Site icon مجلة المنارة

عوائق التنمية السياسية بالمغرب

عوائق التنمية السياسية بالمغرب

 

 طالب باحث بكلية الحقوق- سطات

 

يعد المغرب من البلدان العربية الأكثر انفتاحا على التجارب الديمقراطية الغربية، وكذا من أكثر البلدان العربية تطورا ومسايرة للإصلاحات حسب الأحداث المتسارعة، ولقد كان الحراك العربي الأخير في سنة 2011 خير مثال على ذلك؛ إذ كان المغرب من البلدان العربية السباقة إلى النفس الإصلاحي عبر سن دستور جديد وإطلاق انتخابات برلمانية مبكرة وغيرها من الإجراءات التي سعى من خلالها المغرب إلى الإصلاح في ظل الاستمرار.

وتعود طبيعة المغرب الإصلاحية والانفتاحية هذه إلى مسلسل الانتقال الديمقراطي الذي بدأ بشكل أساسي في فترة التسعينات عبر دستور 1996 وآلية التناوب، ثم تكرس بشكل أكبر مع العهد الجديد الذي جاء فيه الملك محمد السادس بالمفهوم الجديد للسلطة، ثم توالت بعد ذلك محطات مسلسل الانتقال الديمقراطي في سعي كبير إلى بلوغ النظام الديمقراطي الذي ينهل من الخصوصية المغربية.

إلا أن هذا المسلسل وما رافقه من مجهودات في التنمية السياسية تعرض لمجموعة من الكبوات والعراقيل التي حدت من سرعته، مما جعل من الانتقال الديمقراطي في المغرب عملية يطول أمدها أكثر فأكثر، فما هي إذن أهم عوائق التنمية السياسية بالمغرب ؟

هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال التطرق للعوائق المؤسساتية آخذين الأحزاب السياسية كمثال على ذلك، ثم ننتقل بعدها إلى العوائق الثقافية باسطين المشاركة السياسية كأهم تجلياتها.

أولا : العوائق المؤسساتية (الأحزاب السياسية)

 

تضطلع المؤسسات السياسية والدستورية في المغرب بأهمية بالغة في مجال تأثيث الحياة السياسية وترسيخ المبادئ الديمقراطية والتأسيس لقواعد التنمية السياسية، لكن هذه الأهمية قد تكون سلاحا ذو حدين؛ خاصة إذا ما تخلت هاته المؤسسات عن أدوارها وواجباتها، أو قصرت في تأديتها.

ولا شك أن المؤسسات الدستورية الأساسية تضطلع بإمكانيات هامة في النهوض بالتنمية السياسية، وذلك بفضل ما تتوفر عليه من فرص وصلاحيات للنهوض بالتنمية السياسية والتأسيس لمسار قويم لها؛ غير أن هذه المؤسسات عينها قد تكون في بعض الأحيان عائقا أمام الهدف المنشود في تأمين تقعيد سليم لأهم آليات التنمية السياسية.

فالمؤسسة الملكية مثلا لها كافة الصلاحيات والإمكانيات التي تمكنها من النهوض بالتنمية السياسية، غير أن سعي هذه المؤسسة في بعض الأحيان إلى الحفاظ على استقرارها أو استقرار البلاد، أو سعيها إلى الحفاظ على التوازنات السياسية داخل الدولة يمكن أن ينتج عنه تعطيل للتنمية السياسية في المغرب أو تأجيلها على الأقل.

وإذا أخذنا الدستور على سبيل المثال، فإن جميع الدساتير المغربية كانت دساتير ممنوحة من قبل المؤسسة الملكية، عكس مبدأ الجمعية التأسيسية الذي تأخذ به الدول الديمقراطية العريقة، مما يجعل كل الإصلاحات الدستورية في المغرب من صنع الملك أو من اقتراح محيطه، أو حتى بناءا على اقتراحات يبقى للمؤسسة الملكية الحق في الفصل فيها وعرضها على الاستفتاء، مما يجعل هذه التعديلات الدستورية تدخل في إطار ما يصطلح عليه بـ “التغيير في ظل الاستمرارية”[1].

كما أن معظم السلطات التي يتوفر عليها الملك تتسم بطابع السمو، زيادة على أنها لم تكن مقيدة على مر كل الدساتير المغربية السابقة[2]، وهذا ما جعل سلطات واختصاصات المؤسسة الملكية تشمل كل جوانب الحياة السياسية، حتى صارت بعضها تطرح سؤال الحيادية من قبيل صفة الحكم الأسمى، إذ أن الملك باعتباره يملك اختصاصات ضمن معظم المؤسسات الدستورية؛ فإن مهمة التحكيم بين هذه الأخيرة لا تستقيم مع منطق الحيادية، إلا إذا أخذنا بالتأويل القائل بكون المؤسسة الملكية أسمى من كل المؤسسات[3].

من جانب آخر، فإن المؤسسة التنفيذية بدورها يمكن أن تكون سببا في عدم السير قدما نحو ترسيخ التنمية السياسية في المغرب، فبالرغم من كافة الإمكانيات والاختصاصات الدستورية التي رصدها لها المشرع؛ والتي تتيح للحكومة إمكانية النهوض بالتنمية السياسية باعتبارها سلطة تنفيذية، إلا أن ذلك لا يمنع من كونها تقع في خانة المؤسسات التي يمكن أن تثبط هذا النهوض المنشود للتنمية السياسية.

ففضلا عن كون أمر إرساء القواعد الديمقراطية وسياسات عمومية ناجعة من صميم اختصاصات الحكومة، فإن تفعيل الدستور وسائر توجيهاته تظل هي الأخرى من أبرز المهام المنوطة بالحكومة، حيث يعتبر الإخلال بهذه المهمة من أهم الأسباب التي تجعل كل الإصلاحات القائمة مجرد شكليات ونصوص مكتوبة لا تصل إلى درجة الفعل المؤثر الذي يتيح احتمال نشر تجربة الإصلاح مع قدر كبير من الحيوية السياسية[4]، مما يجعل النهوض بالتنمية السياسية أمرا مرهونا بهذا التفعيل الحكومي.

إضافة إلى ذلك، فإن بعض الممارسات التي تطبع العمل الحكومي يمكن أن تكون عائقا أمام هدف التنمية السياسية المنشود، حيث يلاحظ أن حكومة ما بعد دستور 2011 مثلا لم تلتزم ببعض المبادئ الدستورية كمطلب الحكامة الذي أفرد له الدستور مؤسسات عديدة، ومجموعة من الفصول التي تؤطره، والذي تعهدت به كذلك معظم الأحزاب المشكلة لها خلال حملاتها الانتخابية، حيث تمثل خرق هذا المبدأ في استمرار الهيكلة الوزارية على حالها بما فيها عدد الوزراء والمرافق الوزارية والنفقات حكومية، حيث ظلت شعارات الترشيد والعقلنة مجرد شعارات لم تترجم إلى أفعال[5]، كما اتسمت هذه الحكومة كذلك بالطابع التكنوقراطي، ما يعني تراجع الأعضاء المنتخبين والسياسيين، حيث وصلت إلى نسبة تزيد عن 20 في المائة من مجموع أعضاء الحكومة[6]، مما يجعل أمر المسؤولية والاختيار الديمقراطي على المحك.

ولا تخرج المؤسسة التشريعية عن دائرة الشك في إرساء قواعد التنمية السياسية بالمغرب، فبالرغم من كافة الإمكانيات المتاحة لها دستوريا هي الأخرى، إلا أن البرلمان المغربي لم يواكب مسيرة الإصلاح الدستوري وترسيخ آليات التنمية السياسية بالشكل المرغوب فيه.

حيث أن المؤسسة البرلمانية ظلت حتى في مرحلة ما بعد دستور 2011 تتسم بالضعف وعدم التجدد، إلى درجة أن كل الأرقام والنسب والمواضيع والمجالات والقطاعات الوزارية تثبت أن هناك غياب شبه تام للقطيعة في العمل البرلماني بين مرحلة ما قبل وبعد دستور 2011[7].

وهذا يعني أن التحولات الدستورية لم تغير من مستوى البرلمان المغربي، إذ ليس هناك تحول كبير للرفع من مردودية البرلمان، وبالتالي فإن هذا الواقع لم يسمح بإعادة تشكيل المؤسسة البرلمانية وفق نموذج جديد يسمح بتغيير الصورة النمطية لدى الرأي العام وحتى لدى النخبة البرلمانية نفسها.

أما فيما يخص العمل الرقابي، فإنه لم يخرج عن إطار استعمال الآليات التقليدية، كالأسئلة الكتابية والشفهية، مع غلبة الكتابية منها، كما يلاحظ أن هناك طغيانا كبيرا وهيمنة مطلقة لمشاريع القوانين وصلت إلى أزيد من 90 في المائة، مقابل ضمور في نسبة مقترحات القوانين التي لا تتعدى 11 في المائة[8]، مما يؤكد ضعف العمل البرلماني.

زيادة على ذلك، يظهر إهمال ملحوظ في بعض الاختصاصات التي حظيت بها السلطة التشريعية ضمن دستور 2011، حيث طال هذا الإهمال لجان تقصي الحقائق، والتي غالبا ما ترتبط بالفضائح الكبرى، في وقت يجب أن تمارس صلاحياتها بشكل عاد، كما أن الإهمال طال اختصاصات المعارضة والتي عادة ما تكون محتشمة في تدخلاتها أمام الأغلبية البرلمانية التي تسعى دائما إلى تغييب حقوق الأقلية من أجل إضعافها وسلبها أهم الآليات التي تخولها المشاركة في مراقبة السياسات العمومية بغرض إبعاد أي إحراج يمكن أن يطاول الحكومة[9].

وبالتالي يتضح بجلاء أن المؤسسة التشريعية، إلى جانب كل من المؤسستين الملكية والتنفيذية، يمكن أن تكون حجرة عثرة أمام النهوض بالتنمية السياسية بالمغرب عكس ما هو منتظر منها، وذلك في حال ما إذا تخلت عن صلاحياتها ومسؤولياتها المنوطة بها.

إن الخلل المؤسساتي لا يستثني المؤسسات الدستورية الأساسية التي تضطلع بأدوار هامة في مجال النهوض بالتنمية السياسية، لكن الإشكال الأكبر يطال مؤسسة أخرى غير اللاتي ذكرناها آنفا، والتي تتمثل في المؤسسة الحزبية في المغرب.

وبالنظر إلى تعريفات الحزب السياسي فإنها تختلف حسب كل توجه، وحسب أهداف ووظائف الحزب وأعضائه أيضا، حيث أن هناك من يعتبر الحزب السياسي جماعة سياسية تتقدم للانتخابات وتكون قادرة على أن تقدم من خلال تلك الانتخابات مرشحين للمناصب العامة[10]، في حين يرى البعض الآخر أن الحزب السياسي هو تجمع منتظم هدفه المشاركة في الحياة السياسية بقصد الاستيلاء كليا أو جزئيا على السلطة، حتى يتمكن من تحقيق أفكار ومصالح أعضائه[11]، مما يوضح بأن الوصول إلى السلطة هو الهدف الأسمى للحزب السياسي.

لكن وبغض النظر عن التعريفات المختلفة، فإن كيفية ظهور الأحزاب السياسية لا تخرج عن عاملين مؤثرين اثنين، حيث يكون ظهورها ناتجا إما عن تأثير عوامل داخلية أو عوامل خارجية، ففي حالة ما إذا كانت العوامل الداخلية هي التي ساهمت في ظهور الأحزاب السياسية، فإن هذه الأخيرة ستكون أكثر تنسيقا من الناحية الإيديولوجية وتعمل على تنمية المصالح الاقتصادية والاجتماعية في النظام القائم، أما في حالة الأحزاب التي ظهرت تحت تأثير عوامل خارجية، فإنها تنشأ خارج الجهاز التشريعي، وهي بذلك تحمل إيديولوجيات مغايرة للمجتمع الذي تنشط فيه، وتحدث صراعات مع الجماعات الحاكمة[12].

وإذا نظرنا إلى الأحزاب السياسية من هذا المنظور في إطارها التاريخي، نجد أن القراءة التاريخية تقدم لنا نماذج لتنظيمات حزبية وطدت أركان دولها، كما أن هناك أحزابا قوية أسست دولا قوية، وذلك بخلاف الوطن العربي، ومن ضمنه المغرب، حيث أن الدولة هي من ينشئ الأحزاب في الغالب[13]، مما يجعل هذه الأخيرة بعيدة عن تحقيق أهداف التنمية السياسية أو حتى المساهمة في النهوض بها.

وتكمن أهمية الأحزاب السياسية في كونها ضامنة لتثبيت النظام الديمقراطي، وتدعيم الممارسات الديمقراطية الكفيلة بتمثيل الأفراد على مستوى السلطة (سواء السلطة التنفيذية أو التشريعية)، كما تتجلى هذه الأهمية أيضا في كون الأحزاب السياسية بمثابة سمة أساسية للتحديث[14]، خاصة من خلال ما تضطلع به من وظائف والتي تعتبر التنشئة السياسية والمشاركة السياسية أهمها.

حيث يظهر دور الأحزاب السياسية في ما يتعلق بقضية المشاركة السياسية من خلال تعبئة الجماهير على ضرورة الانتخاب لإحداث التغيير، في حين تتمحور مهمة التأطير حول مجموع ما يقدمه الحزب السياسي من معلومات وتكوينات عبر ملتقياته وندواته من أجل تعزيز الوعي السياسي لمنخرطيه وللمواطنين بشكل عام.

ولقد عهد المشرع ضمن دستور 2011 إلى الأحزاب السياسية المغربية مجموعة من المهام تعتبر من صميم أهداف تأسيسها، حيث أناط بها مهام العمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، والمساهمة في تدبير الشأن العام، والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية[15].

إلا أن مجموع هذه الأدوار المنوطة بالأحزاب السياسية انتقلت إلى توصيات بدل كونها التزامات دستورية بسبب ما آلت إليه أوضاع الأحزاب المغربية، إذ قل ما نجد حزبا يضطلع بمهامه التأطيرية والتكوينية للمواطنين، أو يقوم بحملات توعوية أو ملتقيات تجمع قادته بالمواطنين خارج وقت الانتخابات، وذلك راجع بالأساس إلى كون هذه القيادات صارت تعيش بعيدة عن القاعدة، ولا تهتم بها إلا في وقت الحاجة إليها (الفترات الانتخابية)، مما جعل العلاقة بين الحزب والمواطن علاقة مصلحية آنية لا تقوم على النظرة المستقبلية والمصلحة العامة، حتى أصبحت علاقة منفعية بحثة، الشيء الذي حول المواطن إلى مجرد رقم انتخابي، ووضع الأحزاب المغربية في صنف “الأحزاب التي تلتقط كل شيء”[16].

إن تخلي الأحزاب السياسية عن أدوارها ومهامها الدستورية الملقاة على عاتقها، أو حتى التقصير فيها، دفع العديد من الأفراد إلى النأي بأنفسهم عن الممارسة والمشاركة السياسية، وفقدان الثقة في هذه الأحزاب السياسية وفي قياداتها، هذه القيادات التي تتصف عموما بكونها تتألف من عناصر مثقفة بمرجعية غربية، وذات زاد تاريخي في النضال ضد المستعمر، غير أنها – حال تقلدت منصبا أو موقع قوة – فإنها تسعى إلى جلب الجماهير والحضور الدائم في الساحة السياسية، وكذا التضييق على الصوت المعارض لها عبر تحجيمه، والعمل على الحفاظ على المبادئ والمؤسسات التي تكرس بقاءها[17].

لقد اكتسبت القيادات السياسية والنخب الحزبية في عمومها خلفية إيديولوجية نابعة من الثقافة الغربية، حيث اتسمت أغلب توجهاتها وسلوكياتها بتناقض كبير وفجوة عميقة بين المبادئ المعلنة وآثارها الواقعية، وذلك بسبب محاولة استيراد الديمقراطية الغربية بصفة شكلية فقط، غير أن المحاولة فشلت نظرا لاختلاف الخلفيات الاجتماعية السائدة في كل بلد، ولقد تبين هذا التناقض من خلال خرق هذه الأحزاب لبعض المبادئ الدستورية الأساسية، كمنع الترحال السياسي مثلا، ورغم أن هذا المبدأ لم يتم خرقه بشكل رسمي، إلا أن احتضان الحكومة مثلا لبعض الوزراء بغير انتمائهم الحزبي السابق يضرب هذا المبدأ الحزبي في العمق[18]، مما أدى إلى تحجيم قيمة الانتخاب الحزبي ومن ثمة أحد المبادئ الديمقراطية الأساسية، وهذا ما من شأنه عرقلة مسار التنمية السياسية.

كما أن هذه الفجوة تأكدت في السياق الدستوري الذي كان مأمولا منه أن يكون دافعا قويا للأحزاب السياسية، لكن العكس هو الذي حدث؛ حيث اكتفت هذه الأحزاب السياسية ونخبتها الضعيفة خلال الحراك المغربي المتمثل في حركة “20 فبراير 2011” كما في “حراك الريف” الأخير بما هو كائن، ولم تستطع أن تستوعب جموع المحتجين أو توصل صوتهم ومتطلباتهم، فضلا عن تلبيتها، كما أن السياق الدستوري كذلك كشف مدى ضعف الأحزاب السياسية هذه، إذ نجدها مثلا، بعد أن كانت تؤكد في بداية الاستقلال ضرورة انتخاب مجلس تأسيسي لوضع الدستور، أصبحت منذ منتصف سبعينات القرن الماضي تكتفي بمطالب في مضامين الدستور، بغض النظر عن طريقة وضعه، إضافة إلى بعض التناقضات الكبيرة التي سقطت فيها من قبيل رفض الدستور ومقاطعته ثم المشاركة في المؤسسات المنظمة على أساسه[19].

وضمن نفس السياق، فإنه وبعد سنوات من اعتماد الدستور الجديد لسنة 2011، ظل المشهد السياسي العام أكثر تراجعية عما كان عليه من قبل، واستمرت الأحزاب في عدم تطابق ممارساتها مع حمولات الدستور وما يحتاجه من نفس تحديثي ليواكب انتظارات الشارع الذي بات يرفض آليات الوساطة التقليدية وعلى رأسها الأحزاب السياسية، وذلك نتيجة غياب تعددية سياسية حقيقية، قائمة على شرعية المؤسسات الحزبية وعلى معايير الديمقراطية والكفاءة والنزاهة والقدرة على خلق فرز جديد في المشهد السياسي، وغياب عروض استثنائية من شأنها إرجاع الثقة في المسار الديمقراطي.

إن الوصول إلى السلطة والبقاء فيها هدف أساسي للأحزاب السياسية، حيث أن القاعدة الديمقراطية تحتم التداول عليها، وبالتالي فالمهمة الأساسية للأحزاب السياسية هي تطبيق برامجها من خلال وصولها إلى مواقع السلطة، أو على الأقل برامج معدلة وفقا لتحالفات حكومية مستجدة، غير أن الإشكال عند أحزابنا السياسية هو تحايلها على تلك الالتزامات عبر الاقتصاد في الجهد والاقتراح والعمل؛ سواء ادخارا للاستحقاق الانتخابي القادم، أو لفقدانها أدوات وكفاءات وإرادة لتحقيق ذلك، وهو ما جعلها تستند في خطابها على أفكار إيديولوجية عقدية وأخلاقية صيرت التنافس بينها إلى معركة “هوياتية”، بدل معركة تخص البرامج والخيارات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية[20]، وبالتالي يتم إفراغ العملية السياسية والانتخابية من أبعادها الحقيقية.

ولقد أدى وضع الأحزاب السياسية هذا إلى ازدياد درجة التأزم في المسلسل الديمقراطي المتطور للمغرب، وكذا إلى فقدان الثقة في الطبقة السياسية وانتشار ظاهرة العزوف السياسي لدى شرائح واسعة من الشباب أمام أزمة التواصل السياسي وضعف تمثيل وتأطير المواطنين.

ويمكن التدليل على تفاقم هذه الوضعية بما جاء في خطب رأس الدولة نفسه، إذ أن الملك نبه إلى تقاعس الأحزاب في خطبه، حيث انتقد انتهازية الأحزاب السياسية واختباءها وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه في حالة الأزمات الاجتماعية والسياسية، في حين أنها تتهافت على اقتسام المنافع في حالات الرخاء، مما يفيد بأن الأحزاب السياسية لم تغير عقلياتها، بل وفقدت القدرة على التنفيذ والإبداع، وذلك بسبب التراجع والاستنكاف عن قيامها بدورها كاملا، عن قصد وسبق إصرار أحيانا وبسبب انعدام المصداقية والغيرة الوطنية أحيانا أخرى[21].

يتضح مما سبق إذن، أن الأحزاب السياسية بالمغرب اعتبرت بمثابة عائق مؤسساتي للتنمية السياسية بالبلاد في كثير من الأحيان، حيث اتسمت في مجملها بالانتهازية والانتفاع عبر السلطة، كما أن جهودها المحتشمة والفارغة من محتواها كانت موسمية وفئوية، بالإضافة إلى أن النقاش الدائر بينها هو نقاش استهلاكي بدل أن يكون نقاشا حول تقييم طبيعة الاختيارات الاقتصادية والمالية والاجتماعية لتشكيل رأي عام انتخابي بما ينسجم ومتطلبات الترسيخ الديمقراطي، وأعراف وقواعد العملية السياسية، وبالتالي فإن التطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب على تعامل الأحزاب التي لم تعرف تنمية سياسية، فضلا عن أن تنقلها للقواعد والمواطنين بشكل عام.

 

 

 

 

 

ثانيا : العوائق الثقافية (المشاركة السياسية)

 

إن الثقافة السياسية باعتبارها إحدى الركائز الأساسية للتنمية السياسية؛ تشكل منطلقا أساسيا لترسيخ الآليات الديمقراطية وتقعيد الممارسات المثلى بشأنها، مما يعني أن غيابها أو معاناتها من أي خلل ينتج عنه بالضرورة خلل في التنمية السياسية السليمة وأهدافها.

وتشير الثقافة السياسية عادة إلى أنماط ثقافية محددة في مجتمع ما وفي زمن محدد، حيث تدل على سلوك سياسي ما في سياق ثقافي معين، مما يجعل أغلب التعريفات حولها تتعلق بالتوجهات والمواقف والمعتقدات والقيم نحو النظام السياسي[22]، وبالتالي تعرف الثقافة السياسية بأنها نمط معين من التوجهات نحو النظام السياسي يتمثل بمجموعة من المواقف والإدراك والقيمة والمشاعر نحو هذا النظام وأدواره المختلفة ونخبه وشاغلي الوظائف فيه[23].

غير أن للثقافة السياسية مجموعة من القيم تحدد مدى إسهامها في البناء الديمقراطي وفي التأسيس للتنمية السياسية المنشودة، ويمكن بسط أهم هذه القيم كالتالي :

– المساواة : تعتبر المساواة قيمة أساسية في الثقافة السياسية، ذلك أنها تساهم في عدم التمييز بين الأفراد بغض النظر عن الاختلافات العرقية والدينية واللغوية وغيرها، فانتشار قيمة المساواة والوعي بها من قبل النخب والجماهير يعتبر أساس الانخراط في العملية السياسية، والمطالبة بتطبيق القانون والخضوع له[24].

– الحرية : تكمن أهمية قيمة الحرية في كونها تأطر علاقة الفرد بالسلطة، حيث تجعلها مبنية على أساس الاقتناع وليس الخوف، مما ينمي إحساسا بالقدرة على التأثير في مجريات الحياة السياسية والمشاركة الإيجابية وتحقيق التناغم مع السلطة الحاكمة لدى الفرد، مع التأكيد على ربط قيمة الحرية هاته بنوع من العقلانية التي تتيح للفرد التوازن والتعامل مع الظواهر السياسية بمعزل عن ما هو تقليدي أو غامض في المنطلقات والأهداف[25].

– المشاركة : تعد قيمة المشاركة قيمة فاصلة في الثقافة السياسية للفرد ضمن نظام معين، وذلك لارتباطها بتشكيل النظام السياسي وانشغالاته وقراراته وتكوين الرأي العام، وكذا باعتبارها تساهم في الانتقال الديمقراطي والاستقرار السياسي، حيث يؤمن المواطن بكون نشاطه ومشاركته السياسية سبيلا حقيقيا للتأثير الفعلي على سياسة الحكم في البلاد[26].

وهكذا فإن كافة هذه القيم مع اختلاف طبيعتها بحسب الأزمنة والأنظمة والمجتمعات والثقافات التي تحكمها تعطي للثقافة السياسية أهمية كبيرة في سياق بناء النظام الديمقراطي الصلب عبر التأسيس لقواعد متينة للتنمية السياسية.

وتكمن أهمية الثقافة السياسية أساسا في كونها مفتاحا لإعادة تنظيم المواقف والتوجهات وقولبتها بالشكل الذي يتوافق مع أهداف النظام السياسي، حيث تلعب دورا أساسيا في مساعدة الأنظمة على توجيه وإعادة توجيه معتقدات وسلوكيات شعوبها نحو ترسيخ أكبر للمنهج السياسي الذي يرتضيه كل نظام على حدة[27]، وإن كانت الأنظمة الديمقراطية والمتقدمة تعمل على تطعيم الثقافة السياسية لمجتمعاتها بمزيد التوجهات والقيم الديمقراطية، فإن الأنظمة غير الديمقراطية والأقل تقدما لا تزال تعرف العديد من الاختلالات في هذا الصدد.

حيث نجد أن الأنظمة السياسية في الدول النامية أو الأقل تقدما تكرس جهودها في تشكيل وإعادة تشكيل ثقافة سياسية سلطوية لدى شعوبها، إذ يظل الفرد حبيس الخطاب الواحد، ويبقى منقادا نحو نفس القوالب الفكرية التي نشأ عليها، والتي لا تخرج عن تعظيم الحاكم وترهيب المعارض[28]، بينما تخلو من الأسس الديمقراطية الصلبة والعملية التي تفضي إلى ثقافة سياسية تنتج ممارسات حرة وديمقراطية، وذلك عبر التنشئة السياسية وآلياتها، والتي تتم عبرها عمليات التلقين المقصود للمعلومات السياسية والقيم والممارسات الفعلية عن طريق الهيئات المسؤولة عن ذلك بصورة رسمية بهدف توحيد الفرد مع النظام السياسي وتحديد مدركاته السياسية وردود أفعاله إزاء هذا النظام السياسي[29].

ولا شك أن الدول العربية – ومنها المغرب – لا تخرج عن هذا الإطار، إذ أن كل هم الأنظمة العربية تركز في كيفية توجيه المواطنين وسلوكهم والتحكم في وعيهم وتحويلهم إلى مجرد تابعين يدورون في فلك النظام السياسي، وبالتالي لا يؤثرون فيه ولا يغيرون سياساته، بمعنى ولاء تام للنظام السياسي، وتنفيذ سياساته كأنها نتاج أفكارهم وثقافتهم، وذلك بهدف الحفاظ على وجوده واستمراره، مما يؤكد أن مشكلة الثقافة السياسية التي تعرفها المجتمعات العربية حاليا مرجعها إلى الدولة والأنظمة السياسية، إذ أن العديد من العقبات تعد من صنع الأنظمة القائمة نفسها[30].

لكن واقع الأنظمة هذا لا يلغي مسؤولية الأفراد في تدني ثقافتهم السياسية، إذ يكتفي المواطن ببعض المعارف السطحية ولا يسعى إلى المشاركة، مما يكرس لديه ثقافة الخوف من السلطة والإذعان لها والعزوف عن المشاركة السياسية.

وبالتالي يتضح بأن الأنظمة الديمقراطية بحاجة إلى ثقافية سياسية قوامها بالأساس عملية المشاركة السياسية، فيما يكون النظام الغير ديمقراطي بحاجة إلى ثقافة من النوع التقليدي ليبقى مستمرا[31].

وفيما يتعلق بالمغرب، فإن الثقافة السياسية شكلت في ما مضى عائقا كبيرا في وجه النهوض بالتنمية السياسية في البلاد، إذ غداة الاستقلال، وسعيا منه إلى تصفية الفكر الاستعماري الذي كان سائدا إبان فترة الاستعمار، قام النظام المغربي بالتأسيس لقيام إعادة بناء مؤسساتي تحترم فيه الخصوصية المغربية، الأمر الذي شاركت في تنزيله الأحزاب السياسية عبر الدور الموكول إليها القيام به ألا وهو تأطير المواطنين، غير أن الإشكال الأساسي تمثل في عدم جاهزية أو قابلية الأفراد لخوض غمار التجربة السياسية الحديثة بالبلاد، وذلك لافتقارهم للقناعات التي تحفزهم على الاهتمام بالشأن السياسي.

من جهة أخرى، شكل توجه النظام المغربي ذاته عائقا أمام التأسيس لقواعد التنمية السياسية منذ البداية، حيث تركزت مجمل توجهاته في توحيد البلاد ترابيا وإداريا وسياسيا، والسعي نحو مغربة الأنظمة الإدارية والتعليمية، ومحاولة استعادة الطابع المغربي مع دمجه ببعض معالم التحديث، والاهتمام بالجانب الأمني أكثر من غيره، وإن كانت هذه التوجهات تجد تبريرها في حداثة الدولة المستقلة، والرغبة في إعادة البناء بطابع مغربي بعيدا عن القلاقل والصراعات، إلا أنها ساهمت بشكل أو بآخر في ترسيخ ظاهرة سيطرة السياسي على الثقافي؛ وبالتالي إهمال التثقيف السياسي للأفراد.

حيث شكل الموروث الشمولي للسلطة في المغرب قاعدة مرجعية للأفراد إزاء السياسة وما يتعلق بها، واعتمد هذا الموروث السلطوي على بعض أفكار الحركة الوطنية التي شكلت لأجيالها وللأجيال اللاحقة ثقافة سياسية شابتها بعض النقائص التي جعلتها لا تسلم من الكذب والافتراء، واستعمال المقدس الديني للإقصاء السياسي للخصم، وهيمنة هاجس المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، واستعمال مواقع السلطة كوسيلة لجمع الثروة، زيادة على الانتهازية والوصولية، والازدواجية الخادعة في المواقف؛ وذلك بالتظاهر بالدفاع عن قناعات وتطبيق عكسها عمليا، مما جعلها من ضمن الأسباب التي أوصلت المغرب إلى مراتب غير مرضية في سلم التنمية والتقدم والديمقراطي على المستوى العالمي[32].

كما اعتمد هذا الموروث السلطوي كذلك على الثقافة السياسية التي رسخها “المخزن” في وعي المغاربة، والتي انبنت على علاقة الشيخ بالمريد أو العلاقة الأبوية بين الحاكم والمحكوم؛ والتي ظلت العمود الفقري لشل كل محاولة للتحديث، وأدت إلى صياغة نوع من عقد الخوف من كل ما هو سياسي، حتى اعتبر الحديث عن أمور السياسة تهديدا للأمن.

ذلك أن الثقافة السياسية في المغرب ما فتئت تعاني من أزمة بنيوية عميقة كان وقع “المخزن” فيها ظاهرا بجلاء، إذ ظلت تنهل من الثقافة الرعوية، والذاتية، وثقافة الانهزامية والإقصاء، والتراتبية السلطوية القهرية، وثقافة الرداءة، والرشوة، والانتظارية، والفساد، والزبونية، واحتقار أخلاقيات وقيم المواطنة، مما أنتج حقلا سياسيا غير مؤهل، وتخلفا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا، وغلبة سياسة الريع والإقصاء، ودمورا في الوعي السياسي وفي أداء الفاعلين السياسيين، ومن هنا كان بالإمكان تفسير محدودية جماهيرية “حركة 20 فبراير” مثلا، إذ اعتبر من أهم أسباب تلك المحدودية؛ الثقافة السياسية السائدة التي تضفي هالة مبالغا فيها على “المخزن” أو السلطة، وتستبطن الخوف منه، ووجوب الولاء له، وتحاشي الاعتراض عليه[33]، وهذا بالضبط ما ينتج خللا في الأداء الديمقراطي وضعفا في الانخراط في الحداثة السياسية.

لقد تمخض عن غياب الثقافة السياسية في المغرب، أو على الأقل عن الاختلالات التي عانت منها، عزوف كبير عن المشاركة السياسية التي تعد – كما أسلفنا آنفا – إحدى القيم الأساسية للثقافة السياسية، وإحدى الدعائم الرئيسة للتنمية السياسية، إذ أن افتقاد المواطن المغربي للثقافة السياسية السليمة أفقده الإحساس بمسؤوليته السياسية.

فالثقافة السياسية هي التي تحفز الفرد على المشاركة في العملية السياسية داخل النظام السياسي، حيث يكون لدى الفرد الإحساس بالمسؤولية، وبأنه مطالب بالمساهمة في العملية السياسية على اعتبار أن الظاهرة السياسية تخضع للتأثير على صانعي القرار، وتتبع مجريات الحياة السياسية، إلا أنه – وعلى عكس ذلك – تربى لدى المواطن المغربي إحساس بالسلبية السياسية من خلال إيهامه بأن السياسة هي من اختصاص نخبة معينة ولا مجال للمشاركة فيها[34].

ورغم أن المشاركة السياسية لا تترادف بالضرورة مع الثقافة السياسية، إلا أنها تعد قيمة مهمة من ضمن قيم الثقافة السياسية كما تقدم معنا، بل إن عدم المشاركة السياسية مرتبط في الغالب بطبيعة الثقافة السياسية السائدة في النظام السياسي، لكن هاته القاعدة لا تتماشى وحالة الدول العربية مثلا، إذ أن المغرب على سبيل المثال يعرف نسبا من المشاركة لا تتوافق وحجم التحفيز والدعاية التي تحاول الدولة تسخيرها من أجل حث المواطنين وخاصة منهم الشباب على المشاركة السياسية بكل أنواعها[35].

وبغض النظر عن أسباب العزوف السياسي وعدم المشاركة السياسية؛ والتي تكون غالبا مرتبطة بجدوى هذه المشاركة التي تبدو عديمة القيمة في ظل أنظمة غير ديمقراطية[36]، فإن هذه المشاركة تتسم بالموسمية والتعبئة الظرفية حين تعرف ارتفاعا في نسبها، إذ بخلاف ما تعرفه الاستحقاقات العادية من نسب متدنية، بلغت نسب التصويت للتعديلات الدستورية لسنة 2011 داخل المغرب وخارجه – من خلال السفارات والقنصليات المغربية – معدلات مرتفعة، حتى أن هناك من اعتبر أن هذا الاستفتاء كان استفتاءا سياسيا أكثر منه استفتاءا دستوريا، وأنه كان مجرد استفتاء مصادقة وتزكية[37]، وذلك راجع بالأساس إلى التعبئة غير المعهودة التي مارستها السلطات لدفع جمهور الناخبين ليس للتصويت فقط ولكن للتصويت بنعم لمشروع التعديلات الدستورية.

إن المشاركة السياسية آلية أساسية تفرضها الثقافة السياسية القويمة، وتلتقي مع التنمية السياسية في جميع أهدافها وغاياتها، فالتنمية السياسية تعني في أحد أبعادها مزيدا من المشاركة في العملية السياسية بواسطة التكوينات الاجتماعية العديدة[38]، غير أن حصر هذه المشاركة في الشكل الانتخابي وبشكل موسمي يفقدها قيمتها وغايتها في الرفع من إسهام كافة المواطنين في تدبير شؤونهم، الشيء الذي يجعل من المشاركة السياسية دليلا على كون الثقافة السياسية تشكل عائقا أمام النهوض بالتنمية السياسية بالمغرب، وبالتالي أمكننا القول أن معضلة الديمقراطية في المغرب هي من غير شك معضلة متعددة الأبعاد، لكن يبقى بعدها الثقافي هو البعد الأهم والمحوري في هذا الصدد.

على سبيل الختم

 

لقد تأكد من خلال ما سبق بأن عوائق التنمية السياسية متعددة ومترابطة فيما بينها ومختلفة في طبيعتها نظرا لتشابكها وكذا لاتساع مجال التنمية السياسية، كما تأكد أن المؤسسات الدستورية والسياسية وكذا الخلفيات الثقافية من أبرز تلك العوائق.

إذ بالرغم من كل ما تتمتع به المؤسسات الدستورية بالمغرب من إمكانيات وفرص ومسؤوليات في النهوض بالتنمية السياسية بالمغرب؛ فإن ذلك لم يمنع من كونها شكلت ولا تزال عائقا غير هين في وجه ترسيخ التنمية السياسية في المغرب، ونخص بالذكر في هذا السياق المؤسسة الحزبية التي أبانت عن فشلها في النهوض بمسؤولياتها التي أنيطت بها خاصة بموجب دستور 2011، وبالتالي الفشل في النهوض بالتنمية السياسية.

كما أننا توصلنا بأن العائق الثقافي حاضر بقوة في وجه مطلب النهوض بالتنمية السياسية المغربية، إذ أن الأنظمة العربية – ومنها المغرب –  قد نهجت ترسيخ ثقافة سياسية توطد بها نفسها وتحتكر بها السلطة بعيدا عن أي انتقاد، فيما تشبعت الشعوب العربية – ومعها الشعب المغربي – بثقافة سياسية يغلب عليها الانعزال والتخلي عن المسؤولية وكذا الجهل بأهميتها، مما أثر بشكل واضح على قيمة المشاركة السياسية لدى المغاربة؛ بمعنى ضعف قدرة المواطن على التعبير العلني والتأثير في اتخاذ القرارات سواء بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين يفعلون ذلك، مما جعل المشاركة السياسية – في حال وجودها – مشاركة شكلية ليس إلا، وبالتالي تقوية العراقيل أمام التأسيس لقواعد التنمية السياسية،

 

 

المراجع

 

الكتب

 

 

 

المقالات

 

 

المقالات الالكترونية

 

 

 

القوانين والندوات والتقارير

 

 

 

 

المراجع الأجنبية

 

 

 

 

[1]  عبد الرحيم العلام، صلاحيات الملك في الدستور المغربي : دراسة نقدية، مشاركة ضمن العددان 41-42، في المجلة العربية للعلوم السياسية، الجمعية العربية للعلوم السياسية بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان، العددان 41-42، 2014، ص 138.

[2]  عبد الإله بلقزيز، المغرب والانتقال الديمقراطي : قراءة في التعديلات الدستورية، سياقاتها والنتائج، مشاركة ضمن المؤلف الجماعي : رياح التغيير في الوطن العربي، : حلقات نقاشية عن مصر والمغرب وسورية وليبيا، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان، الطبعة الثانية، 2012، ص 117.

[3]  عبد الرحيم العلام، صلاحيات الملك في الدستور المغربي : دراسة نقدية، مرجع سابق الذكر، ص 139.

[4]  عبد الإله بلقزيز، المغرب والانتقال الديمقراطي : قراءة في التعديلات الدستورية، سياقاتها والنتائج، مرجع سابق الذكر، ص 145.

[5]  وقد اتضح ذلك بجلاء في كون العدد الذي تعهد به رئيس الحكومة السابق السيد “عبد الإله بنكيران” في ما يخص الوزراء قد انتقل من 20 وزيرا ليصير 39 وزيرا، ما يعني عدم تقليص النفقات كما كان مطلوبا من قبل.

[6]  محمد الرضواني، محاولة في توصيف الحكومة المغربية بعد دستور 2011، مشاركة ضمن العددان 43-44 للمجلة العربية للعلوم السياسية، الجمعية العربية للعلوم السياسية بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان، العددان 43-44، 2014، ص 104.

[7]  بن يونس مرزوقي، مداخلة ضمن الحلقة الثانية من فعاليات المنتدى الذي نظمه معهد “بروميثيوس” للديمقراطية وحقوق الإنسان، بعنوان : محاولة لتقييم الممارسة البرلمانية منذ مرحلة ما بعد دستور فاتح يوليوز 2011، الرباط، بتاريخ : السبت 15 يوليوز 2017.

[8]  عبد الحفيظ أدمينو، مداخلة ضمن الحلقة الثانية من فعاليات المنتدى الذي نظمه معهد “بروميثيوس” للديمقراطية وحقوق الإنسان، نفس المرجع.

[9]  زكرياء أقنوش، دراسة سلوك المعارضة من داخل وخارج المؤسسة البرلمانية، سلسلة منشورات دفاتر سياسية، العدد 108، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء- المغرب، 2009، ص 8.

[10]  هذا التعريف يعود لـ “جيوفاني سارتوري G.sartori”؛

– شمران حماوي، الأحزاب السياسية والنظم الحزبية، مطبعة الإرشاد،  بغداد- العراق، الطبعة الثانية، 1975، ص 16.

[11] هذا التعريف يعود لـ ” كوكفل F.Gogvel”؛ أورده :

– إسماعيل غزال، القانون الدستوري والنظم السياسية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، 1982، ص 204.

[12]  حسن عبد الحميد، التغير الاجتماعي والتنمية، المكتب الجامعي الحديث، القاهرة- مصر، 1997، ص 18.

[13]  بن يونس المرزوقي، مشاركة بعنوان : الدستور والبناء الديمقراطي في المراحل الانتقالية، ضمن العددان 41 42 للمجلة العربية للعلوم السياسية، مرجع سابق الذكر، ص 209.

[14]  حسن عبد الحميد، التغير الاجتماعي والتنمية، مرجع سابق الذكر، ص 16.

[15]  الفصل 7 من دستور 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 الصادر في 27 شعبان 1432 الموافق لـ 29 يولوز 2011، منشورات مجلة المقال، مطبعة دار القرويين، الطبعة الأولى، 2011.

[16]  “الأحزاب التي تلتقط كل شيء” هي تسمية انكليزية أطلقت على نموذج جديد من الأحزاب السياسية التي أصبحت تنبني على النزعة الانتخابية، للمزيد من التفصيل أنظر :

– محمد الرضواني، محاولة في توصيف الحكومة المغربية بعد دستور 2011، مرجع سابق الذكر، ص 98.

[17]  عبد الحليم الزيات، التنمية السياسية : دراسة في الاجتماع السياسي، دار المعرفة الجامعية، القاهرة- مصر، الجزء الأول، الطبعة الأولى، 2002، ص 71-72.

[18]  لقد نص دستور 2011 في الفصل 61 منه على أنه : “يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها. وتصرح المحكمة الدستورية بشغور المقعد، بناء على إحالة من رئيس المجلس الذي يعنيه الأمر، وذلك وفق أحكام النظام الداخلي للمجلس المعني، الذي يحدد أيضا آجال ومسطرة الإحالة على المحكمة الدستورية”.

ولقد عرفت حكومة السيد عبد الإله بنكيران التي تلت دستور 2011 نموذجين في هذا الصدد، يتعلق الأول بالسيد “عزيز أخنوش” الذي شغل منصب وزير الفلاحة والصيد البحري، الذي استقال من حزبه وانضم إلى الحكومة بصفة وزير مستقل، فيما يتعلق النموذج الثاني بالسيد “محمد الوفا” الذي شغل منصب وزير منتدب لدى رئيس الحكومة مكلف بالشؤون العمة والحكامة، والذي استمر في منصبه هذا رغم خروج حزبه من الأغلبية الحكومية وفقدانه لانتمائه بعد طرده من الحزب.

[19]  محمد باسك منار، دستور سنة 2011 في المغرب:  أي سياق؟ لأي مضمون؟، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة- قطر، يناير  2014، ص 6، على الموقع الالكتروني :  www.dohainstitute.org

[20]  ولقد ظهر ذلك جليا في خضم الصراع الانتخابي لسنة 2016 بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة:

– عبد المطلب أعميار، مقال بعنوان : في المسألة الدستورية ومتطلبات تعاقد سياسي جديد، بتاريخ : الثلاثاء 05 شتنبر 2017، على الموقع الالكتروني لجريدة هسبريس : http://www.hespress.com/writers/363487.html

[21]  عبد الرحمان شحشي، مقال بعنوان : خطاب العرش .. المكاسب والتحديات، بتاريخ : الثلاثاء 01 غشت 2017، على الموقع الالكتروني لجريدة هسبريس : https://www.hespress.com

[22]  وليد سالم محمد، الثقافة السياسية وأهميتها في مأسسة السلطة وبناء الدولة في العراق : الرؤية والآليات، مشاركة ضمن العددان 41-42، المجلة العربية للعلوم السياسية، مرجع سابق الذكر، ص 122.

[23] Ronald P, Formisano, the concept of political culture, Journal of Interdisciplinary History, vol 31, N° 3, 2001, p 426.

[24]  محمد الرضواني، الحداثة السياسية في المغرب إشكالية وتجربة، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط- المغرب، الطبعة الأولى، 2009، ص 100 .

[25]  عبد الغفار رشاد القصبي، التطور السياسي والتحول الديمقراطي، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، القاهرة- مصر، الجزء الثاني، الطبعة الثانية، 2006، ص 193.

[26]  محمد الرضواني، الحداثة السياسية في المغرب إشكالية وتجربة، مرجع سابق الذكر، ص 101.

[27]  عبد الغفار رشاد القصبي، التطور السياسي والتحول الديمقراطي، مرجع سابق الذكر، ص 181.

[28]  حازم العقيدي، كيفية صناعة التطرف : التنشئة السياسية و دورها، دار العربي للنشر والتوزيع، القاهرة- مصر، 2016، ص 41.

[29] Michael Rush, Politics and Society an introduction to political Society, New-york, Prentice, 1992, p 92.

[30]  زياني الصالح، واقع وآفاق المجتمع المدني كآلية لبناء وترسيخ التعددية في العالم العربي، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة باتنة- الجزائر، عدد  9، 2004، ص 75.

[31]  عوض عثمان السيد (وآخرون)، التحول الديمقراطي في دول المغرب العربي، تحرير:  أحمد منيسي، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة- مصر، 2004، ص 8.

[32]  محمد بودهان، مقال بعنوان : الثقافة السياسية -للظهير البربري- وأسباب التخلف السياسي والاقتصادي للمغرب، بتاريخ : 07/09/2009، العدد 2762، على الموقع الالكتروني لموقع الحوار المتمدن : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=183880

[33]  محمد باسك منار، دستور سنة 2011 في المغرب:  أي سياق؟ لأي مضمون؟، مرجع سابق الذكر، ص 4.

– للمزيد حول دور المخزن في تشكيل الثقافة السياسية بالمغرب، راجع : هند عروب، المخزن في الثقافة السياسية المغربية، منشورات دفاتر وجهات نظر، 2003.

[34]  رشيد الإدريسي، مقال بعنوان : الثقافة السياسية والإصلاح : نحو تجديد الثقافة السياسية، بتاريخ : 09 يوليوز 2011، على الموقع الالكتروني : http://www.mohammediapresse.com/news1379.html

[35]  ويمكن في هذا الصدد إيراد بعض المعطيات التي تؤكد على أن نسبة إقبال الناخبين المغاربة على التصويت في الانتخابات انخفضت بشكل متواتر في السنوات الأخيرة، ففي العام 1970 كانت نسبة التصويت 85.34 في المائة، لتنخفض بعدها إلى 62.75 في المائة، في العام 1993، أما في العام 2002 فقد واصلت نسبة التصويت انخفاضها مسجلة 51.61 في المائة، فيما بلغت نسبة التصويت أدني معدلاتها انتخابات عام 2007 حيث وصلت 37 في المائة.

– تقرير بعنوان : تاريخ الانتخابات المغربية : إقبال ضعيف ونسبة تصويت دون المتوسط، فريق بوصلة الناخب وإذاعة هولندا العالمية، نشر بتاريخ : 04 – 11 – 2011، على الموقع الالكتروني لجريدة لكم : http://www.lakome.com/?so=1

[36]  عوض عثمان السيد (وآخرون)، التحول الديمقراطي في دول المغرب العربي، مرجع سابق الذكر، ص 9.

[37]  محمد مدني، الدستور الجديد ووهم التغيير، دفاتر وجهة نظر؛ العدد 24، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء- المغرب، 2011، ص 89.

[38]  عبد المتجلي يحيى، التنمية السياسية في العالم الثالث، مجلة الباحث العربي، عمان- الأردن، العدد 9 : أكتوبر- دجنبر، 1986، ص 77.

Exit mobile version