوعها لقانون الإرادة، أي القانون الذي يختاره الأطراف، احتراما لمبدأ سلطان الإرادة الذي استقر في فقه القانون الدولي الخاص في نهاية القرن 19، وإذا كان الفقه قبل ذلك[15] يسند العقود لقانون بلد الإبرام أو بلد تنفيذه، إلا أن السلطات التي يتمتع بها المحكم تعطيه الحق في استبعاد القانون المختار من قبل لأطراف[16]، إما لقصوره، أو لعدم ملاءمته لخصوصيات العقد الدولي. وتبرز السلطة التقديرية للمحكم ويتسع مجالها في تعيين القواعد التي تحكم موضوع النزاع عند سكوت الأطراف عن تعيين قانون العقد أو الإشارة إليه في عباراته، بحيث يضطلع بمهمة تحديد القانون ويتصدى لمشكلة سكوت الأطراف عن ذلك.

ولمحاولة إبراز دور السلطة التقديرية للمحكم الدولي في تحقيق الحماية القضائية، يقتضي معالجته من زاويتين: من خلال سلطة المحكم في تحديد القانوني الواجب التطبيق (الفقرة الأولى)، ومن خلال دور المحكم في تكملة العقد وتعديله (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: سلطة المحكم إزاء القانون الواجب التطبيق

في ظل غياب الإرادة الصريحة للخصوم في اختيار القانون الذي يطبق على موضوع النزاع، فإنه يقع على عاتق المحكم أن يتصدى إلى هذه المشكلة حيث يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في البحث عن هذا القانون[17]. فالمحكم الدولي ـ خلافا للقاضي الوطني ـ غير مقيد بقانون محلي أي أنه ليس له قانون اختصاص، فهو لا يصدر قراره باسم هذه الدولة أو تلك، ومن ثم فهو لا يخضع لسيادة أي دولة حتى ولو كانت هي أو أحد رعاياها طرفا في المنازعة التي تطرح على التحكيم[18]. وقد أكدت تلك الحقيقة الكثير من قرارات التحكيم التجاري الدولي، حيث قررت محكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية أن المحكم الدولي لا يملك تحت تصرفه قانون اختصاص يستطيع من خلاله تطبيق قواعد تنازع القوانين، وفي هذا الصدد يرى الفقه الغالب أن المحكم يلعب دورا مهما في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع بالإضافة إلى دوره في استظهار الإرادة الضمنية لأطراف النزاع كما له دورا مستقلا منحته إياه النصوص التشريعية والدولية عند غياب إرادة الأطراف[19]، لذا لاحظ بعض الفقه أن حرية المحكم تتسع بمقدار سكوت الأطراف عن بيان القانون الذي يطبقه المحكم على موضوع النزاع[20].

وقد حرصت الاتفاقيات الدولية على وضع نظام استرشادي للمحكم في تحديد القانون الواجب التطبيق، كاتفاقية جنيف بشأن التحكيم التجاري الدولي 21 أبريل 1961، حيث نصت مادتها السابعة على وجوب تطبيق المحكم للقانون الذي تحدده قاعدة التنازع التي يراها ملائمة في حالة عدم تحديد طرفي النزاع, إلا أن غياب قانون القاضي للمحكم يظهر أن تطبيقه لقواعد التنازع لا يعدو أن يكون سوى ترجيح لأحد القوانين الوطنية على الآخر. كما نصت المادة 28 من القانون النموذجي للتحكيم 1985 في فقرتها الأولى والثانية على: “تفصل هيئة التحكيم في النزاع وفقا لقواعد القانون التي يختارها الطرفان بوصفها واجبة التطبيق على موضوع النزاع، وأي اختيار لقانون دولة ما يجب أن يأخذ على أنه إشارة إلى القانون الموضوعي لتلك الدولة وليس إلى قواعدها الخاصة بتنازع القوانين، ما لم يتفق الأطراف صراحة على خلاف ذلك، وإذا لم يعين الطرفان أية قواعد وجب على هيئة التحكيم أن تطبق القانون الذي تقرره قواعد التنازع التي ترى الهيئة أنها واجبة التطبيق”.[21]

كما نصت المادة 33 من قواعد لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي بشأن التحكيم التجاري الدولي سنة 1976 في فقرتها الأولى على: “تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القانوني الذي يعينه الطرفان، فإذا لم يتفق على تعيين هذا القانون وجب أن تطبق هيئة التحكيم القانوني الذي تعينه قواعد تنازع القوانين التي ترى الهيئة أنها الواجبة التطبيق”. يتضح من خلال الاتفاقيتين السابقتين أن للمحكم سلطة تقديرية في تحديد القاعدة الملاءمة، لكن ما المقصود بهاته القاعدة أو القانون الملاءم؟، فالمحكم ملزم بفحص مختلف عناصر العقد لتحديد القانون الذي له علاقة وطيدة بموضوع النزاع. لقد تعددت الآراء الفقهية بهذا الخصوص، فهناك اتجاه يدعو إلى إعمال قواعد التنازع للدولة التي يحمل جنسيتها أو التي يقيم بها إقامة دائمة، باعتبار  أن المحكم الدولي سوف يكون أكثر إلماما بهذا  القانون، واتجاه يدعو إلى إعمال قواعد التنازع للدولة التي يجري فيها تنفيذ  القرار التحكيمي، انطلاقا من الرغبة التي تحد وتسيطر على ذهن المحكم الدولي والمتمثلة في ضمان المستقبل التنفيذي للحكم التحكيمي، واتجاه آخر يدعو إلى توحيد  القانون الذي يحكم موضوع النزاع مع القانون الذي يحكم إجراءات التحكيم، تفسيرا للإرادة الضمنية للأطراف، واتجاه آخر يدعو إلى إعمال قواعد تنازع القوانين لدولة مقر التحكيم[22]. انطلاقا مما سبق يتضح أن جل الاتجاهات الفقهية تبقى داخل إطار واحد وهو منهج  تنازع القوانين، مما يعني أن الإشكالات التي رغب الأطراف في تجاوزها باختيارهم قضاء التحكيم التجاري الدولي ستبقى مطروحة، لأن قاعدة التنازع سوف تعين أو تشير إلى قانون وطني لا محالة، وهذا ما قد يفرغ التحكيم من محتواه، فأساس لجوء الأطراف إلى هذا الأخير، هو تخوفهم ورغبتهم في عدم الخضوع للقضاء وللقانون الوطنيين، لذلك فهم باختيارهم لقضاء التحكيم التجاري الدولي، تحدوهم رغبة دفينة في القضاء على هذا التخوف  قصد تحقيق الأمان، باعتباره ذلك الهاجس النفسي الذي يسعى إليه كل طرف. ولا شك أن ظهور المنهج الموضوعي جاء لمواجهة القصور الذي يعانيه المنهج التقليدي، الذي لم يعد يواكب التطور الذي طال مجال المعاملات الخاصة الدولية، هذا التطور أملته التغييرات العميقة التي طالت هذا المجال، والتي أسهمت في ظهور قواعد جديدة من أجل تجاوز سلبيات المنهج التنازعي،[23] وتلاؤم مع خصوصيات المعاملات التجارية الدولية.

كما إن أساس تطبيق المحكم للقواعد الموضوعية مستمد أولا من المبادئ العامة في القانون الدولي الخاص،[24] ويرى هذا الاتجاه أن المحكم له قانون خاص به، وهو قانون عبر دولي متكون من مجموعة من المبادئ العامة، والمحكم يقوم بتطبيق القواعد الموضوعية بوصفها قانون اختصاصه، إعمالا لمبدأ سلطان الإرادة، أي أن مجرد إدراج الأطراف لشرط التحكيم في العقد يعني القبول الضمني للقانون الموضوعي، لأن المحكم الدولي له سلطة تقديرية واسعة في تحديد القانون الواجب التطبيق على الموضوع، وتقييدها بالتحديد الصريح للأطراف[25]. وسارت اتفاقية فيينا 1980، على نفس المنوال من خلال مادتها 90، التي جاء فيها: “يتعين تطبيق الأعراف والعادات الأكثر شيوعا والمراعاة بانتظام في التجارة الدولية من قبل الأطراف في الحالات المماثلة السارية في نفس نوع التجارة”. كما أكدت السوابق التحكيمية على ضرورة التطبيق المباشر لعادات وأعراف التجارة الدولية على العلاقات الخاصة الدولية، لاسيما عند سكوت الأطراف عن هذا الاختيار، أو عند نص الأطراف على ذلك صراحة.[26]

الفقرة الثانية: دور المحكم في تكملة العقد وتعديله

قد يحدث عند إبرام العقد الدولي أن الأطراف لا يستطيعون أن يضمنوا اتفاقهم كافة الاشتراطات المتعلقة به، فيثور النزاع حول هذا العقد ويعرض على التحكيم للفصل فيه، فيكون الباب مفتوحا أمام المحكم لتكملة العقد أو تعديله من النقائص التي تشوبه، غير أن مسألة تكملة العقد وتعديله من قبل المحكم لا تزال محل نقاش وجدل بين الفقه:

فيما يخص تكملة العقد، فيرى جانب من الفقه أنه ليس ثمة ما يمنع المحكم من تكملة ثغرات العقد سواء أكانت هذه الثغرات أولية أو طارئة وعلى الأخص عند عدم الاتفاق على تكملتها، فلا يكون أمام المحكم من سبيل سوى الاجتهاد المباشر من خلال النظر في طبيعة المعاملة موضوع العقد، لأن طبيعة المعاملة قد تفرض وجود التزام لم يتعرض له المتعاقدان[27]. وفي نفس السياق يرى بعض الفقه أن المحكم ملزم باحترام العقد، إلا أنه في حالة إغفال الأطراف تحديد الطريقة التي يملأ بها الفراغات الموجودة في العقد، يعطي للمحكم الحق في وضع حد لهذا الخلاف عن طريق سد هذا الفراغ[28]. وفي هذا الصدد اختلف الفقه حول مجال اختصاص المحكم في ملأ الفراغات الموجودة في العقد فمنهم من يرى أن المحكم لا يتدخل إذا كان الفراغ ثانويا لا يمس بصحة العقد، في حين يرى جانب آخر من الفقه أن المحكم يمكنه أن يتدخل حتى ولو كان هذا الفراغ ثانونيا[29]. إلا أن الاتجاه السائد في قضاء التحكيم يتجه إلى تكريس مبدأ احتفاظ المحكم بسلطاته في مجال تكملة العقود الدولية من النقائص التي قد تشوبها، إذ يفضل ثبات العقود الطويلة المدى لتحصين العمليات التجارية الدولية ضد تغير الظروف[30]، حيث أصبح المحكم يقوم بدور فعال في تكملة العقود التجارية الدولية، وأصبح التحكيم الدولي هو المجال الذي يجد المحكم فيه المرتع الخصب لممارسة هذه السلطة أو الدور.

أما فيما يخص دور المحكم في تعديل العقد، فيقصد به إدخال بعض التغييرات سواء بإضافة شروط جديدة، أو حذف أخرى لم تعد ملاءمة، ويحتل تعديل التزامات الأطراف التعاقدية أو إعادة التفاوض بشأنها جانبا هاما من المنازعات التي تعرض على المحكم، وبصفة خاصة في المنازعات المرتبطة بالعقود الطويلة المدى، وما يطرأ أثناء تنفيذها من عقبات أو ظروف تستوجب تعديل العقد للوصول إلى شروط ملاءمة للتغيرات المستجدة[31]. إن احتكام الطرف المتضرر لقضاء التحكيم، لن يحقق نتائج كبيرة بغياب شرط يسمح للمحكم بتعديل شروط العقد في حالة التغير في الظروف، لأن قضاء التحكيم يعطي أولوية  لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، ويرفض تعديل العقد حتى ولو تغيرت ظروف تنفيذه بشكل سبب ضررا لأحد المتعاقدين، لأن الأصل في قضاء التحكيم أن المتعاملين في التجارة الدولية على علم ودراية، أو من المفروض أن يكون كذلك، بالمخاطر التي تحيط بعقدهم وأنهم يستطيعون حماية أنفسهم ضد التغيرات التي قد تحدث في الظروف بإدراج ما يشاءون من الشروط في عقدهم[32]. لذا يمكن منح المحكم سلطة تعديل الالتزامات التعاقدية في حالتين:

الحالة الأولى: عند وجود نص في العقد، أي تضمين العقد شرط يسمح بمراجعته وإعادة التفاوض بشأنه، محددا الظروف التي تستوجب إجراء هذا التعديل، والمدة التي يجوز بمرورها مراجعة شروط العقد، وما إذا كان يكتفي بمراعاة هذه الظروف أم مراجعة كافة شروط العقد وإعادة صياغتها من جديد تحقيقا لتوازن العقد،[33] أو أي اتفاق لاحق يجيز ذلك ص صراحة.

الحالة الثانية: هي اتفاق الخصوم على وجود نزاع بشأن الشروط التعاقدية يستوجب حسمه، ومنح المحكم سلطة مراجعة شروط العقد.

ولقد ثار خلاف في أوساط الفقه حول سلطة المحكم في تعديل العقد فذهب اتجاه إلى منح المحكم سلطة تعديل العقد، فيرى أن العقد يستند إلى الإرادة الفردية وبالتالي فإن المحكم بالصلح يتلقى من أطراف العقد السلطات التي يملكونها، وبالتالي يمكنه أن يتدخل لتعديل العقد[34].

ويضيف جانب آخر من الفقه أن الغالب في العمل أن يكون بنيان العقد ومضمونه هما الهدف المحرك للمحكم عندما يختل هذا البنيان أو يتأثر هذا المضمون بظروف غير متوقعة من الأطراف عند إبرامه، إذ يعمل المحكم عندئذ على إعادة التوازن الاقتصادي الأصلي الذي كان عليه الأطراف وقت التعاقد[35]. وعلى الرغم لما جاء به هذا الاتجاه الذي يعتد بدور المحكم وسلطته في تعديل العقد حفاظا على مبدأ التوازن في العقد وتحقيقا للعدالة، فإنه لم يسلم من سهام النقد، حيث يرى جانب من الفقه أن هذه السلطة الممنوحة للمحكم تتنكر لمبدأ القوة الملزمة للعقد، ويهدر مبدأ سلطان الإرادة، وقد يؤدي إلى تغيير العقد تغييرا كليا يجعل منه عقدا آخر غير العقد الأصلي محل النزاع، وبالتالي فإن استخدام هذه السلطة سيؤدي إلى نتيجة خطيرة وهي تحريف العقد[36].

وترتيبا على ما سبق يمكن القول بأن المحكم يتقيد بحدود التفويض الذي يمنحه له الخصوم، ما لم يوجد اتفاق سابق بين الأطراف على تخويله سلطة التعديل، ونرى أن هذا الاتجاه هو الأقرب إلى الصواب، لأنه ينبغي أن يسمح للمحكم بالتعديل احتراما لطبيعة العلاقات الخاصة الدولية، التي تقتضي مبادئ وأفكار قانونية كثيرة تختلف في طبيعتها عن المبادئ والقواعد المطبقة في المعاملات الداخلية.

المبحث الثاني: الضمانات المرتبطة بمرونة مسطرة التحكيم

يمتاز التحكيم ببساطة الإجراءات، حيث تتمتع هيئة التحكيم بحرية أوسع مقارنة مع القضاء، في كل ما يتعلق بإجراءات التقاضي، مثل التبليغات وإدارة الجلسات وتنظيمها، وتقديم البيانات، والاتصال بأطراف النزاع وغير ذلك، وهو في كل هذه الأمور يبتعد عن الإجراءات الشكلية التي تكون في كثير من الأحيان أمام القضاء طويلة ولا فائدة منها، سوى التقييد بحرفية النصوص القانونية الخاصة بالإجراءات[37]. ويتمتع التحكيم بضمانات مرتبطة بمرونة مسطرة التحكيم تجعله قادرا على التأقلم والتلاؤم بصورة فعالة وسريعة وبسيطة في نفس الوقت مع طبيعة النزاعات المعروضة، التي تتميز بالاختلاف والتنوع والتعقيد، فالتحكيم يعمل على ملائمة المساطر المعتمدة لحل النزاع للاستجابة للطبيعة الخاصة النزاعات التجارة الدولية.

وتتجلى هذه الضمانات على مستوى خصوصيات مسطرة التحكيم (المطلب الأول) و على مستوى مرونة الإجراءات (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الضمانات المرتبطة بخصوصيات مسطرة التحكيم

يتميز التحكيم التجاري الدولي بمجموعة من الخصوصيات تدفع الأفراد المتعاملة على صعيد التجارة الدولية إلى تفضيل اللجوء إليه كبديل عن قضاء الدولة لحل المنازعات المتعلقة بالعقود التجارية الدولية، وتتمثل هذه الخصوصيات في سرعة الفصل في النزاع كضمانة لتحقيق حماية قضائية فعالة (الفقرة الأولى)، وضمان سرية الجلسات في التجارة الدولية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: سرعة الفصل في النزاع كضمانة لتحقيق حماية قضائية فعالة

تعتبر السرعة أهم ضمانة يقدمها نظام التحكيم لأشخاص التجارة الدولية، هذه الأخيرة التي لا تتوافر عادة في النظم القضائية العادية التي تستلزم مجموعة من القواعد الشكلية والإجرائية المعقدة والتي لا يمكن الإفلات منها، وإذا كان استيفاء تلك الإجراءات قد لا يستغرق وقتا في الوضع العادي، إلا أن مماطلة الخصوم قد تطيل الوقت إلى درجة يمكن أن تنتهي معها الخصومة بعد وقت طويل وبالتالي تضيع العدالة والحماية المنشودة للحقوق[38]. فمثلا في عقود الاستثمارات الدولية، تكون هناك استثمارات ومبالغ نقدية كبيرة ومجمدة في انتظار صدور حكم القضاء، مما يتسبب في خسائر محققة نتيجة تعطل تلك المبالغ التي تنتظر حتى يتم الفصل في النزاعات بشأنها، لذلك يفضل المتعاملون في التجارة الدولية اللجوء إلى التحكيم لما يقدمه من عدالة سريعة[39]. فالأطراف المتعاملة على صعيد التجارة الدولية، والتي تتعامل بالملايين من الدولارات، ويعنيها في المقام الأول أن تحسم الخلافات القائمة بينها في أسرع وقت ممكن، لذلك تفضل اللجوء إلى التحكيم لما يقدمه من عدالة إجرائية سريعة وذلك راجع إلى عاملين، الأول هو إلزام المحكم بالفصل في المنازعة المعروضة عليه في زمن معين، يحدده الأطراف كأصل عام، فقوانين التحكيم ولوائحه ومواثيقه عادة ما تحدد مدة يجب ألا يتجاوزها المحكم عند إصدار قراره، بل وتسمح للأطراف بتعديل هذه المدة باتفاقهم على التحكيم، ويفقد المحكم سلطاته بعد انتهائها، أما العامل الثاني يتعلق بأن التحكيم نظام للتقاضي من درجة واحدة، فالحكم الصادر عن المحكم يتمتع بحجية الأمر المقضي، ولا يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن العادية مع إمكانية رفع دعوى البطلان بشأنه وللأسباب الواردة حصرا في القانون، مع مراعاة أن الطعن بالبطلان لا يوقف تنفيذ حكم التحكيم كأصل عام[40]. إن عامل السرعة من العوامل الهامة في تنفيذ المعاملات التجارية الداخلية والدولية التي تتأثر بتقلبات أسعار الصرف[41]، ويعزى هذا العامل إلى أن المحكمين يكرسون جل وقتهم للفصل في النزاع الماثل أمامهم، كما أن إجراءات الفصل في الأخير تكون أكثر تبسيطا من تلك المتبعة أمام القضاء الوطني، الأمر الذي يؤدي على الحصول على عدالة خاصة وسريعة[42].

ولقد حرصت غالبية النظم القانونية، التي تعنى بالتحكيم التجاري الدولي، على وجوب حسم النزاع المعني في فترة زمنية قصيرة أقصاها ستة أشهر من تاريخ توقيع الخصوم على وثائق التحكيم، علاوة على ذلك فإن هيئة التحكيم تكون ملزمة بحسم النزاع خلال مدة التحكيم القانونية أو المتفق عليها، بخلاف القاضي الذي يبقى رهينا بمجموعة من القضايا المعروضة عليه[43]. ودرءا لكل تماطل فقد حرصت المؤسسات التحكيمية سد الطريق على الأشخاص الذين يتماطلون في الإجراءات بغية كسبا الوقت، بتحديد مدد معينة يتوجب صدور الحكم فيها، وهذا ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 18 من نظام تحكيم الغرفة التجارية بباريس ” من وجوب صدور الحكم خلال ستة أشهر من تاريخ توقيع الوثائق التحكيمية “، وكذلك نجد المادة السابعة من لائحة مركز أبو ظبي للتوفيق والتحكيم التجاري التي تنص على ” أنه يتعين على هيئة التحكيم أن تصدر قرارها خلال مدة أقصاها ستة أشهر من تاريخ استلام المهمة، ما لم يتفق الطرفان على مدة أطول”، والغاية من إقرار هذه النصوص هو تحقيق سرعة الفصل في النزاعات، هذه السرعة التي تنسجم مع خصوصيات التجارة الدولية التي لا تتحمل بطء وتعقيدات إجراءات التقاضي أمام محاكم الدولة[44]. لذلك تبقى مرونة وسرعة الفصل في النزاعات التي يتميز بها نظام التحكيم التجاري الدولي من العوامل المشجعة والمحفزة على اللجوء إليه، كآلية فعالة لتسوية منازعات العقود التجارية الدولية.

الفقرة الثانية: ضمانة سرية الجلسات في التجارة الدولية

من أهم المسائل التي يحرص عليها الأطراف المتعاقدة، خاصة في مجال التجارة الدولية، هي السرية، حيث يتمتع نظام التحكيم بهذه الميزة التي تجعل المتعاملين في مجال التجارة الدولية يفضلون الالتجاء إليه[45]، وإذا كانت العلانية من أهم الضمانات القضائية، فإن السرية هي أهم ضمانات التحكيم، فإعمال مبدأ العلانية بالنسبة للتحكيم يعني وضع حد للعلاقات خاصة في مجال التجارة الدولية[46]. وعادة ما يحرص أطراف عقود التجارة الدولية على سرية ما تتضمنه هذه العقود من شروط خاصة في عقود نقل التقنية أو تراخيص استغلال براءات الاختراع[47]، وما تتضمنه من كشف الأسرار الصناعية ومعرفتها وخاصة عندما تكون هذه العقود لا تتمتع بحماية قانونية، لذلك يعتمد مالكها على الكتمان وإحاطتها بسياج من السرية عن طريق الاتفاق وما يتضمنه من شروط تهدف إلى تشديد الالتزام بالمحافظة على سرية المعلومات[48].

فالسرية التي تجري بها إجراءات التحكيم تتفق ومقتضيات التجارة الدولية إذ كثيرا ما تتضمن العقود التجارية الدولية أسرارا يحرص المتعاملون على عدم الكشف عنها، كما هو الحال في حقوق نقل التكنولوجيا خاصة تلك التي ترد على المعرفة الفنية التي تشكل اليوم الجانب الأكثر أهمية من الجوانب التكنولوجية للمشروعات الكبرى والتي يعني الكشف عن سريتها فقدانها لأهميتها الاقتصادية[49]. وتزداد الأمور تعقيدا حينما يرغب أحد الأطراف في الكشف عن المعلومات كحجة للإثبات أثناء النزاع، لكنه يرفض في مقابل ذلك أن يتم تمكين الطرف الآخر منها لطابعها السري بالنسبة له، وهذه المسألة تتعارض مع مبدأ وجاهية وحقوق الدفاع، فيجد المحكم نفسه في حيرة من أمره أو بالأحرى بين موقفين متناقضين، الحفاظ على السرية والحفاظ على حقوق الدفاع، فيستعمل سلطته التقديرية، التي يعمد من خلالها على الموازنة بين هذين المبدأين، أو التضحية بأحد المبدأين على حساب الآخر[50]. ومع إن العلانية في القضاء العادي تعتبر ضمانة للعدالة، إلا أنها تنقلب سلبيا على التجار ورجال الأعمال والمستثمرين، إذا كان من شأنها إذاعة أسرار صناعية أو اتفاقيات خاصة يحرصون على إبقائها سرا مكتوما، وهو ما يدفع التجار والمستثمرين إلى  تفضيل خسارة دعواهم على أن تكشف أسرار تجارية أو صناعية، حيث تمثل في نظرهم قيمة أعلى من قيمة الحق الذي يناضلون من أجله في الدعوى[51]. ونظرا للأهمية التي يكتسيها هذا المبدأ فقد كرسته معظم المواثيق الدولية التي نظمت التحكيم التجاري الدولي[52]، وهو ما نصت عليه المادة 22/4 من لائحة إجراءات التحكيم لدى مركز التحكيم التجاري الدولي لمجلس التعاون الخليجي لعام 1994، وكذلك المادة 28/3 من قواعد الأونسيترال للتحكيم  على أن تكون جلسات المرافعة الشفوية وسماع الشهود مغلقة، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك. وأثناء سير الإجراءات تعتبر كل المعلومات المقدمة من الأطراف طالبي التوفيق أو التحكيم سرية، ويجب على من اطلع عليها بحكم وظيفته عدم إفشاء ما فيها إلا بموافقة الطرفين أو بطلب من جهة قضائية مختصة. كما أكدت المادة 20/7 من لائحة غرفة التجارة الدولية في باريس على مبدأ سرية جلسات التحكيم، والمادة 35 من لائحة المؤسسة الأمريكية للتحكيم والمادتان 73 و 76 من لائحة المنظمة العالمية لحماية حقوق الملكية الفكرية.

وما يلاحظ أن التجار يحرصون دائما على المحافظة على أسرار التجارة والصناعة بمختلف أنواعها و حفظها وعدم إفشائها لأقصى درجة ممكنة، وذلك لن يتحقق لهم إلا من خلال التحكيم[53]. وبما أن منازعات التجارة الدولية تقوم على مجموعة من العناصر تتصل بحجم الأعمال والمركز المالي للمشروع، وخططه المستقبلية، فإن أصحاب المشروعات يعتبرون أن كل المعلومات والبيانات المتعلقة بتلك العناصر أمورا سرية ينبغي أن تظل طي الكتمان، وإفشاؤها يرتب أبلغ الأضرار بهم في مجال المنافسة الدولية، بل أكثر من ذلك هناك من المعاملات الدولية ما يعتبر سرية بياناتها ومفاوضاتها هي كل رأسمالها، كعقود نقل التكنولوجيا والمعرفة الفنية في مجالات تصنيع الدواء وتصميم وتصنيع الأقمار الصناعية، ونظم الحاسبات الالكترونية ومعالجة البيانات آليا وتخزينها في بنوك المعلومات[54].  ومن هذا المنطلق فعنصر السرية يعتبر عنصرا أساسيا وقاعدة جوهرية في التحكيم المتعلق بنزاعات العقود التجارية الدولية، وهذه القاعدة لا يتم احترامها فقط من طرف المحكمين، بل حتى مستشاري الأطراف يلتزمون بالسر المهني، وكذلك من طرف مؤسسات التحكيم، كل هؤلاء يعملون على ضمان هذه السرية، فيكون التحكيم هو الملاذ التي يحفظ أسرارهم وسمعتهم، ويظهر ذلك جليا طيلة مراحل التحكيم في العقود التجارية الدولية.

المطلب الثاني: الضمانات المرتبطة بمرونة الإجراءات

تتمتع إجراءات التحكيم بأهمية خاصة، إذ يتوقف نجاح نظام التحكيم أو إخفاقه على مدى سلامة إجراءات التحكيم المتبعة للنظر في الدعوى التحكيمية والفصل فيها، إذ تعتبر هذه الإجراءات بمثابة العمود الفقري لنظام التحكيم، وهي السياج الذي يضمن شرعيته، حيث أن مراعاة هذه الإجراءات على نحو صحيح من شأنه الوصول إلى حكم يكون بمنأى عن الطعن فيه، وبالتالي يكون قابلا للاعتراف به وتنفيذه[55]. وتتميز إجراءات خصومة التحكيم بالمرونة والسهولة واليسر، وذلك ما يظهر بوضوح على مستوى مرحلة التحقيق (الفقرة الأولى)، ونظرا لكون التحكيم يقدم عدالة حقيقية، فأدنى شيء يمكن للمحكم الالتزام به، هو ضمان الحد الأدنى من ضمانات التقاضي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المرونة على مستوى مرحلة التحقيق

إعمالا للأهداف المبتغاة من تنظيم التحكيم كوسيلة سلمية لفض المنازعات بعيدا عن التعقيدات والشكليات، وحفاظا على روابط المحبة وسرية المعاملات، فالقاعدة العامة هي إعفاء المحكم من التقيد بالقواعد الإجرائية التي يتقيد بها القاضي الوطني، ولما كان التحكيم إرادي النشأة فإن إرادة الأطراف هي التي تحدد قواعد المرونة التي تتمتع بها هذه الإجراءات التي من شأنها توفير ضمانات التقاضي.

وبخصوص نشأة خصومة التحكيم، تبتدئ خصومة التحكيم باتخاذ أي إجراء من الإجراءات، كحضور كل الأطراف أمام هيئة التحكيم، وذلك في حال ما إذا كانت هناك مشارطة تحكيم وتم تعيين المحكمين[56]، كما تنشأ بمباشرة الإعلان من أحد الخصوم لدعوة الطرف الآخر للمثول أمام هيئة التحكيم بعد وقوع النزاع[57]. وتتجلى أهمية تحديد وقت بدء إجراءات التحكيم من عدة زوايا فمن جهة فإن تحديد وقت بدء الإجراءات يعني تحديد الوقت تعتبر قد رفعت فيه الدعوى بالنزاع أمام هيئة التحكيم، وذلك بتقديم المدعي طلب التحكيم إلى تلك الهيئة، ويتعين على هذه الأخيرة إخطار المدعى عليه بهذا الطلب في مدة زمنية محددة ويتعين على الطرف المطلوب التحكيم ضده الرد على طلب الطرف الأول[58]. ومن جهة أخرى فإن تحديد وقت بدء الإجراءات يبدو مهما في ضرورة اتخاذ إجراء معين، أو إتمامه خلال سير خصومة التحكيم كتسليم المستندات، وتبادل المذكرات، أو غلق  باب المرافعة أو إبداء الدفوع، ومن جهة ثانية، فإن تحديد وقت بدء الإجراءات، يبدو حاسما في حساب المدة التي يتعين في غضوها إصدار حكم التحكيم، أو الأمر بإنهاء إجراءات التحكيم. كما ينبغي التمييز بين بدء الإجراءات في التحكيم الحر، حيث القاعدة أن إرادة الأطراف هي الأساس في تحديد وتسيير إجراءاته، ومن تم يحق للأطراف أن يحددوا الوقت الذي تبدأ فيه إجراءات خصومة التحكيم، وعند غياب الاتفاق فيما بينهم فإن وقت بدء إجراءات التحكيم هو وقت إخطار طالب التحكيم الطرف الآخر برغبته في التحكيم. ويرسل له بيانا يتضمن العناصر الأساسية للنزاع واسم محكمه[59].

أما بخصوص وقت بدء الإجراءات في التحكيم المؤسسي، فباستقراء واقع هذه المراكز يتضح أنها لم تستقر على حل واحد، فلائحة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس لعام 1998 نصت في الفقرة الأولى من المادة الرابعة على أنه: “على الطرف الراغب في اللجوء إلى التحكيم طبقا لهذه اللائحة أن يوجه طلب التحكيم إلى الأمانة العامة، والتي تتولى إخطار المدعى والمدعى عليه بتلقي الطلب وتاريخه”، وتضيف الفقرة 2: “أنه وفي جميع الأحوال يعتبر يوم تلقي الأمانة الطلب هو تاريخ بدء إجراءات التحكيم”،[60] أما لائحة إجراءات التحكيم لدى جمعية التحكيم الأمريكية (A.A.A) تنص في فقرتها الأولى من المادة الثانية على:” وجوب قيام المدعى بتوجيه إخطار التحكيم كتابيا إلى كل من الجهاز الإداري بالجمعية وإلى المطلوب التحكيم ضده”، ثم تضيف الفقرة الثانية من نفس المادة: “إن الإجراءات تعتبر قد بدأت في التاريخ الذي تسلم فيه الجهاز الإداري بالجمعية إخطار التحكيم”[61]. وهناك اتجاه ثان يحدد تاريخ بدء إجراءات التحكيم ليس باليوم الذي يتقدم فيه طالب التحكيم بطلبه إلى مركز التحكيم، بل باليوم الذي يتسلم فيه المدعى عليه إخطار التحكيم من الجهة الإدارية المختصة بمركز التحكيم، كما هو الشأن بالسنة للقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي، حيث نصت المادة 21 منه: “تبدأ إجراءات التحكيم في النزاع منذ اليوم الذي يتسلم فيه المدعى عليه طلبا بإحالة هذا النزاع إلى التحكيم، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك”.[62]

أما فيما يخص البيانات التي يجب أن يتضمنها طلب التحكيم أو إخطار التحكيم، حينما يعد الإجراء المفتتح للخصومة، فالفقرة الأولى من المادة 16 من اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري تقرر بأنه: “يجب على طالب التحكيم أن يقدم طلبا كتابيا إلى رئيس  المركز العربي للتحكيم التجاري مشتملا على ما يلي:

أ – اسمه ولقبه وصفته وجنسيته وعنوانه،

ب – اسم ولقب وصفة وجنسية وعنوان المطلوب التحكيم ضده،

ج – عرض النزاع ووقائعه،

هـ – اسم المحكم”.

تيسيرا لسير خصومة التحكيم، وتمكينا لأطرافها من إثبات طلباتهم ودفوعهم على الوجه المنشود، وتمكينا لهيئة التحكيم من الوقوف على حقيقة النزاع وإنجاز المهمة الموكولة إليها، ينبغي إرفاق الطلب بنسخ لعدد كل من أطراف التحكيم وهيئة التحكيم في حال تعدد أعضائها، إضافة إلى نسخة أخرى تودع في ملف التحكيم الذي تحتفظ به سكرتارية الهيئة عندما يكون التحكيم مؤسسيا،[63] أو لدى رئيس هيئة التحكيم عندما يكون التحكيم خاصا.

تتجلى المرونة أيضا على مستوى وسائل الإعلان[64]، فالقاعدة هي إطلاق حرية الاختيار في سلوك الوسيلة الأكثر ملائمة لطرفي أو للطرف الذي يقع عليه عبء مباشرة الإعلان، ويتم تحديد المواعيد وكيفية تقديم كل من الطرفين لطلبه أو مذكرة دفاعه، أو الأوراق والمستندات المطلوبة إلى إرادة الطرفين أو إلى هيئة التحكيم في حال غياب اتفاقهما.

أما بخصوص سير خصومة التحكيم، قد ترى هيئة التحكيم التصدي للنزاع المعروض أمامها والفصل فيه دون استدعاء الأطراف المتعاقدة، وذلك عند كفاية الأدلة والمستندات التي بين يديها، كما ترى الهيئة ضرورة مثول الأطراف المتعاقدة أمامها للوقوف على بعض المعلومات الأساسية للفصل في النزاع، وعندها تحدد جلسة تدعوهم فيها للحضور أمامها كي تتمكن من تحقيق النزاع. فإذا كانت القواعد التي تحكم سير الجلسات أمام قضاء الدولة لم تترك لهوى الخصوم أو إرادة القضاء، بل تسير وفقا للنظام الذي حددته قوانين كل دولة، هذا خلافا لخصومه التحكيم حيث تلعب إرادة الأطراف المتعاقدة دورا كبيرا في تنظيم تلك القواعد وذلك تبعا لنشأتها الاتفاقية من جهة أخرى غياب إرادة للأطراف، فإن هيئة التحكيم تتمتع بسلطات واسعة في هذا المجال، فليس هناك ما يمنع من عقد جلسات التحكيم في أي ساعة وأي يوم ولو في أيام العطل الرسمية أو في غير ساعات العمل الرسمية، ما لم يشترط الخصوم اجتماعها في أوقات معينة وأيام معينة بالذات[65].كما يمارس التحكيم في أي مكان طالما انتهت إلى تحديده إرادة الأطراف المتعاقدة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كما هو الحال في تحديده بواسطة هيئة التحكيم. وفي هذا الخصوص تنص الفقرة الأولى من المادة السابعة من نظام محكمة لندن للتحكيم التجاري أنه: “في حال أحجام أطراف التحكيم عن اختيار مكان التحكيم فإن لندن تصبح مكانا لهذا التحكيم، اللهم إلا إذا قررت المحكمة استنادا إلى مجمل ظروف القضية أن مكانا آخر هو أكثر ملائمة”، كما تضيف الفقرة الثانية بأنه: “يمكن للمحكمة عقد جلساتها في أي مكان تراه مناسبا مع ضرورة إبلاغ الأطراف بذلك المكان وشرط أن يصدر الحكم في مكان التحكيم”.

ويكتسي تحديد لغة التحكيم أهمية كبيرة بالنسبة لأطرافه خاصة إذا كان التحكيم دوليا، فالتحكيم عندما يباشر بلغة لا يتحدث بها أحد أطراف النزاع، أو من يمثله أو شهوده الذين يستعين بهم على إثبات الحق، فإن ذلك سيمثل عبئا ثقيلا عليه وسيكبده المزيد من النفقات الناتجة عن الترجمة. وإذا كانت لوائح التحكيم المنظم هي التي تحدد اللغة التي يجري بها التحكيم، مع السماح للأطراف بتحديد لغة التحكيم، إضافة إلى حرصها على توفير مكتب للترجمة، من أجل تيسير عمليات التحكيم، بل أكثر من ذلك إن بعض المؤسسات تترك في حال غياب اتفاق الأطراف أمر تحديدها لهيئة التحكيم نفسها باعتبارها أقدر من غيرها على تحديد اللغة الأكثر ملائمة. وعند تحديد اللغة يجب مراعاة ما إذا كانت هذه اللغة لها صلة مع بقية عناصر التحكيم الأخرى[66] وإذا قدم مستند إلى هيئة التحكيم مكتوبا بلغة غير اللغة المحددة أيا كان مصدر التحديد، أو كان أحد المترافعين أمامها لا يعرف تلك اللغة، فإن هيئة التحكيم تطلب ترجمة ذلك المستند أو تستعين بمترجم لترجمة تلك المرافعة[67].

إن مثول الخصوم بأنفسهم أو بواسطة من يمثلهم أمام هيئة التحكيم ليس وجوبيا لإصدار الحكم التحكيمي بل إنه مراعاة للمرونة والسرعة التي تتسم بها خصومة التحكيم فإن بإمكان هيئة التحكيم التصدي للنزاع المعروض أمامها، وإصدار الحكم الفاصل فيه دون توقف على حضورهم طالما احترمت حقوق الدفاع. إضافة إلى أن هيئة التحكيم لا تتقيد بمواعيد الحضور والغياب التي تسري أمام القضاء، ما لم يتفق الخصوم على إعمالها ، بل بإمكان أطراف التحكيم الحضور أمامها مباشرة، وعرض نزاعهم عليها دون إجراء مسبق، إلا أن الأمور لا تسير دوما كما ينبغي فقد لا يكفي ما يكون تحت يد هيئة التحكيم من بيانات ومستندات لتكوين تصورها، ولذا فقد يطلب أحد الخصوم مثول الأطراف أمامها، أو قد ترى هيئة التحكيم ضرورة استجواب الخصوم للوقوف على حقيقة النزاع.

كما تتمتع هيئة التحكيم بالحرية في اتخاذ أو عدم اتخاذ إجراءات الإثبات التي تراها مناسبة، كما تجدر الإشارة إلى أنه يمكن للأطراف تعديل طلب التحكيم، فمن ناحية للمدعى أن يقدم طلبا عارضا ويسمى هنا طلبا إضافيا يتضمن تصحيح الطلب الأصلي، أو تعديل موضوعه لمواجهة ظروف طرأت بعد رفع الدعوى، وهذا ما يطلق على بالطلب الإضافي، ومن ناحية أخرى يمكن للمدعي عليه أن يقدم طلبا عارضا ردا على طلبات خصمه وهذا ما يطلق عليه الطلب المقابل،[68] انطلاقا من كون الطلبات العارضة تؤدي إلى تغيير نطاق الطلب الأصلي، من هنا وجب أن تكون تلط الطلبات العارضة بنوعيها مرتبطة بالطلب الأصلي.

الفقرة الثانية: احترام المبادئ الأساسية للتقاضي

لقد سبق أن أشرنا أن ما يهم المحكم والأطراف على حد سواء هو تنفيذ الحكم التحكيمي، ولتحقيق هذا المبتغى يتوجب على المحكم ضمان الحد الأدنى من الضمانات الذي لا يمكن النزول عنه أيا كانت المبررات والدوافع، مبادئ تضمن أداء العدالة لوظائفها وتتمثل في احترام مبدأ المواجهة، واحترام هذا الأخير يقتضي من المحكم مراعاة العناصر الآتية: حق الخصم في تقديم ما يدعم وجهة نظره، وحق الخصم الآخر في الإطلاع على ما قدمه خصمه لمناقشته و حق  كل خصم في مناقشة عناصر الواقع والقانون التي يطرحها المحكم من تلقاء نفسه[69].

ويعتبر مبدأ المواجهة من أهم المبادئ المتفرعة عن مبدأ احترام حقوق الدفاع والمساواة بين الخصوم، ويقصد بهذا المبدأ تمكين كل خصم من العلم بكل ما يبديه الخصم الآخر من حجج مؤيدة لدفاعه أو دفوعه وكل ما يقدمه من مستندات في الخصومة[70]، كما إن احترام مبدأ المواجهة يقتضي احترام حق كل خصم في أن يستمع إليه المحكمون، حيث لا يحق لهم الفصل في النزاع دون استدعاء الخصوم، كما ينبغي سماع كل خصم من طرف أعضاء هيئة التحكيم، فاحترام مبدأ المواجهة يفرض على جميع المحكمين أن يسمعوا كل خصم من الخصوم على قدم المساواة، وإعطاء كل منهم الفرصة الكافية لتقديم طلباته ومستنداته، سواء كانت المرافعة شفوية أو كتابية. إن منح المحكم سلطة الآمر بكافة إجراءات الإثبات التي يراها مناسبة لإمكان الفصل في النزاع، مع ضرورة إبلاغ كل خصم من الخصوم بما تم اتخاذه من إجراءات في غيبته، كذلك فمبدأ المواجهة يقضي بأنه إذا ارتأت هيئة التحكيم ضرورة اللجوء إلى خبير لاستشارته في مسألة فنية معينة، فإن التقرير الذي يعده هذا الخبير يجب عرضة على كل من الخصمين لمناقشته وإبداء ملاحظاته[71].

وهذا ما نص عليه القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي  للجنة الأمم  المتحدة للقانون التجاري الدولي العام 1985، في المادة 24/3: “جميع البيانات والمستندات والمعلومات الأخرى التي يقدمها أحد الطرفين إلى هيئة التحكيم تبلغ إلى الطرف الآخر، ويبلغ أيضا إلى الطرفين أي تقرير يضعه الخبير، أو أي دليل مستندي قد تستند إليه هيئة التحكيم في اتخاذ قرارها”.[72]  ثم المادة 15/3 من قواعد اليونسترال 1976 تنص على أن: “الوثائق أو المعلومات التي يقدمها أحد الطرفين إلى هيئة التحكيم يجب أن يرسلها هذا الطرف في نفس الوقت إلى الطرف الآخر”. كذلك الشأن بالنسبة لغرفة التجارة الدولية بباريس 1998، فالمادة 20/2 منها تنص على: “أنه بعد مذكرات الأطراف وكل المستندات المقدمة منهم، تستمع محكمة التحكيم إلى الأطراف في مواجهة بعضهم البعض”، كما تضيف ذات المادة في البند الثالث أن: “لمحكمة التحكيم أن تستمع إلى الشهود والخبراء في حضور الأطراف، أو حتى في غيابهم طالما تمت دعوتهم على النحو الصحيح”.

أما بخصوص احترام حقوق الدفاع، فيعتبر من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام التقاضي بوجه عام، فعلى الرغم من الطابع الرضائي والاتفاقي للتحكيم، واعتباره أساسا للقواعد التي تسير عليها خصومة التحكيم، فإنه يجب على المحكم احترام مبدأ حقوق الدفاع، ولو كانت الخصومة تحكيمية، تماما كما هو الشأن بالنسبة للخصومة القضائية، وهو ما يستوجب تمكين كل خصم من إبداء دفاعه ودفوعه، وتقديم الأدلة التي يؤيد بها كل طرف إدعاءاته[73]، حيث يرى الفقه أنه حتى ولو لم يتفق الخصوم على وجوب إتباع المحكم لقواعد الخصومة القضائية، فإنه من المسلم به ـ بحكم وظيفة التحكيم كبديل للقضاء ـ وجوب مراعاة المحكم للضمانات الأساسية للتقاضي، والتي أهمها مبدأ احترام حقوق الدفاع[74]. إن حق الدفاع حسب الفقيه Motulsky  هو حق كل خصم في الدفاع عن مصالحه،[75] وما يميزه أنه جمع في طياته مبدأ المساواة بين المتقاضين بحيث تنتهك حقوق الدفاع إذا لم يضع المحكم الخصوم على قدم المساواة، في حين يرى البعض الآخر أن فكرة حقوق الدفاع لها مضمون أوسع من هذا فهي فكرة مضادة لفكرة التعسف أو هي على الأقل السياج الذي يحمي الخصوم من أي تعسف، ولهذا فهي تجمع في طياتها كل الضمانات الأساسية للخصوم عند حل نزاعهم. ولم يعد حق الدفاع يعني مجرد تمكين الخصم عن عرض وجهة نظره فحسب، وإنما أصبح يتضمن أيضا تمكين الخصم من مناقشة الخصم الآخر فيما قدمه من وسائل دفاع وأدلة إثبات في الخصومة تمهيدا لدحضها توصلا لإقناع المحكم كي يحكم لصالحه، وحتى يتسنى  للخصم ذلك فإنه لابد أن يعلم بما لدى الخصم الآخر من ادعاءات ووسائل قانونية وواقعية وحجج[76].

وإلى جانب هذه المبادئ نجد مبدأ احترام المساواة[77] بين الخصوم، والذي يعتبر من المبادئ الأساسية المستقرة في الخصومة التحكيمية ـ كخصومة القضاء ـ، حيث يتوجب على المحكم، منذ قبوله لمهمة التحكيم، وحتى إصداره للحكم المنهي للخصومة أن يعامل الخصمين المتنازعين على قدم المساواة، وأن يمنح لكل منهما فرص متكافئة وكاملة لعرض دعواه، فلا يمنح أحدهما حقا  إلا ويمنح الآخر ما يماثله، وما من ميزة منعت عن أحدهما إلا وتمنع اتوماتيكيا عن الآخر، كأن يطلب إحضار أحد الأطراف دون الآخر[78]. ونظرا لأهمية هذا المبدأ وخطورة الآثار التي تترتب على مخالفته، فإن أي خرق له من طرف المحكمين يعرض قرار التحكيم للطعن، وهذا ما نصت عليه المادة الثامنة عشرة من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي أعدته لجنة الأمم المتحدة حيث جاء فيها: “يجب أن يعامل الطرفان على قدم المساواة، وأن تهيأ لكل منهما الفرصة الكاملة لعرض قضيته”. وهذا ما أقرته أيضا الفقرة الأولى من المادة الخامسة عشرة من قواعد التحكيم الخاصة التي أعدتها لجنة القانون التجاري التابعة للأمم المتحدة لعام 1976 لما نصت على: “مع عدم الإخلال بهذه القواعد، يجوز لمحكمة التحكيم أن تسلك في التحكيم الطريقة التي تراها مناسبة، بشرط أن يعامل الطرفان على قدم المساواة، وأن يمنح كل طرف في أية مرحلة من الإجراءات  فرصة كاملة لشرح دعواه”. ثم نصت الفقرة ب من المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك لسنة 1958 الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية على: “عدم جواز الاعتراف بحكم التحكيم وعدم تنفيذه في حال ما إذا كان الخصم المطلوب تنفيذ الحكم عليه لم يعلن إعلانا صحيحا بتعيين المحكم، أو بإجراءات التحكيم، أو كان من المستحيل عليه لسبب آخر أن يقدم دفاعه”.[79] ونصت المادة  16/1 من لائحة إجراءات جمعية التحكيم الأمريكية لسنة 1992، على أنه: “تحقق محكمة التحكيم القضية بكل الوسائل التي تراها مناسبة بشرط أن تعامل الأطراف  على قدم المساواة، وتعطي لكل طرف الحق في أن يستمع إليه وتقديم دفوعه بعدالة”.[80]

 

خاتمة

يتسم التحكيم التجاري الدولي بضمانات عديدة، جعلت منه قضاء أصيلا للتجارة الدولية، ودفعت بأطراف هذه الأخيرة باللجوء إليه كأسلوب لفض المنازعات التي نشبت أو التي ستنشب بينهم. فالضمانات التي يوفرها التحكيم التجاري الدولي، جاءت مواكبة للتطورات الحاصلة على مستوى التجارة الدولية، إذ من غير الممكن بل من المستحيل أن نجد عقدا تجاريا دوليا خاليا من الإشارة إلى التحكيم، ليتمكن بذلك هذا العقد من الإفلات من سلطة قضاء الدولة، ويخضع إلى قضاء خاص من صنع أطراف النزاع أنفسهم.

عموما يمكن القول أنه من خلال البحث في مدى فعالية ضمانات التحكيم التجاري الدولي في تحقيق الحماية القضائية، يتبين أنه على مستوى دور الإرادة، يتضح أن هناك إرادة أولية للأطراف متمثلة في اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي في حد ذاته، إذ أن عدم اتفاق الأطراف على اللجوء إليه، لا يلزمهم عليه أي طرف آخر. كما أن إرادة الأطراف باللجوء الاختياري والطوعي لآلية التحكيم تلعب دورا رئيسيا في حل المنازعات التي تنشأ بين أطراف التجارة الدولية، وتتضح هذه الإرادة كذلك من خلال اختيار الأطراف للقانون الواجب التطبيق على إجراءات وموضوع النزاع، وعلى اختيار الهيئة التحكيمية.

أما على مستوى  الضمانات التي يتميز بها التحكيم لتحقق حماية قضائية فعالة، وذلك من خلال عدم توفر المحكم الدولي على قانون اختصاص مما يجعله يختار القانون المناسب لحل النزاع دون احترام التراتبية القانونية، إضافة إلى تمتع المحكم بسلطة تقديرية واسعة سواءا في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع وإجراءات التحكيم أو أثناء تكملة العقد وتعديله.

كما تعتبر مرونة مسطرة التحكيم أهم ضمانة يتيحها هذا القضاء الخاص للأطراف، فهو يتميز بسهولة وبساطة إجراءاته بخلاف القضاء العادي الذي يتميز بالبطء والتعقيد، كما أن مبدأ المساواة يعتبر من الركائز الأساسية لضمان العدالة، وترسيخ ثقة المتقاضين في قضاء التحكيم، وتحقيق المساواة بين الخصوم يعد تطبيقا عمليا لمبدأ أعم وأكبر، هو مبدأ حياد هيئة التحكيم واستقلالها، إن هذه الضمانات جعلت من التحكيم التجاري الدولي القضاء الذي يتماشى مع خصوصية التجارة الدولية.

[1] ـ الحسين السالمي، حجية الحكم التحكيمي، مجلة القضاء والتشريع، العدد 5، السنة 74، ماي 2005، ص 79 وما بعدها.

[2] ـ وفاء طويله، ضمانات التحكيم التجاري الدولي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، السنة الجامعية 2009-2008، ص 61.

[3] ـ محمد طارق، العقود النموذجية في قانون التجارة الدولية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، السنة الجامعية 2008-2007، ص 92.

[4] ـ FRANCES CAKAIS (P R), conflits de Lois ( principes généraux), Dalloz. Encylopédie juridique, 1982, p3.

[5] ـ EISEMANN Frédéric, La lex fori de l’arbitrage commercial international, travaux du comité français de droit  international privé, 1973/1975, anne 34/36, Dalloz 1977, p 195.

[6] ـ سلامة فارس عرب، وسائل معالجة اختلال توازن العلاقات التعاقدية في قانون التجارة الدولية، أطروحة للحصول على درجة الدكتوراه، كلية الحقوق القاهرة، السنة الجامعية 1998، ص 625.

[7] ـ فوزي محمد سامي، التحكيم التجاري الدولي، دار الثقافة عمان، الجزء الخامس، 1997، ص 189-188.

[8] ـ GOLDMAN Berthold, Les conflits de lois dans l’arbitrage international de droit privé cours de la Hays, 1963, Tome 109, n°ɪɪ, p 384.

[9] ـ  علي تبريتي، المحكم الدولي ما بين القواعد القانونية الوطنية والقواعد الدولية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية_ سلا، العام الجامعي2006-2007، ص 136.

[10] ـ أحمد عبد الكريم سلامة، نظرية العقد الدولي الطليق، دار النهضة العربية، القاهرة، 1989، ص 227.

[11] ـ سلامة فارس عرب، وسائل معالجة اختلال توازن العلاقات التعاقدية في قانون التجارة الدولية، مرجع سابق، ص 211.

[12] ـ محمد بوزلافة، الحماية القانونية للمتعاقد الضعيف في القانون الدولي الخاص، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية الحقوق بفاس، السنة الجامعية 2002-2001، ص 146.

[13] ـ محمد عبد الله محمد المؤيد، منهج القواعد الموضوعية في فض المنازعات الخاصة ذات الطابع الدولي، أطروحة لنيل الدكتوراه، كلية الحقوق القاهرة، السنة الجامعية 1997، ص 273.

[14] ـ محمد محسوب عبد المجيد درويش، قانون التجارة الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995، ص 692.

[15] – Eric Robine, Droit et pratique de l’arbitrage commercial international, seconde édition, (L.G.D.Y), mai 1994, p 80.

[16] – الطراسي قاسم، وضعية  قاعدة الإسناد أمام المحكم الدولي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية الحقوق سلا،  2006-2007 ، ص 25.

[17] ـ محمد كولا، تطور التحكيم التجاري الدولي في الجزائر، منشورات بغدادي، 2008، ص 213.

[18] ـ أشرف عبد العليم الرفاعي، التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية دراسة في قضاء التحكيم، دار الكتب القانونية، 2006، ص 539.

[19] ـ أحمد السمدان، القانون الواجب التطبيق في التحكيم التجاري الدولي، مقال منشور في مجلة الحقوق والشريعة، جامعة الكويت، العدد 1، 2 لسنة 1993، ص 195.

[20] ـ حسني المصري، التحكيم التجاري الدولي، دار الكتب القانونية، مصر، 2006، ص 354.

[21] – صوفية دينار، السلطة التقديرية للمحكم الدولي إزاء القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق سلا، 2006– 2007، ص 39.

[22]  –  أبو زيد رضوان، الأسس العامة للتحكيم التجاري الدولي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1998، ص 150 وما بعدها.

[23]  –  محمد بوزلافة، الحماية القانونية المتعاقد الضعيف في القانون الدولي الخاص، مرجع سابق، ص 106.

[24]  –  محمد عبد الله محمد المؤيد، منهج القواعد الموضوعية في فض المنازعات الخاصة ذات الطابع الدولي، مرجع سابق، ص277.

[25] – Yves Derains, l’ordre public et le droit applicable au fond du litige dans l’arbitrage international, revue de l’arbitrage, N°3,  1996, p 379.

[26]  – محمد عبد الله محمد المؤيد، منهج القواعد الموضوعية في فض المنازعات الخاصة ذات الطابع الدولي، مرجع سابق، ص 282.

[27] ـ منير عبد المجيد، الأسس العامة للتحكيم الدولي والداخلي في القانون الخاص في ضوء الفقه وقضاء التحكيم، الطبعة الأولى، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2000، ص 310.

[28] ـ Eric Robine, Droit et pratique de l’arbitrage commercial international, op.cit, P516.

[29] ـ charles jarrosson, la notion d’arbitrage, LGDJ Paris, 1987, P297.

[30] ـ منير عبد المجيد، الأسس العامة للتحكيم الدولي والداخلي في القانون الخاص في ضوء الفقه وقضاء التحكيم، مرجع سابق، ص311.

[31]  – هدى مجدي عبد الرحمان، دور المحكم في خصومة التحكيم وحدود سلطاته، دار النهضة العربية، القاهرة، 1997، ص 297.

[32] ـ شريف محمد غنام، أثر تغير الظروف في عقود التجارة الدولية، مساهمة في توحيد شرطي القوة القاهرة وإعاة التفاوض، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998، ص 453.

[33] –  عصام الدين القصبي، خصوصية التحكيم في منازعات الاستثمار، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993، ص 151.

[34] ـ نبيل إسماعيل عمر، التحكيم في المواد المدنية والتجارية الوطنية والدولية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2005، ص 257.

[35] ـ حسني المصري، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 428.

[36] ـ حسني المصري، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 430.

[37] – أبو زيد رضوان، الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 9.

[38] ـ عكاشة عبد العال ومصطفى الجمال، التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية والداخلية، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 1998، ص 60.

[39] ـ بشار محمد الأسعد، عقود الاستثمار في العلاقات الدولية الخاصة، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2006، ص350.

[40] ـ حفيظة السيد الحداد، الوجيز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2004، ص 13.

[41] ـ ناريمان عبد القادر، اتفاق التحكيم وفقا لقانون التحكيم المدنية والتجارية رقم 27  لسنة 1994: دراسة مقارنة بين اتفاقية نيويورك، القانون الفرنسي، القانون النموذجي، الشريعة الإسلامية، والتشريعات العربية، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 1996، ص 72.

[42] ـ هشام خالد، جدوى اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي، دراسة تفصيلية مقارنة، منشأة المعارف الإسكندرية، 2005 ، ص 32.

[43] ـ عاشور مبروك، النظام الإجرائي لخصومة التحكيم، دراسة تحليلية وفقا لأحدث التشريعات والنظم المعاصرة، الطبعة الثانية، مكتبة الجلاء الجديدة المنصورة، 1998، ص8.

[44] ـ أحمد شرف الدين، دراسات في التحكيم في منازعات العقود الدولية، مطبعة أبناء وهبة حسان، القاهرة، 1993، ص 23.

[45] ـ عمران علي السائح، أهمية التحكيم كوسيلة لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية، مقال منشور في مجلة جامعة الزيتونة ليبيا، العدد الثاني، 2012، ص 37.

[46]  – سامية راشد، التحكيم في العلاقات الدولية الخاصة، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1984، ص 3.

[47]  – مختار أحمد بربري، التحكيم التجاري الدولي، دراسة خاصة للقانون المصري الجديد بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995، ص 13.

[48]  – محمد عبد الله محمد المؤيد، منهج القواعد الموضوعية في فض المنازعات الخاصة ذات الطابع الدولي، مرجع سابق، ص 259.

[49] ـ محمد شعيبي، التحكيم التجاري الدولي في ميزان، المجلة المغربية للقانون والاقتصاد والتنمية، العدد 34، 1994، ص 131.

[50] ـ وفاء طويله، ضمانات التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 79.

[51]  – ناريمان عبد القادر، اتفاق التحكيم، مرجع سابق، ص 65.

[52] – Jean-Louis. Dévolue, vraies et fausses confidences ou les petites et les grands secrets de l’arbitrage, revue de l’arbitrage arabe, 1996, p373.

[53]  – هشام خالد، جدوى اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 66.

[54]  – أحمد عبد الكريم سلامة، قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي تنظير وتطبيق، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004، ص 111.

[55] ـ عصام عبد الفتاح مطر، عقود الفيدك، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2009، ص 458.

[56]  –  أحمد أبو الوفا، التحكيم الاختياري والإجباري، منشأة المعارف الإسكندرية، 1988، ص 216.

[57]  – عاشور مبروك، النظام الإجرائي لخصومة التحكيم، مرجع سابق، ص 124.

[58]  – أحمد عبد الكريم سلامة، قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي تنظير وتطبيق، مرجع سابق، ص 786.

[59] – عاشور مبروك، النظام الإجرائي لخصومة التحكيم، مرجع سابق، ص 141.

[60]  – أحمد عبد الكريم سلامة، قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي تنظير وتطبيق، مرجع سابق، ص 792.

[61] ـ حسام الدين فتحي ناصف، التحكيم الالكتروني في منازعات التجارة الدولية، دار النهضة العربية، 2005، ص 48.

[62]  – منير عبد المجيد، قضاء التحكيم في منازعات التجارة الدولية، دار المطبوعات الجامعية، 1995، ص 139.

[63]  – تنص المادة السادسة الفقرة الأولى من نظام المصالحة والتحكيم لغرفة التجارة الدولية بأنه يحب تقديم جميع المذكرات الكتابية الصادرة من الخصوم وكذلك جميع المستندات المرفقة بها في نسخ بعقد الأطراف الآخرين مضافا إليها نسخة لكل محكم وأخرى للأمانة.

– كذلك الفقرة الأخيرة من المادة 18 من قواعد اليونسترال تقرر بأنه يجوز للمدعى أن يرفق ببيان دعواه كل الوثائق التي يعتقد أن لها صلة بالدعوى أو أن يشير في البيان إلى الوثائق وأدلة الإثبات الأخرى التي يعتزم تقديمها.

[64]  – أحمد عبد الكريم سلامة، قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي تنظير وتطبيق، مرجع سابق، ص 835.

[65]  – فالفقرة الأولى من المادة 15  من نظام غرفة التجارة الدولية بباريس تقرر بأن يقوم المحكم بناءا على طلب أحد الأطراف أو عدد الاقتضاء منا تلقاء نفسه بتكليف الأطراف بالحضور أمامه في اليوم والمكان الذين يحدد هما مع مراعاة إعطائهم مهلة مناسبة ويعلم بذلك أمانة الهيئة.

[66]  – نصت الفقرة الثالثة من المادة 15 من نظام غرفة التجارة الدولية بباريس على: “يحدد المحكم اللغة أو اللغات التي يجري بها التحكيم مراعيا في ذلك الظروف ولاسيما لغة العقد”.

– الفقرة الأولى من المادة الثانية من نظام تحكيم محكمة لندن للتحكيم الدولي التي تقرر بأن: “لغة التحكيم تكون لغة المستندات المتضمنة لاتفاقية التحكيم إلا إذا اتفق الأطراف على ما يخالف ذلك”.

[67]  –   فوزي محمد سامي، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 285.

[68]  – أحمد عبد الكريم سلامة، قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي تنظير وتطبيق، مرجع سابق، ص823.

[69]  –  عاشور مبروك، النظام الإجرائي لخصومة التحكيم، مرجع سابق، ص 57.

[70] ـ حسني المصري، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 261.

[71]  –  علي بركات، خصومة التحكيم في القانون المصري والقانون المقارن، دار النهضة العربية، القاهرة، 1996، ص 310.

[72]  – أحمد عبد الكريم سلامة، قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي تنظير وتطبيق، مرجع سابق، ص 898.

[73] ـ منير عبد المجيد، الأسس العامة للتحكيم الدولي والداخلي في القانون الخاص في ضوء الفقه وقضاء التحكيم، مرجع سابق، ص151.

[74] ـ حسني المصري، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 259.

[75]  – عاشور مبروك، النظام الإجرائي لخصومة التحكيم، مرجع سابق، ص 63 – 64.

[76]  – علي بركات، خصومة التحكيم في القانون المصري والقانون المقارن، مرجع سابق، ص 303.

[77] –  لمزيد من التفاصيل حول  مبدأ المساواة،  أنظر: حميد محمد علي اللهبي، المحكم في التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2002، ص 203.

[78]  –  علي بركات، خصومة التحكيم في القانون المصري والقانون المقارن، مرجع سابق، ص 301.

 

[79]  – عاشور مبروك، النظام الإجرائي لخصومة التحكيم، مرجع سابق، ص 65 وما بعدها.

[80]  –  أحمد عبد الكريم سلامة، قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي تنظير وتطبيق، مرجع سابق، ص 907.

Exit mobile version