Site icon مجلة المنارة

علاقة الملك بالحكومة من خلال مسطرة التعيين والاعفاء في ضوء دستور 2011

علاقة الملك بالحكومة من خلال مسطرة التعيين والاعفاء في ضوء دستور 2011

يوسف أشحشاح

باحث في سلك الدكتوراه

جامعة محمد الخامس _ الرباط

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية _ سلا

مقدمــــــــــة

قبل التطرق إلى دور الملك _ بصفته رئيسا للدولة _ في مسطرة تعيين الحكومة واعفائها[1]  في النظام الدستوري المغربي، سنعرض للدور الموكول لرئيس الدولة في الديمقراطية النيابية.

في النظام البرلماني نجد بأن رئيس الدولة ليس هو رئيس الحكومة، بل هذا الأخير هو رئيس مجلس الوزراء فقط. ورئيس الدولة في النظام البرلماني غير مسؤول سياسيا، إذ أن المقرر في غالبية الدساتير البرلمانية أن الاختصاصات التي ترد في الدستور باسم رئيس الدولة، إنما تمارس بواسطة الحكومة المسؤولة حيث أن القاعدة في انجلترا، مهد النظام النيابي البرلماني هي أن “الملك لا يعمل منفردا “the king cannot act alone” ومظهر هذه القاعدة أن توقيع رئيس الدولة على أي تصرف يتعلق بشؤون الدولة لا يكون ملزما وقانونيا، إلا إذا وقع التصرف أيضا من طرف رئيس الوزراء أو الوزير المختص قطاعيا. ولا ينفرد رئيس الدولة في النظام البرلماني بالتوقيع إلا في حالة استقالته والحالات المحددة بالدستور كتعيين رئيس الوزراء أو إقالته والدعوة إلى حل البرلمان[2].

أما فيما يتعلق بدور رئيس الدولة في النظام الرئاسي، فهو يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، وتنحصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية، الذي يتولى ممارستها بنفسه وأنه يستقل بتعيين وزرائه وعزلهم، وأنهم لا يكونون مجلسا له إرادة جماعية، والوزراء ليس لهم حق توجيه السياسة العامة، لكونهم مجرد أداة لتنفيذ السياسة العامة التي يرسمها رئيس الدولة الذي يسود ويحكم في ذات الوقت.

وبالعودة الى موضوعنا المتعلق بدور رئيس الدولة/الملك في تعيين الحكومة وإقالتها، فإن النظام الرئاسي يتميز  بخاصية انفراد رئيس الدولة كأصل عام في اختيار وزرائه بمحض إرادته وتقديره لكيفية تسيير شؤون الدولة، كما يملك الحق في عزلهم بناء على إرادته المنفردة.

أما في النظام البرلماني، حيث يتعين أن تحصل الحكومة على ثقة البرلمان، إلا أن التقليد قد جرى على أن يختار رئيس الدولة رئيس الحكومة، ثم يختار هذا الأخير باقي أعضاء الحكومة بالاتفاق مع رئيس الدولة.[3] غير أن الدساتير ذات النزوع نحو النظام لبرلماني فهي تقرر قواعد مغايرة فيما يخص تعيين الحكومة[4] واعفائها.

بعد هذه التوضيحات المتعلقة بمركز رئيس الدولة من خلال النظامين البرلماني والرئاسي، يمكننا التساؤل حول دور الملك في مسطرة تعيين الحكومة واعفائها في النظام الدستوري المغربي في ضوء المستجدات الدستورية للمملكة لسنة 2011؟

وهذا ما سنوضحه بالتفصيل من خلال المحاور التالية:

المحور الأول: تبعية الحكومة للملك عضويا في التجارب الدستورية السابقة

المحور الثاني: المحور الثاني: دستور 2011: تقييد الملك بـ”المنهجية الديمقراطية” في تعيين رئيس الحكومة

المحور الثالث: مسطرة إعفاء الحكومة وباقي الوزراء في دستور 2011 بين النص الدستوري ومحك الممارسة

المحور الأول: تبعية الحكومة للملك عضويا في التجارب الدستورية السابقة

قبل التطرق الى مستجدات دستور 2011 للمملكة لابد من التذكير بمسطرة تعيين الحكومة وإعفائها ضمن التجربة الدستورية السابقة، حتى نتمكن من استيعاب الوضعية الدستورية الحقيقية للحكومة من خلال أحكام الدستور الحالي. إذ يتضح بأن المقتضيات الدستورية لما قبل دستور 1992 كانت تمنح للملك الحق المطلق في تعيين الوزير الأول[5] وباقي الوزراء[6] دون أن يكون مقيدا في هذا الخصوص باستشارة جهة من الجهات[7]، أو أن يكون الاقتراح باختيار أعضاء الحكومة صادرا عن هيئة من الهيئات. وكذلك لم يكن يشترط في هذا المضمار أن يكون الوزير الأول بصفة خاصة منتميا الى الأغلبية البرلمانية، بل ولم يكن يشترط فيه أن يكون عضوا في المجلس النيابي. وهذا التعيين كان يتم بظهير شريف دون توقيع بالعطف من طرف الوزير الأول.[8]

فالملك كان يتمتع بصلاحية مطلقة في مجال اختيار أعضاء الحكومة، حيث كانت هذه الأخيرة تعتبر مشكلة ومنصبة بشكل قانوني، ويمكنها بعد ذلك من مزاولة مهامها بمجرد تعيينها وأداء القسم أمام الملك، دون أي تلازم بين التعيين وضرورة الحصول على ثقة البرلمان، وإن كانت هذه الثقة لازمة وضرورية لبقاء الحكومة مؤدية لمهامها.

أما الحكومة من حيث مسطرة تعيينها في ظل دستور 1992 و1996، فقد حدث آنذاك تغييرا شمل الفصل 24 والذي أصبحت صيغته على الشكل التالي:

“يعين الملك الوزير الأول

ويعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الاول

وله أن يعفيهم من مهامهم

ويعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها”.[9]

فإذا كانت مسألة اختيار الوزير الأول حسب الفقرة الأولى تعود أولا إلى جلالة الملك، فإن هذا التعيين يبقى موقوفا إلى حين استيفاء الإجراءات الدستورية كاملة وذلك حسب ما كان ينص عليه الفصل 60 الذي يحيلنا بدوره على مقتضيات الفصل 75 في فقراته الثانية والثالثة والأخيرة من دستور 1996، المقررة لما يلي: “لا يمكن سحب الثقة من الحكومة أو رفض النص إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب.

لا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على اليوم الذي طرحت فيه مسألة الثقة.

يؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية”.

ونظرا لأهمية الاختلافات الفقهية والتحليلات والتأويلات المختلفة التي ثارت بين الفقهاء والمختصين في القانون الدستوري في قراءة هذه المسطرة، ولإبراز كل هذا بوضوح سنحاول التذكير بأبرز الآراء _لأهميتها_ التي ناقشت الوضعية الدستورية للحكومة في دستور 1992 و1996 والتي تجسدت في أطروحتين، أطروحة التنصيب الأحادي[10] وأطروحة التنصيب المزدوج.[11]

وفي إطار هذا الجدل الدستوري بشأن مسألة التنصيب البرلماني للحكومة نجد الأستاذ “عبد اللطيف المنوني”[12] الذي يؤكد على أن تعديل دستور 1992 رغم ما تضمنه من تغيرات ملحوظة، فإنه أبقى السلطة التنفيذية على ما كانت عليه إذ لم يقع أي تغيير جوهري في وضعية التنصيب المزدوج للحكومة بحيث يقول:

إذا كان الفصل 24 يضع أسس وصيغة تنصيب الحكومة من طرف الملك، فإن قراءة متأنية للفصل 59 من دستور 1992 لا تسمح لنا بالقول بأن هناك إقرارا لتنصيب مزدوج للحكومة، بل بالعكس من ذلك تدفعنا للاستنتاج أن هناك تمييزا واضحا بين التنصيب والمسؤولية، الملك يمارس وحده سلطة تنصيب الحكومة وهذه الأخيرة تكون أمام البرلمان مسؤولة فقط بالإضافة الى مسؤوليتها أمام الملك.

وفيما يخص مسألة التصويت على البرنامج الحكومي من قبل البرلمان كما ينص على ذلك الفصل 59 وفقا للشروط المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 74 من دستور 1992 الذي يقابله الفصل 75 من دستور 1996، يؤكد الاستاذ “عبد اللطيف المنوني” بأن الرجوع الى الفصل 74 يفيد أن برنامج الحكومة الجديدة يقبل إلا بالتصويت الايجابي، أي حصوله على أغلبية محددة بل فقط إذا لم تصوت هذه الأغلبية المطلقة من أعضاء البرلمان، أي أن تصويت أقلية أعضاء البرلمان على البرنامج الحكومي كافية لإكساب الحكومة ثقة البرلمان شريطة أن لا تتكتل هذه الأغلبية المطلقة.

نفس الرأي أخذت به الأستاذة رقية المصدق[13] والأستاذ محمد معتصم الذي وظف هو الآخر ما بات يعرف في أبجديات القانون الدستوري المغربي بـالطرح التقليداني لتبرير موقفه من وضعية الحكومة حيث يؤكد بأن تنصيب الحكومة من طرف البرلمان أمر مستبعد، وذلك لا لأن دستور الجمهورية الخامسة لا ينص على ذلك، بل لأن مفهوم الملكية الحاكمة بالمغرب يقوم على تفويض الأمة لأمير المؤمنين بواسطة البيعة وضع سياسة الأمة وهو يستعين في هذا الوضع بوزير معين، كما أن البرلماني حسب المفهوم الملكي هو أيضا وزير، زد على ذلك أن حياد الوزير الأول هو ضروري لتوازن الحكومة.[14]

أما فيما يتعلق بأطروحة “التنصيب المزدوج” التي يتزعمها الفقيه مصطفى قلوش، مع إقحام آراء مجموعة من الأساتذة المغاربة الذين أشادوا بدورهم بأهمية التعديل الذي طرأ على الوضعية الدستورية للحكومة، دون قدرتهم على إقامة فصل قانوني واضح بين التعيين الأحادي والتنصيب المزدوج.

وقد ترتب عن هذا التعديل الذي طرأ على الفصل 24  حسب الأستاذ “مصطفى قلوش” ما يلي: “فيما يخص اختيار الوزير الأول، ظاهر الفقرة الأولى من الفصل 24 يفيد بأن الملك بقي محتفظا بسلطته المطلقة في مجال اختيار الوزير الأول كما هو الشأن بالنسبة للدساتير السابقة على دستور 1992، فإن قراءة مقتضيات الفصل 59 من دستور 1992 والفصل 60 من دستور 1996 تفيد عكس ذلك. لأن مزاولة الحكومة لمهامها أصبح مقيدا بوجوب الحصول على ثقة البرلمان ابتداء. وبدون الحصول على التنصيب البرلماني الذي تقرر لأول مرة في ظل دستور 1992 تكون الحكومة فاقدة لأساس وجودها ويستحيل عليها أن تشرع في مباشرة مهامها”.

ويقول الاستاذ مصطفى قلوش بصدد الدفاع عن أطروحة التنصيب المزدوج أيضا: “هناك وجها آخر للتغاير بين التنصيب البرلماني الذي تقرر لأول مرة في دستور 1996 وبين المسؤولية السياسية المقرر في الدساتير الأربعة المتعاقبة، وهذا التغاير والاختلاف يتجلى في كون الرقابة في إطار الفصل 74 هي رقابة اختيارية، أمر إثارتها متروك لتقدير الحكومة بعد دراسة الأمر في المجلس الوزاري، في حين أن الرقابة في إطار التنصيب البرلماني هي رقابة وجوبية، لا يمكن للحكومة أن تتجنبها، بحيث لا يمكن للحكومة أن يكون لها وجود دون نجاح في امتحان التنصيب، وفقط بعد الحصول على شهادة التنصيب تكون مستكملة لوجودها، وتبعا لذلك يحق لها أن تمارس جميع اختصاصاتها الدستورية”.[15] أي أن رقابة البرلمان للحكومة أثناء التصويت على البرنامج الحكومي هي رقابة سياسية _ سيادية وسابقة على مباشرة أي عمل حكومي وفي هذا الصدد يقول الأستاذ مصطفى قلوش: “أن البدء في تنفيذ البرنامج الحكومي وكذلك ممارسة الحكومة لجميع صلاحياتها الدستورية أمر يقتضي ابتداء الحصول على تنصيب من قبل مجلس النواب، وإلى حين حصول المصادقة على البرنامج الحكومي فإن الحكومة المعينة تكون شبيهة بالحكومة التي فقدت الثقة، الأمر الذي يجعل اختصاصاتها تنحصر في تصريف الأمور الجارية وتدبير الشؤون العادية.. والجدير بالإشارة في هذا الصدد، هو أن أول لقاء يتم بين الحكومة والبرلمان هو ذلك اللقاء الذي ينعقد في إطار الفصل 60 من الدستور (دستور 1996) وبعد حصول الوئام والانسجام يتم الإشهاد على شرعية وجود الحكومة، ومنذئذ تصبح الحكومة مالكة لأهلية العمل والتصرف على الوجه المحدد في الدستور..”[16]

أما بخصوص عبارة استقالة الحكومة التي استعملها المشرع الدستوري بدل مصطلح الانسحاب فإن الأستاذ “مصطفى قلوش” يقول بشأنها: “الحكومة التي تعذر عليها الحصول على التنصيب البرلماني يتوجب عليها العودة إلى الملك لتقدم إلى جلالته استقالتها الجماعية، ليتسنى للملك اتخاذ الإجراء المناسب في إطار الفصلين 24 و70”. واستطرد قائلا “أن المسؤولية المقررة في الفصل 24 (دستور 1992)، هي مسؤولية تتعلق بتأكد الحكومة من أنها لا تزال تحظى بالثقة وذلك عن طريق استطلاع موقف البرلمان حول تصريح يفضي به أو نص تطلب الحصول على المصادقة عليه، في حالة خذلان الحكومة من طرف مجلس النواب فإنه يتوجب عليها أن تقدم استقالتها الجماعية للملك، ومما يزيد المسألة وضوحا هو أن الفصل 74 يتحدث عن مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بما يفيد أن الحكومة وقد بدأت في القيام بمهامها تريد التأكد من أن البرلمان لا يزال يساندها، وعلى خلاف ما سبق فان الفصل 59 من دستور 1992 يتحدث عن برنامج تريد الحكومة أن تشرع في تنفيذها ولا يمكن أن يتحقق لها ذلك إلا بعد حصولها على الثقة حول البرنامج الذي أعدته”.  أما “الإحالة الى الفصل 74 قد تمت فقط من أجل الحؤول دون تكرار المقتضيات الدستورية، فبدل أن يضع المشرع الدستوري إجراءات خاصة تتعلق برفض البرنامج الحكومي وإجراءات أخرى مماثلة تخص سحب الثقة، ارتأى المشرع من باب الحفاظ على ترابط المقتضيات الدستورية واستهدافها للدقة والإيجاز في صياغة النصوص الدستوري..”[17]

وباختصار فإن هذه الأطروحة كانت ترى بأن الحكومة لا تستمد ميلادها القانوني والشرعي بمجرد تعيينها من قبل الملك وتسليمها لظهائر التعيين، والذهاب عكس ذلك يؤكد أنصار هذه الأطروحة قد يؤدي إلى إنكار كل قيمة للفقرة الثالثة التي كانت واردة في الفصل59[18] من دستور 1992 الذي يقابله الفصل 60[19] من دستور 1996 حيث إن هذه الفقرة استهدفت صراحة إدخال مستجد في النظام الدستوري المغربي لم يكن مقررا في الدساتير السابقة على دستور 1992.

انطلاقا من هذا الجدال الدستوري القائم بين الأطروحتين السابقتين بشأن المركز القانوني لمؤسسة للحكومة، نعتقد بأن حل هذا الإشكال يكمن في الجواب عن سؤال آخر، هل الحكومة المعينة من قبل الملك تعتبر معينة بشكل رسمي ونهائي ولها أن تمارس جميع الصلاحيات كما ينص عليها الدستور، أم لابد لها من تنصيب برلماني لكي تستكمل ميلادها القانوني؟[20]

وهذا السؤال يحاول أن يجيب بطريقة غير مباشرة عن إشكالية التنصيب الحكومي التي رافقت مسألة التعيين الدستوري للحكومة منذ دستور 1992 إلى حدود دستور المملكة لسنة 2011، الذي عمل فيه المشرع الدستوري المغربي على تجاوز هذا الخلاف الفقهي الذي ساد طويلا، بشأن طبيعة الدور الذي يضطلع به البرلمان لاستكمال الحكومة تنصيبها النهائي.[21]

فما هي مستجدات تعيين الحكومة في دستور المملكة لسنة 2011، وما هو دور البرلمان في تنصيبها؟ وما الذي قرره القضاء الدستوري بهذا الصدد من خلال اجتهاداته؟

قبل الخوض في مسطرة تعيين الحكومة في الدستور الحالي، يجب التذكير على أن إقالة الحكومة في الدساتير السابقة لم تفرز نفس الجدل الفقهي الذي أفرزته المسطرة المتعلقة بالتعيين، فإذا كان وجود الحكومة من الناحية الدستورية والعملية مرتبط بالإرادة الملكية طبقا لما ينص عليه الفصل 24 من دستور 1996، فإن جلالة الملك كان له الحق  في كل حين أن يضع حدا لمواصلة الحكومة مهامها الدستورية، فالفقرتان الثانية والثالثة من الفصل 24 كانتا تنصان على التوالي: “للملك أن يعفي أعضاء الحكومة من مهامهم” و”يعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها”، دون أن يكون الملك ملزما بتسبيب قراره إذا أقدم على إقالة الحكومة برمتها أو أحد الوزراء بصفة انفرادية، لأن القرارات الملكية المتخذة في ميدان التعبير عن السيادة المغربية الداخلية والخارجية غير قابلة للتسبيب حسب الأستاذ “محمد أزواغ”.[22]

وبذلك يتضح من الناحية الدستورية أن القيد الوحيد الذي يحد من السلطة التقديرية للملك في هذا الاتجاه، هو حالة تصويت البرلمان عن ملتمس رقابة لإسقاط الحكومة، حتى وإن كانت تحظى وتحتفظ بثقة جلالته، لأن الحكومة مسؤولة أيضا أمام البرلمان الذي وهبها الثقة ومن حقه أن ينزع هذه الثقة التي أعطاها للحكومة إذا ما رأى بأن وجود هذه الأخيرة لم يعد مرغوب فيها”.[23]

هذا كل ما يتعلق بوضعية الحكومة اتجاه الملك في الدساتير السابقة من حيث مسطرة التعيين والاعفاء، فما هي وضعيتها الحالية[24] في ظل دستور2011؟

المحور الثاني: دستور 2011: تقييد الملك بـ”المنهجية الديمقراطية” في تعيين رئيس الحكومة

ينص الفصل 47 من دستور 2011 على ما يلي: “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها.

ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها.

للملك وبمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم.

ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية.

يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها.

تواصل الحكومة المنتهية مهامها، تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة.”

كما أن الفصل 88 من الدستور ينص على ما يلي: “بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية.

يكون البرنامج المشار أعلاه، موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبهما تصويت في مجلس النواب.

تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة”.

يلاحظ من خلال هذه المسطرة الواردة في  دستور المملكة لسنة 2011 المتعلقة بتعيين الحكومة[25] واقالتها ما يلي:

أولا: إذا كان الملك يتمتع بحق تعيين رئيس الحكومة،[26] فإنه يبقى مقيدا في اختياره بطبيعة النتائج التي ستفرزها الانتخابات التشريعية،[27] ذلك أن رئيس الحكومة يعين من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساسها انسجاما والدور الموكول للأحزاب السياسية بمقتضى أحكام الدستور،[28] وذلك سيرا مع “المنهجية الديمقراطية”[29] في التي كرسها الدستور الحالي في اختيار رئيس الحكومة.[30]

ثانيا: إذا كانت سلطة رئيس الحكومة في هذه المسطرة تنحصر فقط في الاقتراح، فإنه بالمقابل يملك على الأقل حق اقتراح التشكيلة الوزارية التي سيرتاح لها ويتجاوب معها أثناء ممارسة العمل الحكومي، بحيث سيسهل عليه قيادة الحكومة في انسجام وتضامن، ذلك أن التقارب على مستوى الأفكار والبرامج قد يكون هو أساس الاستقرار الحكومي وسلامة الحياة الدستورية.

ثالثا: ربط التقييد الواضح لسلطة الملك في اختيار رئيس الحكومة، مع مقتضى آخر يتعلق بضرورة التنصيب البرلماني للحكومة، وهذا ما سيلزم رئيس الحكومة بتكوين حكومة مستندة الى أغلبية نيابية حتى يتمكن من اجتياز امتحان التنصيب البرلماني بسلام، من هنا تتضح أهمية المسار الانتخابي لما له من دور أساسي في عملية تشكيل الحكومة، وهذا ما قد يعزز من استقلاليتها (الحكومة) على مستوى التأليف والتعيين.

رابعــا: صيغة الفصل 47 تبقي على بعض المرونة على مستوى القرار الملكي، حيث الفقرة الأولى من هذا الفصل المذكور لا تلزم الملك بتعيين الأمين العام أو رئيس الحزب الذي تصدر الانتخابات في منصب رئيس الحكومة. واذا كان تعيين عبد الاله بنكيران رئيسا لأول حكومة في ظل دستور 2011، لا يعني بالضرورة قيام عرف دستوري في هذه الحالة.[31]

خامسا: عدم الإمكانية الدستورية لإقالة الملك لرئيس الحكومة، وهذا قد يشكل جانبا إضافيا في إطار النزوع البرلماني للنظام الدستوري المغربي.[32]

ترتيبا على ما سبق، يتضح بأن المشرع الدستوري المغربي اتجه نحو ربط القرار السياسي بصناديق الاقتراع،[33] إذ أن الدستور الحالي أصبح يلزم الملك بتعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي المتصدر لانتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها، وبالتالي الانتقال من الحرية المطلقة للملك في تعيين رئيس الحكومة (الوزير الأول سابقا) إلى التقييد المطلق بشرعية نتائج الانتخابات.

وبهذا الخصوص، نسجل الاحتفاظ بنفس الصيغة الواردة في الفقرة الثانية من الفصل 24 من الدستور السابق، غير أن الجديد في هذا السياق قد يتضح من خلال قراءة النصوص الدستورية في ترابطها، فمنطوق الفقرة الثالثة من الفصل 88 من دستور 2011 تحيلنا على المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان، وهذا يتطلب من الحكومة كسب امتحان الثقة بخصوص عرض برنامجها على أنظار البرلمان للتصويت عليه لتستكمل شرعيتها الدستورية، ومن ثم يتضح أن سلطة الملك في تعيين باقي أعضاء الحكومة سلطة مقيدة نسبيا نتيجة هذا التنصيص بصريح العبارة على المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان، وهذا ما قد يدفع معه جلالة الملك إلى قبول الأسماء المقترحة من طرف رئيس الحكومة الذي سبق أن كلفه الملك بتشكيل الحكومة.

وفي هذا الإطار تتضح قوة السلطة الاقتراحية لرئيس الحكومة، لأن الفقرة الرابعة من الفصل 42 من الدستور الحالي، تمنح له سلطة التوقيع بالعطف على ظهير تعيين باقي أعضاء حكومته. وبالتالي قد يحصل هناك نقاش أو مفاوضات بين جلالة الملك والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة قبل أن يقدم هذا الأخير على التوقيع بالعطف على الظهائر المتعلقة بتعيين باقي أعضاء الحكومة.  ومن خلال هذا الحوار والتفاوض فإن رئيس الحكومة قد يوقع أو يرفض التوقيع بالعطف على ظهير التعيين.[34]

والملك في هذا السياق “ملزم ” حسب مقتضيات دستور 2011 الأخذ بعين الاعتبار في إطار علاقته برئيس الحكومة تلك العلاقة الترابطية بين ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة، وهذا قد يساهم إلى حد ما في إبعاد توجه هيمنة التكنوقراط والمستقلين في تشكيل الحكومة.[35]

وهذا يعتبر من أهم المميزات الموجودة في الأنظمة البرلمانية، ففي الدستور الإسباني لسنة  1978  فيما يتعلق بمسألة تعيين الحكومة تحديدا، نجده ينص في المادة 62 منه على أن “للملك الحق في اقتراح المرشح لمنصب الحكومة وتعيينه ووضع حد لمهامه حسب الشروط المحددة في الدستور”  كما تنص الفقرة السادسة من نفس الفصل على أن “للملك الحق في تعيين وإقالة أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها”.

ومن خلال هاتين الفقرتين يتبين بأن الدستور الإسباني لا يخول للملك سوى صلاحيات محدودة في مجال تعيين الحكومة، ويتجلى ذلك من خلال التزامه المطلق بالأغلبية البرلمانية التي تفرزها الانتخابات التشريعية، وهذه الآلية تعتبر من المميزات المهمة التي ينفرد بها النظام البرلماني، حيث يتم تدخل البرلمان في عملية تنصيب الحكومة، وكذا الملك بوصفه رئيسا للدولة.[36]

المحور الثالث: إعفاء الحكومة وباقي الوزراء في دستور 2011 بين النص الدستوري ومحك الممارسة

إن اختيار رئيس الحكومة في مختلف الأنظمة السياسية يبقى من اختصاص رئيس الدولة مع اختلاف شروط هذا الاختيار، نظرا لتوجه كل دستور داخل كل نظام  وفلسفته في الحكم،  ومن المنطقي من يستطيع أن يمنح باستطاعته أيضا أن يمنع، وبهذا فمن حق رئيس الدولة أن يقوم بوضع نهاية لمهام المؤسسة التي يقوم بتعيينها. ولابد من تسجيلنا لبعض الاختلاف الموجود على مستوى المساطر والضوابط الدستورية، وكذا هامش الحرية المخولة لرئيس الدولة[37] داخل كل نظام سياسي على حدى.

وفي هذا الإطار يختزل الأستاذ “جاك روبير”[38] حالات إعفاء الحكومة من مهامها في ثلاث:

وتجدر الاشارة في هذا السياق إلى أن مسألة إقالة الحكومة في التجربة الدستورية السابقة لم تثير ذلك الجدل الفقهي سواء على المستوى الدستوري أو السياسي، بنفس الدرجة التي أثارته مسألة التعيين. وهذا راجع بالأساس إلى وضوح صياغة الفصل 24 من دستور 1996 في الفقرات الثالثة والرابعة منه.[39]

والفصل 47 من دستور المملكة لسنة 2011 بصدد إقالة الحكومة في الفقرة الثالثة والرابعة منه على التوالي، ينص على ما يلي: “للملك وبمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم.

ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية.

يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها.

تواصل الحكومة المنتهية مهامها، تصريف الأمور الجارية الى غاية تشكيل الحكومة الجديدة”.[40]

ومن خلال هذه المسطرة المتعلقة بمسألة إقالة الحكومة في ضوء مستجدات أحكام دستور 2011 يمكننا أن نسجل الملاحظات التالية:

أولا: حق الملك في إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة حقا مقيدا بالاستشارة القبلية لرئيس الحكومة، والهدف الدستوري من هذه الاستشارة يكمن في الحفاظ على الاستقرار الحكومي ومراعـاة الأغلبية التي تنبثق منها هذه الحكومة، خصوصا إذا كانت الحكومة ذات طابع ائتلافي. وهذا على خلاف ما كان مقررا في باقي التجارب الدستورية السابقة على سبيل المثال.

ثانيا: الفقرة الخامسة من الفصل 47 تفيد بأن رئيس الحكومة في دستور 2011 أصبح واسطة لا غنى عنها بين الملك وباقي أعضاء المشكلين لحكومته (رئيس الحكومة)، بحيث أن الدستور لا يعطي الحق لأعضاء الحكومة القفز عن سلطة رئيس الحكومة للمطالبة مباشرة من الملك إعفائهم، لكونهم يتحملون المسؤولية أولا أمام رئيس الحكومة، ويعملون تحت سلطته، وهذا خلافا لكل التجارب الدستورية السابقة للمملكة.

ومن خلال هذه الملاحظات الأولية، يتضح بأن الملك في دستور 2011 لا يملك حق إعفاء رئيس الحكومة، وهذا ما يفهم على الأقل من خلال منطوق الفقرة الثالثة من الفصل47 من الدستور.[41]  وبالتالي فجلالة الملك من حقه إعفاء عضو أو أكثر من الأعضاء المشكلين للحكومة من مهامهم لكن بعد استشارة رئيس الحكومة دون أن يشمل هذا الحق الممنوح للملك رئيس الحكومة نفسه.[42]

ومن بين الأسئلة التي قد تثار في هذا الجانب، نجد تلك المتعلقة بطبيعة الاستشارة الواردة في الفقرة الثالثة من الفصل 47 حول ما إذا كانت استشارة ملزمة حقا للملك أم أنها لا تعدو إلا أن تكون مجرد استشارة اختيارية؟ وتثار أسئلة أخرى حول النتائج والآثار المحتملة في حالة ما إذا مس الإعفاء الملكي طبيعة الائتلاف للحكومة القائمة؟ وهل الملك ملزم بالأخذ برأي رئيس الحكومة أم غير ملزم للأخذ به؟

فيما يتعلق بالسؤال الأول الذي يخص مسألة تقديم الاستشارة، فنعتقد أن وضوح النص الدستوري يغنيه عن كل بيان أو تفصيل، لأن الملك في هذه الحالة لا يمكن له دستوريا أن يقدم على إعفاء باقي أعضاء الحكومة دون استشارة قبلية لرئيس الحكومة، لأن هذا الأخير هو الذي يمتلك سلطة اقتراحهم. وبالتالي من الواجب دستوريا على أن يستشير جلالة الملك رئيس الحكومة باعتباره المسؤول الأول عن التشكيلة الحكومية التي عينت باقتراحه، وإليه يرجع الأمر في اقتراح من يعين الملك ليحل محل عضو أو أعضاء الحكومة الذين قد يتم إعفائهم. وفي هذه الحالة يجب أن تراعى في هذا الصدد كذلك طبيعة التحالفات الحزبية ومراعاة طبيعة العلاقة التي تربط الحكومة بأغلبيتها البرلمانية، حتى لا يؤدي الإعفاء الملكي لأعضاء الحكومة إلى عدم الاستقرار الحكومي.

وهذا بالطبع له علاقة وطيدة بالسؤال الثاني الذي سبق وأن طرحناه أعلاه، بحيث أن الإعفاء الملكي يجب أن يأخذ بالحسبان طبيعة الأغلبية الحكومية القائمة.

وبالتالي _ في نظرنا _ أصبح من الضروري جدا أن يأخذ الملك برأي رئيس الحكومة نظرا لانبثاق هذا الأخير من الأغلبية التي أفرزتنها صناديق الاقتراع، وبالتالي فرأيه في هذا السياق هو رأي مطابق ويجب على الملك أن يأخذ به ولا يمكن اعتباره في كل الأحوال رأي استشاري لا يلزم الملك بالأخذ به، لأن قواعد الممارسة السياسية وقاعدة استمرار المؤسسات الدستورية هي التي تفرض ذلك، اللهم إذا أنتجت لنا الممارسة الدستورية أعرافا مخالفة، كأن تضم التشكيلة الحكومية أعضاء تكنوقراط مستقلين آنذاك نعتقد بأن رأي رئيس الحكومة لا يعدوا أن يكون أكثر من مجرد رأي استشاري لانتفاء فعل التأثير على تماسك الائتلاف الحكومي واستقراره.

وتجدر الاشارة في هذا الصدد أيضا بأن تعيين الملك لأعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها يتم بموجب ظهير يوقع بالعطف من طرف رئيس الحكومة، حتى يتحمل فيه هذا الأخير المسؤولية السياسية[43]، ومادام الأمر كذلك فلا يجب أن يتجاوز رئيس الحكومة المكانة التي يتمتع بها الملك، والظهير الذي اتخذه في تعيين الوزراء نظرا لحمولته الدستورية وللمكانة التي يحتلها في المنظومة القانونية المغربية.[44] وبالتالي إعفاء أعضاء الحكومة بمبادرة من رئيس الحكومة يستلزم بالضرورة الرجوع للملك في هذا الشأن. والتساؤل الذي قد يطرح نفسه في هذا السياق، يتعلق أساسا بالصيغة القانونية التي يتم بها إعفاء أعضاء الحكومة بمبادرة من رئيسها؟ هل يتم ذلك بموجب مرسوم، أم بموجب ظهير؟[45] ومن بين الاشكالات المطروحة في هذا السياق كذلك، نجد أن المشرع الدستوري المغربي أثناء صياغته لمقتضيات الدستور الحالي لم يكلف نفسه عناء توضيح الأسباب التي قد تدعوا أو تعجل بوضع حدا لمهام عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، سواء كانت هذه المبادرة من طرف جلالة الملك أو عن طريق رئيس الحكومة.[46]

ومن خلال قراءة بعض الفصول من الدستور وهي الفصول 42[47]، 48[48]، 49[49]، 89[50]، 92[51]، 93[52]  في ترابطها[53] يمكن أن نستنبط بعضا من “الأسباب السياسية” التي يمكن لها أن تؤدي بالملك أو رئيس الحكومة إلى وضع حد لمهام أعضاء الحكومة، بحيث يتضح وجود مستويين من المسؤولية في هذا الإطار:

ويمكننا أن نعود على سبيل المثال، إلى ما أفرزته الممارسة العملية في ظل التجربة الدستورية الحالية بهذا الخصوص، إذ نجد  هناك بعض الحالات التي شملتها مسطرة الإعفاء من المهام الوزارية، ويتعلق الأمر هما بالسيد “محمد أوزين” وزير الشباب والرياضة[54] وقد أعفي من ممارسة مهامه على إثر تورطه في مجموعة من الاختلالات التي شابت تهيئة ملعب “مولاي عبد الله” بالرباط المحتضن لنهائيات كأس العالم للأندية التي أقيمت بالمغرب.[55]

وعلى إثر هذه الواقعة أصدر جلالة الملك تعليماته[56] لرئيس الحكومة من أجل تعليق أنشطة الوزير المرتبطة بهذه التظاهرة الدولية (كأس العالم للأندية) وانتظار ما ستسفر عنه نتائج التحقيق.[57] حول ما إذا كانت مسؤولية الوزير “محمد أوزين” في هذه الخروقات مسؤولية ثابتة.[58]

وقد أثارت هذه “التعليمات الملكية” بتعليق أنشطة وزير الشباب والرياضة من النقاش حول مدى دستوريتها[59] أكثر مما أثارته حالات الاعفاء نفسها، إذ تم التساؤل عن موقعها من داخل البنيان الدستوري؟ وإلى أي حد يمكنها أن تؤثر على وضعية ومركز الحكومة مستقبلا، خصوصا ونحن أمام أول امتحان من أجل التنزيل الديمقراطي السليم لأحكام الدستور؟

وتجدر الاشارة في هذا السياق كذلك الى أن الدستور الحالي، وعلى غرار سابقيه من دساتير المملكة لا تتضمن أية إشارة إلى هذه التعليمات الملكية، ربما تجد سندها في ما يسمى بـ”الأوامر السلطانية” التي كان معمولا بها في فترة حكم السلاطين في المغرب.

وفي هذا السياق يقول الباحث “عبد الرحيم العلام”:  بأن “الدستور لم ينص على أي مسطرة لمحاسبة الوزراء خارج الاعفاء من المنصب، فلا يوجد ما يفيد أنه بإمكان الملك تعليق عمل وزير، ولكن يمكنه أن يعفيه من منصبه مع شرط استشارة رئيس الحكومة، ونفس الشيء  بالنسبة لهذا الأخير، فهو لا يمتلك دستوريا أية صلاحية لتوقيع عقوبات على الوزراء، لكن يمكنه أن يتوجه بطلب للملك من أجل إعفاء وزير من منصبه”. ويؤكد بأن هذه التعليمات الملكية الموجهة لرئيس الحكومة يجب أن تكون صادرة من المجلس الوزاري، فالملك حسب الدستور يمارس صلاحياته بظهائر وليس عن طريق تعليمات.[60]

وعلى عكس هذا الاتجاه اعتبر الأستاذ “خالد الشرقاوي السموني”: “بأن هذه التوجيهات الملكية ليس فيها ما يخالف الدستور وذلك باستناده إلى مجموعة من الأدلة[61] ليخلص في النهاية إلى أن هذه التعليمات الملكية تعليمات دستورية ما دامت صادرة من رئيس الدولة وممثلها الأسمى.”

وبغض النظر على ما أثارته هذه التعليمات الصادرة من طرف الملك خارج هيئة المجلس الوزاري، فلابد من التأكيد على أن مسطرة إعفاء الوزراء لم تعد كما كان عليه الأمر بالنسبة للدساتير السابقة[62] ، وهذا ما يؤكد التوجه العام للمشرع الدستوري المغربي المتجسد أساسا في تعزيز دور رئيس الحكومة وتقويته على غرار ما هو منصوص عليه في الأنظمة البرلمانية المقارنة.[63]

على سبيل الختم

في مقابل التكريس الدستوري لسمو المؤسسة الملكية في دستور المملكة لسنة 2011، فإنه بالمقابل نجده قد فوت بعض اختصاصات “الملك الدستوري” لفائدة رئيس الحكومة، بحيث يتضح جليا بأن مجال “الملك الدستوري” قد عرف بعض التغييرات الجوهرية صبت في اتجاه عقلنة اختصاصات الملك مقابل تقوية معقلنة لاختصاصات رئيس الحكومة[64] أيضا.

ويعتبر تقييد الملك بـ”المنهجية الديمقراطية” في تعيين رئيس الحكومة وعدم إمكانية إقالته من أبرز المتغيرات المتعلقة بعلاقة الملك بالحكومة في هذا السياق، وهذا المستجد الدستوري يمكننا أن نقول بأنه يجسد قاعدة مركزية في الأنظمة البرلمانية، وهي أن مجلس النواب باعتباره ممثلا للإرادة الوطنية والشعبية عن طريق الاقتراع العام المباشر هو الذي يختار الحكومة، وتبعا لذلك لابد لرئيسها أن ينبثق من الحزب الذي تصدر الانتخابات النيابية، وهذا ما قد يدفع _ كما سلف الذكر _ بقوة في اتجاه تقوية الطابع البرلماني للنظام الدستوري المغربي، مع الأخذ بعين الاعتبار ما تتطلبه هذه الاختصاصات الدستورية الواسعة لرئيس الحكومة من شجاعة وإرادة لتحريكها وعدم التنازل عنها.

وبهذا فإن دسترة ما يسمى بـ”المنهجية الديمقراطية” في تعيين رئيس الحكومة تعتبر واحدة من بين حسنات الدستور الحالي، وقد جاء هذا المقتضى الدستوري متوافقا مع مطالب العديد من الأحزاب السياسية في مذكراتها المرفوعة إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور.[65]

بهذا يتضح جليا بأن مركز رئيس الحكومة في الهندسة الدستورية الحالية أصبح مركزا مهما مقارنة مع ما كان عيه مركز الوزير الأول في الدساتير السابقة.[66] والذي لم يكن معه نهائيا وجود امكانية الحديث عن ثنائية السلطة التنفيذية  _ كما هو الحال في دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة _ وهذا راجع إلى واقع السمو الذي تحظى به المؤسسة الملكية في النظام السياسي والدستوري المغربي.[67]

وترتيبا على ما سبق _ وبالنظر إلى البنيان الدستوري الحالي _ يمكننا أن نقول بأن الحكومة من بين أكبر المستفيدين من حيث الاختصاصات الدستورية، إذ تحولت مؤسسة الحكومة مع دستور 2011 من مجرد جهاز تابع عضويا ووظيفيا للملك إلى مؤسسة دستورية قائمة الذات، وهذا ما تؤكده المعطيات الآتية:

[1]  أسفرت التجربة الدستورية المغربية فيما يتعلق بالوزارة الاولى التي انطلقت سنة 1963 وقد المملكة تشكيل بعض الحكومات قبل التجربة الدستورية: من بينها حكومة “مبارك البكاي لهبيل” في ديسمبر 1955، وحكومة 28 اكتوبر  1956 بقيادته أيضا. إضافة الى حكومة “أحمد بلافريج” في مارس سنة 1956، وحكومة “عبد الله ابراهيم” في دجنبر 1958. 27

وفي مارس خلال سنة 1960 ترأس الملك الراحل محمد الخامس خامس حكومة، كما ترأس الملك الراحل الحسن الثاني الحكومة السادسة يوم 4 مارس سنة 1961 والسابعة التي شكلت في 2 يوليوز 1961.

وتجدر الاشارة أن أيضا حكومتين قد عرفتا تغيير وزيرهما الأول وهما حكومة “محمد بنهيمة” الذي عوض محمد العراقي سنة 1969 وحكومة السيد “محمد كريم العمراني”، الذي عوضه “عز الدين العراقي” سنة 1986. أنظر بهذا الصدد:

[2]  محمد فتوح محمد عثمان: رئيس الدولة في النظام الفدرالي، دراسة تحليلية مقارنة وفقا لأحدث الوثائق بالولايات المتحدة الامريكية واتحاد الامارات العربية واتحاد الجمهوريات العربية، الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1977  ص. 7 وما بعدها.

[3]  مصطفى قلوش: النظام الدستوري المغربي، المؤسسة الملكية، طبعة ،1997 ص. 32

[4]  في هذا الإطار يقر بعض الباحثين المغاربة بأن مسطرة تعيين الحكومة في النظام الدستوري المغربي قد مرت بأربعة مراحل:

[5]  لم يعرف المغرب قط قبل دستور 1962 لقب “الوزير الأول” وإنما كان شاغل هذا المركز يسمى بـ”الصدر الأعظم” قبل 1955، وبعد هذا التاريخ أصبح يعرف شاغل هذا المنصب برئيس الحكومة. ومع بداية الحياة الدستورية لم يفقد هذا المنصب اسمه فقط، وإنما فقد أيضا جزء من صلاحياته حسب الاستاذة “أمينة المسعودي”. إذ لم يعد من حق الوزير الأول كما كان الأمر مع رئيس الحكومة اقتراح الوزراء على أنظار جلالته لتعيينهم. أنظر بهذا الصدد:

[6]   الوزراء هي الفئة التي يمكن اعتبارها الشكل التقليدي لكل هيئة حكومية وبكل حكومات العالم، وبهذا فإن عدد الوزراء ضمن تشكيلات الحكومات المغربية على طول امتداد الحياة الدستورية والسياسية قد عرف ارتفاعا في عدد الحقائب الوزارية لمجموعة من الاعتبارات التي قد تمليها الظروف الاقتصادية والاجتماعية للبلاد أو للسلطة التقديرية لجلالة الملك.

[7]  تعد الطاقة البشرية المحرك الاساسي لكل الدوائر سواء كانت حكومية أو غيرها، إلا أن الحكومة كجهاز سياسي وإداري مكلف بالتنفيذ والتسيير على التوالي، لابد أن تحظى مكوناته البشرية بالعناية اللازمة، وهذا ما يمكننا ملاحظته عندما يتم الحديث عن اختيار أعضاء الحكومة سواء تعلق الأمر بتعيينهم وإعفائهم أو بالمكونات القطاعية للحكومة المغربية.

للاطلاع أكثر حول التشكيلات الحكومية منذ دستور 1962 الى غاية دستور 1996 أنظر بهذا الصدد:

[8]  مصطفى قلوش: المرجع السابق، صفحات: 35 و36.

[9]  وهذه المقتضيات الدستورية السالفة الذكر، تظهر وكأنها لا تثير أي إشكال، إذ أن تعيين الحكومة يعود الى تعيينها في النظام الدستوري المغربي الى الملك باقتراح من الوزير الأول، إلا أن هذا التعيين يطرح إشكالا بصدد شرعية الحكومة التي تنتج عنه، أي هل التعيين وحده من قبل رئيس الدولة يكفي أن يجعل من الحكومة قائمة قانونيا دون انتظار التنصيب البرلماني؟ أم أن وجودها الشرعي يتطلب موافقة البرلمان على برنامجها السياسي مسبقا؟.

[10]  تجدر الإشارة إلى أن الجدل الحاصل بين الأطروحتين قد تم في نطاق دستور 1992، واستمر ذلك أيضا مع حقبة دستور 1996 لكون كل المقتضيات المتعلقة بمسطرة تعيين الحكومة لم يطرأ عليها أي تغيير. فأصحاب أطروحة “التعيين الأحادي” التي كان يتزعمها كل من عبد اللطيف المنوني، محمد معتصم،  رقية المصدق، المختار مطيع.. كانوا يعتمدون في الدفاع عن أطروحتهم هاته على المدلول الاصطلاحي للكلمات الدستورية الواردة في النصوص المعنية بالتعيين، وأحيانا أخرى كانوا يعتمدون على التبرير التقليداني للقانون الدستوري المغربي الذي تمثل فيه المؤسسة الملكية الحلقة المركزية. أنظر بهذا السياق:

[11]  هذه الأطروحة التي تقول بالتنصيب المزدوج كان يتزعمها كل من الاساتذة مصطفى قلوش، جاك روبير، عبد الرحمان القادري، أمينة المسعودي، عبد الرحمان أملو، مليكة الصروخ..أنظر بهذا السياق كل من:

[12]  عبد اللطيف المنوني:  مرجع سابق، ص. 111 وما بعدها.

[13]  حيث تقول الأستاذة رقية المصدق بهذا الخصوص: “تعديل الفصل 59 يبقى محدودا من حيث أنه لا يقر مبدأ التصويت المزدوج، لأن قراءة دقيقة لهذا الفصل تظهر الفرق بين التنصيب والمسؤولية، لأنه يحيل شروط التصويت على الفصل 74 الخاص بمسألة الثقة التي تشترط الأغلبية المطلقة وليس النسبية، وهذا يؤدي الى استقالة الحكومة باعتبارها موجودة مسبقا”. للمزيد أنظر:

[14]  محمد معتصم: الممكن و المستبعد في تعديل دستور 1992، جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد 14 فبراير 1992.

[15]  مصطفى قلوش: فتوى الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، جريدة الحركة عدد 3217، 28 ماي 1998، ص. 2

[16]  المرجع نفسه.

[17]  د. نجيب الحجيوي: سمو المؤسسة الملكية بالمغرب، المرجع السابق ص.72.

[18]  ينص الفصل 59 من دستور 1992 على ما يلي: “الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام مجلس النواب”.

يتقدم الوزير الاول أمام مجلس النواب بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخارجية”.

[19]  ينص الفصل 60 من دستور 1996 على ما يلي: ” الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام البرلمان.

يتقدم الوزير الاول أمام كل من مجلسي البرلمان بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخارجية.

يكون البرنامج المشار اليع أعلاه موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين ويتلو مناقشته في مجلس النواب تصويت يجب أن يقع وفق الشروط المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 75 ويترتب عليه الأثر المشار اليه اعلاه في الفقرة الأخيرة منه”.

[20]  بين الأطروحتين، ساد هناك تصور حاول أن يسلك الطريق الثالث، يتعلق الأمر بمجموعة من الباحثين الرافضين لأطروحة التنصيب المزدوج والتنصيب الأحادي، معتمدين بذلك في طرحهم هذا على وجود مسطرتين فيما يتعلق بتنصيب الحكومة:

أنظر بهذا السياق: وفاء الفيلالي: التصويت البرلماني، على البرنامج الحكومي: منح الثقة المبدئية، مقال منشور بأسبوعية الأيام (مغرب)، عدد 65، الصادرة بتاريخ 19 دجنبر 2002.

[21]  على الرغم من هذا الحسم في ضرورة حصول الحكومة على ثقة البرلمان لاستكمال تنصيبها النهائي، فان المشرع الدستوري المغربي من خلال الفصل 88 ، لم يكلف نفسه عناء تحديد المدة الزمنية التي ينبغي فيها على الحكومة أن تقدم خلالها برنامجها أمام البرلمان. وهذا الفراغ الدستوري أفرز لنا نقاش وجدال دستوري حول إشكالية أخرى، هل للحكومة الحق أن تعرض برنامجها الحكومي على المجلس الوزاري دون أن تستكمل مراحل امتحان التنصيب البرلماني؟ هل يمكن للحكومة أن تعرض برنامجها الحكومي قبل تنصيبها من طرف البرلمان؟

هل يدخل البرنامج الحكومي ضمن مفهوم “التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة” التي ينص عليها الفصل 49 من الدستور؟

وبهذا الخصوص انقسم الفقه المغربي ببين اتجاهين:

الاتجاه الأول: يتزعمه الاستاذ “خالد الناصري” الذي يؤكد على ضرورة عرض البرنامج الحكومي على المجلس الوزاري قبل التصويت عليه من طرف البرلمان،  وأن من يقول بالعكس، قد وقعوا في خطأ منهجي فعدم قراءة الفصلين 88 و 49 في ترابطهما (اعتمدوا في أطروحتهم هاته على المدلول الاصطلاحي الوارد في الفصل 49).

الفصل 49، يعالج موضوع القضايا المحالة على أنظار المجلس الوزاري، بينما الفصل 88 ينص تحديدا بوجوب عرض البرنامج الحكومي على المجلس الوزاري. ويتساءل الاستاذ “خالد الناصري”: هل يا ترى من عاقل، يقول إن برنامج حكومة جديدة سيرهن مستقبل البلاد لخمس سنوات القادمة، لا يدخل ضمن خانة التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة؟.

أما الاتجاه الثاني: الذي يرى عدم ضرورة عرض البرنامج الحكومي على انظار المجلس الوزاري، اذ يقول الاستاذ حسن طارق بهذا الصدد: ” لا يمكن أن نفهم من مصطلح التنصيب إلا ما يعينه بالضبط كمفهوم دستوري واضح يستحيل معه تصور ممارسة الحكومة لصلاحياتها الدستورية قبل تحققه”. وبالتالي لا يعقل أن تشرع الحكومة في عرض برنامجها الحكومي على المجلس الوزاري في غياب الاشارة إلى ذلك من قبل المشرع الدستوري.  أنظر بهذا الصدد كل من:

وفي قرار له بشأن البت في مدى دستورية قانون المالية لسنة 2014 ( الذي اعتبرته فرق المعارضة فيه خرق واضح للدستور انسجاما ومقتضيات الفصول 88 و 89 و90 و92 و93 منه، المجلس الدستوري) اعتبر المجلس الدستوري بأن “تنصيب الحكومة من لدن مجلس النواب يأتي على البرنامج الذي تتقدم به وليس على تركيبتها، مضيفا في هذا الخصوص أن عدم تقديم الحكومة لبرنامج جديد هو بمثابة التزام بأن تستكمل برنامجها الذي على أساسه نالت ثقة المجلس”.

كما اعتبر المآخذ المستدل بها للطعن في دستورية قانون المالية برسم سنة 2014 من طرف فرق المعارضة لا تنبني  على أساس دستوري صحيح، مما يجعل هذا القانون، ارتباطا بذلك، ليس فيه ما يخالف الدستور.

[22]  أزواغ محمد: اختصاصات رئيس الدولة..، نقلا عن الأستاذ نجيب الحجيوي: مرجع سابق، ص. 82 وما بعدها.

[23]  نجيب الحجيوي:  سمو المؤسسة الملكية…، المرجع السابق، ص. 83 وما بعدها.

[24]  من أبرز مستجدات دستور 2011، تعزيز صلاحيات الحكومة وتمتيعها بصلاحيات أكبر، والارتقاء بالمكانة الدستورية “للوزير الأول” ودسترة مجلس الحكومة وتحديد وتوضيح اختصاصاته، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ودسترة المعارضة. وبهذا فقد راهن مجموعة من  الباحثين في القانون الدستوري والعلوم السياسية على أن الانتقال من دستور 1996 الى دستور 2011 من شأنه أن يؤثر على العلاقة القائمة بين الملك ورئيس الحكومة، وهناك من شكك في ذلك من منطلق أن المؤسسة الملكية عبر تاريخها الممتد دائما ما تحاول الحفاظ على أسس قوتها، وتزكية مشروعية وجودها كمؤسسة تنفيذية فاعلة تتسم بالسمو والرجحان داخل النسق السياسي والدستوري المغربي. أنظر بهذا الصدد:

[25]  في دراسة قام بها الباحث “Jean Claude colliarde” على حوالي عشرين نظاما برلمانيا، خلص إلى نتيجة مهمة فيما يخص التنصيب الحكومي مفادها أن التعيينات الحكومية ثلاثة أنواع:

[26]  وفي إطار مسطرة تعيين الحكومة في دستور 2011 دائما، نجد هناك مجموعة من الاشكالات التي تطرح نفسها على سبيل الافتراض، والتي ربما “غفلها” المشرع الدستوري أو تغاضى عنها لسبب من الاسباب ولم يقدم لها حلولا دستورية، تاركا معه بذلك، الباب مفتوحا لما ستفرز عنه الحياة السياسية والممارسة الدستورية. في حالة ما إذا فشل رئيس الحكومة وحزبه في تكوين الحكومة أو في الحصول على تصويت أغلبية النواب، سواء تعلق الأمر بانسحاب حزب رئيس الحكومة من الحكومة، وبالتالي من رئاستها، أو تعلق الأمر بحالة شغور منصب رئيس الحكومة بغير استقالة أو وجود مانع؟ وتطرح أيضا في هذا الصدد اشكالية الأجل الدستوري الذي يحتاجه رئيس الحكومة في تشكيل حكومته؟ كما يطرح كذلك اشكالية عدم وجود حلا على مستوى أحكام الدستور ومقتضياته يمكننا اللجوء اليه في حالة رفض باقي الأحزاب السياسية الدخول في تحالفات مع الحزب المتصدر لانتخابات أعضاء مجلس النواب؟ وما هو الأجل الدستوري الذي يمكن للملك أن يلتزم به في تعيين رئيس الحكومة؟  وما هي المدة المخصصة لرئيس الحكومة لتشكيل حكومته بعد تعيينه من طرف جلالة الملك؟. والمشرع الدستوري بما هو منزه عن اللغو والعبث، قد ترك المجال مفتوحا على ما يبدوا لما ستفرزه الممارسة السياسية في تحديد الأجل الدستوري لتشكيل الحكومة.  أنظر بهذا الصدد:

[27]  تقوية مكانة رئيس الحكومة يمكن اعتباره مدخلا أساسيا لتقوية الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي. أنظر بهذا الصدد:

[28]  ينص الفصل 7 من الدستور في الفقرة الأولى منه على ما يلي: ” تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية”.

وانسجاما مع هذا التوجه الدستوري في الرفع من شأن الأحزاب السياسية من المشاركة السياسية وممارسة السلطة، جاء في الفصل 47 من الدستور الحالي في الفقرة الاولى والثانية منه على ما يلي: ” يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها.

ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها”.

[29]   كان أول حزب سياسي في المغرب، أطلق على القاعدة المشار إليها أعلاه اصطلاح “المنهجية الديمقراطية” هو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وذلك في تعليقه على تعيين الملك للسيد ادريس جطو وزيرا أولا، بعد اقتراع 2002 الخاص بانتخاب أعضاء مجلس النواب والذي احتل فيها الاتحاد الاشتراكي الصف الأول، من حيث عدد المقاعد، وكان من المفروض أن يعين الوزير الأول من بين أعضائه.

وهكذا قد أكد بلاغ للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، يوم 10 اكتوبر 2002 أنه “يستشعر دقة المرحلة، ويعتبر أن التقدم الديمقراطي الذي حققته بلادنا، يقتضي مراعاة الاقتراع الشعبي، والمنهجية الديمقراطية المترتبة عنها، وأنه لا شيء يبرر الابتعاد عن هذه المنهجية”. أنظر بهذا الخصوص:

[30]  يتضح من خلال التجارب الدستورية المغربية السابقة، بأن الملك كان حرا في تعيينه للوزير الأول. وهذا إن دل على شيء وإنما يدل على أن الشخص الذي سيقع عليه الاختيار بأن يكون وزيرا أولا يجب أن تتوفر فيه بعض الخصائص (غير قانونية) ليتم تعيينه في هذا المنصب. ومن بين العوامل المساعدة في اختيار الوزير الأول، نجد ما يلي:

أنظر بهذا الصدد:

[31]  هذا وقد صرح “عبد الإله بنكيران” لجريدة اخبار اليوم عدد25 نونبر 2011 بما يلي: “العرف هو ما جرى مع عبد الرحمان اليوسفي وعباس الفاسي، لكن أنا لا أتدخل في صلاحيات جلالة الملك، الدستور واضح في هذا الباب، وقوانين حزبنا واضحة كذلك”. ثم صرح لجريدة أخرى وهي جريدة التجديد عدد 29 نونبر 2011 بما يلي: “نحن اجتمعنا في الأمانة العامة للحزب واعتبرنا أن اختيار الأمين العام شيء طبيعي، وإن وقع اختيار آخر، سنتدبر الأمر في المجلس الوطني”.

[32]  عبد الوهاب معلمي: حوار مع جريدة الأحداث المغربية، العدد 4384، 21 يونيو 2011 ص 2. نقلا عن الاستاذ حسن طارق: الدستور و الديمقراطية، مرجع سابق.

[33]  على سبيل الافتراض، ففي حالة فشل رئيس الحكومة، وحزبه، في تكوين الحكومة أو في الحصول على تصويت أغلبية النواب إن تصدر حزب من الأحزاب السياسية لنتائج انتخابات مجلس النواب لا يعني أن هذا الحزب يمثل أغلبية مطلقة، بل ان الفارق بين الحزب المحتل للمرتبة الأولى والحزب المحتل للمرتبة الثانية، كان قبل سنة 2011 لا يتجاوز بضعة مقاعد، وقد سبق أن كان الحزب الأول من حيث المقاعد هو الحزب الثاني من حيث عدد الأصوات. وبهذا يقع على كاهل الحزب الحاصل على أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب البحث عن حلفاء آخرين من باقي الأحزاب لضمان النجاح في امتحان التنصيب البرلماني. ومسألة تشكيل الأغلبية ليس بالأمر السهل، فأطماع الأحزاب السياسية المشاركة في انتخابات أعضاء مجلس النواب في الحصول على أكبر عدد من الحقائب الوزارية مقابل مشاركتها في بناء الأغلبية قد تكون أكبر عائق في سبيل بناء هذه الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة. والفشل الذي قد يلحق برئيس الحكومة أثناء تجميع الأغلبية قد يعود حسب الأستاذ “محمد الساسي” إلى مجموعة من الأسباب ومنها: قد تكون أسباب متعلقة بشخصه، تحفظ الأحزاب عن الشخص المعين لتقديرها أنها لا تستطيع الاشتغال معه على الوجه المرضي والايجابي. وقد تكون أسباب سياسية في هذه الحالة تتعدى الاشخاص وتكون ناتجة عن وجود اختلافات وتباعد على مستوى البرامج والتصورات.

ومن هنا يمكننا أن نستنتج بأن الحزب الذي قد ينجح في احتلال صدارة النتائج النيابية قد لا تكون له علاقات جيدة مع باقي الفاعلين الآخرين المشكلين للحقل الحزبي، وقد لا تتوفر له عناصر كافية للتوافق حول صياغة برنامج حكومي مشترك مع تلك التوجهات الحزبية. للاطلاع أكثر حول هذه الفرضيات الممكنة، أنظر بهذا الخصوص:

 

[34]  الأستاذ محمد الطوزي: “ليس من مصلحة الملك أن يكون رئيس حكومته طيعا”، مجلة أخبار اليوم المغربية، عدد غشت 2011، ص. 15.

[35]  تجدر الإشارة الى أن هذا التوجه الدستوري لم يحترم على مستوى الممارسة العملية، إذ يلاحظ العودة القوية للوزراء التكنوقراط في تشكيلة حكومة عبد الإله بنكيران في نسختها الثانية.

 

[36]  وبهذا فإن الملك في اسبانيا لا يمكنه أن يعين أي شخص لتولي منصب رئاسة الحكومة ما لم يحترم مبدأ الأغلبية البرلمانية، وبالتالي فهو يعمل على اقتراح زعيم الاغلبية لتولي منصب الرئيس، وذلك بعد استشارة النواب الممثلين لمختلف الفرق السياسية الممثلة في البرلمان. إلا أن ما تجدر الاشارة اليه هو أن الاقتراح لا يتقدم به الملك بشكل مباشر وإنما عن طريق رئيس مجلس النواب الاسباني ( الكورتيس)، وعند حصوله على ثقة المجلس المتمثلة في قبول برنامجه السياسي بالأغلبية المطلقة لأعضائه يعمد الملك الى تعيينه في منصب رئيس الحكومة. والا فإن نفس الاقتراح يبقى قائما للتصويت عليه للمرة الثانية داخل أجل 48 ساعة من تقديم المقترح الأول، وتعتبر الثقة النيابية ممنوحة إذا أحرز هذا الاقتراح على موافقة الأغلبية البسيطة للنواب. وتتوالى هذه الاقتراحات وبنفس الشروط الى حدود مرور شهرين على أول تصويت بالثقة. وفي هذه الحالة وإذا لم يحصل على ثقة الكورتيس فإن الملك يعمل على حل الغرفتين البرلمانيتين معا ويدعو الى انتخابات جديدة وبتوقيع من طرف رئيس مجلس النواب. أنظر بهذا الصدد:

[37]  عبد الحفيظ المالكي: مؤسسة الوزير الأول  في المغرب، فرنسا وإسبانيا، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، 2007/ 2008 ص. 25.

[38]  JACQUE ROVER, La Monarchie Marocaine, Librairie Générale de Droit et de Jurisprudence, 1963, p. 272.

[39]  الفصل 24 من دستور 1996 ينص على ما يلي: ” وله (أي الملك) أن يعفيهم من مهامهم، ويعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها”.

[40]  أنظر الفصل 47 من دستور المملكة لسنة 2011، مرجع سابق.

[41]  الفقرة الثالثة من الفصل 47 من دستور 2011 تنص على ما يلي: “للملك وبمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم”.

[42]  لو أراد المشرع مثلا أن يعطي للملك حق إعفاء الحكومة لنص عليها بصريح العبارة. كما كان الأمر بالنسبة لدستور 1996 الذي ينص في الفصل 24 الفقرة الرابعة منه على أن الملك من حقه إعفاء رئيس الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها. (أنظر الفصل 24 من دستور 1996).

[43]   التوقيع بالعطف حسب بعض الباحثين يمكن حصره في وظائف ثلاث وهي على الشكل التالي:

وسلطة التوقيع بالعطف موجودة حتى في التجارب الدستورية المقارنة، فعلى سبيل المثال نجد في الدستور الإسباني ما يلي: ” إن أعمال الملك يوقع عليها بالعطف، رئيس الحكومة
الأشخاص الذين يوقعون بالعطف يسألون عن أعمال الملك“.

أنظر بهذا الصدد كل من:

[44]  أحمد أشركي: الظهير الشريف في القانون العام المغربي، دار الثقافة للنشر، 1983، الصفحات من 131 الى 150.

[45] بالعودة إلى الفصل 47 من الدستور يتضح أنه لا يعطي الحق لرئيس الحكومة إلا في المبادرة، أي أنه لا يتمتع إلا بحق تسمية اعضاء الحكومة الذين يرغب في أن يضع الملك حدا لمهامهم، وهذا التصرف أي الإعفاء، لا يتم إلا بموجب ظهير، وهذا الأخير لا يمكن أن يتخذه إلا الملك مع التوقيع عليه بالعطف من طرف رئيس الحكومة حتى يتحمل فيه مسؤولية الأثر القانونية التي قد تنتج عن توقيعه للظهير، ودون أن نغفل حق رئيس الحكومة دستوريا في اقتراح من يحل محل العضو الذي قد تم إعفائه. للاستفاضة أكثر في الصيغة القانونية لإقالة الحكومة أنظر: أمينة المسعودي، المرجع السابق، الصفحات من 266 الى 273.

[46]  في هذا السياق تؤكد الأستاذة أمينة المسعودي إلى  أنه: “من خلال رصد الممارسة السياسية والدستورية بالمغرب فقد اتضح وجود أسباب سياسية مختلفة لوضع حد لمهام الوزراء بصفة جماعية” وتضيف الأستاذة أمينة المسعودي إلى: “أنه قد تم رصد ثلاثة أسباب سياسية لإقالة الحكومات، فقد أقيلت حكومات نتيجة لطلبها الاستقالة كما أقيلت حكومات أخرى نتيجة إقالة رئيسها أو وزيرها الأول، وقد أقيلت حكومات أخرى نتيجة ابتداء تجربة برلمانية”.

[47]  الفصل 42 من الدستور ينص على ما يلي: “الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى”.

[48]  : الفصل 48 ينص على ما يلي: ” يرأس الملك المجلس الوزاري، الذي يتألف من رئيس الحكومة والوزراء”.

[49]  الفصل 49 من الدستور ينص على ما يلي:” يتداول المجلس الوزاري في القضايا والنصوص التالية:

التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة”.

[50] الفصل 89 من الدستور ينص على ما يلي: “… تعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين”.

[51] الفصل 92 من الدستور ينص على ما يلي: “يتداول مجلس الحكومة، تحت رئاسة رئيس الحكومة، في القضايا والنصوص التالية:

السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري”.

[52]  الفصل 93 من الدستور ينص على ما يلي:” الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية ،كل في القطاع المكلف به، في إطار التضامن الحكومي.

[53]  لا بد من الرجوع إلى قراءة الفصول الدستورية في ترابطها للبحث في ماهية اهاته لأسباب السياسية التي قد تؤدي إلى إقالة أعضاء الحكومة بمبادرة من الملك أو رئيس الحكومة، لما يشكله الدستور من كتلة واحدة ومتجانسة لا يمكن قراءة فصوله بمعزل عن الفصول الأخرى.

[54] يعتبر السيد “محمد اوزين” وزير الشباب والرياضة أولى الحالات التي يشملها الإعفاء من تشكيلة حكومة “عبد الاله بنكيران” التي تعتبر الحكومة الأولى في حقبة دستور 2011، ونفس المصير أيضا سيشمل كل من “الحبيب الشوباني” الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، والسيدة “سمية بنخلدون” الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، والسيد “عبد العظيم الكروج” الوزير المنتدب لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني المكلف بقطاع التكوين المهني. أنظر بهذا الصدد: بلاغ الديوان الملكي الصادر بتاريخ 11 ماي 2015.

[55]  وهي مجموعة من  الاختلالات قد طبعت أطوار إحدى المباريات برسم ربع نهائيات  كأس العالم للأندية بسبب ما وقع في ملعب مولاي عبد الله في الرباط نتيجة الأمطار الغزيرة التي جعلت من أرضيته بركًا مائية. للاطلاع أكثر حول  النقاش الدستوري المتعلق بتعليق مهام وزير الشباب والرياضة. أنظر ما يلي:

[56]  هذا على غرار ما تطرحه دستوريا “جلسات العمل الملكية”، التي تعتبر إحدى الصيغ المساهمة المباشرة في صناعة السياسة العامة للدولة، حيث عادة ما يكون موضوع هذه الجلسات يهم احدى القضايا الأساسية للبلاد وتنعقد بحضور بعض المسؤولين المباشرين على الملفات المعروضة أثناء هذه الجلسات الملكية.

كل ذلك جعل مجموعة من المهتمين يتساءلون حول مصير هذه الجلسات ومدلى دستوريتها، خصوصا مع الانتقال الذي شهدته المملكة إلى دستور 2011 وما رافقه من نقاش حول نهاية حقبة “الملكية التنفيذية”. أنظر بهذا الصدد:

[57]  وقد جاء في بلاغ الديوان الملكي بصدد إعفاء وزير الشباب والرياضة السيد “محمد وازين” من منصبه ما يلي: ” تنفيذا للتعليمات السامية التي أصدرها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله للسيد رئيس الحكومة بإجراء بحث كامل وشامل بخصوص الاختلالات التي عرفتها إحدى مقابلات كأس العالم للأندية التي أقيمت على أرضية المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط رفع السيد رئيس الحكومة إلى النظر السديد لجلالة الملك تقريرا في الموضوع بناء على الأبحاث التي قام بها السيدان وزير الداخلية ووزير الاقتصاد والمالية..”. وقد أثبت هذا التقرير المسؤولية السياسية والإدارية المباشرة لوزارة الشباب والرياضة وكذا مسؤولية المقاولة في الاختلالات المسجلة على صعيد إنجاز هذا المشروع في جوانب عدة (عيوب في إنجاز أشغال تصريف المياه، تهيئة أرضية الملعب المخالفة لمقتضيات دفتر التحملات، اختلالات على مستوى جودة الأشغال، اختلالات في منظومة المراقبة التي قامت بها وزارة الشباب والرياضة…). للمزيد حول  البلاغ الصادر من الديوان الملكي: ليومه 7 يناير 2015، أنظر الرابط التالي: http://www.maroc.ma/ar

[58]  وبعد بحث معمق خلصت اللجنة المكلفة بالتحقيق في هذه الخروقات إلى وجود مسؤولية وزير الشباب والرياضة السيد “محمد أوزين”، وبذلك صدر ظهير إعفائه من منصبه بشكل نهائي.  وقد جاء في ظهير الاعفاء ما يلي: ” بناء على الدستور ولا سيما الفقرة الخامسة من الفصل 47، وبعد الاطلاع على الظهير الشريف رقم 01.12.1 الصادر في 9 صفر 1433 ( 3 يناير 2012) بتعيين أعضاء الحكومة. كما وقع تغييره: “…ابتداء من 15 ربيع الأول 1436 (7 يناير 2015) يعفي السيد محمد والزين. وزير الشباب والرياضة من مهامه.” (أنظر ظهير شريف رقم 1.15.01 صادر في 15 من ربيع الأول 1436 ( 7 يناير 2015) بإعفاء السيد محمد والزين، وزير الشباب والرياضة).

[59]  هذا النقاش لم يخرج عن سياق مدى احترام المساطر المنصوص عليها ضمن المقتضيات الصريحة للنص الدستوري، ويندرج ضمن محولات الفهم عما اذا كانت هذه التعليمات الملكية  المتخذة خارج المجلس الوزاري فيها خرق دستوري أم لا. وهفي هذا السياق نجد من الباحثين من يعتبرها تعليمات غير دستورية على اعتبار أن الدستور لا يتضمن وسائل محاسبة الوزراء خارج مسألة الاعفاء، وهناك من ذهب عكس ذلك. للمزيد حول هذا النقاش الدستوري الذي شمل التعليمات الملكية، أنظر ما يلي:

[60] وأمام هذا الوضع يتساءل الباحث “عبد الرحيم العلام” حول مآل تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة مادام لرئيس الدولة غير المنتخب الحق في إقالة وزير ينتمي إلى حكومة منتخبة؟ وهل يتوافق مبدأ الانسجام الحكومي وتبعية الوزراء للملك، في ظل عدم قدرة رئيس الحكومة على إقالة وزير من اختياره، ما لم يوافق على ذلك الملك؟ فبالرغم من مسؤولية الحكومة أمام البرلمان _ حسب الاستاذ العلام _  إلا أن الوزراء مسؤولين أمام الملك. بدليل أنه يستطيع إعفاء أحدهم أو أكثر، حتى ولو لم يتوصل بطلب الاعفاء من رئيس الحكومة. للمزيد حول هذا الموضوع أنظر ما يلي:

[61]  يمكننا استعراض هده الأسانيد التي اعتمد عليها الأستاذ خالد الشرقاوي السموني للدفاع عن دستورية هذه التعليمات الصادرة من جلالة الملك في حق السيد “محمد أوزين” على الشكل التالي:

[62]   والتي لم يكن فيها الوزير الأول بالمركز الذي يمثله _ واسطة بين جلالة الملك وأعضاء حكومته _ بحيث كان فيها للملك سلطة مباشرة في إعفائهم، كما كان لأعضاء الحكومة أيضا الحق في أن يطلبو الاستقالة مباشرة من جلالة الملك، لكن مع الوضع الجديد الذي أصبح عليه رئيس الحكومة في الدستور الحالي، يمكننا القول بأن المشرع الدستوري قد خطى خطوة مهمة في اتجاه ثنائية السلطة التنفيذية. للمزيد حول هذا الموضوع أنظر الاستاذ:

[63]  في النظام الدستوري الاسباني مثلا، يعمل الملك على عزل رئيس الحكومة في حالتين: عند انتهاء المدة المحددة وفق الدستور أو عند سحب الثقة من الحكومة.  وتبعا لذلك  يمكننا القول بأن الملك في اسبانيا يعين رئيس الحكومة في ثلاث حالات:

أنظر في هذا السياق، المادة 100 من الدستور الاسباني لسنة 1978 الفقرة الاولى التي تنص على ما يلي:” الحكومة تعتبر منتهية بعد الانتخابات العامة بعد افتقاد الثقة البرلمانية المنصوص عليها في الدستور بعد استقالة أو موت رئيسها”.

[64]  محمد زين الدين : الدستور ونظام الحكم في المغرب، ط 1، 2015، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص. 196.

[65]  OMAR BENDOUUROU, « La nouvelle Constitution Marocaine du 29 juillet 2011 : Le changement entre mythe et réalité » in revue du Droit public et de politique en France et à l’étranger, N° 3, 2012, L.G.D.J. P. 649.

[66]  للاطلاع أكثر حول هذا الموضوع المتعلق بإنهاء مهام الحكومة انظر كل من:

[67]  إلا أنه يبقى حضور سلطة الملك ملازم دائما لأي قرار يمكن أن يتخذه رئيس الحكومة في حالة ما إذا رغب في وضع حد لمهام عضو من أعضاء الحكومة بحيث يتوجب عليه أن يقدم طلب إلى الملك يلتمس فيه اعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم. وهذا التقييد قد يجد تبريره فيما نصت عليه الفقرة الرابعة من الفصل 42 التي تنص على ما يلي: “توقع الظهائر بالعطف من قبل رئيس الحكومة، ما عدا تلك المنصوص عليها في الفصول..”.

Exit mobile version