Site icon مجلة المنارة

مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية حرية أساسية ؟ : الإشكالات المتوقعة على ضوء التجارب المقارنة

بسم الله الرحمان الرحيم

 

أمين الصميعي

باحث بسلك الدكتوراه

(جامعة القاضي عياض، مراكش)

 

مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية حرية أساسية ؟[1] : الإشكالات المتوقعة على ضوء التجارب المقارنة

 

خلاصة :

أولا. من بين أهم الإشكالات التي سوف تطرح مستقبلا على مسار اللامركزية الترابية ودور مبدأ التدبير الحر في تحقيقها، هو إلى أى حد سوف تتعايش الفئات الثلاثة من الجماعات الترابية ولكل واحدة فيها نفس المنزلة من هذا المبدأ من جهة، وكيف سيتم التوفيق بين تبويئ الجهة مكانة الصدارة على مستوى برامج التنمية وحرية التدبير المكرسة لفائدة الجماعات والعمالات والأقاليم، فالتخطيط والتنفيذ يفترض هنا أن تهيمن الجهة على باقي الفئات.

ثانيا. لايمكن لحرية التدبير أن تتطور على مستوى الممارسة إلا إذا لازمها حق الجماعة الترابية في الدفاع عن حريتها أمام القضائين الإداري والدستوري، وفي غياب ذلك ستضل مجرد مقتضى مكتوب بالمداد على وثائق قانونية ولن تضيف أى شيء لتطوير نظام اللامركزية الترابية في الدولة الموحدة[2].

 

 

Résumé

Tout d’abord, parmi les grands problèmes qui seront sur la trajectoire future de la décentralisation territoriale et le rôle important du principe constitutionnel de la libre administration des collectivités territoriales dans la réalisation de ce projet,  est celle de savoir comment coexister entre les trois catégories des collectivités sans qu’il exister une tutelle d’une collectivité sur une autre, en particulièrement la présence de la région comme un chef de file. Plus précisément, comment impliquer et partager le même principe sans l’apparition d’abus d’une liberté locale à une autre (même une liberté de l’Etat). Ensuite, dès lors que l’on accepte l’existence d’une liberté locale garantie par la constitution il faut admettre dans le même mouvement que les collectivités territoriales puissent défendre leurs attributions (l’accès à la Cour suprême constitutionnelle[3]). Une telle réforme doit donc être envisagée ; déjà réalisée par d’autres Etats.

 

Abstract

among the main issues that will be on the future path of territorial decentralization and the important role of the constitutional principle of free administration of local authorities in the realization of this project is to know how to co-exist among the three categories communities exist without guardianship of a community over another, especially in the presence of the region as a leader. More specifically, how to involve and share the same principle without the occurrence of abuse of a local freedom to another (even freedom of the state). when one accepts the existence of a local freedom guaranteed by the constitution it must be admitted in the same movement that local authorities can defend their responsibilities (access to the Supreme Constitutional Court). Such reform should be considered; already made by other states.

 

 

 

 

إن سؤال معرفة ما إذا كان التدبير الحر يشكل حرية أساسية بالنسبة للجماعات الترابية، سبق وأن طرح في الأوساط الحقوقية الفرنسية، وذلك بمناسبة قرار صادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 18 يناير 2001 والمتعلق ببلدية « venelles «  [4]، مع العلم بأنها (حرية التدبير) قد استوعبت باعتبارها حرية أساسية حيت تم الإضفاء عليها هذا الطابع، وذلك منذ القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 30 يونيو 2000، والذي دخل حيز النفاذ ابتداء من 1 يناير 2001. ولقد أجاب مجلس الدولة في هذه القضية السابق الإشارة إليها بصورة بناءة على هذا السؤال، في حين أن المجلس الدستوري الفرنسي لم يحسم في هذا الأمر بشكل واضح. فمن المؤكد بأنه لدى المجلس الدستوري في هذه المنظومة ومنذ سنة 1979 [5] اعتراف بالقيمة الدستورية لمبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية رغم أن الدستور الفرنسي نص عليه في الفصل 34 من دستور 1958، إلا أنه لم يتوصل إلى تصنيف صريح لحرية تدبير الجماعات الترابية باعتبارها حرية أساسية «  liberté fondamentale « ، وذلك راجع إلى أن المسألة لم تطرح على هذا النحو بشكل مباشر.

إننا هنا ليس بمقدورنا ولا يعود إلينا، وضع حل واضح ومحدد لهذه المسألة التي أتيرت في القضاء المقارن، ولكن البحث فيما إذا كان من وجهة نظر القانون الدستوري المقارن بشكل عام والحريات الأساسية بشكل خاص، موقف إيجابي يبدو من الممكن ترجيحه ليشكل الإجابة الأصح والمشتركة على هذه الإشكالية.

وبالفعل، يكون هذا الجواب موجود إذا تساءلنا بداية حول مسألة ما إذا كانت الأشخاص المعنوية بشكل عام، وعلى وجه الخصوص الأشخاص المعنوية للقانون العام، بإمكانها حيازة حقوق وحريات أساسية كما الأشخاص الطبيعية ( المطلب الأول )، ومن ثم التطرق إلى سؤال ما إذا كان التدبير الحر للجماعات الترابية يعتبر في حد ذاته حرية محلية ( المطلب الثاني ).

 

المطلب الأول. الأشخاص المعنوية للقانون العام يمكن أن تحوز حريات أساسية

 

إن تأهيل فهم معين لحرية أساسية والتي ستعزى لمبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية لا يمكن استبعاده، بحجة أن الأشخاص الطبيعية فقط من يمكنهم حيازة حقوق وحريات أساسية. فإذا كانت إشكالية الحريات العامة قد استبعدت وأقصت هذه الفرضية، فهى لم تتمكن على كل حال، وكما هو معروف، بأن تقوم بنفس الشيء لمسألة الحريات الأساسية، في حين ومن جهة أخرى، يشكل هذا إحدى المحاور التي تظهر الفرق بين الحريات العامة والحريات الأساسيةliberté publique et liberté » fondamentale ». وكان من المنتظر- ومنذ سنة 1991- أن هذه المسألة سيتم توضيحها وإنارتها من طرف ندوة دولية، جمعت المتخصصين في الدول الرئيسية التي تبلورت فيها إشكالية الحقوق والحريات الأساسية [6] : في ايطاليا، اسبانيا أو في النمسا، يشكل هذا جزءا من القانون الدستوري الوضعي، فالدساتير تتضمنها من الآن فصاعدا. ومن جهة أخرى، بالإضافة إلى أحكامها، توجد أيضا على سبيل المثال نصوص أساسية ألمانية ( الفصول 19 – 3 من القانون الأساسي ) وفي البرتغال ( الفصول 12 – 2 من الدستور ).

من جهته، فإن المجلس الدستوري الفرنسي هو الأخر قد سار في نفس الإتجاه، وذلك منذ سنة 1980 بإعلانه وبالتحديد في قرار التأميم بتاريخ 16 يناير 1982 [7]، على أن مبدأ المساواة يطبق بين الأشخاص الإعتبارية كما هو الشأن بالنسبة لما هو بين الأشخاص الطبيعية وبدون انتقاص ( بنفس الدرجة ). وفي هذا الإطار فقد تم الإعتراف باستفادة الأشخاص المعنوية الخاصة من الحقوق والحريات الأساسية ( الجمعيات والنقابات ابتداء من 22 يوليو 1980، الشركات  – 16 يناير 1982 والسابق الإشارة إليه، مؤسسات التعليم الخاص – 13 يناير 1994 ) كما هو الشأن للأشخاص المعنوية العامة ( المؤسسات العمومية – 9 يناير 1980، الجماعات الترابية – 25 فبراير 1982 ). وعلى غرار مبدأ المساواة، نجد أن هذا الاعتراف قد شمل حقوقا أخرى، كما هو الشأن على سبيل المثال بالنسبة لحرية المبادرة الخاصة [8].

وبطبيعة الحال، فلايمكن للأشخاص المعنوية الإستفاذة من جميع الحقوق الأساسية المعترف بها للأشخاص الطبيعية. في الواقع، وكما أكدته النصوص الألمانية والبرتغالية والتي سبقت الإشارة إليها، فلا يمكن أن تكون مسألة الحقوق الأساسية تتعلق بالأشخاص الإعتبارية إلا في المدى الذي تكون فيه ”  مطبقة عليها بالنظر إلى طبيعتها ”  [9] أو في الحالة التي تكون فيها ”  متوافقة مع طبيعتها”  [10]. وبالتالي، فمن البديهي القول على سبيل المثال، بأن الشخص المعنوي لا يمكنه أن يلتمس اللجوء السياسي أو يدعي بحرية التنقل على المستوى الداخلى والخارجي، وبالمقابل، فمن المقبول تماما تصور أن الشخص المعنوي يمكنه أن يطالب بضرورة الإعتراف له بحرية التعبير، أو الحق في الملكية، أو حرية تكوين الجمعيات، أو أيضا حرية المبادرة الخاصة إضافة إلى حرية التعاقد، كما تم تسطيرها في أحد الأعمال المتخصصة [11]، بحيت يمكن تسميت مثل هذه التطبيقات :

« par analogie incomplète, des protections ” aspectuelles ou ”  par aspects ” «.

وعلى الرغم من كل ماسبق، فإن المسألة تطرح في كثير من الأحيان حول معرفة ما إذا كانت الأشخاص المعنوية للقانون العام بالتحديد، يمكن أن يعترف لها بالإستفادة من حقوق وحريات أساسية، وأحيانا أيضا يتم رفع هذا الإعتراض في القانون المقارن، على أساس أن الدولة -كشخص معنوى عام- لا يكون لها أن تستفيد من حريات أساسية بينما هى الضامن لهذه الحريات. وبالرغم من أن هذا التناقض ربما قد يجد حلا بالنظر إلى بعض الأبحات في هذا المجال[12]، فبإمكاننا ملاحظة أن هذا الإعتراض لا يمكنه بأي حال من الأحوال المساس بحقوق الأشخاص المعنوية للقانون العام غير الدولة، كما هو الشأن بالنسبة للمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، والتي في بعض الحالات تكون في موقع دفاع عن حقوقها في مواجهة الدولة، أو فيما بينها.

وتجدر الإشارة هنا، إلى أن القانون الألماني قد فتح أمام الجماعات وعلى الخصوص الدفع المباشر، والذي كما نعلم يتيح الرفع إلى المحكمة الدستورية الإنتهاكات التي من الممكن أن تمس بالحقوق الأساسية، كما أنه يستخدم من طرف هذه الجماعات من أجل الدفاع عن هامش الإستقلال الذي تتمتع به ( الدستوري والقانوني ). وهو نفس الشيء بالنسبة لإسبانيا حيث أن «  L’amparo «  مفتوح أمام الجماعات المحلية ضد أي انتهاك يمس حقوقها[13].

وكما أشرنا في السابق، فقد كرس المجلس الدستوري الفرنسي هو الأخر وفي وقت مبكر جدا، إمكانية الأشخاص المعنوية العامة بأن تستفيد من حقوق وحريات أساسية، بما أن أولى الإعترافات بهذه الحقوق لفائدة هذه الفئة كانت قد أدلى بها فيما يتعلق بالمؤسسات العمومية والجماعات الترابية منذ سنة 1982.

هناك تحديد أخير يمكن تحصيله في هذه الفقرة، وذلك بطرح استفسار معرفي حول من يمكنه إنفاذ وتوكيد هذه الحريات المعترف بها للجماعات الترابية ؟

الإجابة بسيطة : بطبيعة الحال، أعضاء الشخص الإعتباري هم ولوحدهم يمكنهم الدفع بالاستفادة من الحريات الأساسية لصالح هذا الأخير. وذلك بالنظر إلى القضية السابق ذكرها   commune de vinelles  «  »، حيث أن الدفع الذي تقدم به جزء من المنتخبين المحليين لم يكن مقبول لهذا السبب وحده، كما يسطره ويوضحه الأستاذ/العميد L.FAVOREU[14]، فالسلطات التي يتم تمكينها من الدفاع عن مصالح الجماعات الترابية أمام العدالة، يمكنهم وحدهم الإحتجاج بهذه الحقوق، والتي ترجع حيازتها أو ملكيتها للشخص المعنوي وليس للأشخاص الطبيعية. ومن ثم، فلا يمكن المطالبة بضرورة حماية التدبير الحر للجماعات الترابية أمام العدالة إلا من طرف السلطات الترابية المختصة، وهذا منذ الوقت الذي تكون فيه قد شكلت حرية حقيقية، وهو ما يكون من المناسب مناقشته وفحصه في مرحلة ثانية.

 

 

المطلب الثاني. اعتبار التدبير الحر بمثابة حرية أساسية :

 

يمكننا مقاربة هذه المسألة من خلال البحث في الطبيعة القانونية للتدبير الحر ( الفقرة الأولى )، ومن تم نعطي فهم معين لمضمون هذه الحرية ( الفقرة الثانية ).

 

الفقرة الأولى :  الطبيعة القانونية للتدبير الحر

 

إن الطبيعة القانونية المتعلقة بالتدبير الحر للجماعات الترابية يمكن أن تفضي إلى النقاش، ومن أجل تبسيط هذا التحليل القانوني، فهو يتناول مسألة ما إذا كانت حرية التدبير تشكل ” حرية ” حقيقية، أو إذا لم يكن بالأحرى مبدأ لتنظيم الدولة والذي ينتج عنه بعض الحقوق والحريات.

لقد اعتبر الأستاذ Michel VERPEAUX، وذلك في تعليقه على قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 18 يناير 2001 (commune de venelles C/M.Morbelli ) [15]، بأن مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية يشكل ضمانة كما هو الشأن بالنسبة لمبدأ الفصل بين السلطات، ” فهما معا وعلى حد سواء لا يشكلان حقوق، ولكن يمكن تصورهما كشروط قضائية ضرورية وملزمة على المستوى الدستوري، وذلك بموجب المادة 72 من الدستور بالنسبة للأول، وبموجب المادة 16 من إعلان الحقوق بالنسبة للثاني، وذلك لتوكيد الحريات المعترف بها في أحكام أخرى، والتي هي ليست إذن عضوية ولكن تخص حقوقا جوهرية ( بمعنى موضوعية ). كما أن التدبير الحر يمكنه من جهة أخرى، الظهور كشكل للفصل العمودي للسلطات في حين أن النموذج المعتاد لهذا الفصل يكون أفقي، الواحد مثل الأخر فهي ليست بحقوق ولكن وسائل لإسناد وتأمين الحريات والحقوق ( بصورة صلبة ومستقرة ). وعليه، فهما معا وسائل ولا تشكل غايات في حد ذاتها “.

من جهة أخرى، يدافع الباحث Constantinos BACOYANNIS، وذلك في أطروحته والتي كرسها للمبدأ الدستوري للتدبير الحر للجماعات الترابية [16]، بالمقابل عن الفكرة التي تؤكد على أن حرية التدبير : لا ينبغي اختزالها في مبدأ بسيط للتنظيم بقدر ما تشكل حرية حقيقية. وهو الفهم الذي كان قد أكد بالفعل من قبل بعض فقهاء القانون العام في أوائل القرن الماضي، والذي بالنسبة إليه تمثل اللامركزية الترابية توكيدا للحريات المحلية [17]. وكما يظهر ذلك أيضا في المناقشات التي عرفتها لجنة الدستور الفرنسي لسنة 1946، وذلك لحظة قيامها بدسترة مبدأ التدبير الحر لأول مرة في دولة موحدة» État  unitaire ». ويبدو من كل ذلك بأن تسجيل مبدأ التدبير الحر في الوثيقة الدستورية [18]، يعرب وبدون شك عن إرادة تكريس مادي للحريات المحلية وليس فقط مجرد مبدأ للتنظيم الإداري [19].

ولقد سادت وجهة النظر ذاتها في فرنسا سنة 1958، حيث أن الأعمال التحضيرية المتعلقة بوضع دستور الجمهورية الخامسة تبين أن عبارات  « libre administration « و «  libertés des collectivités locales «  و «  liberté communale «   تعتبر مرادفات[20]، وهو الشيء الذي دفع Mourice BOURJOL  إلى القول بأن الجماعات الترابية في هذه الدولة الموحدة ومنذ سنة 1946 أى منذ دسترة مبدأ التدبير الحر، قد تركت مجال ” الدستور الإداري ” من أجل الإندماج ضمن مجال ” الدستور السياسي “، وفي هذا الإطار جاء التكريس الدستوري لمبدأ التدبير الحر، والذي هو في النهاية ” حرية عمومية، من بين أقدم الحريات المحلية ” [21].

ولذلك ينبغي علينا اليوم التمييز بصورة دقيقة بين مفاهيم اللامركزية الترابية والتدبير الحر، ففي حين أن مفهوم اللامركزية الترابية[22] يظهر كمبدأ يحكم التنظيم الإداري للدولة، ويقوم على تفويض للقوة العمومية [23]« Puissance publique »والتي هذه الأخيرة توافق بإقراضها للجماعات الترابية [24]، في إطار ” امتياز من جانب الجماعة العليا ” حتى نستخدم عبارة العميد CARRÉ DE MALBERG [25]، وبالمقابل فإن التدبير الحر أو (la libre administration )، تبدو وكأنها حرية تتمتع باعتراف وضمان بموجب القانون الأساسي (الدستور)، والتي بوجودها يكون الإحترام مفروض وملزم للمشرع. بعبارة أخرى، فاللامركزية الترابية يسري مفعولها انطلاقا من الحالة التي تكون فيها الدولة، تستفيد من واقع وجود مجرد جماعات تظهر باعتبارها وحدات إدارية بسيطة تتمتع بالشخصية القانونية، الشيء الذي يعزز ويثبت علاقة خضوع لهذه الأخيرة وسمو للأخرى [26]، أما التنصيص الدستوري على حرية التدبير فهذا يفترض تقييد هامش تحرك الدولة في النظام الدستوري.

إن حرية التدبير من جهتها تطرح الإستفهام، حول وجود حريات محلية ترتبط بجماعة بشرية – أو بالأحرى بمجتمع من المواطنين « la société de citoyens «  – تشكل الجماعة الترابية [27] والتي يجب الحفاظ عليها لصالحهم، ليس فقط من تعديات الدولة في حد ذاتها، ولكن أيضا من تلك التي قد تأتي من غيرها من الأشخاص العامة.

في هذا الإتجاه السابق، يؤكد الباحثC.BACOYANNIS  على أن الحق في أن تدبر بحرية ليس مخول أو ممنوح للشخص المعنوي (الجماعة الترابية )، ولكن للجماعة الطبيعية والتي تكون محددة بفضل الترابط التاريخي بينها وبين إقليم معين، هذا الأخير الذي كان موجود أنطولوجيا قبل الإعتراف به من قبل الدولة [28]. فهذا التفسير، والذي هو بدون شك يجد تطبيقا له على مستوى البلديات والجماعات القاعدية والذي يبدو أيضا بأن الدستور لم يعترف لها سوى بحرية كانت في الأصل طبيعية، ومسجلة في المدى الطويل لماضيها التاريخي (اجماعة  jemâaبالمغرب مثلا)، وهو الشيء الذي لا يمكن تطبيقه بنفس الدرجة على الجماعات الأخرى ( العمالات، الأقاليم، الجهات) بنفس الدرجة، والتي لم يكن لها وجود خاص ” في شكل تجمعات طبيعية ترابية أو إقليمية بشكل مستقل عن وجود وإرادة الدولة (المركز)  ” [29].

ولقد كان الإعتراف الفرنسي بحرية التدبير في الأصل لما يعرف في هذه الدولة بأقاليم ومحافظات ما وراء البحار، وهذا يمكن تفسيره في الواقع برغبة المشرع الفرنسي بتوسيع نطاق الحريات المحلية من جهة، والإعلان عن الإصلاحات الإدارية التي ستهدف الزيادة في استقلال الوحدات اللامركزية من جهة أخرى، ( المادة 59 من دستور 1946 – قوانين تنظيمية وسعت من نطاق حريات المحافظات والبلديات … – ).

وعلى مستوى مؤسسة المحافظات في هذه المنظومة، فقد ثم اعتبارها من قبل بعض أعضاء الجمعية المكلفة بوضع الدستور الفرنسي لتاريخ سنة 6194 بمثابة ابتكار تعسفي في التنظيم الإداري الفرنسي، وأن المحافظة لا تملك فعلا حياة خاصة – كما هو الشأن بالنسبة لبعض الآراء حول وضعية العمالات والأقاليم بالمغرب -، وبالرغم من ذلك فقد ” كانت تعتقد الأغلبية على أن هناك عيوب بسيطة فقط حتى يتم التخلى عنها بصفة نهائية، والذي يزيد وجودها في هذا البلد عن مائة وخمسين سنة منح لها طوال هذه الفترة وضعية خاصة لا يمكن إنكارها بشكل مطلق “[30].

ويمكننا تطوير نفس الإستنتاج اليوم – مع إدخال التعديلات اللازمة – بشكل ينطبق هذه المرة على الجهات، والتي يعود الاعتراف الدستوري لها بفرنسا إلى سنة 2003 [31]،  في الوقت الذي يبدو فيه السبق المغربي بدسترة الجهة سنة 1992 على الرغم من التراجعات التي أتى بها القانون 47.96، وأكثر من ذلك التوجه المغربي المكرس دستوريا نحو جهوية متقدمة، فلا يمكن أن يؤول الأمر مجددا إلى تعديلات متراجعة، لكون الجهات كجماعات ترابية لها مرجعية تاريخية وسوسيولوجية في هذه البلدان لا يمكن إغفالها.

إن متطلبات تأهيل الحرية المطبقة على التدبير الحر يمكن أيضا تبريرها إذا قمنا بفحص لمحتوى هذا المبدأ.

 

الفقرة الثانية .مضمون التدبير الحر :

 

يعتبر مفهوم التدبير الحر كما سبق وأشار jean BOULOUIS  ” واعد أكثر منه محدد بشكل دقيق[32]، فهذه الحرية وكما هو الشأن لمعظم الحريات لا تخلو من الغموض وعدم الدقة.

وقصد القيام بهذا الدور، فقد اتجه المجلس الدستوري الفرنسي في مرحلة أولى إلى توضيح معالم ومضمون مبدأ التدبير الحر، وذلك حتى يتمكن من توضيح – داخل مجال الإدارة المحلية – توزيع الاختصاصات بين القانون والأنظمة الوطنية. ولقد اعتمد المجلس الدستوري الفرنسي في هذا المجال وكما في غيره، تصور واسع النطاق للاختصاص التشريعي والذي ينص عليه الفصل 34 من الدستور الفرنسي، وبموجب هذا الأخير ” يقوم القانون بتحديد المبادئ الأساسية للتدبير الحر للجماعات المحلية ( الترابية بعد 2003 )، اختصاصاتها ومواردها “. وهو الشيء الذي يقابله في الدستور المغربي ما ينص عليه الفصل 146، بحيث يحدد بصفة خاصة تلك القواعد المتعلقة «  بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر« .

ودون استئناف تحليل هذا الاجتهاد القضائي السابق للمجلس الدستوري الفرنسي [33]، يكفي التذكير بالقول أن للقانون وحده إمكانية فرض قيود (مخضعة)، أو واجبات جديدة على الجماعات الترابية [34]، أو أيضا تأسيس ( أو حذف ) ضمانة إجرائية ممنوحة لهذه الجماعات [35]، بالرغم من ذلك فإن القضاء الدستوري – في القضاء المقارن – لم يتردد بمعاقبة عدم الاختصاص السلبي للمشرع [36]. ومن جهة أخرى، فإن هذا الاجتهاد القضائي يتوافق إلى حد كبير مع ما هو لمجلس الدولة الفرنسي، وذلك فيما يتعلق بالتدخلات التي من شأنها المساس  بالتمييز الهام [37] والذي أقامه الفصل 34 من الدستور الفرنسي بين ” القواعد ” و ” المبادئ الأساسية[38]، ومن ثم فإن مثل هذا التمييز يساهم في مسألة وضع التدبير الحر داخل مجال أمن من الإعتداءات  المحتملة والتي قد تأتي من طرف السلطة التنظيمية الوطنية.

وبعد تشبثه بحماية التدبير الحر من تعسفات قوة السلطة التنفيذية، عمل المجلس الدستوري الفرنسي في مرحلة ثانية، على صيانته من الإنتهاكات والتي قد تأتي هذه المرة من طرف السلطة التشريعية، وهو الشيء الذي لا يظهر بصورة واضحة بمثابة إكراه دستوري. في الواقع، – وكما يؤكد كل من الفصل 72 من الدستور الفرنسي [39] و الفصل 136 من الدستور المغربي [40] – يبدو مبدأ التدبير الحر وبالأساس كمبدأ له طبيعة ” مؤسساتية أو عضوية ” [41]، إذ أن المشرع لا يجد تحفظات وبشكل بديهي على تدخل السلطة الواسعة التي يحوزها في مواجهة الجماعات الترابية، إلا تلك التي قد تكون ناجمة عن مطالبة أو إلحاح من طرف المجالس المنتخبة [42]، وهو الشيء الذي غير ممكن حاليا (توجه مجالس الجماعات الترابية إلى المحكمة الدستورية)، ومن ثم يتعلق الأمر بحرية ” وجود ” أكثر منها حرية ” تصرف/تدبير ” الجماعات والتي توجد في مكان مصان بموجب الدستور [43].

من جهة أخرى، بالنسبة لواضعي الدستور الفرنسي لسنة 1958- والذين لم يقوموا سوى بإعادة نفس الصياغة أو التصور المقبول من طرف واضعي دستور 1946- فقد ظلت حرية تصرف الجماعات الترابية في موقع الضمانة الوحيدة للسلطة التشريعية، والتي تحوز قدرة تنصيب شروط ممارستها، ومن ثم تحديد المدى الذي تتحرك فيه هذه الحرية. ولذلك فقد كان بالإمكان النظر في التدبير الحر : باعتباره حرية بسيطة ذات قيمة تشريعية، لكونها ” وضعت تحت حراسة المشرع[44]. لكن، سواء تعلق الأمر بحريات محلية/ترابية أو غيرها من الحريات، فإن تدخل المشرع لا يقدم مع ذلك سوى ضمانة نسبية. ولهذا السبب، وحتى يتم تأطير السلطة التقديرية للمشرع، فقد قام المجلس الدستوري الفرنسي بعمل إبداعي وخلاق لا يمكن إنكاره، وذلك بتكريسه للقيمة الدستورية السامية لمبدأ التدبير الحر في قراره الصادر بتاريخ 23 مايو 1979 «  territoire de la nouvelle Calédonie « ، وأيضا دون الإشارة إلى فصل معين في الدستور [45]، ثم ليستخدم مبدأ التدبير الحر بعد هذا القرار ” ليس كأساس للإختصاص التشريعي ولكن كقاعدة معيارية ومرجعية لمراقبة القوانين ” [46].

ومن خلال ما سبق،  يتضح بأن القاضي الدستوري هو الذي من شأنه تحديد مضمون التدبير الحر، هذا بالإضافة إلى تسطير الحدود أو القيود المفروضة على المشرع، فهذا الأخير وإن كان المؤهل لإنفاذ هذه الحرية، فبالرغم من ذلك لا ينبغي له وضع هذه الحرية الدستورية في حالة تهديد وانتهاك. ومن ثم فإن المهمة تبدو شاقة ودقيقة إن كنا نريد تطبيق صحيح لهذا المبدأ، وذلك بالنظر إلى أن الحدود العليا والدنيا التي يمكن أن تنتشر بداخلها سلطة المشرع، ليست ثابتة على وجه التحديد بموجب الدستور. ولذلك فكل حالة على حدة، فمن خلال الممارسة والنظر في ماهية النصوص المعروضة على أنظاره، ستقوم المحكمة الدستورية العليا بالتقدير فيما إذا كانت المتغيرات التي من شأنها المساس بالتدبير الحر، لا تزال بين عتبات الحد الأدنى والحد الأقصى المسموح به، وبذلك يتضح أن القضاء الدستوري يعتبر الهيئة الوحيدة التي تتوفر على سلطة تقدير هذه العتبات، وهو الأمر الذي يمكن تفسيره وفقا للصورة الإيحائية التي يقترحها العميد  G.VEDEL، بتتبع ومطاردة معالم هي بالأحرى أشبه بأن تكون عبارة عن نقاط متقطعة أكثر مما تشكل خط متصل ومستمر : حيث أن ” كل إجابة ملموسة على سؤال معين ينبغي تسجيلها بداخل متسلسلة حتى تشكل جزء من المجموعة، في حين أن الخط المكون من النقاط المتقطعة «  le pointillé «  يقوى ويغذى، وهكذا ليترك مساحة أقل فأقل غير موتدة [47].

من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى الضعف الذي يعتري عدد الأحكام في فرنسا والتي استندت بشكل مباشر على مسألة وجود انتهاك لمبدأ التدبير الحر[48]، بالرغم من أن هذا الأخير كان موضوع لاحتجاجات متعددة وباستمرار من طرف واضعي الطعون التي تستهدف إبطال الإنتهاكات التي مست مبدأ التدبير الحر. إلا أنه، وفي نفس الوقت الذي تم فيه رفض العديد من الإلتماسات التي تزعم وجود انتهاك لهذا المبدأ، فقد اتجه المجلس الدستوري الفرنسي نحو الإشارة إلى وجود عدد من القيود أوالحدود المفروضة على السلطة التشريعية، وهو الشيء الذي يسعفنا اليوم في فهم أفضل لمضمون التدبير الحر.

يتضح من خلال ما سبق، وبالنظر إلى وجود إكراه مسألة احترام صلاحيات الدولة والذي يعتبر من خصائص وحدتها من جهة، وكإشارة إلى الحدود العليا التي لا يمكن أن يجتازها التدبير الحر من جهة أخرى، والذي من الواضح بأنه لا يعني حرية تنظيم الشأن المحلي (إصدار قرارات تنظيمية ) – قبل التعديل الدستوري الفرنسي لسنة 2003 – ولا حرية حكم – وهو الشيء الذي يعارضه الطابع الإداري للجماعات الترابية -، بأن القضاء الدستوري المقارن قد سعى وركز في الواقع على حماية حرية تدبير «  la liberté de gestion «  الجماعات الترابية [49].

ويرى بعض الباحثين، بأن حرية التدبير تفترض إعمال استقلال له طبيعة مزدوجة بحيث يستحضر ما هو ” مؤسساتي ووظيفي[50]، فأما الاستقلال المؤسساتي يفترض وجود مجالس منتخبة [51] عن طريق اقتراع يوصف بالسياسي ( انتخابات سياسية ) [52]-عكس إنتخاب أعضاء الجماعات الترابية التي تعتبر إدارية بالمغرب- ويكون من المحظور على سبيل المثال من أن تفرض السلطة التشريعية بأن تكون جلسات اللجان الدائمة الجهوية عمومية، ” بدلا من أن تترك مسألة الإهتمام بهذه القاعدة المؤسساتية إلى المجلس الجهوي قصد القيام بتحديدها في إطار وضعه للنظام الداخلي “[53]، في هذا القرار الأخير، والذي يشكل واحد من بين الأربعة الذين قاموا بمعاقبة قوانين تجاهلت مبدأ التدبير الحر، فإن الأمر كان يتعلق بشكل واضح بحرية التنظيم والتسيير.

ومن جهته، يستمد الاستقلال الوظيفي ( التسييري ) من واقع وجود “واجبات ومسؤوليات فعلية”، والتي يعترف بها القانون لفائدة المجالس المنتخبة المحلية [54]، وهو الشيء الذي يفترض تمكين الجماعات الترابية وفي نفس الوقت، من حيازة قوة حقيقية في صناعة القرار والتي ستمكنها من تصريف وتدبير شؤونها الخاصة من جهة، وحقل من الاختصاصات بما يكفي للحفاظ على حريتها في الفعل من جهة أخرى.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن المجلس الدستوري الفرنسي أثناء تعامله مع هذا المبدأ، كان قد سبق وفرض رقابته على بعض أحكام القانون المرتبطة بقطاع الوظيفة العمومية الترابية، وذلك على مستوى حرمان الجماعات من الحق في مباشرة حرية تعيين الموظفين الجماعيين [55]، حيث أكد وبشكل واضح على أن الحرية المتعلقة بتدبير الجماعات واتخاذ القرار في موضوع إدارة الأشخاص والموظفين، لازمة ومتأصلة عن مبدأ التدبير الحر.

وبشكل يتوافق مع الإستيعاب السابق، فإن حرية التعاقد هي الأخرى بمجرد أن تشكل سمة من سمات التدبير الحر، لا ينبغي المساس بها بواسطة تجاوزات مفرطة من لدن السلطة التشريعية، وهو الشيء الذي يبدو واضحا في قرار «   prévention de la corruption » وذلك بتاريخ 20 يناير 1993 [56]، حيت قضى المجلس الدستوري بأن المشرع قد فرض قيدا مبالغ فيه وبدون تبرير مناسب، له طبيعة تقوض وتمس بحرية تدبير الجماعات المحلية، وذلك بسبب تنصيبه لقيود تتعلق بالحد من إمكانية تمديد اتفاقية تفويض مرفق عمومي. بالإضافة إلى ذلك (وفي نفس القرار)، كان قد قضى بوجود تجاهل لمبدأ التدبير الحر على أساس إغفال بند يتيح التعليق التلقائي لمدة ثلاث أشهر، قصد تنفيذ أعمال الجماعات المحلية في مادة التعمير، الصفقات العمومية وتفويض المرفق العمومي، وذلك عندما يقوم المحافظ بإصدار طلب وقف التنفيذ. ومن ثم يبدو مجددا بأن مسألة المساس المفرط بالقدرة على اتخاذ القرار وحرية فعل الجماعات، هي التي توجد في موضع عقاب.

بعد هذا الاستعراض المقتضب لبعض أحكام القضاء الدستوري المقارن في موضوع التدبير الحر، وبشكل خاص في الشق المتعلق بوجود انتهاكات لهذا المبدأ، يظهر بأن التدبير الحر من الممكن اعتباره كحرية للجماعات الترابية قصد التمكن من التصرف وقيادة شؤونها الخاصة. كما يبدو من المؤكد بأن مبدأ التدبير الحر يتخذ عدة أوجه، ويشمل عناصر متعددة، كما هو الشأن مثلا لحريات ينسجم بعضها مع البعض الأخر: حرية إدارة الأشخاص والموظفين الترابيين، حرية التعاقد، حرية اتخاذ قرارات مباشرة النفاذ، حرية تنظيم وتسيير هيئات الجماعة، حرية تحصيل الضرائب وحرية الإنفاق …

والحاصل، يتضح من خلال ماسبق، بأن حرية التدبير لا تبدو مفهومة باعتبارها حرية واحدة، وإنما بمثابة محور”Axe” لكل الحريات الأخرى التي يمكن أن تحوزها الجماعات الترابية بالنظر إلى طبيعتها، بحيث قد تشمل العديد من التشعبات أو التداعيات، كما هو الشأن مثلا لحرية التعبير أو حتى الحرية الفردية [57]. يمكن كذلك تعزيز هذه الخاصية إن صح القول بأن التدبير الحر يعتبر بالنسبة للجماعات الترابية كما الحرية الفردية للأشخاص الطبيعية بالشكل الذي يتوافق معها كما جاء في بعض الدساتير المقارنة.

لابد إذن من إدخال إصلاحات أخرى على دستور يوليوز 2011 تهدف إلى إعطاء مضمون مادي لمبدأ التدبير الحر، وحمايته من كل اعتداء محتمل من طرف اختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبالخصوص الإستقلال المالي للجماعات الترابية، الذي يظل المنتخبيين مرتبطين أشد الإرتباط به حيت غالبيتهم من خلال المناظرات والنقاشات يرافعون دائما حول مسألة الإستقلال في التدبير الجبائي للجماعات والأقاليم، وانتظار إنتاج تأثيرات حقيقية على بنية النظام الشديد المركزية. كما يؤكد ذلك الإتجاه النظري والفقهي الغالب بالقول على أن انطلاق مسار للامركزية يمر بدون نقاش عبر استقلال مالي فعال للجماعات الترابية، حتى يمكن فك هذه الأزمة المؤسساتية، في حين يظل الإستقلال المالي والإداري للجماعات الترابية بالمغرب يهمن عليه أفق غير مؤكد.

وكما هو الشأن بالنسبة لجميع الحريات الفردية أو العامة الخاصة بالأشخاص سواء المعنوية أو الطبيعية، فإن مبدأ التدبير الحر باعتباره حرية أساسية للجماعات الترابية مع ذلك بعيد كل البعد من أن يكون مطلق، بما أن القيود المرتبطة بالحد منه قد سبق وأن سجلت بشكل جيد في العديد من المناسبات من طرف القضاء الدستوري المقارن، إلا أن هذا الموضوع الأخير له قصة أخرى[58]، ترتبط في الواقع بالوسائل الدستورية والتي تقوم عليها هذه الحرية ( السلطة التنظيمية، المالية المحلية، اختصاصات … ) يمنك مناقشتها هى الأخرى في مناسبات مقبلة.

 

 

 

 

 

[1]  – ينص الفصل 136 من الدستور المغربي على أن  « التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر « ، في حين أن الفقرة الأخيرة من الفصل 146 تنص على أن القانون التنظيمي سيحدد «  قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر « .

أما بالنسبة لفرنسا :

– le principe de « la libre administration des collectivités territoriales «  est affirmé à l’article 34 de la constitution de 1958. Plus précisément, selon cet article, il appartient au législateur de déterminer les principes fondamentaux «  de la libre administration des collectivités territoriales, de leurs compétences et de leurs ressources «. L’article 72 alinéa 3 de la constitution explicite quelque peu ce principe : il prévoit que « dans les conditions prévues par la loi, ces collectivités [c’est-à-dire les collectivités territoriales] s’administrent librement par des conseils élus «.

– للمزيد من التفاصيل أنظر الدراسة التالية :

Amine semai, le pouvoir territoriales au Maroc a la lumière de l’expérience française :  Contribution à l’étude du droit constitutionnelle locale, mémoire de master, FSJES, MARAKECH, 2013.

[2] – « le juge est le seul garant possible d’une liberté «, HAURIOU, « Note sous CE, 20 mars 1901, Casanova «, S. 1901, III, p. 73.

[3] – « le juge est le seul garant possible d’une liberté «, HAURIOU, « Note sous CE, 20 mars 1901, Casanova «, S. 1901, III, p. 73.

[4] – CE, Sect., 18 janv. 2001, Commune de Venelles c/ M. Morbelli, concl. Laurent Touvet, RFD adm., n° 2−2001, pp. 378 à 388.

[5] – Déc. n° 79- 104 DC (Rec. p. 27), RJC I-69. V. not. La déc. nº 87 – 231 DC du 5 janv. 1988 (Rec. p. 7).

[6]  – أنظر :

Cours constitutionnelles européennes et droits fondamentaux. Nouveau bilan: 1981-1991, Annuaire international de justice constitutionnelle, 1991, Economica- PUAM, 1992, pp. 69 à 360.

[7] – « le principe d’égalité n’est pas moins applicable entre les personnes morales qu’entre les personnes physiques «. – Déc. n° 81−132 DC du 16 janv. 1982, (Rec. p. 18), RJC I-104; Favoreu  )L.(  et Philip )L.(, Les grandes décisions du Conseil constitutionnel, Dalloz, 11e éd., 2001, n° 31.

[8] – Déc. n° 98- 401 DC du 10 juin 1998, Loi d’orientation et d’incitation relative à la réduction du temps de travail, Rec. p. 258.

[9]  – المواد 3 – 19 من القانون الأساسي للفدرالية الألمانية «  Bonner verfassung « ، وذلك وفق أخر تعديلات 3 أكتوبر 1990، وللإطلاع على هذا القانون أنظر موقع «  Deutsher Bundestag « :

www.bundestag.de/index.jsp.

[10]  – المواد 2 – 12 من الدستور البرتغالي لتاريخ 25 أبريل 1976، نقتطف منه العبارة المترجمة رسميا إلى الفرنسية التالية :

«  Toutes les personnes morales jouissent des droits et sont astreintes aux devoirs qui sont compatibles avec leur nature «. Article 12, principe de l’universalité, 4éme révision, 1997.

[11]Droit des libertés fondamentales, FAVOREAU )L.(, GAIA )P.(, GHEVONTIAN)  R.(, MELIN-SOUCRAMANIEN )E.(, ROUX )A.(, collectif ; in droit public science politique, Dalloz , 2 éd ., n°-111 , p.99.

[12] – Ibid, p.100.

[13] – الفصل 9، المواد 159 – 165، من الدستور الاسباني 27 ديسمبر 1978 والذي ينظم الملكية الدستورية منذ هذا التاريخ. انظر أيضا :

– « Loi Orgánica de Reintegración et d’Amejoramiento du Régimen Foral de Navarre «, 10 aout 1982.

[14] – FAVOREU )Louis (, la notion de liberté fondamentale devant le juge administratif, Dalloz, 2001, p.1739.

[15] – RFD adm. nº 3, 2001, p. 684.

[16] – Economia – PUAM, 1993.

[17] – «  Le point qu’il ne faut jamais perdre de vue, c’est que la décentralisation est une liberté… Elle a toujours suivi le sort des autres libertés… «. Barthélémy )J.(, «  Les tendances de la législation sur l’organisation administrative depuis un quart de siècle «, RD publ. 1909, p.150- 151 .

[18] – Article 87: » Les collectivités territoriales s’administrent librement par des conseils élus au suffrage universel ».

[19] – «  la déclaration d’André Philip, répondant aux députés Coste-Floret (MRP) et Bastid (Rassemblement des gauches) qui demandaient la suppression du titre consacré aux collectivités territoriales, lors de la séance du 26 juin 1946 de la deuxième Commission de la Constitution: ” J’estime en mon nom personnel, qu’il est bon d’inscrire dans la Constitution les libertés locales… ” ou encore, du même André Philip, s’adressant à André Marie qui s’interrogeait sur le point de savoir si la libre administration était une ” liberté totale “: ” Je ne sais pas ce que vous entendez par la liberté totale. Les uns et les autres, quand nous sortons d’ici nous avons la liberté de circuler; mais cette liberté est soumise à un contrôle de la circulation qui ne porte pas atteinte à cette liberté, mais qui l’organise. Nous affirmons le principe des libertés locales pour les collectivités, aussi bien municipales que départementales, mais il est bien évident qu’elles s’exercent sous le contrôle administratif… » (cité par C. BACOYANNIS, op. cit., pp. 96- 97).

[20] – BACOYANNIS (C.), op. cit., p. 98.

[21] – Constitution, in J.-Cl. Collectivités locales, nº 46.

[22] – «  التنظيم الترابي للملكة تنظيم لامركزي « ، الفصل الأول من الدستور المغربي، وهو نفس الشيء بالنسبة للفصل الأول من الدستور الفرنسي المعدل ” فرنسا جمهورية لا تتجزأ … منظمة تنظيم لامركزي “.

[23]  – في المغرب هناك خلط أو مجز منذ زمن طويل إلى اليوم في المصطلحات، بين القوة العمومية بمعنى السلطة العمومية كمادة خام لم تتحول بعد إلى أفعال أو أعمال مادية أو معنوية والتي كتب عنها عميد استراسبورغ “كاري دى مالبيرغ”، وبين القوة العمومية والتي يقصد بها القوات المسحلة، الشرطة، الدرك، الجمارك…

La puissance publique est un terme générique utilisé pour désigner les moyens qu’un État se donne pour assurer la sécurité de son territoire, la sécurité de ses citoyens, ainsi que l’application des lois et règlements. Entre autres la force publique comprend : les forces armées, la police, la gendarmerie, la douane etc.

[24] – not. Bourjol (M.), J.-Cl. Collectivités locales, vº Constitution, nos 55 et 60.

[25] – « une concession émanant de la collectivité supérieure «,Contribution à la théorie générale de l’État, Paris, CNRS Éditions,‎ 1985, p.170.

[26] – AUBY (J.- M.), Intervention au colloque d’Arc-et-Senans et Besançon des 19- 20 avril 1984 sur la libre administration des collectivités locales, in La libre administration des collectivités locales, sous la direction de MOREAU (J. ) et DARCY (G.), Economica- PUAM, p. 94.

[27] – FAVOREU (L.), ” La problématique constitutionnelle des projets de réforme des collectivités territoriales “, RFD adm. 1990, p. 400; BOURJOL)M.( et BODART )S.(, Droit et libertés des collectivités territoriales, Masson, 1984, pp. 34−35.

[28]  – الكاتب يبين كيف أن عبارة «  collectivité territoriale « ، والتي ثم توظيفها من طرف L.DUGUIT منذ 1903، ومن طرف L.MICHAUD في سنة 1906، MALBERG R. CARRÉ DE  في سنة 1920 و L.ROLLAND منذ 1935، تعني في الأصل مجموعة تتألف من كل المجموعات البشرية والتي تحدد وتعرف بارتباطها بتراب معين.

[29] – C. BACOYANNIS, op. cit., p. 100.

[30] – Rapport du député Arrès- Lapoque, JO, Documents de l’ANC. Élue le 21 octobre 1945, doc. nº 885, p.881.

[31]  – لقد تمت دسترة الجهة بفرنسا بموجب المراجعة الدستورية الفرنسية بتاريخ 23 يوليو 2003

[32]   –   BOULOUIS) J.(, AJDA, 1982, p.304.

[33] – GENEVOIS )B.(, La jurisprudence du Conseil constitutionnel, principes directeurs, STH, 1987, nº 153; BOURDON )J.(, PONTIER )J.−M.(  et RICCI )J.−C.( , Droit des collectivités territoriales, coll. Thémis, PUF 1998, pp. 90 et s.; BOUBOUTT )A.−S.(, L’apport du Conseil constitutionnel au droit administratif, Economica- PUAM, 1987, p. 440; BACOYANNIS )C.(, thèse préc., p. 297; LUCHAIRE )Y.(, Le droit de la décentralisation, coll. Thémis, PUF, 1983, p. 95.; FAVOREU )L.(, La décision de décentralisation et le statut des collectivités territoriales, in Fédéralisme et Décentralisation, Éd. universitaires de Fribourg, 1987, p. 57; Touvet )L.(, FERSTENBERT )J.(, CORNET )C.(, Les grands arrêts du droit de la décentralisation, Dalloz, 1999, pp. 7 et s.; FAVOREU )L.( et PHILIP )L.(, Les grandes décisions du Conseil constitutionnel, Dalloz, 2001, p. 519.

[34]  – أنظر القرارات التالية :

-not .Déc. nº 83- 168 DC du 28 déc. 1983, Rec. p. 77; RD publ. 1986, 396, comm. FAVOREU )L. ( ; déc. nº 76- 89 L du 2 juin1976 (Rec. p. 52), « relative à l’obligation faite aux communes de déposer certains de leurs documents aux archives départementales » ; déc. nº 88- 154 L du 10 mars 1988 (Rec. p. 42; D. 1988, 501, note PRETOT )X.(, RD publ. 1989, 399, chron. FAVOREU )L.(, « à propos de l’obligation faite aux collectivités territoriales de motiver les décisions de refus de communication des documents administratifs » .

[35] – not. Déc. nº 73- 76 L du 20 févr. 1973 (Rec. p. 29) « relative à l’obligation d’approuver un document d’urbanisme par décret en Conseil d’État en cas d’opposition de la collectivité intéressée » ; déc. nº 75- 84 L du 19 nov. 1975 (Rec. p. 35), nº 64- 29 L du 12 mai 1964(Rec. p. 31) et nº 80- 120 L du 30 déc. 1980 (Rec. p. 78).

[36] – Ibid.

[37] – GENEVOIS (B.), note sous CE, Ass., 29 avril 1981, Ordre des architectes, AJDA 1981, 429.

[38] – أنظر الفصل 34 من الباب الخامس من الدستور الفرنسي :

« … la lois fixe les règles concernant : … «

« … la lois détermine les principes fondamentaux : … «

[39] – « les collctivités territoriales s’administrent librement par des conseils élus les conditions prévues par la loi «.

[40]  – «  يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر … «  .

[41] – CHAPUISAT )J .(, «  Libertés locales et libertés publiques « , AJDA 1982, 354.

[42] – BOULOUIS (J.), AJDA 1982, 304.

[43] – في هذا الفهم لمعنى التدبير الحر، أنظر :

– CHAPUISAT (J.), art. préc., p.355 .

[44] –  AUTEXIER (C.), «  L’ancrage constitutionnel des collectivités de la République « , RD publ. 1981, 605.

[45] – Déc. nº 79- 104 DC (Rec. p. 27), comm. FAVOREU (L.), RD publ. 1979, 1695; note L. HAMON, Gaz. Pal., 1981, 12. « Le législateur n’a méconnu ni le principe de séparation des pouvoirs ni les dispositions constitutionnelles qui le mettent en œuvre ou qui consacrent la libre administration des collectivités territoriales «.

[46] – FAVORU (L.), «  Libre administration et principes constitutionnels «, in La libre administration des collectivités locales (MOREAU (J.) et D’ARCYDIR (G.), Economica- PUAM, 1984, p. 68.

[47] – VEDEL )G.(, Le droit au logement et le principe de la libre administration des collectivités locales, Pouvoirs locaux, nº 8, mars 1991, p. 18.

[48] – Déc. nº 83- 168 DC du 20 janv. 1984; déc. nº 92- 316 DC du 20 janv. 1993; déc. nº 98- 407 DC du 14 janv. 1999; déc. n° 2000- 436 DC du 7 déc. 2000.

[49] – FAVOREU )L.(, Décentralisation et Constitution, RD public. 1982, p. 1259.

[50] « cette liberté implique donc une autonomie à la fois institutionnelle et fonctionnelle «, TOUVET )L.(, FERSTENBERT )J.( , CORNET )C .(, op. cit. p. 5.

[51]  – كما ينبغي أن تكون مكاتب أعضاء المجالس المحلية كذلك منتخبة :

-déc. nº 90- 280 DC du 6 déc. 1990.

[52] – déc. nº 82- 146 DC du 18 nov.1982.

[53] – déc. nº 98- 407 DC du 14 janv. 1999.

[54] – déc. nº 85- 196 DC du 8 août 1985; déc. nº 87−241 DC du 19 janv. 1988.

[55] – déc. nº 83- 168 DC du 20 janv. 1984, RD publ. 1984, p. 687, note FAVOREU )L.( ; AJDA 1984, p. 258, note NEMERY )J.-Cl(..

[56] – RFD adm. 1993, p. 902, note POUYAUD )D.( ; JCP 1993, I, 3670, note PICARD )E.( ; Petites affiches, 2 juin 1993, p. 4, note MATHIEU )B.(  et VERPEAUX )M.( ; RFD const. 1993, p. 375, note FAVOREU )L.(, FRAYSSINET )J.(, )X.(PHILIPPE, RENOUX )T.-S.(, ROUX )A.( .

[57]  – FAVOREU )L.(  et autres, Droit des libertés fondamentales, Dalloz, 2001, p. 167 ; (op.cit).

[58] – أنظر على سبيل المثال :

– ROUX )A.(, Droit constitutionnel local, Economia, 1993; VERPEAUX )M.( «  La Constitution et les collectivités territoriales », RD publ.1998, p. 1379.

 

Exit mobile version